موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

وبين استمراره ثلاثة أيام وعدمه (١) على الأصح.

______________________________________________________

فراسخ ولو ملفّقة ، فيجب التقصير حينئذ.

ففي الحقيقة هاتان الروايتان تعدّان من الروايات المطلقة الدالّة على التقصير في سفر الصيد مطلقاً ، في قبال ما دلّ على التمام في هذا السفر مطلقاً (١) ، فتتعارض الطائفتان على نحو التباين.

ولكن الطائفة الثالثة المفصّلة بين الصيد للقوت فيقصّر وبين الصيد لهواً فيتم (٢) تكون شاهدة جمع بين الطائفتين ، وتوجب انقلاب النسبة من التباين إلى العموم المطلق ، فتحمل أخبار التمام على صيد اللهو ، وأخبار القصر على القوت أو التجارة.

وبالجملة : لا دلالة للصحيحتين على التفصيل المزبور بوجه كما لا يخفى.

ثمّ لا يخفى أنّ المراد من تجاوز الوقت ما لو كان ذلك منوياً من لدن خروجه للصيد ، لا ما لو بلغ به السير كذلك صدفة ، للزوم المحافظة على سائر شروط القصر ، إذ لا يحتمل أن يكون حال الصائد أوسع من غيره ، إذ هو في معرض التضييق لا التوسعة كما هو ظاهر.

(١) لإطلاق الأدلّة ، نعم ورد التفصيل بينهما في خبر أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «ليس على صاحب الصيد تقصير ثلاثة أيام ، وإذا جاوز الثلاثة لزمه» (٣). ولكنّها من جهة الإرسال ولا سيما مع عدم الانجبار غير صالحة للاستدلال ، فلا يمكن رفع اليد بها عن المطلقات.

__________________

(١) ومنها صحيحتا عمار بن مروان وحماد المتقدمتان في ص ٩٥ ، ١٠٩.

(٢) والتي تقدّم بعضها في ص ١١٣.

(٣) الوسائل ٨ : ٤٧٩ / أبواب صلاة المسافر ب ٩ ح ٣.

١٢١

[٢٢٦٣] مسألة ٣٢ : الراجع من سفر المعصية إن كان بعد التوبة يقصّر (١) وإن كان مع عدم التوبة فلا يبعد وجوب التمام عليه (*) لكون العود جزءاً من سفر المعصية ، لكن الأحوط الجمع حينئذ.

______________________________________________________

والمظنون أنّ الواسطة هو علي بن أبي حمزة البطائني قائد أبي بصير ، لأنّ الصدوق يرويها بإسناده عن أبي بصير (١) ، والراوي عنه هو علي بن أبي حمزة (٢) وهو ضعيف.

وكيف ما كان ، فالاعتبار في سفر الصيد من حيث القصر والتمام بكونه مسير حقّ وعدمه ، فيقصّر في الأوّل كما في القوت والتجارة ، ويتمّ في الثاني كما في اللهو ، بلا فرق بين الثلاثة وغيرها بمقتضى إطلاق النصوص حسبما عرفت.

(١) قد يفرض انقطاع الرجوع عن الذهاب بالإقامة عشراً أو المرور على الوطن ، ولا ريب في كونه حينئذ سفراً جديداً لا يرتبط بالذهاب أبداً ، ولا بدّ معه من التقصير لو كان مسافة ، وهذا ظاهر.

وأُخرى : لا ينقطع ولا ينفصل عنه ، ولكنّه يتوب في رجوعه عمّا ارتكبه من المعصية ، ولا ريب في التقصير أيضاً ، لأنّه سفر سائغ مباح.

وثالثة : لا ينقطع ولا يتوب ، فهل يلحق الرجوع حينئذ بالذهاب في لزوم التمام نظراً إلى أنّه جزء من سفر المعصية كما في المتن ، فيلحقه حكمه بعد وحدة الموضوع عرفاً ، أو أنّه يقصّر ، أو يحتاط بالجمع؟ وجوه.

أحسنها أوسطها ، بل لا ينبغي التأمّل فيه ، لخروج العود عن سفر المعصية

__________________

(*) بل هو بعيد.

(١) الفقيه ١ : ٢٨٨ / ١٣١٣.

(٢) الفقيه ٤ (المشيخة) : ١٨.

١٢٢

[٢٢٦٤] مسألة ٣٣ : إباحة السفر كما أنّها شرط في الابتداء شرط في الاستدامة أيضاً (١) ، فلو كان ابتداء سفره مباحاً فقصد المعصية في الأثناء انقطع ترخّصه ووجب عليه الإتمام وإن كان قد قطع مسافات ،

______________________________________________________

موضوعاً ، فانّ التمام قد أُنيط في لسان الروايات بسفر يكون معصية بنفسه أو بغايته ، بحيث إنّ مسيره لم يكن مسير حقّ ، وشي‌ء من ذلك لا ينطبق على الرجوع ، إذ ليس هو بذاته معصية كما هو واضح ، ولا بغايته ، فانّ مقصده العود إلى البلد والأهل.

بل ربما تكون الغاية راجحة أو واجبة كتحصيل القوت والإنفاق على الأهل والعيال. فلا يصدق على الرجوع أنّه مسير ليس بحقّ إلّا أن يقصد به معصية أُخرى ، فيكون فرداً آخر لسفر المعصية محرّماً بنفسه أو بغايته.

وعلى الجملة : وحدة السفر خارجاً وكون الإياب جزءاً من الذهاب عرفاً لو سلّمناها لا دخل لها في صدق سفر المعصية والاتصاف بهذا العنوان الذي هو المناط في تعلّق الحكم بالتمام في لسان الروايات.

