موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

أثر لهذا الشكّ لو كان فعلاً ناوياً لها ، للزوم البقاء على التمام على كلّ حال كما لا يخفى.

وقد حكم في المتن بصحّة الصلاة السابقة ، استناداً إلى أصالة الصحّة ، للشك بعد الفراغ عن العمل في صحّته وفساده فيرجع إلى قاعدة الفراغ ، وأمّا بالإضافة إلى الصلوات الآتية فيرجع إلى القصر ، استناداً إلى الاستصحاب ، إذ الشرط في البقاء على التمام وقوع الصلاة تماماً حال العزم على الإقامة ، وحيث إنّه مشكوك حسب الفرض فيرجع إلى أصالة عدم وقوع الصلاة تماماً إلى زمان العدول.

أقول : لا يمكن الجمع بين قاعدة الفراغ والاستصحاب المزبور ، لمنافاته للعلم الإجمالي الحاصل ببطلان إحدى الصلاتين في غير المترتّبتين ، إذ المتقدّم إن كان هو العدول فالرباعية المأتي بها سابقاً باطلة ، وإن كان هو الصلاة التامّة فما يأتيه من القصر لاحقاً محكوم بالبطلان ، للزوم البقاء حينئذ على التمام. فالبناء على صحّة الصلاة والرجوع إلى القصر منافٍ لهذا العلم الإجمالي ، لاستلزامه المخالفة القطعية العملية.

بل هو مناف للعلم التفصيلي المتعلّق ببطلان اللّاحقة خاصّة في المترتّبتين فلو صلّى الظهر تماماً ورجع إلى القصر في العصر عملاً بالاستصحاب كما هو المفروض يقطع تفصيلاً ببطلان العصر ، فانّ العدول إن كان قبل الظهر التامة المستلزم لفسادها فسدت العصر أيضاً لفقد الترتيب ، وإن كان بعدها لزم البقاء على التمام فلا تصحّ العصر قصراً. فهي معلومة البطلان تفصيلاً ، إمّا لفقد الترتيب أو لفقد الأجزاء ، أعني الركعتين الأخيرتين.

وعلى الجملة : فالحكم بصحّة الصلاة السابقة وبالرجوع إلى القصر في الصلوات اللّاحقة مخالف للعلم الإجمالي بل التفصيلي ، فلا جرم تتحقّق المعارضة بين قاعدة الفراغ وبين الاستصحاب المذكور ، والمرجع حينئذ أصالة الاشتغال

٣٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

القاضية بلزوم إعادة السابقة قصراً ، وبالجمع بينه وبين التمام في الصلوات الآتية خروجاً عن عهدة التكليف المعلوم ، فانّ الاشتغال اليقيني يستدعي براءة مثله ولا يكاد يحرز الامتثال إلّا بذلك.

والصحيح في المقام أن يقال : إنّ العدول والصلاة تماماً حادثان ، كلّ منهما مسبوق بالعدم ، يشك في المتقدّم منهما والمتأخّر.

فان قلنا بأنّ استصحاب عدم كلّ منهما إلى زمان الآخر يجري ويسقط الاستصحابان بالمعارضة كما عليه القوم في باب الحادثين المتعاقبين ، لم يكن أيّ مناص من إعادة الظهر قصراً ، والجمع بين القصر والتمام في العصر وفي بقية الصلوات الآتية ، قضاءً لقاعدة الاشتغال كما عرفت بعد عدم السبيل لإحراز موضوع القصر أو التمام بأصل أو غيره ، وعدم جواز الرجوع إلى قاعدة الفراغ من أجل الابتلاء بالمعارض.

وأمّا إذا بنينا على عدم المعارضة في أمثال المقام كما لا يبعد على ما أشرنا إليه في بحث الخيارات من المكاسب (١) ، وأنّ الجاري فيما نحن فيه هو خصوص أصالة عدم العدول إلى زمان الإتيان بالصلاة التامة دون العكس ، بقي حينئذ على التمام في الصلوات الآتية ، وبنى على صحّة السابقة.

وتوضيحه : أنّ موضوع الحكم بالبقاء على التمام على ما يستفاد من صدر صحيحة أبي ولاد (٢) هو كونه ناوياً للإقامة وآتياً بصلاة تامة ، فهو مركّب من ذات هذين الجزأين ، أي الإتيان بالصلاة في زمان يكون ناوياً للإقامة في ذلك الزمان ، من غير دخل شي‌ء آخر وراء ذلك من وصف الاقتران أو الاجتماع أو الانضمام ونحوها من العناوين البسيطة ، وأحد الجزأين محرز بالوجدان وهو

__________________

(١) مصباح الفقاهة ٧ : ٢٢٨ وما بعدها.

(٢) المتقدمة في ص ٢٨٤.

٣٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الإتيان بالصلاة التامّة ، فإذا أجرينا أصالة عدم العدول عن نيّة الإقامة إلى زمان الإتيان بالصلاة فقد أحرزنا جزأي الموضوع بضمّ الوجدان إلى الأصل ونتيجته الحكم بالبقاء على التمام ، وبصحّة الصلاة السابقة من غير حاجة إلى قاعدة الفراغ.

ولا يعارض الأصل المزبور بأصالة عدم وقوع الصلاة تماماً حال العزم على الإقامة ، أي إلى زمان العدول كما ذكره في المتن ، لعدم ترتّب الأثر ، إذ لا يثبت بها وقوع هذه الصلاة بعد العدول إلّا على القول بالأصل المثبت.

فهذا الأصل بنفسه لا أثر له إلّا بضميمة الإثبات ، الذي لا نقول به ، لعدم كونه متعرّضاً لحال الشخص وناظراً إليه ، بخلاف الأصل المتقدّم ، فإنّه ينظر إليه ويتكفّل للبقاء على نيّة الإقامة وعدم العدول عنها إلى زمان الإتيان بشخص هذه الصلاة. وبذلك يتنقّح الموضوع المركّب بضمّ الوجدان إلى الأصل ، الذي نتيجته البقاء على التمام كما عرفت.

