حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ١

باقر شريف القرشي

حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ١

المؤلف:

باقر شريف القرشي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مدرسة العلمية الايرواني
المطبعة: باقري
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٤٤
الجزء ١ الجزء ٣

الأنصاري ، وعدي بن حاتم الطائي ، وجرير البجلي ، والأشعث الكندي ، والوليد بن عتبة ، وعمار بن عتبة ، والفرات بن حيان العجلي ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، واُمّ هاني بنت أبي طالب.

وأقطع أراضي واسعة تدرّ بالربح الكثير لجماعة وهم :

١ ـ طلحة بن عبد الله أقطعه (النشاستج).

٢ ـ عدي بن حاتم منحه (الردحاء).

٣ ـ وائل بن حجر الحضرمي منحه (رضيعة زادر).

٤ ـ خباب بن الأرت منحه (صعبنا).

٥ ـ خالد بن عرفطة أقطعه أرضاً عند (حمام أعين).

٦ ـ الأشعث الكندي أعطاه (ظيز نابار).

٧ ـ جرير بن عبد الله البجلي أقطعه أرضاً على شاطئ الفرات (الجرفين).

٨ ـ عبد الله بن مسعود أقطعه أرضاً بالنهرين.

٩ ـ عبد الله بن مالك الزهري أعطاه قرية (هرمز).

١٠ ـ عمار بن ياسر أعطاه (أسبينا).

١١ ـ الزبير بن العوام أقطعه أرضاً.

١٢ ـ اُسامة بن زيد أقطعه أرضاً ثمّ باعها (١).

هذه بعض الأراضي التي أقطعها عثمان ، وقد اندفع جماعة من الطبقة الارستقراطية إلى شراء أرض العراق الخصبة ، فاشترى طلحة ومروان بن الحكم والأشعث بن قيس (٢) ، ورجال من قبائل العراق حتّى شاع الإقطاع ،

__________________

(١) الحياة الاجتماعية والاقتصادية في الكوفة / ١٤٥ ـ ١٤٦ نقلا عن فتوح البلدان / ٢٧٢.

(٢) خطط الكوفة / ٢١ ، الحضارة الإسلاميّة ١ / ١٢٣.

٣٦١

وظهرت الملكيات الواسعة والإقطاعات الكبيرة ، وقام بزراعتها الموالي والرقيق والأحرار ، وظهر تضخّم المال وكثرة الأتباع عند فريق خاص من الناس. ويرى ما سينون وفلهوزن : إنّ إقطاع هذه الأراضي الزراعية قد حدث قبل أيّام عثمان.

وعلى أيّ حال فإن هذا الإقطاع الكبير قد أوجد النظام الطبقي ، وخلق الصراع بين أبناء الاُمّة.

استئثاره بالأموال :

واستنزف عثمان بيوت الأموال فاصطفى منها لنفسه وعياله ما شاء ، ويقول المؤرّخون : إنه كانت في بيوت الأموال جواهر ثمينة لا تقدّر قيمتها فأخذها وحلى بها بناته ونساءه (١) ، وقد بالغ هو بالذات في البذخ والسرف إلى حدّ لم يألفه المسلمون ؛ فقد أشاد داراً في يثرب فبناها بالحجر والكلس ، وجعل أبوابها من الساج والعرعر ، واقتنى أموالاً وجناناً وعيوناً بالمدينة (٢).

وكان ينضد أسنانه بالذهب ، ويتلبس بأثواب الملوك ، وأنفق الكثير من بيت المال في عمارة ضياعه ودوره (٣). ولمّا قُتل وجد عند خازنه ثلاثون ألف ألف درهم ، وخمسون ومئة ألف دينار ، وترك ألف بعير ، وصدقات ببراديس وخيبر ووادي القرى ما قيمتها مئتا ألف دينار (٤).

__________________

(١) الأنساب ٥ / ٣٦.

(٢) مروج الذهب ١ / ٣٣٤.

(٣) السيرة الحلبية ٢ / ٨٧.

(٤) طبقات ابن سعد ٣ / ٥٣.

٣٦٢

إنّ السياسة المالية التي انتهجها عثمان قد خلقت الطبقية وعادت بالأضرار البالغة على المسلين. يقول محمد كرد علي : لقد أوجدت هذه السياسة المالية طبقتين من الناس الاُولى الطبقة الفاحشة في الثراء التي لا عمل لها إلاّ اللهو والتبطّل ، والاُخرى الطبقة الكادحة التي تزرع الأرض ، وتعمل في الصناعة وتشقى في سبيل اُولئك السّادة ، ومن أجل الحصول على فتات موائدهم.

وترتب على فقدان التوازن في الحياة الاقتصادية انعدام الاستقرار في الحياة السياسية والاجتماعية على السواء ، وقد سارت الدولة الاُمويّة في أيّام حكمها على هذه السياسة ، فأخضعت المال للتيارات السياسية ، وجعلوه سلاحاً ضد أعدائهم ، ونعيماً مباحاً لأنصارهم (١).

