موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

أن يصلّي قصراً كما صلّى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى آخر القصّة (١). فلو كان الحكم هو التخيير فما هو الوجه في هذا الامتناع والإصرار عليه.

فتحصّل : أنّ الأظهر ما عليه أكثر المتأخّرين ونسبه ابن أبي عقيل إلى آل الرسول من تعيّن القصر وإن لم يرجع ليومه ، وأنّ الثمانية فراسخ لا فرق فيها بين الامتداد والتلفيق مطلقاً.

نعم ، تضمّن الفقه الرضوي التصريح بالتفصيل المنسوب إلى المشهور من تعيّن التقصير في الراجع ليومه ، والتخيير في غير يومه (٢). لكن عرفت مراراً أنّه لم يثبت كونه رواية فضلاً عن اعتبارها ، ولعلّ الكتاب مجموعة فتاوى لفقيه مجهول. ولو سلّمنا كونه رواية معتبرة فلا مناص من طرحها ، لمعارضتها لأخبار عرفات التي هي روايات مستفيضة مشهورة قد دلّت على تعيّن التقصير كما عرفت.

بقي الكلام في صحيحة عمران بن محمد ، قال «قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام) : جعلت فداك إنّ لي ضيعة على خمسة عشر ميلاً خمسة فراسخ فربّما خرجت إليها فأُقيم فيها ثلاثة أيام أو خمسة أيام أو سبعة أيام ، فأُتمّ الصلاة أم أُقصّر؟ فقال : قصّر في الطريق وأتمّ في الضيعة» (٣).

أقول : هذه الرواية لا بدّ من ردّ علمها إلى أهله وإن كانت صحيحة ، فإنّ ما تضمّنته من التفصيل بين الضيعة والطريق لم يظهر له وجه أبداً ، إذ الضيعة إن كانت وطناً له ولو شرعاً من أجل إقامته فيها ستّة أشهر ولذلك حكم (عليه السلام) فيها بالتمام ، فلما ذا يقصّر في الطريق بعد إن لم يكن حينئذ قاصداً للمسافة

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٤٦٥ / أبواب صلاة المسافر ب ٣ ح ٩.

(٢) فقه الرضا : ١٥٩ ، ١٦١.

(٣) الوسائل ٨ : ٤٩٦ / أبواب صلاة المسافر ب ١٤ ح ١٤.

٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

فإنّه لا يستقيم إلّا بناءً على ما نسب إلى الكليني (١) واختاره بعض المتأخّرين كما في الحدائق (٢) من كفاية أربعة فراسخ من دون ضمّ الإياب ، ولكنه مناف للروايات الكثيرة المتضمّنة لتحديد المسافة بالثمانية ولو تلفيقية كما تقدّم ، فلا مناص من طرح الرواية حينئذ لمخالفتها مع الأخبار المتواترة. وإن لم تكن الضّيعة وطناً له فكان قاصداً للسفر الشرعي ولأجله يقصّر في الطريق فلما ذا يتمّ في الضّيعة.

اللهمّ إلّا أن يقال كما قيل بأنّها محمولة على التقية ، حيث إنّ العامّة لا يكتفون بهذا الحد أعني ثمانية فراسخ في تحقّق المسافة كما تقدّم (٣) ، وبما أنّه لا موجب للتقية في الطريق بطبيعة الحال لعدم الابتلاء بالمخالف غالباً فلا مناص ثمّة من التقصير ، وأمّا في الضيعة فالمخالف موجود غالباً ، ولا أقل من وجود فلّاح ونحوه ، ومن ثمّ حكم (عليه السلام) بالتمام تقية ، وإلّا فلم يظهر وجه لهذا التفكيك ، فإنّه خلاف المقطوع به البتّة.

نعم ، إذا فرضنا ثبوت التخيير المنسوب إلى المشهور أمكن العمل حينئذ بهذه الصحيحة ، بأن يقال : الحكم هو التخيير لمريد الرجوع لغير يومه ولكن القصر في الطريق أفضل ، كما أنّ الإتمام في الضيعة أفضل ، وإن كان مخيّراً بينهما في كلّ منهما. ولكن التخيير غير ثابت في نفسه كما تقدّم ، فلا مناص من طرحها ورد علمها إلى أهله ، أو حملها على التقية كما عرفت.

بقي الكلام فيما نسب إلى الشيخ وابن البراج كما في الجواهر من التفصيل بين

__________________

(١) راجع ص ٥.

(٢) الحدائق ١١ : ٣١٦.

(٣) في ص ٤.

٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الصوم والصلاة فلا يجوز الإفطار ، ويتخيّر في الصلاة بين القصر والتمام (١). ونسب ذلك إلى المفيد ووالد الصدوق وسلار أيضاً ، ولكن النسبة غير ثابتة ظاهراً كما في الجواهر. وكيف ما كان ، فهل يمكن الالتزام بهذا التفصيل؟

الظاهر أنّه ممّا لا مناص من الالتزام به بناءً على القول بالتخيير ، فانّا لو بنينا على تعيّن القصر كما هو الصحيح حسبما عرفت فالملازمة حينئذ ثابتة بين القصر والإفطار ، وأنّه كلّما قصّرت أفطرت ، وبالعكس ، وعليه لا مجال لهذا التفصيل أبداً.

