حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ١

باقر شريف القرشي

حياة الإمام الحسين عليه السلام - ج ١

المؤلف:

باقر شريف القرشي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مدرسة العلمية الايرواني
المطبعة: باقري
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٤٤
الجزء ١ الجزء ٣

١ ـ روى علي بن الحسين عن أبيه أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال : «من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه».

٢ ـ قال الحسين (عليه السّلام) : «وجدت في قائم سيف رسول الله (صلّى الله عليه وآله) صحيفة مربوطة وهي : أشدّ الناس على الله عذاباً القاتل غير قاتله ، والضارب غير ضاربه. ومَن جحد نعمة مواليه فقد برئ مما أنزل الله عزّ وجلّ».

٣ ـ روى الحسين (عليه السّلام) قال : «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : إنّ البخيل مَن ذُكرتُ عنده فلم يصلِّ عليّ».

٤ ـ روى الحسين عن أبيه عن جدّه ، قال (صلّى الله عليه وآله) : «يكون بعدي ثلاث فرق : مرجئة ، وحرورية ، وقدرية ؛ فإن مرضوا فلا تعودوهم ، وإن ماتوا فلا تشهدوهم ، وإن دعوا فلا تجيبوهم».

٥ ـ روى (عليه السّلام) عن جدّه (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال : «ما من عبد أو أمة يضنّ بنفقة ينفقها فيما يرضي الله إلاّ أنفق أضعافها في سخط الله ، وما من عبد يدع معونة أخيه المسلم والسعي في حاجته ، قُضيت تلك الحاجة أو لم تقضَ ، إلاّ ابُتلي بمعونة مَن يأثم فيه ، ولا يؤجر عليه. وما من عبد ولا أمة يدع الحجّ وهو يجد السبيل إليه لحاجة من حوائج الدنيا إلاّ نظر إلى المحلّقين قبل أن يقضي الله تلك الحاجة».

٦ ـ روى يحيى بن سعيد قال : كنت عند علي بن الحسين (عليه السّلام) فجاءه نفر من الكوفيِّين ، فقال علي بن الحسين : «يا أهل العراق ، أحبّونا حبّ الإسلام ؛ فإنّي سمعت أبي يقول : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : يا أيها الناس ، لا ترفعوني فوق حقّي ؛ فإنّ الله عزّ وجلّ قد اتخذني عبداً قبل أن يتّخذني نبياً».

٧ ـ روت فاطمة بنت الحسين (عليهما السّلام) عن أبيها وعبد الله بن عباس أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان يقول :

١٤١

«لا تديموا النظر إلى المجذومين ؛ مَن كلّمهم منكم فليكن بينه وبينكم قيد رمح».

٨ ـ روت فاطمة بنت الحسين (عليهما السّلام) عن أبيها قال : «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : إنّ الله يحبّ معالي الأخلاق وأشرافها ، ويكره سفاسفها».

٩ ـ روت فاطمة بنت الحسين عن أبيها أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال : «لا تديموا النظر إلى المجذومين».

١٠ ـ روت فاطمة بنت الحسين عن أبيها قال : «كان رأس رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في حجر علي ، وكان يُوحى إليه ، فلمّا سرى عنه ـ أي الوحي ـ قال : يا علي ، صلّيتَ العصر؟ قال : لا. قال : اللّهمّ إنّك تعلم أنّه كان في حاجتك وحاجة رسولك فردها عليه. فردّها عليه ، فصلّى وغابت الشمس».

١١ ـ روت فاطمة عن أبيها أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) قال : «للسائل حقٌّ وإن جاء على فرس».

١٢ ـ روت فاطمة بنت الحسين عن أبيها قال : «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : مَن اُصيب بمصيبة فذكرها ، وإن تقادم عهدها ، فأحدث لها استرجاعاً أحدث الله له ثواب ما وعده حين اُصيب بها».

١٣ ـ روت فاطمة بنت الحسين (عليها السّلام) عن أبيها ، قال : «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : لمّا أخذ الله ميثاق العباد جعل في (الحجر) ، فمِن الوفاء بالبيعة استلام الحجر».

١٤ ـ روى عبد الله بن سليمان بن نافع مولى بني هاشم ، عن الحسين بن علي قال : «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : يا بني هاشم ، أطيبوا الكلام ، وأطعموا الطعام».

١٤٢

١٥ ـ روى أبو سعيد الميثمي قال : سمعت الحسين بن علي يقول : «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : مَن لبس ثوب شهرة كساه الله ثوب نار».

هذه بعض بنود مسند الإمام الحسين (عليه السّلام) وهي حافلة بآداب السلوك وتهذيب الأخلاق التي لا غنى للناس عنها.

