موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[٢٣١٥] مسألة ١٤ : إذا قصد المقام إلى آخر الشهر مثلاً وكان عشرة كفى وإن لم يكن عالماً به حين القصد (*) ، بل وإن كان عالماً بالخلاف ، لكن الأحوط في هذه المسألة أيضاً الجمع بين القصر والتمام بعد العلم بالحال لاحتمال اعتبار العلم حين القصد (١).

______________________________________________________

ففي مثله لا مناص من التقصير حتى إذا كان ذلك الحادث مستوعباً للعشرة بحسب الواقع وبقي في البلد مقدارها ، إذ لم تكن هذه العشرة مقصودة له لا بواقعها ولا بعنوانها ، ويصحّ له أن يقول : لا أدري غداً أخرج أو بعد غد. فلم يتحقّق منه قصد إقامة العشرة بوجه ، لفرض عدم تعلّق القصد بنفس الزمان بل بالزماني القابل للانطباق على العشرة وما دونها.

ومقامنا من هذا القبيل ، فانّ التابع علّق قصده بقصد المتبوع الذي هو حادث زماني ونوى الإقامة بمقدار ما نواه ، القابل للانطباق على العشرة وعلى ما دونها. فليست العشرة مقصودة له بوجه وإن كان المتبوع قد قصدها واقعاً ، بل المقصود متابعة المتبوع أو الصديق فيبقى عشرة إن بقي وإلّا فلا. فبالنتيجة يصحّ أن يقول : لا أدري غداً أخرج أو بعد غد ، الذي هو عين الترديد المنافي لنيّة الإقامة وقصدها والمأخوذ موضوعاً للقصر في صحيحة زرارة المتقدّمة كما هو ظاهر جدّاً.

(١) ممّا قدّمناه في المسألة السابقة يظهر الحال في هذه المسألة بوضوح ، لما عرفت من أنّ الاعتبار بقصد واقع المقام عشرة أيام وإن لم يقصد عنوانه ، وأنّ

__________________

(*) فإنّه قاصد لواقع المقام عشرة أيام وإن لم يقصد عنوانه ، نعم إذا قصد الإقامة من اليوم الواحد والعشرين إلى آخر الشهر واحتمل نقصانه بيوم وصادف أنّه لم ينقص لم يكف ذلك في الحكم بالتمام ، والفرق بين الصورتين لا يكاد يخفى.

٢٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

هناك فرقاً واضحاً بين تعلّق القصد بالإقامة في زمان هو عشرة أيام وإن لم يعلم بها ، وبين تعليقه على أمر زماني صادف العشرة واقعاً ، فيتم في الأوّل بعد انكشاف الحال ، ويقضي ما فاته حال الجهل ، لكون العبرة بواقع العشرة لا عنوانها ، كما في قصد المسافة ، ويقصّر في الثاني لكونه من المتردّد الفاقد لقصد العشرة رأساً.

وعلى ضوء ذلك نقول : إنّ مسألتنا هذه تتصوّر على وجهين :

فتارة يقصد البقاء إلى آخر الشهر أو إلى أوّله كمن ورد كربلاء في اليوم الحادي والعشرين من جمادى الثانية ونوى الإقامة إلى أوّل يوم من رجب ولكنّه لا يدري أنّ الهلال هل يهلّ في ليلة السبت مثلاً أو الأحد ، للترديد في نقصان الشهر وتمامه ، فإنّه يقصّر حينئذ وإن صادف عدم النقص ، لأنّ الشكّ من هذه الجهة يرجع طبعاً إلى التردّد في ذات العشرة ، نظراً إلى أنّ ظهور الهلال المعلّق عليه الإقامة حادث زماني لا يدري أنّه يتقدّم أو يتأخّر ، فهو نظير البقاء معلّقاً على مجي‌ء زيد مثلاً ، الممكن حصوله بعد العشرة وقبلها ، ففي مثله حيث لا يقين بالعشرة لا ذاتاً ولا وصفاً لا عنواناً ولا معنوناً ولا قصد إليها رأساً فلا مناص من التقصير وإن صادف البقاء عشرة أيام خارجاً.

وأُخرى : يقصد البقاء إلى زمان معيّن معلوم ، وحدّ مبيّن مقطوع يتصف واقعاً بالعشرة وهو لا يدري ، فلا تردّد بالإضافة إلى نفس الزمان ومدّته ، وإنّما الترديد في لونه وصفته وأنّها عشرة أو تسعة ، وفي الواقع عشرة ، كما لو نوى الإقامة إلى آخر الشهر الذي هو يوم معيّن لعدم احتمال النقص في الشهر ولكنّه لا يدري أنّ هذا اليوم هل هو يوم العشرين لتكون مدّة الإقامة عشرة ، أو الواحد والعشرين لتكون تسعة ، وكان في الواقع يوم العشرين.

٢٨٢

[٢٣١٦] مسألة ١٥ : إذا عزم على إقامة العشرة ثمّ عدل عن قصده فان كان صلّى مع العزم المذكور رباعية بتمام بقي على التمام ما دام في ذلك المكان وإن لم يصلّ أصلاً أو صلّى مثل الصبح والمغرب أو شرع في الرباعية لكن لم يتمّها وإن دخل في ركوع الركعة الثالثة رجع إلى القصر ، وكذا لو أتى بغير الفريضة الرباعية ممّا لا يجوز فعله للمسافر كالنوافل والصوم ونحوهما ، فإنّه يرجع إلى القصر مع العدول ، نعم الأولى الاحتياط مع الصوم إذا كان العدول عن قصده بعد الزوال ، وكذا لو كان العدول في أثناء الرباعية بعد الدخول في ركوع الركعة الثالثة ، بل بعد القيام إليها وإن لم يركع بعد (١).

