حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ١

باقر شريف القرشي

حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ١

المؤلف:

باقر شريف القرشي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مدرسة العلمية الايرواني
المطبعة: باقري
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٤٤
الجزء ١ الجزء ٣

إنّ حديث الثقلين من أوثق الأحاديث النبويّة وأوفرها صحّة ، وقد ذكر المناوي عن السمهودي أنه قال : وفي الباب ما يزيد على عشرين من الصحابة (١) ، وكلّهم قد رووا هذا الحديث. وقال ابن حجر : ولهذا الحديث طرق كثيرة عن بعض وعشرين صحابيّاً (٢).

ويدلّ هذا الحديث دلالة صريحة واضحة على حصر الإمامة في أهل البيت (عليهم السّلام) وعلى عصمتهم من الآثام والأهواء ؛ لأنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) قرنهم بكتاب الله العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ومن الطبيعي أنّ أيّ انحراف منهم عن الدين يعتبر افتراقاً عن الكتاب العزيز.

وقد صرّح (صلّى الله عليه وآله) بعدم افتراقهما حتّى يردا عليه الحوض ، فدلالته على العصمة ظاهرة جلية لا خفاء فيها ، كما أكّد النبي (صلّى الله عليه وآله) في هذا الحديث على اُمّته أن لا تتقدّم عليهم ، وأن تسلّم إليهم قيادتها ؛ لئلاّ تهلك في مجال هذه الحياة. والبحث عن معطيات هذا الحديث الشريف يستدعي وضع كتاب خاص فيه ، وقد عرض جماعة من العلماء بصورة موضوعية وشاملة للبحث عنه (٣).

٧ ـ روى أبو سعيد الخدري قال : سمعت النبي (صلّى الله عليه وآله) يقول : «إنّما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح ؛ مَن ركبها نجا ، ومَن تخلّف عنها غرق. وإنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطّة في بني إسرائيل ؛ مَن دخله غُفر له» (٤).

__________________

(١) فيض القدير ٣ / ١٤.

(٢) الصواعق المحرقة / ١٣٦.

(٣) يراجع في ذلك المراجعات / ٤٩ ـ ٥٢ ، الاُصول العامة للفقه المقارن / ١٦٤ ـ ١٨٧.

(٤) مجمع الزوائد ٩ / ١٦٨ ، ورواه الحاكم في مستدركه ٢ / ٤٣

٨١

وفي هذا الحديث دعوة خلاّقة وملزمة إلى التمسّك بالعترة الطاهرة ؛ فإنّه ضمان لنجاة الاُمّة وسلامتها ، كما أنّ في البُعد عنها غواية وهلاكاً ، يقول الإمام شرف الدين في بيان هذا الحديث :

وأنت تعلم أنّ المراد من تشبيههم (عليهم السّلام) بسفينة نوح أنّ مَن لجأ إليهم في الدين ، فأخذ فروعه وأصوله عن أئمّته ، نجا من عذاب النار ، ومَن تخلّف عنهم كان كمَن آوى " يوم الطوفان " إلى جبل ليعصمه من أمر الله ، غير أنّ ذاك غرق في الماء ، وهذا في الحميم والعياذ بالله. والوجه في تشبيههم (عليهم السّلام) بباب حطّة هو أنّ الله تعالى جعل ذلك الباب مظهراً من مظاهر التواضع لجلاله والبخوع لحكمه ، وبهذا كان سبباً للمغفرة

هذا وجه الشبه. وقد حاوله ابن حجر إذ قال بعد أن أورد هذه الأحاديث وغيرها من أمثالها :

ووجه تشبيههم بالسفينة أنّ مَن أحبّهم وعظّمهم شكراً لنعمة شرفهم وأخذ بهدي علمائهم نجا من ظلمة المخالفات ، ومَن تخلّف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم ، وهلك في مفاوز الطغيان ... إلى أن قال : وباب حطّة ـ يعني ووجه تشبيههم بباب حطّة ـ أنّ الله جعل دخول ذلك الباب ، الذي هو باب أريحا أو بيت المقدس ، مع التواضع والاستغفار سبباً للمغفرة ، وجعل

__________________

عن حنش عن أبي ذر ، ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه ٢ / ١٩ بسنده عن أنس بن مالك ، ورواه أبو نعيم في الحلية ٤ / ٣٠٦ بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، ورواه المتقي في كنز العمال بسنده عن ابن الزبير وابن عباس ، ورواه المحب الطبري في ذخائر العقبى / ٢٠ بسنده عن علي ، ورواه الطبراني في كتابيه الأصغر والأوسط عن أبي سعيد الخدري.

٨٢

لهذه الاُمّة مودّة أهل البيت سبباً لها (١).

واستدلّ المتكلّمون من الشيعة بهذا الحديث على حصر الإمامة في أهل البيت (عليهم السّلام) ؛ لأنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) جعلهم كسفينة نوح تميزاً لهم عن غيرهم ، فالرجوع إليهم سبب للنجاة والتخلّف عنهم سبب للضلالة والهلاك.

٨ ـ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : «معرفة آل محمد براءة من النار ، وحبُّ آل محمد جواز على الصراط ، والولاية لآل محمد أمان من العذاب» (٢).