فانّ السفر الواحد يمكن أن يتبعّض حكماً لزوال العنوان واختلاف الموضوع حسبما عرفت ، فلا يصدق على الرجوع عن الصيد مثلاً أنّه طالب للصيد ، ولا أنّ مسيره ليس بحقّ إلّا أن يقصد به المعصية مستقلا ، فيكون حكمه حينئذ حكم الذهاب ، لكن لا من حيث إنّه رجوع عن سفر المعصية ، بل لأجل أنّه بنفسه سفر المعصية فلاحظ ، نعم الاحتياط بالجمع استحباباً لا بأس به ، أمّا الوجوب فلا وجه له أبداً.

(١) لوحدة المناط في الموردين بمقتضى إطلاق الأدلّة ، فتنقطع الرخصة لو عدل إلى المعصية بقاءً ، لعدم كون مسيره وقتئذ مسير حقّ ، بل يصدق عليه أنّ

١٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

سفره إلى صيد ، أو في معصية الله ، أو سعاية ، أو ضرر على قوم من المسلمين ونحو ذلك ممّا هو مذكور في صحيحة عمار بن مروان المتقدّمة (١). وهذا ممّا لا ريب فيه ولا إشكال.

إنّما الكلام فيما لو قطع المسافة الشرعية خارجاً بنيّة سائغة كما لو سافر إلى كربلاء سفراً مباحاً فوجب عليه القصر ، ثمّ سافر منها إلى بغداد بقصد المعصية من غير أن ينقطع السفر الثاني عن الأوّل بإقامة العشرة أو المرور على الوطن وإلّا فمع الانقطاع لا ريب في وجوب التمام في السفر الثاني ، فهل يحكم حينئذ بالقصر كما كان أوّلاً ، أو بالتمام لأنّه سفر المعصية؟

الذي يظهر من الجواهر هو عدم الخلاف في الثاني ، وأنّه يتم ، لكونه من سفر المعصية (٢) كما عرفت.

ولكن استشكل فيه شيخنا الأنصاري (قدس سره) (٣) واحتمل أن يكون الحكم هو القصر ، نظراً إلى أنّ سفر المعصية بالإضافة إلى التقصير من قبيل عدم المقتضي لا المقتضي للعدم ، فغايته أنّه لا يقتضي القصر ، لا أنّه يقتضي التمام كما يقتضيه الحضور في الوطن كي يكون مزيلاً للقصر الثابت سابقاً بسبب آخر ، فاذا لم يكن له إلّا عدم الاقتضاء فلا يعارض ما كان مقتضياً للقصر ولا يزاحمه بوجه.

وعلى الجملة : متى تحقّق السفر بنيّة سائغة وقطعت المسافة فقد حكم بالقصر وهو باق ما لم ينقطع بقاطع مقتض للتمام ، وليس منه سفر المعصية ، فإنّه لا يقتضيه ، كما لا يقتضي القصر أيضاً كما عرفت ، بل التمام هو مقتضى الوضع

__________________

(١) في ص ٩٥.

(٢) الجواهر ١٤ : ٢٦٠.

(٣) [لم نعثر عليه].

١٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الأوّل ، وقد خرج عنه السفر حيث ثبت القصر ، ولم ينقطع. فالواجب هو التقصير لعدم حدوث الموجب للتمام.

وهذا التقريب وإن كان له وجه في بادي الرأي ، إلّا أنّ دقيق النظر يقضي بخلافه ، لما هو المقرر في محلّه (١) من أنّ الحكم المتعلّق بعنوان تابع لفعلية ذلك العنوان حدوثاً وبقاءً كما هو الشأن في جميع القضايا الحقيقية إلّا إذا قام الدليل بالخصوص على كفاية مجرّد الحدوث في بقاء الحكم كما في الوطن الشرعي على القول به ، حيث دلّ الدليل على أنّ من سكن في مكان له فيه ملك ستّة أشهر أتمّ صلاته مهما دخله وإن أعرض عنه ، وكما في المحدود حيث لا يصلح لإمامة الجماعة ولو صار ورعاً تقياً ، فثبوت الحد آناً ما يوجب سلب هذا المنصب عنه مؤبّداً.

وحيث إنّ المفروض في المقام أنّ مطلق السفر لم يكن موضوعاً للقصر ، بل حصّة خاصّة منه ، وهو المعنون بعدم كونه سفر المعصية بمقتضى النصوص المتقدّمة (٢) ، فلا بدّ وأن يكون الموضوع باقياً بقيوده ليحكم عليه بالقصر ، فلو تبدّل بعضها ولو بقاءً تغيّر الحكم حتماً.

وبما أنّ السفر المباح الموجب للقصر لم يبق في المقام محتفظاً بقيوده ، بل تبدّل إلى سفر المعصية فلا جرم ينقلب حكمه إلى التمام ، لا لأجل أنّ سفر المعصية يقتضيه ليدّعى أنّه لا اقتضاء فيه ، بل لأجل زوال مقتضى القصر بقاءً بارتفاع موضوعه الموجب للعود إلى التمام ، الذي هو مقتضى الوضع الأوّل كما مرّ.

ونظير المقام ما لو قطع المسافة ثمّ اتّصف بكونه مكارياً ونحوه ممّن شغله السفر ، أو بدا له في طلب الصيد لهواً ، فإنّه يحكم عليه بقاءً بوجوب التمام بلا

__________________

(١) [أُشير إلى ذلك في موارد منها ما في مصباح الأُصول ٢ : ٤٦ وما بعدها].

(٢) في ص ٩٥ وما بعدها.

