موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

متواليات (١) في مكان واحد من بلد أو قرية أو مثل بيوت الأعراب أو فلاة من الأرض ، أو العلم بذلك وإن كان لا عن اختيار ، ولا يكفي الظنّ بالبقاء فضلاً عن الشك ، والليالي المتوسطة داخلة بخلاف اللّيلة الأُولى والأخيرة (٢)

______________________________________________________

الموجب للقصر مجرّد العلم به ، وإن لم يكن عن قصد واختيار كالمجبور الذي أُخذ وأُلقي في السفينة أو الطائرة فتحرّكت قهراً عليه مع علمه بقطع المسافة الشرعية فكما لا يعتبر العزم والاختيار في نفس السفر لا يعتبر في إقامة العشرة القاطعة لحكمه بمناط واحد ، والعبرة في كليهما بمجرّد العلم واليقين كما عرفت.

(١) فلا تكفي العشرة المتفرّقة المتخلّل بينها السفر ، لظهور التحديد بالزمان في الاتصال والاستمرار ما لم تقم قرينة على الخلاف كما هو الحال في نظائر المقام من سائر التحديدات الشرعية كستّة أشهر في الوطن الشرعي على ما مرّ (١) ، وثلاثة أيام في الحيض ونحو ذلك.

(٢) فانّ المدار في احتساب الأيام ببياض النهار ، ولا عبرة باللّيالي ، فإنّ اليوم وإن كان ربّما يطلق على مجموع الليل والنهار المركّب من أربع وعشرين ساعة ، إلّا أنّه خلاف الظاهر بحسب المتفاهم العرفي ، والمنسبق منه عند الإطلاق ما يقابل الليل ، ومنه قوله تعالى (سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيّامٍ) (٢) فتأمّل.

وعليه فلا عبرة بالليلة الأُولى والأخيرة ، لخروجهما عن مفهوم اليوم الوارد في نصوص الباب (٣) ، ولا موجب للتبعية ، فلو دخل أوّل النهار وخرج آخر اليوم العاشر أتمّ صلاته وإن لم يتخلّل في البين إلّا تسع ليال ، نعم اللّيالي

__________________

(١) في ص ٢٤٩.

(٢) الحاقّة ٦٩ : ٧.

(٣) الوسائل ٨ : ٤٩٨ / أبواب صلاة المسافر ب ١٥.

٢٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

المتوسطة داخلة ولا مناص من احتسابها ، لا لدخولها في مفهوم اليوم ، بل لأجل اعتبار الاتصال والاستمرار في الأيام كما عرفت.

وهل الاعتبار في احتساب مبدأ اليوم بطلوع الشمس أو بطلوع الفجر؟ تقدّم الكلام حول ذلك في أوائل كتاب الصلاة (١) وقلنا إنّ الظاهر أنّه ليس للشارع اصطلاح جديد في لفظي اليوم والليل ، بل يطلقان على ما هما عليه من المعنى العرفي.

والمستفاد من لفظ اليوم بحسب المتفاهم العرفي هو المعنى المساوق للنهار الذي هو عبارة عمّا يتخلّل بين طلوع الشمس وغروبها على ما اشتهر في المنطق من التمثيل بقولهم : كلّما طلعت الشمس فالنهار موجود.

فالاعتبار في صدق اليوم والنهار بهذه الدائرة التي تدور فيها الشمس حيث يتشكل بطبيعة الحال من مسيرتها قوسان ، قوس تدور فيه الشمس ولا ترى وهو اللّيل ، وقوس تدور فيه وترى وهو النهار ، وقد يتساويان كما في أوّل يوم من الربيع والخريف غالباً ، وقد يختلفان كما في سائر الأيام حسب اختلاف فصول السنة. فاليوم واللّيل متقابلان ينتزعان من كون الشمس في قوس الرؤية وعدمه وحيث إنّ ما بين الطلوعين خارج عن قوس الرؤية فهو محسوب من اللّيل وخارج عن النهار ، فيكون مبدأ اليوم طلوع الشمس لا طلوع الفجر ، وينتهي بغروبها.

والاختلاف في مفهوم الغروب وأنّه عبارة عن استتار القرص أو ذهاب الحمرة المشرقية غير قادح في المقام ، فانّا لو بنينا على جواز تأخير الظهرين إلى زوال الحمرة اختياراً ولا نقول به والتزمنا بكونه مبدءاً لوقت العشاءين فلا شكّ أنّ هذا حكم تعبّدي يقتصر على مورده ، وإلّا فلا ينبغي التأمّل في

__________________

(١) شرح العروة ١١ : ١٨٩.

٢٦٢

فيكفي عشرة أيام وتسع ليال ، ويكفي تلفيق اليوم المنكسر من يوم آخر على الأصح (١) ، فلو نوى المقام عند الزوال من اليوم الأوّل إلى الزوال من اليوم الحادي عشر كفى ، ويجب عليه الإتمام وإن كان الأحوط الجمع. ويشترط وحدة محلّ الإقامة ، فلو قصد الإقامة في أمكنة متعدّدة عشرة أيام لم ينقطع حكم السّفر كأن عزم على الإقامة في النجف والكوفة ، أو في الكاظمين وبغداد أو عزم على الإقامة في رستاق من قرية إلى قرية من غير عزم على الإقامة

______________________________________________________

دخول اللّيل وتحقّقه عرفاً بمجرّد غروب الشمس واستتارها عن الأنظار.

وعلى الجملة : فالعبرة بطلوع الشمس وغروبها ، فلو دخل قبل طلوع الشمس آناً ما وخرج كذلك بعد الغروب من اليوم العاشر فقد بقي عشرة أيام بكاملها ولا يضرّه النقص بمقدار ما بين الطلوعين من الأوّل وما بين الاستتار وزوال الحمرة من الأخير ، والظاهر أنّ هذا كلّه ممّا لا إشكال فيه.

