موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

الاكتفاء بمطلق التلفيق ولو كان الذهاب أقل من أربعة ، وقد عرفت ضعفه في محلّه.

نعم ، قد يناقش في عدّ ذلك من التلفيق فيما إذا كان الرجوع إلى غير بلده نظراً إلى أنّه من مصاديق الامتداد ونوع من أنواعه ، إذ لا يعتبر فيه أن يكون السير على نحو الخط المستقيم ، بل يشمل المنكسر أيضاً كما مرّ (١).

ولكن الصحيح كونه من التلفيق كما ذكره في المتن ، فانّ الامتداد عبارة عن الابتعاد ، بأن يسلك طريقاً كلّما يسير فيه يبتعد عن بلده أو عن محلّ إقامته وهذا هو الذي قلنا إنّه لا تعتبر فيه الاستقامة ، بل يجوز أن يكون السير فيه بنحو الخط المنكسر أو المنحني أو اللولبي وغير ذلك من الإشكال الهندسية لإطلاق الأدلّة وعدم خلوّ الأسفار الخارجية عن مثل ذلك غالباً ، سيما في الأماكن الجبلية ، إذ قلّما يوجد فيها ما يكون بنحو الخط المستقيم.

فلو كان المسير من بلده إلى مقصده على شكل القوس لكونه على ساحل البحر مثلاً وكان ثمانية فراسخ قصّر في صلاته ، وإن كان البُعد الملحوظ بين الجانبين بنحو الخط المستقيم أقل من ذلك بطبيعة الحال ، لكون المدار على السير الخارجي الابتعادي بأيّ شكل كان كما تقدّم سابقاً ، فهذا هو الامتداد.

وأمّا إذا كان السير مشتملاً على الابتعاد والاقتراب ومتضمّناً للذهاب والإياب فيبعد ثمّ يعود ويقرب كما هو المفروض في المقام ، ولا سيما إذا كان العود في نفس الخط الذي ابتعد فيه ، كما لو خرج من النجف إلى ذي الكفل ثمّ عاد منه إلى بلد آخر واقع في عرضه بحيث كان مقدار من الطريق مشتركاً فيه بين الذهاب والإياب ، فلا ينبغي التأمل في أنّ ذلك معدود من التلفيق ، وليس هو من الامتداد في شي‌ء ، لفرض اشتماله على الابتعاد والاقتراب.

__________________

(١) في ص ٤١.

٣٠١

الثالثة : أن يكون عازماً على العود إلى محلّ الإقامة من دون قصد إقامة مستأنفة (١) لكن من حيث إنّه منزل من منازله في سفره الجديد ، وحكمه وجوب القصر أيضاً (*) في الذهاب والمقصد ومحلّ الإقامة.

______________________________________________________

ومن هنا ذكرنا في المسافة الدورية (١) أنّه كلّما يبتعد عن المحلّ فهو ذهاب إلى أن يصل إلى منتهى البعد وهي النقطة الموازية للبلد ، وكلّما يأخذ في الاقتراب فهو إياب ، ويكون المجموع من مصاديق التلفيق ، ويقصّر إذا كان كلّ منهما أربعة فراسخ.

وعلى الجملة : لا يعتبر في التلفيق أن يكون العود إلى نفس المحلّ الذي خرج منه ، بل المناط الاشتمال على الذهاب والإياب والابتعاد والاقتراب وإن كان العود إلى محلّ آخر غير بلده ، وهو متحقّق في المقام حسب الفرض ، فلا مناص عن عدّه من التلفيق.

فتحصّل : أنّ ما ذكره الماتن من احتساب ذلك من مصاديق المسافة التلفيقية هو الصحيح ، غير أنّ الحكم بالقصر حينئذ مشروط بما إذا لم يكن الذهاب أقل من أربعة فراسخ ، لعدم الدليل على ما اختاره من الاكتفاء بمطلق التلفيق حسبما عرفت.

(١) لخروجه معرضاً عنه ومنشئاً لسفر جديد ، وإنّما يعود إليه لوقوعه في طريقه وكونه منزلاً من منازل سفره ، وربّما يبيت فيه ليلة أو ليلتين كسائر منازله ، كما لو خرج من النجف إلى الكوفة قاصداً كربلاء ، المستلزم للعود إليه

__________________

(*) هذا في خصوص إيابه عن المقصد ، وأمّا فيه وفي الذهاب إليه فحكمه التمام على الأظهر.

(١) في ص ٤٣.

٣٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

والمرور عنه ، لوقوعه في الطريق ، أو أنّه اختار العود وإن كان له طريق آخر.

وقد حكم (قدس سره) حينئذ بوجوب القصر أيضاً في الذهاب والمقصد والإياب ومحلّ الإقامة ، وهذا مبني على ما سلكه (قدس سره) من ضمّ الذهاب إلى الإياب مطلقاً وإن كان أقل من أربعة فراسخ ، إذ عليه يتلبّس بالسفر إلى كربلاء مثلاً من حين خروجه من النجف ، لكن بهذا الترتيب المستلزم للعود إليه بما أنّه منزل من منازله. فهو مسافر وقاصد للمسافة الشرعية التلفيقية من لدن خروجه عن محلّ الإقامة ، الموجب لانقطاع الحكم بالتمام الثابت آن ذاك لكونه مغيا بعدم الخروج السفري بمقتضى صحيحة أبي ولاد (١) ، وقد حصلت الغاية فوجب القصر مطلقاً.

ولكن بناءً على ما عرفت (٢) من عدم الاكتفاء بمطلق التلفيق ، وأنّ الذهاب المتعقّب بالإياب لا يعدّ من المسافة الشرعية إلّا إذا كان أربعة فراسخ ، المفقود في مفروض المسألة ، فذهابه هذا يلغى ولا يحسب جزءاً من السفر وإن خرج معرضاً عن المحلّ. فلا مناص من الإتمام فيه.

