حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ١

باقر شريف القرشي

حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ١

المؤلف:

باقر شريف القرشي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مدرسة العلمية الايرواني
المطبعة: باقري
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٤٤
الجزء ١ الجزء ٣

رابعاً : من غريب أمر هذه الشورى أنّ عمر قد شهد في حقّ أعضائها أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) مات وهو عنهم راضٍ ، أو أنه شهد لهم بالجنّة ، وقد عهد إلى الشرطة بضرب أعناقهم إن تأخّروا عن انتخاب أحدهم ـ حسب ما ذكرناه ـ. ويقول الناقدون لهذه الشورى : إنّ التخلّف عن الانتخاب لم يكن خروجاً عن الدين ، ولا مروقاً عن الإسلام حتّى تباح دماؤهم؟!

فلم يتفق هذا الحكم مع ما أثر عن الإسلام في حرمة إراقة الدماء ، ووجوب التحرّج فيها إلاّ في مواضع مخصوصة ذكرها الفقهاء ، وهذا ليس منها.

بقي هنا شيء آخر لا يقل غرابة عن ذلك التناقض ، وهو أنّ عمر إنما قصر أعضاء الشورى على السّتة بحجّة أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مات وهو عنهم راضٍ ، وهذه الحجّة لا تصلح دليلاً على التعيين ؛ لأنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مات وهو راضٍ عن كثير من صحابته ، فتقديم السّتة عليهم غنما هو من باب الترجيح بلا مرجح ، وهو مما يتّسم بالقبح كما يقول علماء الاُصول.

خامساً : إنّ مما يؤخذ على هذه الشورى أنّ عمر جعل الترجيح للجبهة التي تضمّ عبد الرحمان بن عوف ، وقدّمها على الجبهة التي تضمّ الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، وهو تحيّز ظاهر للقوى القرشية الحاقدة على الإمام والباغية عليه ، كما أنّا لا نعلم أنّ هناك أيّ مأثرة يمتاز بها ابن عوف يستحقّ بها هذه الإشادة والتكريم! أليس هو وإخوانه من المهاجرين كطلحة والزبير وغيرهم قد استأثروا بأموال المسلمين وفيئهم حتّى ملكوا من الثراء العريض ما لا يحصى ، وتحيّروا في صرفه وإنفاقه؟ وقد ترك ابن عوف ـ فيما يقول المؤرّخون ـ من الذهب ما يُكسر بالفؤوس لكثرته ، أمثْل هذا يُقدّم على الإمام (عليه السّلام) وهو صاحب المواهب والعبقريات الذي لا ندّ له

٣٢١

في علمه وتقواه وتحرّجه في الدين ، والله تعالى يقول في كتابه : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ)؟!

سادساً : إنّ هذه الشورى أوجدت التنافس بين أعضائها ؛ فإنّ كل واحد منهم قد رأى نفسه ندّاً للآخر وكفوأً له ، ولم يكونوا قبل ذلك على هذا الرأي ، فقد كان سعد خاضعاً لعبد الرحمان ، وعبد الرحمان تابع لعثمان ومن خلص أصحابه ومناصريه ، وبعد الشورى حدث بينهما انشقاق غريب ، فكان عبد الرحمان يؤلّب على عثمان ، ويدعو علياً ليحمل كل منهما سيفه ليناجزه.

وقد عهد إلى أوليائه بعد موته أن لا يصلّي عليه عثمان ، وكذلك كان الزبير شيعة للإمام ، وقد وقف إلى جانبه يوم السقيفة ، وتحمّل في سبيله ضروباً شاقّة وعسيرة من الجهد والعناء ، وقد قال في عهد عمر : والله ، لو مات عمر بايعت علياً.

ولكن الشورى قد نفخت فيه روح الطموح فرأى نفسه ندّاً للإمام ففارقه وخرج عليه يوم الجمل ، وهكذا أوجدت الشورى روح التخاصم والعداء بين أعضائها ، فقد رأى كل واحد منهم أنه أولى بالأمر وأحقّ به من غيره ، وقد أدّى التخاصم والنزاع الذي وقع بينهم إلى تصديع كلمة المسلمين وتشتيت شملهم ، وقد أعلن هذه الظاهرة معاوية بن أبي سفيان في حديث مع أبي الحصين الذي أوفده زياد لمقابلته ، فقد قال له معاوية : بلغني أنّ عندك ذهناً وعقلاً ، فأخبرني عن شيء أسألك عنه؟

ـ سلني عمّا بدا لك.

ـ أخبرني ، ما الذي شتّت شمل أمر المسلمين وملأهم وخالف بينهم؟

ـ قتل الناس عثمان.

ـ ما صنعت شيئاً.

ـ مسير علي إليك وقتاله إيّاك.