وبهذا العرض الموجز ينتهي بنا الحديث عن سياسته المالية التي شذّت عمّا ألزم به الإسلام من التحرّج في أموال الدولة ، ووجوب إنفاقها على مكافحة الفقر وتطوير الحياة الاقتصادية في جميع أنحاء البلاد.

الجبهة المعارضة :

ونقم المسلمون على عثمان ، واشتدّ خيارهم وصلحاؤهم في معارضته ، وقد أنكروا عليه إيثاره لبني اُميّة وآل أبي معيط ، وحملهم على رقاب المسلمين ، ومنحهم خيرات البلاد ووظائف الدولة ، مع إمعانهم في الظلم والجور ، وهو لم يحرك ساكناً تجاههم ، وكان يقابل المعارضين بالشتم والاحتقار.

أمّا الجبهة المعارضة فكانت مختلفة الاتجاه بين اليمين واليسار ، فطلحة والزبير وعائشة ومَن ينتمي إليهم لم يكن الغرض من نقمتهم عليه المطالبة بالإصلاح الاجتماعي وإن تظاهروا بذلك ؛ لإغراء البسطاء والسذج ، وإنما

__________________

(١) الإدارة الإسلاميّة / ٨٢.

٣٦٣

غرضهم الوصول إلى كرسي الحكم والاستيلاء على السلطة ، والظفر بنِعَم البلاد.

أمّا الطائفة الاُخرى من المعارضة فكانت تضمّ أعلام الإسلام وحماة الدين ؛ أمثال عمّار بن ياسر ، وأبي ذر ، وعبد الله بن مسعود ، ونظرائهم من الذين صدقوا ما عاهدوا عليه الله ، وأبلوا في سبيل هذا الدين بلاءً حسناً ، فرأوا أنّ حكومة عثمان قد أماتت السنّة وأحيت البدعة ، ورأوا صادقاً يُكذب ، وإثرة بغير حقٍّ ـ كما يقولون ـ ، فطالبوا عثمان بتغيير سلوكه وأن يتبع الهدى ، ويسير بين المسلمين بالحق ، فلم يعن بهم ، ولو أنه استجاب لنصحهم لجنّب الاُمّة كثيراً من الفتن والمصاعب.

التنكيل بالمعارضين :

وأمعن عثمان بالتنكيل بالمعارضين والمندّدين بسياسته ، فصبّ عليهم جامّ غضبه ، وبالغ في ظلمهم وإرهاقهم إلى حدّ بعيد ، وفيما يلي بعضهم :

١ ـ عمّار بن ياسر :

ومكانة عمّار بن ياسر في الإسلام معلومة ، فهو صاحب النبي (صلّى الله عليه وآله) وخليله ، لقي في سبيل الإسلام أعظم الجهد وأقسى البلاء ، عذّبته قريش مع أبويه أعنف العذاب ، استشهد أبواه في سبيل هذا الدين ، وقد أشاد القرآن الكريم بفضله فقد نزلت في حقّه الآية الكريمة : (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ) (١). وقال تعالى فيه : (أَوَمَنْ

__________________

(١) سورة الزمر / ٩ ، نصّ على نزولها في عمّار القرطبي في تفسيره ٥ / ٢٣٩ ، وابن سعد في طبقاته ٣ / ١٧٨.

٣٦٤

كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) (١).

وقد اهتمّ النبي (صلّى الله عليه وآله) في شأن عمّار اهتماماً فكان موضع عنايته وتبجيله ، وقد سمع (صلّى الله عليه وآله) شخصاً ينال من عمّار ، فتأثّر واندفع يقول : «ما لهم ولعمّار! يدعوهم إلى الجنّة ويدعونه إلى النار. إنّ عمّاراً جلدة ما بين عيني وأنفي ، فإذا بلغ ذلك من الرجل فاجتنبوه» (٢).

ولمّا انتقل النبي (صلّى الله عليه وآله) إلى جنة المأوى كان عمّار من ألمع أصحاب الإمام أمير المؤمنين ، فاختصّ به ولازمه ، وكان من المتخلّفين عن بيعة أبي بكر ، فإنه لم ير أحداً أحقّ بمكانة النبي سوى الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام).

وبعدما فرض عمر عثمان خليفة على المسلمين كان عمّار من أشدّ الناقمين عليه ، وكان السبب في نقمته عليه ما يلي :

١ ـ إنّ عثمان لمّا استأثر بالسفط الذي في بيت المال ، وكان يضمّ الجواهر الثمينة التي لا تثمّن بقيمة ، أنكر عليه الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، وأيّده عمّار ، فقال له عثمان : أعليّ يابن المتكاء (٣) تجترئ؟ وأوعز إلى شرطته بأخذه ، فقبضوا عليه وأدخلوه إلى منزله فضربه ضرباً مبرحاً حتّى غشي عليه ، وحمل إلى منزل اُمّ المؤمنين السّيدة اُمّ سلمة ، ولم يفق من شدّة الضرب حتّى فاتته صلاة الظهرين والمغرب ، فلمّا أفاق قام فتوضّأ وصلّى العشاء ، وقال : الحمد لله ليس هذا أوّل يوم اُوذينا فيه في الله.