(١) إذ الظاهر أنّ المراد من اليوم الأعم من الملفّق من نصفين ، فيكفي تلفيق اليوم المنكسر من يوم آخر ، فانّ من دخل البلدة عند الزوال وخرج لدى الزوال من الغد يصح أن يقال : إنّه بقي في تلك البلدة يوماً كاملاً.

وعليه فالداخل عند الزوال الخارج زوال اليوم الحادي عشر يتم ، لصدق بقاء عشرة أيام من غير أيّة عناية. فلا تعتبر العشرة غير الملفّقة بعد الصدق العرفي المزبور وفقد الدليل على التقييد.

ولعلّه يشهد لذلك أنّه قلّما يتّفق دخول المسافر أوّل النهار إلّا نادراً ، بل الغالب دخوله أثناء النهار أو في اللّيل ، وعليه فلا موجب لإسقاط هذه الساعات بعد الإطلاق في دليل الإقامة عشرة أيام ، بل هي محسوبة بطبيعة الحال ، ومقتضاه تلفيق يوم منها ومن يوم الخروج.

٢٦٣

في واحدة منها عشرة أيام (١). ولا يضرّ بوحدة المحلّ فصل مثل الشطّ بعد كون المجموع بلداً واحداً كجانبي الحلّة وبغداد ونحوهما ،

______________________________________________________

(١) هل يعتبر في محلّ الإقامة وحدة المكان بحيث لو قصد الإقامة في الأمكنة المتعدِّدة عشرة أيام كالنجف والكوفة ، أو الكاظمية وبغداد ونحو ذلك ممّا ذكره في المتن لم ينقطع حكم السفر أو لا؟

يقع الكلام تارة في أصل الاعتبار ، وأُخرى في تحديد المقدار وبيان ضابط الوحدة وميزانها.

أمّا نفس الاعتبار فالظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه ولا إشكال ، لظهور النصوص في إناطة انقلاب القصر بالتمام بالإقامة الوحدانية الممتدة عشرة أيام ، المتقوّمة بالوحدة المكانية بطبيعة الحال ، فلا تجدي إقامة العشرة المتفرقة في الأمكنة المتعدّدة ، إذ لا يصدق معه أنّه أقام في البلد الفلاني أو المحلّ الكذائي عشرة أيام كما هو ظاهر جدّاً.

نعم ، ربما يستفاد كفاية ذلك ممّا رواه الكافي في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : الرجل له الضياع بعضها قريب من بعض فيخرج فيقيم فيها أيتم أم يقصّر؟ قال : يتم» (١) حيث دلّت على وجوب التمام لدى الإقامة في الضياع المتفرّقة الواقعة في الأمكنة المتعدِّدة. فلا تعتبر الوحدة في محلّ الإقامة.

ويردّه أوّلاً : عدم ظهور الصحيحة في إرادة الإقامة الشرعية أعني عشرة أيام التي هي محلّ الكلام ، لعدم قرينة على التخصيص بذلك ، بل ظاهرها أنّ صاحب الضياع محكوم بالإتمام متى أقام فيها ، سواء أكانت إقامته في مجموع

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٤٩٥ / أبواب صلاة المسافر ب ١٤ ح ١٢ ، الكافي ٣ : ٤٣٨ / ٦.

٢٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

تلك الضياع عشرة أيام أم أقل أم أكثر ، فتكون من قبيل الروايات الدالّة على أنّ مجرّد الملك كافٍ في الحكم بالإتمام متى دخله ، التي تقدّمت سابقاً (١) وعرفت لزوم تقييدها بمقتضى صحيحة ابن بزيع (٢) بسبق إقامة ستّة أشهر كي تتّصف الضيعة بالوطن الشرعي. فهي أجنبية عما نحن فيه.

وثانياً : أنّها مروية بعين المتن في الفقيه (٣) والتهذيب (٤) ، غير أنّ المذكور فيها «يطوف» بدل «يقيم» وعليه فتكون أظهر فيما ذكرناه من الدلالة على أنّ مجرّد الطواف والمرور بمطلق الملك موجب للإتمام. فلا ربط لها بالإقامة الشرعية المبحوث عنها في المقام. وكيف ما كان ، فالصحيحة غير مخالفة لما ذكرناه من اعتبار الوحدة في محلّ الإقامة. مع أنّ الظاهر أنّ المسألة ممّا لا خلاف فيها كما عرفت.

إنّما الكلام في بيان المراد من الوحدة المكانية وتشخيص ضابطها بعد القطع بعدم إرادة الوحدة الحقيقية ، ضرورة جواز تردّد المقيم في بلد من داره إلى المسجد أو السوق أو الحمام ونحوها. فلا يراد الإقامة في منزل خاص كالمحبوس بل لعلّه لا يتحقّق ذلك إلّا في مثل المحبوس ونحوه ، وإلّا فالفاعل المختار يخرج بطبيعة الحال إلى خارج الدار ، بل خارج البلد أحياناً.

فنقول : قد ورد التعبير عن محلّ الإقامة في الروايات بالسنة مختلفة ، كالبلد أو البلدة أو المدينة أو الضيعة أو المكان أو الأرض ، ولا شكّ أنّ المراد بالإقامة في الأخيرين ما يقابل الارتحال ، فانّ المسافر بحسب طبعه ينزل أثناء السير في مكان أو أرض فيرتحل ، فلا يكون مقيماً في ذلك المحل ، بل الغاية من النزول

__________________

(١) في ص ٢٤٠.

(٢) المتقدمة في ص ٢٤٢.

(٣) الفقيه ١ : ٢٨٢ / ١٢٨١.

(٤) التهذيب ٣ : ٢١٣ / ٥٢٢.

٢٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الاستراحة أو الأكل أو الشرب ، إمّا ليلاً أو نهاراً حسب اختلاف الفصول ممّا يقتضيه طبع السفر.