٣٢٢

ـ ما صنعت شيئاً.

ـ مسير طلحة والزبير وعائشة ، وقتال علي إيّاهم.

ـ ما صنعت شيئاً.

ـ ما عندي غير هذا.

ـ أنا اُخبرك أنه لم يشتّت بين المسلمين ولا فرّق أهواءهم إلاّ الشورى التي جعلها عمر إلى ستة نفر ، وذلك أنّ الله بعث محمداً بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، فعمل بما أمره الله به ثمّ قبضه الله إليه ، وقدّم أبا بكر للصلاة فرضوه لأمر دنياهم إذ رضيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لأمر دينهم ، فعمل بسنّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وسار بسيرته حتّى قبضه الله ، واستخلف عمر فعمل بمثل سيرته ، ثمّ جعلها شورى بين ستة نفر فلم يكن رجل منهم إلاّ رجاها لنفسه ، ورجاها له قومه وتطلّعت إلى ذلك نفسه ، ولو أنّ عمر استخلف عليهم كما استخلف أبو بكر ما كان في ذلك خلاف (١).

إنّ من المظاهر الأوّلية لهذه الشورى إشاعة الأطماع والأهواء السياسية بشكل سافر عند بعض أعضائها ، فاندفعوا إلى خلق الحزبية والتكتلات في المجتمع الإسلامي للوصول إلى كرسي الحكم ، ممّا أدّى ذلك إلى كثير من المضاعفات السيّئة وقد امتحن بها المسلمون امتحاناً عسيراً.

هذه بعض آفات الشورى التي عانى منها المسلمون أقسى ألوان الكوارث والخطوب ، فقد مهّدت الطريق أمام الطلقاء وأبنائهم للاستيلاء على السلطة والقبض على زمام الحكم ، وتخطيط سياسة للدولة لم يألفها المسلمون. ومن أبرز برامجها الاستئثار بالفيء ، ونهب ثروات الاُمّة وخيراتها ، والإمعان في ظلم الأخيار ، والتنكيل بعترة النبي (صلّى الله عليه وآله).

__________________

(١) العقد الفريد ٣ / ٧٣ ـ ٧٤.

٣٢٣

عملية الانتخاب :

ولمّا مضى عمر إلى ربّه ، ودفن في مقرّه الأخير أحاط البوليس بأعضاء الشورى فألزمهم بالاجتماع ، واختيار حاكم للمسلمين من بينهم تنفيذاً لوصية عمر ، فاجتمعوا في بيت المال ، وقيل : في بيت مسرور بن مخرمة ، وقد أشرف على الانتخاب الإمام الحسن (عليه السّلام) ، وعبد الله بن عباس ، وبادر المغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص فجلسا في عتبة الباب ، فنهرهما سعد وقال لهما : تريدان أن تقولا حضرنا وكنّا في أهل الشورى (١)؟

ودلّت هذه البادرة على مدى التنافس والأحقاد فيما بين القوم ، فقد ضنَّ سعد على المغيرة وابن العاص بالحضور خشية أن يقولا للناس كنّا من أهل الشورى.

وتداول الأعضاء فيما بينهم الحديث عمّن هو أحقّ بالأمر وأولى به ، وكثر الصخب والجدل ، وانبرى إليهم الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) فحذّرهم مغبّة ما يحدث من الفتن والفساد إن استجابوا لعواطفهم ، ولم يؤثروا مصلحة الاُمّة ، فقال : «لم يسرع أحد قبلي إلى دعوة حقٍّ ، وصلة رحم ، وعائدة كرم ، فاسمعوا قولي وعوا منطقي ؛ عسى أن تروا هذا الأمر من بعد هذا اليوم تنتضي فيه السيوف ، وتخان فيه العهود ، حتّى يكون بعضكم أئمة لأهل الضلال ، وشيعة لأهل الجهالة» (٢).

إنهم لو سمعوا قوله ووعوا منطقه لصانوا الاُمّة من التيارات الجارفة ،

__________________

(١) تاريخ ابن الأثير.

(٢) نهج البلاغة محمد عبده ٢٥ / ٣١.

٣٢٤

وعادوا عليها بالخير العميم ، ولكنهم انطلقوا وراء شهوات المُلك والسلطان ، وتحقق ما تنبّأ به الإمام ؛ فلم يمضِ قليل من الوقت حتّى انتضت السيوف وانتشرت الحروب ، وسادت الفتن والأهواء ، وصار بعضهم أئمة لأهل الضلالة وشيعة لأهل الجهالة.