وأمّا لو بنينا على التخيير كما عليه المشهور فجواز التقصير حينئذ حكم إرفاقي ثبت بدليل خاص ، وإلّا فهو خارج عن موضوع السفر الشرعي حقيقة كما لا يخفى ، ولم تثبت الملازمة بين جواز التقصير وبين جواز الإفطار ، وإنّما مورد الملازمة ما إذا كان التقصير واجباً تعييناً لا ما إذا كان جائزاً. كما أنّه لم تثبت الملازمة بين جواز الإتمام وجواز الصيام ، ومن هنا يجوز الإتمام في مواطن التخيير ، ولم يثبت جواز الصيام ثمّة بالضرورة ، بل يتعين في حقّه الإفطار بعد كونه مسافراً حقيقة ، بمقتضى الإطلاق في قوله تعالى (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ) (٢).

وعلى الجملة : فجواز القصر لا يلازم جواز الإفطار ، كما أنّ جواز التمام لا يلازم جواز الصيام ، بل كلّ تابع لقيام الدليل عليه ، وقد ثبت التخيير المستلزم لجواز التقصير في المقام بدليل خارجي حسب الفرض ، ولم يثبت الجواز بالإضافة إلى الإفطار ، فلا وجه للتعدي عن مورد الدليل ، وقد عرفت أنّ مركز الملازمة

__________________

(١) الجواهر ١٤ : ٢١٦ ، ١٧ : ١٤٠ ١٤١ ، النهاية للشيخ : ١٢٢ ، ١٦١. [لكن الموجود في الجواهر : ابن حمزة ، راجع الوسيلة : ١٠٨ ، وقد خصّ ابن حمزة التخيير بمن أراد الرجوع من الغد. راجع أيضاً المهذّب لابن البراج ١ : ١٠٦].

(٢) البقرة ٢ : ١٨٤.

٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

إنّما هو وجوب التقصير لا جوازه.

فهذا التفصيل بناءً على القول بالتخيير جيّد جدّاً ، بل لا مناص من الالتزام به ، لما عرفت من عدم اندراج المقام بناءً على هذا القول في موضوع المسافر كي يجوز في حقّه الإفطار ، ودليل جواز التقصير المبني على الإرفاق والتسهيل لا يستلزمه ما لم يقم عليه دليل بالخصوص ، ولا دليل عليه في المقام كما عرفت.

والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّ الصحيح من هذه الأقوال ما اختاره المتأخّرون ، بل لعلّه المتسالم عليه بينهم من تعيّن التقصير في من قصد أربعة فراسخ وإن رجع لغير يومه ما لم يتخلّل أحد القواطع من قصد الإقامة ونحوه لحكومة أخبار الباب المطلقة من حيث الرجوع ليومه أو غير يومه على أخبار الامتداد ، ودلالتها على أنّ الثمانية المأخوذة موضوعاً لوجوب التقصير أعمّ من الامتداد والتلفيق ، فتحتّم التقصير الثابت هناك ثابت هنا أيضاً. مضافاً إلى أخبار عرفات الصريحة في ذلك ، مع أنّ المفروض فيها المبيت. فالقول بالتخيير فضلاً عن التمام لا مجال له أصلاً.

بقي شي‌ء وهو أنّ موضوع البحث في المقام وما هو مورد للنقض والإبرام هو من كان قاصداً للرجوع ولكن لغير يومه ، فكان عازماً على العود دون عشرة أيام كما ذكره ابن أبي عقيل ناسباً له إلى آل الرسول (صلّى الله عليه وآله) على ما تقدّم عند نقل كلامه.

فموضوع البحث عند القائل بالتخيير كالصدوق وغيره بل المشهور كما مرّ (١) هو هذا ، كما أنّ القائل بالتمام يدّعيه في هذا الموضوع كالقائل بالتقصير ، فمحلّ الكلام بين الأعلام ومركز الأقوال من التمام أو التقصير أو التخيير هو هذا المورد.

__________________

(١) في ص ١١.

٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

كما أنّ مورد الروايات من أخبار عرفات وغيرها ممّا ورد في من ذهب بريداً ورجع بريداً ، التي عرفت حكومتها على أخبار الثمانية الامتدادية ونحو ذلك من سائر الأخبار أيضاً كذلك ، أي ما لو كان قاصداً للرجوع ولو لغير يومه.

وأمّا لو لم يقصد الرجوع أصلاً ، بل قصد البقاء في رأس أربعة فراسخ ، أو كان متردّداً في العود ، فالظاهر أنّ المشهور لا يلتزمون هنا بالتخيير ، لعدم قصده ثمانية فراسخ من الأوّل ، فإنّ غاية ما ثبت بأخبار عرفات وغيرها هو التعدّي من الامتداد إلى التلفيق المنوط بقصد الرجوع ، وأمّا من غير قصده رأساً فليس هناك أي دليل على التقصير لا تعييناً ولا تخييراً ، إلّا بناءً على ما نسب إلى الكليني (قدس سره) واختاره بعض المتأخّرين كما في الحدائق من كفاية أربعة فراسخ من غير ضمّ الإياب ، وإلّا فالمشهور لم يلتزموا بذلك ، بل اعتبروا في المسافة قصد ثمانية فراسخ ، غايته أنّهم فرّقوا في ذلك بين الامتدادية والتلفيقية ، فحكموا في الأوّل بتحتّم التقصير وفي الثاني بالتخيير ، وأمّا في مسافة أربعة فراسخ من غير قصد الرجوع أصلاً فلم يلتزم أحد بالتخيير ، ولا ينبغي أن يلتزم به ، إذ لا وجه له هنا بتاتاً ، لما عرفت من أنّ التخيير مبني على أحد أمرين :

إمّا دعوى الجمع بين أخبار عرفات وروايات التمام الواردة في من يرجع دون عشرة أيام كرواية ابن الحجاج ، ومعلوم أنّ مورد الجميع هو قصد الرجوع.