وبعبارة واضحة : بعد فرض أنّه لم يؤخذ في موضوع الحكم غير تحقّق الصلاة التامة والبقاء على العزم على الإقامة ، فإذا حكم الشارع بالبقاء على العزم بمقتضى الاستصحاب وعلمنا بتحقّق الصلاة خارجاً لم يبق لنا بعد هذا شكّ في تحقّق موضوع الحكم ، فلا مجال لإجراء أصالة عدم تحقّق الصلاة حال العزم على الإقامة كي تتحقّق المعارضة.

ولهذه المسألة نظائر كثيرة ، وفروع عديدة ، بل هي سيالة في كلّ مورد كان موضوع الحكم أو متعلّقه مركّباً من جزأين وقد علمنا بتحقّق أحدهما ، ثمّ علمنا بتحقّق الجزء الآخر وارتفاع الجزء الأوّل وشككنا في المتقدِّم منهما والمتأخِّر كما لو علمنا بالفسخ وبانقضاء زمان الخيار الأصلي أو الجعلي ، أو علمنا برجوع الزّوج وبانقضاء زمان العدّة ، أو بوقوع الصلاة من المتطهِّر وبصدور

٣٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الحدث منه ، وشكّ في المتقدّم من هذه الأُمور والمتأخّر ، ونحو ذلك من الأمثلة فإنّه يجري فيه الكلام المتقدّم بعينه.

فنقول : إنّ الفسخ أو الرجوع أو الصلاة محرز بالوجدان ، وبقاء الخيار أو العدّة أو الطهارة محرز بالتعبّد الشرعي بمقتضى الاستصحاب الجاري في مواردها وبعد ضمّ الوجدان إلى الأصل يلتئم الموضوع المركّب بجزأيه ، فيثبت أنّ الفسخ الشخصي الصادر منه وكذا الرجوع قد وقع في زمان حكم الشارع فيه ببقاء الخيار أو ببقاء العدّة ، فهو واقع في ظرفه وصادر من أهله في محلّه ، فيترتّب عليه انحلال العقد المنوط بوقوع الفسخ وبقاء الخيار ، أو عود العلقة الزوجية المترتّب على الرجوع وبقاء العدّة ، أو براءة الذمّة عن الصلاة الصحيحة المتوقّفة على الإتيان بها حال الطهارة ، وهكذا الحال في سائر الأمثلة.

ولا يعارض الاستصحاب المزبور بأصالة عدم وقوع الفسخ في زمان الخيار أو عدم وقوع الرجوع في زمان العدّة ، أو عدم وقوع الصلاة حال الطهارة ، إذ لا يثبت بها أنّ هذا الفسخ الشخصي أو الرجوع أو الصلاة وقع بعد انقضاء زمان الخيار أو زمان العدّة أو زوال الطهارة. فلا يترتّب عليه الأثر إلّا على القول بالأصل المثبت.

وبعبارة اخرى : الاستصحاب الأوّل رافع للشكّ بمقتضى التعبّد الشرعي ومنقّح للموضوع بعد ضمّه إلى الجزء الآخر المحرز بالوجدان ، فلا يبقى معه شكّ في تحقّق الموضوع كي يكون مجال لإجراء الاستصحاب الثاني الراجع في الحقيقة إلى نفي الموضوع المركّب من المقيّد وقيده.

والسرّ فيه : أنّ المجموع المركّب من المقيّد والقيد وإن كان مشكوكاً فيه وجداناً فمثلاً وقوع الصلاة التامة حال العزم على الإقامة كما فيما نحن فيه مشكوك فيه بالضرورة ، إلّا أنّ الشكّ لدى التحليل يرجع إلى نفس القيد ، أعني البقاء على

٣٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

عزم الإقامة ، وإلّا فذات المقيّد أي الصلاة التامة محرزة بالوجدان ، فلا معنى لأصالة عدمها.

فالشك في المقيّد بما هو مقيّد الحاصل في المقام وإن كان في حدّ نفسه يتصوّر على نحوين : تارة من أجل الشكّ في ذات المقيّد ، وأُخرى في حصول قيده ، إلّا أنّه في المقام وأمثاله متمحّض في الثاني ، فيشكّ في كيفية الوجود لا في أصله ، وأنّ الصلاة الواقعة وجداناً هل كانت قبل العدول عن عزم الإقامة أو بعده ، والمفروض أنّ الاستصحاب الأوّل أثبت البقاء على عزم الإقامة ، المنتج بعد ضمّ الوجدان وقوع الصلاة التامة في زمان كان العزم على الإقامة باقياً على حاله. فلا شك في كيفية الوجود وخصوصيته حتّى تصل النوبة إلى إجراء الاستصحاب الثاني.

وعلى الجملة : ذات المقيّد من حيث هو كالصلاة التامة فيما نحن فيه لا شكّ فيه كي يستصحب عدمه ، والمقيّد بما هو مقيّد وإن كان مشكوكاً فيه إلّا أنّه لا أثر له ، لعدم كونه موضوعاً للحكم ، بل الموضوع ذات الجزأين كما عرفت. فلم يبق في البين إلّا الشكّ في نفس القيد ، وهو محرز ببركة الاستصحاب.

وهذا هو السرّ في حلّ المعارضة المتوهّمة في هذه الاستصحابات ، ولو لا ذلك لم يجر الاستصحاب لإحراز الجزء أو الشرط في باب المركّبات من الموضوعات أو المتعلّقات حتّى مع الشكّ وعدم العلم بارتفاع أحد الحادثين فلا تجوز الصلاة مع الطهارة المستصحبة ، لمعارضتها بأصالة عدم تحقّق الصلاة في زمان الطهارة ، فإنّ هذه المعارضة لو تمت لعمّت وجرت في جميع موارد هذه الاستصحابات حتّى المنصوصة منها كهذا المثال ، فتسقط بأسرها ، وهو كما ترى.