وعمّ الجدل بين القوم فلم ينتهوا إلى غاية مريحة فانفضت الجلسة على غير طائل ، وجماهير الشعب تنتظر بفارغ الصبر النتيجة الحاسمة ، وعقد الاجتماع مرّة اُخرى إلاّ أنّه باء بالفشل ، فأشرف عليهم أبو طلحة الأنصاري وهو يتهدّد ويتوعّد ، قائلاً : لا والذي نفس عمر بيده ، لا أزيدكم على الأيّام الثلاثة التي أمرتم.

واقترب اليوم الثالث ، وهو آخر موعد للقوم ، فانعقد الاجتماع وبدت فجأة الاندفاعات القبلية التي شذت عن مصلحة الاُمّة ، فقد انبرى طلحة فوهب حقّه لعثمان ، وإنما فعل ذلك استجابة لعواطفه المترعة بالكراهية للإمام ؛ لأنه نافس ابن عمّه أبا بكر على الخلافة ، واندفع الزبير فوهب حقّه للإمام ؛ لأنه تربطه به رحم ماسّة. وانطلق سعد فوهب حقّه لابن عمّه عبد الرحمان بن عوف ؛ تقوية لجانبه ، وتعزيزاً لمركزه.

وكان رأي عبد الرحمان هو الفيصل ، وجانبه هو المرموق ؛ لأن عمر قد وضع ثقته به ، وأناط به أمر الشورى ، إلاّ أنه كان ضعيف الشخصية هزيل الإرادة ، لا قدرة له على تحمّل مسؤولية الحكم فأجمع رأيه على أن يرشّح غيره للخلافة ، وكان له هوى مع عثمان ؛ لأنه صهره ، وقد استشار عامّة القرشيِّين في الأمر فزهدوه في علي ، وحرّضوه على انتخاب عثمان ؛ لأنه يحقق أطماعهم ورغباتهم.

٣٢٥

وحلّت الساعة الرهيبة التي غيّرت مجرى التاريخ ، فقال عبد الرحمان لابن اُخته : يا مسوّر ، اذهب فادعُ علياً وعثمان.

ـ بأيّهما أبدأ؟

ـ بأيّهما شئت.

وانطلق مسور فدعاهما وازدحم المهاجرون والأنصار وسائر الناس في الجامع ، فانبرى عبد الرحمان فعرض عليهم الأمر وقال : أيها الناس ، إنّ الناس قد اجتمعوا على أن يرجع أهل الأمصار إلى أمصارهم فأشيروا عليّ.

فتقدّم إليه الطيّب ابن الطيّب عمار بن ياسر فأشار عليه بما يضمن للاُمّة سلامتها ويصونها من الفرقة والاختلاف قائلاً : إن أردت أن لا يختلف المسلمون فبايع علياً.

وانطلق المقداد فأيّد مقالة عمار قائلاً : صدّق عمار ، إن بايعت علياً سمعنا وأطعنا.

واندفعت القوى الباغية والحاقدة على الإسلام وهي تشجب مقالة عمار والمقداد ، وتدعوا إلى ترشيح عثمان عميد الاُمويِّين ، وقد هتف عبد الله بن أبي سرح فخاطب ابن عوف قائلاً : إن أردت أن لا تختلف قريش فبايع عثمان. واندفع عبد الله بن أبي ربيعة فأيّد مقالة زميله قائلاً : إن بايعت عثمان سمعنا وأطعنا.

وانبرى الصحابي العظيم عمار بن ياسر فردّ على ابن أبي سرح قائلاً : متى كنت تنصح للمسلمين؟

وصدق عمّار فمتى كان ابن أبي سرح ينصح المسلمين أو يرجو وقاراً

٣٢٦

للإسلام ، فقد كان من أعدى الناس إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وقد أمر بقتله بعد فتح مكة ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة (١). إنه لو كان هناك أيّ منطق أو حساب لأقصى هذا الدعي وأمثاله من التدخّل في شؤون المسلمين ، فإنّ بني اُميّة وسائر القبائل القرشية يجب أن تكون في ذيل القافلة ولا يعنى بأمرها ؛ لأنها هي التي ناجزت النبي (صلّى الله عليه وآله) وحرّضت عليه القبائل وكادته ، وما دخلت في الإسلام إلاّ بعد الخوف من حدّ السيوف ، فكيف يُسمح لها أن تفرض رأيها ، ويؤول إليها أمر المسلمين؟

واحتدم الجدال بين الهاشميِّين والاُمويِّين ، فانبرى عمار بن ياسر وهو يدعو لصالح المسلمين قائلاً : أيها الناس ، إنّ الله أكرمنا بنبيّه ، وأعزّنا بدينه ، فإلى متى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم؟!

لقد كان منطق عمار حافلاً بروح الإسلام وهديه ، فإنّ قريشاً وسائر العرب إنما أعزّها الله بدينه ، وأسعدها برسوله ، فهو مصدر عزّ العرب وشرفهم ، وكان الواجب عليهم أن يقابلوه بالمعروف والإحسان ، فلا يخرجون هذا الأمر عن أهله الذين هُم سدنة علمه ، وخزنة وحيّه ، إنه ليس من العدل في شيء أن يمنعوا جاهدين في قهرهم وإذلالهم.

