وقعة الطّف

لوط بن يحيى الأزدي الغامدي الكوفي [ أبي مخنف ]

وقعة الطّف

المؤلف:

لوط بن يحيى الأزدي الغامدي الكوفي [ أبي مخنف ]


المحقق: الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٨٠

وكان [الوليد] يحبّ العافية [من أمر الحسين (ع)] ، فقال له : فانصرف على اسم الله حتّى تأتينا مع جماعة النّاس.

فقال له مروان : والله ، لئن فارقك السّاعة ولمْ يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتّى تكثر القتلى بينكم وبينه ، احبس الرجل ولا يخرج من عندك حتّى يبايع ، أو تضرب عنقه (١).

فوثب عند ذلك الحسين [عليه السّلام] ، فقال : «يابن الزرقاء (٢) ، أنت تقتلني أمْ هو؟! كذبت والله ، وأثمت» (٣) ، ثمّ خرج فمرّ بأصحابه فخرجوا معه حتّى أتى منزله (٤).

_________________

(١) ورواه الخوارزمي / ١٨٤.

(٢) هي : الورقاء بنت موهب ، كانت من المومسات من ذوات الرايات كما في الكامل ـ ٤ / ٧٥ ـ ، فليس هذا من الإمام قذفاً ، والنبز باللقب السّوء هنا كما في القرآن الكريم في شأن الوليد بن المغيرة المخزومي : (عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ) ـ سورة القلم / ١٣ ـ. والزنيم في اللغة : الدعيّ في النّسب ، اللصيق به.

(٣) ورواه الخوارزمي / ١٨٤ ، وأضاف : «إنّا أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ومهبط الرحمة ، بنا فتح الله وبنا يختم ، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر ، قاتل النفس معلن بالفسق ، فمثلي لا يبايع مثله ، ولكن نصبح وتصبحون ، وننظر وتنظرون أيّنا أحق بالخلافة والبيعة؟». وسُمع من بالباب صوت الحسين (عليه السّلام) وقد علا ، فهمّوا أن يقتحموا عليهم بالسّيوف ، ولكن خرج إليهم الحسين (عليه السّلام) فأمرهم بإلانصرف إلى منازلهم.

ورواه السيّد ابن طاووس (ت ٦٩٣ هـ) في الملهوف ، وابن نما (ت ٦٤٥ هـ) في مثير إلاّحزان.

(٤) ٥ / ٣٣٩. قال هشام بن محمّد عن أبي مِخْنف ... ورواه. الخوارزمي / ١٨٤. وتمام الخبر ، فقال مروان للوليد : عصيتني ، لا والله ، لا يمكنك من مثلها من نفسه أبداً. ورواه الخوارزمي / ١٨٤.

قال الوليد ويح غيرك يا مروان! إنّك اخترت لي التي فيها هلاك ديني ، والله ، ما أحبّ أنّ لي طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا ، وإنّي قتلت حسيناً (عليه السّلام). ورواه السّبط / ٢٢٦ ـ باختصار ـ : سبحان الله! أقتل حسيناً أنْ قال : لا أبايع؟ والله ، إنّي لأظنّ امرءاً يحاسب بدم الحسين (عليه السّلام) خفيف الميزان عند الله يوم القيامة ، ورواه المفيد / ٢٠١.

فقال له مروان : فإذا كان هذا رأيك ، فقد أصبت فيما صنعت ، يقول هذا وهو غير حامد له على رأيه.