أو دعوى الجمع بينها وغيرها ممّا دلّ على التقصير في المسافة التلفيقية وبين أخبار الثمانية الامتدادية. وهذا أيضاً مورده قصد الرجوع كما هو ظاهر. فلو فرضنا أنّ السفر لم يكن ثمانية فراسخ لا امتداداً ولا تلفيقاً فليس هناك أيّ دليل على التخيير.

٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ومع ذلك كلّه فقد نسب صاحب الحدائق (قدس سره) إلى القائلين بالتخيير أنّهم يقولون به سواء رجع لغير يومه أم لم يقصد الرجوع أصلاً ، وزعم أنّ التخصيص بالأوّل غلط محض ، وإليك نصّ عبارته.

قال (قدس سره) : وينبغي أن يعلم أنّ مرادهم بقولهم في صورة التخيير : ومن لم يرد الرجوع من يومه. أنّه أعم من أن لم يرد الرجوع بالكلّية فالنفي متوجّه إلى القيد والمقيّد ، أو أراد الرجوع ولكن في غير ذلك اليوم فالنفي متوجّه إلى القيد خاصّة. وما ربّما يتوهّم من التخصيص بالصورة الثانية غلط محض كما لا يخفى على المتأمّل (١). انتهى موضع الحاجة.

والظاهر أنّ الغلط هو ما زعمه ، إذ كيف يلتزم بالتخيير من غير موجب. نعم ، لو كان مستند القول بالتخيير هو الفقه الرضوي فقط وقلنا باعتباره وقطعنا النظر عن سائر الروايات الدالّة على تحديد المسافة بالثمانية ولو تلفيقية كان لهذه الدعوى حينئذ مجال ، فانّ المذكور فيه هكذا : وإن سافرت إلى موضع مقدار أربعة فراسخ ولم ترد الرجوع من يومك فأنت بالخيار ، فإن شئت أتممت وإن شئت قصّرت. فيدّعى أنّ إطلاق هذه العبارة شامل لما إذا لم يرد الرجوع أصلاً ، بأن يتعلّق النفي بمجموع القيد والمقيّد.

ولكن ذلك كلّه فرض في فرض ، فإنّ الرضوي لا نعتبره ، والروايات مطبقة على نفي التقصير في أقل من الثمانية ولو ملفّقة كما تقدّم. فهذه الدعوى سهو من صاحب الحدائق جزماً.

ويترتّب على هذا ما ذكره في المتن من أنّه لو قصد أربعة فراسخ ولكنّه كان متردّداً في العود ما دون العشرة بأن احتمل الإقامة في الأثناء عشرة أيام لم يقصر ؛ لأنّه غير قاصد فعلاً لثمانية فراسخ ولو ملفّقة. كما أنّ الأمر في الثمانية

__________________

(١) الحدائق ١١ : ٣١٣.

٢٦

[٢٢٣٢] مسألة ١ : الفرسخ ثلاثة أميال (١) ، والميل أربعة آلاف ذراع بذراع اليد الذي طوله أربع وعشرون إصبعاً ، كلّ إصبع عرض سبع شعيرات كلّ شعيرة عرض سبع شعرات من أوسط شعر البرذون.

______________________________________________________

الامتدادية أيضاً كذلك ، فلو خرج من النجف قاصداً كربلاء ولكنّه يحتمل توقّفه في خان النصف عشرة أيام فبما أنّه غير قاصد فعلاً للثمانية لا يحكم عليه بالتقصير.

فكما أنّه مع العلم بتخلّل الإقامة في الأثناء لا يقصّر ، فكذا مع الشكّ لاشتراكهما في انتفاء قصد المسافة فعلاً. فلا مناص من التمام ، من غير فرق في ذلك بين الامتداد والتلفيق.

(١) لا يخفى أنّ للميل إطلاقين :

أحدهما : ما هو منسوب إلى القدماء من أهل الهيئة ، وهو الدارج بالفعل بين الغربيين من تحديده بربع الفرسخ ، فكل فرسخ أربعة أميال.

وعلى هذا الاصطلاح جرى ما نشاهده حتّى الآن من تحديد المسافة بين كربلاء والمسيب بعشرين ميلاً ، أي خمسة فراسخ الموضوعة من زمن احتلال الانگليز.

ثانيهما : ما هو الدارج بين الفقهاء والمحدِّثين المطابق للسان الروايات من تحديده بثلث الفرسخ ، فكل فرسخ ثلاثة أميال. وهذا الاختلاف مجرّد اصطلاح ، ولا مشاحة في الاصطلاح.

وقد ورد الإطلاق الثاني في كثير من الأخبار ، مثل قوله (عليه السلام) في صحيحة ابن الحجاج : «ثمّ أومأ بيده أربعة وعشرين ميلاً يكون ثمانية فراسخ»

٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ونحوها صحيحة العيص (١). وفي صحيحة الشحام : «يقصر الرجل الصلاة في مسيرة اثني عشر ميلاً» (٢) ، ونحوها غيرها كما لا يخفى على من لاحظها.