رواياته عن اُمّه فاطمة (عليها السّلام) :

وروى (عليه السّلام) عن اُمّه سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السّلام) من الأحاديث ما يلي :

١ ـ روى محمد بن علي بن الحسين (عليه السّلام) قال : «خرجت مع جدّي الحسين بن علي إلى أرضه ، فأدركنا النعمان بن بشير على بغلة له ، فنزل عنها وقال للحسين : اركب أبا عبد الله. فأبى ، فلم يزل يقسم عليه حتّى قال : أما أنّك قد كلّفتني ما أكره ، ولكن اُحدّثك حديثاً حدّثتنيه اُمّي فاطمة : أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال : الرجل أحقّ بصدر دابته وفراشه ، والصلاة في بيته إلاّ إماماً لجمع من الناس ، فاركب أنت على صدر الدابة. وسارت تدفّ ، فقال النعمان : صدقت فاطمة».

٢ ـ روت فاطمة بنت الحسين ، عن أبيها ، عن فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قالت : «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : لا يلومنّ إلاّ نفسه مَن بات وفي يده غَمَر (١)» (٢).

__________________

(١) الغَمَر ـ بالتحريك ـ : الدسم والزهومة من اللحم.

(٢) الذرّية الطاهرة ، مسند الفردوس ج ٤١.

١٤٣

رواياته عن أبيه (عليه السّلام) :

وروى الإمام الحسين عن أبيه الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) الشيء الكثير ؛ سواء أكان مما يتعلّق بالسيرة النبويّة أم في الأحكام الشرعية ، وهذه بعضها :

١ ـ روى عن أبيه (عليه السّلام) : «أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بعث سرية فأسّروا رجلاً من بني سليم يُقال له الأصيد بن سلمة ، فلمّا رآه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) رقّ لحاله ، وعرض عليه الإسلام فأسلم ، فبلغ ذلك أباه ـ وكان شيخاً ـ فكتب إليه رسالة فيها هذه الأبيات :

مَنْ راكب نحو المدينةِ سالماً

حتّى يبلّغ ما أقول الأصيدا

إنّ البنينَ شرارُهُمْ أمثالُهمْ

مَنْ عقّ والده وبرّ الأبعدا

أتركتَ دين أبيك والشمَّ الاُلى

أودوا وتابعتَ الغداة محمّدا

وعرض الأصيد رسالة أبيه على النبي (صلّى الله عليه وآله) ، واستأذنه في جوابه فأذن له ، فكتب إليه :

إنّ الذي سمكَ السماءَ بقُدرةٍ

حتّى علا في مُلكهِ فتوحّدا

بعث الذي لا مثله فيما مضى

يدعو لرحمتهِ النبيَّ محمّدا

فدعا العبادَ لدينهِ فتتابعوا

طَوعاً وكرهاً مقبلينَ على الهُدى

وتخوّفوا النارَ التي من أجلِها

كان الشقيُّ الخاسرَ المتلددا

واعلم بأنّك ميّتٌ ومحاسبٌ

فإلى متى هذي الضلالةُ والردى

ولمّا قرأ سلمة رسالة ابنه وفد على النبي (صلّى الله عليه وآله) وأسلم» (١).

٢ ـ قال (عليه السّلام) : «سألت أبي عن سيرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في جلسائه ،

__________________

(١) اُسد الغابة ١ / ١٠٠.

١٤٤

فقال : كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) دائم البشر ، سهل الخلق ، ليّن الجانب ، ليس بفظٍّ ولا غليظ ، ولا صخّاب ولا فحّاش ، ولا عيّاب ولا مشّاح ، يتغافل عما لا يشتهي ولا يؤيس منه ، ولا يخيب فيه. قد ترك نفسه من ثلاث : المراء ، والإكبار ، وما لا يعنيه ، وترك الناس من ثلاث : كان لا يذمّ أحداً ولا يعيبه ، ولا يطلب عورته ، ولا يتكلّم إلاّ فيما رجا ثوابه ؛ وإذا تكلّم أطرق جلساؤه كأنّما على رؤوسهم الطير ، فإذا سكت تكلّموا ، لا يتنازعون عنده الحديث ، ومَن تكلّم عنده أنصتوا إليه حتّى يفرغ.

حديثهم عنده حديث أوّلهم ، يضحك مما يضحكون منه ، ويتعجّب مما يتعجّبون ، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته حتّى إن كان أصحابه ليستجلبونهم ، ويقول : إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فأرفدوه. ولا يقبل الثناء إلاّ من مكافئ ، ولا يقطع على أحد حديثه حتّى يجور (١) فيقطعه بنهي أو قيام» (٢).

وقد امتاز النبي (صلّى الله عليه وآله) على عامة النبيين بهذه الأخلاق العالية التي ألّفت ما بين قلوب المسلمين ، ووحّدت ما بين مشاعرهم وعواطفهم ، وجعلتهم في عصورهم الاُولى سادة الاُمم ، والأدلاّء على مرضاة الله وطاعته.

٣ ـ روى (عليه السّلام) عن أبيه قال : «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : مَن قُتل دون ماله فهو شهيد» (٣).

٤ ـ روى (عليه السّلام) عن أبيه قال : «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : عجبت لمَن يحتمي من الطعام مخافة الداء ، كيف لا يحتمي من الذنوب مخافة النار» (٤).

__________________

(١) يجور : أي يميل عن الحق.