وحلّه ما عرفت من أنّ المقيّد بوصف كونه مقيداً وإن كان مشكوكاً فيه إلّا أنّه لا أثر له ، وإنّما المأمور به ذات الصلاة وأن تقع في زمان يكون المكلّف

٣٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

متطهّراً في ذلك الزمان ، وكلا الجزأين محرزان حسبما عرفت. ففي كلّ مورد أحرزنا الموضوع المركّب بضمّ الوجدان إلى الأصل لا يجري فيه استصحاب عدم تحقّق المركّب.

والمقام من صغريات هذه الكبرى ، فانّ الموضوع للبقاء على التمام الإتيان بذات الصلاة التامة وكونه باقياً على عزم الإقامة ، وكلا الأمرين محرزان بضمّ الوجدان إلى الأصل حسبما بيّناه. ولأجله أشرنا في التعليقة أنّه لا يبعد الحكم بالبقاء على التمام. هذا كلّه فيما لو كان الشكّ في الوقت.

وأمّا لو شكّ بعد خروج الوقت في تقدّم العدول على الرباعية ليرجع في العشاء إلى القصر أو العكس كي يتم ، فان بنينا على عدم تعارض الاستصحابين على ما عرفت فالأمر ظاهر.

وأمّا إذا بنينا على المعارضة ، فإن قلنا بأنّ التمام المأتي به في موضع القصر يجب قضاؤه مطلقاً ما عدا الجاهل بأصل الحكم كما عليه الماتن وغيره فالحال فيه كما ذكرناه ، غاية الأمر أنّ العلم في الوقت تفصيلي وهنا إجمالي فيعلم إجمالاً إمّا بوجوب قضاء الظهرين قصراً لو كان العدول سابقاً ، أو بوجوب التمام في صلاة العشاء وما بعدها من الصلوات ، ففي مثله لا بدّ من الجمع في الصلوات الآتية ، عملاً بقاعدة الاشتغال.

نعم ، لا مانع من الرجوع إلى أصالة البراءة عن القضاء ، للشكّ في تحقّق موضوعه وهو الفوت ، الذي لا يثبت باستصحاب العدم كما هو ظاهر.

وإن قلنا كما هو الصحيح على ما سيجي‌ء قريباً إن شاء الله (١) بأنّ من أتمّ في موضع القصر لعذر من الجهل بخصوصيات الحكم أو الموضوع ، أو الغفلة

__________________

(١) في ص ٣٦٠ وما بعدها.

٣٢٦

[٢٣٣٣] مسألة ٣٢ : إذا صلّى تماماً ثمّ عدل ولكن تبيّن بطلان صلاته رجع إلى القصر وكان كمن لم يصلّ (١) نعم إذا صلّى بنيّة التمام وبعد السلام شكّ في أنّه سلّم على الأربع أو على الاثنتين أو على الثلاث بنى على أنّه سلّم على الأربع ، ويكفيه في البقاء على حكم التمام إذا عدل عن الإقامة بعدها.

______________________________________________________

أو النسيان ونحو ذلك لا يجب عليه القضاء وإن كانت وظيفته الواقعية هي القصر كما لا يجب القضاء في الجاهل بأصل الحكم اتفاقاً ، فحينئذ تخرج الصلاة التامّة المأتي بها في الوقت عن طرف العلم الإجمالي ، للقطع بعدم قضائها ، إمّا لصحّتها واقعاً لو وقعت قبل العدول ، أو للاجتزاء بها تعبّداً وعدم الحاجة إلى قضائها ولو لم تكن موصوفة بالصحّة لو وقعت بعده ، ولكن مع ذلك لا يجوز الرجوع إلى القصر في العشاء وما بعدها ، بل لا بدّ من الجمع رعاية للعلم الإجمالي بعد تعارض الاستصحابين كما هو المفروض.

(١) فإنّ الصلاة الباطلة في حكم العدم ، وظاهر الصحيحة (١) أنّ موضوع الحكم هو الإتيان بالصلاة الصحيحة.

فإن قلت : كيف وقد تقرّر في الأُصول أنّ ألفاظ العبادات أسام للأعم من الصحيحة والفاسدة.

قلت : هذه الصحيحة ظاهرة في الصحيحة ولو بنينا على الوضع للأعم وذلك لقصر النظر فيها على التعرّض للصلوات الآتية ، وأنّه يصلّيها تماماً حتّى يخرج كما هو صريح قوله (عليه السلام) : «فليس لك أن تقصّر حتّى تخرج» فلا بدّ وأن تكون الصلاة السابقة مفروضة الصحّة ، وإلّا لتعرّض لحكمها ، وأمر بإعادتها كما لا يخفى.

__________________

(١) المتقدّمة في ص ٢٨٤.

٣٢٧

[٢٣٣٤] مسألة ٣٣ : إذا نوى الإقامة ثمّ عدل عنها بعد خروج وقت الصلاة ، وشكّ في أنّه هل صلّى في الوقت حال العزم على الإقامة أم لا؟ (١) بنى على أنّه صلّى ، لكن في كفايته في البقاء على حكم التمام إشكال وإن كان لا يخلو من قوّة ، خصوصاً إذا بنينا على أنّ قاعدة (*) الشك بعد الفراغ أو بعد الوقت إنّما هي من باب الأمارات لا الأُصول العملية.

______________________________________________________

وعلى الجملة : ظاهر الصحيحة أنّه يتم في الصلوات اللاحقة دون السابقة وهذا مساوق لفرض صحّتها.

نعم ، لا يعتبر أن تكون الصحّة محرزة وجداناً ، بل يكفي تعبّداً من أجل قاعدة الفراغ ، فلو شكّ بعد ما سلّم في أنّه سلّم على الأربع أو أقل بنى على الأربع لعدم الاعتناء بالشكّ بعد السلام ، فهو في نظر الشارع محكوم بأنّه صلّى أربعاً إذ لا أثر لشكّه ، فيترتّب عليه حكمه من البقاء على التمام وإن عدل.