وبعبارة اخرى : محقّق السفر الشرعي ثمانية فراسخ هو الابتعاد بهذا المقدار ، المنطبق على الامتداد بحسب ظاهر الدليل ، فكفاية الابتعاد المتعقّب بالرجوع المعبّر عنه بالتلفيق يحتاج إلى الدليل ، ولا دليل إلّا في صورة خاصّة وهو ما إذا كان الذهاب أربعة ، فالأقل من ذلك لا يعدّ جزءاً من السفر في نظر الشرع وإن قصده المسافر وخرج عن محلّ إقامته معرضاً وعازماً على السفر. فلا مناص فيه من الإتمام كما عرفت. وكذا الحال في المقصد ، إذ ما دام فيه لم يكن شارعاً في السفر ، لتقوّمه بالمشي والسير الخارجي ، وعدم كفاية القصد

__________________

(١) المتقدِّمة في ص ٢٨٤.

(٢) في ص ٧.

٣٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

والنيّة المجرّدة.

وأمّا في الإياب ومحلّ الإقامة فهل الحكم هو التمام أيضاً أو القصر؟ قد يقال بالأوّل ، نظراً إلى أنّ المستفاد من صحيحة أبي ولاد أنّ المقيم في بلد محكوم بالتمام حتّى يخرج من البلد ، فلا ينقلب الحكم إلى القصر إلّا إذا تحقّق الخروج والسفر من نفس البلد ، والإياب وإن كان سفراً إلّا أنّه سفر من المقصد كالكوفة في المثال ، لا من بلد الإقامة ، فلا يقصّر فيه ، لانحصار موجب التقصير بسفر خاص ، وهو الذي يكون مبدؤه البلد نفسه على ما هو ظاهر قوله (عليه السلام) : «حتّى تخرج» أي تخرج من محلّ الإقامة. إذن يتم في الإياب وفي محلّ الإقامة إلى أن يخرج منه ، ومتى خرج عنه ينقلب الحكم حينئذ إلى القصر.

وعليه فيجب التمام في جميع الحالات من الذهاب والمقصد والإياب ومحلّ الإقامة ، أمّا في الأولين فلمّا مرّ ، وأمّا في الأخيرين فلهذه النكتة.

ولكنّه كما ترى ، لا يمكن المساعدة عليه بوجه ، إذ لا دلالة في الصحيحة على اختصاص الغاية بالسفر الذي يكون مبدؤه محلّ الإقامة ، بل ظاهر قوله (عليه السلام) : «حتّى تخرج» هو التلبّس بالخروج السفري ولو كان ابتداؤه من مكان آخر ، وإلّا فلو فرضنا أنّه خرج عن محلّ الإقامة كالنجف مثلاً إلى الكوفة لا بقصد السفر ، بل لغاية من الغايات كزيارة مسلم (عليه السلام) بانياً على الرجوع ، ثمّ بدا له السفر من الكوفة إلى الحلّة ، أفهل يمكن القول بعدم التقصير لأنّه ليس سفراً من محلّ الإقامة؟ لا يحتمل ذلك جزماً ، فيكشف ذلك عن أنّ الغاية مطلق الخروج السفري ، أي حتّى ينشئ سفراً جديداً ، سواء أكان من محلّ الإقامة أم من غيره.

ومع التنزل وتسليم أنّ الصحيحة مجملة من هذه الجهة فتكفينا إطلاقات القصر في السفر ، خرج عنها ناوي الإقامة ، وأمّا غيره فيبقى تحت الإطلاق

٣٠٤

الرابعة : أن يكون عازماً على العود إليه من حيث إنّه محلّ إقامته (١) بأن لا يكون حين الخروج معرضاً عنه بل أراد قضاء حاجة في خارجه والعود إليه ثمّ إنشاء السفر منه ولو بعد يومين أو يوم بل أو أقل ، والأقوى في هذه الصورة البقاء على التمام في الذهاب والمقصد والإياب ومحلّ الإقامة ما لم ينشئ سفراً ، وإن كان الأحوط الجمع في الجميع خصوصاً في الإياب ومحلّ الإقامة.

______________________________________________________

وبما أنّ الخارج من الكوفة بقصد السفر إلى الحلّة أو إلى كربلاء من طريق النجف المستلزم للعود إلى محلّ الإقامة شارع في السفر فهو محكوم بالقصر لا محالة بمقتضى الإطلاقات السليمة عمّا يصلح للتقييد.

فتحصّل : أنّ الأظهر هو التفصيل في هذه الصورة بين الذهاب والمقصد فيتم كما مرّ وجهه ، وبين الإياب ومحلّ الإقامة فيجب القصر.

(١) فلم يخرج معرضاً ، بل لقضاء حاجة وبعده يعود ويبقى يوماً أو يومين بحيث يكون هذا البقاء متمّماً للإقامة السابقة وجزءاً منها ، ثمّ بعد ذلك ينشئ السفر منه. ولا ريب حينئذ في البقاء على التمام في الذهاب والإياب والمقصد ومحلّ الإقامة كما أفاده في المتن ما لم ينشئ سفراً جديداً ، لأنّه وإن كان بانياً على السفر إلّا أنّه بانٍ عليه بعد العود إلى محلّ الإقامة لا من هذا الحين ، فلا يكون خروجه هذا خروجاً سفرياً ، فلو خرج وإن بات ليلة أو ليلتين ثمّ رجع يقال بحسب الصدق العرفي إنّه رجع إلى محلّ الإقامة لاستكمال إقامته ، وإنّما ينشئ السفر بعد ذلك. فلا مناص من الإتمام في جميع تلك الحالات ، إذ لا قصر إلّا مع قصد السفر فعلاً ، المنفي حسب الفرض.