٩ ـ قال (صلّى الله عليه وآله) : «مَن مات على حبّ آل محمد مات شهيداً ، ألا ومَن مات على حبّ آل محمد مات مغفوراً له ، ألا ومَن مات على حبّ آل محمد مات تائباً ، ألا ومَن مات على حبّ آل محمد مات مؤمناً مستكمل الإيمان ، ألا ومَن مات على حبّ آل محمد بشّره ملك الموت بالجنّة ثمّ منكر ونكير ، ألا ومَن مات على حبّ آل محمد يُزفّ إلى الجنّة كما تُزفّ العروس إلى بيت زوجها ، ألا ومَن مات على حبّ آل محمد فُتح في قبره بابان إلى الجنّة ، ألا ومَن مات على حبّ آل محمد جعل قبره مزار ملائكة الرحمة ، ألا ومَن مات على حبّ آل محمد مات على السنّة والجماعة ، ألا ومَن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله» (٣).

لقد دعا الرسول (صلّى الله عليه وآله) إلى موالاة عترته ، وأن نُكنّ لهم في أعماق

__________________

(١) المراجعات / ٥٤.

(٢) المراجعات / ٥٤.

(٣) المراجعات / ٥٩ ، نقله عن الثعلبي في تفسير آية المودة من تفسير الكبير.

٨٣

نفوسنا أصدق آيات الحبّ والولاء ، وأن يكون ذلك مستمراً حتّى آخر لحظة من حياتنا.

١٠ ـ قال (صلّى الله عليه وآله) : «اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد ، ومكان العينين من الرأس ، ولا يهتدي الرأس إلاّ بالعينين» (١).

١١ ـ قال (صلّى الله عليه وآله) : «لا تزول قدما عبد ـ يوم القيامة ـ حتّى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه ، وعن جسده فيما أبلاه ، وعن ماله فيما أنفقه ومن أين اكتسبه ، وعن محبّتنا أهل البيت» (٢).

١٢ ـ قال (صلّى الله عليه وآله) : «مَن سرّه أن يحيا حياتي ويموت مماتي ، ويسكن جنة عدن غرسها ربّي ، فليوال علياً من بعدي ، وليوال وليّه ، وليعتد بأهل بيتي من بعدي ؛ فإنهم عترتي ، خُلقوا من طينتي ، ورُزقوا فهمي وعلمي ، فويلٌ للمكذّبين بفضلهم من أُمّتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي» (٣).

١٣ ـ قال علي (عليه السّلام) : «أخبرني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إنّ أوّل مَن يدخل الجنّة أنا وفاطمة والحسن والحسين ، قلت : يا رسول الله ، فمحبّونا؟ قال : من ورائكم» (٤).

١٤ ـ روى أبو سعيد الخدري أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) دخل على فاطمة (عليها السّلام) ، قفال : «إنّي وإيّاكِ وهذا النائم ـ يعني علياً ، وهما ـ يعني الحسن والحسين ـ لفي مكان واحد يوم القيامة» (٥).

__________________

(١) المراجعات / ٥٨ ، نقله عن الشرف المؤبد / ٥٨.

(٢) المراجعات نقله عن السيوطي في إحياء الميّت ، والنبهاني في أربعينه.

(٣) كنز العمال ٦ / ٢١٧.

(٤) مستدرك الحاكم ٣ / ١٥١.

(٥) مستدرك الحاكم ٣ / ١٣٧.

٨٤

هذه بعض الأحاديث التي أثرت عن النبي (صلّى الله عليه وآله) في فضل عترته ، والمتأمّل فيها يطلّ على الغاية التي ينشدها (صلّى الله عليه وآله) وهي جعل القيادة الإسلامية بيد أئمة أهل البيت (عليهم السّلام) ، الذين آثروا طاعة الله على كل شيء ؛ حتّى لا تزيغ الاُمّة في مسيرتها عن طريق الهدى والصلاح ، ولا تنحرف عن سلوكها عمّا أمر الله به وتشيع في أوساطها العدالة والحق ، وينسدّ الطريق أمام القوى الباغية من أن تنزو على منابر الحكم والخلافة الإسلامية.

الطائفة الثانية :

وحفلت مصادر السيرة النبويّة والأحاديث بحشد كبير من الأخبار التي أثرت عن النبي (صلّى الله عليه وآله) في حقّ السبطين (عليهم السّلام) ، ومدى أهمّيتهما ومقامهما الكريم عنده ، ونتعرض فيما يلي لبعضها :

١ ـ روى أبو أيوب قال : دخلت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والحسن والحسين (عليهما السّلام) يلعبان بين يديه (أو في حجره) ، فقلت : يا رسول الله ، أتحبّهما؟ فقال : «وكيف لا اُحبّهما وهما ريحانتاي من الدنيا أشمّهما!» (١).

وقد أضفى الرسول (صلّى الله عليه وآله) عليهما لقب الريحانتين في مواطن عديدة ونشير إلى بعضها :

أ ـ روى سعيد بن راشد قال : جاء الحسن والحسين (عليهما السّلام) يسعيان إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فأخذ أحدهما فضمّه إلى إبطه ، ثمّ جاء الآخر فضمّه

__________________

(١) مجمع الزوائد ٩ / ١٨١ ، ورواه الذهبي في سير أعلام النبلاء ٢ / ١٨٩ مع تغيير يسير ، مختصر صفة الصفوة / ٦٢ ، تاريخ ابن عساكر ١٣ / ٣٩.

٨٥

إلى إبطه الاُخرى وقال : «هذان ريحانتاي من الدنيا ، مَن حبّني فليحبّهما» (١).

