موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

وهنا أيضاً لا ينبغي التأمل في الحكم بالتمام ، فانّ بقاء الثلاثين قاطع لحكم السفر ، فاحتماله احتمال لوجود القاطع ، وهو مناف للعزم الفعلي على السفر الشرعي الموجب للقصر. فمرجع الترديد المزبور إلى الترديد في السفر ، الموجب لزوال القصد وعدم التصميم فعلاً على الاستدامة في السفر الذي جعله الشارع موضوعاً للقصر ، فإنّه عبارة عمّا كان فارغاً عن القاطع ، والمفروض احتمال وجود القاطع.

ثالثها : أن يتردّد في الذهاب أو البقاء بقصد إقامة العشرة ، وحكمه كسابقه في لزوم التمام ، لاشتراكهما في احتمال وجود القاطع ، الموجب للتردّد في السفر غاية الأمر أنّ القاطع هناك نفس البقاء ثلاثين يوماً متردّداً ، وهنا قصد بقاء العشرة ونيّة الإقامة.

ولا يبعد أن تكون عبارة المتن شاملة لجميع هذه الصور الثلاث ، لاشتراكها في صدق التردّد في المسافرة وعدمها ، وإن كان شمولها للأُولى أظهر كما لا يخفى.

رابعها : أن يتردّد في الذهاب أو البقاء يوماً أو يومين أو أكثر دون العشرة بحيث لم يحتمل من نفسه قصد إقامة العشرة فاتفق بقاؤها ، أو أنّه لم يزل على هذه الحالة إلى أن مضى ثلاثون يوماً.

والظاهر أنّ عبارة المتن غير ناظرة إلى هذه الصورة. وعلى أيّ حال فلا وجه للحكم بالتمام خلال هذه المدّة ، لعدم كون مثل هذا التردّد منافياً لقصد السفر بوجه بعد عدم اقترانه باحتمال القاطع ، ومعلوم أنّ مجرّد بقاء العشرة من غير قصد لا يستوجب القطع والرجوع إلى التمام.

نعم ، رواية حنّان عن أبيه عن أبي جعفر (عليه السلام) ربما تدلّ عليه ، قال : «إذا دخلت البلدة فقلت اليوم أخرج أو غداً أخرج فاستتممت عشراً فأتمّ» (١)

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٥٠٢ / أبواب صلاة المسافر ب ١٥ ح ١٤.

٣٤١

[٢٣٣٧] مسألة ٣٦ : يلحق بالتردّد ما إذا عزم على الخروج غداً أو بعد غد ثمّ لم يخرج وهكذا إلى أن مضى ثلاثون يوماً (١) حتّى إذا عزم على الإقامة تسعة أيام مثلاً ثمّ بعدها عزم على إقامة تسعة أيام أُخرى وهكذا ، فيقصّر إلى ثلاثين يوماً ثمّ يتمّ ولو لم يبق إلّا مقدار صلاة واحدة.

______________________________________________________

لكنّها ضعيفة السند بعبد الصمد بن محمد (١) مع أنّها مروية بعين السند والمتن مع تبديل «عشراً» بقوله : «شهراً» فتكون من أدلّة الإتمام بعد الثلاثين. ولا يبعد أن تكون نسخة «عشراً» غلطاً من النسّاخ. وكيف ما كان ، فحكم هذه الصورة هو البقاء على القصر كما عرفت.

(١) فانّ المذكور في أكثر النصوص وإن كان هو التردّد ، إلّا أنّه لا خصوصية فيه ، بل الاعتبار على ما يستفاد من إطلاق بعض الأخبار بعدم قصد الإقامة والمضيّ على هذه الحالة إلى الثلاثين ولو عن غير تردّد ، كما لو عزم على الخروج في اليوم التاسع مثلاً ثمّ بدا له فلم يخرج وعزم على إقامة تسعة أيام اخرى وهكذا إلى أن مضى الثلاثون ، فإنّه يقصّر هذه المدّة ، ثمّ يتم بعدها ولو لم يبق إلّا مقدار صلاة واحدة.

فمن تلك الأخبار رواية أبي بصير : «... وإن كنت تريد أن تقيم أقلّ من عشرة أيام فأفطر ما بينك وبين شهر ، فاذا تمّ الشهر فأتمّ الصلاة والصيام ...» (٢) وهي واضحة الدلالة ، لكنّها ضعيفة السند بعلي بن أبي حمزة الذي هو البطائني الضعيف بل الكذّاب كما عن الشيخ (٣) ، مضافاً إلى أنّها مقطوعة ، إذ لم يسندها أبو بصير

__________________

(١) قد بنى (دام ظلّه) أخيراً على وثاقته لكونه من رجال كامل الزيارات ، وكذلك سدير الصيرفي والد حنّان.

(٢) الوسائل ٨ : ٤٩٨ / أبواب صلاة المسافر ب ١٥ ح ٣.

(٣) [لم نعثر على ذلك ، بل صرّح في العدّة ١ : ٥٦ السطر ١٩ بوثاقته].

٣٤٢

[٢٣٣٨] مسألة ٣٧ : في إلحاق الشهر الهلالي إذا كان ناقصاً بثلاثين يوماً إذا كان تردّده في أوّل الشهر وجه لا يخلو عن قوّة (*) وإن كان الأحوط عدم الاكتفاء به (١).

______________________________________________________

إلى الإمام (عليه السلام).