١٢٥

ولو لم يقطع بقدر المسافة صحّ ما صلاه قصراً (١) فهو كما لو عدل عن السفر وقد صلّى قبل عدوله قصراً حيث ذكرنا سابقاً أنّه لا يجب إعادتها (*) ، وأمّا

______________________________________________________

كلام ، لانتفاء الموضوع الأوّل وانقلابه بموضوع آخر.

فما ذكره الشيخ الأنصاري (قدس سره) لا يتم ، ولا يمكن المساعدة عليه بوجه ، بل الصحيح ما ذكره المشهور من الانقلاب من القصر إلى التمام حسبما عرفت.

بقي شي‌ء : وهو أنّه لو عدل عن قصده السائغ إلى الحرام فهل ينقلب الحكم إلى التمام بمجرّد العدول المزبور ، أو لا بدّ معه من الحركة والسفر خارجاً؟

الظاهر هو الثاني ، إذ المستفاد من النصوص أنّ المحكوم بالتمام الذي يرتفع معه موضوع القصر هو من يكون سفره معصية أو غاية لمعصية ، لا مجرّد قصد المعصية ونيتها ولو لم يتلبّس بالسفر خارجاً ، والمفروض أنّ هذا المسافر بعدُ لم يسافر للمعصية ، بل هو قاصد لارتكاب المعصية ، وعليه فما دام في محلّه يجب عليه التقصير ، فاذا شرع في السفر أتمّ ، فلاحظ.

(١) كما لو عدل بعد ما جاوز حدّ الترخّص وصلّى قصراً عن نيّة السفر المباح إلى الحرام ، وقد ألحقه (قدس سره) بما لو عدل عن أصل السفر وقد صلّى قبل العدول قصراً ، حيث سبق منه (قدس سره) (١) أنّه لا تجب إعادتها.

ولكنّ الظاهر وجوب الإعادة في الموردين معاً ، فلا يتمّ الحكم لا في المقيس ولا في المقيس عليه كما مرّت الإشارة إليه (٢).

__________________

(*) وقد تقدّم الإشكال فيه.

(١) في المسألة [٢٢٥٥].

(٢) في ص ٨٤ وما بعدها.

١٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فانّ الحكم بالصحّة إن كان مستنداً إلى دعوى كفاية مجرّد القصد في تحقّق القصر من غير حاجة إلى واقع المسافة كما هو الحال في الإقامة ، حيث إنّ الموجب للانقلاب من القصر إلى التمام مجرّد قصدها حتّى واقعاً ، ولا حاجة إلى إقامة عشرة أيام خارجاً ، بحيث لو بدا له فعدل أو مات فلم يقم عشرة صحّ ما أتى به حتّى في الواقع ونفس الأمر.

ففيه : أنّ هذا خلاف ظواهر نصوص المسافة جزماً ، فإنّها برمّتها تدلّ على التحديد بنفس المسافة ، وأنّه لا يقصّر إلّا في بريدين أو بريد ذاهباً وبريد جائياً (١) ، فالموضوع هو نفس البريدين لا قصدهما ، فلا يقاس المقام بقصد الإقامة الذي قام النصّ الخاصّ بكفاية مجرّد القصد في ذلك الباب.

نعم ، استفدنا من قوله (عليه السلام) في موثقة عمّار المتقدّمة : «لا يكون مسافراً حتّى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ» (٢) لزوم القصد أيضاً من الأوّل ، فكان كلّ من القصد وثمانية فراسخ جزء الموضوع وكلاهما تمام الموضوع وأمّا الاكتفاء بالقصد المجرّد من غير ضمّ المسافة كما كان كذلك في باب الإقامة فتأباه نصوص المقام جدّاً كما عرفت.

وإن كان مستنداً إلى صحيحة زرارة المتضمّنة لعدم الإعادة في من صلّى قصراً قبل العدول ، التي تقدّمت سابقاً (٣).

ففيه : مضافاً إلى معارضتها بصحيحة أبي ولاد فلا يتم الحكم في المقيس عليه كما تقدّم في محلّه (٤) ، أنّه لو سلّم فالحكم مخصوص بمورده ، وهو العدول عن أصل السفر ، فلا وجه للتعدِّي عنه إلى المقام أعني العدول عن المباح إلى

__________________

(١) وقد تقدّم بعضها في ص ٤ ٥.

(٢) الوسائل ٨ : ٤٦٩ / أبواب صلاة المسافر ب ٤ ح ٣.

(٣) في ص ٥١.

(٤) في ص ٥١.

١٢٧

لو كان ابتداء سفره معصية فعدل في الأثناء إلى الطاعة (١) فإن كان الباقي مسافة فلا إشكال في القصر وإن كانت ملفّقة من الذهاب والإياب ، بل وإن لم يكن الذهاب أربعة على الأقوى (*) وأمّا إذا لم يكن مسافة ولو ملفّقة فالأحوط الجمع بين القصر والتمام ، وإن كان الأقوى القصر (**) بعد كون مجموع ما نواه بقدر المسافة ولو ملفّقة فإنّ المدار على حال العصيان والطاعة ، فما دام عاصياً يتم ، وما دام مُطيعاً يقصّر ، من غير نظر إلى كون البقيّة مسافة أو لا.

______________________________________________________

الحرام ، فإنّه يحتاج إلى القطع بعدم الفرق ، وعهدته على مدّعيه. فالأظهر في الموردين لزوم الإعادة تماماً.

(١) لا إشكال في لزوم التقصير حينئذ فيما إذا كان الباقي مسافة ولو ملفّقة لأنّه بحياله موضوع مستقلّ للقصر ، نعم يعتبر في التلفيق أن لا يكون الذهاب أقل من أربعة على خلاف خيرة الماتن من الاكتفاء به مطلقاً كما تقدّم في محلّه (١).