ب ـ قال سعد بن مالك : دخلت على النبي (صلّى الله عليه وآله) والحسن والحسين يلعبان على ظهره ، فقلت : يا رسول الله ، أتحبّهما؟ فقال : «وما لي لا اُحبّهما ، وإنّهما ريحانتاي من الدنيا!» (٢).

ج ـ روى أنس بن مالك قال : دخلت (أو ربما دخلت) على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والحسن والحسين يتقلّبان على بطنه ، ويقول : «ريحانتي من هذه الاُمّة» (٣).

د ـ روى أبو بكرة قال : كان الحسن والحسين (عليهما السّلام) يثبان على ظهر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في الصلاة فيمسكهما بيده حتّى يرفع صلبه ، ويقومان على الأرض ، فلمّا فرغ أجلسهما في حجره ، ثمّ قال : «إنّ ابنَي هذين ريحانتاي من الدنيا» (٤).

هـ ـ روى جابر أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال لعلي بن أبي طالب (عليه السّلام) : «سلام عليك يا أبا الريحانتين ، اُوصيك بريحانتي من الدنيا خيراً ؛ فعن قليل ينهدّ ركناك ، والله خليفتي عليك». قال : فلمّا قبض النبي (صلّى الله عليه وآله) قال علي (عليه السّلام) : «هذا أحد الركنين اللَّذَين قال النبي (صلّى الله عليه وآله)». فلمّا ماتت فاطمة (عليها السّلام) قال علي (عليه السّلام) : «هذا الركن الآخر الذي قال النبي (صلّى الله عليه وآله)» (٥).

و ـ روى البخاري بسنده عن ابن أبي نعم قال : كنت شاهداً

__________________

(١) ذخائر العقبى / ١٢٤.

(٢) كنز العمال ٧ / ١١٠.

(٣) خصائص النسائي / ٣٧ ، وفي مسند الإمام زيد / ٤٦٩ «الولد ريحانة ، وريحانتي الحسن والحسين».

(٤) كنز العمال ٧ / ١٠٩.

(٥) حلية الأولياء ٣ / ٢٠١.

٨٦

لابن عمر وسأله رجل عن دم البعوض ، فقال : ممّن أنت؟ فقال : من أهل العراق. قال : انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن النبي (صلّى الله عليه وآله) ، وسمعت النبي (صلّى الله عليه وآله) يقول : «هما ريحانتاي من الدنيا» (١)!

٢ ـ روى انس بن مالك قال : سُئل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أيّ أهل بيتك أحبّ إليك؟ قال (صلّى الله عليه وآله) : «الحسن والحسين». وكان يقول لفاطمة (عليها السّلام) : «ادعي ابنَيَّ». فيشمّهما ويضمّهما إليه (٢).

٣ ـ روى ابن عباس قال : بينا نحن ذات يوم مع النبي (صلّى الله عليه وآله) إذ أقبلت فاطمة (عليها السّلام) تبكي ، فقال لها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : «فداك أبوك! ما يبكيك؟». قالت : «إنّ الحسن والحسين خرجا ، ولا أدري أين باتا». فقال لها رسول (صلّى الله عليه وآله) : «لا تبكين ؛ فإنّ خالقهما ألطف بهما منّي ومنك». ثمّ رفع يديه وقال : «اللّهمّ احفظهما وسلمّهما». فهبط جبرئيل وقال : يا محمد ، لا تحزن فإنّهما في حظيرة بني النّجار نائمان ، وقد وكّل الله بهما ملكاً يحفظهما.

فقام النبي (صلّى الله عليه وآله) ومعه أصحابه حتّى أتى الحظيرة ، فإذا الحسن والحسين (عليهما السّلام) معتنقان نائمان ، وإذا الملك الموكّل بهما قد جعل أحد جناحيه تحتهما والآخر فوقهما يظلّهما ، فأكبّ النبي (صلّى الله عليه وآله) يقبّلهما حتّى انتبها من نومهما ، ثمّ جعل الحسن على عاتقه الأيمن ، والحسين على عاتقه الأيسر ، فتلقّاه أبو بكر وقال : يا رسول الله ، ناولني أحد الصبيين أحمله عنك. فقال (صلّى الله عليه وآله) : «نِعم المطيّ مطيهما ، ونِعم الراكبان هما ، وأبوهما خير منهما». حتّى أتى المسجد ، فقام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على قدميه ، وهما على عاتقيه ، ثمّ قال :

__________________

(١) صحيح البخاري ـ كتاب الأدب ، فضائل الخمسة من الصحاح السّتة ٣ / ١٨٣.

(٢) صحيح الترمذي ٢ / ٣٠٦ ، فيض القدير ١ / ١٤٨.

٨٧

«معاشر المسلمين ، ألا أدلّكم على خير الناس جدّاً وجدّة؟».

فقالوا : بلى يا رسول الله.

قال (صلّى الله عليه وآله) : «الحسن والحسين جدّهما رسول الله (صلّى الله عليه وآله) خاتم المرسلين ، وجدّتهما خديجة بنت خويلد سيّدة نساء أهل الجنة».

ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله) : «ألا أدلّكم على خير الناس عمّاً وعمّة؟».

قالوا : بلى يا رسول الله.

قال (صلّى الله عليه وآله) : «الحسن والحسين عمّهما جعفر بن أبي طالب ، وعمّتهما اُمّ هانئ بنت أبي طالب».

ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله) : «أيها الناس ، ألا أدلّكم على خير الناس خالاً وخالة؟».

قالوا : بلى يا رسول الله.

قال (صلى الله عليه وآله) : «الحسن والحسين خالهما القاسم بن رسول الله ، وخالتهما زينت بنت رسول الله».

ثمّ قال (صلى الله عليه وآله) : «اللّهمّ إنّك تعلم أنّ الحسن والحسين في الجنّة ، وعمّهما في الجنّة ، وعمّتهما في الجنّة ، ومَن أحبّهما في الجنّة ، ومَن أبغضهما في النار» (١).

وهذا الحديث الشريف دلّ بوضوح على مدى حبّه (صلى الله عليه وآله) لسبطيه ، وأنّهما أحبّ أهل بيته إليه ، كما أنّهما أفضل الناس نسباً وحسباً ، وأنّ مَن أحبّهما ينزل معهم مقاماً كريماً في الفردوس.

٤ ـ روى عمر قال : رأيت الحسن والحسين (عليهما السّلام) على عاتقي النبي (صلى الله عليه وآله) ، فقلت : نِعم الفرس تحتكما ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : «ونِعم الفارسان هما» (٢). وبهذا المضمون روى جابر

__________________

(١) ذخائر العقبى / ١٣٠.

(٢) مجمع الزوائد ٩ / ١٨٢ ، كنز العمال ٧ / ١٠٨.

٨٨

قال : دخلت على النبي (صلى الله عليه وآله) والحسن والحسين على ظهره وهو يقول : «نِعم الجمل جملكما ، ونِعم العدلان أنتما» (١).

وقد نظم ذلك السّيد الحميري بقوله :

أتى حسناً والحسينَ الرسول

وقد برزا ضحوةً يلعبانِ

فضمّهما وتفدّاهما

وكانا لديهِ بذاك المكانِ

ومرّا وتحتهما عاتقاهْ

فنعمَ المطيةُ والراكبانِ

٥ ـ روى أبو سعيد الخدري قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : «الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة» (٢).

٦ ـ روى سلمان الفارسي قال : سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : «الحسن والحسين ابناي ، مَن أحبّهما أحبّني ، ومَن أحبّني

__________________

(١) كنز العمال ٧ / ١٠٨ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٨٢.

(٢) صحيح الترمذي ٢ / ٣٠٦ ، مختصر صفة الصفوة / ٦٢ ، مسند أحمد بن حنبل ٣ / ٦٢ ، حلية الأولياء ٥ / ٧١ ، تاريخ بغداد ٩ / ٢٣١. ورواه الحاكم في المستدرك ٣ / ١٦٧ بسنده عن ابن عمر ، قال (صلّى الله عليه وآله) : «الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، وأبوهما خير منهما». وبهذا النص ورد في مسند الإمام زيد ، وفي الإصابة ١ / ٢٦٦ روى جهم قال : سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : «إنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ؛ مَن أحبّهما فقد أحبّني ، ومَن أبغضهما فقد أبغضني». وفي الجامع الكبير للسيوطي ، عن ابن عساكر بسنده ، عن حذيفة أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال : «أتاني ملك فسلّم عليّ ، نزل من السماء لم ينزل قبلها ، فبشّرني أنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة ، وأنّ فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة».

٨٩

أحبّه الله ، ومَن أحبّه الله أدخله الجنّة. ومَن أبغضهما أبغضني ، ومَن أبغضني أبغضه الله ، ومَن أبغضه الله أدخله النار» (١).

٧ ـ كان النبي (صلّى الله عليه وآله) يخطب ، فجاء الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران ، وهما يمشيان ويعثران ، فنزل (صلّى الله عليه وآله) عن المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه ، وقال : «صدق الله إذ يقول : أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ. لقد نظرت إلى هذين الصبيين وهما يمشيان ويعثران فلم أصبر حتّى قطعت حديثي ورفعتهما» (٢).

٨ ـ روى يعلى بن مرة قال : جاء الحسن والحسين يستبقان إلى

__________________

(١) مستدرك الحاكم ٣ / ١٦٦ ، وبتغيير يسير رواه الهيثمي في معجمه ٩ / ١١١ ، وكذلك رواه المتقي في كنز العمال ٦ / ٢٢١. وفي سنن ابن ماجة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : «مَن أحبّ الحسن والحسين فقد أحبّني ، ومَن أبغضهما فقد أبغضني». وفي تهذيب التهذيب في ترجمة نصر بن علي الأزدي ، روى علي بن الصواف ، عن عبد الله بن أحمد : إنّ نصراً حدّث أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أخذ بيد حسن وحسين فقال : «مَن أحبّني وأحبّ هذين وأباهما كان معي في درجتي يوم القيامة». فلما سمع ذلك المتوكّل أمر بضربه ألف سوط ، فكلّمه فيه جعفر بن عبد الواحد ، وجعل يقول له : هذا من أهل السنّة ، فلم يزل به حتّى تركه.

(٢) صحيح الترمذي ٢ / ٣٠٦ ، سنن النسائي ١ / ٢٠١ ، مستدرك الحاكم ١ / ٢٨٧ ، سنن أبي داود ٦ / ١١٠ ، مسند أحمد بن حنبل ٥ / ٣٥٤ ، سنن البيهقي ٣ / ٢١٨ ، اُسد الغابة ٢ / ١٢ ، كنز العمال ٧ / ١٦٨ ، سنن النسائي ٣ / ١٠٨.