والعمدة صحيحتان : إحداهما : صحيحة أبي ولاد المتقدمة ، حيث قال (عليه السلام) في ذيلها : «... إن شئت فانو المقام عشراً وأتم ، وإن لم تنو المقام عشراً فقصّر ما بينك وبين شهر ، فاذا مضى لك شهر فأتمّ الصلاة» (١). دلّت على أنّ العبرة بنيّة إقامة العشرة وعدمها ، وأنّه مع عدم النيّة يتم بعد مضيّ الثلاثين سواء أكان ذلك من أجل التردّد أم نيّة العدم ، بمقتضى الإطلاق.

الثانية : صحيحة معاوية بن وهب قال (عليه السلام) فيها : «وإن أقمت تقول : غداً أخرج أو بعد غد ، ولم تجمع على عشرة فقصّر ما بينك وبين شهر فاذا تمّ الشهر فأتمّ الصلاة» (٢). دلّت على أنّ العبرة بعدم الإجماع ، أي عدم العزم على إقامة العشرة ، ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين استناده إلى التردّد وعدمه.

(١) المأخوذ موضوعاً للحكم في كثير من النصوص هو عنوان الشهر ، وورد في بعضها وهو مصحّح أبي أيوب (٣) مضي الثلاثين.

أمّا الثلاثون فظاهر المعنى ، وأمّا الشهر المراد به الشهر العربي المأخوذ موضوعاً لكثير من الأحكام من العدّة والصيام ونحوهما ومنه المقام فهو حقيقة

__________________

(*) فيه إشكال بل منع ، والأحوط الجمع في اليوم الواحد بعده.

(١) الوسائل ٨ : ٥٠٨ / أبواب صلاة المسافر ب ١٨ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٥٠٣ / أبواب صلاة المسافر ب ١٥ ح ١٧.

(٣) الوسائل ٨ : ٥٠١ / أبواب صلاة المسافر ب ١٥ ح ١٢.

٣٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

لغة وعرفاً في خصوص الزمان المتخلّل بين الهلالين ، فمبدؤه رؤية الهلال ومنتهاه رؤية الهلال القادم.

إلّا أنّ إرادة هذا المعنى الحقيقي متعذّر في المقام بحيث يكون أوّل زمان الترديد منطبقاً على أوّل آن يتكوّن فيه الهلال ويستمرّ إلى حلول الهلال القادم ، فانّ هذا الفرض إمّا لا يقع خارجاً أو لو وقع فهو في غاية الندرة والشذوذ فكيف يمكن حمل هاتيك النصوص المتظافرة عليه.

وأبعد منه إرادة ما بين الهلالين وإن استلزم إلغاء ما بقي من الشهر فيما لو عرض التردّد أثناءه كما هو الغالب ، فلو تردّد في اليوم العاشر من رجب مثلاً يلغى ما بقي من هذا الشهر ، ويحتسب من مبدأ شعبان إلى غرّة رمضان كي يصدق التردّد ما بين الهلالين الذي هو المعنى الحقيقي للشهر ، وإن كان مجموع زمان التردّد خمسين يوماً. فانّ هذا مقطوع العدم ، مخالف لضرورة الفقه.

فلا مناص من أن يراد به مقدار ما بين الهلالين لا نفسه ، فان كان التردّد أوّل الشهر فهو ، وإن كان أثناءه كما هو الغالب يتمم من الشهر الآتي بمقدار ما مضى من هذا الشهر ، وبذلك يتحقّق مقدار ما بين الهلالين.

وبما أنّ الأشهر الهلالية تختلف من حيث النقص والكمال فمقتضى إطلاق هذا الدليل الاكتفاء بهذا المقدار ، سواء انطبق على الثلاثين أم على الأقل ، كما لو تردّد في اليوم السادس عشر وكان الشهر ناقصاً فإنّه ينتهي الأمد في آخر اليوم الخامس عشر من الشهر القادم ، وإن كان المجموع تسعة وعشرين يوماً الحاصل من ضمّ الأربعة عشر من تتمّة هذا الشهر إلى الخمسة عشر من الشهر القادم لصدق تخلّل مقدار ما بين الهلالين بذلك ، ولكنّ رواية الثلاثين تقيِّد هذا الإطلاق وتوجب الحمل على إرادة مقدار خصوص الشهر التام.

كما أنّ رواية الثلاثين أيضاً مطلقة من حيث نقص ذلك الشهر وتمامه ، فتقيّد

٣٤٤

[٢٣٣٩] مسألة ٣٨ : يكفي في الثلاثين التلفيق إذا كان تردّده في أثناء اليوم (١) كما مرّ في إقامة العشرة ، وإن كان الأحوط عدم الاكتفاء ومراعاة الاحتياط.

______________________________________________________

بنصوص الشهر ، وأنّ الثلاثين إنّما تعتبر فيما إذا لم يمض مقدار ما بين الهلالين وإلّا يكتفى بهذا المقدار.

وحيث لا يمكن الجمع بين التقييدين فلا محالة يتعارض الدليلان في اليوم الثلاثين عند نقص الشهر ، ويكون المرجع بعد التساقط عموم أدلّة القصر.

وبعبارة أُخرى : إطلاق كلّ من نصوص الشهر ورواية الثلاثين معارض بالآخر ، وكلّ منهما صالح لأن يكون مقيّداً لإطلاق الآخر ، وحيث لا قرينة على الترجيح فلا محالة يتعارض الإطلاقان ويتساقطان ، والمرجع حينئذ عموم أدلّة القصر لكلّ مسافر ، للزوم الاقتصار في المخصّص المجمل أو المبتلى بالمعارض على المقدار المتيقّن ، وهو ما بعد مضي الثلاثين ، وأمّا الزائد عليه وهو اليوم الثلاثون نفسه فلم يعلم شمول المخصّص له ، فلا جرم يبقى تحت العام. فبحسب النتيجة تكون العبرة بمضي الثلاثين ويتم في اليوم الذي بعده.