______________________________________________________

أو ورد كربلاء قاصداً البقاء إلى النصف من رجب ، ولكنّه يشكّ في أنّ هذا اليوم الذي ورد فيه هل هو اليوم الخامس من الشهر أو السادس ، وفي الواقع كان هو اليوم الخامس ، ففي مثل ذلك لا أثر لهذا الترديد ولا ضير فيه ، فإنّه تردّد في العنوان ، وإلّا فالمعنون أعني واقع العشرة وذاتها ونفس الزمان المتصف بها مقصود له ، ولم يتعلّق القصد بالحادث الزماني كرؤية الهلال في الفرض السابق فهو بعينه نظير قصد الإقامة مائتين وأربعين ساعة جاهلاً بانطباقها على عشرة أيام الذي مثّلنا به سابقاً ، وقد عرفت أنّ العبرة بقصد واقع المقام عشرة أيام المتحقّق في المقام وإن لم يقصد عنوانه.

وعليه فيتعيّن في حقّه التمام ، وقضاء ما صلاه قصراً قبل الاستعلام استناداً إلى الاستصحاب الذي هو حكم ظاهري.

(١) لا ينبغي الشكّ في أنّ مقتضى القاعدة الأوّلية مع قطع النظر عن النصّ الخاص الوارد في المقام هو لزوم العود إلى القصر متى ما عدل عن القصد ، سواء

٢٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أتى برباعية تامّة أم لا ، لظهور نصوص الإقامة في دوران الحكم مدار قصد الإقامة ونيّتها حدوثاً وبقاءً ، كما هو الشأن في سائر الأحكام المتعلّقة بالعناوين الخاصّة مثل الحاضر والمسافر ونحو ذلك ممّا هو ظاهر في دخل العنوان في ثبوت الحكم للمعنون ودورانه مداره نفياً وإثباتاً ، فلا يكون الحدوث كافياً في البقاء ما لم يدلّ عليه دليل بالخصوص.

فلو كنّا نحن وتلك النصوص لم يكن شكّ في ظهورها في أنّه يتم ما دام كونه ناوياً للإقامة ، الذي لازمه الحكم بالتقصير لو عدل عنها ، لأنّه مسافر لا نيّة له ، من غير فرق بين ما إذا صلّى تماماً ورتّب الأثر على نيّة الإقامة ، أو لا كما لو دخل البلد عند طلوع الشمس ونوى ثمّ عدل قبل الزوال ، فانّ هذا غير داخل في نصوص الإقامة ، لظهورها في الإتمام حينما هو ناوٍ للإقامة لا من كان ناوياً قبل ذلك ، فيتعيّن عليه القصر ، نعم لو صلّى تماماً ثمّ عدل لا يعيد ، لأنّ الموضوع هو النيّة بنفسها لا الإقامة الخارجية ، وقد كانت متحقّقة آن ذاك.

وأمّا بالنظر إلى الروايات فقد تضمّنت صحيحة أبي ولاد أنّ من نوى الإقامة وصلّى فريضة واحدة بتمام فهو محكوم بالإتمام وإن عدل بعد ذلك عن قصده ، ويحتاج العود إلى القصر إلى إنشاء سفر جديد ، قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : إنّي كنت نويت حين دخلت المدينة أن أُقيم بها عشرة أيام وأُتم الصلاة ، ثمّ بدا لي بعدُ أن لا أُقيم فيها ، فما ترى لي ، أُتم أو أُقصّر؟ قال : إن كنت حين دخلت المدينة صلّيت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصّر حتّى تخرج منها ، وإن كنت حين دخلتها على نيّتك التمام فلم تصلّ فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك أن لا تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار إن شئت فانو المقام عشراً وأتم ، وإن لم تنو المقام عشراً فقصّر ما بينك وبين شهر ، فاذا

٢٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

مضى لك شهر فأتمّ الصلاة» (١).

دلّت بوضوح على أنّ نيّة الإقامة بمجرّد حدوثها مشروطاً بتعقّبها بفريضة رباعية كافٍ في البقاء على التمام ما دام في ذلك المكان وإن عدل عن قصده وبذلك ترفع اليد عن ظهور نصوص الإقامة في الدوران مدار الحدوث والبقاء كما مرّ.

وبإزائها رواية الجعفري المتضمّنة للتقصير بعد العدول وإن صلّى أربعاً قال : «لما أن نفرت من منى نويت المقام بمكّة فأتممتُ الصلاة حتّى جاءني خبر من المنزل ، فلم أجد بدّاً من المصير إلى المنزل ، ولم أدر أُتمّ أم أُقصّر وأبو الحسن (عليه السلام) يومئذ بمكّة فأتيتهُ فقصصتُ عليه القصّة ، قال : ارجع إلى التقصير» (٢).

ولكنّها غير صالحة لمعارضة الصحيحة ، لضعف سندها بجهالة الراوي أوّلاً وبعدم العمل بها من أحد من فقهائنا ثانياً ، كيف وموردها وهو مكّة من مواطن التخيير فلما ذا يتعيّن عليه التقصير. فالرواية موهونة بالإعراض وعدم العامل بها. والعمدة ما عرفت من جهالة الجعفري وعدم ثبوت وثاقته ، فتقصر عن مقاومة الصحيحة.

وكيف ما كان ، فالحكم في الجملة ممّا لا إشكال فيه ، أعني ما إذا صلّى فريضة تماماً.