٩٠

رسول الله فضمّهما ، وقال : «إنّ الولد مبخلة مجبنة» (١).

٩ ـ قال (صلّى الله عليه وآله) : «الحسن والحسين سبطان (٢) من الأسباط» (٣).

١٠ ـ روى أنس أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) قال : «أحبّ أهل بيتي إليّ الحسن والحسين» (٤).

١١ ـ روى أنس قال : سُئل النبي (صلّى الله عليه وآله) : أيّ أهل بيتك أحبّ إليك؟ قال : «الحسن والحسين». وكان يقول لفاطمة (عليها السّلام) : «ادعي لي ابنيَّ». فيشمّهما ويضمّهما إليه (٥).

١٢ ـ قال (صلّى الله عليه وآله) : «الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا» (٦).

__________________

(١) مستدرك الحاكم ٣ / ١٦٨ ، مسند أحمد بن حنبل ٤ / ١٧٢ ، ومعنى الحديث أنّ الولد يحمل أباه على البخل والجبن.

(٢) السبطان : تثنية سبط ، وفي لسان العرب ٩ / ١٨١ أنّ السبط أمّة من الاُمم في الخير.

(٣) كنز العمال ٦ / ٢٢١ ، الصواعق المحرقة / ١١٤ ، الأدب المفرد ، وفي صبح الأعشى ١ / ٤٣٠ : إنّ الحسن والحسين (عليهما السّلام) أوّل مَن سُمّيا بالسبطين في الإسلام.

(٤) صحيح الترمذي.

(٥) تيسير الوصول لابن الديبغ ٣ / ٣٧٦.

(٦) بحار الأنوار ١٠٧٨ ، وفي نزهة المجالس ٢ / ١٨٤ : إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال للحسن والحسين (عليهما السّلام) : «أنتما الإمامان ، ولاُمّكما الشفاعة». وورد هذا الحديث في الإتحاف بحبّ الأشراف / ١٢٩.

٩١

لقد أضفى النبي (صلّى الله عليه وآله) على ريحانتيه حلّة الإمامة ، وجعلها من ذاتيّاتهما ؛ سواء أقاما بالأمر وتقلّدا شؤون الخلافة أم لا.

الولاء العميق :

وذكر الرواة بوادر كثيرة تدلّ على مدى تعلّق النبي (صلّى الله عليه وآله) بسبطيه وشدّة حبّه لهما ، وفيما يلي بعض منها :

١ ـ إنّه كان إذا غاب عنه الحسن والحسين اشتدّ شوقه إليهما ، وأمر بمَن يدعوهما إليه فيأخذهما ويشمّهما ، ويضمّهما إلى صدره (١).

٢ ـ قال عبد الله بن جعفر : كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذا قفل من سفر تلقّى بي أو بالحسن أو بالحسين (٢).

٣ ـ وبلغ من حبّه (صلّى الله عليه وآله) لسبطيه أنّه قَبِل بيعتهما له ضمن الثلاثة الصغار الذين بايعوه من أهل البيت ، هما مع ابن عمّهما عبد الله بن جعفر ، ولم يبايع صغيراً قط إلاّ هُم (٣).

٤ ـ وكان (صلّى الله عليه وآله) يحملهما على دابّته ، فيجعل أحدهما قدامه والآخر خلفه (٤).

٥ ـ وبلغ من حنانه (صلّى الله عليه وآله) وعطفه على سبطيه أنّه كان يصلّي العشاء ، فإذا سجد وثبا على ظهره ، فإذا رفع رأسه أخذهما أخذاً رقيقاً فيضعهما

__________________

(١) صحيح الترمذي.

(٢) سنن الدارمي ٢ / ٢٨٥.

(٣) العقد الفريد ٢ / ٢٤٣.

(٤) صحيح مسلم ٥ / ١٩١.

٩٢

على الأرض ، فإذا عاد عادا ، حتّى إذا قضى صلاته أقعدهما على فخذيه (١).

لقد أولى النبي (صلّى الله عليه وآله) سبطيه رعايته ومحبّته ؛ ليري المسلمين مدى مكانتهما عنده حتّى تخفض لهما جناح المودّة ، وتقلّدهما قيادتها الروحية والزمنية ؛ ليسيرا بها إلى مدارج الحياة الكريمة التي يجد فيها الإنسان جميع ما يصبو إليه.

الطائفة الثالثة :

وتواترت الأخبار التي أثرت عن النبي (صلّى الله عليه وآله) في فضل ريحانته الإمام الحسين (عليه السّلام) وهي تحدّد معالم شخصيته ، كما تحمل جانباً كبيراً من اهتمام الرسول (صلّى الله عليه وآله) به ، وفيما يلي بعضها :

١ ـ روى جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : «مَن أراد أن ينظر إلى سيّد شباب أهل الجنّة فلينظر إلى الحسين بن علي» (٢).

٢ ـ روى أبو هريرة قال : رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو حامل الحسين بن علي ، ويقول : «اللّهمّ إنّي اُحبّه فأحبه» (٣).