وهل يلحق بقاعدة الفراغ قاعدة الحيلولة التي يكون الشكّ في موردها في أصل الوجود في الوقت لا في صحّة الموجود؟ سنتعرّض له في المسألة الآتية إن شاء الله.

(١) لا إشكال في أنّه يبني حينئذ على أنّه صلّى ، بقاعدة الحيلولة ، وبطبيعة الحال صلّى تماماً ، لفرض عدم العدول في الوقت.

إنّما الكلام في أنّ هذا هل يكفي في البقاء على حكم التمام؟ استشكل فيه (قدس سره) نظراً إلى التردّد في أنّ مفاد القاعدة هل هو البناء على الإتيان بالصلاة في ظرفها ، أو أنّ النظر فيها مقصور على نفي القضاء فحسب ، من غير تعرّض للإتيان وعدمه كي يترتّب عليه الأثر المرغوب في المقام ، فيرجع إلى

__________________

(*) لا أثر لكون القاعدة من باب الأمارات أو من باب الأُصول في المقام.

٣٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

أصالة العدم من هذه الجهة كما ربّما يساعده الجمود على ظاهر دليلها وهو صحيح زرارة والفضيل ، حيث قال (عليه السلام) : «وإن شككت بعد ما خرج وقت الفوت وقد دخل حائل فلا إعادة عليك من شكّ حتّى تستيقن ...» (١).

وأخيراً استقرب (قدس سره) البقاء على حكم التمام ، خصوصاً إذا بنينا على أنّ القاعدة من باب الأمارات لا الأُصول العملية.

أقول : ما أفاده (قدس سره) أخيراً هو الصحيح.

أمّا بناءً على أنّ قاعدة الحيلولة من الأمارات فظاهر ، وهذا هو الأقوى كما ذكرنا ذلك في تقرير حجّية قاعدتي الفراغ والتجاوز (٢) ، حيث قلنا إنّ الترك العمدي مفروض العدم ، والترك غفلة خلاف ظاهر حال المتصدّي للامتثال ، إذ هو بطبعه وبمقتضى كونه في مقام تفريغ ذمّته يراعي الإتيان بالعمل في ظرفه على وجهه ، فيكون التجاوز عن المحلّ في قاعدة التجاوز وعن الوقت في قاعدة الحيلولة وعن العمل في قاعدة الفراغ موجباً للظنّ النوعي والكاشفية النوعية عن الإتيان بالصلاة في ظرفها على النهج المقرّر لها.

نعم ، هذا الظنّ بمجرّده حتّى الشخصي منه فضلاً عن النوعي لا يغني عن الحق ما لم يقترن بدليل الإمضاء ، ولكن الشارع قد أمضاه ، وقام الدليل على حجّيته بالخصوص بمقتضى النصوص الواردة في موارد هذه القواعد التي مرجعها إلى إلغاء الشكّ وتقرير الكاشفية النوعية ، فيكون لسان حجّيتها من باب الأمارات بطبيعة الحال.

بل يمكن أن يقال : إنّ هذه القاعدة قاعدة الحيلولة داخلة في قاعدة التجاوز حقيقة ، لا أنّها قاعدة أُخرى. فلو فرضنا أنّ الروايات وعمدتها

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٨٢ / أبواب المواقيت ب ٦٠ ح ١.

(٢) مصباح الأُصول ٣ : ٢٦٢.

٣٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

واحدة لم ترد في هذه القاعدة لقلنا بمضمونها في المقام ، إذ التجاوز عن الشي‌ء تارة يكون حقيقياً ، وأُخرى مجازياً بعناية التجاوز عن محلّه ، وبذلك يفترق التجاوز عن الفراغ.

فالمضيّ في قاعدة الفراغ حقيقي ، لتعلّق الشكّ بوصف الصحّة لا بذات المشكوك بخلافه في قاعدة التجاوز ، لتعلّق الشكّ حينئذ بأصل الوجود ، فلا يجامع مع المضيّ عن نفس المشكوك ، بل باعتبار التجاوز عن محلّه. فيستفاد من صحيحة زرارة (١) الواردة في هذه القاعدة أنّ التجاوز عن محلِّ المشكوك فيه بمنزلة التجاوز عن نفسه.

فعلى هذه الكبرى يكون الشكّ بعد الوقت داخلاً في قاعدة التجاوز ، لأنّه شكّ في وجود الشي‌ء بعد مضيّ محلّه ، ضرورة أنّ محلّه قبل خروج الوقت فيصدق أنّه خرج من شي‌ء ودخل في غيره ، باعتبار ما بينهما من الترتّب المحقّق للخروج عن المحلّ وهو الوقت.

وعلى الجملة : فبناءً على أنّ هذه القاعدة أمارة شرعية لما فيها من الكاشفية النوعية عن تحقّق المشكوك فيه في ظرفه كما هو الأظهر حسبما عرفت فالأمر ظاهر ، ونتيجته البقاء على التمام في الصلوات الآتية ، وعدم أثر للعدول.

وأمّا بناءً على أنّها أصل عملي فلا بدّ من النظر حينئذ إلى مدلول هذا الأصل ، وأنّه ناظر إلى التعبّد بنفي القضاء فقط ، أو التعبّد بالوجودِ ونفيُ القضاء من آثار هذا التعبّد. فعلى الأوّل يرجع إلى استصحاب عدم الإتيان ، وأمّا على الثاني فيبقى على التمام ، سواء أكان التعبّد بالوجود بلسان الأمارة أم الأصل.

والظاهر من صحيحة زرارة والفضيل هو الثاني ، لقوله (عليه السلام) : «وإن شككت بعد ما خرج وقت الفوت وقد دخل حائل فلا إعادة عليك من شكّ

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ١.