وغضبت عائشة فأخرجت شعراً من شعر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وثوباً من ثيابه ، ونعلاً من نعاله ، وقالت : ما أسرع ما تركتم سنّة نبيّكم ، وهذا

__________________

(١) سورة الأنعام / ١٢٢ ، نصّ على نزولها في عمّار السيوطي في تفسيره ١ / ٢٣٩ ، وابن كثير في تفسيره ٢ / ١٧٢.

(٢) سيرة ابن هشام ٢ / ١١٤.

(٣) المتكاء : العظيمة البطن ، والتي لا تمسك بولها.

٣٦٥

شعره وثوبه ونعله لم يبل بعد! وغضب عثمان حتّى لا يدري ما يقول ، ولا يعرف كيف يعتذر عن خطيئته (١).

٢ ـ إنّ أعلام الصحابة رفعوا مذكّرة لعثمان ذكروا فيها أحداثه ومخالفاته للسنّة ، وطالبوه بالكفّ عنها ، فأخذها عمّار ودفعها إليه فقرأ صدراً منها عثمان ، واندفع نحو عمّار فقال له : أعليّ تقدم من بينهم؟

ـ إنّي أنصحهم لك.

ـ كذبت يابن سميّة.

ـ أنا والله ابن سمية وابن ياسر.

وأمر عثمان جلاوزته فمدّوا يديه ورجليه ، وضربه عثمان برجليه على مذاكيره فأصابه الفتق ، وكان ضعيفاً فاُغمي عليه (٢).

٣ ـ إنّ عثمان لمّا نكل بالصحابي العظيم أبي ذر صاحب رسول الله (صلى الله عليه) وآله فنفاه إلى الرَّبذة ، ومات فيها غريباً ، ولمّا جاء نعيه إلى يثرب حزن عليه المسلمون فقال عثمان مستهزئاً : رحمه الله.

فاندفع عمّار ينكر عليه ذلك قائلاً : رحمه الله من كل أنفسنا.

وانتفخت أوداج عثمان ، فقابل عمّار بأفحش القول وأقساه قائلاً : يا عاض أير أبيه! أتراني ندمت على تسييره؟

وهذا الكلام لا يليق بأي رجل عادي فضلاً عن عثمان الذين يزعمون أنّ الملائكة كانت تستحي منه.

__________________

(١) الأنساب ٥ / ٤٨.

(٢) الأنساب ٥ / ٤٩ ، العقد الفريد ٢ / ٢٧٣.

٣٦٦

وأمر عثمان غلمانه فدفعوا عمّاراً ، وأرهقوه كما أمر بنفيه إلى الربذة ، فلمّا تهيّأ للخروج أقبلت بنو مخزوم إلى الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) فسألوه أن يذاكر عثمان في شأنه ، فانطلق نحوه الإمام (عليه السّلام) وقال له : «اتّق الله ، فإنك سيّرت رجلاً صالحاً من المسلمين فهلك في تسييرك ، ثمّ أنت الآن تريد أن تنفي نظيره!».

فثار عثمان وصاح بالإمام : أنت أحقّ بالنفي منه.

ـ «رم إن شئت ذلك».

واجتمع المهاجرون فعذلوه ولاموه على ذلك ، فاستجاب لهم وعفا عن عمّار (١).

إنّ عثمان لم يرعَ مكانة عمّار من النبي (صلّى الله عليه وآله) وسابقته للإسلام ، فاعتدى عليه وبالغ في تنكيله ؛ لأنه أمره بالعدل ، ودعاه إلى الحقِّ.

٢ ـ أبو ذر :

وأبو ذر صاحب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وخليله ، وهو أقدم أصحابه الذين سبقوا للإسلام ، وكان أزهد الناس في الدنيا ، وأقلّهم احتفالاً بمنافعها ، وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يأتمنه حين لا يأتمن أحداً من أصحابه ، ويسرّ إليه حين لا يسرّ إلى أحد (٢) ، وهو أحد الثلاثة الذين أحبّهم الله وأمر نبيّه بحبّهم ، كما أنه أحد الثلاثة (٣) الذين تشتاق لهم الجنة (٤).

ولمّا حدثت الفتن أيّام عثمان واستأثر بنو اُميّة بمنافع الدولة وخيرات

__________________

(١) الأنساب ٥ / ٥٤ ، اليعقوبي ٢ / ١٥٠.