ولكن قد يتعلّق نظره بالإقامة في مكان خاص أو أرض كذلك ، فلا يرتحل فاعتبرت هذه الإقامة التي هي في مقابل الارتحال مناطاً للإتمام إذا كانت عشرة أيام. فيستفاد من مجموع الروايات أنّ المناط في وحدة المحلّ صدق الإقامة العرفية فيه على نحو لا يعدّ التباعد عنه ارتحالاً عن ذلك المكان ، سواء أكان بلداً أم قرية أم ضيعة أم غيرها من برّ أو ساحل بحر ونحو ذلك. فالعبرة بصدق الإقامة عرفاً في مكان واحد في قبال الارتحال عنه الذي يختلف سعة وضيقاً حسب اختلاف الموارد وخصوصيات الأمكنة.

ثمّ إنّ الصدق المزبور إن كان محرزاً فلا إشكال ، كما لو أقام في بلد بل برّ أو ساحل بحر بحيث يصدق معه عرفاً أنّه مقيم في ذلك المكان ، وإن دعت الحاجة إلى التعدّي والمشي يميناً وشمالاً لبعض حاجياته من تحصيل ماء أو كلأ ونحو ذلك ، لعدم اعتبار المكث في مكان شخصي وحداني كما عرفت.

كما لا إشكال أيضاً إذا كان عدمه محرزاً مثل ما لو أقام في مكان من البر ليلة وفي مكان آخر ليلة أُخرى بينهما مسافة ربع الفرسخ مثلاً وهكذا ، أو أقام عند عشيرتين متباعدتين بربع الفرسخ عشرة أيام ، بحيث لا يصدق عرفاً أنّه أقام في مكان واحد عشرة أيام ، فإن كان الصدق محرزاً من الطرفين فلا إشكال.

وأمّا إذا شكّ في ذلك فقد تكون الشبهة موضوعية كما لو قصد الإقامة في محلّتين ولم يعلم أنّ إحداهما منفصلة عن الأُخرى أو متصلة ، وأُخرى حكمية كما لو علم بالانفصال في المثال ولكنّه كان قليلاً كعشر الفرسخ مثلاً ، بحيث يشكّ أنّ هذا المقدار موجب للإخلال وقادح في صدق الوحدة المكانية أم لا.

والمتعيّن في كلتا الصورتين اللتين يجمعها الشك في أنّ هذه الإقامة هل هي مصداق لإقامة عشرة أيام في مكان واحد ، التي هي الموضوع لانقلاب الحكم

٢٦٦

ولو كان البلد خارجاً عن المتعارَف في الكبر (١) فاللازم قصد الإقامة في المحلّة منه إذا كانت المحلّات منفصلة ، بخلاف ما إذا كانت متّصلة ، إلّا إذا كان كبيراً جدّاً (*) بحيث لا يصدق وحدة المحلّ وكان كنيّة الإقامة في رستاق مشتمل على القرى مثل قسطنطينية ونحوها.

______________________________________________________

من القصر إلى التمام أو لا هو القصر.

أمّا في الأُولى فواضح ، لأنّ هذا الموضوع عنوان حادث مسبوق بالعدم فيستصحب عدمه.

وأمّا في الثانية : فللزوم الرجوع حينئذ إلى إطلاقات القصر على كلّ مسافر بعد وجوب الاقتصار في المخصّص المجمل الدائر بين الأقل والأكثر على المقدار المتيقّن الذي يقطع معه بصدق الإقامة عشرة أيام ، وحيث إنّه مشكوك فيه في المقام فالمرجع عموم أدلّة القصر كما عرفت ما لم يحرز الصدق.

(١) فصّل (قدس سره) في البلاد الخارجة عن المتعارف في الكبر بين ما كانت المحلات منفصلة فاللازم قصد الإقامة في المحلّة منها ، وبين ما إذا كانت متصلة فأجرى عليها حكم سائر البلاد إلّا إذا كانت كبيرة جدّاً ، بحيث لا يصدق وحدة المحلّ كالقسطنطينية ونحوها.

أقول : لا يمكن المساعدة على ما أفاده (قدس سره) فإنّ العبرة في وحدة المحلّ بالصدق العرفي كما عرفت ، وهو حاصل في المقام وإن خرج البلد عن المتعارف في الكبر ، نعم في موارد الشكّ يرجع إلى الإطلاق أو الاستصحاب كما مرّ ، إلّا أنّ المقام ليس من موارد الشكّ ، إذ لا قصور في إطلاق الأدلّة عن الشمول لمثل ذلك ، فانّ الحكم بالتمام قد علّق فيها على الإقامة في البلد أو الضيعة

__________________

(*) الاعتبار إنّما هو بوحدة البلد ، وكبره لا ينافيها كما تقدّم.

٢٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ونحو ذلك ، والضياع وإن كانت صغيرة غالباً إلّا أنّ البلاد تشمل الصغيرة والكبيرة بمقتضى الإطلاق.

وقد كانت البلاد الكبيرة الخارجة عن المتعارف في الكبر غير عزيزة في عصرهم (عليهم السلام) كبغداد والكوفة ونحوهما ، بل كانت مساحة الكوفة أربعة فراسخ في أربعة كما يحدّثنا التاريخ ، فلا يضرّ ذلك بصدق الإقامة في مكان واحد أو بلدة واحدة بعد ما عرفت من عدم إرادة الإقامة في منزل شخصي قطعاً.

نعم ، لو فرضنا بلوغ سعة البلد مقداراً خارقاً للعادة جدّاً كما لو فرض بلد طوله مائة فرسخ مثلاً أو خمسين الذي هو مجرّد فرض لا وقوع له خارجاً لحدّ الآن ففي مثله لا ينبغي الشكّ في عدم صدق الإقامة في مكان واحد ، بل لو انتقل من جانب إلى جانب آخر فهو مسافر يجب عليه التقصير لو كان سيره بمقدار المسافة الشرعية ، فيعتبر حينئذ الإقامة في محلّة خاصّة ، ولا تكفي الإقامة في المحلّات وإن كانت متّصلة ، إذ لا يصدق عليه المقيم في مكان أو أرض واحدة وإن كان البلد واحداً حسب الفرض.