فتحصّل : أنّ ما ذكره في المتن من إلحاق الشهر الهلالي مع النقص بثلاثين يوماً مشكل جدّاً ، بل ممنوع ، فيبقى في اليوم الواحد الذي بعده المكمّل للثلاثين على القصر ، وإن كان الأحوط فيه الجمع.

(١) إذ المستفاد من ظواهر الأدلّة بمقتضى الفهم العرفي كون الاعتبار بمقدار اليوم الحاصل مع الانكسار والتلفيق ، لا خصوص ما بين طلوع الفجر أو الشمس وغروبها. فلو تردّد لدى الزوال من اليوم الأوّل واستمرّ إلى زوال اليوم الحادي والثلاثين صدق عليه عرفاً أنّه تردّد ثلاثين يوماً بضمّ النصف الأوّل

٣٤٥

[٢٣٤٠] مسألة ٣٩ : لا فرق في مكان التردّد بين أن يكون بلداً أو قرية أو مفازة (١).

[٢٣٤١] مسألة ٤٠ : يشترط اتحاد مكان التردّد (٢) فلو كان بعض الثلاثين في مكان وبعضه في مكان آخر لم يقطع حكم السفر ، وكذا لو كان مشتغلاً بالسير وهو متردّد فإنّه يبقى على القصر إذا قطع المسافة. ولا يضرّ بوحدة المكان إذا خرج عن محلّ تردّده إلى مكان آخر ولو ما دون المسافة بقصد العود إليه عما قريب إذا كان بحيث يصدق عرفاً أنّه كان متردّداً في

______________________________________________________

إلى الأخير الذي يتشكّل منه اليوم الكامل ، كما مرّ نظيره في إقامة العشرة (١) فيتم فيما بعد الزوال من ذلك اليوم ، وهذا واضح.

(١) لإطلاق الأدلّة وعدم التقييد بالبلد ، فيشمل كلّ مكان حصل فيه التردّد وإن كان سهلاً أو جبلاً ، فضلاً عن القرية ونحوها ، كما كان هو الحال في محلّ الإقامة على ما تقدّم (٢).

(٢) لعين ما تقدّم (٣) في محلّ الإقامة من ظهور الأدلّة في اعتبار وحدة المحلّ فانّ دليل البابين بلسان واحد ، ولا فرق بين الموردين إلّا من حيث القصد وعدمه ، فموضوع الحكم بالتمام قصد بقاء عشرة أيام وبقاء الثلاثين من غير قصد ، فيشتركان في الأحكام التي منها اشتراط وحدة المكان ، فلا يكفي في انقطاع حكم السفر تفرّق الثلاثين في الأمكنة العديدة.

نعم ، لا يضرّ بصدق الوحدة الخروج ولو إلى ما دون المسافة إذا كان في مدّة

__________________

(١) في ص ٢٦٣.

(٢) في ص ٢٦٦.

(٣) في ص ٢٦٤.

٣٤٦

ذلك المكان ثلاثين يوماً ، كما إذا كان متردِّداً في النجف وخرج منه إلى الكوفة لزيارة مسلم أو لصلاة ركعتين في مسجد الكوفة والعود إليه في ذلك اليوم أو في ليلته ، بل أو بعد ذلك اليوم (*).

[٢٣٤٢] مسألة ٤١ : حكم المتردّد بعد الثلاثين كحكم المقيم في مسألة الخروج إلى ما دون المسافة مع قصد العود إليه (١) في أنّه يتم ذهاباً وفي

______________________________________________________

يسيرة كساعة أو ساعتين لقضاء حاجة ونحوها كما هو متعارف لدى المسافرين ، دون المدّة الكثيرة كطول النهار ، فضلاً عن العود بعد ذلك اليوم كما ذكره في المتن ، فانّ مثل ذلك قادح في صدق الوحدة العرفية البتّة.

بل وكذا يقدح الخروج في موارد الشكّ في الصدق بشبهة مفهومية كما لو كان ذلك بمقدار خمس ساعات أو ست ، للزوم الاقتصار في الخروج عن عمومات القصر على المقدار المتيقّن الذي يقطع معه بعدم القدح في الصدق كالساعة أو الساعتين حسبما عرفت ، وأمّا الزائد المشكوك فيه فالمرجع فيه هو العام كما تقدّم ذلك في محلّ الإقامة (١).

(١) لما عرفت آنفاً من كون البابين من واد واحد ، ولسان دليلهما على نهج فأرد ، فيجري فيما لو بدا للمتردّد بعد الثلاثين الخروج إلى ما دون المسافة جميع الصور السّبع المتقدّمة (٢) فيما لو بدا مثل ذلك للمقيم ، وحكمها حكمها حرفاً بحرف لوحدة المناط فلاحظ.

__________________

(*) الاعتبار إنّما هو بصدق البقاء ثلاثين يوماً في محلّ واحد ، وفي صدقه فيما إذا خرج تمام اليوم إشكال بل منع.

(١) في ص ٢٧٣.

(٢) في ص ٢٩٨ وما بعدها.

٣٤٧

المقصد والإياب ومحلّ التردّد إذا كان قاصداً للعود إليه من حيث إنّه محلّ تردّده ، وفي القصر بالخروج إذا أعرض عنه وكان العود إليه من حيث كونه منزلاً له في سفره الجديد ، وغير ذلك من الصور التي ذكرناها.