(٢) كنز العمال ٨ / ١٥.

(٣) الثلاثة الذين تشتاق لهم الجنّة : الإمام علي (عليه السّلام) ، وأبو ذر ، وعمّار.

(٤) مجمع الزوائد ٩ / ٣٣٠.

٣٦٧

البلاد ، وقف أبو ذر موقف المسلم المؤمن بدينه ، فأخذ يندّد بسياسة عثمان ويدعوه إلى أن يضع حدّاً للتدهور الاجتماعي ، وقد نهاه عثمان فلم ينتهِ وانطلق يوالي إنكاره ، فكان يقف أمام الذين منحهم عثمان بالثراء العريض ويتلو قول الله تعالى : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ).

وغاظ ذلك مروان بن الحكم الذي تكدّست عنده الأموال الضخمة التي وهبها له عثمان ، وقد ضاق ذرعاً بأبي ذر فشكاه إلى عثمان ، فأرسل إليه ينهاه عن ذلك ، فأبى أبو ذر وقال : أينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله؟! فوالله ، لئن أرضى الله بسخط عثمان أحبّ إليّ وخير لي من أن أسخط الله برضاه.

والتاع عثمان وضاق ذرعاً بأبي ذر ولكنه كظم غيظه ، وراح يفتّش عن الوسائل التي يقضي بها على خصمه.

اعتقاله في الشام :

واستمر الصحابي العظيم أبو ذر يوالي إنكاره على عثمان ، يبغي بذلك وجه الله ويلتمس الدار الآخرة ، لم يخفه الموت ولم تغرّه الحياة ، وقد حنق عليه عثمان وأمر بنفيه إلى الشام ، ويقول المؤرّخون : إنّ عثمان سأل حضّار مجلسه فقال لهم : أيجوز لأحد أن يأخذ من المال فإذا أيسر قضى؟

فانبرى كعب الأحبار ـ وكان خصيصاً بعثمان ـ فأفتاه بالجواز ، وصعب على أبي ذر أن يتدخّل كعب في أمور الدين وهو يهودي النزعة ، ويشكّ في إسلامه فصاح به :

يابن اليهوديِّين ، أتعلّمنا ديننا؟

٣٦٨

فثار عثمان واندفع يناصر كعباً ، فصاح بأبي ذر : ما أكثر أذاك وولعك بأصحابي؟ الحق بمكتبك في الشام.

وأمر به فسيّر إلى الشام ، فلمّا انتهى إليها رأى منكرات معاوية وبدعه ، رآه قد أطلق يديه في بيت المال الذي جمع من جهود الشعب ، فجعل ينكر عليه ويذيع بين المسلمين مساوئ عثمان ، وقد أنكر على معاوية حينما قال : المال مال الله. فقال له : المال مال المسلمين. كما أنكر عليه بناءه الخضراء ، فكان يقول له : يا معاوية ، إن كانت هذه الدار من مال الله فهي الخيانة ، وإن كانت من مالك فهذا الإسراف.

وأخذ يدعو المسلمين إلى اليقظة والحذر من السياسة الاُموية ، وكان يقول لأهل الشام : والله ، لقد حدثت أعمال ما أعرفها ، والله ما هي في كتاب الله ، ولا في سنّة نبيّه ، والله إنّي لأرى حقّاً يطفأ ، وباطلاً يحيا ، وصادقاً يُكذب ، وإثرةً بغير تقىً ، وصالحاً مستأثر عليه (١).

وكان الناس يؤمنون بحديثه ويصدقون مقالته ، وأخذ يبثّ الوعي الاجتماعي ويدعو إلى إنصاف المحرومين ، ويحرّض الفقراء على استرجاع حقوقهم من الفئة الحاكمة ، وخاف الطاغية معاوية أن تندلع نار الثورة عليه ؛ فنهى الناس عن الاجتماع به ، وخاطبه : يا عدو الله ، تؤلب الناس علينا وتصنع ما تصنع! فلو كنت قاتلاً رجلاً من أصحاب محمد من غير إذن أمير المؤمنين ـ يعني عثمان ـ لقتلتك. فردّ عليه البطل العظيم غير حافل بسلطانه قائلاً :

__________________

(١) الأنساب ٥ / ٥٢.

٣٦٩

ما أنا بعدو لله ولا لرسوله ، بل أنت وأبوك عدوّان لله ولرسوله ؛ أظهرتما الإسلام وأبطنتما الكفر.

وظلّ أبو ذر يواصل نشاطه الاجتماعي ودعوته إلى إيقاظ المجتمع ، ويحفزّهم على الثورة ، فالتاع معاوية وكتب إلى عثمان يخبره بخطره عليه ويلتمس منه أن ينقله عنه ، فكتب إليه عثمان أن يرسله على أغلظ مركب وأوعره حتّى يلقى الجهد والعناء ، فأرسله معاوية مع جلاوزة لا يعرفون مكانته ولايحترمون مقامه ، فلم يسمحوا له أن يستريح من الجهد ، ومضوا في سيرهم لا يلون على شيء حتّى تسلّخت بواطن فخذه ، وكاد أن يموت ، ولمّا انتهى إلى يثرب دخل على عثمان وهو منهوك القوى ، فاستقبله عثمان بالجفوة قائلاً : أنت الذي فعلت وفعلت؟!