وانبرى رجل من مخزوم فقطع على عمّار كلامه قائلاً له : لقد عدوت طورك يابن سميّة ، وما أنت وتأمير قريش لأنفسها؟

ولم يدخل أيّ بصيص من نور الإسلام وهديه في قلب هذا المخزومي ، فقد راح يندّد بعمار فنسبه لاُمّه سمية وهي ممّن يعتزّ بها الإسلام ، ويفخر بنضالها المشرق ، وتضحيتها الفذّة ، فهي وزوجها ياسر وابنهما البار في

__________________

(١) الاستيعاب ٢ / ٣٧٥.

٣٢٧

طليعة القوى الخيّرة المؤسّسة للإسلام ، وقد عانت في سبيله أقسى ألوان المحن والخطوب.

إنّ أمر الخلافة لجميع المسلمين يشترك فيه ابن سميّة وغيره من الضعفاء الذين أعزّهم الله بدينه ، وليس لطغاة قريش أيّ حق في التدخّل بشؤون المسلمين لو كان هناك منطق أو حساب.

وكثر النزاع واحتدم الجدال بين القوى الإسلاميّة وبين القرشيين ، فخاف سعد أن يفوت الأمر من القوم ، فالتفت إلى ابن عمّه عبد الرحمن قائلاً له : يا عبد الرحمن ، افرغ من أمرك قبل أن يفتتن الناس. والتفت عبد الرحمن إلى الإمام (عليه السّلام) : هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنّة نبيّه ، وفعل أبي بكر وعمر؟ ورمقه الإمام (عليه السّلام) بطرفه وعرف غايته ، فأجابه بمنطق الإسلام ومنطق الأحرار : «بل على كتاب الله ، وسنّة رسوله ، واجتهاد رأيي».

إنّ مصدر التشريع في الإسلام إنما هو كتاب الله وسنّة نبيّه ، فعلى ضوئها تعالج مشاكل الرعيّة ، ويسير نظام الدولة ، وليس فعل أبي بكر وعمر من مصادر التشريع الإسلامي ، على أنهما اختلفا أشدّ الاختلاف في النظم السياسية ، فقد انتهج أبو بكر في سياسته المالية منهجاً أقرب إلى المساواة من سياسة عمر ، فإنه ألغى المساواة في العطاء وأوجد نظام الطبقية ، فقدّم بعض المسلمين على بعض ، وشرّع حرمة المتعتين : متعة الحج ومتعة النساء ، في حين أنهما كانتا مشروعتين في عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأبي بكر. وكانت له آراؤه الخاصة في كثير من المجالات التشريعية ،

٣٢٨

فعلى أيّ المنهجين يسير ابن أبي طالب ربيب الوحي ورائد العدالة الاجتماعية في الإسلام؟!

إنّ ابن عوف يعلم علماً جازماً لا يخامره أدنى شكّ أنّ الإمام لو تقلّد زمام الحكم لطبّق شريعة الله في الأرض ، وساس المسلمين سياسة قوامها العدل الخالص والحقّ المحض ، ولم يمنح الاُسر القرشيّة أيّ جهة من الامتياز وساوى بينها وبين غيرها في جميع الحقوق والواجبات ، فتفوت بذلك مصالح هذه الطبقة التي جنت على الإسلام ، وجرّت للمسلمين أعظم الويلات والخطوب.

إنّ الإمام لو وافق على الالتزام بما شرط عليه ابن عوف لَما أمكنه أن يطبّق أيّ منهج من مناهج سياسته الهادفة إلى نشر العدل بين الناس ، ومن المقطوع به أنّ الإمام حتّى لو التزم بهذا الشرط ظاهراً لحالت قريش بينه وبين تطبيق أهدافه ، ولم تدع له أيّ مجال لتحقيق العدالة الاجتماعية ، ويكون خروجها عليه مشروعاً ؛ لأنه لم يفِ لها بوعده.

وعلى أيّ حال فإن عبد الرحمن لمّا يئس من تغيير اتّجاه الإمام انبرى إلى عثمان فشرط عليه ذلك فسارع إلى إجابته ، وأظهر استعداده الكامل لكل ما شرطه عليه ، وفيما أحسب أنّ هناك اتفاقاً سريّاً بينهما أحيط بكثير من الكتمان ، فإنه بأيّ حال لا ينتخب الإمام وإن أجابه إلى ما شرطه عليه ، وإنما طلب منه البيعة لأجل التغطية على مخططاته فاستعمل هذه المناورة السياسية ، ويرى بعض المؤرّخين من الإفرنج إلى أنّ عبد الرحمن استعمل طريقة المداورة والانتهازية ، ولم يترك الانتخاب يجري حرّاً.