٣٠٥

الخامسة : أن يكون عازماً على العود إلى محلّ الإقامة لكن مع التردّد في الإقامة بعد العود وعدمها (١) وحكمه أيضاً وجوب التمام ، والأحوط الجمع كالصورة الرابعة.

السادسة : أن يكون عازماً على العود مع الذهول عن الإقامة وعدمها (٢) وحكمه أيضاً وجوب التمام ، والأحوط الجمع كالسابقة.

السابعة : أن يكون متردّداً في العود وعدمه (*) أو ذاهلاً عنه (٣) ، ولا يترك الاحتياط بالجمع فيه في الذهاب والمقصد والإياب ومحلّ الإقامة إذا عاد إليه إلى أن يعزم على الإقامة أو ينشئ السفر.

______________________________________________________

(١) فيخرج فعلاً لا بعنوان السفر بل متردّداً ، فلا يدري أنّه يرجع فيقيم أو أنّه ينشئ السفر من المقصد ، وإنّما يرجع لكونه منزلاً من منازل سفره. وحكمه أيضاً هو التمام في جميع تلك الحالات ، لعدم كونه مع هذا الترديد قاصداً فعلاً لسفر جديد الذي هو المناط الوحيد في انقلاب الحكم إلى القصر ، نعم لو اتّفق أنّه رجع قاصداً للسفر قصّر كما هو واضح.

(٢) فهي عين الصورة السابقة ولكن مع الغفلة والذهول عن الإقامة وعدمها بدلاً عن الترديد ، فلم يلتفت إلى أنّه يرجع ويقيم أو لا يقيم. والكلام هو الكلام المتقدّم ، فانّ القصر يحتاج إلى قصد السفر ، والغافل لم ينشئ سفراً جديداً. فلا فرق بين الملتفت المتردّد وبين الغافل من هذه الجهة.

(٣) وبهذا تمتاز هذه الصورة عن الصور المتقدّمة ، حيث إنّه كان عازماً فيها

__________________

(*) إذا كان تردّده أو غفلته تردّداً في السفر أو غفلة عنه فالظاهر وجوب التمام عليه في جميع المواضع الأربعة.

٣٠٦

ولا فرق في الصور التي قلنا فيها بوجوب التمام بين أن يرجع إلى محلّ الإقامة في يومه أو ليلته أو بعد أيام ، هذا كلّه إذا بدا له الخروج إلى ما دون المسافة بعد العشرة أو في أثنائها بعد تحقّق الإقامة ، وأمّا إذا كان من عزمه الخروج في حال نيّة الإقامة (*) فقد مرّ أنّه إن كان من قصده الخروج والعود عمّا قريب وفي ذلك اليوم من غير أن يبيت خارجاً عن محلّ الإقامة فلا يضرّ بقصد إقامته ويتحقّق معه ، فيكون حاله بعد ذلك حال من بدا له ، وأمّا إن كان من قصده الخروج إلى ما دون المسافة في ابتداء نيّته مع البيتوتة هناك ليلة أو أزيد فيشكل معه تحقّق الإقامة ، والأحوط الجمع من الأوّل إلى الآخر إلّا إذا نوى الإقامة بدون القصد المذكور جديداً أو يخرج مسافراً.

______________________________________________________

على العود إمّا لأنّه محلّ إقامته أو أنّه منزل من منازله ، أو مع الترديد في الإقامة أو الذهول عنها ، أو كان عازماً على عدم العود كما في الصورة الثانية ، وأمّا هنا فهو متردّد في أصل العود وعدمه ، ومن الجائز أنّه يسافر من مقصده ولا يرجع أو أنّه غافل عن ذلك.

وقد توقّف الماتن (قدس سره) عن الفتوى في هذه الصورة ، واحتاط بالجمع في الذهاب والمقصد والإياب ومحلّ الإقامة إذا عاد إليه إلى أن يعزم على الإقامة أو ينشئ السفر.

ولم يظهر وجه توقّفه (قدس سره) بل اللّازم هو الحكم بالتمام في جميع المواضع الأربعة كما في الصور الثلاث المتقدّمة ، لوحدة المناط ، إذ لو كان متردِّداً في العود

__________________

(*) قد مرّ حكم ذلك [في المسألة ٢٣٠٩] ، وفي حكمه عزمه على الخروج بعد نيّة الإقامة وقبل الإتيان بصلاة أربع ركعات.

٣٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وعدمه أو غافلاً فمرجعه إلى التردّد في السفر أو غفلته عنه ، ومعنى ذلك أنّه لم ينشئ فعلاً سفراً جديداً ، فلم يخرج عن البلد قاصداً للسفر ومعرضاً عن المحلّ ومعلوم أنّ مَن هذا شأنه وظيفته التمام ، لإناطة القصر بقصد السفر الفعلي ، المنفي حسب الفرض ، كما في الصور المتقدّمة.

وعلى الجملة : لم يظهر وجه للتفكيك بين هذه الصورة وبين ما لو كان عازماً على العود مع التردّد في الإقامة أو الغفلة عنها ، الذي حكم (قدس سره) فيه بالتمام ، مع أنّ الملاك هو الملاك بعينه ، فانّ الملاك الجامع بين هذه الصور والضابط العام هو أنّ من كان مقيماً في محلّ وتحقّقت منه الإقامة ولو بالإتيان برباعية تامّة فحكمه الإتمام إلى أن يسافر سفراً جديداً بشرائطه من قصد المسافة واستمرار القصد ونحو ذلك ، فما لم يتحقّق ذلك يبقى على التمام ، وهذا الملاك كما ترى منطبق على هذه الصورة كالصور المتقدّمة الثلاث من غير فرق بينها بوجه. نعم ، الاحتياط في موارد الاختلاف حسن جدّاً ، إلّا أنّ الفتوى هو ما ذكرناه.