ـ نصحتك فاستغششتني ، ونصحت صاحبك ـ يعني معاوية ـ فاستغشّني.

فصاح به عثمان : كذبت ، ولكنك تريد الفتنة وتحبّها ، وقد أنغلت الشام علينا.

فوجّه إليه أبو ذر نصيحته قائلاً : اتبع سنّة صاحبيك ـ يعني أبا بكر وعمر ـ لم يكن لأحد عليك كلام.

فثار عثمان وصاح به : ما لك ولذلك لا اُمّ لك؟!

فقال أبو ذر : والله ، ما وجدت لي عذراً إلاّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وصرخ عثمان فقال لمَن في مجلسه :

٣٧٠

أشيروا عليّ في هذا الشيخ الكذاب ؛ إمّا أن أضربه ، أو أحبسه ، أو أقتله فإنه فرّق جماعة المسلمين ، أو أنفيه من أرض الإسلام.

والتاع الإمام أمير المؤمنين فراح يندّد بعثمان ويقول له : «يا عثمان ، سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر».

ولم يحفل أبو ذر بعثمان وإنما مضى في دعوته يواصل إنكاره ، فكان يقول له : تستعمل الصبيان ، وتحمي الحمى ، وتقرّب أولاد الطلقاء؟!

وأخذ يذيع بين المسلمين ما سمعه من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في ذمّ الاُمويِّين ومدى خطرهم على الإسلام ، فكان يقول : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : «إذا كملت بنو اُميّة ثلاثين رجلاً اتّخذوا بلاد الله دولاً ، وعباد الله خولاً ، ودين الله دغلاً» (١).

وأصدر عثمان أوامره بمنع مجالسة أبي ذر ، وحرم مخالطته والكلام معه ؛ لأنه يأمر المعروف وينهى عن المنكر ، ولم يقره على سياسته النكراء.

اعتقاله في الربذة :

واستمر أبو ذر في جهاده وإنكاره على السياسة الاُمويّة ، لم يثنِه عن عزمه جور الاُمويِّين واضطهادهم له ، وقد ضاق عثمان به ذرعاً ، فرأى أنّ خير وسيلة له أن ينفيه عن سائر الأمصار الإسلاميّة ، ويعتقله في بعض

__________________

(١) حياة الإمام الحسن (عليه السّلام) ١ / ٢٥٨.

٣٧١

المجاهيل التي لا سكن فيها ، فأرسل الشرطة خلفه ، فلمّا حضر بادره أبو ذر قائلاً : ويحك يا عثمان! أما رأيت رسول الله ، ورأيت أبا بكر وعمر هل رأيت هذا هديهم؟ إنك لتبطش بي بطش الجبارين.

فقطع عليه عثمان كلامه ، وصاح به : اخرج عنّا من بلادنا.

ـ أتخرجني من حرم رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟!

ـ نعم ، وأنفك راغم.

ـ أخرج إلى مكة؟

ـ لا ، إلى البصرة.

ـ لا ، إلى الكوفة.

ـ لا.

ـ إلى أين أخرج.

ـ إلى الربذة حتّى تموت فيها.

وأوعز إلى مروان بإخراجه فوراً إلى يثرب ، وأمره بأن يخرجه مهان الجانب محطم الكيان ، وحرّم على المسلمين مشايعته والخروج معه ، ولكن أهل الحقّ أبوا إلاّ مخالفة عثمان وسحق أوامره ، فقد خفّ لتوديعه الإمام أمير المؤمنين والحسنان (عليهم السّلام) ، وعقيل وعبد الله بن جعفر ، واشتدّ مروان نحو الإمام الحسن (عليه السّلام) فقال له : إيه يا حسن ، ألا تعلم أنّ عثمان قد نهى عن كلام هذا الرجل؟ فإن كنت لا تعلم فاعلم ذلك.

٣٧٢

وثار الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، فحمل على مروان وضرب اُذني دابته وصاح به : «تنحّ نحّاك الله إلى النار».

وولى مروان منهزماً إلى عثمان يخبره بعصيان أمره والاعتداء عليه.