يقول المؤرّخون : إنّ عبد الرحمن بادر إلى عثمان فصفق بكفه على يده وقال له : اللّهمّ إنّي قد جعلت ما في رقبتي من ذاك في رقبة عثمان.

٣٢٩

ووقعت هذه المبادرة كصاعقة على القوى الخيّرة التي جهدت على أن يسود حكم الله بين المسلمين ، وانطلق الإمام صوب ابن عوف فخاطبه قائلاً : «والله ، ما فعلتها إلاّ لأنك رجوت منه ما رجا صاحبكما من صاحبه. دقّ الله بينكما عطرَ منشِم» (١).

وألقى الإمام (عليه السّلام) الأضواء على اختيار عبد الرحمان لعثمان من أنه لم يكن من صالح الاُمّة وإنما كان وليد الأطماع والأهواء السياسية ، فقد رجا ابن عوف أن يكون خليفة من بعد عثمان ، واتّجه الإمام صوب القرشيين فقال لهم : «ليس هو أوّل يوم تظاهرتم فيه علينا ، فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ».

ولذع منطق الإمام ابن عوف فراح يهدّده : يا علي ، لا تجعل على نفسك سبيلاً.

وغادر الإمام المظلوم المهتضم قاعة الاجتماع ، وهو يقول : «سيبلغ الكتاب أجله».

وانطلق ابن الإسلام البار عمار بن ياسر فخاطب ابن عوف : يا عبد الرحمان ، أما والله لقد تركته وإنه من الذين يقضون بالحقِّ وبه كانوا يعدلون.

وكان المقداد ممّن ذابت نفسه أسىً وحزناً ، وراح يقول :

__________________

(١) منشِم (بكسر الشين) : اسم امرأة بمكّة كانت عطّارة ، وكانت خزاعة وجرهم إذا أرادوا القتال تطيّبوا من طيبها ، فإذا فعلوا ذلك كثرت القتلى فيما بينهم ، فكان يقال : أشأم من عطر منشم. جاء ذلك في صحاح الجوهري ٥ / ٢٠٤١. وقد استجاب الله دعاء الإمام (عليه السّلام) فكانت بين عثمان وعبد الرحمان أشدّ المنافرة والخصومة ، وقد أوصى ابن عوف أن لا يصلّي عليه عثمان بعد موته.

٣٣٠

تا الله ، ما رأيت مثل ما أتي إلى أهل هذا البيت بعد نبيّهم!

وا عجباً لقريش! لقد تركت رجلاً ما أقول ولا أعلم أنّ أحداً أقضى بالعدل ، ولا أعلم ولا أتقى منه لو أجد أعواناً.

وقطع عليه عبد الرحمان كلامه وراح يحذّره من الفتنة قائلاً : اتق الله يا مقداد ، فإني خائف عليك الفتنة.

وانتهت بذلك مأساة الشورى التي أخلدت للمسلمين الفتن وألقتهم في شرٍّ عظيم ، فلم يرعَ في تأسيسها وتنفيذها بهذا الشكل أيّ حقّ للاُسرة النبوية ، وإنما عمد القوم بشكل سافر إلى الغضّ من شأنها ، ومعاملتها معاملة عادية اتّسمت بالحقد والكراهية لها ، وضاعت بذلك وصايا النبي (صلّى الله عليه وآله) في حقّها ، ولم يعنَ بما قاله في شأنها من أنها عديلة الكتاب العظيم ، أو كسفينة نوح مَن ركبها نجا ومَن تخلّف عنها غرق غرق وهوى.

لقد شاهد الإمام الحسين (عليه السّلام) وهو في غضارة العمر فصول هذه الشورى ، وما أعقبته من انتشار الأطماع السياسية ، والتهالك على السلطة بشكل فظيع ، مما أدّى إلى تشكيل الأحزاب ، والتسلّح بأسباب القوّة لأجل الفوز بالحكم والظفر بخيراته ، يقول الشاعر :

إني أرى فتنةً هاجتْ مراجلُها

والمُلكُ بعد أبي ليلٍ لمَن غلبا

لقد أصبح الحُكم هو الأمل المنشود والحلم الذي يداعب جميع الفئات ، يقول الجهيشاري : لمّا توفّي يزيد بن عبد الملك وأفضي الأمر إلى هشام أتاه الخبر وهو في ضيعة له مع جماعة ، فلمّا قرأ الكتاب سجد وسجد مَن كان معه من أصحابه خلا سعيد فإنه لم يسجد ، فأنكر عليه هشام وقال له : لِمَ لَم تسجد؟

ـ علامَ أسجد؟ أعلى إن كنت معنا فطرت إلى السماء.