وأمّا إذا عدل قبل ذلك فان لم يصلّ أصلاً فلا إشكال في تأثير العدول والرجوع إلى القصر ، لعدم تحقّق الموضوع كما هو ظاهر ، ونحوه ما لو صلّى فريضة

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٥٠٨ / أبواب صلاة المسافر ب ١٨ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٥٠٩ / أبواب صلاة المسافر ب ١٨ ح ٢.

٢٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

غير رباعية كالفجر والمغرب ، وإن احتمله في الحدائق بعيداً ، بدعوى أنّ المراد فعل مطلق الفريضة بعد ما قصد التمام في المقصورات منها (١).

ولكنّه كما ترى ، لتقييد الفريضة في الصحيحة بالتمام ، المختص بما يصلح للانقسام إليه وإلى القصر ، فلا ينطبق على مثل المغرب والفجر غير المنقسم إليهما وغير المتصف بشي‌ء منهما.

وأمّا إذا رتّب على نيّة الإقامة أثراً آخر غير الصلاة التامّة ممّا لا يجوز فعله للمسافر كنوافل الظهرين أو الصيام مع كون العدول بعد الزوال ، أو الشروع في الرباعية والعدول قبل أن يتمّها إمّا بعد الدخول في ركوع الثالثة بحيث لا يمكنه العدول بها إلى القصر ، أو ولو كان حال القيام إلى الثالثة ، فهل يتعدّى عن مورد النصّ إلى هذه المذكورات كلّاً أو بعضاً أو لا؟

الظاهر عدم التعدّي والاقتصار على الفراغ عن الصلاة التامّة التي هي مورد الصحيحة ، إذ لا وجه للتعميم عدا دعوى حمل الرباعية على المثالية ، وكون المراد مطلق ترتيب الأثر على الإقامة الذي أظهره الصلاة التامّة ، من غير خصوصية فيها.

ولكنّها عارية عن الشاهد وقول بلا دليل ، ومخالف جدّاً لظاهر الصحيحة من دخل الخصوصية ، من غير قرينة تدعو إلى إلغائها ، ولا سيما أنّ المذكور فيها «صلّيت» بصيغة الماضي ، الظاهر في الوقوع وتحقّق الصلاة خارجاً حال العدول الذي لا يكون إلّا بالفراغ والإتمام ، وإلّا فمع عروض العدول أثناء الصلاة لا يقال إنّه صلّى ، بل يقال : يصلّي ، وكم فرق بين التعبيرين.

وعلى الجملة : لا بدّ من الاقتصار في الحكم المخالف لمقتضى القاعدة على مورد

__________________

(١) الحدائق ١١ : ٤١٧ ٤١٨.

٢٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

النصّ ما لم يقم على التعدّي برهان قاطع ، وهو مفقود في المقام حسبما عرفت. فلا مجال لانسحاب الحكم إلى شي‌ء من المذكورات.

وعليه فلو عدل عن النيّة بعد ما قام إلى الثالثة فحيث إنّ الوظيفة الواقعية انقلبت إلى القصر بمقتضى تأثير العدول فلا جرم يتّصف القيام بالزيادة ، فيهدم ويرجع إلى القصر ، ولا ضير فيها بعد كونها في حكم الزيادة السهوية ، لأنّه فعلها جرياً على الاعتقاد السابق فكان معذوراً كالساهي.

وأمّا لو كان العدول بعد الدخول في ركوع الثالثة فحيث لا سبيل إلى العدول بها إلى القصر لفوات المحل ، فلا يمكن إتمامها قصراً ، كما لا يمكن تماماً لانقلاب التكليف ، فلا مناص من رفع اليد والاستئناف قصراً.

فان قلت : حينما شرع في هذه الصلاة كانت محكومة بالصحّة ، لتعلّق الأمر بالتمام واقعاً ، الكاشف عن صحّة الإقامة ، فما الذي أسقط الأمر المتعلّق بهذا الفرد المحكوم بالصحّة.

قلت : لم يتعلّق الأمر بشخص هذا الفرد ولا بغيره من سائر الأفراد صحيحة كانت أو فاسدة ، بل إنّما المأمور به هو الطبيعي الجامع القابل للانطباق على الأفراد الخارجية ، فالإتيان بفرد خارجاً وإن كان صحيحاً لا يكشف عن تعلّق الأمر به ، لعدم دخل للخصوصية بالضرورة ، وإنّما هو فرد ومصداق للطبيعة المأمور بها فيما إذا كان قابلاً لانطباقها عليه.

وعليه فلو بدا له في الأثناء ، وعدل عن نيّة الإقامة الموجب لانقلاب الوظيفة الواقعية عن التمام إلى القصر ، فبما أنّ الطبيعة المأمور بها غير قابلة للانطباق ، إذ لا يمكن الامتثال بهذا الفرد لا تماماً لفرض الانقلاب ، ولا قصراً لزيادة الركوع المانعة عن صلاحية العدول ، فلا جرم يسقط عن الفردية للوظيفة الواقعية الفعلية.

٢٨٧

[٢٣١٧] مسألة ١٦ : إذا صلّى رباعية بتمام بعد العزم على الإقامة لكن مع الغفلة عن إقامته ثمّ عدل فالظاهر كفايته في البقاء على التمام (١) ، وكذا لو صلّاها تماماً لشرف البقعة كمواطن التخيير ولو مع الغفلة عن الإقامة ، وإن كان الأحوط الجمع بعد العدول حينئذ ، وكذا في الصورة الأُولى.

______________________________________________________

غاية الأمر أنّ المكلّف كان يتخيّل الانطباق جرياً على النيّة السابقة المعدول عنها فانكشف الخلاف بعد تبدّل الموضوع. فلا مناص من رفع اليد والإعادة قصراً كما ذكرناه.