(٢) الحسين ١ / ١٣٧ ـ ١٣٨.

(٣) مسند أحمد بن حنبل.

(٤) الأربعين ـ لبهاء الدين العاملي / ١١١.

١٤٥

٥ ـ قال (عليه السّلام) : «سمعت أبي يقول : الإيمان معرفة بالقلب ، وإقرار باللسان ، وعمل بالأركان» (١).

٦ ـ روى (عليه السّلام) عن أبيه أنّه قال : «لتأمرنّ بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطنّ الله عليكم أشراركم ، ثمّ يدعو خياركم فلا يُستجاب لهم» (٢).

٧ ـ روى (عليه السّلام) عن أبيه أنّه قال : «إنّ الله تبارك وتعالى أخفى أربعة في أربعة ؛ أخفى رضاه في طاعته ، فلا تستصغرنّ شيئاً من طاعته ؛ فربّما وافق رضاه وأنت لا تعلم. وأخفى سخطه ، فلا تستصغرنّ شيئاً من طاعته ؛ فربّما وافق سخطه معصيته وأنت لا تعلم. وأخفى إجابته في دعوته ، فلا تستصغرنّ شيئاً من دعائه ، فربّما وافق إجابته وأنت لا تعلم. وأخفى وليّه في عباده ، فلا تستصغرنّ عبداً من عبيد الله ؛ فربّما يكون وليّه وأنت لا تعلم» (٣).

٨ ـ روى (عليه السّلام) عن أبيه أنّه قال : «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : خير دور الأنصار بنو النّجار ، ثمّ بنو عبد الأشهل ، ثمّ بنو الحرث ، ثمّ بنو ساعدة ، وفي كل دور الأنصار خير» (٤).

٩ ـ روى (عليه السّلام) عن أبيه أنّه قال : «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : خير الدعاء الاستغفار ، وخير العبادة قول لا إله إلاّ الله» (٥).

وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض رواياته عن جدّه وأبويه.

__________________

(١) الحسين (عليه السّلام) ١ / ١٤٠.

(٢) مسند الإمام زيد / ١٨٥.

(٣) الخصال / ١٩١.

(٤) مسند الفردوس ، من مصورات مكتبة الإمام الحكيم ، تأليف شهردار بن شيرويه الشافعي المتوفّى سنة (٥٥٨) هـ.

(٥) مسند الفردوس ٣٧ / ٢٧.

١٤٦

من تراثه الرائع :

للإمام (عليه السّلام) تراث رائع خاض في جملة منه مجموعة من البحوث الفلسفية والمسائل الكلامية التي مُنيت بالغموض والتعقيد ، فأوضحها وبيّن وجهة الإسلام فيها ، كما خاض في كثير من كلماته اُصول الأخلاق وقواعد الآداب ، وأسس الإصلاح الاجتماعي والفردي ، ونتعرض فيما يلي لبعض ما اُثر عنه :

القدر :

من أهمّ المسائل الكلامية وأعمقها مسألة القدر ، فقد اُثير حولها الكلام منذ فجر التاريخ الإسلامي ، وقد تصدّى أئمة أهل البيت (عليهم السّلام) لبيانها ودفع الشبهات عنها ، وقد سأل الحسن بن الحسن البصري الإمام الحسين عنها ، فأجابه (عليه السّلام) برسالة هذا نصّها : «اتّبع ما شرحت لك في القدر ممّا أفضى إلينا أهل البيت ؛ فإنّه مَن لم يؤمن بالقدر خيره وشرّه كفر ، ومَن حمل المعاصي على الله عزّ وجلّ فقد افترى على الله افتراءً عظيماً ، وإنّ الله لا يُطاع بإكراه ، ولا يُعصى بغلبة ، ولا يهمل العباد في الهلكة ، لكنه المالك لِما ملكهم ، والقادر لِما عليه أقدرهم ، فإن ائتمروا بالطاعة لم يكن الله صادراً عنها مبطئاً ، وإن ائتمروا بالمعصية فشاء أن يمنّ عليهم فيحول بينهم وبين ما ائتمروا به فعل ، فليس هو حملهم عليها قسراً ، ولا كلّفهم جبراً ، بل بتمكينه إيّاهم بعد إعذاره وإنذاره لهم

١٤٧

واحتجاجه عليهم ؛ طوّقهم ومكّنهم وجعل لهم السبيل إلى أخذ ما إليه دعاهم ، وترك ما نهاهم عنه. جعلهم مستطيعين لأخذ ما أمرهم به من شيء غير آخذ به ، ولترك ما نهاهم عنه من شيء غير تاركيه ، والحمد لله الذي جعل عباده أقوياء لِما أمرهم به ينالون بتلك القوة ، وما نهاهم عنه ، وجعل العذر لمَن لم يجعل له السبيل حمداً متقبّلاً ، فأنا على ذلك أذهب ، وبه أقول أنا وأصحابي أيضاً عليه وله الحمد» (١).

وقد عرض هذا الكلام الشريف إلى بحوث كلامية مهمة ، والتعرّض لها يستدعي الإطالة والخروج عن الموضوع.

