موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[٢٢٩٨] مسألة ٦٧ : إذا كان في السفينة أو العربة فشرع في الصلاة قبل حدّ الترخّص بنيّة التمام ثمّ في الأثناء وصل إليه ، فإن كان قبل الدخول في قيام الركعة الثالثة أتمّها قصراً وصحّت ، بل وكذا إذا دخل فيه قبل الدخول في الركوع ، وإن كان بعده فيحتمل وجوب الإتمام ، لأنّ الصلاة على ما افتتحت لكنّه مشكل ، فلا يترك الاحتياط بالإعادة قصراً أيضاً. وإذا شرع في الصلاة في حال العود قبل الوصول إلى الحدّ بنيّة القصر ثمّ في الأثناء وصل إليه أتمّها تماماً وصحّت (١).

______________________________________________________

المعلوم وجوب أحدهما إجمالاً ، إذ المؤمّن المعيّن للقصر كان هو الاستصحاب والمفروض سقوطه بالمعارضة ، فلا بدّ إمّا من الجمع أو التأخير إلى أن يصل حدّ الترخّص الجزمي ، عملاً بالعلم الإجمالي وقاعدة الاشتغال كما عرفت.

فتحصّل : أنّ فروع المسألة مختلفة ، وينبغي التفصيل في شقوقها على النهج الذي ذكرناه.

(١) لا ريب في صحّة الصلاة حال السير في سفينة أو غيرها كما نطق به النص بقوله : «أما ترضى أن تصلّي صلاة نوح» (١) ، فلو شرع فيها عند خروجه من البلد تماماً لكونه قبل حدّ الترخّص فبلغ الحد أثناءها فهل يتمّها تماماً لأنّه شرع فيها كذلك والصلاة على ما افتتحت ، أو قصراً نظراً إلى أنّها الوظيفة الفعلية بعد تبدّل الموضوع؟

لا إشكال في أنّه يتمّها قصراً لو كان ذلك قبل الدخول في قيام الركعة الثالثة لانقلاب الموضوع بعد وضوح أنّ العبرة في القصر والتمام بزمان العمل وظرف

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٥٠٦ / أبواب القيام ب ١٤ ح ٩.

٢٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

الامتثال ، والمفروض أنّه لم يفرغ بعد عن العمل ، ولم يسقط التكليف ، وقد جاوز فعلاً حدّ الترخّص ، فوظيفته الفعلية قد انقلبت إلى القصر وهو مأمور بها فلا بدّ من إتمامها كذلك كما هو ظاهر جدّاً.

وكذا الحال فيما لو كان ذلك بعد الدخول في قيام الركعة الثالثة وقبل الدخول في ركوعها كما أفاده في المتن ، غايته أنّ القيام زائد حينئذ واقع في غير محلّه فيهدمه ويلحقه حكم القيام السهوي.

فحال المقام حال من كان ناوياً للإقامة في بلد فشرع في الصلاة بنيّة التمام وفي الأثناء بدا له في السفر وعدل عن قصد الإقامة ، فإنّه يتمّها قصراً ، لتبدّل الحكم بتبدّل موضوعه. وهذا كلّه واضح لا سترة عليه.

إنّما الكلام فيما لو كان الوصول إلى حدّ الترخّص بعد الدخول في ركوع الركعة الثالثة ، بحيث لا يمكن معه الإتمام قصراً لفوات المحل.

وقد احتمل الماتن (قدس سره) حينئذ وجوب الإتمام ، نظراً إلى ما ورد من أنّ الصلاة على ما افتتحت ، الدال على أنّ الاعتبار بحال الافتتاح ، وقد كان هو التمام آن ذاك فيتمّها كذلك ، وأخيراً استشكل فيه وحكم بالاحتياط بالإعادة قصراً أيضاً.

أقول : الروايات الناطقة بأنّ الصلاة على ما افتتحت (١) ناظرة بشهادة موردها إلى التخلّف في النيّة ، وأجنبية عن التبدّل في سائر الخصوصيات ، فموردها من أتمّ الصلاة بنيّة مغايرة لما نواه أوّلاً ، كمن شرع في الصلاة بنيّة الفريضة فغفل وأتمها نافلة أو بالعكس ، أو شرع بقصد الأداء وأتم سهواً بعنوان القضاء ، إلى غير ذلك من الأمثلة التي يجمعها تغيير النيّة السابقة ساهياً ، فيحكم حينئذ بالصحّة وأنّ العبرة بحالة الافتتاح.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٦ / أبواب النيّة ب ٢.

٢٢٢

والأحوط (١) في وجهٍ إتمامها قصراً ثمّ إعادتها تماماً (*).

______________________________________________________

ولعلّ السرّ أنّ ذلك من باب الاشتباه والخطأ في التطبيق ، وإلّا فمن يتم صلاته فإنّما يتمّها على النيّة الأُولى حسب طبعه وارتكازه.

وكيف ما كان ، فتلك الروايات ناظرة إلى هذا المورد ، وأين ذلك من محلّ الكلام الذي انقلب الموضوع واقعاً وتبدّل التمام إلى القصر في صقع الواقع ، فهي أجنبية عما نحن فيه ، والاستشهاد بها في غير محلّه جزماً.

وعليه فالظاهر لزوم رفع اليد عن هذه الصلاة ، لعدم إمكان إتمامها صحيحة ولا مناص من إعادتها قصراً حسب ما تقتضيه الوظيفة الفعلية بعد انقلاب الموضوع وتبدّله كما عرفت. فما ذكره (قدس سره) من الاحتياط وإن كان في محلّه إلّا أنّه لا ملزم له.