٣ ـ روى يعلى بن مرة قال : خرجنا مع النبي (صلّى الله عليه وآله) إلى طعام دعونا له ، فإذا حسين يلعب بالسكّة ، فتقدّم النبي (صلّى الله عليه وآله) وبسط يديه ، فجعل الغلام يفرّ ها هنا وها هنا ، ويضاحكه النبي (صلّى الله عليه وآله) ،

__________________

(١) مسند الإمام أحمد.

(٢) تاريخ ابن عساكر ١٣ / ٥٠ ، من مخطوطات مكتبة الإمام أمير المؤمنين ، سير أعلام النبلاء ٣ / ١٩٠.

(٣) مستدرك الحاكم ٣ / ١٧٧ ، وفي نور الأبصار / ١٢٩ : لفظ الحديث «اللّهمّ إنّي اُحبّه ، وأحبّ كلَّ مَن يحبّه».

٩٣

حتّى أخذه فجعل إحدى يديه تحت ذقنه والاُخرى في فأس رأسه (١) ، فقبّله وقال : «حسين منّي وأنا من حسين ، أحبّ الله مَن أحبّ حسيناً. حسين سبط من الأسباط» (٢).

ودلّل النبي (صلّى الله عليه وآله) بهذا الحديث الشريف على مدى الصلة العميقة التي بينه وبين وليده ، وأكبر الظنّ أنّه (صلّى الله عليه وآله) لم يعنِ بقوله : «حسين منّي» الرابطة النسبية التي بينه وبينه ، وإنّما عنى أمراً آخر هو أدقّ وأعمق. فالحسين منه ؛ لأنّه يحمل روحه وهَديه ، ويحمل اتجاهاته العظيمة الهادفة إلى إصلاح الإنسان ورفع مستواه ، وتطوير وسائل حياته على أساس الإيمان بالله الذي يحمل جميع مفاهيم الخير والسلام في الأرض. كما عنى (صلّى الله عليه وآله) بقوله : «وأنا من حسين» أنّ ما يبذله السّبط العظيم من التضحية والفداء في سبيل الدين ، وما تؤدّيه تضحيته من الفعاليات الهائلة في تجديد رسالة الإسلام ، وجعلها نابضة بالحياة على مرّ الأجيال الصاعدة ، فكان النبي (صلّى الله عليه وآله) بذلك حقّاً من الإمام الحسين (عليه السّلام) ؛ فهو المجدّد لدينه ، والمنقذ له من شرّ تلك الطغمة الحاكمة التي جهدت على محو الإسلام من خريطة هذا الكون ، وإعادة مفاهيم الجاهليّة وخرافاتها على مسرح الحياة. وقد نسف الإمام بنهضته أحلام الاُمويِّين ، وأعاد للإسلام نضارته وحياته ، ورفع رايته عالية خفّاقة في جميع الأجيال.

__________________

(١) وفي رواية : فوضع إحدى يديه تحت قفاه ، والاُخرى تحت ذقنه ، فوضع فاه على فيه وهو يقول : «حسين منّي ...» إلخ.

(٢) سنن ابن ماجة ١ / ٥١ ، مسند أحمد بن حنبل ٤ / ١٧٢ ، اُسد الغابة ٢ / ١٩ ، تهذيب الكمال / ٧١ ، تيسير الوصول ٣ / ٢٧٦ ، مستدرك الحاكم ٣ / ١٧٧ ، أنساب الأشراف ج ١ ق ١.

٩٤

كما دلّل (صلّى الله عليه وآله) على عظمة حفيده بأن أضفى عليه كلمة السّبط ، وأراد بها أنّه أمّة من الاُمم بذاته ، ومستقل بنفسه ، فهو أمّة من الاُمم في الخير ، وأمّة من الشرف في جميع الأجيال والآباد.

٥ ـ روى الصحابي العظيم سلمان الفارسي قال : دخلت على النبي (صلّى الله عليه وآله) فإذا الحسين بن علي على فخذه ، وهو يلثم فاه ، ويقول : «أنت سيّد ابن سيّد ، أنت إمام ابن إمام أخو إمام ، وأبو الأئمة ، وأنت حجّة الله وابن حجّته ، وأبو حجج تسعة من صلبك ، تاسعهم قائمهم» (١).

٦ ـ قال النبي (صلّى الله عليه وآله) : «هذا ـ يعني الحسين ـ إمام ابن إمام أخو إمام ، أبو أئمة تسعة» (٢).

٧ ـ روى أبو العباس قال : كنت عند النبي (صلّى الله عليه وآله) وعلى فخذه الأيسر ابنه إبراهيم ، وعلى فخذه الأيمن الحسين بن علي ، والنبي تارة يقبّل هذا وأخرى يقبّل هذا ، إذ هبط عليه جبرئيل بوحي من رب العالمين ، فلمّا سرى عنه قال (صلّى الله عليه وآله) : «أتاني جبرئيل من ربّي فقال لي : يا محمد ، إنّ ربّك يقرؤك السّلام ويقول لك : لست أجمعهما لك ، فافْدِ أحدهما بصاحبه».

فنظر النبي (صلّى الله عليه وآله) إلى إبراهيم فبكى ، ثمّ قال : «إنّ إبراهيم متى مات لم يحزن عليه غيري ، واُمّ الحسين فاطمة ، وأبوه علي ابن عمّي لحمي ودمي ، ومتى مات حزنت ابنتي ، وحزن ابنُ عمّي ، وحزنت أنا عليه ، وأنا اُوثر حزني على حزنهما. يا جبرئيل ، يُقبض إبراهيم ، فديتُ الحسين بإبراهيم». وقُبض إبراهيم بعد ثلاث ، فكان النبي (صلّى الله عليه وآله) إذا رأى الحسين مقبلاً قبّله وضمّه إلى صدره ، ورشف ثتاياه ، وقال : «فديتُ مَن فديته بابني إبراهيم» (٣).