الصمد :

كتب إليه جماعة يسألونه عن معنى الصمد في قوله تعالى : (الله الصمد). فكتب (عليه السّلام) لهم بعد البسملة : «أمّا بعد ، فلا تخوضوا في القرآن ، ولا تجادلوا فيه ، ولا تتكلّموا فيه بغير علم ، فقد سمعت جدّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : مَن قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار. وأنّ الله سبحانه قد فسّر الصمد فقال (اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ) ، ثمّ فسّره فقال : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ).

(لَمْ يَلِدْ) : لم يخرج منه شيء كثيف كالولد وسائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين ، ولا شيء لطيف كالنفس ، ولا يتشعّب منه البدوات كالسِّنة والنوم ، والخطرة والهمّ ، والحزن والبهجة ، والضحك والبكاء ، والخوف والرجاء ، والرغبة والسأمة ، والجوع والشبع ، تعالى عن أن يخرج منه شيء ، وأن يتولّد منه شيء كثيف أو لطيف. (وَلَمْ يُولَدْ) :

__________________

(١) فقه الرضا / ٥٥ ، بحار الأنوار ٥ / ١٢٣.

١٤٨

لم يتولّد منه شيء ، ولم يخرج منه شيء كما تخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها ، والدابة من الدابة ، والنبات من الأرض ، والماء من الينابيع ، والثمار من الأشجار ، ولا كما يخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها ؛ كالبصر من العين ، والسمع من الاُذن ، والشمّ من الأنف ، والذوق من الفم ، والكلام من اللسان ، والمعرفة والتمييز من القلب ، وكالنار من الحجر ، لا بل هو الله الصمد الذي لا شيء ، ولا في شيء ، ولا على شيء ؛ مبدع الأشياء وخالقها ، ومنشئ الأشياء بقدرته ، يتلاشى ما خلق للفناء بمشيئته ، ويبقى ما خلق للبناء بعلمه ، فذلكم الله الصمد الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ» (١).

التوحيد :

وعرض الإمام الحسين (عليه السّلام) في كثير من كلامه إلى توحيد الله فبيّن حقيقته وجوهره ، وفنّد شُبه الملحدين وأوهامهم. ونعرض فيما يلي لبعض ما اُثر عنه :

١ ـ قال (عليه السّلام) : «أيّها الناس ، اتّقوا هؤلاء المارقة الذين يشبّهون الله بأنفسهم ، يضاهون قول الذين كفروا من أهل الكتاب ، بل هو الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، لا تدركه الأبصار ، وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير.

استخلص الوحدانية والجبروت ، وأمضى المشيئة والإرادة والقدرة والعلم بما هو كائن ، لا منازع له في شيء من أمره ، ولا كفو له يعادله ، ولا ضدّ له ينازعه ، ولا سميّ له يشابهه ، ولا مثل له يشاركه ، لا تتداوله الاُمور ، ولا تجري عليه الأحوال ، ولا تنزل عليه

__________________

(١) معادن الحكمة في مكاتيب الأئمة ٢ / ٤٨ ـ ٤٩.

١٤٩

الأحداث ، ولا يقدر الواصفون كُنه عظمته ، ولا يخطر على القلوب مبلغ جبروته ؛ لأنه ليس له في الأشياء عديل ، ولا تدركه العلماء بألبابها ، ولا أهل التفكير بتفكيرهم إلاّ بالتحقيق ، إيقاناً بالغيب ؛ لأنّه لا يُوصف بشيء من صفات المخلوقين ، وهو الواحد الصمد. ما تصوّر في الأوهام فهو خلافه ، ليس بربِّ مَن طرح تحت البلاغ ، ومعبود مَن وجِد في هواء أو غير هواء ، هو في الأشياء كائن لا كينونة محظور بها عليه ، ومن الأشياء بائن لا بينونة غائب عنها ، ليس بقادر مَن قارنه ضد أو ساواه نِدّ. ليس عن الدهر قدمه ، ولا بالناحية اُممه ، احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار ، وعمّن في السماء احتجابه كمَن في الأرض ، قرّبه به كرامته ، وبُعده إهانته ، لا يحلّه في ، ولا توقته إذ ، ولا تؤامره إن ؛ علوّه من غير توقّل ، ومجيئه من غير تنقّل ، يوجد المفقود ، ويفقد الموجود ، ولا تجتمع لغيره الصفتان في وقت. يصيب الفكر منه الإيمان به موجوداً ، ووجود الإيمان لا وجود صفة ، به تُوصف الصفات لا بها يُوصف ، وبه تعرف المعارف لا بها يُعرف ، فذلك الله لا سميّ له ، سبحانه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير» (١).

وحذّر الإمام من تشبيه الخالق العظيم بعباده أو بسائر الممكنات التي يلاحقها العدم ، ويطاردها الفناء.