وأمّا إذا لم يكن بنفسه مسافة ولو ملفّقة بعد أن كان مجموع ما نواه بقدر المسافة كما هو المفروض ، فقد ذكر في المتن أنّ الأقوى حينئذ هو القصر أيضاً.

وكأنّه مبني على أنّ التقييد بالإباحة المستفاد من نصوص الباب (٢) راجع إلى إطلاق الحكم بالترخّص واختصاصه بغير سفر المعصية مع بقاء الموضوع

__________________

(*) تقدم أنّ الأقوى خلافه.

(**) بل الأقوى التمام.

(١) في ص ٧.

(٢) الوسائل ٨ : ٤٧٦ / أبواب صلاة المسافر ب ٨ ، ٩.

١٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

بحاله ، فهو مسافر يجب عليه التمام حال العصيان ، كما يجب القصر حال الطاعة وليس قصد المعصية كالمرور على الوطن أو كقصد الإقامة قاطعاً للموضوع وروداً أو حكومة ، بل هو كقصد الإطاعة من حالات المسافر وعوارضه ، فما دام عاصياً يتم ، وما دام مطيعاً يقصّر ، فلأجله لا ينظر إلى كمّية الباقي بعد فرض تحقّق الموضوع وكون المجموع مسافة في كلتا الحالتين.

ولكنّه كما ترى ، لما هو المقرّر في الأُصول (١) من أنّ تخصيص العام يرجع لدى التحليل إلى تقييد الموضوع ، نظراً إلى استحالة الإهمال في الواقعيات ، فامّا أن يكون الموضوع الذي ثبت له الحكم مطلقاً أو مقيّداً ، وحيث لا سبيل إلى الأوّل لعدم اجتماعه مع التخصيص ، فلا جرم يتعيّن الثاني. وهذا من غير فرق فيه بين المخصّصات المتصلة أو المنفصلة ، وإن كان الأوّل أوضح حالاً كما لا يخفى.

والمخصّص في المقام مضافاً إلى وروده في أدلّة منفصلة قد ورد متّصلاً بالعام أيضاً ، وهو قوله (عليه السلام) في صحيحة عمّار بن مروان المتقدّمة : «من سافر قصّر وأفطر إلّا أن يكون رجلاً سفره إلى صيد أو في معصية الله ...» إلخ (٢).

والمتحصّل بعد ملاحظة التخصيص : أنّ الموضوع للحكم بالتقصير هو حصّة خاصّة من المسافر ، وهو المسافر في غير معصية الله ، دون الطبيعي على سعته وإطلاقه ، فلا بدّ من ملاحظة المسافة في خصوص هذا الموضوع دون غيره ولأجله [لا] ينضمّ الباقي بما سبقه ممّا صرفه في معصية الله ، لخروجه عن موضوع الحكم ، هذا.

ولو تنازلنا عمّا ذكر والتزمنا بما ادّعاه بعض الأكابر من عدم استلزام التخصيص تقيّد الموضوع وتعنونه وجواز مراعاته مهملاً ، فتكفينا في المقام

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ٢٠٩ ، ٢١٧.

(٢) الوسائل ٨ : ٤٧٦ / أبواب صلاة المسافر ب ٨ ح ٣ ، وقد تقدمت في ص ٩٥.

١٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

القاعدة الكلّية التي أسلفناك غير مرّة (١) وتمسّكنا بها في غير مورد ، واستفدناها من غير واحد من النصوص من أنّ كلّ من كان محكوماً بالتمام لا تنقلب وظيفته إلى القصر إلّا إذا قصد المسافة الشرعية ولو ملفّقة ، المفقود فيما نحن فيه ، لفرض عدم قصدها بعد العود إلى الطاعة والحكم عليه بالتمام.

والظاهر أنّ المسألة متسالم عليها بين الفقهاء ، والقول بالقصر وضمّ الباقي بما سبق ممّا تفرّد به الماتن (قدس سره).

بقي شي‌ء : وهو أنّه لو كان ابتداء سفره مباحاً ثمّ عدل في الأثناء إلى المعصية فانقلب الحكم إلى التمام حسبما عرفت انقلاباً واقعياً أو ظاهرياً ، وأخيراً عاد إلى الطاعة ولم يكن الباقي مسافة ، فهل ينضمّ إلى الماضي أعني المسافة الأُولى ويستثنى المتخلّل ، فيحكم بالقصر إذا كان المجموع مسافة؟.

ذهب بعضهم إلى الانضمام ، والمشهور عدمه ، وهو الأظهر لوجهين :

الأوّل : ما ورد في موثّقة عمار من قوله (عليه السلام) : «لا يكون مسافراً حتّى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ» (٢) الظاهر في لزوم كون الثمانية مقصودة من لدن خروجه من المنزل ، ولأجله اعتبرنا الاتصال والاستمرار كما تقدّم (٣) ، وهو مفقود فيما نحن فيه.

الثاني : الكبرى الكلّية المشار إليها آنفاً من أنّ كلّ من حكم عليه بالتمام كما في المقام لا بدّ في قلبه إلى القصر من قصد مسافة جديدة ، فما لم يقصدها يبقى على التمام ، ولأجله لا ينضم الباقي بما سبق.

__________________

(١) منها ما تقدّم في ص ٨٢.

(٢) الوسائل ٨ : ٤٦٩ / أبواب صلاة المسافر ب ٤ ح ٣.

(٣) في ص ٧٠.