وممّا ذكرنا يظهر حال عكس المسألة وأنّه لو شرع في الصلاة في حال العود قبل الوصول إلى الحد بنيّة القصر ، ثمّ في الأثناء وصل إليه أتمها تماماً كما أفاده في المتن ، لكونه مقتضى وظيفته الفعلية بعد فرض تبدّل الموضوع وانقلابه. ولا يتصوّر هنا فوات محلّ العدول كما في سابقه ، لحصول الزيادة في الوظيفة لا النقص كما هو ظاهر.

(١) هذا الاحتياط لا وجه له أبداً ، إذ بعد البناء على أنّه يتمّها تماماً كما أفتى (قدس سره) بذلك كيف يسوغ الإتمام قصراً ، وهل هذا إلّا من إبطال الفريضة اختياراً ، المحرّم عنده ، ولا أقل من كونه خلاف الاحتياط. وعلى الجملة : فهذا الاحتياط على خلاف الاحتياط قطعاً.

__________________

(*) لا وجه لهذا الاحتياط على مسلكه (قدس سره) من الحكم بصحّة الصلاة تماماً وبحرمة إبطال الفريضة اختياراً ، بل الأحوط فيه إتمامها تماماً ثمّ إعادتها كذلك.

٢٢٣

[٢٢٩٩] مسألة ٦٨ : إذا اعتقد الوصول إلى الحدّ فصلّى قصراً ثمّ بان أنّه لم يصل إليه وجبت الإعادة أو القضاء تماماً (*) (١) وكذا في العود إذا صلّى تماماً باعتقاد الوصول فبان عدمه وجبت الإعادة أو القضاء قصراً ، وفي عكس الصورتين بأن اعتقد عدم الوصول فبان الخلاف ينعكس الحكم فيجب الإعادة قصراً في الأُولى وتماماً في الثانية.

______________________________________________________

نعم ، لو أُريد الاحتياط كان مقتضاه إعادتها تماماً بعد إتمامها كذلك ، رعاية لاحتمال فساد الاولى استناداً إلى ما دلّ على أنّ الصلاة على ما افتتحت ، والمفروض أنّه افتتحها قصراً ، وإن كان الاحتمال المزبور ضعيفاً غايته كما عرفت.

(١) لعدم كون القصر الذي أتى به مأموراً به بعد فرض انكشاف الخلاف. ولا دليل على الإجزاء ، وحيث إنّ المفروض عدم بلوغه حدّ الترخّص فهو مأمور حينئذ بالتمام ، فلا بدّ من إعادتها تماماً إن كان الانكشاف في الوقت ، والقضاء كذلك إن كان في خارجه.

وهذا هو مراده (قدس سره) من الحكم بالتمام في الموردين ، أعني ما إذا كان الانكشاف في الوقت قبل وصول حدّ الترخّص وأراد الإعادة في محلّ الانكشاف فإنّه يتعيّن عليه التمام حينئذ. كما أنّه لو بقي في ذلك المكان إلى أن خرج الوقت ثمّ انكشف الخلاف فحيث إنّ الفريضة فاتته تماماً فلا بدّ من قضائها تماماً أيضاً.

__________________

(*) يريد بذلك الإعادة في محلّ انكشاف الخلاف والقضاء خارج الوقت مع خروجه قبل وصوله إلى حدّ الترخص ، ومن ذلك يظهر مراده من وجوب الإعادة أو القضاء قصراً في صورة العود ، ولكن سيأتي عدم وجوب القضاء فيما إذا انكشف الخلاف في خارج الوقت ، وبذلك يظهر حكم القضاء قصراً فيما بعد ذلك.

٢٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا يريد (قدس سره) بذلك الإعادة تماماً حتّى إذا بلغ حدّ الترخّص ، أو القضاء تماماً حتّى فيما إذا بلغ الحدّ وخرج الوقت بعد ذلك ، فانّ هذا غير محتمل بالضرورة ، لبداهة وجوب القصر حينئذ إعادة وقضاءً. وما ذكرناه ظاهر من عبارته كما يتّضح بأدنى تأمل ، هذا.

ولو انعكس الفرض بأن اعتقد عدم الوصول إلى الحدِّ فأتمّ ثمّ انكشف الخلاف فان كان الانكشاف في الوقت فلا إشكال في لزوم الإعادة ، لعدم الدليل على إجزاء التمام عن القصر في محلّ الكلام. نعم ، ثبت ذلك في الجاهل بالحكم وأنّه لا يعيد ، ومقامنا من الخطأ في الموضوع دون الجهل بالحكم كما هو ظاهر.

وأمّا إذا كان الانكشاف في خارج الوقت فعلى الكلام الآتي في محلّه إن شاء الله تعالى (١) من أنّ من أتمّ في موضع القصر من غير علم وعمد هل يجب عليه القضاء أو أنّه يحكم بالإجزاء ولا قضاء عليه. وتفصيله موكول إلى محلّه إن شاء الله تعالى. هذا كلّه في الذهاب.

ومنه يظهر الحال في الإياب ، فإنّه يجري فيه ما مرّ بعينه ، فلو صلّى في رجوعه من سفره قصراً باعتقاد عدم الوصول إلى حدّ الترخّص ثمّ انكشف الخلاف فحيث إنّ صلاته فاسدة لعدم الدليل على الإجزاء ، وجبت عليه الإعادة تماماً في الوقت وفي خارجه.