__________________

(١) المراجعات / ٢٢٨.

(٢) منهاج السنّة ٤ / ٢١٠.

(٣) تاريخ بغداد ٢ / ٢٠٤.

٩٥

٨ ـ روى ابن عباس قال : كان النبي (صلّى الله عليه وآله) حامل الحسين على عاتقه ، فقال له رجل : نِعم المركب ركبت يا غلام. فأجابه الرسول (صلّى الله عليه وآله) : «ونِعم الراكب هو» (١).

٩ ـ روى يزيد بن أبي زياد قال : خرج النبي (صلّى الله عليه وآله) من بيت عائشة ، فمرّ على بيت فاطمة فسمع حسيناً يبكي ، فالتاع (صلّى الله عليه وآله) من ذلك فقال لفاطمة : «ألم تعلمي أنّ بكاءه يؤذيني؟» (٢).

١٠ ـ روى عبد الله بن شداد عن أبيه قال : سجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سجدة أطالها ، حتّى ظنّنا أنّه قد حدث أمر ، أو أنه يوحى إليه ، فسألناه عن ذلك ، فقال : «كل ذلك لم يكن ، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجّله حتّى يقضي حاجته» (٣).

هذه بعض الأخبار التي أثرت عن النبي (صلّى الله عليه وآله) في ريحانته ، وهي أوسمة شرف ومجد قلّده بها ؛ إشعاراً منه بأنّ ظلّه وحقيقته ستمثّل في هذا الطفل ، وسيكون صورة فذّة لإنسانيّته العليا ، وأسراره العظمى.

__________________

(١) التاج الجامع للاُصول ٣ / ٢١٨.

(٢) مجمع الزوائد ٩ / ٢٠١ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ١٩١ ، المعجم الكبير للطبراني ، ذخائر العقبى / ١٤٣.

(٣) تهذيب التهذيب ٢ / ٣٤٦ ، تيسير الوصول إلى جامع الاُصول ٣ / ٢٨٥ ، سنن النسائي.

٩٦

إخبار النبي (صلّى الله عليه وآله) بمقتله :

وأحاط النبي (صلّى الله عليه وآله) أصحابه علماً بمقتل ريحانته وسبطه ، وأذاع ذلك بين المسلمين ، حتّى بات عندهم من الاُمور المتيقّنة التي لم يخالجهم فيها أدنى شكّ ، يقول ابن عباس : ما كنّا نشكّ ـ وأهل البيت متوافرون ـ أنّ الحسين بن علي يقتل بالطفِّ (١).

وقد بكى النبي (صلّى الله عليه وآله) أمرّ البكاء وأفجعه ـ في غير موطن ـ على ما سيحلّ بريحانته من الخطوب والكوارث التي تذوب منها القلوب ، وفيما يلي عرضاً لتلك الأخبار.

١ ـ روت أُمّ الفضل بنت الحارث قالت : كان الحسين في حجري فدخلت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقد حملت معي الحسين ، فوضعته في حجر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ثمّ حانت منّي التفاتة ، فإذا عينا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) تهريقان من الدموع ، فقلت له :

ـ يا نبي الله ، بأبي أنت واُمّي ما لك؟!

ـ «أتاني جبرائيل فأخبرني أنّ اُمّتي ستقتل ابني هذا».

وذعرت اُمّ الفضل ، فانبرت تقول :

ـ تقتل هذا؟! وأشارت إلى الحسين.

ـ «نعم ، وأتاني جبرئيل بتربة من تربته حمراء» (٢).

__________________

(١) مستدرك الحاكم ٣ / ١٧٩.

(٢) مستدرك الحاكم ٣ / ١٧٦ ، وفي رواية ابن عساكر ١٣ / ٦٢ ، عن اُمّ الفضل قالت : إنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) دخل عليّ يوماً وحسين معي ، فأخذه وجعل يلاعبه ساعة ثمّ ذرفت عيناه ، فقلت له : ما يبكيك؟ فقال : «هذا جبرئيل يخبرني أنّ اُمّتي تقتل ابني هذا».

٩٧

وغرقت اُمّ الفضل بالبكاء ، وهامت في تيّارات مذهلة من الأسى والحزن.

٢ ـ روت السّيدة اُمّ سلمة قالت : إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) اضطجع ذات ليلة للنوم فاستيقظ وهو خاثر (١) ، ثمّ اضطجع فاستيقظ وهو خاثر دون ما رأيت به المرّة الاُولى ، ثمّ اضطجع فاستيقظ ، وفي يده تربة حمراء وهو يقبّلها فقلت له : ما هذه التربة يا رسول الله؟

ـ «أخبرني جبرئيل أنّ هذا ـ يعني الحسين ـ يُقتل بأرض العراق ، فقلت لجبرئيل : أرني تربة الأرض التي يُقتل بها ، فهذه تربته» (٢).