[٢٣٤٣] مسألة ٤٢ : إذا تردّد في مكان تسعة وعشرين يوماً أو أقل ثمّ سار إلى مكان آخر وتردّد فيه كذلك وهكذا بقي على القصر (١) ما دام كذلك إلّا إذا نوى الإقامة في مكان أو بقي متردّداً ثلاثين يوماً في مكان واحد.

[٢٣٤٤] مسألة ٤٣ : المتردّد ثلاثين يوماً إذا أنشأ سفراً بقدر المسافة لا يقصّر إلّا بعد الخروج عن حدّ الترخّص (*) كالمقيم كما عرفت سابقاً (٢).

______________________________________________________

(١) لعمومات القصر السليمة عما يصلح للتقييد وإن طالت المدّة ما لم ينو الإقامة ، أو لم يكمل الثلاثين اللذين هما الموضوع لوجوب التمام كما هو ظاهر.

(٢) وقد عرفت منعه سابقاً (١) وأنّ اعتبار حدّ الترخّص خاص بالوطن لاختصاص دليله به ، فلا يشمل المقيم فضلاً عن المتردِّد ، فيقصّر من لدن خروجه عن محلّ الإقامة أو مكان التردّد وتلبّسه بالسير خارجاً.

بل لو سلّمنا ذلك في المقيم لأجل تنزيله منزلة الأهل في بعض النصوص (٢) أخذاً بعموم المنزلة ولا نسلّمه فيه ، لضعف دليل التنزيل كما تقدّم في محلّه فلا نسلّمه في المقام ، لعدم ورود مثل هذا التنزيل فيه بوجه ، فتدبّر جيّداً ، والله سبحانه العالم.

__________________

(*) بل يقصّر قبله أيضاً كما مرّ.

(١) في ص ٢١٦.

(٢) كصحيحة زرارة المتقدّمة في ص ٩٠.

٣٤٨

فصل

في أحكام صلاة المسافر

مضافاً إلى ما مرّ في طيّ المسائل السابقة قد عرفت أنّه يسقط بعد تحقّق الشرائط المذكورة من الرباعيات ركعتان (١) ، كما أنّه تسقط النوافل النهارية أي نافلة الظهرين ، بل ونافلة العشاء وهي الوتيرة (*) أيضاً على الأقوى ، وكذا يسقط الصوم الواجب عزيمة ، بل المستحب أيضاً إلّا في بعض المواضع المستثناة فيجب عليه القصر في الرباعيات فيما عدا الأماكن الأربعة ، ولا يجوز له الإتيان بالنوافل النهارية ، بل ولا الوتيرة إلّا بعنوان الرجاء واحتمال المطلوبية ، لمكان الخلاف في سقوطها وعدمه. ولا تسقط نافلة الصبح والمغرب ولا صلاة اللّيل كما لا إشكال في أنّه يجوز الإتيان بغير الرواتب من الصلوات المستحبّة.

______________________________________________________

(١) تقدّم في أوّل البحث عن صلاة المسافر دلالة النصوص المتظافرة بل الآية الكريمة على وجه على سقوط الركعتين الأخيرتين من الرباعيات في السفر ، كما أشرنا إلى دلالتها أيضاً على سقوط الصوم الواجب بل المستحب في غير مواضع الاستثناء ، بل في بعضها التصريح بالملازمة بين التقصير في الصلاة والإفطار في الصوم ، وأنّه كلّما قصّرت أفطرت ، وكلّما أفطرت قصّرت (١).

__________________

(*) مرّ أنّ الأحوط الإتيان بها رجاءً.

(١) الوسائل ١٠ : ١٨٤ / أبواب من يصح منه الصوم ب ٤ ح ١ [وهي صحيحة معاوية ابن وهب ، قال (عليه السلام) فيها : «إذا قصّرت أفطرت ، وإذا أفطرت قصّرت»].

٣٤٩

[٢٣٤٥] مسألة ١ : إذا دخل عليه الوقت وهو حاضر ثمّ سافر قبل الإتيان بالظهرين يجوز له الإتيان بنافلتهما سفراً (*) وإن كان يصلِّيهما قصراً (١) وإن تركها في الوقت يجوز له قضاؤها.

______________________________________________________

فالحكم في الجملة ممّا لا شبهة فيه ، وإن كان بعض الخصوصيات كالإفطار فيما لو سافر قبل الزوال محلا للكلام. وسيجي‌ء التعرّض لتفصيل ذلك كلّه في محلّه من كتاب الصوم إن شاء الله تعالى (١).

كما تقدّم في أوّل كتاب الصلاة (٢) عند التكلّم عن أعداد الفرائض ونوافلها دلالة النصوص المستفيضة على سقوط النوافل النهارية ، أي نافلة الظهرين وعرفت ثمّة أنّ الأقوى سقوط نافلة العشاء أيضاً وهي الوتيرة ، فلا يجوز الإتيان بشي‌ء من ذلك في السفر ، وإن لم يكن بأس بإتيان الأخيرة بعنوان الرجاء واحتمال المطلوبية ، لكون السقوط فيها مورداً للخلاف ، لاختلاف الأخبار. وكيف ما كان ، فهذه الأحكام قد تقدّمت كلّها في محالّها.

نعم ، هناك موردان استثناهما الماتن (قدس سره) من حكم سقوط النوافل وقد تعرّض (قدس سره) لهما في المسألتين الآتيتين ، وستعرف الحال فيهما.

(١) هذا هو المورد الأوّل الذي استثناه (قدس سره) من عموم سقوط نافلة المقصورة ، باعتبار أنّ حلول الوقت وهو حاضر يسوّغ الإتيان بالنافلة سفراً وإن أتى بالفريضة قصراً.