٣٣٠

[٢٣٣٥] مسألة ٣٤ : إذا عدل عن الإقامة بعد الإتيان بالسلام الواجب وقبل الإتيان بالسلام الأخير الذي هو مستحبّ فالظاهر كفايته في البقاء على حكم التمام (١) وفي تحقّق الإقامة ، وكذا لو كان عدوله قبل الإتيان بسجدتي

______________________________________________________

حتّى تستيقن» (١) فانّ عدم اقتصاره (عليه السلام) على مجرّد نفي الإعادة حتّى أضاف إليه قوله (عليه السلام) : «من شك» ظاهر في أنّ عدم الإعادة لأجل عدم الاعتناء بالشكّ وفرضه كلا شكّ ، ولذلك لا يعيد. فتكون العناية التعبّدية مصروفة أوّلاً وبالذات إلى إلغاء الشكّ الراجع إلى التعبّد بالوجود ، ومن شؤون هذا التعبّد عدم الإعادة.

وبعبارة اخرى : مقتضى هذه الصحيحة ليس هو التخصيص في دليل القضاء كما في الحائض ، بل هي ناظرة إلى نفي موضوع القضاء ، أي أنّ الشكّ في الوجود ملغى فلا موضوع للإعادة.

فتحصّل : أنّ الظاهر من الصحيحة التعبّد بالوجود حتّى إذا كانت بلسان الأصل ، فضلاً عن كونها أمارة. فما ذكره في المتن من البقاء على حكم التمام هو الصحيح.

(١) فانّ المخرج إنّما هو السلام الأوّل ، وأمّا الأخير فهو مستحبّ واقع خارج الصلاة ، ولذا لو أحدث أو استدبر بين السلامين لم يكن به بأس. فعليه يصحّ أن يقال : إنّه عدل بعد ما صلّى فريضة بتمام ، فيجب عليه البقاء على التمام ، فلا أثر لرجوعه قبل السلام الأخير.

ومنه تعرف حكم ما لو عدل قبل الإتيان بسجدتي السهو ، فانّ هذا السجود واجب مستقلّ بعد الصلاة وإن حصل موجبه فيها ، ولذا لا يضرّ تركه حتّى

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٨٢ / أبواب المواقيت ب ٦٠ ح ١.

٣٣١

السّهو إذا كانتا عليه ، بل وكذا لو كان قبل الإتيان بقضاء الأجزاء المنسيّة كالسجدة والتشهّد المنسيّين ، بل وكذا لو كان قبل الإتيان بصلاة الاحتياط (*) أو في أثنائها إذا شكّ في الركعات وإن كان الأحوط فيه الجمع بل وفي الأجزاء المنسيّة (**).

______________________________________________________

العمدي بالصحّة وإن كان حينئذ آثماً. فالعدول المزبور واقع بعد الصلاة أيضاً كما هو واضح.

وأمّا لو عدل قبل التصدّي لقضاء الأجزاء المنسية من التشهّد ، أو السجدة الواحدة من الركعات السابقة فهل يلحقه حكم العدول بعد الصلاة تماماً.

يبتني ذلك على أنّ هذا هل هو قضاء اصطلاحي ، أي تعلّق به أمر مستقلّ جديد حدث بعد الانتهاء من الصلاة لا يضرّ مخالفته بصحّتها وإن كان آثماً كما تقدّم في سجود السهو (١) ، أو أنّ هذا واجب بنفس الأمر السابق ، غاية الأمر أنّه قد تغيّر محلّه وتبدّل ظرفه ، فالمراد بالقضاء الإتيان بنفس الجزء بعد السلام ، وما لم يأت به لم يفرغ عن الصلاة ، ولو تركه عامداً بطلت صلاته. فعلى الثاني وهو الأظهر كما مرّ في محلّه (٢) يؤثّر العدول ، لوقوعه حينئذ أثناء الصلاة ، فلا يصدق أنّه عدل بعد ما أتى بصلاة تامة ، بخلاف الأوّل.

ومنه تعرف حكم العدول قبل الإتيان بصلاة الاحتياط ، فإنّه إذا بنينا على أنّها جزء حقيقي متمّم على تقدير النقص وتخلّل التسليم والتكبير غير قادح فإنّه تخصيص في أدلّة الزيادة قد رخّص الشارع فيها رعاية لسلامة الصلاة عن

__________________

(*) إذا عدل في أثناء صلاة الاحتياط أو قبلها رجع إلى القصر على الأظهر.

(**) لا يترك الاحتياط إذا عدل قبل الإتيان بها.

(١) شرح العروة ١٨ : ٣٨٤.

(٢) شرح العروة ١٨ : ٣١١.

٣٣٢

[٢٣٣٦] مسألة ٣٥ : إذا اعتقد أنّ رفقاءه قصدوا الإقامة فقصدها ثمّ تبيّن أنّهم لم يقصدوا ، فهل يبقي على التمام أو لا (١)؟ فيه صورتان :

______________________________________________________

الزيادة والنقصان في ركعاتها كما دلّ عليه قوله (عليه السلام) : «أ لا أُعلّمك ...» إلخ (١) فالعدول حينئذ واقع قبل إحراز الأربع الذي هو في حكم العدول في الأثناء.

ولا ينافيه قوله (عليه السلام) : يبني على الأكثر (٢) أو على الأربع (٣) ، إذ المراد به البناء العملي ، أي يعامل معها هذا العمل ، لا أنّ هذه هي الركعة الرابعة واقعاً. فالعدول حينئذ يؤثّر ، ومعه يرجع إلى القصر ، وقد تقدّم في محلّه (٤) أنّ هذا المبنى هو الأظهر.