ولو انعكس الأمر بأن اعتقد بلوغ الحدّ فأتمّ ثمّ انكشف الخلاف وجبت الإعادة في الوقت بلا إشكال ، وأمّا القضاء فعلى الكلام الآتي في محلّه إن شاء الله تعالى حسبما أشرنا إليه.

__________________

(١) في ص ٣٦٠ وما بعدها.

٢٢٥

[٢٣٠٠] مسألة ٦٩ : إذا سافر من وطنه وجاز عن حدّ الترخّص ثمّ في أثناء الطريق وصل إلى ما دونه إمّا لاعوجاج الطريق أو لأمر آخر (١) كما إذا رجع لقضاء حاجة أو نحو ذلك فما دام هناك يجب عليه التمام ، وإذا جاز عنه بعد ذلك وجب عليه القصر إذا كان الباقي مسافة (*) (٢) ، وأمّا إذا سافر من

______________________________________________________

(١) إذا خرج المسافر من وطنه وبعد ما جاوز حدّ الترخّص رجع ثانياً إلى ما دونه إمّا لكون الطريق معوجاً أو لغاية أُخرى من قضاء حاجة ونحوها فقد حكم (قدس سره) بالتمام حينئذ ، وبالقصر لو جاوزه بشرط كون الباقي مسافة.

أقول : ينبغي التكلّم في جهات :

الاولى : لا إشكال في وجوب التمام عند ما رجع إلى ما دون حدّ الترخّص عملاً بإطلاق ما دلّ على وجوبه قبل الحد ، الشامل لما إذا جاوز الحد ورجع. فما دون هذا المقدار من البعد محكوم بوجوب التمام ، من غير فرق بين من كان فيه ولم يتجاوزه أو جاوزه ثمّ عاد إليه ، بمقتضى الإطلاق. وهذا واضح لا سترة عليه.

نعم ، يختص ذلك بما إذا سافر من وطنه ، ولا يشمل السفر من محل الإقامة لما تقدّم (١) من عدم اعتبار حدّ الترخّص فيه ، وعلى تقدير الاعتبار لا يعمّ مثل المقام كما لا يخفى.

(٢) الثانية : هل يعتبر في التقصير لدى التجاوز عن المحل الذي رجع إليه لحاظ المسافة بينه وبين المقصد بأن يكون الباقي بنفسه مسافة ، أو يكفي كونه

__________________

(*) الظاهر كفاية كونه مسافة من مبدأ سفره إلى مقصده.

(١) في ص ٢١٠ وما بعدها.

٢٢٦

محلّ الإقامة وجاز عن الحدّ ثمّ وصل إلى ما دونه ، أو رجع في الأثناء لقضاء حاجة بقي على التقصير ، وإذا صلّى في الصورة الأُولى بعد الخروج عن حدّ

______________________________________________________

كذلك ولو بضميمة ما قطعه من البلد؟

الظاهر هو الثاني ، بل لا ينبغي التأمل فيه ، إذ لا وجه لإلغاء البعد المتحقّق بينه وبين البلد بعد أن لم يكن الرجوع إلى ما دون حدّ الترخّص رجوعاً عن نيّة السفر التي نواها أوّلاً وإنشاءً للسفر من هذا المكان كما هو المفروض ، غاية ما هناك أن تلغى المسافة التي قطعها في ذهابه عن هذا المحلّ ورجوعه ، فليفرض أنّ هذا المقدار في حكم العدم وكأنّه لم يكن ، وأمّا المقدار الذي قطعه من البلد إلى هذا الموضع والبعد المتخلّل بينهما فلا موجب لإلغائه بوجه كما عرفت. فما أفاده في المتن من اشتراط كون الباقي مسافة غير ظاهر.

الثالثة : هل العبرة في احتساب المسافة في مَن رجع إلى ما دون حدّ الترخّص بمراعاة البعد المتخلّل بين البلد والمقصد ، فلا اعتبار بما قطعه في ذهابه ورجوعه أو أنّ هذا المقدار أيضاً محسوب من المسافة؟

الظاهر هو التفصيل بين ما كان الرجوع لأجل اعوجاج الطريق ، وبين غيره من قضاء حاجة ونحوها.

ففي الأوّل كما لو كان الطريق جبلياً ، أو كان سيره في جزيرة أو شبهها بحيث كان الطريق في نفسه معوجاً ، لا موجب للإلغاء ، لما ذكرناه سابقاً (١) من عدم اعتبار كون البُعد الملحوظ بين البلد والمقصد على نحو الخط المستقيم ، فانّ المدار على قطع ثمانية فراسخ ، أو مسيرة يوم ، أو بياض النهار ونحو ذلك من التعابير

__________________

(١) في ص ٤١ وما بعدها.

٢٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الواردة في النصوص (١) ، وإن كان ذلك على نحو الخط المنكسر أو المنحني وما يشابههما من الإشكال الهندسية كما يتّفق ذلك في كثير من الطرق ولا سيما الجبلية منها ، فليس المدار على مجرّد البعد ، بل على قطع الطريق وسيره ، سواء أكان ذلك بنحو الخط المستقيم أم لا.