١٣٠

[٢٢٦٥] مسألة ٣٤ : لو كانت غاية السفر ملفّقة من الطّاعة والمعصية (١) فمع استقلال داعي المعصية لا إشكال في وجوب التمام ، سواء كان داعي الطاعة أيضاً مستقلا أو تبعاً ، وأمّا إذا كان داعي الطاعة مستقلا وداعي المعصية تبعاً ، أو كان بالاشتراك ففي المسألة وجوه (*) ، والأحوط الجمع ، وإن كان لا يبعد وجوب التمام خصوصاً في صورة الاشتراك بحيث لولا اجتماعهما لا يسافر.

______________________________________________________

(١) لا كلام في وجوب التمام مع استقلال داعي العصيان ، سواء أكان داعي الطاعة أيضاً مستقلا أم أنّه كان تبعاً ، ضرورة صدق سفر المعصية على التقديرين وهذا واضح.

وأمّا لو انعكس الأمر فكان قصد المعصية تبعاً ، بحيث لم يكن له أثر في توليد الداعي إلى السفر في نفس المسافر ، وإنّما يقع في سفره من باب الصدفة والاتفاق كالكذب والسبّ والغيبة والنميمة وشرب الخمر ونحوها ممّا يقع في الطريق أو المقصد ، وكان موجباً لتأكّد الداعي وتقويته لا في أصل تحقّقه.

أو كان لكلّ من القصدين دخل في تحقّق الداعي في نفس المسافر على سبيل الاشتراك ، بحيث لم يكن كلّ منهما داعياً مستقلا لو كان منعزلاً عن الآخر ، فهل يقصّر في هاتين الصورتين ، أو يتمّ ، أو يفصّل بينهما؟

الظاهر هو التفصيل ، فيقصّر في الصورة الأُولى ، لعدم صدق سفر المعصية لا بنفسه ولا بغايته على ما يصدر من العاصي في الأسفار من باب التصادف

__________________

(*) أظهرها التفصيل بين التبعيّة والاشتراك ، فيقصّر في الأوّل دون الثاني ، لأنّه ليس بمسير حق.

١٣١

[٢٢٦٦] مسألة ٣٥ : إذا شكّ في كون السّفر معصية أو لا (١) مع كون الشبهة موضوعية فالأصل الإباحة إلّا إذا كانت الحالة السابقة هي الحرمة

______________________________________________________

والاتفاق ممّا لا يكون مقصوداً إلّا تبعاً.

وعلى تقدير الشكّ فبما أنّ المخصّص منفصل وإن كان المتصل أيضاً موجوداً كما في صحيحة عمار بن مروان (١) فيقتصر فيه على المقدار المتيقّن ، وهو ما لا يكون داعي العصيان تابعا.

وأمّا في الصورة الثانية فالواجب هو التمام ، نظراً إلى أنّ الغاية وإن لم يصدق عليها أنّها محرّمة بقول مطلق ، لفرض تركّبها من الطاعة والمعصية على سبيل الاشتراك ، ولأجل ذلك لو كنّا نحن وصحيحة عمار لأمكن أن يقال بقصورها عن شمول الفرض ، إذ لا يصدق عليه ما ورد فيها من قوله (عليه السلام) : «... أو في معصية الله» فيرجع إلى عمومات القصر ، للشكّ في التخصيص الزائد ، إلّا أنّ موثّقة عبيد بن زرارة (٢) كافية في الدلالة على لزوم التمام في المقام ، لإناطته فيها بصدق أنّه ليس بمسير حقّ ، الصادق فيما نحن فيه جزماً.

وعلى الجملة : الغاية المشتركة وإن لم تكن محرّمة إلّا أنّها ليست بمحلّلة أيضاً ولا مصداقاً للمسير الحقّ ، فلا مناص من الحكم بالتمام.

(١) أمّا إذا كانت الشبهة حكمية فاللّازم هو الفحص والنظر في الأدلّة إن كان مجتهداً ، والرجوع إليه إن كان مقلّداً ، فيجب فيها التقليد أو الاجتهاد أو الاحتياط حسبما تقتضيه الوظيفة.

__________________

(١) كما تقدّم في ص ١٢٩.

(٢) المتقدّمة في ص ١١٧.

١٣٢

أو كان هناك أصل موضوعي كما إذا كانت الحلّية مشروطة بأمر وجودي كإذن المولى وكان مسبوقاً بالعدم ، أو كان الشكّ في الإباحة والعدم من جهة الشكّ في حرمة الغاية وعدمها وكان الأصل فيها الحرمة.

[٢٢٦٧] مسألة ٣٦ : هل المدار في الحلّية والحرمة على الواقع أو الاعتقاد أو الظاهر من جهة الأُصول؟ إشكال (١) ، فلو اعتقد كون السفر حراماً بتخيّل أنّ الغاية محرّمة فبان خلافه ، كما إذا سافر لقتل شخص بتخيّل أنّه محقون الدم فبان كونه مهدور الدم ، فهل يجب عليه إعادة ما صلاه تماماً أو لا؟

______________________________________________________

وأمّا إذا كانت موضوعية فالمرجع أصالة الحلّ ، من غير خلاف فيه حتّى من الأخباريين القائلين بوجوب الاحتياط في الشبهات الحكمية التحريمية ، إلّا إذا كان هناك أصل موضوعي حاكم على أصالة الإباحة ، كأصالة عدم الإذن ممّن يعتبر إذنه كالمولى أو الزوج أو المالك ونحو ذلك بعد أن كان مسبوقاً بالعدم ، أو كانت الحالة السابقة هي الحرمة فيكون استصحابها حاكماً على أصالة الإباحة.

وعلى الجملة : مقتضى القاعدة الأوّلية في الشبهات الموضوعية هي الحلّية استناداً إلى أصالة الإباحة ما لم يوجد دليل حاكم عليها.