وأمّا إذا بنينا على أنّها واجب مستقل بحيث لا يضرّ الحدث بين الصلاتين فمرجعه إلى أنّ الشارع قد حكم بأنّ الركعة المشكوكة ركعة رابعة وصلاة الاحتياط عمل أجنبي ، وليس بجزء شرع لتدارك النقص كما في النوافل التي شرعت لتدارك الفرائض ، فإنّ من المعلوم أنّ النافلة ليست جزءاً من الفريضة. فعلى هذا يكون قد فرغ من الصلاة ، فلا يؤثّر العدول ، ويبقى على التمام.

(١) فصّل (قدس سره) حينئذ بين ما إذا كان ارتباط قصده بقصدهم على سبيل التقييد ، وبين ما إذا كان بنحو الداعي.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٣.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٣ [والمذكور فيه : «إذا سهوت فابن على الأكثر»].

(٣) الوسائل ٨ : ٢١٦ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٠ ، ١١ ، ١٣ [حيث يستفاد منها البناء على الأربع].

(٤) شرح العروة ١٨ : ٢٨٠.

٣٣٣

إحداهما : أن يكون مقيّداً بقصدهم.

الثانية : أن يكون اعتقاده داعياً له إلى القصد من غير أن يكون مقيّداً بقصدهم. ففي الأُولى يرجع إلى التقصير (*) ، وفي الثانية يبقي على التمام والأحوط الجمع في الصورتين.

______________________________________________________

ففي الصورة الأُولى يرجع إلى القصر ، لانكشاف عدم تحقّق القصد من الأوّل وفي الثاني يبقى على التمام لكونه من قبيل تخلّف الداعي غير القادح في تحقّق قصد الإقامة ، واحتاط بالجمع في كلتا الصورتين.

أقول : أمّا البقاء على التمام في الصورة الثانية فمما لا ينبغي الإشكال فيه لوضوح عدم قدح تخلّف الداعي كما ذكر ، فإنّه يتحقّق في كثير من موارد قصد الإقامة ، كما لو قصدها بداعي شراء دار أو تزويج أو تجارة ونحوها ثمّ تخلّف وانصرف ، بل لا يكون العدول غالباً إلّا من باب التخلّف في الداعي ، وإلّا فما الموجب له إلى العدول ، ولماذا يرجع عن نيّته ، ليس ذلك طبعاً إلّا لأجل أنّه ينكشف له لاحقاً ما لم يكن منكشفاً سابقاً فيتخلّف الداعي قهراً ، ومثله غير قادح جزماً كما عرفت ، وهذا ظاهر لا سترة فيه ، ولا وجه صحيح هنا للاحتياط الذي ذكره في المتن إلّا من باب أنّه حسن على كلّ حال.

وأمّا الرجوع إلى القصر في الصورة الأُولى فقد يقال في وجهه بأنّ نيّة الإقامة بعد أن كانت مقيّدة بقصد الرفقة ومنوطة به على سبيل الشرط والمشروط كما هو المفروض فانكشاف عدم قصدهم كاشف عن عدم قصده أيضاً من الأوّل بمقتضى ما بينهما من فرض الارتباط والاشتراط ، غايته أنّه كان مشتبهاً لجهله بفقد المعلّق عليه ، فاذا انكشف الخلاف وجب الرجوع إلى القصر لا محالة.

__________________

(*) بل يبقى على التمام ، وقد تقدّم نظيره في قصد المسافة ، ولا أثر للتقييد في أمثال المقام.

٣٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ويندفع بما تكرّرت الإشارة إليه في مطاوي هذا الشرح من امتناع التقييد في أمثال المقام ممّا هو جزئي حقيقي لا سعة فيه ليضيّق كالنيّة فيما نحن فيه ، التي هي من الأُمور الوجدانية وفعل اختياري دائر بين الوجود والعدم ، ويستحيل فيه التعليق على تقدير دون تقدير ، إذ ليس له معنى معقول أبداً.

نظير أن يشرب مائعاً ويجعل شربه مقيّداً بأن يكون ماءً وإلّا لم يكن شارباً فانّ هذا ممّا يضحك الثكلى ، ضرورة أنّ الشرب فعل جزئي قد تحقّق خارجاً على كلّ تقدير ، كان المائع ماءً أم لم يكن ، ولا يكاد يقبل التعليق بوجه ، نعم يمكن أن يكون الشرب بداعي كونه ماءً ، فاذا تخلّف يكون من تخلّف الداعي.

ومن هنا ذكرنا في مبحث الجماعة (١) أنّ الاقتداء خلف الإمام الحاضر على تقدير أنّه زيد لا معنى له ، فانّ الاقتداء فعل اختياري إمّا يوجد أو لا يوجد. فلا وجه للتفصيل بين الداعي والتقييد المنسوب إلى المشهور.

كما وذكرنا أيضاً في باب العقود من المكاسب (٢) أنّ التعليق في الإنشاء المحكوم بالبطلان مرجعه إلى التعليق في المنشأ ، وإلّا فالإنشاء أمر وجداني وفعل نفساني اختياري إمّا أن يكون أو لا يكون ، ولا واسطة بينهما ، ولا يعقل فيه التعليق والإناطة بتقدير دون تقدير.

وعلى الجملة : فلا يتصوّر التعليق في الأفعال التكوينية الوجدانية ، فإنّها دائرة بين الوجود والعدم ، وكلّ ما ذكر فهو من قبيل التخلّف في الداعي ، ولا يتصوّر التقييد في أمثال المقام.

نعم ، التقييد في المقصود أو في المنشأ أمر معقول ، فينشئ بإنشائه الفعلي المحقّق الملكية مثلاً المعلّقة على شي‌ء والمقيدة بتقدير خاص ككون اليوم يوم الجمعة

__________________

(١) شرح العروة ١٧ : ٦٥.

(٢) مصباح الفقاهة ٣ : ٦٦.

٣٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

مثلاً ، بداهة أنّه كما يمكن إنشاء الملكية المطلقة يمكن إنشاء الملكية المقيّدة ، فيكون الإنشاء بنفسه في كليهما فعلياً منجّزاً ، غاية الأمر أنّ المنشأ قد يكون معلّقاً وأُخرى مطلقاً.