وأمّا تحديد الميل فلم يذكر في شي‌ء من النصوص ما عدا رواية واحدة وهي مرسلة الخزاز المشتملة على تحديده بثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع (٣) ، وهو خلاف ما هو المشهور بين الفقهاء واللّغويين (٤) من تحديده بأربعة آلاف ذراع ، ولعلّ المراد من الذراع في الرواية معنى آخر ، فانّ لها أيضاً اصطلاحات. وكيف ما كان ، فقد حدّد الفقهاء الميل بأربعة آلاف ذراع بذراع اليد ، الذي طوله أربع وعشرون إصبعاً ، كل إصبع عرض سبع شعيرات ، كلّ شعيرة عرض سبع شعرات من أوسط شعر البرذون كما ذكره في المتن.

ولكنّك خبير بأنّ الأحكام الشرعية لا تبتني على مثل هذه التدقيقات العقلية التي لا تندرج تحت ضابط معيّن ، وربما يوجب الاختلاف اليسير بين شعرة وشعرة ، أو شعيرة ومثلها ، أو ذراع وذراع اخرى الفرق الكثير بالإضافة إلى المجموع ، إذ لا ريب أنّ هذه الأُمور تختلف صغراً وكبراً ، طولاً وقصراً.

فإذا فرضنا أنّ ذراعاً مع ذراع اخرى وكلاهما متعارف اختلفا في جزء من مائة فطبعاً ينقص من ستّة وتسعين ألف إصبع الحاصل من ضرب أربعة آلاف في أربعة وعشرين الشي‌ء الكثير ، بل لو كان الاختلاف في جزء من عشرة لنقص من هذا المجموع عشره وهو يقرب من عشرة آلاف إصبع ، فيتحقق البون الشاسع بين التقديرين. وهكذا لو لوحظ الاختلاف بين الشعرتين أو الشعيرتين مع فرض كونهما متعارفتين.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٤٥٥ / أبواب صلاة المسافر ب ١ ح ١٥ ، ١٤.

(٢) الوسائل ٨ : ٤٥٦ / أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ٣.

(٣) الوسائل ٨ : ٤٦٠ / أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ١٣.

(٤) المنجد : ٧٨٢ مادّة ميل.

٢٨

[٢٢٣٣] مسألة ٢ : لو نقصت المسافة عن ثمانية فراسخ ولو يسيراً لا يجوز القصر ، فهي مبنية على التحقيق لا المسامحة العرفية ، نعم لا يضرّ اختلاف الأذرع المتوسطة في الجملة كما هو الحال في جميع التحديدات (*) الشرعية.

______________________________________________________

وعلى الجملة : لا نعرف وجهاً لهذه التدقيقات ، ولا يترتّب على تحقيقها أثر شرعي ، بل العبرة بصدق الفرسخ أو الميل عرفاً ، والنصوص تشير إلى الأمر العادي المتعارف من مسيرة يوم ، أو بياض النهار ، أو شغل اليوم ، أو مسير الجمال ، أو ثمانية فراسخ ، ونحوها من العناوين التي يعرفها أهل العرف والمحاورة. فالمدار على الصدق العرفي ، فكلّما علم أنّه مسافة فلا إشكال.

وإذا شكّ فان كانت الشبهة حكمية كما لو ذرع فكان مسافة بذراع ولم تبلغ المسافة بذراع آخر وكلاهما متعارف ، فلا مناص حينئذ من الرجوع إلى أصالة التمام الذي هو الفرض الأوّلي المجعول على كلّ مكلّف من غير تقيّده بقيد خاص ، بحيث لو خلق إنسان في مكان دفعة واحدة لوجب عليه التمام بلا كلام ، والتقصير استثناء عن العام وتخصيص له شرع بعنوان آخر ولدي استجماع شرائطه. وعليه فمع الشكّ في التخصيص الزائد لا بدّ من الأخذ بالأكثر الّذي يتيقّن معه بالسفر ، والرجوع فيما عداه إلى أصالة التمام كما عرفت.

وإن كانت الشبهة موضوعية كما لو شكّ في أنّ ما بين الكوفة والحلّة مثلاً مسافة أو لا فالمرجع حينئذ الاستصحاب ، وسيجي‌ء التعرّض له إن شاء الله تعالى تبعاً للماتن. إذن لا يبقى مجال لهذه التدقيقات بوجه.

ثمّ إنّا لو أحرزنا المسافة تحقيقاً لم يجز القصر لو نقص عن ذلك بأن قصد

__________________

(*) الميزان فيها هو الأخذ بأقلّ المتعارف.

٢٩

[٢٢٣٤] مسألة ٣ : لو شكّ في كون مقصده مسافة شرعية (١) أو لا بقي على التمام على الأقوى ،

______________________________________________________

المسافر أقل من ذلك ولو يسيراً كعشر الفرسخ أو جزء من خمسين مثلاً ، بل المتعيّن حينئذ هو التمام ، فانّ التحديدات الشرعية مبنيّة على التحقيق ولا يتسامح فيها ، كما هو الحال في الكرّ أو قصد الإقامة ونحو ذلك ، فلا يكتفى بالأقل لمنافاته مع التحديد كما أشار إليه الماتن في المسألة الثانية فلاحظ وتدبّر.

(١) قد تكون الشبهة حكمية ، وأُخرى موضوعية.

أمّا الحكمية فقد تقدّم الكلام فيها آنفاً ، ونتعرّض إليها أيضاً عند تعرّض الماتن في بعض المسائل الآتية (١).