__________________

(*) فيه إشكال بل منع.

(١) العروة الوثقى ٢ : ٤٢ الخامس من شرائط صحة الصوم.

(٢) شرح العروة ١١ : ٤٩.

٣٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وليس عليه دليل ظاهر عدا موثّق عمار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «سئل عن الرجل إذا زالت الشمس وهو في منزله ثمّ يخرج في السفر ، فقال : يبدأ بالزوال فيصلّيها ثمّ يصلّي الاولى بتقصير ركعتين ، لأنّه خرج من منزله قبل أن تحضره الاولى. وسُئل فان خرج بعد ما حضرت الاولى قال : يصلّي الأُولى أربع ركعات ، ثمّ يصلّي بعد النوافل ثمان ركعات ، لأنّه خرج من منزله بعد ما حضرت الأُولى ، فإذا حضرت العصر صلّى العصر بتقصير وهي ركعتان ، لأنّه خرج في السفر قبل أن تحضر العصر» (١).

أمّا سند الرواية فليس فيه من يتأمل من أجله ما خلا طريق الشيخ إلى أحمد بن الحسن بن علي بن فضال ، فانّ له إليه طريقين في أحدهما ابن الزبير ولم يوثّق ، وفي الآخر ابن أبي جيد (٢) وهو وإن لم يوثّق أيضاً ، بل لم يذكر بمدح ولا ذم صريحاً كما نصّ عليه في جامع الرواة (٣) ولكنّه من مشايخ النجاشي والظاهر وثاقتهم بأجمعهم حسبما التزم به من عدم روايته بلا واسطة إلّا عن الثقة (٤).

وأمّا من حيث الدلالة فهي ظاهرة في المطلوب ، حيث حكم (عليه السلام) في من سافر عند ما زالت الشمس أنّه يبدأ بالزوال أي بنافلته ، ثمّ يصلّي الأُولى أي الظهر قصراً ، وعلّل التقصير بأنّه سافر قبل دخول وقت الظهر ، نظراً إلى أنّ الوقت إنّما يدخل بعد مضي مقدار القدم أو الذراع ، والمفروض خروجه أوّل الزوال ، فلم يدخل آن ذاك إلّا وقت النافلة دون الفريضة ، ومن ثمّ فصّل (عليه

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٨٥ / أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢٣ ح ١.

(٢) الفهرست : ٢٤ / ٦٢.

(٣) جامع الرواة ٢ : ٤٢٨.

(٤) رجال النجاشي : ٨٥ / ٢٠٧ ، ٣٩٦ / ١٠٥٩.

٣٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

السلام) بالإتيان بالأُولى والتقصير في الثانية.

ثمّ سأله (عليه السلام) ثانياً عمّا لو خرج بعد ما حضرت الأُولى أي بعد مضي مقدار القدم أو الذراع ، فحكم (عليه السلام) بأنّه يصلّي الظهر تماماً ويأتي بنوافل العصر ، لأجل خروجه بعد دخول الوقت ، وعند ما دخل وقت العصر بمضي مقدار القدمين أو الذراعين يصلّيها قصراً ، لأنّه خرج في السفر قبل حضور وقتها.

وهي كما ترى ظاهرة الدلالة على الحكم المذكور في المتن ، وبذلك يخرج عن عموم سقوط النافلة في السفر.

ولكنّها غير صالحة للاستناد رغم قوّة السند وظهور المفاد ، لتضمّنها عدم دخول وقت الظهرين بمجرّد الزوال ، وهو ممّا لم يلتزم به الأصحاب ، ومخالف للنصوص المستفيضة الدالّة على أنّه متى زالت الشمس فقد وجبت الصلاتان إلّا أنّ هذه قبل هذه (١) ، وأنّه لم يمنعك إلّا سبحتك (٢) ، وغير ذلك ممّا تضمّنته النصوص على اختلاف ألسنتها.

ولأجل ذلك يقوى في النظر ورود الرواية مورد التقيّة ، لموافقة مضمونها مع مذهب العامّة (٣) ، فلا يمكن التعويل عليها في الخروج عن عمومات سقوط النافلة في المقصورة ، هذا من ناحية.

ومن ناحية أُخرى مبنى الحكم في هذه الرواية على أنّ الاعتبار في القصر والإتمام بحال تعلّق الوجوب ، لا بحال الأداء وظرف الامتثال ، ومن ثمّ فصّل في الجواب عن السؤال الثاني بين الظهر والعصر ، وأنّه يتم في الأوّل لكونه حاضراً

__________________

(١) الوسائل ٤ : ١٢٦ / أبواب المواقيت ب ٤ ح ٥ وغيره.

(٢) الوسائل ٤ : ١٣٣ / أبواب المواقيت ب ٥ ح ٦.

(٣) المغني ٢ : ١٤١ ١٤٢ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٨٤.

٣٥٢

[٢٣٤٦] مسألة ٢ : لا يبعد جواز الإتيان بنافلة الظهر في حال السفر (*) إذا دخل عليه الوقت وهو مسافر وترك الإتيان بالظهر حتّى يدخل المنزل من الوطن أو محلّ الإقامة (١) وكذا إذا صلّى الظهر في السفر ركعتين وترك العصر إلى أن يدخل المنزل لا يبعد جواز الإتيان بنافلتها في حال السفر ، وكذا لا يبعد جواز الإتيان بالوتيرة في حال السفر إذا صلّى العشاء أربعاً في الحضر ثمّ سافر ، فإنّه إذا تمّت الفريضة صلحت نافلتها.