ثمّ إنّ جميع ما ذكرناه من الصور إنّما هو فيما إذا بدا له الخروج إلى ما دون المسافة إمّا بعد العشرة أو في أثنائها بعد تحقّق الإقامة برباعية تامّة ، من غير فرق بين ما لو رجع إلى محلّ الإقامة ليومه أو ليلته أو بعد أيام.

وأمّا إذا كان عازماً على الخروج حال نيّة الإقامة من أوّل الأمر فقد مرّ حكمه سابقاً(١) ، وعرفت أنّه إن كان الخروج في زمن يسير كساعتين أو ثلاث ساعات بحيث لا يضرّ عرفاً بصدق الإقامة في مكان واحد لم يكن به بأس.

وأمّا إذا كان بمقدار يقدح في الصدق المزبور كما لو خرج طول النهار فضلاً عن مبيت الليل أيضاً ، أو كان في زمان يشكّ معه في الصدق كما لو خرج بمقدار خمس ساعات أو ست ، كان المرجع حينئذ عموم أدلّة القصر ، للزوم الاقتصار

__________________

(١) في ص ٢٧١ ٢٧٢.

٣٠٨

[٢٣٢٦] مسألة ٢٥ : إذا بدا للمقيم السفر ثمّ بدا له العود إلى محلِّ الإقامة والبقاء عشرة أيام (١) ، فإن كان ذلك بعد بلوغ أربعة فراسخ قصّر في الذهاب والمقصد والعود ، وإن كان قبله فيقصِّر حال الخروج بعد التجاوز عن حدِّ الترخّص إلى حال العزم على العود ويتم عند العزم عليه ، ولا يجب عليه قضاء ما صلّى (*) قصراً ، وأما إذا بدا له العود بدون إقامة جديدة بقي على القصر حتّى في محلّ الإقامة (**) لأنّ المفروض الإعراض عنه ، وكذا لو ردّته الرِّيح أو رجع لقضاء حاجة

______________________________________________________

في الشبهة المفهومية للمخصّص المجمل الدائر بين الأقل والأكثر على المقدار المتيقّن الذي يحرز معه صدق الإقامة عشرة أيام في مكان واحد غير القادح فيه خروج الساعات اليسيرة كما عرفت ، وأمّا فيما شكّ معه في الصدق فضلاً عما إذا أحرز العدم فالمرجع عمومات التقصير كما تقدّم.

(١) قد يفرض حصول البداء بعد بلوغ أربعة فراسخ ، وأُخرى قبل ذلك.

أمّا في الأوّل : فلا إشكال في القصر في الذهاب ومحلّ البداء والإياب ومحلّ الإقامة ما لم يقصد فيه إقامة مستأنفة ، لزوال الإقامة الاولى بحدوث سفر جديد متحصّل من المسافة التلفيقية ، ضرورة أنّ الإتمام للمقيم كان مغيا بمقتضى صحيحة أبي ولاد (١) بعدم الخروج السفري ، وقد تحقّق ، بعد كونه أعمّ من

__________________

(*) فيه إشكال والاحتياط لا يترك.

(**) هذا إذا كان رجوعه إليه من حيث إنّه أحد منازله في سفره ، وأمّا في غيره كمن قصد المقام في النجف ثمّ خرج إلى الكوفة قاصداً للمسافة فبدا له ورجع للزيارة ناوياً للعود إلى سفره من طريق الكوفة ، فالبقاء على القصر فيه مشكل ، فلا يترك الاحتياط بالجمع.

(١) المتقدمة في ص ٢٨٤.

٣٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

التلفيق ، فلا بدّ من التقصير في جميع تلك المواضع حتّى في محلّ الإقامة إلّا إذا أقام فيه عشرة أُخرى ، وهذا ظاهر.

وأمّا في الثاني : فلم يتحقّق منه السفر الشرعي ، وحينئذ إن كان عازماً على إقامة عشرة أُخرى في محلّ الإقامة فبما أنّه لم يتخلّل السفر الموجب للقصر بين الإقامتين أتمّ في محلّ البداء وفي الإياب.

وهل يعيد ما صلاه قصراً في ذهابه المستند إلى عزم السفر آن ذاك؟ فيه كلام قد تقدّم في من خرج للسفر ثمّ رجع قبل أن يبلغ الأربعة وقد صلّى قصراً وعرفت أنّ مقتضى القاعدة حينئذ هو الإعادة ، لأنّ العزم على السفر مع التلبّس به خارجاً وإن كان مسوغاً للتقصير لكنّه مشروط في صقع الواقع ببلوغ السير حدّ المسافة الشرعية ، فما لم يتعقّب بهذا المقدار لم يتحقّق موضوع القصر وإن اعتقد هو تحقّقه لبنائه على الاسترسال في السير ، فإنّه حكم اعتقادي مضروب في مرحلة الظاهر مغيا بطبيعة الحال بعدم انكشاف الخلاف ، فمع الكشف تجب الإعادة رعاية للوظيفة الواقعية.

إلّا أنّ صحيحة زرارة تضمّنت نفي الإعادة على خلاف القاعدة ، فلو كنّا نحن وهذه الصحيحة لأخذنا بمقتضاها ، ولكنّها معارضة في موردها بصحيحة أبي ولاد المثبتة لها ، إذن يرجع إلى ما تقتضيه القاعدة السليمة عمّا يصلح للتخصيص. ومن ثمّ تقدّم (١) أنّ الأحوط إن لم يكن أقوى وجوب الإعادة ، وأمّا إذا لم يكن عازماً على إقامة جديدة فقد اختار في المتن لزوم البقاء على القصر حتّى في محلّ الإقامة ، نظراً إلى أنّه بخروجه وإعراضه قد ارتفع حكم الإقامة السابقة ، فيحتاج ضمّ الإقامة الثانية التي هي دون العشرة إلى دليل يتكفّل الالتحاق والانضمام ، وحيث لا دليل وهو مسافر بالفعل وجداناً كان

__________________

(١) في المسألة الرابعة والعشرين من صدر المبحث [في ص ٨٣ وما بعدها].