إنّ الإنسان مهما اُوتي من طاقات فهي محدودة كمّاً وكيفاً ، ويستحيل أن يصل إلى إدارك حقيقة المبدع العظيم الذي خلق هذه الأكوان وخلق هذه المجرّات التي تذهل العقول تصوّرها ، وما بُنيت عليه من الأنظمة الدقيقة المذهلة ... إنّ الإنسان قد عجز عن معرفة نفسه التي انطوت على هذه

__________________

(١) تحف العقول / ٢٤٤.

١٥٠

الأجهزة العميقة كجهاز البصر والسمع والإحساس وغيرها ، فكيف يصل إلى إدراك خالقه؟!

وعلى أيّ حال فقد أوضحت هذه اللوحة الرائعة كثيراً من شؤون التوحيد ، ودلّلت على كيفيته ، وهي من أثمن ما أثر عن أئمة أهل البيت (عليهم السّلام) في هذا المجال.

٢ ـ يقول المؤرّخون : إنّ حبر الاُمّة عبد الله بن عباس كان يحدّث الناس في مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقام إليه نافع الأزرق فقال له : تفتي الناس في النملة والقملة صف لي إلهك الذي تعبد؟! فأطرق إعظاماً لقوله ، وكان الإمام الحسين (عليه السّلام) جالساً فانبرى قائلاً : «إليّ يابن الأزرق».

ـ لست إيّاك.

فثار ابن عباس ، وقال له : إنّه من بيت النبوة ، وهم ورثة العلم.

فأقبل نافع نحو الحسين فقال (عليه السّلام) له : «يا نافع ، مَن وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في التباس ، سائلاً ناكباً عن المنهاج ، ظاعناً بالاعوجاج ، ضالاً عن السبيل ، قائلاً غير الجميل. أصف لك إلهي بما وصف به نفسه ، واُعرّفه بما عرّف به نفسه ؛ لا يُدرك بالحواس ولا يُقاس بالناس ، قريب غير ملتصق ، بعيد غير منتقص ، يوحّد ولا يُبعّض ، معروف بالآيات ، موصوف بالعلامات ، لا إله إلاّ هو الكبير المتعال» (١).

فحار الأزرق ولم يطق جواباً ، فقد ملكت الحيرة أهابه ، وسدّ عليه الإمام كل نافذة ينفذ منها ، وبهر جميع مَن سمعوا مقالة الإمام ، وراحوا

__________________

(١) الكواكب الدرّية ١ / ٥٨.

١٥١

يردّدون كلام ابن عباس : إنّ الحسين من بيت النبوة ، وهم ورثة العلم.

الأمر بالمعروف :

وجّه الإمام (عليه السّلام) هذه الكلمة النيّرة إلى الأنصار والمهاجرين ، ونعى عليهم تسامحهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الّلذَين بني عليهما المجتمع الإسلامي ، كما عرض إلى المظالم الاجتماعية التي مُنيت بها الاُمّة ، والتي كانت ناجمة عن تقصيرها في إقامة هذا الواجب الخطير ، وهذا نصّها : «اعتبروا أيّها الناس بما وعظ الله به أولياءه من سوء ثنائه على الأحبار ، إذ يقول : لَوْلاَ يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمْ الإِثْمَ (١). وقال : لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٢).

وإنّما عاب الله ذلك عليهم ؛ لأنهم كانوا يرون من الظَّلَمة الذين بين أظهرهم المنكر والفساد فلا ينهونهم عن ذلك ؛ رغبة فيما كانوا ينالون منهم ، ورهبة مما يحذرون ، والله يقول : فَلاَ تَخْشَوْا النَّاسَ وَاخْشَوْنِي (٣). وقال : وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ (٤).

فبدأ الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة منه ؛ لعلمه بأنّها إذا اُدّيت واُقيمت استقامت الفرائض كلّها ، هيّنها وصعبها ؛ وذلك أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام ، مع ردّ المظالم ، ومخالفة الظالم ، وقسمة الفيء والغنائم ، وأخذ الصدقات من مواضعها ووضعها في حقّها ... ثم

__________________

(١) سورة المائدة / ٦٣.

(٢) سورة المائدة / ٧٨.

(٣) سورة المائدة / ٤٤.

(٤) سورة التوبة / ٧١.