وأمّا فيما لم يبلغ هذا المقدار من السعة وإن كان كبره خارجاً عن المتعارف كما هو محلّ الكلام مثل ما لو كان طوله ثلاثة فراسخ أو أربعة كالقسطنطينية ونحوها ، فالظاهر أنّ ذلك غير قادح في صدق الإقامة في مكان واحد.

وملخّص الكلام : أنّ العبرة في وحدة محلّ الإقامة بالصدق العرفي ، وهو حاصل في أمثال هذه الموارد ، سواء أكانت المحلات متصلة أم منفصلة ، فيصحّ أن يُقال إنّ زيداً أقام في القسطنطينية مثلاً عشرة أيام وإن لم يكن مُستقرّاً في مكان واحد ، بل كان ينتقل من مكان إلى مكان ومن جانب إلى آخر ، فانّ هذا لم يكن انتقالاً سفرياً بل انتقال في ضمن سفره. فلا دخل للكبر والصغر في هذا الحكم بوجه بعد إطلاق الدليل وتحقّق الصدق العرفي.

٢٦٨

[٢٣٠٩] مسألة ٨ : لا يعتبر في نيّة الإقامة قصد عدم الخروج عن خطّة سور البلد على الأصح بل لو قصد حال نيّتها الخروج إلى بعض بساتينها ومزارعها ونحوها من حدودها ممّا لا ينافي صدق اسم الإقامة في البلد عرفاً جرى عليه حكم المقيم حتّى إذا كان من نيّته الخروج عن حدّ الترخّص ، بل إلى ما دون الأربعة إذا كان قاصداً للعود عن قريب بحيث لا يخرج عن صدق الإقامة في ذلك المكان عُرفاً ، كما إذا كان من نيّته الخروج نهاراً والرجوع قبل اللّيل (*) (١).

______________________________________________________

(١) هل يعتبر في صدق الإقامة في البلد بعد البناء على اعتبار الوحدة المكانية في محلّ الإقامة كما سبق قصد عدم التجاوز عن خطة السور فيما له سور أو عن آخر البيوت فيما لا سور له ، فيلزمه المكث في نفس البلد بحيث يضرّه أدنى الخروج ولو قليلاً كما عن بعضهم ، أو أنّه لا يعتبر المداقّة في ذلك فلا مانع من قصده حال نيّة الإقامة الخروج إلى بعض نواحي البلد وضواحيه من بساتينه ومزارعه ونحو ذلك ممّا لا ينافي صدق اسم الإقامة في البلد عُرفاً بل لا يضرّه الخروج إلى حدِّ الترخّص ، بل ما دون المسافة إذا كان قاصداً للعود عن قريب ، كما لو خرج في النهار ورجع قبل الليل كما ذكره في المتن؟

الظاهر ابتناء المسألة على تفسير لفظ الإقامة الوارد في أخبار الباب كما ذكره غير واحد ، فان فسّر بكون المحلّ محطاً لرحله لم يضرّه الخروج حتّى إلى ما دون المسافة في تمام النهار فضلاً عن بعضه ، إذ بالأخرة يكون مرجعه ومبيته نفس البلد الذي هو محط للرحل ومحلّ للإقامة. وإن فسّر بما هو ظاهر اللّفظ

__________________

(*) تحقّق قصد الإقامة إذا كان من نيّته الخروج في تمام النهار من أوّل الأمر لا يخلو من إشكال ، والقدر المتيقّن من الخروج الذي لا يضرّ بالإقامة ما كان يسيراً كالساعة والساعتين مثلاً ، وفي غير ذلك لا يترك الاحتياط بالجمع.

٢٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

بحسب المتفاهم العرفي من كونه محلا لإقامة المسافر نفسه لا لرحله ، إذ ربما لا يكون له رحل أصلاً ، فحينئذ يضرّه أدنى الخروج وإن كان قليلاً.

وتوضيح الحال في المقام : أنّه لا ينبغي الإشكال في قادحية الخروج عن محلّ الإقامة بمقدار المسافة ، كما لو أقام في النجف خمسة أيام ، ثمّ خرج يوماً إلى الحلّة ، ثمّ رجع فبقي خمسة أُخرى بحيث صار المجموع عشرة ، فإنّ الظاهر عدم الخلاف في عدم تحقّق الإقامة الشرعية بذلك ، وإن احتمل بعضهم عدم القدح بذلك ، لما عرفت من لزوم الاستمرار والاتصال في إقامة عشرة أيام ، الذي يضرّه تخلّل السفر الموجب للتقطيع بطبيعة الحال.

نعم ، ربّما يستفاد ذلك وكفاية إقامة العشرة ولو منفصلة من رواية الحضيني قال فيها : «إنّي أقدم مكّة قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة ، قال : انو مقام عشرة أيام وأتمّ الصلاة» (١) إذ كيف يمكن قصد إقامة العشرة لمن دخل مكّة قبل التروية بيوم أو يومين مع لزوم خروجه إلى عرفات التي هي مسافة تلفيقية.

ولأجل ذلك احتمل الشيخ اختصاص الحكم بموردها وهو مكّة ، وأنّ في خصوص هذا البلد لا مانع من الإقامة المنقطعة (٢) بأن يبقى ثلاثة قبل التروية وسبعة أيام بعد الرجوع عن الموقف والفراغ عن الأعمال.

ولكن الذي يهون الخطب أنّ الرواية ضعيفة السند وليست بحجّة في نفسها لجهالة الحضيني وعدم ثبوت وثاقته ، فلا تصل النوبة إلى الحمل المزبور.