٨١

[الحسين (عليه السّلام) في مسجد المدينة]

وتشاغلوا عن الحسين [عليه السّلام] بطلب عبد الله بطلب عبد الله [ابن الزبير اليوم الأوّل

_________________

[موقف ابن الزبير] :

وأمّا ابن الزبير ، فقال : الآن آتيكم. ثمّ أتى داره فكمن فيها ، فبعث الوليد إليه فوجده مجتمعاً في أصحابه متحرّز ، فألحّ عليه بكثرة الرسل والرجال في إثر الرجال ... ، فقال : لا تعجلوني فإنّي آتيكم ، أمهلوني. فلبث بذلك نهاره كلّه وأوّل ليله [وهو] يقول : الآن أجيء [حتّى] بعث الوليد إلى ابن الزبير موالي له فشتموه وصاحوا به : يابن الكاهليّة ، والله ، لتأتينّ الأمير أو ليقتلنّك. فألحّوا عليـ [ـه و] استحثّوه [فـ] قال : والله ، لقد استربت بكثرة الإرسال وتتابع هذه الرجال ، فلا تعجلوني حتّى أبعث إلى الأمير مَن ياتيني برأيه وأمره.

فبعث إليه أخاه جعفر بن الزبير ، فقال [له] : رحمك الله! كفّ عن عبد الله ؛ فإنّك قد أفزعته وذعرته بكثرة رسلك ، وهو آتيك غداً إن شاء الله ، فمر رسلك فلينصرفوا عنّا. فبعث إليهم [الوليد] فانصرفوا.

وخرج ابن الزبير من تحت اللّيل ليلة السّبت [لثلاث بقين من شهر رجب] قبل [خروج] الحسين [عليه السّلام] بليلة فأخذ طريق الفرع ، هو وأخوه جعفر ليس معهما ثالث ، وتجنّب الطريق الأعظم مخافة الطلب ، وتوجّه نحو مكّة ـ ورواه السّبط ، ص / ٢٣٦ ـ.

فلمّا أصبح [الوليد] بعث إليه فوجده قد خرج ، فقال له : مروان والله ، إنْ [خطا إلاّ إلى مكّة] ، فسرّح في أثره الرجال. فبعث الوليد راكباً من موالي بني اُميّة في (ثمانين راكباً) فطلبوه ، فلمْ يقدروا عليه فرجعوا.

وبينا عبد الله ابن الزبير يساير أخاه جعفر ، إذ تمثّل جعفر بقول صبرة الحنظلي :

وكل بني اُمّ سيمسون ليلة

ولم يبقَ من أعقابهم غير واحد

فقال عبد الله : سبحان الله! ما أردت [بـ] ـما أسمع ، يا أخي؟ قال : والله ، يا أخي ما أردت به شيئاً ممّا تكره. فقال [عبد الله] : فذاك والله ، أكره إليّ أنْ يكون جاء على لسانك من غير تعمّد ـ وكأنّه تطيّر منه ـ.

ومضى ابن الزبير حتّى أتى مكّة ، وعليها عمرو بن سعيد ، فلمّا دخل مكّة قال : إنّما أنا عائذ. ولمْ يكن يصلّي بصلاتهم ولا يفيض بإفاضتهم ، كان يقف هو وأصحابه ناحية ، ثمّ يفيض بهم وحده ويصلّي بهم وحده. ـ ٥ / ٣٤٣ ـ قال هشام بن محمّد بن أبي مِخْنف ، ورواه المفيد / ٢٠١ ، وكذلك السّبط / ٢٣٦ ، ويقول : وخرج الحسين (عليه السّلام) في اللّيلة الآتية بأهله وفتيانه ، وقد اشتغلوا عنه بابن الزبير. ويرويه / ٢٤٥ ، عن هشام ومحمّد بن إسحاق : يوم الأحد لليلتين بقيتا من رجب. وقال الخوارزمي / ١٨٩ : لثلاث مضين من شهر شعبان.

٨٢

ثمّ صبيحة خروجه] حتّى أمسوا.

ثمّ بعث [الوليد] الرجال إلى الحسين [عليه السّلام] عند المساء [من هذا اليوم الثاني السّبت ال ثمن والعشرين من شهر رجب] ، فقال أصبحوا ثمّ ترون ونرى ، فكفّوا عنه اللّيلة [الثانية ، أي : ليلة الأحد التاسع والعشرين من شهر رجب] ولمْ يلحّوا عليه (١).