(١) الظاهر دوران وجوب التمام مدار الحرمة الواقعية المنجّزة ، فلا يكفي مجرّد الثبوت في الواقع قبل بلوغه إلى المكلّف وتنجّزه عليه ، كما لا يكفي مجرّد الاعتقاد أو الظاهر المستند إلى الأصل مع مخالفته للواقع ، بل لا بدّ من اجتماع الأمرين معاً ، وبفقد أحدهما ينتفي التمام ويثبت القصر.

وتوضيحه : أنّ المسافر تارة يعتقد الحرمة أو الحلّية ويكون اعتقاده مطابقاً للواقع ، ولا إشكال في المسألة حينئذ ، وأنّه يتمّ في الأوّل ويقصّر في الثاني.

وأُخرى : يكون مخالفاً ، وله صورتان :

١٣٣

ولو لم يصلّ وصارت قضاءً فهل يقضيها قصراً أو تماماً؟ وجهان ، والأحوط الجمع ، وإن كان لا يبعد كون المدار على الواقع إذا لم نقل بحرمة التجرّي وعلى الاعتقاد إن قلنا بها ، وكذا لو كان مقتضى الأصل العملي الحرمة وكان الواقع خلافه أو العكس فهل المناط ما هو في الواقع أو مقتضى الأصل بعد كشف الخلاف؟ وجهان (*) والأحوط الجمع ، وإن كان لا يبعد كون المناط هو الظاهر الذي اقتضاه الأصل إباحة أو حرمة.

______________________________________________________

الاولى : أن يكون السفر حراماً في الواقع ويعتقد جوازه ، إمّا بنفسه كما لو كان السفر منهياً من قبل الأب أو الزوج ولم يعلم به الولد أو الزوجة ، أو بغايته كما لو سافر لتزويج امرأة هي رضيعته أو ذات بعل ، أو لقتل شخص محقون الدم وهو لا يعلم.

والواجب حينئذ هو القصر ، لعدم اتصاف سفره بالباطل ، أو بكونه في معصية الله ، لا بنفسه ولا بغايته بعد عدم تنجّز الواقع في حقّه ، بل هو مسير حقّ قد رخّص فيه الشرع والعقل. ومجرّد اتصافه بالحرمة الواقعية لا يوجب صدق المعصية ولا سلب اسم مسير الحقّ عنه ، كما أنّ ارتكاب الحرام الواقعي لا يستوجب زوال العدالة بوجه.

وعليه فدليل الإتمام قاصر الشمول للمقام ، ولا أقلّ من انصرافه عنه وانسباق الحرمة المنجّزة من دليل الإتمام في سفر المعصية.

__________________

(*) وأوجه منهما إناطة وجوب التمام بثبوت الحرمة في الواقع وتنجّزها على المكلّف ، نعم إذا كانت الغاية محرّمة ولم تتحقّق في الخارج ولو بغير اختيار المكلّف أتمّ صلاته بلا إشكال.

١٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ومع التنزّل فلا أقلّ من الشكّ في الشمول ، فيقتصر في المخصّص المنفصل على المقدار المتيقّن ، ويرجع فيما عداه إلى عمومات الترخّص لكلّ مسافر.

الصورة الثانية : عكس ذلك ، بأن يكون السفر حلالاً في الواقع حراماً في الاعتقاد أو بحسب الحكم الظاهري ، إمّا بنفسه كما لو اعتقد الولد أو الزوجة نهي الوالد أو الزوج أو كان مستصحباً ثمّ بان الخلاف ، أو بغايته كما لو سافر لقتل شخص بتخيّل أنّه محقون الدم فبان كونه مهدور الدم ، أو سافر للتزويج بمن يعتقد أنّها ذات بعل فبان أنّها خلية ونحو ذلك من الأمثلة.

والظاهر وجوب القصر هنا أيضاً ، لأنّ الحرمة المزعومة خيالية صرفة لا واقع لها ، فلم يكن السفر سفر المعصية ولا المسير مسيراً باطلاً ، فانّ الخيال والاعتقاد أو الحكم الظاهري المنكشف خلافه لا يغيّر الواقع ، ولا يوجب قلبه عمّا هو عليه. فهو سفر حقّ وإن جهل به المسافر ، إلّا إذا بنينا على حرمة التجرّي شرعاً فيجب التمام حينئذ ، لصدق أنّ السفر في معصية الله ولو بالعنوان الثانوي.

ولكن المبنى فاسد جزماً كما هو محرّر في الأُصول (١) ، فإنّ التجرّي لا يكشف إلّا عن سوء النيّة وخُبث السريرة ، وهذا لا يستوجب إلّا اللّوم والذّم واستحقاق العقاب عقلاً دون الحرمة شرعاً ، فلا يكون من العناوين الثانوية بوجه.

وعليه فأدلّة التمام قاصرة الشمول للمقام ولو انصرافاً ، ولا أقلّ من الشكّ في الشمول ، فيرجع إلى إطلاقات القصر. وعلى هذا فلو صلّى تماماً جرياً على اعتقاده ثمّ انكشف الخلاف في الوقت أو في خارجه وجبت عليه الإعادة أو القضاء قصراً. كما أنّه لا تجب إعادة ما صلاه قصراً في الصورة الأُولى ، لكون القصر هي الوظيفة الواقعية في كلتا الصورتين حسبما عرفت.

فتحصّل : أنّ إتمام الصلاة يتوقّف على أمرين : ثبوت الحرمة الواقعية للسفر

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ١٩ وما بعدها.