ـ إنّا طيّرناك معنا.

٣٣١

ـ الآن طاب السجود. وسجد معهم (١).

ودلّت هذه البادرة وأمثالها ـ مما ذكره المؤرّخون ـ على تهالك ذلك المجتمع على الحكم ، لا من أجل أن يتخذ وسيلة للصلاح الاجتماعي وتطوير حياة الاُمّة حسب ما يريده الإسلام ، وإنما من أجل الأطماع والاستعلاء على الناس.

وعلى أيّ حال ، فإن تلك الأحداث المؤلمة قد باعدت ما بين القوم وبين دينهم ، وكان لها الأثر الايجابي في هضم العترة الطاهرة ، وتعاقب الخطوب المفزعة عليها ، ومن بينها كارثة كربلاء الخالدة في دنيا الأحزان ، وبهذا ينتهي بنا الحديث عن حكومة الشيخين.

__________________

(١) الوزراء والكتاب / ٥٩.

٣٣٢

حكومة عثمان

٣٣٣
٣٣٤

واستقبل المسلمون خلافة عثمان بكثير من القلق والوجوم والاضطراب ، وفزعت القوى الخيّرة وخافت على دينها ، واعتبرت فوز الاُمويِّين بالحكم انتصاراً للقوى المناهضة للإسلام.

ويرى (دوزي) : إنّ انتصار الاُمويِّين إنما هو انتصار للجماعة التي كانت تضمر العداء للإسلام (١).

وتحقق ما خشيه المسلمون وخافوه ، فإنه لم يمضِ قليل من الوقت حتّى جهدت حكومة عثمان على مملاة القرشيين ، ومصانعة الوجوه والأعيان ، ومنحهم الامتيازات الخاصة وتسليطهم على فيء المسلمين وخراجهم ، والتلاعب باقتصاد الدولة ، ومنح الوظائف العالية لبني اُميّة وآل أبي معيط وغيرهم من الذين لا يرجون لله وقاراً ، حتّى سادت الفوضى وعمّت الفتن جميع أرجاء البلاد.

وعلى أي حال ، فإنّ عثمان حينما فرضه ابن عوف خليفة على المسلمين حفّت به بنو اُميّة وسائر القبائل القرشية ، وهم يعلنون الدعم الكامل لحكومته ، ويهتفون بحياته ، وجاؤوا به يزفّونه إلى مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ليعلن سياسة دولته وموقفها تجاه القضايا الداخلية والخارجية. واعتلى أعواد المنبر فجلس في الموضع الذي كان يجلس فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ولم يجلس فيه أبو بكر وعمر ، وإنما كان يجلس أبو بكر دونه بمرقاة ، وعمر كان يجلس دونه بمرقاة ، وتكلم الناس في ذلك فقال بعضهم : اليوم وُلد الشرّ (٢).

واتّجهت الناس بقلوبها ومشاعرها لتسمع الخطاب السياسي الذي يلقيه عثمان إلاّ إنّه حينما نظر إلى الجماهير ارتجّ عليه ، فلم يدرِ ما يقول وجهد نفسه فتكلم بهذه الكلمات المضطربة التي لم تلق أي أضواء على سياسته ، فقد قال :

__________________

(١) اتجاهات الشعر العربي / ٢٦.

(٢) تاريخ ابن كثير ٧ / ١٤٨ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٤٠.

٣٣٥

أما بعد ، فإنّ أول مركب صعب ، وما كنا خطباء ، وسيعلم الله وإنّ امرأً ليس بينه وبين آدم إلاّ أب ميت لموعوظ (١). ونزل عن المنبر وهو وجل القلب ، مصفرّ الوجه ، فجعل الناس ينظر بعضهم إلى بعض وهم يهزؤون ويسخرون.

ولا بدّ لنا من الإلمام بمظاهر شخصيته والوقوف على اتجاهاته السياسية ، كما لابد من التأمل في الأحداث التي رافقت حكومته والتي كان لها التأثير المباشر في كثير من الفتن والخطوب التي مُني بها العالم الإسلامي ، ونحن لا نجد بُداً من عرض ذلك ؛ لأنّ دراسة هذه الأحداث تلقى الأضواء على حياة الإمام الحسين (عليه السلام) ، ويكشف لنا كثيراً من جوانب كارثة كربلاء التي جاءت نتيجة حتمية لتلك الأحداث التي لعبت دورها الخطير في تغيير مناحي العقيدة الإسلاميّة.