وأمّا الموضوعية التي هي محلّ كلامنا في هذه المسألة فهل يجب فيها البقاء على التمام عملاً بالاستصحاب ، أو يجب الجمع رعاية للعلم الإجمالي بتعلّق تكليف دائر بين القصر لو كانت مسافة شرعية أو التمام لو لم تكن؟ وجهان ، وأمّا احتمال القصر فساقط كما هو ظاهر.

والأقوى هو الأوّل كما ذكره في المتن ، لانحلال العلم الإجمالي المزبور باستصحاب عدم عروض ما يوجب التقصير.

ولا يتوقّف ذلك على جريان الاستصحاب في العدم الأزلي بأن يقال : إنّ الواجب على كلّ مكلّف بحسب الجعل الأوّلي هو التمام ، وقد خرج عن هذا العام ما إذا كانت المسافة ثمانية فراسخ ، ومن المقرّر في محلّه (٢) أنّ الباقي تحت

__________________

(١) في المسألة [٢٢٣٨].

(٢) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ٣٢٦ وما بعدها.

٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

العام بعد التخصيص بالعنوان الوجودي هي الأفراد الواقعية غير المعنونة بشي‌ء ما عدا عدم كونها معنونة بعنوان الخاص ، فاذا نفينا ذلك بمقتضى الأصل شمله حكم العام بضمّ الوجدان إلى الأصل ، فوجب التمام.

فانّ الاستصحاب وإن كان حجّة في الأعدام الأزلية كما بيّناه في محلّه (١) ، لكنّا في غنى عنه في المقام بجريان الاستصحاب بنحو العدم النعتي.

وتوضيحه : أنّ الموضوع لوجوب التقصير لو كان هو نفس المسافة الخارجية البالغة حدّ الثمانية فراسخ والبعد الموجود بين البلدين الموصوف بذلك لاتّجه حينئذ ما أُفيد ، فيقال : إنّ المسافة لم تكن ثابتة في الأزل لا ذاتها ولا وصفها وبعد العلم بتحقّق ذات المسافة يشكّ في تحقّق وصفها فيستصحب العدم ، وبذلك يندرج في موضوع العام الذي هو عبارة عن كلّ من لم يكن في هذه المسافة الخاصّة.

إلّا أنّ الأمر ليس كذلك ، بل الموضوع لوجوب القصر على ما يستفاد من الروايات بل الآية المباركة لو كانت ناظرة إلى صلاة المسافر لا صلاة الخوف كما تقدّم (٢) هو السفر والسير بمقدار ثمانية فراسخ ، لا نفس المسافة الخارجية الموصوفة بالثمانية ، ويشكّ المكلّف في أنّ سيره في هذه المسافة التي يريد قطعها أو التي قطعها هل يبلغ هذا الحد ، أو هل بلغ هذا أو لا ، فيستصحب عدمه نعتاً حيث إنّه لم يكن سائراً هذا المقدار قبل الآن يقيناً والآن كما كان.

فلا حاجة إلى التشبّث باستصحاب العدم الأزلي بعد أن لم يكن الموضوع نفس الأرض والمسافة الخارجية ، بل السير المحدود بذلك الحد ، المسبوق بالعدم نعتاً كما عرفت.

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ٢١٧.

(٢) في ص ٢.

٣١

بل وكذا لو ظنّ كونها مسافة (١).

[٢٢٣٥] مسألة ٤ : تثبت المسافة بالعلم الحاصل من الاختبار (٢) وبالشياع المفيد للعلم ، وبالبيِّنة الشرعية ، وفي ثبوتها بالعدل الواحد إشكال (*) ، فلا يترك الاحتياط بالجمع.

______________________________________________________

(١) إذ لا عبرة بالظنّ ، فإنّه لا يغني عن الحقّ شيئاً ، بعد أن لم يقم دليل على اعتباره ، فهو ملحق بالشكّ في كونه مورداً للأصل ، إلّا إذا بلغ الظن من القوّة مرتبة الاطمئنان المعبر عنه بالعلم العادي ، بحيث يكون احتمال الخلاف موهوماً لا يلتفت إليه العقلاء ، فإنّ الاطمئنان حجّة عقلائية قاطعة للعذر كما لا يخفى.

(٢) لا إشكال في ثبوتها بالعلم الحاصل من أيّ سبب كان من اختبار أو شياع ونحوهما ، كما لا إشكال في ثبوتها بالبيّنة الشرعية ، لعموم دليل اعتبارها كما تقدّم البحث حوله في باب النجاسات (١) إلّا ما خرج بالدليل كما في الشهادة على الزنا الذي لا يثبت إلّا بشهادة أربعة.

وأمّا العدل الواحد فالأقوى هو الثبوت به أيضاً وإن استشكل فيه الماتن ، لما ذكرناه في محلّه (٢) من عدم الفرق في حجّيته بين الأحكام والموضوعات ، لبناء العقلاء على العمل به بل بمطلق خبر الثقة في كلا الموردين ، إلّا فيما قام الدليل عليه بالخصوص كما في الترافع الموقوف على البيِّنة ، والزنا الموقوف على الأربعة كما مرّ.

__________________

(*) لا يبعد ثبوتها به ، بل بإخبار مطلق الثقة وإن لم يكن عادلاً.

(١) شرح العروة ٣ : ١٥٥ ، ٢ : ٢٦٠.

(٢) مصباح الأُصول ٢ : ١٩٦ وما بعدها ، ١٧٢.