١٥٢

أنتم أيّتها العصابة ، عصابة بالعلم مشهورة ، وبالخير مذكورة ، وبالنصيحة معروفة ، وبالله في أنفس الناس مهابة ؛ يهابكم الشريف ، ويكرمكم الضعيف ، ويؤثركم مَن لا فضل لكم عليه ، ولا يد لكم عنده ، تشفعون في الحوائج إذا امتنعت من طلاّبها ، وتمشون في الطريق بهيبة الملوك وكرامة الأكابر ، أليس كل ذلك إنّما نلتموه بما يرجى عندكم من القيام بحقّ الله ، وإن كنتم عن أكثر حقّه تقصّرون ، فاستخففتم بحقّ الأئمة ؛فأمّا حقّ الضعفاء فضيّعتم ؛ وأمّا حقّكم بزعمكم فطلبتم ، فلا مالاً بذلتموه ، ولا نفساً خاطرتم بها للذي خلقها ، ولا عشيرة عاديتموها في ذات الله.أنتم تتمنون على الله جنته ومجاورة رسله ، وأماناً من عذابه ، لقد خشيت عليكم أيها المتمنّون على الله أن تحلّ بكم نقمة من نقماته ؛ لأنكم بلغتم من كرامة الله منزلة فُضّلتم بها ، ومَن يعرف بالله لا تكرمون ، وأنتم بالله في عباده تُكرمون! وقد ترون عهود الله منقوضة فلا تفزعون ، وأنتم لبعض ذمم آبائكم تفزعون! وذمة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) محقورة ، والعمى والبكم والزمن في المدائن مهملة لا ترحمون! ولا في منزلتكم تعملون ، ولا من عمل فيها تعينون! وبالإدهان والمصانعة عند الظلمة تأمنون ، كل ذلك ممّا أمركم الله به من النهي والتناهي وأنتم عنه غافلون! وأنتم أعظم الناس مصيبة لِما غلبتم عليه من منازل العلماء لو كنتم تسعون ذلك ؛ بأن مجاري الاُمور والأحكام على أيدي العلماء بالله ، الاُمناء على حلاله وحرامه ، فأنتم المسلوبون تلك المنزلة ، وما سلبتم ذلك إلاّ بتفرّقكم عن الحقّ واختلافكم في السنّة بعد البيّنة الواضحة. ولو صبرتم على الأذى ، وتحمّلتم المؤونة في ذات الله ، كانت اُمور الله عليكم ترد ، وعنكم تصدر ، وإليكم ترجع ، ولكنكم مكّنتم الظلمة من منزلتكم ، واستسلمتم اُمور الله في أيديهم يعملون بالشبهات ، ويسيرون في الشهوات ، سلّطهم على ذلك فراركم من الموت ، وإعجابكم بالحياة التي هي مفارقتكم ؛ فأسلمتم الضعفاء في أيديهم ، فمن

١٥٣

بين مستعبد مقهور ، وبين مستضعف على معيشته مغلوب ، يتقلّبون في الملك بآرائهم ، ويستشعرون الخزي بأهوائهم ؛ اقتداءً بالأشرار ، وجرأةً على على الجبار ، في كلِّ بلد منهم على منبره خطيب يصقع ، فالأرض لهم شاغرة ، وأيديهم فيها مبسوطة ، والناس لهم خول ، لا يدفعون يد لامس ، فمن بين جبار عنيد ، وذي سطوة على الضَعَفة شديد ، مطاع لا يعرف المبدئ المعيد. فيا عجباً! وما لي لا أعجب والأرض من غاش غشوم ، ومتصدّق ظلوم ، وعامل على المؤمنين بهم غير رحيم ، فالله الحاكم فيما فيه تنازعنا ، القاضي بحكمه فيما شجر بيننا» (١).

وحفلت هذه الوثيقة السياسية بذكر الأسباب التي أدّت إلى تردّي الأخلاق وشيوع المنكر في البلاد ، الناجمة من عدم قيام المهاجرين والأنصار بمسؤولياتهم وواجباتهم الدينية والاجتماعية ، فقد كانت لهم المكانة المرموقة في المجتمع الإسلامي ؛ لأنهم صحابة النبي (صلّى الله عليه وآله) وحضنة الإسلام ، ويمكنهم أن يقولوا كلمة الحق ، ويناهضوا الباطل ، إلاّ أنهم تقاعسوا عن واجباتهم ، مما أدّى إلى أن تتحكّم في رقاب المسلمين الطغمة الحاكمة من بني اُميّة الذين اتخذوا عباد الله خولاً ، ومال الله دولاً.

أنواع الجهاد :

وسئل الإمام أبو عبد الله (عليه السّلام) عن الجهاد هل هو سنّة أو فريضة؟ فأجاب (عليه السّلام) :

«الجهاد على أربعة أوجه : فجهادان فرض ، وجهاد سنّة لا يقام إلاّ مع فرض ، وجهاد سنّة ؛ فأمّا أحد الفرضين فجهاد الرجل نفسه عن

__________________

(١) تحف العقول / ٢٣٧ ـ ٢٣٩.

١٥٤

معاصي الله ، وهو من أعظم الجهاد ، ومجاهدة الذين يلونكم من الكفار فرض ؛ وأمّا الجهاد الذي هو سنّة لا يقام إلاّ مع فرض فإنّ مجاهدة العدو فرض على جميع الاُمّة ، لو تركوا الجهاد لأتاهم العذاب ، وهذا هو من عذاب الاُمّة ، وهو سنّة على الإمام وحده أن يأتي العدو مع الاُمّة فيجاهدهم.

وأمّا الجهاد الذي هو سنّة فكل سنّة أقامها الرجل وجاهد في إقامتها وبلوغها وإحيائها فالعمل والسعي فيها من أفضل الأعمال ؛ لأنها إحياء سّنة ، وقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : مَن سنّ سنّة حسنة فله أجرها وأجر مَن عمل بها إلى يوم القيامة ، من غير أن ينقص من اُجورهم شيئاً» (١).