ومن هنا ذكرنا سابقاً (٢) أنّه لو كان لمقصده طريقان أحدهما مسافة دون الآخر يقصّر عند سلوكه الطريق الأوّل ويتم في الآخر ، مع أنّ البعد بين البلد والمقصد واحد على التقديرين.

وعلى الجملة : بعد البناء على عدم اعتبار الاستقامة فيما يقطعه من المسافة والمفروض أنّ العبرة في مبدأ احتسابها بالخروج من نفس البلد لا بالتجاوز عن حدّ الترخّص وإن كان التقصير منوطاً به كما تقدّم سابقاً (٣) لا مناص من احتساب ما قطعه في ذهابه ورجوعه إلى ما دون حدّ الترخّص المستند إلى اعوجاج الطريق.

ومن الواضح أنّ الحكم بالتمام بعد الرجوع لا ينافي الاحتساب المزبور وأن يكون هذا المقدار جزءاً من المسافة ، كما كان هو الحال فيما دون الحد قبل أن يذهب ويرجع ، فإنّه يتم مع أنّ ما بينه وبين البلد محسوب من المسافة بالضرورة. فلا تنافي بين الأمرين بوجه كما هو ظاهر جدّاً.

وأمّا في الثاني : أعني ما لو كان الرجوع لا لأجل الاعوجاج ، بل لغرض آخر من قضاء حاجة ونحوه ، كما لو خرج إلى الكوفة ثمّ رجع في طريقه إلى كربلاء إلى ما دون حدّ الترخّص من النجف لنوم أو عزيمة (٤) أو حاجة أُخرى

__________________

(١) المتقدِّمة في ص ٤ ٥.

(٢) في ص ٤٠ ، ١٩٠.

(٣) في ص ٤٠ ، ١٩٠.

(٤) أي : وليمة.

٢٢٨

الترخّص قصراً (١) ثمّ وصل إلى ما دونه ، فان كان بعد بلوغ المسافة فلا

______________________________________________________

فلا ينبغي الشك في أنّ هذا المقدار من الذهاب المتعقّب بالرجوع ملغى ، لعدم كونه من السير المعتبر في تحقّق المسافة على ما بيّناه سابقاً (١) من لزوم كون السير بعداً امتدادياً ، غير الصادق على الذهاب بعد فرض تعقّبه بالإياب. فلا جرم يسقط هذا المقدار عن الاحتساب.

ولكن الظاهر عدم سقوطه مطلقاً ، بل الساقط خصوص الذهاب فقط دون الرجوع ، فلو فرضنا أنّه ذهب إلى الكوفة من طريق ثمّ رجع من طريق آخر إلى ما دون حدّ الترخّص من النجف قاصداً به مكاناً من الأمكنة كالذهاب إلى كربلاء ، وقد قصد السفر من نفس محلّ الرجوع فلما ذا لا يحسب هذا من المسافة مع عدم الموجب لإلغائه بوجه.

والمتحصّل من جميع ما ذكرناه : أنّ رجوعه إن كان سفرياً أي واقعاً في طريقه وسفره من أجل اعوجاج الطريق وانحرافه فحينئذ يحسب الذهاب والإياب معاً ، كما لو خرج من النجف قاصداً كربلاء ولكن الطريق العادي المستقيم كان مسدوداً لمانع من الموانع فذهب إلى الكوفة ومنها إلى السّهلة ورجع منها إلى خارج النجف المحل المُعد للبنزين ثمّ توجّه نحو كربلاء ، فإنّه لا موجب لإلغاء هذا المقدار من السير ، بل الذهاب والإياب كلاهما محسوبان من المسافة بعد ما عرفت من عدم اعتبار استقامة الطريق.

وأمّا إن كان الرجوع لا لأجل الاعوجاج فطبعاً يسقط الذهاب ويلغى كما عرفت ، دون الرجوع ، بل يكون مبدأ سفره من حين ما يرجع في المثال المتقدّم.

(١) الرابعة : لو قصّر في المورد الذي لا يكون محكوماً بالقصر كالذهاب في

__________________

(١) في ص ٧ ، ٣٩.

٢٢٩

إشكال في صحّة صلاته ، وأمّا إن كان قبل ذلك فالأحوط وجوب الإعادة (*) وإن كان يحتمل الإجزاء إلحاقاً له بما لو صلّى ثمّ بدا له في السفر قبل بلوغ المسافة.

______________________________________________________

الفرض المتقدّم ، كما لو سافر من النجف وعند ما بلغ الكوفة قصّر ولم يعلم برجوعه ، ثمّ بدا له فرجع إلى ما دون حدّ الترخّص فهل يعيد صلاته.

لا ينبغي الشك في دخول الفرض في المسألة المتقدّمة سابقاً ، أعني من سافر وقصّر في الطريق ثمّ بدا له في السفر قبل بلوغ المسافة ، فإن قلنا ثمة بعدم الحاجة إلى الإعادة استناداً إلى صحيحة زرارة كما تقدّم (١) فكذلك في المقام بل الحكم هنا أولى ، إذ المفروض في تلك المسألة أنّه بدا له في أصل السفر وأمّا في المقام فهو بعدُ على نيّة السفر ، وإنّما بدا له في الطريق فقط فعدل عن طريق إلى آخر ، فالصحّة هناك تستلزم الصحّة هنا بطريق أولى كما لا يخفى.

وأمّا لو لم نقل بالصحّة هناك لأجل المعارضة كما أسلفناك لم نقل بها هنا أيضاً ، إذ الإجزاء يحتاج إلى الدليل ولا دليل عليه ، ومن هنا كانت الإعادة أحوط كما ذكره في المتن.