٣١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

المرجع عمومات القصر لكلّ مسافر.

وبعبارة اخرى : هذا مسافر حكم عليه بالتمام حينما كان في محلّ الإقامة وما دام كونه مقيماً فيه ، وقد زال هذا الحكم بخروجه وسفره وإعراضه ، فيحتاج استعادة الحكم بعد العود إلى هذا الموضع غيرَ قاصدٍ لإقامة مستأنفة إلى الدليل فانّ هذه الإقامة في نفسها لا أثر لها بعد فرض كونها دون العشرة ، ولا دليل على ضمّها إلى السابقة بعد الانفصال بينهما بالإعراض. فعمومات القصر هي المحكّمة ، ومقتضاها القصر في محلّ البداء وفي الإياب وفي محلّ الإقامة.

ولكنّه غير سديد ، ولا يمكن المساعدة عليه بوجه ، إذ لم يدلّ دليل على أنّ الإعراض مسقط للإقامة ورافع لحكمها ، بل مقتضى إطلاق دليل المخصّص أعني صحيحة أبي ولاد الدالّة على أنّه يتم حتّى يخرج أنّه ما لم يتحقّق الخروج يبقى على التمام ، سواء أعرض أم لم يعرض. وقد عرفت أنّ المراد به الخروج السفري لا مطلق الخروج ، فالغاية هو السفر لا الإعراض ، إذ المحكّم إطلاق دليل المخصّص لا عموم العام.

ومن الواضح : أنّ المراد بالسفر المجعول غاية للحكم بالتمام هو واقع السفر لا خياله واعتقاده ، ولم يتحقّق في المقام حسب الفرض ، وإنّما هو خيال محض وخيال السفر لا أثر له ، وقد عرفت أنّ الحكم بالقصر لدى الخروج بقصد السفر كان حكماً ظاهرياً مراعى بعدم انكشاف الخلاف ، ومع كشفه يتبيّن أنّه حكم اعتقادي لا واقعي ، لعدم كونه من المسافر في شي‌ء بعد حصول البداء وعدم قطع المسافة الشرعية ، ومعه كيف يمكن الرجوع إلى عمومات القصر بل المرجع إطلاق دليل المخصّص ، المقتضي للبقاء على التمام ما لم يتحقّق السفر الجديد ، المنفي في المقام كما عرفت.

فتحصّل : أنّ الأظهر إلحاق هذه الإقامة بالإقامة السابقة ، فيبقى على التمام في محلّ الإقامة وفي الإياب وفي موضع البداء. وقد تقدّم حكم تقصيره في الذهاب.

٣١١

كما مرّ سابقاً (١).

[٢٣٢٧] مسألة ٢٦ : لو دخل في الصلاة بنيّة القصر ثمّ بدا له الإقامة في أثنائها أتمّها وأجزأت (٢) ، ولو نوى الإقامة ودخل في الصلاة بنيّة التمام فبدا له السفر ، فان كان قبل الدخول في الركعة الثالثة أتمّها قصراً واجتزأ بها

______________________________________________________

نعم ، لو فرضنا أنّ العود إلى محلّ الإقامة كان بعنوان الاستطراق وبما أنّه منزل من منازل سفره من غير عدول عن أصل السفر اتّجه الحكم بالقصر حينئذ في جميع تلك المواضع ، ووجهه ظاهر.

ثمّ إنّه لا فرق فيما ذكرناه بين ما إذا كان العود إلى محلّ الإقامة لحصول البداء أو لأجل أنّ الريح ردّته ، أو رجع لقضاء حاجة كما نبّه عليه في المتن ، وهو واضح ، فانّ الكلّ من باب واحد.

(١) لم يسبق منه (قدس سره) التعرّض لحكم هذه المسألة أعني العود إلى محلّ الإقامة. نعم ، تقدّم في المسألة التاسعة والستّين من الفصل الأوّل (١) حكم العود إلى ما دون حدّ الترخّص إمّا لاعوجاج الطريق أو لغير ذلك ، لا إلى البلد نفسه. وعرفت ثمّة أنّ الأظهر هو التفصيل بين الوطن ومحلّ الإقامة ، فيعود إلى التمام في الأوّل دون الثاني.

وكيف ما كان ، فلم يمر سابقاً حكم العود إلى محلّ الإقامة نفسه ، الذي هو محلّ الكلام في المقام ، وكأنّ مراده (قدس سره) أنّه تقدّم نظير المقام لا عينه فلاحظ.

(٢) فانّ وظيفة القصر قد انقلبت إلى التمام بتبدّل الموضوع ، ولا موجب

__________________

(١) في ص ٢٢٦.

٣١٢

وإن كان بعده بطلت ورجع إلى القصر (*) ما دام لم يخرج (**) ، وإن كان الأحوط إتمامها تماماً وإعادتها قصراً والجمع بين القصر والإتمام ما لم يسافر كما مرّ.

______________________________________________________

لرفع اليد عما بيده بعد إمكان تتميمه مطابقاً للوظيفة الفعلية ، فإنّ القصر والتمام كيفيّتان وخصوصيّتان لعمل واحد ، فالواجب شي‌ء واحد وهو طبيعي صلاة الظهر مثلاً ، غاية الأمر أنّ المصلّي لدى الانتهاء من الركعة الثانية يلاحظ حالته الفعلية فإن كان مسافراً قصّر وسلم ، وإلّا ألحق بهما الركعتين الأخيرتين.

ولا يلزم أن يكون هذا معلوماً من الأوّل ، لعدم الدليل عليه بعد تحقّق الطبيعي المأمور به على وجهه على التقديرين كما هو ظاهر.