تشريع الصوم :

سُئل الإمام الحسين (عليه السّلام) عن الحكمة في تشريع الصوم على العباد ، فقال (عليه السّلام) : «ليجد الغني مسّ الجوع فيعود بالفضل على المساكين» (٢).

أنواع العبادة :

وتحدّث (عليه السّلام) عن أنواع العبادة ، فقال : «إنّ قوماً عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجّار ، وإنّ قوماً عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد ، وإنّ قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار ، وهي أفضل العبادة» (٣).

__________________

(١) تحف العقول / ٢٤٣.

(٢) تاريخ ابن عساكر ١٣ / ٥٦.

(٣) بحار الأنوار ، تحف العقول / ٢٤٦.

١٥٥

وتحدّث (عليه السّلام) عمّن عَبَدَ الله حقّ عبادته ، فقال : «مَن عَبَد الله حقّ عبادته أتاه الله فوق أمانيه وكفايته» (١).

مودّة أهل البيت (عليهم السّلام) :

وحثّ الإمام الحسين على مودّة أهل البيت (عليهم السّلام). يقول أبو سعيد : سمعت الحسين يقول : «مَن أحبّنا نفعه الله بحبّنا وإن كان أسيراً في الديلم ، وإنّ حبّنا ليساقط الذنوب كما تساقط الريح الورق» (٢).

قال (عليه السّلام) : «الزموا مودّتنا أهل البيت ؛ فإنّ مَن لقي الله وهو يودّنا دخل في شفاعتنا».

روى بشير بن غالب أنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) قال : «مَن أحبّنا لله وردنا نحن وهو على نبيّنا (صلّى الله عليه وآله) هكذا ـ وضمّ إصبعيه ـ ومَن أحبّنا للدنيا فإن الدنيا تَسَع البر والفاجر» (٣).

وحدّث (عليه السّلام) عمّا يكتسبه مَن أتى إليهم من الفوائد ، قال : «مَن أتانا لم يعدم خصلة من أربع : آية محكمة ، وقضية عادلة ، وأخاً مستفاداً ، ومجالسة العلماء» (٤).

__________________

(١) تفسير العسكري.

(٢) مناقب ابن المغازلي : رقم الحديث ٣٨٨ ، من مخطوطات مكتبة الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام).

(٣) تاريخ ابن عساكر ١٣ / ٥٦.

(٤) كشف الغمة.

١٥٦

مكارم الأخلاق :

ورسم الإمام (عليه السّلام) لأهل بيته وأصحابه مكارم الأخلاق ومحاسن الصفات ، وأمرهم بالتحلّي بها ؛ ليكونوا قدوة لغيرهم ، وفيما يلي بعضها.

١ ـ قال (عليه السّلام) : «الحلم زينة ، والوفاء مروءة ، والصلة نعمة ، والاستكثار صلف ، والعجلة سفه ، والسفه ضعف ، والغلو ورطة ، ومجالسة أهل الدناءة شر ، ومجالسة أهل الفسوق ريبة» (١).

٢ ـ قال (عليه السّلام) : «الصدق عز ، والكذب عجز ، والسر أمانة ، والجوار قرابة ، والمعونة صدقة ، والعمل تجربة ، والخلق الحسن عبادة ، والصمت زين ، والشحّ فقر ، والسخاء غنى ، والرفق لب» (٢).

٣ ـ قال (عليه السّلام) : «أيّها الناس ، مَن جاد ساد ، ومَن بخل رذل ، وإنّ أجود الناس مَن أعطى مَن لا يرجوه» (٣).

٤ ـ قال (عليه السّلام) : «مَن جاد ساد ، ومَن بخل رذل ، ومَن تعجّل لأخيه خيراً وجده إذا قدم عليه غداً» (٤).

٥ ـ قال (عليه السّلام) : «اعلموا أنّ حوائج الناس إليكم من نِعَم الله عزّ وجلّ عليكم ، فلا تملّوا النِعَم فتعود النقم» (٥).

٦ ـ رأى الإمام (عليه السّلام) رجلاً قد دعي إلى طعام فامتنع من الإجابة ،

__________________

(١) نور الأبصار / ١٦٦.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢١٩.

(٣) نهاية الأرب ٣ / ٢٠٥.

(٤) نهاية الأرب ٣ / ٢٠٥.

(٥) طبقات الشعراني ١ / ٢٣ ، مختصر صفوة الصفوة / ٦٢.

١٥٧

فقال (عليه السّلام) له : «قُم فليس في الدعوة عفو ، وإن كنت مفطراً فكُل ، وإن كنت صائماً فبارك» (١).

٧ ـ قال (عليه السّلام) : «صاحب الحاجة لم يكرم وجهه عن سؤالك ، فأكرم وجهك عن ردّه» (٢).