وكيف ما كان ، فلا ينبغي الإشكال في أنّ نيّة الإقامة لا تكاد تجتمع مع نيّة الخروج إلى المسافة ، بل لا تجتمع حتّى مع الشكّ في ذلك ، للزوم العزم على الإقامة واليقين بها كما صرّح به في الروايات (٣) ، الذي يضرّه مجرّد الاحتمال والترديد.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٥٢٨ / أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ١٥.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٢٧ / ذيل ح ١٤٨٣.

(٣) الوسائل ٨ : ٥٠٠ / أبواب صلاة المسافر ب ١٥ ح ٩.

٢٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا الخروج إلى ما دون المسافة فهو على قسمين ، إذ تارة لا يكون عازماً على الخروج حال نيّة الإقامة بوجه ، وإنّما يبدو ذلك فيما بعد ، فقصد الإقامة في خصوص البلد عشرة أيام وبعد أن صلّى صلاة تامّة بدا له في الخروج إلى ما دون المسافة ، وأُخرى يكون عازماً عليه من أوّل الأمر.

أمّا في القسم الأوّل : فلا ينبغي التأمل في عدم انقلاب الحكم ولزوم البقاء على التمام في البلد وخارجه ، سواء أكمل العشرة في محلّ الإقامة أم لا ، كما لو أقام في النجف يوماً وبعد ما صلّى أربعاً خرج إلى الكوفة وبقي فيها ثمانية ثمّ رجع وبقي يوماً آخر في النجف ، فإنّه يبقى على التمام في جميع ذلك بلا إشكال فيه ولا خلاف ظاهراً ، فإنّ العبرة في الإقامة التي هي موضوع للتمام بقصدها ونيّتها ، لا الإقامة الخارجية.

فمتى تحقّقت النيّة وتعقّبت بصلاة واحدة تامّة كانت وظيفته البقاء على التمام وإن عدل عن نيّته وعزم على السفر والخروج إلى حدّ المسافة فضلاً عمّا دونها. فهو محكوم بالتمام ما لم يتلبّس بالسفر خارجاً على ما نطقت به صحيحة أبي ولاد ، قال (عليه السلام) : «إن كنت دخلت المدينة وحين صلّيت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصّر حتّى تخرج منها ...» إلخ (١). فانّ المراد من الخروج فيها الخروج السفري كما لا يخفى ، هذا.

مضافاً إلى الكبرى الكلّية التي تكرّرت الإشارة إليها من أنّ من حكم عليه بالتمام لا تنقلب وظيفته إلى القصر إلّا مع قصد ثمانية فراسخ ولو تلفيقية. فالمقيم في محلّ الكلام باقٍ على التمام بمقتضى هذا الضابط العام ما لو ينو سفراً جديداً ، وهذا كلّه ظاهر لا سترة عليه.

وإنّما الكلام في القسم الثاني : أعني ما إذا كان عازماً على الخروج من أوّل

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٥٠٨ / أبواب صلاة المسافر ب ١٨ ح ١.

٢٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

الأمر وحال نيّة الإقامة ، فدخل النجف مثلاً وقصد الإقامة عازماً على الخروج إلى الكوفة خلال العشرة ، وقد عرفت أنّهم بنوا المسألة على تفسير الإقامة بمحطّ الرحل أو بإقامة المسافر نفسه ، وأنّه على الأوّل لا يضرّ الخروج حتّى طول النهار فضلاً عن الساعات فيما إذا رجع في الليل بحيث كان مبيته في البلد إذ يصدق حينئذ أنّ البلد محلّ رحله ، وأمّا على الثاني فيضرّ الخروج حتّى دقيقة واحدة.

ولكن الظاهر هو التفصيل واختيار الحدّ الوسط بين الإفراط والتفريط ، فانّ التفسير الأوّل خلاف الظاهر جدّاً ، ضرورة أنّ محلّ الإقامة محلّ لإقامة المسافر نفسه لا لإقامة رحله ، كيف وربما لا يكون له رحل أصلاً. فالمتعيّن إنّما هو التفسير الثاني ، لكن لا بذلك الضيق ، بل مع نوع من التوسعة.

فإنّ الجمود على ظاهر لفظ الإقامة عشرة أيام الوارد في الروايات وإن كان يقتضي الاستيعاب الذي يضرّه أدنى الخروج عن خطّة السور ولو دقيقة واحدة إلّا أنّ المتفاهم عرفاً ما هو الأوسع من ذلك ، نظراً إلى أنّ العادة جارية على أنّ المقيم في بلد ربما يخرج عنه إلى خارج البلد ، بل ما دون حدّ المسافة لتشييع جنازة ، أو قضاء حاجة ، أو سقي دابّة ، أو معالجة مريض ونحو ذلك من الأغراض الداعية إلى الخروج ، ولا يبقى مستقرّاً في البلد كالمحبوس ، من غير فرق بين ما إذا كانت الإقامة دائمية كالمتوطّن أو موقّتة كما في المسافر المقيم.

فحال الإقامة في البلد حال الإقامة في الدار والسكونة فيها ، فكما لا ينافيه الخروج عن الدار إلى الصحن الشريف أو السوق أو الدرس ونحوها ، فكذلك لا ينافي الإقامة الدائمية أو الموقّتة في البلد الخروج إلى ضواحيه وتوابعه وإن تجاوز حدّ الترخّص بل بلغ إلى ما دون المسافة كما لو كان ضيفاً في بستان بعيد عن البلد بمقدار ثلاثة فراسخ مثلاً ، لما عرفت من جريان العادة الخارجية على التباعد عن البلد والخروج عنه وأنّ هذا المقدار ممّا يتسامح فيه عُرفاً ، ولا يكون

٢٧٢

[٢٣١٠] مسألة ٩ : إذا كان محلّ الإقامة برّية قفراء لا يجب التضييق في دائرة المقام ، كما لا يجوز التوسيع كثيراً بحيث يخرج عن صدق وحدة المحل فالمدار على صدق الوحدة عرفاً ، وبعد ذلك لا ينافي الخروج عن ذلك المحلّ إلى أطرافه بقصد العود إليه وإن كان إلى الخارج عن حدّ الترخّص ، بل إلى ما دون الأربعة كما ذكرنا في البلد ، فجواز نيّة الخروج إلى ما دون الأربعة لا يوجب جواز توسيع محلّ الإقامة كثيراً ، فلا يجوز جعل محلّها مجموع ما دون الأربعة ، بل يؤاخذ على المتعارف وإن كان يجوز التردّد إلى ما دون الأربعة على وجه لا يضرّ بصدق الإقامة فيه (١).