فتحصّل : أنّه لا بدّ من الاقتصار في البقاء على التمام وإن تردّد في نيّة الإقامة أو عدل عنها على ما إذا صلّى رباعية وفرغ عنها ، فلا يكفي الشروع وإن دخل في ركوع الثالثة ، فضلاً عمّا إذا دخل في قيامها ، وفضلاً عمّا إذا رتّب على الإقامة أثراً آخر غير صلاة الفريضة من نافلة أو صيام ، جموداً في الحكم المخالف لمقتضى القاعدة على مورد النص.

(١) لكفاية النيّة الارتكازية الحاصلة حال الغفلة بمقتضى إطلاق الصحيح (١) فانّ موضوع الحكم الإتيان برباعية صحيحة مطابقة للأمر الواقعي الفعلي مع سبق العزم على الإقامة ونيّتها ، بحيث تكون الصحّة من آثار تلك النيّة واقعاً وإن لم يلتفت إليها تفصيلاً ، وهو حاصل في المقام ما لم يكن متردّداً أو عازماً على الخلاف حين العمل كما هو المفروض ، لاستناد الفعل حينئذ إلى تلك النيّة الباقية في صقع الارتكاز وإن كان غافلاً عنها ، كما لو صلّى جماعة فأتي بالتمام لمحض متابعة الإمام غفلة عن أنّ الوظيفة الفعلية هي ذلك ، فإنّه مشمول لإطلاق الصحيح كما عرفت.

__________________

(١) المتقدم في ص ٢٨٤.

٢٨٨

[٢٣١٨] مسألة ١٧ : لا يشترط في تحقّق الإقامة كونه مكلّفاً بالصلاة فلو نوى الإقامة وهو غير بالغ ثمّ بلغ في أثناء العشرة وجب عليه التمام في بقيّة الأيّام ، وإذا أراد التطوّع بالصلاة قبل البلوغ يصلّي تماماً ، وكذا إذا نواها وهو مجنون إذا كان ممّن يتحقّق منه القصد ، أو نواها حال الإفاقة ثمّ جنّ ثمّ أفاق ، وكذا إذا كانت حائضاً حال النيّة فإنّها تصلّي ما بقي بعد الظهر من العشرة تماماً ، بل إذا كانت حائضاً تمام العشرة يجب عليها التمام ما لم تنشئ سفراً (١).

______________________________________________________

ونحوه ما لو أتمّ لشرف البقعة كمواطن التخيير غافلاً عن نيّة الإقامة ، فإنّه أيضاً مورد لإطلاق النص ، غاية الأمر أنّه اختار التمام لتخيّله التخيير فانكشف أنّه متعيّن في حقّه واقعاً ، لكونه ناوياً للإقامة من غير رجوع عن نيّته لا بالتردّد ولا بالعزم على العدم.

وبعبارة اخرى : يعتبر في البقاء على التمام وإن رجع عن نيّته أمران : قصد الإقامة وتعقّبه بصلاة تامّة ، وكلا الأمرين متحقّق في كلتا الصورتين وإن غفل حين العمل عن النيّة أو اعتقد التخيير ، فانّ ذلك غير قادح بمقتضى الإطلاق بعد وقوع الصلاة التامة خارجاً بقصد الأمر ، ووجودِ الأمر الواقعي بالإضافة إليها وإن لم يكن عالماً به تفصيلا.

(١) لا ريب أنّ مقتضى الإطلاق في أدلّة الإقامة عدم الفرق في تحقّقها بين من كان مأموراً بالصلاة ومن كانت ساقطة عنه لحيض أو نفاس ونحوهما كعدم الفرق في المأمور بين من وجبت عليه ومن لم تجب كغير البالغ.

٢٨٩

[٢٣١٩] مسألة ١٨ : إذا فاتته الرباعية بعد العزم على الإقامة ثمّ عدل عنها بعد الوقت (١) فان كانت ممّا يجب قضاؤها وأتى بالقضاء تماماً ثمّ عدل

______________________________________________________

فانّ هذه الأدلّة بمثابة التخصيص في أدلّة التقصير وأنّ المقيم خارج عن موضوع دليل القصر ، بحيث لو خوطب بالصلاة فإنّما يخاطب بها تماماً بمقتضى الوظيفة الأصلية وإن كان الأمر ساقطاً فعلاً لعذر كالحيض ، أو كان ثابتاً ولكن لا على نحو الوجوب بل الاستحباب كالصبي المميّز ، بناءً على المختار من شرعية عباداته.

فلو طهرت عن الحيض وقد بقي من العشرة يوم واحد ، أو بلغ الصبي أثناء العشرة وجب التمام في الباقي ، كما يستحب له تماماً قبل البلوغ.

وكذا الحال في المجنون لو تحقّق منه القصد ، أو نوى الإقامة حال الإفاقة ثمّ جنّ ثمّ أفاق ، فإنّه يتم في الباقي وإن كان دون العشرة ، وكذا لو استمرّ الجنون أو الحيض تمام العشرة فإنّه يتم بعد ذلك ما لم ينشئ سفراً جديداً.

والحاصل : أنّ ناوي الإقامة خارج عن موضوع دليل السفر ، فمتى تمشّى منه القصد أو كان عالماً بذلك فهو محكوم بالتمام بمقتضى الوظيفة الأصلية وإن منع فعلاً عن أصل التكليف أو عن وجوبه مانع ، بمقتضى الإطلاق في أدلّة الإقامة كما عرفت.