ونحوه الحال في عكس المسألة ، أعني ما لو كان ناوياً للإقامة فدخل في الصلاة بنيّة التمام ثمّ بدا له السفر أو تردّد فيه ، فانّ الوظيفة تنقلب حينئذ إلى القصر على ما مرّ (١) من أنّ عدم الانقلاب والبقاء على التمام وإن عدل مشروط بالفراغ عن الصلاة التامة ، المفقود في مفروض الكلام.

وعليه فان كان العدول قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة أتمّها قصراً واجتزأ بها ، غايته هدم القيام الزائد لو كان ذلك حال القيام إلى الثالثة ، ولا بأس به بعد أن لم يكن عامداً في الزيادة كما مرّ سابقاً ، وإن كان بعد الدخول في الركوع فحيث إنّ هذه الصلاة لا تقبل العلاج فلا مناص من رفع اليد والاستئناف قصرا.

ثمّ إنّ جملة (ما دام لم يخرج) المذكورة في المتن من سهو القلم أو غلط النسّاخ

__________________

(*) هذا إذا دخل في ركوع الركعة الثالثة ، وإلّا فحكمه حكم من عدل قبل الدخول في الثالثة.

(**) هذه الجملة من غلط النسّاخ أو سهو القلم.

(١) في ص ٢٨٦ وما بعدها.

٣١٣

[٢٣٢٨] مسألة ٢٧ : لا فرق في إيجاب الإقامة لقطع حكم السفر وإتمام الصلاة بين أن تكون محلّلة أو محرّمة (١) كما إذا قصد الإقامة لغاية محرّمة من قتل مؤمن أو سرقة ماله ، أو نحو ذلك كما إذا نهاه عنها والده أو سيّده أو لم يرض بها زوجها.

[٢٣٢٩] مسألة ٢٨ : إذا كان عليه صوم واجب معيّن غير رمضان كالنذر أو الاستئجار أو نحوهما وجب عليه الإقامة (*) مع الإمكان (٢).

______________________________________________________

كما نبّه عليه (دام ظلّه) في تعليقته الأنيقة وإن لم يتعرّض له في الدرس ، ووجهه ظاهر فلاحظ.

(١) لإطلاق الأدلّة ، فإنّ التقييد بالمحلّل إنّما ورد في السفر المحكوم بالقصر كما مرّ (١) ، وأمّا الإقامة القاطعة لحكم السفر فلم يرد فيها مثل هذا التقييد ، والمرجع الإطلاق.

على أنّ الفارق موجود ، فانّ القصر مبنيّ على التخفيف ، غير المناسب لمرتكب الحرام ، بخلاف الإتمام فإنّه لو ثبت في حقّ المقيم حلالاً ففي المقيم حراماً بطريق أولى ، فإنّ الحرمة لو لم تكن مقتضية للتشديد فلا ريب أنّها لا تقتضي التخفيف. وكيف ما كان ، فحكم المسألة ظاهر ، وإنّما هو مجرّد تنبيه من الماتن ونعم التنبيه.

(٢) فصّل (قدس سره) بين الصوم الواجب المعيّن من رمضان ، وبين غيره ممّا وجب لنذر أو استئجار أو شرط في ضمن عقد ونحو ذلك في أنّه لو صادف السفر وجب قصد الإقامة في الثاني دون الأوّل ، نظراً إلى أنّ الحضور شرط

__________________

(*) هذا فيما إذا كان وجوب الصوم في يوم معيّن بالاستئجار ، وأمّا إذا كان بالنذر فيجوز السفر فيه ولا يجب الإقامة عليه.

(١) في ص ٩٤ وما بعدها.

٣١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

للوجوب في رمضان على ما يقتضيه ظاهر قوله تعالى (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (١) وغيره من النصوص (٢) ، وإن وجب القضاء بنصّ خاص ، ولا تنافي بين الأمرين كما لا يخفى. ومن المعلوم عدم لزوم التصدِّي لتحصيل شرط الوجوب.

وأمّا في النذر ونحوه فالوجوب مطلق إلّا إذا قيّده الناذر بالحضور ، فانّ النذور تتبع القصود من حيث الإطلاق والتقييد والسعة والضيق ، لعدم كون الوجوب في موردها حقاً إلهياً ابتدائياً ، بل هو تابع لكيفية قصد الناذر.

فإذا كان مطلقاً من حيث الحضر والسفر ، أي نذر طبيعي الصوم في اليوم المعيّن لا مشروطاً بكونه حاضراً كما هو المفروض في محلّ الكلام كان الوجوب أيضاً مطلقاً لا محالة ، غاية الأمر أنّ الواجب مقيّد بالحضر ، باعتبار ما دلّ على عدم صحّة الصوم في السفر ، فهو شرط لوجود الواجب وصحّته لا لوجوبه ، ولأجل ذلك وجبت عليه الإقامة لو صادف السفر ، تحقيقاً لشرط الواجب اللازم تحصيله بحكم العقل بعد فرض إطلاق الوجوب.

وعلى الجملة : بما أنّ النذر وشبهه قد تعلّق بمطلق الصوم غير مشروط بالحضر وهو اختياري ، فلا جرم يجب الوفاء به مطلقاً ، وحيث إنّ صحّته متوقّفة على الإقامة وهي مقدورة فلا مناص من قصدها ، لوجوب تحصيل المقدمة ولو عقلاً ، تحقيقاً لامتثال الواجب الفعلي على وجهه.

وهذا الذي ذكره (قدس سره) هو مقتضى القاعدة الأوّلية حسبما بيّناه ، الّا أنّ هناك روايات خاصّة دلّت على عدم وجوب الإقامة حتّى في النذر ، بل جواز السفر اختياراً كما في رمضان ، ويقضي المنذور بعد ذلك ، ومرجعها إلى

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٨٥.

(٢) الوسائل ١٠ : ١٧٦ / أبواب من يصحّ منه الصوم ب ١ ح ٨ وغيره.