٣ ـ وروت اُمّ سلمة قالت : كان النبي (صلّى الله عليه وآله) جالساً ذات يوم في بيتي ، فقال : «لا يدخلنّ عليّ أحد». فانتظرت فدخل الحسين فسمعت نشيج النبي ، فإذا الحسين في حجره (أو إلى جنبه) يمسح رأسه وهو يبكي ، فقلت له : والله ما علمت حتّى دخل. فقال لي : «إنّ جبرئيل كان معنا في البيت ، فقال : أتحبّه؟ فقلت : نعم. فقال : إنّ اُمّتك ستقتله بأرض يقال لها كربلاء». فتناول جبرئيل من ترابها ، فأراه النبي (٣).

٤ ـ روت عائشة قالت : دخل الحسين بن علي على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو يوحى إليه ، فنزا على رسول الله وهو منكب ، فقال جبرئيل : أتحبّه يا محمد؟ قال : «وما لي لا اُحبّ ابني؟». قال : فإنّ اُمّتك ستقتله

__________________

(١) الخاثر : المضطرب.

(٢) مستدرك الحاكم ٤ / ٣٩٨ ، كنز العمال ٧ / ١٠٦ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ١٥ ، ذخائر العقبى / ١٤٨.

(٣) كنز العمال ٧ / ١٠٦ ، المعجم الكبير للطبراني.

٩٨

من بعدك ، فمدّ جبرئيل فأتاه بتربة بيضاء ، فقال : في هذه الأرض يقتل ابنك هذا ، واسمها الطفّ ، فلمّا ذهب جبرئيل من عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والتربة في يده وهو يبكي ، فقال : «يا عائشة ، إنّ جبرئيل أخبرني أنّ ابني حسيناً مقتول في أرض الطفِّ ، وإنّ اُمّتي ستفتن بعدي».

ثمّ خرج إلى أصحابه وفيهم علي ، وأبو بكر وعمر ، وحذيفة وعمار وأبو ذر ، وهو يبكى ، فبادروا إليه قائلين : ما يبكيك يا رسول الله؟!

ـ «أخبرني جبرئيل أنّ ابني الحسين يُقتل بعدي بأرض الطفِّ ، وجاءني بهذه التربة ، وأخبرني أنّ فيها مضجعه» (١).

٥ ـ روت زينب بنت جحش زوج النبي (صلّى الله عليه وآله) قالت : كان النبي نائماً عندي ، وحسين يحبو في البيت ، فغفلت عنه حتّى أتى النبي فصعد على بطنه ، ثمّ قام النبي يصلّي واحتضنه ، فكان إذا ركع وسجد وضعه ، وإذا قام حمله ، فلمّا جلس جعل يدعو ويرفع يديه ويقول ... فلمّا قضى الصلاة قلتُ له : يا رسول الله ، لقد رأيتك تصنع اليوم شيئاً ما رأيتك تصنعه؟ فقال : «إنّ جبرئيل أتاني فأخبرني أنّ ابني يُقتل ، قلت : فأرني إذاً ، فأتاني بتربة حمراء» (٢).

٦ ـ روى ابن عباس قال : كان الحسين في حجر النبي (صلّى الله عليه وآله) ،

__________________

(١) مجمع الزوائد ٩ / ١٨٧ ، وفي تهذيب الكمال / ٧١ : إنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) أخذ التربة التي جاء بها جبرئيل فجعل يشمّها ويقول : «ويح كرب وبلاء».

(٢) مجمع الزوائد ٩ / ١٨٩.

٩٩

فقال جبرئيل : أتحبّه؟ فقال : «كيف لا اُحبّه وهو ثمرة فؤادي؟!». فقال : إنّ اُمّتك ستقتله. ألا اُريك من موضع قبره؟ فقبض قبضة فإذا تربة حمراء (١).

٧ ـ روى أبو أمامة قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لنسائه : «لا تبكوا هذا الصبي» ـ يعني حسيناً ـ. قال : وكان يوم اُمّ سلمة فنزل جبرئيل فدخل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الداخل ، وقال لاُمّ سلمة : «لا تدعي أحداً يدخل عليّ». فجاء الحسين فلمّا نظر إلى النبي في البيت أراد أن يدخل فأخذته اُمّ سلمة فاحتضنته وجعلت تناغيه ، وتسكنه ، فلمّا اشتدّ في البكاء خلّت عنه ، فدخل حتّى جلس في حجر النبي (صلّى الله عليه وآله) ، فقال جبرئيل للنبي : إنّ اُمّتك ستقتل ابنك هذا.

ـ «يقتلونه وهم مؤمنون بي؟!».

ـ نعم يقتلونه.

وتناول جبرئيل تربة ، فقال له : بمكان كذا وكذا يقتل ، فخرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ـ قد احتضن حسيناً ـ وهو كاسف البال مغموم ، فظنّت اُمّ سلمة أنّه غضب من دخول الصبي عليه ، فقالت : يا نبي الله جعلت لك الفداء! إنّك قد قلت لا تبكوا هذا الصبي ، وأمرتني أن لا أدع أحداً يدخل عليك ، فجاء فخلّيت عنه ، فلم يجِبها النبي بشيء ، وخرج إلى أصحابه ، وهو غارق في الهَمّ والأسى ، فقال لهم : «إنّ اُمّتي يقتلون هذا» ـ وأشار الحسين ـ.

فانبرى إليه أبو بكر وعمر فقالا له :

يا نبي الله ، وهم مؤمنون؟! (٢).

__________________

(١) مجمع الزوائد ٩ / ١٩١.

(٢) مؤمنون : أي مسلمون.

١٠٠