٣٢

[٢٢٣٦] مسألة ٥ : الأقوى عند الشكّ وجوب الاختبار (*) (١) أو السؤال لتحصيل البيِّنة ، أو الشياع المفيد للعلم ، إلّا إذا كان مستلزماً للحرج.

______________________________________________________

(١) أمّا في الشبهة الحكمية فسيتعرّض له في المسألة السابعة ، والكلام فعلاً متمحّض في الشبهة الموضوعية ، فهل يجب الفحص عن المسافة لدى الشكّ بالاختبار أو السؤال؟ ذكر (قدس سره) أنّ الأقوى هو الوجوب ، هذا.

وقد تقرّر في محلّه من الأُصول (١) عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية وجواز الرجوع إلى الأصل ابتداءً ، بل قد ورد النهي عن الفحص في بعض الموارد كما في باب التزويج وأنّها ذات بعل ، أو تحقّق الرضاع بينه وبينها أو لا (٢) ونحو ذلك.

نعم ، قد يقال بوجوب الفحص في خصوص المقام ونحوه ممّا يوجب ترك الفحص والرجوع إلى الأصل الوقوع في خلاف الواقع غالباً ، كما في الفحص عن الاستطاعة في الحج ، وعن بلوغ المال حدّ النصاب في الزكاة ، أو الزيادة على المئونة في الخمس. وعن طلوع الفجر في الصوم ، ونحو ذلك ، ومنه المقام أعني الفحص عن المسافة ، فإنّ تركه والاستناد إلى الأصل في أمثال هذه الموارد بما أنّه موجب للوقوع في مخالفة الواقع غالباً فلا مناص من الاختبار والتفتيش.

ولكنّه لا يتم إلّا إذا فرض حصول العلم الشخصي بترك الواقع إمّا فعلاً أو

__________________

(*) بل الأقوى عدمه ، نعم الاختبار أحوط.

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٤٨٩.

(٢) الوسائل ٢٠ : ٣٠١ / أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب ٢٥ ح ١ ، ٢١ : ٣١ / أبواب المتعة ب ١٠ ح ٣ ، ٤ ، ٥ ، ١٧ : ٨٩ / أبواب ما يكتسب به ب ٤ ح ٤.

٣٣

[٢٢٣٧] مسألة ٦ : إذا تعارض البيّنتان فالأقوى سقوطهما (١) ووجوب التمام ، وإن كان الأحوط الجمع.

______________________________________________________

فيما بعد لو لم يفحص ، وأنّه لو ترك الفحص عن الفجر مثلاً لأفطر يوماً من مجموع شهر رمضان ، إمّا اليوم الحاضر أو غيره من الأيام اللّاحقة ، فإنّه يجب الفحص حينئذ ، لعدم الفرق في تنجيز العلم الإجمالي بين الدفعي والتدريجي ولكن كيف وأنّى يحصل العلم في شي‌ء من هذه الموارد حتّى في مثل الاستطاعة والنصاب.

نعم ، ربما يحصل العلم بالوقوع في خلاف الواقع إمّا منه أو من غيره من سائر المكلّفين التاركين للفحص. إلّا أنّ مثل هذا العلم لا يكون منجّزاً كما لا يخفى.

على أنّه لا يختص بأمثال المقام ، بل يعمّ جميع الشبهات بأسرها ، فنعلم جزماً بأنّ الاستصحابات الجارية في مواردها من باب الطهارة والنجاسة والحدث ونحوها لا تكون كلّها مطابقة للواقع ، كما أنّ الفقيه يعلم بأنّ في العاملين بفتواه من البقاء على الوضوء لدى الشكّ في الحدث من يقع في خلاف الواقع قطعاً وهكذا.

فالإنصاف : عدم الفرق بين موارد الشبهات الموضوعية ، ولا ميز بين مقام ومقام ، ولا يجب الفحص في شي‌ء منها.

(١) على ما هو الأصل في المتعارضين ما لم يدلّ دليل على الأخذ بأحدهما ترجيحاً أو تخييراً كما في الخبرين حسبما تعرّضنا له في الأُصول في بحث التعادل والتراجيح (١) ، وحيث لا دليل في البيّنتين فمقتضى القاعدة هو التساقط.

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٣٦٥.

٣٤

[٢٢٣٨] مسألة ٧ : إذا شكّ في مقدار المسافة شرعاً (١) وجب عليه الاحتياط بالجمع إلّا إذا كان مجتهداً وكان ذلك بعد الفحص عن حكمه ، فإنّ الأصل هو الإتمام.

______________________________________________________

نعم ، قد يقال بلزوم تقديم بيّنة الإثبات لكشفها عن الواقع ، فلا تقاومها شهادة النفي التي غايتها عدم العلم به.

وفيه : أنّ بيّنة النفي أيضاً ترجع إلى الإثبات لو كانت مستندة إلى الحسّ فتدّعي إحداهما أنّها ذرعت المسافة فكانت ثمانية فراسخ ، والأُخرى تدّعي أنّها ذرعتها فكانت سبعة فراسخ ونصف مثلاً. فكلّ منهما يثبت شيئاً وينفي غيره ، فكلتاهما ترجعان إلى بيّنة الإثبات ومشمولتان لعموم دليل حجّية الشهادة فيتعارضان.

نعم ، لو كان مستند بيّنة النفي هو الأصل فكانت تخبر عن الحكم الظاهري لا الواقعي اتّجه حينئذ ترجيح بيّنة الإثبات الحاكمة عليها ، لانتفاء موضوع الأصل بقيام الدليل ، فتكون تلك البيّنة حجّة حتّى على نفس البيّنة النافية المعوّلة على الأصل ، لما عرفت من انتفاء الموضوع بعد قيام الدليل الحاكم كما تقدّم توضيح ذلك كلّه في بحث النجاسات (١).