(١) هل الرباعية المأخوذة موضوعاً للبقاء على التمام بعد قصد الإقامة خاصّة بالأدائية ، أو تعمّ القضائية أعني الفائتة بعد العزم على الإقامة كما لو لم يصلّ الظهرين مثلاً في الوقت عصياناً أو لعذر ثمّ قضاهما أو إحداهما خارج الوقت وبعد ذلك عدل عن نيّة الإقامة أو تردّد فيها ، فهل يكفي ذلك في البقاء

٢٩٠

فالظاهر كفايته في البقاء على التمام (*) ، وأمّا إن عدل قبل إتيان قضائها أيضاً فالظاهر العود إلى القصر وعدم كفاية استقرار القضاء عليه تماماً ، وإن كان الأحوط الجمع حينئذ ما دام لم يخرج ، وإن كانت ممّا لا يجب قضاؤه كما إذا فاتت لأجل الحيض أو النفاس ثمّ عدلت عن النيّة قبل إتيان صلاة تامّة رجعت إلى القصر ، فلا يكفي مضيّ وقت الصلاة في البقاء على التمام.

______________________________________________________

على التمام أو لا بدّ من الإتيان بالتمام أداءً؟

قد يقال بالاكتفاء نظراً إلى إطلاق الصحيحة (١) كما ذكره الماتن وغيره ، بل احتمل بعضهم ونسب إلى صاحب الجواهر (قدس سره) الاكتفاء وإن لم يتصدّ للقضاء ، فيجتزي بمجرّد استقرار القضاء تماماً في الذمّة بعد نيّة الإقامة وإن لم يأت بها خارجاً ، فلا أثر للعدول بعد ذلك (٢).

أقول : أمّا الاحتمال المزبور ففي غاية السقوط ، لعدم كون الاستقرار بمجرّده موضوعاً للحكم في شي‌ء من الأدلّة ، بل الموضوع في الصحيحة إنّما هي الصلاة الخارجية ، لقوله (عليه السلام) : «صلّيت بها صلاة فريضة بتمام ...» إلخ كما هو ظاهر جدّاً.

وأمّا الاكتفاء بإتيان القضاء استناداً إلى إطلاق الصحيحة ففيه منع الإطلاق

__________________

(*) فيه إشكال بل منع ، فانّ الظاهر من الرواية استناد إتمام الصلاة إلى نيّة الإقامة حالها بحيث لو كان العدول قبله لزم عليه القصر ، والمفروض أنّ لزوم التمام في القضاء ليس كذلك.

(١) المتقدّمة في ص ٢٨٤.

(٢) الجواهر ١٤ : ٣٢٤.

٢٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

إذ المستفاد من قوله (عليه السلام) في ذيل الصحيحة : «ولم تصلّ فيها صلاة فريضة بتمام حتّى بدا لك أن لا تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار» أنّ موضوع الحكم الإتيان بالرباعية التي لو لم يأت بها حتّى بدا له كان مخيّراً بين نيّة الإقامة والإتمام وعدم النيّة والتقصير ، وهذا كما ترى شأن الصلاة الأدائية ، ضرورة أنّ الفائتة حال العزم على الإقامة يجب قضاؤها تماماً بمقتضى قوله (عليه السلام) : اقض ما فات كما فات (١) ، سواء أعدل بعد ذلك عن نيّة الإقامة أم لا ، وليس ذلك مورداً للتخيير المزبور بوجه.

وبعبارة اخرى : يستفاد من الصحيحة بوضوح أنّ موضوع الحكم بالبقاء على التمام وإن عدل الإتيان بالصلاة التامّة التي يستند إتمام الصلاة إلى نيّة الإقامة حالها ، بحيث لو كان العدول قبله لزمه التقصير ، لا إلى النيّة السابقة المتحقّقة في ظرفها ، وهذا يختص بالصلاة الأدائية بالضرورة ، وإلّا فما فاتت بعد العزم على الإقامة يجب قضاؤها تماماً ، سواء أعدل عن نيّته قبل الإتيان بالقضاء أم أثناءها أم بعدها ، أم لم يعدل أصلاً ، لتبعية القضاء للأداء في الفوت إن قصراً فقصراً وإن تماماً فكذلك ، والمفروض فواتها تماماً ، لكونه ناوياً للإقامة في الوقت وحال الفوت.

ومن المعلوم أنّ نيّة الإقامة بمجرّدها موضوع للإتمام لا الإقامة الخارجية فإنّ القصد واليقين بنفسه تمام الموضوع في هذا الحكم ، فإذا خرج الوقت ولم يصلّ فقد استقرّ التمام في ذمّته سواء قضاها في هذا المكان أم في مكان آخر ولو حال السفر.

وعلى الجملة : فتمامية هذه الصلاة لا تدور مدار نيّة الإقامة حال الصلاة ، بل

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٦٨ / أبواب قضاء الصلوات ب ٦ ح ١ [والمذكور في الحديث : «يقضي ما فاته كما فاته»].

٢٩٢

[٢٣٢٠] مسألة ١٩ : العدول عن الإقامة قبل الصلاة تماماً قاطع لها من حينه وليس كاشفاً عن عدم تحقّقها من الأوّل ، فلو فاتته حال العزم عليها صلاة أو صلوات أيام ثمّ عدل قبل أن يصلّي صلاة واحدة بتمام يجب عليه قضاؤها تماماً ، وكذا إذا صام يوماً أو أياماً حال العزم عليها ثمّ عدل قبل أن يصلّي صلاة واحدة بتمام فصيامه صحيح ، نعم لا يجوز له الصوم بعد العدول لأنّ المفروض انقطاع الإقامة بعده (١).