كلمة الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) :

ووقف الإمام أمير المؤمنين على أبي ذر فودّعه ، وقد غامت عيناه بالدموع ، وألقى عليه هذه الكلمات التي حدّدت أبعاد شخصيته قائلاً له : «يا أبا ذر ، إنك غضبت لله فارج مَن غضبت له ؛ إنّ القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك ، فاترك في أيديهم ما خافوك عليه ، واهرب بما خفتهم عليه ؛ فما أحوجهم إلى ما منعتهم ، وما أغناك عمّا منعوك! وستعلم مَن الرابح غداً والأكثر حسداً. ولو أنّ السماوات والأرض كانتا على عبد رتقاً ثمّ اتقى الله لجعل الله منهما مخرجاً. لا يؤنسك إلاّ الحقّ ، ولا يوحشك إلاّ الباطل ، فلو قبلت دنياهم لأحبّوك ، ولو قرضت منها لآمنوك».

وألقت هذه الكلمات الأضواء على ثورة أبي ذر ، وأنها كانت من أجل الحقّ ومن أجل المبادئ العليا التي جاء بها الإسلام ، وقد خافه القوم على دنياهم وخافوه من أجل نهبهم لثروات الاُمّة ، وتلاعبهم باقتصادها ومقدّراتها ، وقد مجّد الإمام في أبي ذر هذه الروح الطيّبة ، وطلب منه أن يهرب بدينه ليكون بمنجاة من شرور القوم وآثامهم ، فإنه هو الرابح في آخرته والسعيد يوم يلقى الله ، وهم الخاسرون الذين تلفح وجوههم النار وهم فيها خالدون.

٣٧٣

كلمة الإمام الحسن (عليه السّلام) :

وبادر الإمام الحسن نحو عمّه أبي ذر فصافحه وودّعه وداعاً حاراً ، وألقى عليه هذه الكلمات التي تنم عن عظيم مصابه وحزنه :

«يا عمّاه ، لولا أنه ينبغي للمودّع أن يسكت ، وللمشيّع أن ينصرف لقصر الكلام وإن طال الأسف ، وقد أتى القوم إليك ما ترى ، فضع عنك الدنيا بتذكّر فراغها ، وشدّة ما اشتدّ منها برجاء ما بعدها ، واصبر حتّى تلقى نبيّك وهو عنك راضٍ».

كلمة الإمام الحسين (عليه السّلام) :

وانطلق الإمام الحسين إلى أبي ذر ، وقد أخذ منه الأسى مأخذاً عظيماً فألقى عليه هذه الكلمات المشرقة : «يا عمّاه ، إنّ الله تبارك وتعالى قادر أن يغيّر ما قد ترى ، إنّ الله كل يوم هو في شأن ، وقد منعك القوم دنياهم ومنعتهم دينك ، فما أغناك عمّا منعوك ، وأحوجهم إلى ما منعتهم! فاسأل الله الصبر واستعذ به من الجشع والجزع ؛ فإن الصبر من الدين والكرم ، وإنّ الجشع لا يقدّم رزقاً ، والجزع لا يؤخّر أجلاً».

ما أروع هذه الكلمات التي كشفت السّتار عن عداء الاُمويِّين لأبي ذر فإنهم قد خافوه على دنياهم ، وخافوه على مناصبهم ، وقد أمره (عليه السّلام) بالخلود إلى الصبر ، ونهاه عن الجزع ، فإنه لا يؤخّر أجلاً. وقد تذرّع

٣٧٤

الإمام بهذا الخلق العظيم في يوم الطفِّ ؛ فإنه لم يخضع للاُمويِّين ولم يجزع عمّا ألمّ به من عظيم الكوارث والخطوب.

كلمة عمّار بن ياسر :

وأقبل عمار بن ياسر وقد غامت عيناه بالدموع ، فودّع خليله وصاحبه أبا ذر وقال له : لا آنس الله مَن أوحشك ولا آمن مَن أخافك. أما والله ، لو أردت دنياهم لآمنوك ولو رضيت أعمالهم لأحبّوك ، وما منع الناس أن يقولوا بقولك إلاّ الرضا بالدنيا والجزع من الموت ، ومالوا إلى سلطان جماعتهم عليه والملك لمَن غلب ، فوهبوا لهم دينهم ومنحهم القوم دنياهم فخسروا الدنيا والآخرة ألا ذلك هو الخسران المبين.

وبكى أبو ذر بكاءً مرّاً فألقى نظرة الوداع الأخير على أهل البيت الذين أخلص لهم وأخلصوا له ، وتكلّم بهذه الكلمات التي يلمس فيها ذوب قلبه قائلاً : رحمكم الله يا أهل بيت الرحمة ، إذا رأيتكم ذكرت بكم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ما لي بالمدينة سكن ولا شجن غيركم ، إنّي ثقلت على عثمان بالحجاز كما ثقلت على معاوية بالشام ، وكَره أن أجاور أخاه وابن خاله بالمصرين (١) فأُفسد الناس عليهما ، فسيّرني إلى بلد ليس لي به ناصر ولا دافع إلاّ الله. والله ما اُريد إلاّ الله صاحباً ، وما أخشى مع الله وحشة.