[ففي أوّل يوم من هذين اليومين خرج الحسين (عليه السّلام) إلى مسجد المدينة معتمداً على رجلين كما] عن أبي سعيد المقبري ، قال : نظرت إلى الحسين [عليه السّلام] داخلاً مسجد المدينة ، وإنّه ليمشي وهو معتمد على رجلين ، يعتمد على هذا مرّة وعلى هذا مرّة ، وهو يتمثل بقول [يزيد] ابن المفرّغ [الحميريّ] :

لا ذعرت السّوام في فلق الصبح

مُغيراً ، ولا دعيت يزيدا

يوم أعطى من المهابة ضيماً

والمنايا يرصدنني أن أحيد (٢)

قال ، فقلت في نفسي : والله ، ما تمثّل بهذين البيتين إلاّ لشيء يريده.

فما مكث إلاّ يومين حتّى بلغني أنّه سار إلى مكّة (٣).

[موقف محمّد بن الحنفيّة] (٤)

[وأمّا محمّد بن الحنفيّة فإنّه لمّا سمع بالأمر جاء إلى أخيه الحسين

_________________

(١) ٥ / ٣٣٨ ، ٣٤١. قال هشام بن محمّد عن أبي مِخْنف ، والمفيد / ٢٠١.

(٢) أي : لا كنت حيّاً ـ أدعى باسمي وأحرك السّوائم بعزمي ـ إذا كنت أعطى من المهابة ذلّة وصغاراً ، وأنا أستطيع أنْ ألقى منيّتي دون الذلّة. ورواها الخوارزمي إلى هنا / ١٨٦.

(٣) ٥ / ٣٤٢. قال أبو مِخْنف : وحدّثني عبد الملك بن نوفل بن مساحق ، عن أبي سعيد المقبري. ـ وقد سبقت ترجمته في المقدّمة ـ ورواه السّبط / ٢٣٧ ، بلفظ آخر.

(٤) اُمّه خولة بنت جعفر بن قيس من بني بكر بن وائل ٥ / ١٥٤ ، وكان مع أبيه علي (عليه السّلام) يوم الجمل فأعطى بيده اللّواء ٥ / ٤٤٥ ، وقاتل فقطع يد رجل من الأزد كان يحثّهم على القتال دون الجمل ٤ / ٥١٢ ، واشترك في صفّين فبارزه عبيد الله بن عمر ، فمنعه علي (عليه السّلام) عنه إشفاقاً عليه أنْ

٨٣

(عليه السّلام و] قال له : يا أخي ، أنت أحبّ النّاس إليّ وأعزّهم عليّ ، ولست أدّخر النّصيحة لأحد من الخلق أحقّ بها منك ؛ تنحّ ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت ، ثمّ ابعث رسلك إلى النّاس فادعهم إلى نفسك ، فإنْ بايعوك حمدت الله على ذلك ، وإنْ أجمع النّاس على غيرك لمْ ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ، ولا يذّب به مرؤتك ولا فضلك ، إنّي أخاف أنْ تدخل مصراً من هذه الأمصار وتأتي جماعة من النّاس فيختلفون فيما بينهم ؛ فطائفة معك وأخرى عليك ، فيقتتلون فتكون لأوّل السّنة [غرضاً] ؛ فاذن خير هذه الاُمّة كلّها نفساً وأباً واُمّاً أضيعها دماً وأذلّها أهلاً.

فقال له الحسين [عليه السّلام] «فإنّي ذاهب يا أخي».