______________________________________________________

النيّة السابقة التي وجدت وانعدمت كافية في وجوب التمام وتعيّنه إلى الأبد ، من غير دخل لبقاء تلك النيّة في تماميتها ، بل يتم وإن رجع فعلاً عن قصده. وأين هذا من الصلاة المفروضة في الصحيحة الموصوفة بأنّه إن رجع قبلها صلّى قصراً وإن لم يرجع يصلّي تماماً ، التي هي شأن الصلاة الأدائية.

فلا إطلاق للصحيحة بالإضافة إلى الرباعية القضائية بوجه ، بل هي خارجة عن الموضوع ، ووجودها كالعدم في أنّه إذا رجع عن القصد يتعيّن في حقّه القصر بمقتضى مفهوم الشرطية الأُولى المصرّح به في الصحيحة ، أعني قوله (عليه السلام) : «وإن كنت حين دخلتها على نيّتك التمام ولم تصلّ فيها صلاة فريضة بتمام ...» إلخ.

(١) قد أشرنا فيما مرّ (١) أنّ التمام لدى حصول قصد الإقامة حكم واقعي لكون القصد بنفسه تمام الموضوع في هذا الحكم ، ولا يكون حدوثه منوطاً بفعل التمام خارجاً ، وإنّما هو شرط في البقاء عليه وإن عدل على ما دلّت عليه الصحيحة.

ويترتّب على ذلك أنّ العدول قبل فعل التمام قاطع للإقامة من حينه ، ولا يكون

__________________

(١) في ص ٢٧١ ، ٢٩٢.

٢٩٣

[٢٣٢١] مسألة ٢٠ : لا فرق في العدول عن قصد الإقامة بين أن يعزم على عدمها أو يتردّد فيها (١) في أنّه لو كان بعد الصلاة تماماً بقي على التمام ولو كان قبله رجع إلى القصر.

[٢٣٢٢] مسألة ٢١ : إذا عزم على الإقامة فنوى الصوم ثمّ عدل بعد

______________________________________________________

كاشفاً عن عدم تحقّقها من الأوّل ، ولذا ذكرنا فيما سبق أنّه لو فاتته الفريضة في الوقت حال عزمه على الإقامة ثمّ عدل قبل أن يصلّي صلاة واحدة بتمام وجب عليه قضاؤها تماماً وإن وجب القصر فيما بعد ، لتحقّق موضوعه واقعاً آن ذاك وزواله بعدئذ.

وكذا الحال لو صام يوماً أو أياماً حال العزم ثمّ عدل قبل أن يصلّي فريضة تامة ، فإنّه يقطع الإقامة من الحين ، ونتيجته عدم جواز الصوم غداً ، لكونه مسافراً غير مقيم ، ولا يكشف عن القطع من الأوّل ، فلا يكون الصوم الصادر منه باطلاً ، بل يصحّ ، لتعلّق الأمر به واقعاً بعد تحقّق موضوعه وهو نيّة الإقامة الحاصلة حال العمل. فحال العدول في المقام حال الفسخ في العقد ، فكما أنّه يرفع العقد من حين وقوع الفسخ ولا يكشف عن البطلان من الأوّل فكذا فيما نحن فيه.

(١) للإطلاق في صحيح أبي ولاد المتقدّم (١) ، فانّ صدره وإن كان ظاهراً في العازم على العدم ، إلّا أنّ إطلاق الذيل يشمل المتردّد ، حيث جعل الحكم دائراً مدار نيّة المقام عشراً وعدمها ، فانّ عدم النيّة يعمّ التردّد ونيّة العدم ، فهما سيّان في أنّه لو كان بعد الصلاة تماماً بقي على التمام ، ولو كان قبله رجع إلى القصر.

__________________

(١) في ص ٢٨٤.

٢٩٤

الزّوال قبل الصلاة تماماً (١) رجع إلى القصر في صلاته ، لكن صوم ذلك اليوم صحيح ، لما عرفت من أنّ العدول قاطع من حينه لا كاشف ، فهو كمن صام ثمّ سافر بعد الزوال.

______________________________________________________

(١) أمّا إذا كان العدول بعد الغروب فلا إشكال في صحّة الصوم في ذلك اليوم ، لتعلّق الأمر به واقعاً بعد تحقّق موضوعه وهو كونه ناوياً للإقامة كما أشرنا إليه آنفاً ، وقد عرفت أنّ العدول قاطع من حينه ، لا كاشف عن الخلل من الأوّل ، نعم لا يجوز له صوم الغد ، لزوال الموضوع وارتفاعه بقاءً كما مرّ.

وأمّا إذا عدل في أثناء النهار والمفروض عدم الإتيان بفريضة تامة ، فقد يكون ذلك قبل الزوال وأُخرى بعده.

أمّا إذا كان قبل الزوال فلا ينبغي الإشكال في بطلان الصوم كما لو دخل البلد قبل الفجر ونوى الإقامة وصام ثمّ عدل قبل الزوال ، فإنّه مسافر غير مقيم ومثله لا يشرع الصوم في حقّه ، كما هو الحال في من سافر قبل الزوال. فجواز الصوم فضلاً عن وجوبه مشكل حينئذ ، بل ممنوع.

وأمّا إذا كان بعد الزوال فمن حيث الصلاة يرجع إلى القصر كما هو ظاهر بعد فرض كون العدول قبل الإتيان بصلاة تامة ، لكنّ صوم ذلك اليوم محكوم بالصحّة كما ذكره في المتن ، لما عرفت من أنّ العدول قاطع من حينه لا كاشف فكان مأموراً بالصوم واقعاً حال النيّة ، لتحقق موضوعه ، فهو بمنزلة من صام ثمّ سافر بعد الزوال ، هذا.