وتحرّكت راحلة أبي ذر ، وانصرفت به إلى الربذة مشرّداً عن حرم الله

__________________

(١) المصرين : البصرة ومصر.

٣٧٥

وحرم رسوله ، وقد اُترعت نفسه بالحزن والأسى على فراق أهل البيت (عليهم السّلام) الذين هم وديعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في اُمّته.

لقد مضى أبو ذر إلى الربذة ليموت فيها جوعاً ، وفي يد عثمان ذهب الأرض ينفقه على بني اُميّة وآل أبي معيط ، ويحرمه على أبي ذر شبيه المسيح عيسى بن مريم هدياً وسمتاً.

ولمّا قفل الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) راجعاً من توديع أبي ذر استقبلته جماعة من الناس فأخبروه بغضب عثمان واستيائه منه ؛ لأنه خالف أوامره التي حرمت على المسلمين الكلام مع أبي ذر وتوديعه ، فقال (عليه السّلام) : «غضب الخيل على اللجم» (١).

وبادر عثمان نحو الإمام (عليه السّلام) فصاح به : ما حملك على ردّ رسولي؟

ـ «أمّا مروان فإنه استقبلني يردّني فرددته عن ردّي ؛ وأمّا أمرك فلم أرده».

ـ أوَ لم يبلغك أنّي قد نهيت الناس عن تشييع أبي ذر؟

ـ «أوَ كلّ ما أمرتنا به من شيء يُرى طاعة الله والحقُّ في خلافه اتبعنا فيه أمرك؟».

ـ أقد مروان.

ـ «وما أقيده؟».

ـ ضربت بين اُذني راحلته.

ـ «أمّا راحلتي فهي تلك ؛ فإن أراد أن يضربها كما ضربت راحلته فليفعل ؛ وأمّا أنا فوالله لئن شتمني لأشتمنّك أنت بمثلها ، لا أكذب فيه ولا أقول إلاّ حقّاً».

__________________

(١) يضرب مثلاً لمَن يغضب غضباً لا ينتفع به.

٣٧٦

ـ ولِم لا يشتمك إذ شتمته ، فوالله ما أنت عندي بأفضل منه.

وارتاع الإمام من عثمان الذي هام بحبِّ اُسرته ، فساوى بينه وهو من النبي (صلّى الله عليه وآله) بمنزلة هارون من موسى ، وبين الوزغ ابن الوزغ مروان بن الحكم الذي لعنه النبي (صلّى الله عليه وآله) وهو في صلب أبيه ، وثار الإمام (عليه السّلام) فقال لعثمان : «إليّ تقول هذا القول! وبمروان تعدلني؟! فأنا والله أفضل منك ، وأبي أفضل من أبيك ، واُمّي أفضل من اُمّك ، وهذه نبلي قد نثلتها».

وسكت عثمان ولم يطِق جواباً ، وانصرف الإمام (عليه السّلام) حزيناً قد ساورته الهموم والآلام.

٣ ـ عبد الله بن مسعود :

ونكل عثمان تنكيلاً فظيعا بالصحابي العظيم عبد الله بن مسعود فقد أمعن في قهره وظلمه ؛ أمّا سبب ذلك فهو ما ألمعنا إليه عند البحث عن إمارة الوليد بن عقبة على الكوفة ، فقد نقم عليه عبد الله حينما استقرض من بيت المال ولم يؤدّه إليه ، وقد رفع الوليد إلى عثمان أمره فأنكر على ابن مسعود ذلك فاستقال من منصبه ، وقفل راجعاً إلى يثرب ، فلمّا انتهى إليها كان عثمان على المنبر يخطب ، فلمّا رآه خاطب المسلمين وقال لهم : قدمتْ عليكم دويبة سوء ، مَن يمشي على طعامه يقيء ويسلح.

وردّ عليه ابن مسعود ، وقال له : لست كذلك ، ولكنّي صاحب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوم بدر ويوم بيعة الرضوان.

وأثار كلام عثمان موجة من الغضب والاستياء في المجتمع ، فاندفعت عائشة تعلن سخطها قائلةً له :

٣٧٧

أي عثمان ، أتقول هذا لصاحب رسول الله؟

وأمر عثمان شرطته بإخراج الصحابي العظيم من المسجد ، فاخرج منه وهو مهان الجانب ، وقام إليه أبو عبد الله بن زمعة أو يحموم غلام عثمان فاحتمله ورجلاه تختلفان على عنقه حتّى ضرب به الأرض فدقّ ضلعه ، وثار الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) فخاطب عثمان : «يا عثمان ، أتفعل هذا بصاحب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بقول الوليد بن عقبة؟».

ـ ما بقول الوليد فعلت هذا ، ولكنّي وجّهت زبيد بن الصلت الكندي إلى الكوفة فقال له ابن مسعود : إنّ دم عثمان حلال.