فقال [محمّد بن الحنفيّة] فانزل مكّة ؛ فإنّ طمأنّت بك الدار فسبيل ذلك ، وإنْ نبتْ بك لحقت بالرّمال وشعف (١) الجبال ، وخرجت من بلد إلى

_________________

يُقتل ٥ / ١٣. وكان يوم خروج الحسين (عليه السّلام) من مكّة إلى العراق مقيماً بالمدينة ٥ / ٣٩٤ ، وادّعى المختار أنّه قد أتى أهل الكوفة من قبله ٥ / ٥٦١ ، فأُخبر بذلك ابن الحنفيّة وسُئل عنه ، فقال : لوددت أنّ الله انتصر لنا من عدونا بمَن شاء من خلقه. فبلغ ذلك المختار فلقّبه بالإمام المهدي ٦ / ١٤. وأخرج المختار كتاباً لإبراهيم بن مالك الأشتر يدعوه إلى اتّباعه منسوباً ، إلى ابن الحنفيّة ٦ / ٤٦ ، فذكر ذلك عند ابن الحنفيّة ، فقال : يزعم أنّه لنا شيعة ، وقتلة الحسين (ع) جلساؤه على الكراسي يحدّثونه! فقتل المختار عمر بن سعد وابنه وبعث برأسيهما إلى ابن الحنفيّة ٦ / ٦٢ ، وحاول أنْ يبعث إلى ابن الحنفيّة جنداً يقابل بها ابن الزبير ، فرفض ذلك ابن الحنفيّة ونهاه عن سفك الدماء ٦ / ٧٤ ، فبلغ ذلك ابن الزبير فحبس ابن الحنفيّة وسبعة عشر رجلاً من أهل بيته ، ومن رجال أهل الكوفة معه في زمزم حتّى يُبايعوا أو يُحرقوا بالنار! ، فوجّه ابن الحنفيّة ثلاثة نفر من أهل الكوفة إلى المختار يستنجده ، فبعث المختار أربعة الآف رجل ومعهم مال كثير ، فدخلوا مكّة والمسجد الحرام حتّى أخرجوهم من حبسهم ، واستأذنوا محمّد بن الحنفيّة في قتال ابن الزبير ، فلم يأذن لهم وفرّق فيهم الأموال ٦ / ٦٧. وكان ينهى الشيعة من الغلو ٦ / ١٠٣ ، وكانت له راية مستقلّة في الحجّ سنة (٦٨ هـ) ، وكان يقول : إنّي رجل أدفع عن نفسي من ابن الزبير ، وما يروم منّي ، وما أطلب هذا الأمر أنْ يختلف عليّ فيه اثنان ٦ / ١٣٨. وكان حيّاً إلى سنة الجحاف (٨١ هـ) وله إذ ذاك ٦٥ سنة ٥ / ١٥٢ ، وتوفى بالطائف فصلّى عليه ابن عبّاس ٥ / ١٥٤.

(١) رؤوس الجبال ، ولا يصحّ : شعب الجبال. انظر : مجمع البحرين.

٨٤

بلد حتّى تنظر إلى ما يصير النّاس ، وتعرف عند ذلك الرأي ؛ فانّك أصوب ما تكون رأياً وأحزمه عملاً [حين] تستقبل الأمور استقبال ، ولا تكون الأمور عليك أبداً أشكل منها حين تستدبرها استدبار.

فقال [له الحسين (عليه السّلام)] «يا أخي ، قد نصحت فأشفقت ، فأرجو أنْ يكون رأيك سديداً موفّقاً» (١).

[خروج الحسين (عليه السّلام) من المدينة]

[وقد كان الحسين (عليه السّلام) قال للوليد] : «كفّ حتّى تنظر وننظر ، وترى ونرى». فتشاغلوا عن الحسين (عليه السّلام) بطلب عبد الله [بن الزبير اليوم الأوّل ، ثمّ يوم خروجه] حتّى أمسوا. [فلمّا أمسوا] بعث [الوليد] الرجال إلى الحسين (عليه السّلام) عند المساء [من هذا اليوم الثاني السّبت ، السّابع والعشرين من شهر رجب] فقال (عليه السّلام) : «أصبحوا ثمّ ترون ونرى». فكفّوا عنه تلك اللّيلة [الثانية ، أي : ليلة الأحد الثامن والعشرين من شهر رجب] ولمْ يلحّوا عليه.