٣١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

التخصيص في دليل وجوب الوفاء بالنذر ، وبذلك نرفع اليد عن مقتضى القاعدة.

وهذه الروايات قد عقد لها صاحب الوسائل باباً في كتاب الصوم ، وهو الباب العاشر من أبواب من يصحّ منه الصوم ، وذكر جملة منها فيه كرواية عبد الله بن جندب : «عن رجل جعل على نفسه نذر صوم يصوم فمضى فيه فحضرته نيّة في زيارة أبي عبد الله (عليه السلام) قال : يخرج ولا يصوم في الطريق فإذا رجع قضى ذلك» (١).

وأغلب ما ذكر في هذا الباب وإن كانت معتبرة عندنا إلّا أنّ العمدة في المقام روايتان أوردهما في كتاب النذر.

إحداهما : صحيحة علي بن مهزيار قال : «كتبت إليه يعني إلى أبي الحسن ـ (عليه السلام) : يا سيِّدي رجل نذر أن يصوم يوماً من الجمعة دائماً ما بقي فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو أيام التشريق ، أو سفر أو مرض هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه ، وكيف يصنع يا سيّدي؟ فكتب إليه : قد وضع الله عنه الصيام في هذه الأيام كلّها ، ويصوم يوماً بدل يوم إن شاء الله ...» إلخ (٢). دلّت بوضوح على عدم وجوب الإقامة ، بل جواز إحداث السفر ابتداءً فإذا جاز حدوثاً جاز بقاءً بطريق أولى. فلا يجب الوفاء بالنذر في هذه الصورة.

ثانيتهما : التي هي أوضح دلالة صحيحة زرارة قال : «إنّ أُمّي كانت جعلت عليها نذراً نذرت لله في بعض ولدها في شي‌ء كانت تخافه عليه أن تصوم ذلك اليوم الذي يقدم فيه عليها ، فخرجت معنا إلى مكّة فأشكل علينا صيامها في السفر ، فلم ندر تصوم أو تفطر ، فسألت أبا جعفر (عليه السلام) عن ذلك؟ فقال : لا تصوم في السفر ، إنّ الله قد وضع عنها حقّه في السفر وتصوم هي ما جعلت

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ١٩٧ / أبواب من يصح منه الصوم ب ١٠ ح ٥.

(٢) الوسائل ٢٣ : ٣١٠ / أبواب النذر والعهد ب ١٠ ح ١.

٣١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

على نفسها ...» إلخ (١).

دلّت على أنّ حقّ الله موضوع في السفر ، فكيف بالحقّ الذي جعلته هي على نفسها لأجل النذر ، فإنّه أولى بالوضع والسقوط. فيستفاد منها أنّ الصوم المجعول من قبل الشخص نفسه بنذر وشبهه من عهد أو يمين وإن كان مورد النصّ هو الأوّل مشروط وجوبه بالحضر ، فتجوز المسافرة ولا تجب الإقامة كما في صوم رمضان المجعول من قبل الله تعالى ابتداءً ، من غير فرق بينهما. فلا يجب الوفاء بما أوجبه على نفسه في خصوص هذا المورد ، بل يسافر ويقضي كما في صحيح ابن مهزيار.

وهل يلحق بالنذر وشبهه ممّا أوجبه على نفسه الصوم الذي هو متعلّق لحقّ الغير ومملوك له كما في الاستئجار والشرط في ضمن العقد ونحوهما؟ الظاهر عدم الإلحاق ، لعدم الدليل على التعدّي عن مورد النصّ إلى ما كان متضمّناً لحقّ الغير ، بحيث يرتكب التخصيص في دليل وجوب تسليم الملك إلى صاحبه أعني الصوم المعيّن الذي ملكه المستأجر على ذمة الأجير.

كما لا وجه للالتزام ببطلان الإجارة بعد وقوعها صحيحة جامعة للشرائط فإنّ كلّ ذلك ممّا لا يمكن المصير إليه ، لما عرفت من اختصاص مورد النصّ الموجب لرفع اليد عن مقتضى القواعد الأوّلية بالنذر ، وألحقنا به ما يشاركه في كونه ممّا أوجبه على نفسه خالياً عن تعلّق حقّ الغير كالعهد واليمين ، وأمّا ما كان مشتملاً على حقّ الناس كالإيجار ونحوه فهو غير مشمول لهذه النصوص بوجه ، بل يكون باقياً تحت الإطلاق بعد سلامته عما يصلح للتقييد.

وعليه فلا يجوز السفر للأجير ونحوه ، ولو كان مسافراً وجبت عليه الإقامة مقدّمة لتسليم المال إلى صاحبه.

__________________

(١) الوسائل ٢٣ : ٣١٣ / أبواب النذر والعهد ب ١٣ ح ٢.

٣١٧

[٢٣٣٠] مسألة ٢٩ : إذا بقي من الوقت أربع ركعات وعليه الظهران ففي جواز الإقامة إذا كان مسافراً ، وعدمه من حيث استلزامه تفويت الظهر وصيرورتها قضاءً إشكال ، فالأحوط عدم نيّة الإقامة مع عدم الضرورة (*) نعم لو كان حاضراً وكان الحال كذلك لا يجب عليه السفر لإدراك الصلاتين في الوقت (١).

______________________________________________________

فما يظهر من ثلّة من الأكابر من التسوية بين النذر والإجارة ثبوتاً وسقوطاً لا يمكن المساعدة عليه ، بل الظاهر هو التفصيل ، فيسقط الوجوب في الأوّل ويقضيه ، ولا يسقط في الثاني حسبما عرفت.