(١) أي بشبهة حكمية أمّا الموضوعية فقد تقدّمت في المسألة الخامسة ولا ريب حينئذ في عدم جواز الرجوع إلى الأصل قبل الفحص كما تقرّر في الأُصول (٢) ، فلا مناص من الاحتياط بالجمع أو الرجوع إلى الأدلّة إن كان مجتهداً أو إلى المجتهد إن كان مقلّداً. نعم ، بعد ما فحص المجتهد ويئس كان المرجع

__________________

(١) [بل في بحث المياه ، شرح العروة ٢ : ٢٦٩ ٢٧٠].

(٢) مصباح الأُصول ٢ : ٤٨٩.

٣٥

[٢٢٣٩] مسألة ٨ : إذا كان شاكاً في المسافة ومع ذلك قصّر لم يجزئ بل وجب عليه الإعادة تماماً ، نعم لو ظهر بعد ذلك كونه مسافة أجزأ إذا حصل منه قصد القربة مع الشكّ المفروض ، ومع ذلك الأحوط الإعادة أيضاً (١).

______________________________________________________

أصالة التمام كما تقدّم (١).

(١) إذا قصّر مع شكّه في المسافة رجاءً بحيث تمشّى منه قصد القربة فإن بنينا على لزوم الجزم بالنيّة في صحّة العبادة فلا إشكال في البطلان مطلقاً.

وإن بنينا على عدم لزومه كما هو الصحيح ، لعدم الدليل عليه حسبما هو موضح في محلّه (٢) ، فتارة ينكشف الخلاف أو يبقى شاكاً ، واخرى ينكشف كونه مسافة وأنّ ما صلاه كان مطابقاً للواقع.

فعلى الأوّل : وجبت الإعادة تماماً ، لأنّه الوظيفة الواقعية أو الظاهرية المقرّرة في ظرف الشكّ بمقتضى الاستصحاب كما مرّ (٣) ولم يأت بها حسب الفرض. ولا دليل على إجزاء القصر غير المأمور به عمّا هو المأمور به أعني التمام. فلا مناص من الإعادة.

وعلى الثاني : كان مجزياً ، للإتيان بالوظيفة الواقعية على وجهها ، إذ لا يعتبر في حصول القربة المعتبرة في صحّة العبادة إلّا الإضافة من المولى نحو إضافة المتحقّقة بالإتيان بقصد الرجاء.

__________________

(١) في ص ٢٩.

(٢) شرح العروة ١ : ٤٩ وما بعدها.

(٣) في ص ٣٠.

٣٦

[٢٢٤٠] مسألة ٩ : لو اعتقد كونه مسافة فقصّر ثمّ ظهر عدمها وجبت الإعادة (١) ، وكذا لو اعتقد عدم كونه مسافة فأتمّ ثمّ ظهر كونه مسافة فإنّه يجب عليه الإعادة (*).

[٢٢٤١] مسألة ١٠ : لو شكّ في كونه مسافة أو اعتقد العدم ثمّ بان في أثناء السّير كونه مسافة يقصّر ، وإن لم يكن الباقي مسافة (٢).

______________________________________________________

(١) إذ لا دليل على إجزاء الأمر الخيالي الخطأي عن الواقع ، وكذا الحال لو قامت البيّنة بحيث تحقّق معه الأمر الظاهري ، فانّ إجزاءه مغيا بعدم انكشاف الخلاف ، والمفروض هو الانكشاف ، فلا مناص من الإعادة في الوقت أو القضاء في خارجه.

وأمّا لو انعكس الفرض فاعتقد أو قامت البيّنة على عدم كونه مسافة فأتمّ ثمّ ظهر كونه مسافة ، فإن كان الانكشاف في الوقت وجبت الإعادة لعين ما مرّ.

وأمّا إن كان في خارجه فالأقوى عدم وجوب القضاء ، لصحيح العيص بن القاسم الصريح في ذلك ، وسيجي‌ء التعرّض له إن شاء الله تعالى في مطاوي بعض المسائل الآتية (١).

(٢) إذ العبرة بمقتضى إطلاق الأدلّة بقصد واقع الثمانية وإن لم يعلم به والمفروض صدور هذا القصد. فلو قصد السّير من النجف إلى الحلّة جاهلاً بكونه مسافة أو معتقداً بالعدم وهو مسافة واقعاً فقد قصد السفر في مسافة هي في الواقع ثمانية ، فلا مناص من التقصير.

__________________

(*) إذا كان الانكشاف في الوقت.

(١) في ص ٣٥٩ وما بعدها.

٣٧

[٢٢٤٢] مسألة ١١ : إذا قصد الصبي مسافة ثمّ بلغ في الأثناء وجب عليه القصر وإن لم يكن الباقي مسافة (١) ، وكذا يقصّر إذا أراد التطوّع بالصلاة مع عدم بلوغه. والمجنون الذي يحصل منه القصد إذا قصد المسافة ثمّ أفاق في الأثناء يقصّر ، وأمّا إذا كان بحيث لا يحصل منه القصد فالمدار بلوغ المسافة من حين إفاقته.