وظاهر عبارة المتن حيث قال : فهو كمن صام ... إلخ يشبه القياس ، حيث أجرى حكم من سافر بعد الزوال على من عدل عن نيّة الإقامة بعده ، ومن أجله أُورد عليه بعدم الدليل على انسحاب ذلك الحكم إلى المقام بعد تعدّد الموضوع.

٢٩٥

[٢٣٢٣] مسألة ٢٢ : إذا تمّت العشرة لا يحتاج في البقاء على التمام إلى

______________________________________________________

لكنّ العبارة غير خالية عن نوع من المسامحة ، وواقع المطلب شي‌ء آخر وهو استفادة حكم المقام من نصوص ذلك الباب بالأولوية القطعية.

وتوضيحه : أنّه قد دلّت الروايات المتكاثرة كصحيحة ابن مسلم الواردة في خصوص شهر رمضان (١) ، وصحيحة الحلبي المطلقة من هذه الجهة (٢) وغيرهما من الصحاح : أنّ من صام ثمّ سافر بعد الزوال وجب عليه صوم ذلك اليوم ولا يفسده السفر ، وبذلك يرتكب التقييد في إطلاق قوله تعالى (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ) ... إلخ (٣). وأنّ السفر يمتاز عن بقية الموانع مثل الحيض ونحوه في أنّه لو كان عارضاً بعد الزوال لم يمنع عن صحّة الصوم ، وإنّما يمنع لو حصل قبل الزوال.

وعليه فاذا كان هذا شأن السفر نفسه فكان واقع السفر الخارجي المسبوق بالنيّة بطبيعة الحال غير مانع عن صحّة الصوم. أفهل يحتمل أنّ النيّة المجرّدة غير المقترنة فعلاً بالسفر الخارجي ، بل كان محض العدول عن قصد الإقامة والبناء على أن يسافر ولا يقيم ، أو التردّد فيه تمنع عن الصحّة؟ لا يكون ذلك قطعاً ، إذ لا تزيد النيّة على نفس السفر المشتمل عليها بالضرورة ، فإذا لم يكن السفر نفسه مانعاً لم تكن نيّته فضلاً عن التردّد فيه مانعة بطريق أولى. فنفس تلك النصوص تدلّ على حكم المقام بالفحوى والأولوية القطعية.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ١٨٥ / أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ١.

(٢) الوسائل ١٠ : ١٨٥ / أبواب من يصح منه الصوم ب ٥ ح ٢.

(٣) البقرة ٢ : ١٨٤.

٢٩٦

إقامة جديدة ، بل إذا تحقّقت بإتيان رباعية تامّة فكذلك (١) ، فما دام لم ينشئ سفراً جديداً يبقى على التمام.

[٢٣٢٤] مسألة ٢٣ : كما أنّ الإقامة موجبة للصلاة تماماً ولوجوب أو جواز الصوم ، كذلك موجبة لاستحباب النوافل الساقطة حال السفر (٢) ولوجوب الجمعة ونحو ذلك من أحكام الحاضر.

______________________________________________________

(١) لإطلاق أدلّة الإقامة في الفرض الأوّل ، وأمّا في الثاني فللتصريح في صحيح أبي ولاد بوجوب الإتمام ما لم يخرج ، المراد به الخروج السفري كما مرّ (١) فما دام لم ينشئ سفراً جديداً يبقى على التمام كما ذكره في المتن.

(٢) إذ المستفاد من أدلّتها بمقتضى الانصراف أنّ السقوط من شؤون التقصير في الصلاة ، يدور مداره وجوداً وعدماً كما يكشف عنه قوله (عليه السلام) في الصحيح : يا بُنيّ إذا صلحت النافلة في السفر تمّت الفريضة (٢).

وكذا الحال في وجوب الجمعة ، إمّا مطلقاً أو فيما بعد النداء كما هو المختار وغير ذلك من أحكام الحاضر ، فإنّها بأجمعها ظاهرة بمقتضى الانصراف المزبور في اختصاص السقوط بحال السفر ، المحكوم فيه بوجوب القصر.

فمتى ارتفع حكم القصر وانقلب إلى التمام إمّا لأجل قصد الإقامة ، أو لبقاء ثلاثين يوماً متردِّداً ، أو لكونه من سفر المعصية ونحو ذلك ممّا يوجب رفع القصر عن المسافر عادت تلك الأحكام. هذا بناءً على المختار من كون قصد الإقامة قاطعاً لحكم السفر من باب التخصيص.

__________________

(١) في ص ٢٨٤.

(٢) الوسائل ٤ : ٨٢ / أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٢١ ح ٤.

٢٩٧

[٢٣٢٥] مسألة ٢٤ : إذا تحقّقت الإقامة وتمّت العشرة أو لا (١) وبدا للمقيم الخروج إلى ما دون المسافة ولو ملفّقة فللمسألة صور :

الاولى : أن يكون عازماً على العود إلى محلّ الإقامة واستئناف إقامة عشرة أُخرى ، وحكمه وجوب التمام في الذهاب والمقصد والإياب ومحلّ الإقامة الاولى (٢) ، وكذا إذا كان عازماً على الإقامة في غير محلّ الإقامة الاولى مع عدم كون ما بينهما مسافة.

______________________________________________________

وأمّا بناءً على التخصّص وقطعه لموضوع السفر فالأمر أظهر ، لكونه حينئذ بمنزلة الحاضر المتوطّن المحكوم عليه بتلك الأحكام.

لكن القطع الموضوعي خلاف التحقيق ، ولم يرد دليل على التنزيل المزبور فيما عدا مكّة ، مع أنّه لا يمكن الالتزام به فيها أيضاً كما مرّ ذلك كلّه مستقصى (١).