__________________

(*) هذا فيما إذا كان رجوعه إلى ما دون حدّ الترخّص لقضاء حاجة ونحوها ، وأمّا إذا كان لاعوجاج الطريق فالأظهر هو الإجزاء.

(١) في ص ٨٤.

٢٣٠

[٢٣٠١] مسألة ٧٠ : في المسافة الدورية حول البلد دون حدّ الترخّص في تمام الدّور أو بعضه (*) ممّا لم يكن الباقي قبله أو بعده مسافة يتمّ الصلاة (١).

______________________________________________________

(١) حكم (قدس سره) بوجوب التمام في المسافة الدورية حول البلد مع فرض كونها دون حدّ الترخّص ، سواء أكان ذلك في تمام الدور أو في بعضه فيما إذا لم يكن السير قبل المرور بحدّ الترخّص أو بعده في نفسه مسافة وإن كان المجموع بمقدار المسافة ، نظراً إلى أنّ المرور المزبور يوجب انقطاع حكم السفر وعدم صلاحية انضمام السير الواقع ما بعد المرور بما قبله ، فلأجله يحكم بالتمام وإنّما يحكم بالقصر فيما إذا كان الباقي من كلّ منهما مع قطع النظر عن الآخر مسافة في حدّ نفسه.

أقول : تبيّن سابقاً أنّه لا فرق في وجوب التقصير بين المسافة الدورية والامتدادية ، نظراً إلى أنّ المناط في القصر مسير ثمانية فراسخ وقطع الطريق بهذا المقدار ، سواء أكان البُعد أيضاً بالغاً هذا الحد أم لا ، فليست العبرة بملاحظة الابتعاد والامتداد ، بل الاعتبار بحال السير وما يقطعه من الطريق. هذا من ناحية.

ومن ناحية أُخرى تبيّن في المسألة السابقة أنّ الرجوع إلى حدّ الترخّص والمرور به كما في الطريق الاعوجاجي لا يقطع السفر وإن وجب التمام وقتئذ فانّ مبدأ احتساب المسافة هو الخروج من نفس البلد لا بلوغ حدّ الترخّص فالرجوع إليه لا يمنع عن احتساب ما قبله وانضمامه بما بعده.

وبعد البناء على هذين الأمرين يظهر لك بوضوح وجوب التقصير في المسافة

__________________

(*) في وجوب التمام عليه في فرض كون بعض الدور دون حدّ الترخّص إشكال ، والأحوط الجمع.

٢٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

الدورية حول البلد خارج حدّ الترخّص وإن مرّ بالحد في بعض الدور وأثنائه فإنّه بمثابة الرجوع إليه في الطريق الاعوجاجي ، غير المانع عن الانضمام ، وغير القاطع لحكم السفر وإن وجب التمام في خصوص هذه الحالة بالتعبّد الشرعي الذي مرجعه إلى التخصيص في أدلّة القصر ، فهو مسافر يتم في هذه النقطة فقط ويقصّر في خارج الحد ، من غير فرق بين الخروج الحاصل قبل المرور أو بعده.

نعم ، لو كانت المسافة الدورية حول البلد دون حدّ الترخّص في تمام الدور يتعيّن التمام حينئذ ، لعدم صدق اسم المسافر عليه ، فإنّه بمنزلة السير ثمانية فراسخ في داخل البلد.

فاللّازم هو التفصيل في المسألة بين ما إذا كانت المسافة الدورية بتمامها دون حدّ الترخّص فالمتعيّن حينئذ هو التمام ، وبين ما إذا كان بعضها دون الحد فالأظهر حينئذ هو القصر ، وإن كان الاحتياط هنا ممّا لا ينبغي تركه كما أشار إليه سيِّدنا الأُستاذ (دام ظلّه) في تعليقته الشريفة.

٢٣٢

فصل

في قواطع السفر موضوعاً أو حكماً

وهي أُمور ، أحدها : الوطن ، فانّ المرور عليه قاطع للسفر (١) ، وموجب للتمام ما دام فيه أو فيما دون حدّ الترخّص منه ، ويحتاج في العود إلى القصر بعده إلى قصد مسافة جديدة ولو ملفّقة مع التجاوز عن حدِّ الترخّص ،

______________________________________________________

(١) لا شك أنّ المرور بالوطن قاطع لموضوع السفر ، وموجب لزوال عنوان المسافر ، لما بينه وبين الحاضر من التضاد والمقابلة ، فيجب التمام ما دام فيه ويحتاج العود إلى القصر إلى إنشاء السفر وقصد مسافة جديدة امتدادية أو تلفيقية ، فيقصّر حينئذ بعد خروجه من حدّ الترخّص كما تقدّم.

وهذا الحكم أعني انقطاع موضوع السفر بالمرور على الوطن ممّا لا خلاف فيه ولا إشكال ، ولا ينبغي أن يكون فيه خلاف ، فانّ التقصير مترتّب على عنوان المسافر ، المنتفي بطبيعة الحال بالحضور في الوطن كما مرّ (١).

على أنّه تدلّ عليه عدّة من الروايات المعتبرة المتضمّنة لإناطة التقصير بما إذا لم يدخل المسافر منزله أو بلده أو قريته ونحو ذلك من التعابير ، التي منها صحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «في الرجل يسافر فيمرّ بالمنزل له في الطريق يتم الصلاة أم يقصّر؟ قال : يقصّر ، إنّما هو المنزل الذي

__________________

(١) في ص ٨٩.