______________________________________________________

عند دخول الوقت وتعلّق الوجوب ، ويقصّر في الثاني لكونه مسافراً عندئذ وهو أيضاً خلاف المتسالَم عليه تقريباً بين الأصحاب من كون المناط وقت الأداء لا زمان الوجوب على ما ستعرفه إن شاء الله تعالى في محلّه (١).

وعلى الجملة : فالرواية موهونة من ناحيتين ، ولم يعلم عامل بها في المقام لخلوّ الكلمات عن التعرّض لهذا الاستثناء ، فهي معرض عنها ، وقد عرفت قوّة حملها على التقيّة. إذن كان المحكّم عمومات سقوط النافلة في السفر لسلامتها عما يصلح للتخصيص.

(١) هذا هو المورد الثاني الذي لم يستبعد فيه الاستثناء عن عموم سقوط النافلة في السفر ، وهو ما لو دخل عليه الوقت وهو مسافر ، ولكنّه ترك الإتيان بالظهر أو العصر أو العشاء حتّى يدخل المنزل من الوطن أو محلّ الإقامة ، فيأتي بها بعدئذ تماماً ، فإنّه يجوز له الإتيان بنوافلها حال السفر ، وعلّله (قدس سره) بأنّه إذا تمّت الفريضة صلحت نافلتها.

__________________

(*) بل هو وما ذكر بعده بعيد ، والتعليل عليل ، نعم لا بأس بالإتيان بها رجاءً.

(١) في ص ٣٨٥.

٣٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : هذا التعليل مقتبس ممّا ورد في رواية أبي يحيى الحنّاط قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صلاة النافلة بالنهار في السفر ، فقال : يا بنيّ لو صلحت النافلة في السفر تمّت الفريضة» (١) حيث دلّت على الملازمة بين مشروعية النافلة والإتمام في الفريضة ، وبما أنّه يتم الفريضة فيما نحن فيه حسب الفرض فتشرع في حقّه النافلة بمقتضى الملازمة.

ولكنّ التعليل عليل ، أمّا أوّلاً : فلضعف الرواية وإن عبّر عنها بالصحيحة في بعض المؤلّفات ، لعدم ثبوت وثاقة أبي يحيى الحنّاط ، وإنّما الموثّق هو أبو ولاد الحنّاط ، وكأنّه اشتبه أحدهما بالآخر. وكيف ما كان ، فالرجل مجهول. نعم ، احتمل في جامع الرواة أن يكون هو محمد بن مروان البصري (٢) ولكنّه لم يثبت ، وعلى تقديره فهو أيضاً مجهول مثله (٣).

وثانياً : أنّ مفاد الرواية جعل الملازمة بين صلاحية النافلة في السفر وبين إتمام الفريضة في السفر أيضاً ، لا إتمامها مطلقاً ولو في الحضر كما فيما نحن فيه وهذا واضح جدّاً لا سترة عليه.

فأشار (عليه السلام) على تقدير صحّة الرواية إلى عدم مشروعية النافلة في السفر ، لأنّها لو صلحت وشرعت لتمّت الفريضة أيضاً حال السفر وحيث إنّها لا تتم في السفر مطلقاً حتّى في مفروض المسألة فطبعاً لا تشرع النافلة.

فهي على خلاف المطلوب أدل كما لا يخفى ، وليس مفادها أنّ فعل الفريضة

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٨٢ / أبواب أعداد الفراض ونوافلها ب ٢١ ح ٤.

(٢) جامع الرواة ٢ : ٤٢٤.

(٣) ولكنّه من رجال كامل الزيارات كما يظهر من معجم رجال الحديث ١٨ : ٢٢٩ / ١١٧٦٧.

٣٥٤

[٢٣٤٧] مسألة ٣ : لو صلّى المسافر بعد تحقّق شرائط القصر تماماً (١) ، فإمّا أن يكون عالماً بالحكم والموضوع أو جاهلاً بهما أو بأحدهما أو ناسياً فإن كان عالماً بالحكم والموضوع عامداً في غير الأماكن الأربعة بطلت صلاته ووجب عليه الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه ، وإن كان جاهلاً بأصل الحكم وأنّ حكم المسافر التقصير لم يجب عليه الإعادة فضلاً عن القضاء وأمّا إن كان عالماً بأصل الحكم وجاهلاً ببعض الخصوصيات مثل أنّ السفر إلى أربعة فراسخ مع قصد الرجوع يوجب القصر ، أو أنّ المسافة ثمانية ، أو أنّ كثير السفر إذا أقام في بلده أو غيره عشرة أيّام يقصّر في السفر الأوّل أو أنّ العاصي بسفره إذا رجع إلى الطاعة يقصّر ونحو ذلك وأتم وجب عليه الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه (*) ، وكذا إذا كان عالماً بالحكم جاهلاً

______________________________________________________

تماماً ولو في الحضر يسوّغ الإتيان بالنافلة ولو في السفر لتدلّ على مشروعية النافلة في المقام كما هو أظهر من أن يخفي.

وعليه فالأقوى عدم مشروعية النافلة في جميع فروض المسألة ، استناداً إلى عموم ما دلّ على سقوطها في المقصورة بعد سلامته عما يصلح للتخصيص.

(١) حاصل ما ذكره (قدس سره) أنّ الإتمام في الموضع المستجمع لشرائط القصر يتصوّر على أقسام ، إذ قد يكون ذلك عن علم وعمد بالحكم وبالموضوع فيتمّ عامداً مع كونه عالماً بحكم القصر وبموضوعه ، وقد يكون عامداً في الإتمام ولكنّه جاهل بهما أو بأحدهما.