(١) أي سواء تمّت العشرة أم لم تتم كما سيصرّح بهذه التسوية في أواخر المسألة ، وذلك لأنّ في حكم الإتمام ما لو صلّى رباعية بتمام كما تقدّم (٢) ، هذا. وقد خصّ (قدس سره) عنوان المسألة بما إذا بدا للمقيم الخروج إلى ما دون المسافة ولو ملفّقة ، لكنّه (قدس سره) لم يلتزم بذلك في جميع صور المسألة ، بل المفروض في بعضها الخروج إلى مقدار المسافة كما ستعرف. والأمر سهل.

(٢) وذلك لما تضمّنته صحيحة أبي ولاد المتقدّمة من أنّ من نوى الإقامة وصلّى رباعية تامّة فهو محكوم بوجوب التمام حتّى يخرج ، بناءً على ما عرفت من ظهور الغاية في إرادة الخروج السفري لا مطلق الخروج عن البلد ، فما دام لم

__________________

(١) في ص ٨٩ ٩٠.

(٢) في ص ٢٨٤ وما بعدها.

٢٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ينشئ سفراً جديداً يبقى على التمام ، وليس له التقصير وإن خرج إلى ما دون المسافة بمقتضى إطلاق الصحيحة ، هذا.

مضافاً إلى الكبرى الكلّية والضابط العام المتكرّر ذكره في غير مقام من أنّ من كان محكوماً بالتمام لا تنقلب وظيفته إلى القصر إلّا عند قصد المسافة ولو ملفّقة على ما استفدناه من صحيحة ابن مسلم (١) : في كم التقصير؟ قال (عليه السلام) ثمانية فراسخ ، حسبما تقدّم بيانه سابقاً (٢) ، والمفروض في المقام عدم قصد المسافة فتشمله هذه الكلّية.

فعلى تقدير التشكيك في دلالة الصحيحة المتقدّمة وإجمالها من حيث إرادة الخروج السفري وعدمه تكفينا هذه الكبرى ، وهذا من غير فرق بين كون الإقامة قاطعة لموضوع السفر أو لحكمه كما هو ظاهر.

ومنه تعرف ضعف ما قد يقال بوجوب القصر في الذهاب والمقصد والإياب واختصاص التمام بمحلّ الإقامة ، نظراً إلى أنّه القدر المتيقّن من دليل رفع الإقامة لحكم السفر ، فيرجع فيما عداه إلى عمومات القصر لكلّ مسافر.

إذ فيه : أنّ الكبرى الكلّية المزبورة ، بل وصحيحة أبي ولاد المتقدّمة مخصّصة لعمومات القصر ، لدلالتها على عدم ارتفاع حكم التمام ما لم يقصد المسافة ، فهي المرجع دونها كما لعلّه ظاهر جدّاً.

ثمّ إنّه لا فرق في هذه الصورة بين عزم العود إلى محلّ الإقامة أو العزم على الإقامة في غير محلّ الإقامة الاولى مع كون الفصل بينهما دون المسافة كما ذكره في المتن ، لاتحاد مناط البحث وكونهما من واد واحد.

__________________

(١) [بل موثقة سماعة ، الوسائل ٨ : ٤٥٣ / أبواب صلاة المسافر ب ١ ح ٨].

(٢) في ص ٨١.

٢٩٩

الثانية : أن يكون عازماً على عدم العود إلى محلّ الإقامة (١) وحكمه وجوب القصر إذا كان ما بقي من محلّ إقامته إلى مقصده مسافة ، أو كان مجموع ما بقي مع العود إلى بلده أو بلد آخر مسافة ، ولو كان ما بقي أقل من أربعة على الأقوى من كفاية التلفيق (*) ولو كان الذهاب أقل من أربعة.

______________________________________________________

(١) فان لم يكن بينه وبين المقصد مسافة بقي على التمام وإن لم يتعرّض له في المتن لما عرفت من الكبرى الكلّية ومن صحيحة أبي ولاد.

وإن كان ما بينهما مسافة وهو الذي تعرّض إليه في المتن وأشرنا إلى أنّه خروج عن مقسم هذه الصور كان حكمه القصر ، استناداً إلى عمومات التقصير لكلّ مسافر بعد فرض كونه قاصداً للمسافة الشرعية ، سواء أكانت امتدادية كما لو كان البعد المتخلّل ما بين محلّ الإقامة ومقصده ثمانية فراسخ والتعبير عن ذلك بما بقي من محلّ الإقامة كما في المتن ، باعتبار ما صدر منه من سفره قبل نيّة الإقامة كما هو واضح أم كانت تلفيقيّة كما لو كان مجموع ما بقي من محلّ الإقامة إلى المقصد بضميمة العود منه إلى بلده أو بلد آخر يقيم فيه عشرة أيام ثمانية فراسخ ، لكن بشرط عدم كون ما بقي أقل من أربعة فراسخ لما عرفت سابقاً (١) من اختصاص دليل التلفيق بذلك ، وأنّه لا يلحق بالامتداد إلّا إذا كان كلّ من الذهاب والإياب أربعة ، لقوله (عليه السلام) في الصحيح : أدنى ما يقصّر فيه الصلاة بريد في بريد (٢).

وما في المتن من التوسعة وعدم رعاية هذا الشرط مبني على مسلكه من

__________________

(*) تقدّم أنّ الأقوى خلافه.

(١) في ص ٧.

(٢) الوسائل ٨ : ٤٥٦ / أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ٢ (نقل بالمضمون).

٣٠٠