______________________________________________________

منافياً لصدق الإقامة في البلد ، فيكون هذا التعارف والتسامح العرفي كاشفاً عن أنّ المراد بالإقامة في البلد ما يشمل ذلك.

ولكن المتيقّن من مورد التعارف الخارجي المزبور ما إذا كان الخروج قليلاً وفي زمان قصير كساعة أو ساعتين أو أزيد في الجملة كثلاث ساعات مثلاً وأمّا الزائد على ذلك كخمس ساعات مثلاً فضلاً عن تمام النهار فلم يثبت في مثله التعارف ولا المسامحة العرفية لو لم يكن ثابت العدم.

ومن الظاهر أنّ المرجع في مورد الشكّ عمومات أدلّة القصر ، للزوم الاقتصار في المخصّص المجمل الدائر بين الأقل والأكثر على المقدار المتيقّن الذي يقطع معه بصدق الإقامة عشرة أيام ، وهو المشتمل على الخروج في الزمان القليل الذي هو مورد للتسامح العرفي جزماً ، فيرجع في الزائد المشكوك إلى عموم تلك الأدلّة وإطلاقها.

(١) يظهر الحال في هذه المسألة ممّا قدمناه في المسألة السابقة فلاحظ ، ولا حاجة إلى الإعادة.

٢٧٣

[٢٣١١] مسألة ١٠ : إذا علّق الإقامة على أمر مشكوك الحصول لا يكفي بل وكذا لو كان مظنون الحصول ، فإنّه ينافي العزم على البقاء المعتبر فيها نعم لو كان عازماً على البقاء لكن احتمل حدوث المانع لا يضرّ (*) (١).

______________________________________________________

(١) أفاد (قدس سره) أنّ إقامته لو كانت معلّقة على أمر مشكوك الحصول وثابتة في تقدير دون تقدير ، فبما أنّ العزم الفعلي على البقاء المعتبر فيها مفقود حينئذ لمنافاته مع التعليق المزبور بطبيعة الحال ، فلا جرم ينتفي عنه قصد الإقامة فلا يكفي ذلك في الحكم بالتمام ، وهذا بخلاف ما إذا كان عازماً فعلاً على البقاء ولكنّه احتمل حدوث مانع يمنعه عنه ، فإنّه لا يضرّ ولا يكون قادحاً في حصول قصد الإقامة.

فكأنّ مرجع كلامه (قدس سره) إلى التفصيل في ذلك الأمر المشكوك الحصول بين ما إذا كان وجوده أو عدمه دخيلاً في تحقّق المقتضي وهو العزم على البقاء وبين ما إذا كان من قبيل الموانع بعد تماميّة المقتضي ، فيكون الأوّل قادحاً دون الثاني.

أقول : لا يمكن المساعدة على ما أفاده (قدس سره) بوجه ، ولا فرق بين الصورتين ، بل الاعتبار بكون الاحتمال في الأمر المشكوك الحصول موهوماً أو عقلائياً ، فإن كان موهوناً لا يعتد به العقلاء لا أثر له وإن كان دخيلاً في المقتضي كما هو ظاهر ، إذ الاحتمال الموهوم وجوده في حكم العدم ، وإن كان عقلائياً كان قادحاً ، سواء أتعلّق بالمقتضي أم بالمانع.

أمّا الأوّل فظاهر كما اعترف به في المتن ، وأمّا الثاني فلضرورة عدم تمشّي

__________________

(*) بشرط أن يكون الاحتمال موهوماً ، وإلّا فلا يتحقّق معه قصد الإقامة على الأظهر.

٢٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

قصد الإقامة والعزم عليها الذي هو بمعنى توطين النفس على البقاء مع فرض تطرّق هذا الاحتمال ، فانّ البقاء كسائر الأفعال الاختيارية يتوقّف على أمرين : تمامية المقتضي وانتفاء المانع ، ومع احتمال وجود المانع وحصوله احتمالاً عقلائياً كيف يمكن تعلّق النيّة به وقصده والعزم عليه.

فمن كان مَعرضاً لوجع في بطنه مثلاً فدخل بلداً واحتمل عوده الموجب للخروج عنه لأجل المعالجة خلال العشرة كيف يتمشّى منه العزم على البقاء أعني توطين النفس وعقد القلب عليه بعد احتمال عروض المرض الذي يضطرّ من أجله على الخروج.

نعم ، مجرّد الميل بالبقاء والرغبة الشديدة أمر ممكن ، إلّا أنّه لا يكفي في تحقّق القصد الذي هو بمعنى العزم جزماً ، وإلّا لزم الحكم بالتمام لمن كان مائلاً وراغباً في إقامة العشرة مع قطعه بعدم الإقامة خارجاً ، وهو كما ترى.

وعلى الجملة : فاحتمال حدوث المانع عقلائياً مساوق مع تعليق الإقامة على أمر مشكوك في انتفاء العزم الفعلي وكونه ثابتاً في تقدير دون تقدير ، كما أنّهما متشاركان في حصول العزم الفعلي لدى كون الاحتمال موهوماً كمن احتمل وصول برقية تلجئه إلى الخروج ، أو أنّ السلطة الحكومية لا تسمح له بالبقاء. فلا فرق بين الصورتين بوجه.