وردّ عليه الإمام (عليه السّلام) : «أحلت عن زبيد على غير ثقة» (١).

وحمل الإمام (عليه السّلام) ابن مسعود إلى منزله ، وقام برعايته حتّى إبل من مرضه ، وقاطعه عثمان وهجره ، وفرض عليه الإقامة الجبرية في يثرب ، وقطع عنه عطاءه ، ومرض ابن مسعود مرضه الذي توفّي فيه ، فدخل عليه عثمان عائداً ، فقال له : ما تشتكي؟

ـ ذنوبي.

ـ ما تشتهي؟

ـ رحمة ربّي.

ـ أدعو لك طبيباً؟

ـ الطبيب أمرضني.

ـ آمر لك بعطائك؟

__________________

(١) الأنساب ٥ / ٣٦.

٣٧٨

ـ منعتنيه وأنا محتاج إليه ، وتعطينه وأنا مستغني عنه!

ـ يكون لولدك.

ـ رزقهم على الله.

ـ استغفر لي يا أبا عبد الرحمان.

ـ أسأل الله أن يأخذ لي منك بحقّي (١).

وانصرف عثمان ، ولم يفُز برضاء ابن مسعود ، ولمّا ثقل حاله أوصى أن لا يصلّي عليه عثمان ، وأن يصلّي عليه صاحبه عمار بن ياسر. ولمّا توفّي قامت الصفوة من أصحابه بتجهيزه ودفنه ولم يُعلموا عثمان بذلك ، فلمّا علم غضب وقال : سبقتموني؟!

فردّ عليه عمار : إنه أوصى أن لا تصلّي عليه.

وقال ابن الزبير :

لأعرفنّكَ بعد الموتِ تندبُني وفي حياتيَ ما زوّدتني زادي (٢)

وننهي بهذا الحديث الكلام عن الجبهة المعارضة التي نقمت على عثمان لاستبداده بأموال الدولة ، وإنفاقها على اُسرته وذويه ، في حين أنّ المجاعة والحرمان قد شملت جميع أنحاء البلاد.

لقد نقم عليه المعارضون ، واشتدّوا في معارضته حينما بدّل سنّة الله ؛ فحمل بني اُميّة وآل أبي معيط على رقاب المسلمين ، وخصّهم بالمناصب العليا في الدولة ، ووهبهم جميع خيرات البلاد.

الثورة :

وكانت الثورة نتيجة للنضج الاجتماعي ، وإصلاحية إلى حدّ كبير ـ كما

__________________

(١) حياة الإمام الحسن (عليه السّلام) ١ / ٢٥٣ ـ ٢٥٤.

(٢) تاريخ ابن كثير ٧ / ١٦٣ ، مستدرك الحاكم ٣ / ١٣.

٣٧٩

يقول العلائلي (١) ـ ، فقد شاع التذمّر وعم السخط ، وأخذت المجالس والأندية تتحدّث عن مظالم عثمان ، واستبداده بشؤون المسلمين ، وتنكيله بخيار المسلمين ، وقد اجتمع أهل الحلّ والعقد فراسلوا جميع الأمصار يستنجدون بهم ، ويطالبونهم بإرسال الجيوش للقيام بقلب الحكم القائم ، وهذا نص مذكّرتهم لأهل مصر :

من المهاجرين الأوّلين وبقية الشورى إلى مَن بمصر من الصحابة والتابعين. أمّا بعد ، أن تعالوا إلينا ، وتداركوا خلافة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قبل أن يسلبها أهلها ، فإن كتاب الله قد بدّل ، وسنّة رسوله قد غيّرت ، وأحكام الخليفتين قد بدّلت ، فننشد الله مَن قرأ كتابنا من بقية أصحاب رسول الله والتابعين بإحسان إلاّ أقبل إلينا ، وأقيموا الحقّ على المنهاج الواضح الذي فارقتم عليه نبيّكم ، وفارقكم عليه الخلفاء ، غلبنا على حقّنا ، واستولى على فيئنا ، وحيل بيننا وبين أمرنا ، وكانت الخلافة بعد نبينا خلافة نبوة ورحمة ، وهي اليوم ملك عضوض ، مَن غلب على شيء أكله (٢).

وحفلت هذه المذكرة بذكر الأحداث الخطيرة التي ارتكبتها حكومة عثمان وهي :

١ ـ تبديل كتاب الله وإلغاء أحكامه ، ونبذ نصوصه.

٢ ـ تغيير سنّة النبي (صلّى الله عليه وآله) وإهمال تشريعاته الاقتصادية والاجتماعية.

٣ ـ تبديل أحكام الخليفتين.

٤ ـ استئثار السلطة بالفيء وإنفاقها على رغباتها ومصالحها الخاصة.

__________________

(١) الإمام الحسين (عليه السّلام) / ٦٦.

(٢) الإمامة والسياسة ١ / ٣٥.

٣٨٠