٢٣٣

والمراد به المكان الذي اتّخذه مسكناً ومقرّاً له دائماً (*) (١) بلداً كان أو قرية أو غيرهما ، سواء كان مسكناً لأبيه وأُمّه ومسقط رأسه أو غيره ممّا استجدّه ولا يعتبر فيه بعد الاتخاذ المزبور حصول ملك له فيه ، نعم يعتبر فيه الإقامة فيه بمقدار يصدق عليه عرفاً أنّه وطنه. والظاهر أنّ الصِّدق المذكور يختلف بحسب الأشخاص والخصوصيات فربما يصدق بالإقامة فيه بعد القصد المزبور شهراً أو أقل ، فلا يشترط الإقامة ستّة أشهر وإن كان أحوط ، فقبله يجمع بين القصر والتمام إذا لم ينو إقامة عشرة أيام.

______________________________________________________

توطّنه» (١) حيث دلّت بوضوح على لزوم التمام فيما إذا كان المرور بالمنزل الذي توطّنه.

وهذه الرواية رواها في الوسائل عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) كما هي كذلك في التهذيب (٢) أيضاً ، ولكنّها مرويّة في الاستبصار عن حماد بن عثمان عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) (٣) كما نبّه عليه معلِّق الوسائل.

وكيف ما كان ، فهي صحيحة سواء رواها حماد عن أبي عبد الله (عليه السلام) مع الواسطة أم بدونها ، ونحوها غيرها كما لا يخفى على من لاحظها.

(١) لا ريب في أنّ الوطن بما له من المعنى العرفي الذي ينافيه السفر يتحقّق

__________________

(*) لا يعتبر الدوام فيه ، بل يعتبر أن لا يصدق على المقيم فيه عنوان المسافر عرفاً.

(١) الوسائل ٨ : ٤٩٣ / أبواب صلاة المسافر ب ١٤ ح ٨.

(٢) التهذيب ٣ : ٢١٢ / ٥١٧ [والموجود في النسخة التي بين أيدينا : حماد بن عثمان عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام)].

(٣) الاستبصار ١ : ٢٣٠ / ٨١٨.

٢٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بأحد أمرين :

أحدهما : ما كان مقراً له ومسكنه الأصلي ومسقط رأسه باعتبار تبعيّته لأبويه ، فهو محلّه أباً عن جد ، ولا يعد غريباً في هذا المكان بوجه.

ثانيهما : ما كان كذلك بالاتخاذ ، بأن انتقل عن مقره الأصلي واتّخذ مكاناً آخر مقرّاً ومسكناً دائميّاً له فأصبح وطناً له بالاتخاذ ، فانّ معنى وطن أي أقام وسكن ، فهذا أيضاً وطن ، غايته أنّ الأوّل وطن أصلي وهذا وطن اتخاذي.

وهل يعتبر في الوطن الاتخاذي نيّة البقاء إلى الأبد وما دام العمر ، أو يكفي قصد ذلك مدّة طويلة كثلاثين أو عشرين بل عشر سنين مثلاً؟ فيه كلام سنتعرّض له عند تعرّض الماتن له فيما بعد (١) ، وستعرف أنّ الأظهر عدم اعتبار نيّة الدوام وإن نسب ذلك إلى المشهور ، بل يكفي في وجوب التمام البقاء بمقدار لا يصدق عليه عنوان المسافر عرفاً.

وكيف ما كان ، فلا إشكال في أنّه متى صدق عليه أنّ هذا وطنه ومسكنه لحقه حكمه ، سواء أكان ذلك بالأصالة ومستنداً إلى التبعية والوراثة أم كان بالجعل والاتخاذ.

وهل يعتبر الملك في الوطن الاتخاذي بأن تكون له دار يسكن فيها ، أو يكفي مجرّد السكنى سواء أكان بايجار ، أو رعاية ، أو وقف كما في المدارس ، أو كان ضيفاً على أحد ونحو ذلك من أنحاء السكونة؟

الظاهر بل المقطوع به عدم اعتبار الملكية ، لعدم الدليل عليه ، بل الدليل على عدمه ، وهو إطلاق الروايات ، فإنّ العبرة بصدق الوطن ، غير الدائر مدار الملك بالضرورة.

__________________

(١) في ص ٢٥٧.

٢٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، يعتبر ذلك في الوطن الشرعي على القول بثبوته كما ستعرف إن شاء الله تعالى (١) ، وهذا أمر آخر. وأمّا في الوطن العرفي الاتخاذي فلا يعتبر الملك عيناً بل ولا منفعة كما في العارية ونحوها ، وإطلاقات الروايات كافية ووافية.

بل قيل : إنّ أكثر المواطنين في الوطن الاتخاذي ليس لهم ملك بحسب الغالب ولعلّه كذلك. والالتزام بوجوب القصر عليهم ما دام العمر فيما إذا لم يقصدوا إقامة عشرة أيام كما لو خرج في كلّ تسعة أيام يوماً للزيارة مثلاً كما ترى ، بل هو غريب لا يمكن المصير إليه.

وعلى الجملة : فكما لا يعتبر الملك في الوطن الأصلي جزماً لا يعتبر في الوطن الاتخاذي أيضاً بمناط واحد.