وهذا هو التعليق في العقود الذي قام الإجماع على بطلانه ، وإلّا فالتعليق في نفس الإنشاء أمر غير معقول ، لا أنّه معقول باطل بسبب الإجماع. ففي الإنشاء لا يمكن وفي المنشأ يمكن ، إلّا أنّه باطل فيما عدا الوصية ، لقيام الدليل بالخصوص على صحّتها وجواز إنشاء الملكية دبر الوفاة.

وهكذا الحال في باب النيّة وقصد الإقامة ، فإنّه قد يقصد الإقامة عشرة أيام مطلقاً ، وأُخرى يقصدها على تقدير أن لا يضطرّ إلى الخروج لأمر من والده أو حاجة لصديقه ونحو ذلك ، فهو إذن غير قاصد للإقامة على كلّ تقدير ، بل على تقدير خاص.

كما هو الحال في باب الأفعال الخارجية ، مثلاً يرغب في شراء متاع لكن على تقدير أن تكون قيمته كذا ، وأمّا لو كانت أكثر فلا يرغب.

ففي المقام يمكن أن ينوي الإقامة لا مطلقاً ، بل على تقدير خاص وهي الإقامة المقترنة المرتبطة بإقامة رفقائه ، فهذا ممكن وقابل للتقييد.

وحينئذ فان كان متردّداً في إقامتهم ولا يدري أنّهم قصدوها أم لا فبطبيعة الحال لا يعلم هو ببقائه عشرة أيام ، وحكمه القصر حينئذ حتى وإن كانت الرفقة قد قصدوا العشرة ، لأنّه وإن علّق قصده على تقدير وذاك التقدير حاصل واقعاً ، إلّا أنّ هذا الشخص لا يدري به ، والقيد المعلّق عليه مشكوك فيه لديه فلا جرم تكون الإقامة مشكوكة عنده ، بحيث لو سئل هل تبقى عشرة أيام يقول لا أدري لأنّي تابع لمن معي. فلا قصد له بتاتاً ، ومثله محكوم بالقصر.

وأمّا لو كان معتقداً ببقائهم عشرة أيام وجب حينئذ عليه التمام وإن كان

٣٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

مخطئاً في اعتقاده ، إذ بالأخرة هو قاصد فعلاً للعشرة ، والخطأ إنّما هو في مقدّمة هذا القصد وهو الاعتقاد المزبور ، لا في القصد نفسه ، بحيث لو سُئل عنه كم تبقى لأجاب عشرة أيام ، بلا كلام ، التي هي الموضوع لوجوب التمام. فهو جازم ببقاء واقع العشرة لا مجرّد عنوانها ، غاية الأمر أنّ الجزم نشأ عن اعتقاد مخالف للواقع ، ولا ضير فيه.

والحاصل : أنّ التقييد لنفس النيّة لا يمكن ، وأمّا المنوي فممكن ، ولكن المفروض أنّ القيد محرز وإن كان مخطئاً. فهو ناو حقيقة ، ومعه لا مناص من الحكم بالتمام.

ولا ينتقض المقام بما لو قصد البقاء إلى يوم الجمعة الآتية مثلاً معتقداً أنّ هذا اليوم يوم الأربعاء ، وأنّ المجموع عشرة فبان أنّه يوم الخميس والمجموع تسعة.

لوضوح أنّ هناك من قبيل الاشتباه في التطبيق ، إذ لم يقصد في الواقع إلّا البقاء مدّة تخيّل أنّها عشرة أيام ، فلم يقصد واقع العشرة بوجه ، بخلاف المقام لتعلّق القصد هنا بواقع العشرة كما عرفت ، وإن كان مستنداً إلى ما لا واقع له وهو اعتقاد أنّ رفقاءه قصدوها.

وقد ذكرنا في محلّه (١) أنّ الاعتبار في قصد الإقامة وكذا في المسافة بواقعهما لا بما تخيّله من العنوان ، فلو قصد الحركة من النجف إلى الحلّة معتقداً أنّ المسافة بينهما خمسة فراسخ ، أو إلى الكوفة معتقداً أنّها ثمانية قصّر في الأوّل وأتمّ في الثاني ، وإن تخيّل ما تخيّل وقصد المسافة في الثاني دون الأوّل ، فإنّ المناط واقع المسافة لا تخيّلها ، كما أنّ العبرة في قصد الإقامة أيضاً بواقع العشرة لا بخيالها والواقع منفي في مورد النقض متحقّق فيما نحن فيه ، ولأجله كان القياس مع الفارق ، والنقض في غير محلّه.

__________________

(١) في ص ٢٧٩ ، ٣٧.

٣٣٧

الثالث من القواطع : التردّد في البقاء وعدمه ثلاثين يوماً إذا كان بعد بلوغ المسافة (١) ، وأمّا إذا كان قبل بلوغها فحكمه التمام حين التردّد ، لرجوعه إلى التردّد في المسافرة وعدمها ، ففي الصورة الأُولى إذا بقي في مكان متردّداً في البقاء والذهاب أو في البقاء والعود إلى محلّه يقصّر إلى ثلاثين يوماً ثمّ بعده يتمّ ما دام في ذلك المكان ، ويكون بمنزلة من نوى الإقامة عشرة أيّام سواء أقام فيه قليلاً أو كثيراً حتّى إذا كان بمقدار صلاة واحدة.

______________________________________________________

والمتحصّل من جميع ما ذكرناه : أنّ في هذه المسألة لو نوى إقامة عشرة أيام باعتقاد أنّ الرفقة قصدوها يتم ، فاذا انكشف بعد ذلك أنّهم لا يقيمون كان ذلك من البداء والرجوع عما نوى ، فيبقى على التمام ما لم يخرج.