مظاهر شخصيته :

أما المظاهر الكاشفة عن أبعاد شخصية عثمان ، والمحددة لذاتياته ، فأهمها ما يلي :

١ ـ إنّه كان ضعيف الإرادة خائر العزيمة ، فلم تكن له أيّة شخصية قوية متماسكة يستطيع بها أن يفرض آراءه وإرادته ، كما لم تكن له أيّة قدرة على مواجهة الأحداث والتغلب عليها ، قد أخذ الاُمويّون بزمامه ، واستولوا على جميع مقدرات حكومته ، فلم يستطع أن يقف موقفاً إيجابياً يتّسم بالصلابة ضد رغباتهم وأهوائهم ، فكان بالنسبة إليهم ـ فيما يقول بعض المؤرّخين ـ كالميت في يد الغاسل ، وكان الذي يدير شؤون دولته مروان بن الحكم ، فهو الذي يعطي ما يشاء ويمنع مَنْ يشاء ، ويتصرّف في

__________________

(١) الموفقيّات / ٢٠٢.

٣٣٦

مقدّرات الاُمّة حسب ميوله من دون أن يعني بأحكام الإسلام ، ولا رأى لعثمان ولا اختيار له في جميع الأحداث التي تواجه حكومته ؛ فقد وثق بمروان واعتمد عليه ، وأناط به جميع شؤون الدولة.

يقول ابن أبي الحديد نقلاً عن بعض مشايخه : إنّ الخليفة في الحقيقة والواقع إنما كان مروان ، وعثمان له اسم الخلافة.

إنّ قوة الإرادة لها الأثر التام في تكوين الشخصية واستقامتها ، فهي تكسب الشخص قوة ذاتية يستطيع أن يقف بحزم أمام التيارات والأعاصير التي تواجهه في هذه الحياة ، ومن المستحيل أن يحقق الشخص أي هدف لاُمّته ووطنه من دون أن تتوفر فيه هذه النزعة ، وقد منع الإسلام منعاً باتاً أن يتولى ضعيف الإرادة قيادة الاُمّة ، وحظر عليه مزاولة الحكم ؛ لأنّه يعرض البلاد للويلات والخطوب ، ويغري ذوي القوة بالتمرّد والخروج من الطاعة ، وتمنى الاُمّة بالأزمات والأخطار.

ووصفه بعض المؤرّخين بالرأفة والرقّة ، واللين والتسامح إلاّ أن ذلك كان مع اُسرته وذويه ، أما مع الجبهة المعارضة لحكومته فقد كان شديد القسوة ؛ فقد بالغ في إرهاقهم واضطهادهم ، وقابلهم بمزيد من العسف والعنف ؛ فنفى أبا ذر من يثرب إلى الربذة ، وفرض عليه الإقامة الجبرية في مكان انعدمت فيه جميع وسائل الحياة حتّى مات طريداً غريباً ، ونكل بالصحابي العظيم عمار بن ياسر فأمر بضربه حتّى أصابه فتق ، وألقته شرطته في الطريق مغمى عليه ، وأوعز إلى شرطته بضرب القارئ الكبير عبد الله بن مسعود فألهبت جسمه سياطهم ، وألقوه في الطريق بعد أن هشموا بعض أضلاعه ، وحرم عليه عطاءه ، وهكذا اشتدّ في القسوة مع أعلام المعارضة.

نعم كان شديد الرأفة والرقّة بأرحامه من بني اُميّة وآل أبي معيط ؛

٣٣٧

فمنحهم خيرات البلاد ، وحملهم على رقاب الناس ، وأسند إليهم جميع المناصب الحساسة في الدولة.

٢ ـ وظاهرة ثانية من نزعات عثمان هو أنه كان شديد القبلية فقد أترعت نفسه بالعواطف الجياشة تجاه قبيلته ، حتّى تمنى أن تكون مفاتيح الفردوس بيده ليهبها لبني اُميّة ، وقد آثرهم بالفيء ، ومنحهم الثراء العريض ، ووهبهم الملايين من أموال الدولة ، وجعلهم ولاة على الأقطار والأقاليم الإسلاميّة. وكانت تتواتر لديه الأخبار بأنهم جانبوا الحقَّ ، وظلموا الرعية ، وأشاعوا الفساد في الأرض ، فلم يعنَ بذلك ، ولم يفتح معهم أي لون من ألوان التحقيق ، وردّ الشكاوى الموجّهة ضدّهم. وسنعرض لذلك بمزيد من التفصيل.

٣ ـ والظاهرة الثالثة من نزعات عثمان هو أنّه كان يميل إلى الترف والبذخ ، ولم يعن ببساطة العيش والزهد في الدنيا كما كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فافتتن بالبذخ والترف ؛ فأخذ القصور ، واصطفى لنفسه ما شاء من بيت المال ، وأحاط نفسه بالثراء العريض من دون أن يتحرّج في ذلك.

ووصفه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله : «نافجاً حضنيه بين نثيله ومعتلفه». وكان ذلك من موجبات النقمة عليه ، وسنتحدث عن هذه الظاهرة بمزيد من التفصيل عند البحث عن سياسته المالية.