فخرج الحسين (عليه السّلام) من تحت ليلته هذه [الثانية] ، وهي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب سنة ستّين [من الهجرة] ببنيه وإخوته وبني أخيه وجُلّ أهل بيته ، إلاّ محمّد بن الحنفيّة (٢) ، وهو يتلو هذه الآية : (فَخَرَجَ مِنْهَا

_________________

(١) ٥ / ٣٤١. قال هشام بن محمّد : عن أبي مِخْنف ... ورواه المفيد / ٢٠٢ ، والخوارزمي / ١٨٨ ، بزيادات.

وأضاف الخوارزمي ، عن ابن الأعثم وصيّة الإمام (عليه السّلام) لابن الحنفيّة : «أمّا بعد ، فإنّي لمْ أخرج ...». وزاد : (وسيرة الخلفاء الراشدين)!

(٢) ٥ / ٣٤٠ ، ٣٤١. وتاريخ الخروج في ص / ٣٨١ ـ أيضاً ـ : عن أبي مِخْنف عن الصقعب بن زهير ، عن عون بن أبي جحيفة. والمفيد / ٢٠٩ ، والسّبط / ٢٣٦ ، يقولا : وخرج الحسين (عليه السّلام) في اللّيلة الآتية بأهله وفتيانه ، وقد اشتغلوا عنه بابن الزبير. ويرويه أيضاً [السبط] / ٢٤٥ ، عن محمّد بن إسحاق وهشام : يوم الأحد لليلتين بقيتا من رجب. وقال الخوارزمي / ١٨٩ : لثلاث مضين من شهر شعبان.

٨٥

خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (١). فلمّا دخل مكّة تلا هذه الآية : (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيل) (٢) و (٣).

_________________

(١) سورة القصص / ٢١.

(٢) سورة القصص / ٢٢.

(٣) ٥ / ٣٤٣. قال هشام بن محمّد عن أبي مِخْنف ...

موقف عبد الله بن عمر :

(١) ثمّ بعث الوليد إلى عبد الله بن عمر ، فقال [له] : بايع ليزيد. فقال : إذا بايع النّاس بايعت (٢). فقال [له] : رجل ما يمنعك أنْ تبايع ، إنذما تريد أنْ يختلف النّاس بينهم فيقتتلوا ويتفانوا ، فإذا جهدهم ذلك ، قالوا : عليكم بعبد الله بن عمر ، لمْ يبقَ غيره بايعوه. [فـ] ـقال عبد الله : ما أحببت أنْ يقتتلوا ولا يختلفوا ولا يتفانوا ، ولكن إذا بايع النّاس ولمْ يبقَ غيري بايعت. فتركوه ، وكانوا لا يتخوّفونه.

_________________

(١) ٥ ٣٤٢. بلفظ ، قال هشام بن محمّد عن أبي مِخْنف ... ثمّ قال : وزعم الواقدي (ت ٢٠٧ هـ) أنّ ابن عمر لمْ يكن بالمدينة حين ورود نعي معاوية وبيعة يزيد على الوليد. وكذلك رواه السّبط / ٢٣٧ : وأن ابن الزبير والحسين (عليه السّلام) لمّا دعيا إلى البيعة ليزيد أبيا وخرجا من ليلتهما إلى مكّة ، فلقيهما ابن عبّاس وابن عمر جائيين من مكّة ، فسألاهما ما وراءكم؟ قالا : موت معاوية والبيعة ليزيد. فقال ابن عمر : اتّقيا الله ، ولا تفرّقا جماعة المسلمين. وقدم فأقام أيّاماً ينتظر حتّى جاءت البيعة من البلدان ، فتقدّم هو وابن عبّاس فبايعاه.