______________________________________________________

نعم ، لو كان موضوع الحكم بالقصر قصد عنوان الثمانية فبما أنّه موقوف على إحراز العنوان ليتمكّن من قصده فمع الشكّ لا إحراز فلا موضوع. ولكن عرفت أنّ الموضوع واقع الثمانية لا عنوانها ، فقد تحقّق موضوع الحكم بالتقصير واقعاً وإن لم يعلم به ، فانّ العلم إنّما يعتبر في تعلّق القصد بالعنوان دون المعنون وما هو الواقع كما هو واضح.

(١) فانّ البلوغ أو العقل غير دخيلين في إناطة التقصير بقصد المسافة ، إذ هما شرط في الحكم بالوجوب لا في متعلّقه ، والقصد المزبور دخيل في نفس المتعلّق ، فذات الصلاة الصادرة عن أيّ متصدّ لها على ما يقتضيه إطلاق الأدلّة يعتبر فيها التقصير مع قصد المسافة ، والإتمام مع عدمه.

غاية الأمر أنّها تتّصف بالوجوب لو صدرت من البالغ العاقل ، وبالاستحباب لو صدرت من غيره ، فلو تطوّع الصبي القاصد للمسافة بالصلاة تعيّن عليه القصر ، وكانت صلاته محكومة بالاستحباب بناءً على شرعية عباداته ، لكون قصده مشمولاً لإطلاق الأدلّة كما عرفت.

ونتيجة ذلك أنّه لو بلغ في الأثناء انقلب التطوّع بالوجوب وإن لم يكن الباقي مسافة ، لتحقّق القصد الذي هو شرط في نفس القصر لا في وجوبه من أوّل الأمر كما مرّ.

٣٨

[٢٢٤٣] مسألة ١٢ : لو تردّد في أقل من أربعة فراسخ ذاهباً وجائياً مرّات حتّى بلغ المجموع ثمانية لم يقصّر (١) ، ففي التلفيق لا بدّ أن يكون المجموع من ذهاب واحد وإياب واحد ثمانية.

______________________________________________________

ومنه يظهر الحال في المجنون القاصد للمسافة الذي يفيق في الأثناء ، فإنّ قصده أيضاً معتبر كالصبي بمقتضى الإطلاق ، فيجب عليه القصر لو أفاق وإن لم يكن الباقي مسافة ، إلّا إذا بلغ جنونه حدّا لا يحصل منه القصد بحيث كان ملحقاً بالحيوانات ، ففي مثله يعتبر بلوغ المسافة من حين إفاقته كما ذكره في المتن.

(١) كما لو تردّد في مسافة فرسخين أو فرسخ واحد فذهب ثمّ عاد إلى ما دون حدّ الترخص ثمّ ذهب وعاد إلى أن بلغ الثمانية ، فإنّه لا يكفي في ثبوت التقصير ، لما تقدّم (١) عند التكلم حول المسافة التلفيقية من أنّ العبرة ليست بمطلق شغل اليوم أو السير ثمانية كيف ما اتّفق ، بل الروايات تشير إلى سير القوافل والجمال على النحو المتعارف المقدر بالثمانية الامتدادية وما يلحق بها من بريد ذاهباً وبريد جائياً.

فمورد التلفيق الثابت بدليل الحكومة خاصّ بما إذا تلفّقت الثمانية من ذهاب واحد وإياب واحد ، إمّا بشرط أن لا يكون كلّ منهما أقل من أربعة ، أو بدون هذا الشرط مع فرض بلوغ المجموع ثمانية. وعلى أي تقدير فالثمانية الملفّقة من تكرّر الذهاب والإياب غير مشمولة لنصوص التلفيق جزماً ، فلا جرم يتعيّن فيها التمام.

__________________

(١) في ص ٧.

٣٩

[٢٢٤٤] مسألة ١٣ : لو كان لبلد طريقان والأبعد منهما مسافة (١) فإن سلك الأبعد قصّر ، وإن سلك الأقرب لم يقصّر إلّا إذا كان أربعة أو أقل وأراد الرجوع (*) من الأبعد.

[٢٢٤٥] مسألة ١٤ : في المسافة المستديرة الذهاب فيها الوصول إلى المقصد والإياب منه إلى البلد ، وعلى المختار يكفي كون المجموع مسافة مطلقاً وإن لم يكن إلى المقصد أربعة ،

______________________________________________________

(١) لا ريب في وجوب التقصير حينئذ لو سلك الأبعد ، وكذا الأقرب مع فرض كونه أربعة ، لكفاية التلفيق من بريدين كما مرّ (١). كما لا ريب في وجوب التمام لو سلك الأقرب وكان دون الأربعة وأراد الرجوع منه ، لعدم بلوغ الثمانية ولو ملفّقاً كما هو واضح.

وأمّا لو أراد الرجوع من الأبعد فالظاهر هو التقصير ، لكون الرجوع هنا بنفسه مسافة ، فلا ينافي ما قدّمناه (٢) من اشتراط التلفيق بعدم كون كلّ من الذهاب والإياب أقل من الأربعة ، فإنّ ذلك خاص بما إذا لم يكن كلّ منهما بنفسه مسافة ، وإلّا فالعبرة بها ، ولا حاجة معها إلى مراعاة التلفيق كما هو ظاهر جدّاً.

__________________

(*) مرّ أنّ التلفيق لا يتحقّق في الأقلّ من أربعة إلّا أنّه في مفروض المسألة يجب القصر لأنّ الرجوع بنفسه مسافة.

(١) في ص ٥ وما بعدها.

(٢) في ص ٧.

٤٠