وقد عرفت أنّ التقييد والتعليق في القصد غير ممكن ، وفي المقصود ممكن والعبرة بالقصد والعزم على العشرة ، فإن علم أنّ الرفقة قصدوها فهو طبعاً قاصد للعشرة ، وإلّا فهو غير مستيقن بالبقاء وفاقد للقصد وإن قصدها الرفقة واقعاً ، فلا يؤثّر ذلك ما دام لم يكن محرزاً عنده كما عرفت بما لا مزيد عليه.

(١) بلا خلاف فيه ولا إشكال للنصوص المستفيضة ، وفيها جملة من الصحاح كصحيحة أبي ولاد (١) وغيرها الناطقة بأنّ من بقي ثلاثين يوماً أو شهراً على الخلاف فيه كما ستعرف متردّداً يقول غداً أخرج أو بعد غد يتم صلاته بعد هذه المدّة ما بقي في ذلك المكان ولو بمقدار صلاة واحدة ، ويكون ذلك بمنزلة نيّة الإقامة عشرة. والظاهر أنّ هذا الحكم موضع وفاق ومتسالم عليه.

إنّما الكلام في أنّ مضي الثلاثين هل هو قاطع للسفر كما في قصد الإقامة بحيث يحتاج العود إلى القصر إلى قصد مسافة جديدة ، أو أنّه مجرّد تخصيص

__________________

(١) المتقدمة في ص ٢٨٤.

٣٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

محض يقتصر على مورده وهو مكان التردّد ، فلو خرج عن ذلك المكان رجع إلى القصر ولو لم يكن الباقي مسافة ، كما لو خرج من النجف قاصداً وطنه بغداد فلما وصل المحمودية بقي ثلاثين يوماً متردّداً ثمّ خرج نحو وطنه الذي هو دون المسافة ، فهل يتم في الطريق لعدم قصده مسافة مستأنفة ، أو أنّه يرجع إلى القصر؟

المعروف والمشهور هو الأوّل ، فألحقوا الثلاثين بقصد الإقامة. ونسب الثاني إلى المحقّق البغدادي (قدس سره) (١) بدعوى خلوّ نصوص الثلاثين عن الدلالة على القطع بوجه ، بل غايتها الإتمام في ذلك المكان ، فيرجع فيما عداه إلى عمومات القصر لكلّ مسافر ، ونتيجته انضمام ما بقي من سفره بما سبق وإن لم يكن بنفسه مسافة. ولا يقاس ذلك بناوي الإقامة لدلالة النص فيه وهو صحيح أبي ولاد على أنّه يتم ما لم يخرج ، أي خروجاً سفرياً كما مرّ ، ولم يرد مثل هذا الدليل في المقام. فعمومات القصر محكّمة.

أقول : ما أفاده (قدس سره) من خلو نصوص الباب عن الدلالة على القطع صحيح في حدّ نفسه ، إذ لم يدلّ دليل على خروج المتردّد المزبور عن عنوان المسافر وإن طالت المدّة وبلغت الثلاثين ، بل هو مسافر عُرفاً وشرعاً ووجداناً وقد عرفت عدم الدليل على التنزيل منزلة الأهل لينتج القطع الموضوعي حتّى في المقيم ، فضلاً عن المتردّد.

إلّا أنّ بناء المسألة على القطع بهذا المعنى لا وجه له ، فلا يدور الحكم مداره بل القطع الحكمي الراجع إلى التخصيص الذي لا ريب في دلالة النصوص عليه كما كان هو الحال في قاطعيّة الإقامة على ما عرفت سابقاً (٢) كافٍ في هذا الحكم ، وذلك لأجل الكبرى الكلّية والقاعدة العامّة المستفادة من النصوص على

__________________

(١) حكاه عنه في الجواهر ١٤ : ٢٤٣.

(٢) في ص ٩٠ ، ٢٥٨.

٣٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ما تكرّرت الإشارة إليها (١) من أنّ كلّ من حكم عليه بالتمام لجهة من الجهات لا يعود إلى القصر إلّا بسفر جديد وقصد مسافة مستأنفة ، والمقام من مصاديق هذه الكبرى ، فلا فرق بينه وبين قصد الإقامة في عدم انقلاب الحكم إلى القصر إلّا لدى قصد المسافة ولو ملفّقة ، لوحدة المناط واندراجهما تحت ضابط واحد حسبما عرفت.

هذا كلّه فيما إذا كان التردّد بعد بلوغ المسافة ولو ملفّقة ، وأمّا لو تردّد قبل أن يبلغها فقد ذكر في المتن أنّ حكمه التمام حين التردّد ، لرجوعه إلى التردّد في المسافرة وعدمها.

أقول : يتصوّر هذا على وجوه ، لا يبعد أن تكون عبارة المتن ناظرة إلى الأوّل منها :

أحدها : أن يتردّد بعد ما قطع مقداراً من الطريق في البقاء أو الذهاب أو العود إلى محلّه ، كما لو خرج من النجف قاصداً الحلّة وعند ما بلغ الكوفة تردّد في البقاء فيها أو الاسترسال في سفره أو الرجوع إلى وطنه. ولا ينبغي التأمل في الحكم بالتمام من لدن عروض التردّد ، إذ المعتبر في القصر الاستمرار في القصد والبقاء على نيّة السفر إلى نهاية المسافة ، الذي لا يجتمع مع فرض التردّد المزبور كما هو ظاهر.

ثانيها : أن يكون جازماً بالسفر وعازماً عليه ، فلا يحتمل العود إلى محلّه غير أنّه متردّد فعلاً في البقاء والخروج ، لحاجة دعته إلى التوقّف وقتاً ما من معالجة أو ملاقاة صديق ونحو ذلك ، ولا يدري أمد التوقّف وأنّه يوم أو يومان أو أكثر ، ولعلّه يطول ثلاثين يوماً ، فيحتمل بقاء الثلاثين من أوّل الأمر وحين عروض الترديد.

__________________

(١) منها ما تقدّم في ص ٨٢.

٣٤٠