٨ ـ كان (عليه السّلام) دوماً ينشد هذه الأبيات الداعية إلى حسن الخلق ، وعدم العناء في طلب الدنيا ، ويزعم بعض الرواة أنها من نظمه ، وهي :

لئن كانت الأفعالُ يوماً لأهلها

كمالاً فحُسن الخلق أبهى وأكملُ

وإن كانت الأرزاقُ رزقاً مقدّراً

فقلّة جهد المرءِ في الكسب أجملُ

وإن كانت الدنيا تُعدّ نفيسةً

فدارُ ثوابِ الله أعلى وأنبلُ

وإن كانت الأبدانُ للموت اُنشأتْ

فقتلُ امرِئٍ بالسيف في الله أفضلُ

وإن كانت الأموالُ للترك جمعُها

فما بالُ متروكٍ به المرءُ يبخلُ (٣)

وألمّت هذه الأبيات برغبة الإمام بالشهادة في سبيل الله ، كما حكت عن طبيعة كرمه وسخائه.

٩ ـ قال (عليه السّلام) : «لا تتكلّف ما لا تطيق ، ولا تتعرّض لِما لا تدرك ، ولا تعد بما لا تقدر عليه ، ولا تنفق إلاّ بقدر ما تستفيد ، ولا تطلب من الجزاء إلاّ بقدر ما صنعت ، ولا تفرح إلاّ بما نلت من طاعة الله ، ولا تتناول إلاّ ما رأيت نفسك أهلاً له» (٤).

١٠ ـ قال (عليه السّلام) لابن عباس : «لا تتكلمن فيما لا يعنيك ؛ فإنّي أخاف عليك الوزر ، ولا تتكلمن فيما لا يعنيك حتّى ترى للكلام موضعاً ؛

__________________

(١) دعائم الإسلام ٢ / ١٠٥.

(٢) نور الأبصار / ١٦٦ ، كشف الغمة ٢ / ٢٤٤.

(٣) مختصر صفة الصفوة / ٦٢ ، الأنوار البهيّة / ٤٦.

(٤) أسرار الحكماء لياقوت المستعصمي / ٩٠.

١٥٨

فربّ متكلّم قد تكلّم بالحقّ فعِيب ، ولا تمارين حليماً ولا سفيهاً ؛ فإنّ الحليم يقليك والسّفيه يؤذيك ، ولا تقولنّ في أخيك المؤمن إذا توارى عنك إلاّ ما تحبّ أن يقول فيك إذا تواريت عنه ، واعمل عمل رجل يعلم أنّه مأخوذ بالإجرام مجزي بالإحسان» (١).

وهذه الكلمات الذهبية هي بعض ما أثر عنه في مكارم الأخلاق ، ومحاسن الصفات التي يكسب بها الإنسان المنهج السليم ، وحسن السلوك وسلامة الدارين.

تشريع الأذان :

وزعم بعض المعاصرين للإمام أنّ الذي شرّع الأذان عبد الله بن زيد لرؤيا رآها فأخبر بها النبي (صلّى الله عليه وآله) فأمر (صلّى الله عليه وآله) به ، فأنكر الإمام (عليه السّلام) ذلك وقال : «الوحي يتنزّل على نبيّكم ، وتزعمون أنّه أخذ الأذان عن عبد الله بن زيد ، والأذان وجه دينكم!» (١).

الإخوان :

قال (عليه السّلام) : «الإخوان أربعة : فأخ لك وله ، وأخ عليك ، وأخ لا لك ولا له».

وأوضح (عليه السّلام) ذلك بقوله :

__________________

(١) البحار.

(٢) دعائم الإسلام ١ / ١٧٢.

١٥٩

«الأخ الذي هو لك وله : فهو الأخ الذي يطلب بإخائه بقاء الإخاء ولا يطلب بإخائه موت الإخاء فهذا لك وله ؛ لأنه إذا تمّ الإخاء طابت حياتهما جميعاً ، وإذا دخل الإخاء في حال التناقض بطلا جميعاً ؛ والأخ الذي لك : فهو الأخ الذي قد خرج بنفسه عن حال الطمع إلى حال الرغبة ، فلم يطمع في الدنيا إذا رغب في الإخاء فهو موفور عليك بكليته ؛ والأخ الذي هو عليك : فهو الأخ الذي يتربّص بك الدوائر ، ويغشى السرائر ، ويكذب عليك بين العشائر ، وينظر في وجهك نظر الحاسد فعليه لعنة الواحد ؛ والأخ الذي لك ولا له : فهو الذي قد ملاه الله حمقاً فأبعده سحقاً ، فتراه يؤثر نفسه عليك ، ويطلب شحّ ما لديك» (١).

العلم والتجارب :

قال (عليه السّلام) : «دراسة العلم لقاح المعرفة ، وطول التجارب زيادة في العقل ، والشرف والتقوى والقنوع راحة الأبدان ، ومَن حبّك نهاك ، ومَن أبغضك أغراك» (٢).

حقيقة الصدقة :

وتصدّق رجل من بني اُميّة بأموال كثيرة ، ولم تكن تلك الأموال من حلال ، وإنما كانت من حرام ، فقال الإمام (عليه السّلام) : «مثلُه مثل الذي سرق الحاج وتصدّق بما سرق ، إنّما الصدقة

__________________

(١) البحار.

(٢) البحار.

١٦٠