وهل يفتقر الحكم بالتمام في الوطن الاتخاذي إلى البقاء مدّة حتّى يصدق أنّه مستوطن فيه واتخذه مسكناً له ، أو أنّه يكتفى بمجرّد النيّة فيتم من أوّل دخوله البلد إذا كان ذلك بقصد السكونة والاستيطان؟

الظاهر هو الأوّل ، فيعتبر البقاء خارجاً بمقدار يصدق معه أنّه متوطّن فيه بحيث لو سئل عن سبب مجيئه هذا البلد لأجاب بأنّه استوطنه واتخذه مسكناً له ، بخلاف المقتصر على مجرّد النيّة من دون مضي المدّة المزبورة فإنّه يجيب بأنّه بانٍ وعازم على الاستيطان.

والوجه فيه : أنّ الاستيطان ليس اسماً لنفس النيّة فقط ، بل للعمل الخارجي الناشئ عن القصد والنيّة ، فلا جرم يفتقر إلى الإقامة الخارجية تحقيقاً للصدق المزبور.

نعم ، يختلف حدّها من حيث القصر والطّول باختلاف الأشخاص والخصوصيات كما نبّه عليه في المتن. فربّما يكتفى بإقامة يوم واحد كما لو اشترى

__________________

(١) في ص ٢٤٢ وما بعدها.

٢٣٦

[٢٣٠٢] مسألة ١ : إذا أعرض عن وطنه الأصلي أو المستجد وتوطّن في غيره (١) ، فان لم يكن له فيه ملك أصلاً أو كان ولم يكن قابلاً للسكنى كما

______________________________________________________

في ذلك اليوم داراً أو دكاناً ونقل أثاثه أو كتبه واشتغل بالدرس أو التدريس أو التجارة ونحو ذلك ممّا هو من لوازم البقاء وشؤون الاستيطان ، وربما يحتاج إلى إقامة شهر أو أقل أو أكثر حسب اختلاف الأشخاص ومراعاة المناسبات والخصوصيات.

وعلى الجملة : لا ينبغي التأمل في أنّ مجرّد النيّة العارية عن الإقامة أو عن ترتيب أي أثر خارجي غير كافية في صدق الوطن الاتخاذي ، فإنّها عزم وبناء على الاستيطان لا نفسه ، وأمّا حدّ الإقامة ومقدارها فيختلف باختلاف الأشخاص حسبما عرفت ، ولا يشترط كونها ستّة أشهر كما أشار إليه في المتن وإنّما يعتبر ذلك في الوطن الشرعي على تقدير ثبوته.

ثمّ إنّ في هذين الوطنين الأصلي والاتخاذي اللّذين يجمعهما عنوان الوطن العرفي إنّما يثبت الحكم ما دام لم يعرض عنهما ، فلو تحقّق الإعراض وزال العنوان صار كأحد البلدان ، لدوران الحكم مدار بقاء الموضوع ، سواء اتخذ مكاناً آخر واستوطن محلا غيره أم لا. فلو اتّفق المرور عليه أثناء السير لا يصدق المرور على الوطن إلّا بضرب من العناية باستعمال المشتق فيما انقضى ، أي ما كان وطناً سابقاً ، دون الوطن الفعلي الذي هو الظاهر من تعليق التمام على المرور عليه في الروايات.

نعم ، هناك قسم ثالث من الوطن يُسمّى بالوطن الشرعي ، لا يضرّه الإعراض بل يتم كلّما دخله ، سنتكلم فيه في المسألة الآتية إن شاء الله تعالى.

(١) قد عرفت أنّ الوطن القاطع للسفر بالمرور عليه قد يكون أصليّاً لكونه

٢٣٧

إذا كان له فيه نخلة أو نحوها ، أو كان قابلاً له ولكن لم يسكن فيه ستّة أشهر بقصد التوطّن الأبدي يزول عنه حكم الوطنية ، فلا يوجب المرور عليه قطع حكم السفر ، وأمّا إذا كان له فيه ملك قد سكن فيه بعد اتخاذه وطناً له دائماً ستّة أشهر ، فالمشهور على أنّه بحكم الوطن العرفي وإن أعرض عنه (*) إلى غيره ، ويسمّونه بالوطن الشرعي ، ويوجبون عليه التمام إذا مرّ عليه ما دام بقاء ملكه فيه. لكن الأقوى عدم جريان حكم الوطن عليه بعد الإعراض ، فالوطن الشرعي غير ثابت ، وإن كان الأحوط الجمع بين إجراء حكم الوطن وغيره عليه ، فيجمع فيه بين القصر والتمام إذا مرّ عليه ولم ينو إقامة عشرة أيّام ، بل الأحوط الجمع إذا كان له نخلة أو نحوها ممّا هو غير قابل للسكنى وبقي فيه بقصد التوطّن ستّة أشهر ، بل وكذا إذا لم يكن سكناه بقصد التوطّن بل بقصد التجارة مثلا.

______________________________________________________

مسقط رأسه ومسكن أبيه وأُمّه ، وأُخرى اتخاذياً أعني ما استجدّه واستوطنه وسكن فيه بقصد الإقامة الدائمية.

وعرفت أنّه لا يعتبر في هذين أن يكون له ملك فيه فضلاً عن أن يكون قابلاً للسكنى ، بل لعلّ الغالب سيما في الاتخاذي العدم كما تقدّم ، كما لا تعتبر الإقامة ستّة أشهر ، بل المدار على السكونة فيه على أنّه وطنه ومقرّه ومحلّ إقامته على سبيل الدوام والاستمرار.