وهذا تارة يكون مع الجهل بأصل الحكم أو الموضوع ، كما لو كان جاهلاً

__________________

(*) لا يبعد عدم وجوب القضاء إذا علم بالحال في خارج الوقت.

٣٥٥

بالموضوع كما إذا تخيّل عدم كون مقصده مسافة مع كونه مسافة ، فإنّه لو أتمّ وجب عليه الإعادة أو القضاء (*) ، وأمّا إذا كان ناسياً لسفره أو أنّ حكم السفر القصر فأتمّ فإن تذكّر في الوقت وجب عليه الإعادة وإن لم يعد وجب عليه القضاء في خارج الوقت ، وإن تذكّر بعد خروج الوقت لا يجب عليه القضاء ، وأمّا إذا لم يكن ناسياً للسفر ولا لحكمه ومع ذلك أتمّ صلاته ناسياً (**) وجب عليه الإعادة والقضاء.

______________________________________________________

بأنّ حكم المسافر القصر ، أو أنّ مقصده مسافة.

وأُخرى مع الجهل بالخصوصيات مثل أنّ المسافة التلفيقية توجب التقصير أو أنّ المسافة الشرعية ثمانية فتخيّل أنّها أكثر ، أو أنّ العاصي بسفره إذا رجع إلى الطاعة يقصّر ، أو اعتقد أنّ من عدل عن نيّة الإقامة يتم ولو لم يأت بالرباعية ونحو ذلك.

وثالثة : يكون ناسياً لحكم السفر أو موضوعه أو غافلاً ، فلا يكون عامداً في الإتمام. فيكون مجموع الأقسام أربعة.

أمّا في صورة العلم والعمد : فلا إشكال في البطلان ولزوم الإعادة في الوقت بل القضاء في خارجه ، وإن كان ربّما يتأمّل في الأخير كما ستعرف.

ويستدلّ له بجملة من النصوص التي منها صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم (١) المصرّحة بالإعادة فيما لو قرئت عليه آية التقصير وفسّرت له ، وغيرها. ولكنّا في غنى عن الاستدلال بها بعد كون البطلان هو مقتضى القاعدة الأوّلية ولو لم

__________________

(*) عدم وجوب القضاء فيما إذا ارتفع جهله خارج الوقت غير بعيد.

(**) الظاهر أنّ مراده من النسيان السهو.

(١) الوسائل ٨ : ٥٠٦ / أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٤.

٣٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ترد في المقام أيّة رواية ، وذلك من وجهين :

أحدهما : منافاته مع قصد القربة المعتبر في صحّة العبادة ، إذ كيف يمكن التقرّب من العالم العامد الملتفت إلى مخالفة عمله مع الواقع وعدم تعلّق الأمر به ، حتّى ولو كان ذلك بنحو التشريع المحرّم ، فإنّه موجب لحرمة العمل ، فكيف يتقرّب بالعمل الحرام.

ثانيهما : أنّ الإتمام زيادة في الفريضة ، بل من أظهر مصاديقها ، بعد كونها عمدية ومتعلّقة بالركن بل الركعة ، فيشمله عموم قوله (عليه السلام) : «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» (١) ، وقوله في صحيح زرارة : «إذا استيقن أنّه زاد في صلاته المكتوبة ركعة لم يعتد بها ، واستقبل صلاته استقبالاً» (٢) فانّ المقام المشتمل على زيادة الركعتين عامداً هو القدر المتيقّن من تلك الأدلّة.

وقد أُشير إلى ذلك في رواية الأعمش بقوله (عليه السلام) : «ومن لم يقصّر في السفر لم تجز صلاته ، لأنّه قد زاد في فرض الله عزّ وجلّ» (٣) فإنّ الرواية وإن كانت ضعيفة السند إلّا أنّ مضمونها صحيح غير قابل للإنكار ، فهو كمن صلّى الفجر أربعاً معتمداً.

ومنه تعرف أنّ البطلان هو مقتضى القاعدة الأوّلية في جميع الفروض المتقدّمة لاندراجها في عموم أدلّة الزيادة القادحة ، ما لم يرد على الصحّة دليل بالخصوص هذا.

مضافاً إلى اندراج العامد في جملة من النصوص الحاكمة بلزوم الإعادة ، التي منها : ما أشرنا إليه من صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم ، قالا «قلنا لأبي جعفر

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ٢.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ١.

(٣) الوسائل ٨ : ٥٠٨ / أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٨.

٣٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

(عليه السلام) : رجل صلّى في السفر أربعاً أيعيد أم لا؟ قال : إن كان قرئت عليه آية التقصير وفسّرت له فصلّى أربعاً أعاد ، وإن لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه» (١) فانّ العالم العامد من أظهر مصاديق من قرئت عليه الآية وفسّرت له.

ومنها : صحيحة عبيد الله بن علي الحلبي قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : صلّيت الظهر أربع ركعات وأنا في السفر ، قال : أعد» (٢) فإنّها وإن كانت محمولة على غير صورة العلم والعمد كالنسيان أو الغفلة ، لإباء جلالة الراوي وهو الحلبي ورفعة مقامه عن أن يتم في السفر جهلاً بالحكم ، فضلاً عن أن يفعله عالماً عامداً ، إلّا أنّها تدلّ على لزوم الإعادة في صورة العمد بالأولوية القطعية كما لا يخفى.