١٣٥

[٢٢٦٨] مسألة ٣٧ : إذا كانت الغاية المحرّمة في أثناء الطريق لكن كان السفر إليها مستلزماً لقطع مقدار آخر من المسافة فالظاهر أنّ المجموع يعدّ (*) من سفر المعصية بخلاف ما إذا لم يستلزم (١).

______________________________________________________

وكون الحرمة منجّزة عليه ، فاذا تخلّف أحدهما وجب القصر.

هذا كلّه فيما إذا كان التخلّف في عنوان المقصود ، بأن اعتقد حرمته وهو في الواقع مباح ، أو بالعكس.

وأمّا لو كان المقصود حراماً واقعاً وظاهراً ، اعتقاداً ومعتقداً ، ولكنّه لم يتحقّق خارجاً لمانع ولو بغير اختيار المكلّف ، كما لو سافر لشرب الخمر أو لقتل النفس ولم يُهيأ له ، أو لعدم المقتضي كما لو ندم وتاب ، فهو خارج عن محلّ الكلام ، ولا إشكال حينئذ في وجوب التمام ، لأنّ العبرة بقصد الحرام الواقعي المنجّز ، وقد سافر بهذا القصد حسب الفرض ، فالسفر سفر في معصية الله ، لانبعاثه عن ذلك القصد وإن لم تتحقّق نفس المعصية خارجاً ، فانّ الاعتبار بالقصد دون المقصود وكم فرق بين الموردين فلاحظ وتدبّر.

(١) لا يخفى أنّ قطع مقدار آخر من المسافة زائداً على ما فيه الغاية المحرّمة الواقعة في أثناء الطريق يتصوّر على نحوين :

فتارة يكون السفر الزائد مقدّمة للمعصية كما لو أراد السفر من النجف إلى المحمودية لارتكاب محرّم هناك ، ولكن الوسائط النقلية تحمله أوّلاً إلى بغداد ثمّ إلى المحمودية ، بحيث لا يمكنه الوقوف فيها ابتداءً ، بل لا بدّ من المضيّ عنها ثمّ العودة إليها ، فتلك القطعة الزائدة مقدّمة للوصول إلى الحرام ، فتكون من سفر المعصية بلا كلام ، ولا ريب حينئذ في وجوب التمام.

__________________

(*) بل الظاهر خلافه ، فلا يجري عليه حكم سفر المعصية.

١٣٦

[٢٢٦٩] مسألة ٣٨ : السفر بقصد مجرّد التنزّه ليس بحرام ولا يوجب التمام (١).

______________________________________________________

والظاهر أنّ الماتن لا يريد هذه الصورة ، لوضوحها وعدم قبولها للنزاع بعد دخولها في سفر المعصية حسبما عرفت.

وأُخرى لا يكون السفر الزائد مقدّمة للحرام ، ولكنّه يستلزمه خارجاً كما لو سافر إلى لبنان لمعصية ولكنّ البقاء فيه يستلزم سفراً آخر إمّا لجريان العادة أو لضغط من قبل الحكومة ونحو ذلك ، بحيث لا يمكن التخلّف عنه.

وهذا هو مراد الماتن (قدس سره) في مفروض المسألة ، فهل يتم في السفر اللّازم أيضاً أو أنّه يقصر؟ حكم الماتن (قدس سره) بالتمام ، لوحدة السفر وعدّ اللّازم جزءاً من سفر المعصية ، فهو نظير ما تقدّم منه (قدس سره) سابقاً (١) من الحكم بالإتمام لدى الرجوع عن سفر المعصية ، لكون العود من متمّمات السفر وأجزائه.

ولكن الظاهر هو القصر ، لانفصال أحد السفرين عن الآخر ، ولكلّ حكمه ولا عبرة بالوحدة المسامحية العرفية ، فإنّ موضوع التمام ما كان معصية بنفسه أو بغايته لا بلازمه ، وهذا اللّازم كالرجوع مسير حقّ لا باطل ، فلا تشمله تلك الأدلّة ، ومع الشكّ في التخصيص الزائد فالمرجع عمومات القصر.

(١) لإطلاقات أدلّة القصر بعد أن كان السفر سائغاً ، والحكم مورد للإجماع والتسالم ، بل السيرة القطعية كما في الجواهر (٢) ، وهو ظاهر لا غبار عليه.

__________________

(١) في المسألة [٢٢٦٣].

(٢) الجواهر ١٤ : ٢٦٤.

١٣٧

[٢٢٧٠] مسألة ٣٩ : إذا نذر أن يتم الصلاة في يوم معيّن أو يصوم يوماً معيّناً وجب عليه الإقامة. ولو سافر وجب عليه القصر على ما مرّ من أنّ السفر المستلزم لترك واجب لا يوجب التمام إلّا إذا كان بقصد التوصّل (*) إلى ترك الواجب ، والأحوط الجمع (١).

______________________________________________________

(١) فرّع (قدس سره) هذه المسألة على ما تقدّم في المسألة السابعة والعشرين المتضمّنة للمضادّة بين السفر وبين الإتيان بواجب آخر ، وجعلهما من واد واحد وأنّه إذا كان بقصد التوصّل إلى ترك الواجب كان من سفر المعصية ووجب التمام وإلّا فلا.