ويمكن تقرير هذا المطلب بوجه آخر وهو أنّ الوارد في غير واحد من الأخبار تعليق الحكم بالتمام على قصد الإقامة أو العزم أو النيّة أو الإجماع الذي هو بمعنى العزم ، على اختلاف ألسنتها ، وورد في صحيحة زرارة تعليقه على اليقين ، قال : «إذا دخلت أرضاً فأيقنت أنّ لك بها مقام عشرة أيام ...» إلخ (١) ، والنسبة بين هذه الصحيحة وسائر الأخبار

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٥٠٠ / أبواب صلاة المسافر ب ١٥ ح ٩.

٢٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وإن كانت هي العموم من وجه ابتداء ، لجواز حصول اليقين بالبقاء من غير عزم كما في المجبور على الإقامة الذي هو فاقد للقصد والعزم ، بل قد يكون عازماً على الخروج متى فسح له المجال مع يقينه بالبقاء قهراً عليه. وجواز حصول العزم من غير يقين حسب ما فرضه في المتن من العزم على البقاء وإن احتمل حدوث المانع الموجب لانتفاء اليقين بطبيعة الحال.

إلّا أنّه لا يمكن تقديم تلك الأخبار على الصحيحة لتكون النتيجة أنّ العزم بنفسه كافٍ في الحكم بالتمام وإن تجرّد عن اليقين ، وإنّما يعتبر اليقين في مورد تخلّى عن العزم والقصد كما في المجبور. فكلّ منهما موضوع مستقل بحياله.

وذلك لمنافاته مع مورد الصحيحة ، إذ السؤال فيها عمّن قدم البلدة ، الظاهر في كونه بإرادته واختياره ، كما أنّ قوله (عليه السلام) : «إذا دخلت أرضاً ...» إلخ ظاهر في كونه عن قصد واختيار ، فكيف يمكن الحمل على ما إذا تيقّن بالبقاء من غير عزم واختيار ، الذي هو في نفسه فرد نادر ومنافٍ لمورد الصحيحة كما عرفت.

وكيف يمكن ارتكاب التقييد في قوله (عليه السلام) : «وإن لم تدر ما مقامك بها ...» إلخ بما إذا كان عازماً على البقاء ، فانّ فرض العزم من غير يقين من الأفراد النادرة كما لا يخفى.

فلا بدّ من جعل هذه الصحيحة مقيّدة لتلك الأخبار ومعاملة العموم والخصوص المطلق بينهما. فتكون النتيجة موضوعية العزم المقيّد باليقين ، وعدم كفاية العاري عنه ، وإن كان اليقين أيضاً بمجرّده كافياً سواء اقترن بالعزم والقصد أم لا كما في المكره والمجبور.

٢٧٦

[٢٣١٢] مسألة ١١ : المجبور على الإقامة عشراً ، والمكره عليها يجب عليه التمام وإن كان من نيّته الخروج على فرض رفع الجبر والإكراه ، لكن بشرط أن يكون عالماً بعدم ارتفاعهما وبقائه عشرة أيام كذلك (١).

[٢٣١٣] مسألة ١٢ : لا تصحّ نيّة الإقامة في بيوت الأعراب ونحوهم ما لم يطمئن بعدم الرحيل عشرة أيام ، إلّا إذا عزم على المكث بعد رحلتهم إلى تمام العشرة (٢).

[٢٣١٤] مسألة ١٣ : الزوجة والعبد إذا قصدا المقام بمقدار ما قصده الزوج والسيّد والمفروض أنّهما قصدا العشرة لا يبعد كفايته في تحقّق الإقامة بالنسبة إليهما (*) (٣)

______________________________________________________

(١) لما عرفت من دلالة الصحيحة المتقدّمة على أنّ مجرّد اليقين بالبقاء كاف في التمام وإن كان عارياً عن العزم والقصد.

(٢) قد عرفت (١) دلالة النصوص على أنّ المسافر إنّما يتم فيما إذا كان عازماً على إقامة العشرة أو متيقّناً بها ، فبدون العزم أو اليقين يبقى على القصر.

وعليه فالنازل في بيوت الأعراب لا تصحّ منه نيّة الإقامة بعد فرض كونهم في معرض الارتحال ، لفقد العزم واليقين حينئذ ، إلّا إذا كان مطمئناً أو واثقاً بعدم رحيلهم خلال العشرة ، أو كان عازماً على البقاء في هذه المدّة وإن ارتحلوا فتصح نيّة الإقامة في هاتين الصورتين كما هو ظاهر.

(٣) ذكر (قدس سره) أنّه لا يعتبر في قصد الإقامة القصد إليها تفصيلاً ، بل

__________________

(*) بل هو بعيد جدّاً ، وعليه فلا تجب إعادة ما صلّياه قصراً ، وكذا الحال في قصد المقام بمقدار ما قصده رفقاؤه.

(١) في ذيل المسألة [٢٣١١].

٢٧٧

وإن لم يعلما حين القصد أنّ مقصد الزّوج والسيِّد هو العشرة ، نعم قبل العلم بذلك عليهما التقصير ، ويجب عليهما التمام بعد الاطّلاع وإن لم يبق إلّا يومين أو ثلاثة ، فالظاهر وجوب الإعادة أو القضاء عليهما بالنسبة إلى ما مضى ممّا صلّيا قصراً ، وكذا الحال إذا قصد المقام بمقدار ما قصده رفقاؤه وكان مقصدهم العشرة ، فالقصد الإجمالي كافٍ في تحقّق الإقامة ، لكن الأحوط الجمع في الصورتين ، بل لا يترك الاحتياط.

______________________________________________________

القصد الإجمالي كافٍ في تحقّق الإقامة كما في التابع مثل الزوجة والعبد إذا قصد المقام بمقدار ما قصده متبوعه ، والمفروض أنّ المتبوع قاصد لإقامة العشرة واقعاً ، فانّ هذا يكفي في تحقّق الإقامة بالإضافة إلى التابع وإن كان هو جاهلاً بها.