(٢) كما عرّفه بهذا معاوية في وصيته ، ومروان في مشورته على الوليد ، كما مرّ.

٨٦

[الإمام الحسين (عليه السّلام) في مكّة]

[الحسين (عليه السّلام) في طريقه إلى مكّة]

قال عقبة بن سمعان خرجنا [من المدينة] فلزمنا الطريق الأعظم ، فقال للحسين [(عليه السّلام) بعض] أهل بيته : لو تنكّبت الطريق الأعظم ، كما فعل ابن الزبير ، لا يلحقك الطلب؟ قال (عليه السّلام) : «لا والله ، لا أفارقه حتّى يقضي الله ما هو أحبّ إليه» (١).

[عبد الله بن مطيع العدوي] (٢)

فاستقبلنا عبد الله بن مطيع ، فقال للحسين (عليه السّلام) : جعلت فداك ، أين تريد؟ قال (عليه السّلام) : «أمّا الآن فإنّي أريد مكّة ؛ وأمّا بعدها

_________________

(١) ٥ / ٤٥١. حدّثت عن هشام بن محمّد عنه ـ أي : أبي مِخْنف ـ قال حدّثني عبد الرحمن بن جندب ، قال : حدّثني عقبة بن سمعان ، مولى الرباب بنة امرئ القيس الكلبية ، امرأة الحسين (عليه السّلام) وأمّ سكينة بنة الحسين (عليه السّلام). وقد سبقت ترجمته.

ورواه المفيد / ٢٠٢ ، والخوارزمي / ١٨٩ : ينسب الكلام إلى مسلم بن عقيل (عليه السّلام).

(٢) قرشي ولد على عهد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وكان على قريش مع أهل المدينة في خروجهم على يزيد ٥ / ٤٨١ ، ثمّ لحق بابن الزبير في مكّة فحارب معه ، ثمّ ولي من قبله على الكوفة ٥ / ٦٢٢ ، واليعقوبي ٣ / ٣ ـ ٥ والمسعودي ٣ / ٨٣ ، والخوارزمي ٢ / ٢٠٢ ، نقلاً عن محمّد بن إسحاق ، وكان يعارض المختار حتّى أخرجه المختار من الكوفة ٦ / ٣١ وسيروي الطبري ، عن هشام عن أبي مِخْنف ، عن محمّد بن قيس ٥ / ٣٩٥ لقاء آخر لابن مطيع مع الإمام (عليه السّلام) في بعض مياه العرب ، بعد الحاجر وقبل زرود.

٨٧

فإنّي أستخير الله.

[فـ] ـقال [عبد الله] خار الله لك ، وجعلنا فداك ... فاذا أنت أتيت مكّة فإيّاك أنْ تقرب [الكوفة] فانّها بلدة مشؤومة؛ بها قتل أبوك وخذل أخوك واغتيل بطعنة كادت تأتي على نفسه ، ألزم الحرم ، فانّك سيّد العرب لا يعدل بك والله ، أهل الحجاز أحداً ، ويتداعى إليك النّاس من كلّ جانب ، لا تفارق الحرم ، فداك عمّي وخالي فوالله ، لئن هلكت لنسترقنّ بعدك (١).

[الحسين (عليه السّلام) في مكّة]

فأقبل حتّى نزل مكّة (٢) ، ودخل مكّة ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان (٣). فاقام بمكّة : شعبان وشهر رمضان ، وشوّال وذا القعدة إلى ثماني ذي الحجّة (٤).

فأقبل أهلها يختلفون إليه ويأتونه ، ومَن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق.

وابن الزبير بها قد لزم الكعبة ، فهو قائم يصلّي عامّة النّهار ويطوف ... ، ويأتي حسيناً (عليه السّلام) فيمَن يأتيه ، فيأتيه اليومين المتواليين ، ويأتيه بين كلّ

_________________

(١) ورواه السّبط / ٢٤٣ : عن هشام بن إسحاق. والخوارزمي / ١٨٩ : عن ابن الأعثم.