بل يمكن أن يقال : إنّ السؤال عن القضيّة الحقيقية الفرضية ، لا الخارجية الشخصية ليكون منافياً لجلالة الراوي ، وهذا استعمال دارج في كيفية طرح السؤال من الإسناد إلى النفس على سبيل التقدير والفرض ، فيقول السائل : فعلت كذا وكذا ، مريداً به السؤال عن الحكم الكلّي ، لا أنّه اتّفق له بشخصه خارجاً. وعليه فتكون الصحيحة بنفسها شاملة للعامد بمقتضى الإطلاق المستند إلى ترك الاستفصال.

وعلى الجملة : فلا ينبغي التأمل في دلالتها على حكم العامد إمّا بالفحوى أو بالإطلاق ، بل هي بنفسها شاملة لجميع فروض المسألة لولا ورود التخصيص عليها كما ستعرف. فلو كنّا نحن وهذه الصحيحة ولم يرد في المقام شي‌ء من النصوص الخاصّة لحكمنا بالبطلان في جميع تلك الفروض ، كما كان هو مقتضى

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٥٠٦ / أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٤.

(٢) الوسائل ٨ : ٥٠٧ / أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٦.

٣٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

القاعدة الأوّلية استناداً إلى أدلّة الزيادة حسبما مرّت الإشارة إليه.

ثمّ إنّ مقتضى الإطلاق في هذه الصحيحة كصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدّمة عدم الفرق في وجوب الإعادة بين الوقت وخارجه ، فيجب عليه التدارك في الوقت ، وإلّا فالقضاء في خارج الوقت.

ولكن قد يتأمّل في وجوب القضاء على العالم العامد ، نظراً إلى معارضة الإطلاق في صحيحة زرارة وابن مسلم مع الإطلاق في ذيل صحيحة العيص ابن القاسم ، قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل صلّى وهو مسافر فأتمّ الصلاة ، قال : إن كان في وقت فليعد ، وإن كان الوقت قد مضى فلا» (١).

فإنّ الأوّل المثبت للإعادة خاص بالعامدِ مطلقٌ من حيث الوقت وخارجه والثاني النافي لها مطلق من حيث العلم والجهل خاصّ بما بعد الوقت. فكلّ منهما مطلق من جهة وخاص من جهة ، فيتعارضان لا محالة ، ومعه يشكل التمسّك بإطلاق صحيح زرارة لإثبات القضاء ، بل وكذا صحيح الحلبي ، لوجوب تقييده بصحيحة العيص.

ولكنّه كما ترى ، فإنّ صحيحة العيص غير شاملة للعامد بوجه ، بل ناظرة إلى التفصيل بين الانكشاف في الوقت والانكشاف خارجه ، وأنّه تجب الإعادة في الأوّل دون الثاني ، لا أنّه إذا أراد أن يعيد فان كان الوقت باقياً أعاد وإلّا فلا ، كي تشمل صورة العمد.

ومرجع ذلك إلى أنّ شرطية التقصير ذكرية كما هو الحال في بعض الأجزاء والشرائط وأنّها خاصّة بحال الالتفات إليها في الوقت ، وبدونه لا شرطية له بل العمل صحيح حتّى واقعاً ، ولأجله لا تجب الإعادة.

فهي ناظرة إلى التفصيل من حيث الصحّة والفساد باعتبار الانكشاف في

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٥٠٥ / أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ١.

٣٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الوقت وخارجه ، وأجنبية عن مسألة القضاء ، لعدم تحقّق الفوات واقعاً ، ولذا لو فرضنا أنّه انكشف له في الوقت وتنجّز عليه التكليف ثمّ ترك القصر اختياراً أو بغير الاختيار فإنّه لا إشكال في وجوب القضاء حينئذ ، لأنّه ترك ما تنجّز عليه في الوقت ، ولا تكون هذه الصحيحة نافية له.

وعلى الجملة : مورد هذه الصحيحة ما إذا كان الإتمام مستنداً إلى اعتقاد المشروعية ثمّ انكشف الخلاف إمّا في الوقت أو في خارجه ، فلا تشمل العالم العامد قطعاً ، بل هو خارج عنها رأساً ، فلا تكون معارضة لصحيحة زرارة ، ولا مقيّدة لصحيح الحلبي ، فيبقى إطلاق الإعادة فيهما الشامل للوقت وخارجه على حاله.

وأمّا في صورة الجهل بأصل الحكم فلا تجب الإعادة وإن كان الوقت باقياً فضلاً عن القضاء كما هو المشهور ، بل ادّعي عليه الإجماع ، وذلك لقوله (عليه السلام) في ذيل صحيحة زرارة وابن مسلم : «وإن لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه» الظاهر في الجاهل بأصل الحكم ، وبه يقيّد الإطلاق في صحيح الحلبي المتقدّم.

ولكن نسب إلى العماني (١) القول بوجوب الإعادة مطلقاً ، نظراً إلى أنّ صحيحة زرارة معارضة بصحيح العيص المثبت للإعادة في الوقت بالعموم من وجه ، إذ الأُولى مطلقة من حيث الوقت وخارجه مقيّدة بالجهل ، على العكس من الثاني وبعد التساقط يرجع إلى عموم مبطلية الزيادة ، المعتضد بإطلاق صحيح الحلبي.

ولكنّه واضح الدفع ، فانّ صحيح زرارة وابن مسلم كالصريح في نفي الإعادة في الوقت ، فإنّه المقصود بالذات ، والمعطوف إليه النظر ، والمنسبق إلى الذهن في

__________________

(١) حكاه عنه الفاضل الآبي في كشف الرموز ١ : ٢٢٧ ، والعلّامة في المختلف ٢ : ٥٣٨ المسألة ٣٩٥

٣٦٠