__________________

(*) ما ذكره المشهور من ثبوت الوطن الشرعي هو الصحيح ، وإنّما يتحقّق بوجود منزل مملوك له في محلّ قد سكنه ستّة أشهر متصلة عن قصد ونيّة ، فإذا تحقّق ذلك أتمّ المسافر صلاته كلّما دخله إلّا أن يزول ملكه.

٢٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وعرفت أيضاً زوال حكم الوطنية بالانصراف والإعراض عن ذلك المحل الأصلي أو الاتخاذي ، سواء اتّخذ وطناً آخر غيره أم لم يتخذ بعدُ ، لانتفاء الحكم بانتفاء موضوعه فينقطع عنه الحكم ، ولا يكون المرور عليه بعد ذلك قاطعاً للسفر.

وهل هناك قسم آخر من الوطن كلّما دخل فيه المسافر أتم ، ولا ينافيه الإعراض ، أو أنّه منحصر في الأولين ولا ثالث؟

نسب إلى المشهور أنّ هناك قسماً ثالثاً أسموه بالوطن الشرعي ، وهو ما إذا كان له في بلد أو قرية ملك قد سكن فيه بعد أن اتخذه وطناً له دائماً ستّة أشهر ، ففي مثله يتم كلّما دخل فيه وإن أعرض عنه إلى أن يزول ملكه. هكذا نسب إلى المشهور ، صحّت النسبة أم لم تصح.

ولا بدّ لنا من مراجعة الأخبار والنظر في الروايات الواردة في المقام لنرى مدى دلالتها وما هو المستفاد منها ، فنقول ومنه الاستعانة :

الروايات الواردة في المقام كثيرة ومختلفة غاية الاختلاف ، فقد تضمّنت جملة منها وفيها الصحاح أنّ من كانت له ضيعة أو قرية يتم الصلاة متى دخلها وإن لم يستوطنها ، فجعل فيها مجرّد الملك مناطاً للإتمام.

وهذه الروايات على كثرتها إن كانت قابلة للتقييد بما دلّ على اعتبار الاستيطان بإقامة ستّة أشهر فهو ، وإلّا كما هو كذلك في بعضها فهي معارضة بطائفة أُخرى دلّت على لزوم التقصير في موردها كما ستعرف ، فلا بدّ من حملها على التقيّة ، لموافقتها مع العامّة (١) كما قيل ، أو طرحها لمخالفتها مع إطلاقات التقصير التي هي روايات متواترة وسالمة عمّا يصلح للتخصيص بعد ابتلاء المخصّص بالمعارض ، فيكون المرجع تلك الإطلاقات ، وتكون هذه الروايات

__________________

(١) المغني ٢ : ١٣٥ ، حلية العلماء ٢ : ٢٣٤ ، فتح العزيز ٤ : ٤٤٤.

٢٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ساقطة إمّا للتقيّة أو لمخالفتها للسنة القطعية. وإليك بعض هذه الروايات :

فمنها : صحيحة إسماعيل بن الفضل قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يسافر من أرض إلى أرض ، وإنّما ينزل قراه وضيعته ، قال : إذا نزلت قراك وأرضك فأتمّ الصلاة ، وإذا كنت في غير أرضك فقصّر» (١). دلّت على أنّ مجرّد كون الأرض قريته وضيعته كافٍ في وجوب التمام ، ومنها : صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : الرجل له الضياع بعضها قريب من بعض فيخرج فيطوف فيها أيتم أم يقصّر؟ قال : يتم» (٢).

رواها المشايخ الثلاثة (٣) غير أنّ نسخة الكافي تفترق عن الفقيه والتهذيب في أنّ المذكور فيها بدل «فيطوف» «فيقيم» وحينئذ لا بدّ وأن يكون المراد الإقامة في مجموع تلك الضياع ، بأن يقيم ليلة هنا وليلة هناك مثلاً ، لا الإقامة عشرة أيام في ضيعة واحدة ، لوضوح وجوب التمام حينئذ من غير فرق بين الضيعة وغيرها. فالسؤال غير ناظر إلى ذلك قطعاً ، لعدم خفائه على أحد سيما بعد كون السائل مثل ابن الحجاج الذي هو من الأعاظم. وعليه فقد دلّت على أنّ مجرّد ملك الضيعة كافٍ في وجوب التمام وإن لم يقم فيها ستّة أشهر بمقتضى الإطلاق.

ومنها : صحيحة عمران بن محمد قال «قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام) : جعلت فداك إنّ لي ضيعة على خمسة عشر ميلاً خمسة فراسخ ، فربّما خرجت إليها فأُقيم فيها ثلاثة أيام أو خمسة أيام أو سبعة أيام فأتمّ الصلاة أو أُقصّر؟ فقال : قصّر في الطريق وأتم في الضيعة» (٤).

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٤٩٢ / أبواب صلاة المسافر ب ١٤ ح ٢.

(٢) الوسائل ٨ : ٤٩٥ / أبواب صلاة المسافر ب ١٤ ح ١٢.

(٣) الكافي ٣ : ٤٣٨ / ٦ ، الفقيه ١ : ٢٨٢ / ١٢٨١ ، التهذيب ٣ : ٢١٣ / ٥٢٢.

(٤) الوسائل ٨ : ٤٩٦ / أبواب صلاة المسافر ب ١٤ ح ١٤.

٢٤٠