(١) تنحلّ المسألة إلى فرعين :

أحدهما : ما لو كان حاضراً وعليه الظهران ولم يبق من الوقت إلّا مقدار أربع ركعات ، فهل يجب عليه السفر لإدراك الصلاتين معاً في الوقت لو أمكن ذلك ، كما لو كانت الطائرة على وشك الطيران ، أو كان قريباً من حدّ الترخّص جدّاً بحيث يحتاج إلى المشي أقداماً يسيرة يستوعب من الوقت ثواني قليلة ، أو لا يجب ذلك بل يصرف الوقت في صلاة العصر تامّة حسب الوظيفة الفعلية ويقضي الظهر خارج الوقت؟

ثانيهما : عكس ذلك ، أعني ما لو كان مسافراً وكان الحال كذلك ، بحيث يمكنه فعلاً إدراك الصلاتين في الوقت فهل يجوز له قصد الإقامة من غير ضرورة أو لا يجوز نظراً إلى استلزامه تفويت الظهر وصيرورتها قضاءً؟ ومحل الكلام إنّما هو في الجواز التكليفي وأنّ هذا القصد هل هو سائغ أو حرام ، وإلّا فلا

__________________

(*) بل الأظهر ذلك.

٣١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

إشكال في تأثيره في الإتمام وإن ارتكب الحرام ، لعدم الفرق في ذلك بين الإقامة المحلّلة والمحرّمة كما تقدّم (١) هذا. وقد جزم في المتن بعدم الوجوب في الفرع الأوّل ، واستشكل في الجواز في الفرع الثاني وذكر أنّ الأحوط عدم نيّة الإقامة مع عدم الضرورة.

أقول : أمّا في الفرع الأوّل : فلا إشكال في عدم الوجوب ، ضرورة عدم لزوم تبديل الموضوع والتصدّي لإحداث تكليف جديد ، بل اللّازم بحكم العقل امتثال التكليف الفعلي فارغاً عن صدوره من المولى ، لا جعل المكلّف نفسه مورداً لتعلّق الخطاب ومشمولاً للتكليف بقلب الموضوع وتبديله بموضوع آخر.

وعليه فما كان واجباً عليه وهو الظهر تامّة لم يتمكّن من امتثاله لفرض ضيق الوقت ، وما يمكن وهو الظهر قصراً لم يكن واجباً عليه فعلاً ، ولا دليل على التصدّي لإحداثه كما عرفت ، وهذا ظاهر.

وأمّا في الفرع الثاني : فالظاهر أنّه لا ينبغي الاستشكال في عدم الجواز ، ولا وجه لتوقّف الماتن عن الفتوى ، لفعلية الأمر بالظهرين قصراً بفعلية موضوعه وهو السفر ، وتحقّق التكليف وتنجّزه والتمكّن من الامتثال ، ومعه كيف يسوغ له تفويت الغرض الملزم بإعدام الموضوع وإفنائه ، وهل هذا إلّا من التعجيز الاختياري عن امتثال التكليف الفعلي ، الذي لا ريب في قبحه بحكم العقل.

وعلى الجملة : كم فرق بين التصدِّي لإحداث التكليف بإيجاد الموضوع الذي هو مورد الفرع الأوّل ، وبين التصدّي لتفويته وتعجيز نفسه بإعدام الموضوع الذي هو مورد الفرع الثاني. فلا يلزم الأوّل لعدم المقتضي له ، فلا موجب للسفر ولا يجوز الثاني لكونه من التفويت المحرّم ، فلا تجوز الإقامة إلّا لضرورة ، وبذلك يظهر لك الفرق بين الفرعين.

__________________

(١) في ص ٣١٤.

٣١٩

[٢٣٣١] مسألة ٣٠ : إذا نوى الإقامة ثمّ عدل عنها وشكّ في أنّ عدوله كان بعد الصلاة تماماً حتّى يبقى على التمام أم لا بنى على عدمها فيرجع إلى القصر (١).

[٢٣٣٢] مسألة ٣١ : إذا علم بعد نيّة الإقامة بصلاة أربع ركعات والعدول عن الإقامة ، ولكن شكّ في المتقدّم منهما مع الجهل بتاريخهما رجع إلى القصر مع البناء على صحّة الصلاة (*) ، لأنّ الشرط في البقاء على التمام وقوع الصلاة تماماً حال العزم على الإقامة وهو مشكوك (٢).

______________________________________________________

(١) كما لو كان شكّه المزبور قبل ساعة من الغروب مثلاً ، فيعلم بعدوله عن نيّة الإقامة ولم يدر أنّه هل أتى بفريضة الوقت فعدل ، ولا محالة قد أتى بها تامة جرياً على نيّة الإقامة. أو أنّه لم يصلّ بعدُ ، فانّ مقتضى الاستصحاب أو قاعدة الاشتغال لزوم الإتيان بفريضة الوقت ، فيثبت بهذا الأصل عدم الإتيان بالصلاة تماماً ، وبعد ضمّه إلى العدول المحرز بالوجدان يتشكّل موضوع وجوب القصر بكلا جزأيه ، فيرجع إلى القصر في صاحبة الوقت وغيرها.

(٢) لو علم بعد كونه ناوياً للإقامة بوقوع حادثين أحدهما الصلاة الرباعية والآخر العدول ، وشكّ في المتقدّم منهما وأنّه الصلاة كي يبقى على التمام ولم يكن أثر لعدوله ، أو أنّه العدول وقد أتى بالرباعية غفلة أو نسياناً كي يرجع إلى القصر ويعيد صلاته ، والمفروض أنّه يرى نفسه فعلاً غير ناو للإقامة ، وإلّا فلا

__________________

(*) هذا مناف للعلم الإجمالي بل للعلم التفصيلي ببطلان العصر إذا صلّى الظهر تماماً ، ولا يبعد الحكم بالبقاء على التمام ، لكن الاحتياط بإعادة ما صلّاهُ قصراً وبالجمع بين القصر والتمام في بقية صلواته لا ينبغي تركه ، ولا فرق في ذلك بين صورة الجهل بتاريخهما أو العلم بتاريخ أحدهما.

٣٢٠