هذه بعض نزعات عثمان ، وقد أوجبت إخفاقه وفشله في الميادين السياسية ، وإذاعة التذمّر والنقمة عليه.

نظمه الإداريّة :

أما النظم الإدارية السائدة في حكومة عثمان فإنّها كانت تعني بمملاة

٣٣٨

القرشيين ، ومصانعة الوجوه والأعيان ، والتسامح واللين مع ذوي النفوذ والقوة ، والغض عما يقترفونه من المخالفات القانونية ؛ فقد تعمد عبيد الله بن عمر جريمة القتل ، فقتل بغير حق الهرمزان وجُفينة وبنت أبي لؤلؤة ، وقد أقفل معه عثمان سير التحقيق ، وأصدر مرسوماً خاصاً بالعفو عنه ؛ مملاة لاُسرة عمر. وقد قوبل هذا الإجراء بمزيد من الإنكار ، فقد اندفع الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) إلى الإنكار عليه ، وطالبه بالقود من ابن عمر ، وكذلك طالبه المقداد ، ولكن عثمان لم يعن بذلك ، وكان زياد بن لبيد إذا لقى عبيد الله يقول له :

ألا يا عبيدَ الله ما لك مهربٌ

ولا ملجأٌ من ابن أروى ولا خفرْ

أصبت دماً والله في غير حلّهِ

حراماً وقتلُ الهرمزانِ له خطرْ

على غير شيءٍ غير أن قال قائلٌ

أتتّهمون الهرمزان على عُمرْ

فقال سفيهٌ والحوادث جمّة

نعم أتّهمهُ قد أشار وقد أمرْ

وكان سلاحُ العبد في جوف بيتِهِ

يقلّبهُ والأمر بالأمر يُعتبرْ

وشكا عبيد الله إلى عثمان ، فدعا زياداً فنهاه عن ذلك إلاّ أنّه لم ينته ، وتناول عثمان بالنقد ، فقال فيه :

أبا عمرٍو عبيدُ الله رهنٌ

فلا تشكك بقتل الهرمزانِ

فإنّك إن غفرتَ الجُرمَ عنهُ

وأسبابَ الخطا فرسا رهانِ

أتعفو إذ عفوت بغير حقٍّ

فما لك بالذي تخلي يدانِ

وغضب عثمان على زياد فنهاه وحذّره العقوبة حتّى انتهى (١). وأخرج عبيد الله من يثرب إلى الكوفة وأقطعه بها أرضاً ، فنسب الموضع إليه ، فقيل : (كوفية ابن عمر). وقد أثارت هذه البادرة عليه نقمة الأخيار والمتحرّجين في دينهم ، فقد رأوا أنّ الخليفة عمد بغير وجه مشروع إلى

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ / ٤١.

٣٣٩

تعطيل حدود الله ؛ ارضاءً لعواطف آل الخطاب وكسباً لودهم.

وعلى أي حال ، فإن النظم الإدارية السائدة في أيام عثمان كانت خاضعة لمشيئة الاُمويِّين ورغباتهم ، ولم تسرِ على ضوء الكتاب والسنة ، فقد عمد الاُمويّون جاهدين إلى العبث بمقدّرات الاُمّة ، وإشاعة الجور في البلاد ، ويرى (كرد علي) أن غلطات عثمان الإدارية كانت من أهم الأسباب في قتله (١).

ولاته وعمّاله :

وعمد عثمان إلى فرض أسرته وذوي قرباه على الاُمّة ، فجعلهم ولاة وحكّاماً على الأقاليم الإسلاميّة. يقول المقريزي : وجعل عثمان بني اُميّة أوتاد خلافته (٢).

ولم تتوفر فيهم المقدرة الإدارية أو القابلية على تحمّل مسؤولية الحكم ، فعرّضوا البلاد للويلات ، وأشاعوا فيها الفساد والجور ، ويقول المؤرخون : إنّه شجّع عمّاله على الاستفادة من بيت المال ؛ فأبو موسى الأشعري سمح لأحد عمّاله بالتجارة في أقوات أهل العراق (٣). ويرى السيد (مير علي) أن المسلمين تذمّروا من استبداد الحكام واغتصابهم الأموال (٤).

وفيما يلي بعض عمّاله :

١ ـ سعيد بن العاص :

وأسند عثمان ولاية الكوفة إلى سعيد بن العاص ، فولاّه أمر هذا القطر

__________________

(١) الإدارة الإسلاميّة / ٥٧.

(٢) النزاع والتخاصم / ١٨.

(٣) تاريخ الطبري ٤ / ٢٦٢.

(٤) مختصر تاريخ العرب / ٤٣.

٣٤٠