وينبغي التكلّم في جهات :

الاولى : لو نذر الصيام أو إتمام الصلاة في يوم معيّن ، فهل تجب عليه الإقامة لو كان مسافراً ولا يسوغ السفر لو كان حاضراً كي يتمكّن من أداء الواجب والوفاء بالنذر؟

مقتضى القاعدة ذلك ، لحكومة العقل بلزوم الخروج عن عهدة التكليف المنجّز المتوقف على ما ذكر بمقتضى المقدمية ، إلا أنّ النص الخاص قد ورد بخلاف ذلك في الصيام خاصة ، ولأجله يفرق بينه وبين الصلاة ، وهي صحيحة علي بن مهزيار قال : «كتبت إليه يعني إلى أبي الحسن (عليه السلام) يا سيِّدي رجل نذر أن يصوم يوماً من الجمعة دائماً ما بقي ، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو أيام التشريق أو سفر أو مرض ، هل عليه صوم ذلك اليوم أو

__________________

(*) هذا إنّما يصحّ في غير مفروض المسألة ، وأمّا فيه فالسفر ولو بقصد التوصّل إلى ترك المنذور لا يوجب التمام ، ويظهر وجه ذلك بالتأمّل ، هذا في الصلاة ، وأمّا في الصوم فبما أنّه يجوز السفر فيه اختياراً فلا يكون معصية.

١٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

قضاؤه وكيف يصنع يا سيِّدي؟ فكتب إليه : قد وضع الله عنه الصيام في هذه الأيام كلّها ، ويصوم يوماً بدل يوم إن شاء الله ...» إلخ (١).

فيظهر منها أنّ الصوم المنذور لا يزيد على صيام شهر رمضان في جواز السفر ولو بقصد الفرار ، وعدم وجوب الإقامة ، لأنّ الله تعالى قد وضع الصيام في هذه الأيام ، غايته أنّه يقضي يوماً بدل يوم.

ولو لا التعرّض فيها للقضاء لالتزمنا بانحلال النذر ، لانكشاف بطلانه فيما لو صادف أيام العيد ونحوه ممّا لا يشرع فيه الصوم ، فلا فوت ليجب القضاء ، إلّا أنّها صريحة في ذلك ، فيجب الالتزام به تعبّداً.

وكيف ما كان ، ففي نذر الصوم المعيّن يجوز السفر ، ولا تجب الإقامة بمقتضى هذه الصحيحة.

وأمّا الصلاة فحيث لم يرد فيها مثل هذا النصّ فلا بدّ من الجري فيها على مقتضى القواعد حسبما عرفت.

الجهة الثانية : هل النذر المتعلّق بإتمام الصلاة في يوم معيّن المتوقّف على عدم السفر كما مرّ يندرج في كبرى المسألة المتقدّمة ، أعني السفر المستلزم لترك واجب ويتفرّع عليها ، كي يجري عليه حكمها من وجوب التمام إذا كان بقصد التوصّل إلى ترك الواجب وإلّا فالقصر كما اختاره في المتن ، أو لا يندرج؟

قد يُقال بالثاني ، نظراً إلى أنّ موضوع البحث في تلك المسألة إنّما هو الاستلزام الناشئ من التضاد الذاتي بين فعل الواجب والسفر ، لا الناشئ من مقدّمية ترك السفر للواجب كما في المقام ، حيث إنّ ترك السفر مقدّمة شرعاً للإتمام ، لكونه مشروطاً به ، ولأجله ينحلّ النذر إليه ، ويكون مرجع النذر المتعلِّق بإتمام الصلاة إلى نذر ترك السفر والإتيان بالصلاة التامّة ، فينحلّ النذر إلى نذرين ، فلو خالف

__________________

(١) الوسائل ٢٣ : ٣١٠ / كتاب النذر والعهد ب ١٠ ح ١.

١٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وسافر كان السفر بنفسه معصية يجب فيه التمام وإن أنكرنا قضيّة الاستلزام في تلك المسألة.

ويندفع بما هو المقرّر في محلّه (١) من عدم وجوب المقدّمة شرعاً وإن لزم الإتيان بها عقلاً من باب اللابدية ، فليس في البين إلّا وجوب واحد متعلّق بذيها ، أعني الذات المقيّدة وهي الصّلاة التامّة المشروطة بترك السفر ، وأمّا نفس القيد والشرط فلم يتعلّق به وجوب آخر ليحرم السفر ويندرج في سفر المعصية.

وانحلال النذر إلى النذرين غير قابل للتصديق فيما نحن فيه ، كيف ولازمه تعدّد الكفارة بترك الواجب المنذور ومقدّمته ، لتكرر الحنث ، وهو كما ترى. فنذر الإتيان بالصلاة لا ينحلّ إلى نذرها ونذر الوضوء المشروط به ، وليس في مخالفته إلّا كفارة واحدة بالضرورة ، كما ليس إلّا عقاب واحد ، فانّ الدخيل في النذر إنّما هو التقيّد لا ذات القيد. ولأجله لم يكن إلّا مخالفة واحدة ، وهي لا تستتبع إلّا كفارة واحدة وعقاباً واحداً كما عرفت.

إذن فترك السفر لا يكون متعلّقاً للنذر ليكون فعله محرّماً ، بل هو داخل في كبرى الاستلزام كما أثبته في المتن.

الجهة الثالثة : لو بنينا في تلك المسألة أعني مسألة استلزام السفر لترك الواجب على وجوب التمام ولو في خصوص ما قصد به الفرار عن أداء الواجب كما اختاره الماتن وقوّيناه ، فهل نقول به في المقام أيضاً؟

الظاهر هو العدم ، فيقصّر في المقام حتّى لو سافر بقصد مخالفة النذر ، لامتناع التمام ، إذ يلزم من وجوده عدمه ، ضرورة أنّه لو أتمّ من جهة كونه سفر المعصية فبالإتمام قد وفى بالنذر ، ومع الوفاء لا عصيان ، فلا موضوع للإتمام.

وبعبارة اخرى : لو أتمّ لم يخالف نذره ، وإذا لم يخالف لم يتّصف سفره بالمعصية

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ٤٣٨.

١٤٠