فمتى علم بالحال وحصل له الاطّلاع وجب الإتمام وإن كان الباقي أقل من عشرة أيام ، كما يجب عليه قضاء ما صلاه قصراً حال الجهل ، لأنّ ذلك مستند إلى الحكم الظاهري بمقتضى الاستصحاب الجاري آن ذاك ، وإلّا فبحسب الواقع مكلّف بالتمام من أوّل الأمر وإن كان معذوراً في تركه لجهله. فلا جرم يتعيّن القضاء لدى انكشاف الخلاف.

ثمّ ألحق (قدس سره) بالتابعِ الرفيقَ ، وأنّه لو قصد المقام بمقدار ما قصده رفقاؤه وكان مقصدهم عشرة كفى ذلك في تحقّق الإقامة.

أقول : لا يمكن المساعدة على ما أفاده (قدس سره) بوجه ، فانّ موضوع الحكم بحسب الروايات هو قصد الإقامة والعزم عليها واليقين بها ، ومن الواضح أنّ هذا لا يتحقّق مع فرض الجهل بقصد المتبوع ، إذ مرجعه إلى الترديد والتعليق

٢٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

في قصد التابع وأنّه ثابت في تقدير دون تقدير ، فلا قصد إلّا على تقدير قصد المتبوع الذي هو أمر مجهول ، فهو فعلاً متردّد وجداناً في إقامة عشرة أيام ولا بدّ من فعلية القصد واليقين في الحكم بالتمام على ما هو ظاهر النصوص.

وعلى الجملة : لا فرق بين إناطة القصد بقصد المتبوع وبين إناطته بسائر الأُمور الحادثة التي لا يدري بتحقّقها كوصول البرقية أو مجي‌ء المسافر أو شفاء المريض ونحو ذلك ممّا يجوز أن يقع ويجوز أن لا يقع ، في أنّ الكلّ مشتمل على التعليق ومنوط بتقدير دون تقدير ، وهو عين الشكّ والترديد الممتنع اجتماعه مع القصد واليقين الفعليين بالضرورة ، وإن فرضنا حصول المعلّق عليه بحسب المصادفة الواقعية فكان المتبوع قاصداً للعشرة ، أو المسافر قادماً أو البرقية واصلة بعد إقامة العشرة ونحو ذلك ، إذ لا عبرة بالإقامة الخارجية ، بل الموضوع في الأدلّة قصد العشرة ونيّتها ، المفقود في المقام وجداناً حسبما عرفت.

فما ذكره (قدس سره) من كفاية القصد الإجمالي وأنّه لا فرق بينه وبين التفصيلي لا نعرف له معنى محصّلاً بعد رجوع الإجمال إلى الترديد لا محالة الموجب لزوال القصد.

نعم ، لا يعتبر في قصد إقامة العشرة أن تكون العشرة بعنوانها مقصودة ، بل العبرة حسبما يستفاد من الأدلّة بتعلّق القصد بواقع العشرة ، التي هي اسم لهذا الزمان الخاص ، فاذا قصد الإقامة في هذه الكمّية المعيّنة من الزمان كفى وإن لم يعلم عنوانها ، كما لو قصد إقامة مائتين وأربعين ساعة أو كذا مقداراً من الدقيقة ولم يدر انطباقها على عشرة أيام ، لجهله أو غفلته عن أنّ كلّ أربع وعشرين ساعة يوم واحد ، فإذا قصد ذلك فقد قصد واقع العشرة بطبيعة الحال. فالعبرة بالمعنون دون العنوان.

وكما لو دخل كربلاء وقصد الإقامة إلى النصف من شعبان مثلاً ولكنّه لم يدر

٢٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أنّ هذا اليوم الذي ورد فيه هل هو اليوم الخامس من الشهر لتكون مدّة الإقامة عشرة أو السادس لتكون تسعة ، فإذا كان بحسب الواقع هو اليوم الخامس فقد قصد العشرة على واقعها وإن جهل عنوانها.

وهذا نظير ما تقدّم سابقاً (١) في قصد المسافة من أنّ العبرة في التقصير بقصد واقع الثمانية فراسخ وإن جهل الاتصاف بهذا العنوان ، أي قصد السير في مسافة هي ثمانية فراسخ بحسب الواقع وإن لم يدر بها أو كان معتقداً بالعدم ، كما لو قصد الحركة من النجف إلى الحلّة فقصد السير في هذه المسافة المعيّنة التي هي ثمانية فراسخ واقعاً وإن كان لا يدري أو يزعم أنّها سبعة ، فإنّه يجب عليه التمام لصدق السير في مسافة هي ثمانية فراسخ.

وكذلك الحال في المقام ، فإنّ العبرة بقصد الإقامة في زمان هو عشرة أيام فمتى تحقّق ذلك وجب التمام وإن لم يلتفت إلى عنوان العشرة ، لعدم كونه متردّداً بالإضافة إلى عمود الزمان ، بل هو قاصد للإقامة من الآن إلى النصف من شعبان في المثال المتقدّم ، أو إلى الساعة المائتين والأربعين المنطبقة بحسب الواقع على العشرة أياماً وإن كان جاهلاً بالانطباق. فلا يكون مورداً لأن يقول : غداً أخرج أو بعد غد ، المذكور في صحيحة زرارة (٢) مناطاً ، لفقد قصد الإقامة.

وعلى الجملة : فقد تعلّق القصد هنا بنفس الزمان الموصوف بكونه عشرة واقعاً وإن لم يعلم به أو كان معتقداً للخلاف ، فإنّه من باب الخطأ في التطبيق كما في مثال الحلّة ، وهذا المقدار يكفي بمقتضى الأدلّة.

وأمّا إذا تعلّق القصد بأمر زماني لا بالزمان نفسه ، كما لو قصد المكث في هذا البلد إلى أن تصل البرقية أو تقضى حاجته التي يمكن تحقّقها خلال عشرة أيام

__________________

(١) في ص ٣٧.

(٢) الوسائل ٨ : ٥٠٠ / أبواب صلاة المسافر ب ١٥ ح ٩.

٢٨٠