(٢) ٥ / ٣٥١. من خبر عقبة ، أيضاً.

(٣) ٥ / ٣٨٧. قال أبو مِخْنف : حدّثني الصقعب بن زهير ، عن عون بن أبي جحيفة.

وقد كان خروجه (عليه السّلام) من المدينة ليومين بقيا من رجب ، وعلى هذا يكون قد قطع المسافة من المدينة إلى مكّة في خمسة أيّام فقط ، والمسافة : (٥٠٠) كيلومتر تقريباً ، فيكون قد قطع (عليه السّلام) في كلّ يوم وليلة : مئة كيلومتر تقريباً ـ أي : ما يقرب من (١٨) فرسخ ـ وهذا ضعف مقدار المسافة اليوميّة العادية ـ ٨ فراسخ ـ ؛ ويستفاد من هذا : أنّه (عليه السّلام) وإنْ لمْ يتنكّب الطريق الأعظم مخافة الطلب ـ كما سلف ـ لِمَا فيه من الخوف والفرار المشين على الإمام (عليه السّلام) ، إلاّ أنّه أسرع في سفره.

(٤) ٥ / ٣٨١. من خبر عون بن أبي جحيفة أيضاً. ورواه السّبط أيضاً ، عن هشام / ٢٤٥.

٨٨

يومين مرّة ... ولا يزال يُشير عليه بالرأي ، وهو (عليه السّلام) أثقل خلق الله على ابن الزبير ؛ [لأنّه] عرف أنّ أهل الحجاز لا يبايعونه ، ولا يتابعونه أبداً ما دام الحسين (عليه السّلام) بالبلد ، وأنّ حسيناً (عليه السّلام) أعظم في أعينهم وأنفسهم ، وأطوع في النّاس منه (١).

[كتب أهل الكوفة] (٢)

فلمّا بلغ أهل الكوفة هلاك معاوية ، أرجف أهل العراق بيزيد ، وقالوا :

_________________

(١) ٥ / ٣٥١. من خبر عقبة أيضاً ، ورواه المفيد / ٢٠٢.

(٢) وكان بالكوفة ممّن شهد القادسيّة ثلاثون ألفاً ـ ٤ / ٧٥ ـ ، واستقضى عمر شريح بن الحراث الكندي على الكوفة سنة ثمانية عشر ـ ٤ / ١٠١ ـ وفي سنة عشرين عزل عمر سعداً عن الكوفة لشكايتهم إيّاه ، وقالوا : لا يحسن أنْ يصلّي! وفيها أجلى عمر يهود نجران إلى الكوفة ـ ٤ / ١١٢ ـ. وفي سنة إحدى وعشرين ولّى عمّار بن ياسر على الكوفة ، وابن مسعود على بيت المال ، وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض والخراج فشكا أهل الكوفة عمّارا فاستعفى عمّار ـ ٤ / ١٤٤ ـ ، وأمر أبا موسى الأشعري عليهم بعد عمّار ، فأقام عليهم سنة فشكوه ، فعزله واستعمل المغيرة بن شعبة. وفي الكوفة مئة ألف مقاتل ـ ٤ / ١٥٦ ـ ، وكان في الكوفة إذ ذاك أربعون ألف مقاتل ، وكان يغزو الثغر منهم في كلّ سنة عشرة الآف فكان الرجل يصيبه في كلّ أربع سنين غزوة ـ ٤ / ٢٤٦ ـ.

وفي سنة ٣٧ أمرهم أمير المؤمنين (عليه السّلام) : أنْ يكتب رئيس كلّ قوم ما في عشيرته من المقاتلة وأبناء المقاتلة الذين أدركوا القتال وعبدان عشيرتهم ومواليهم ، فيرفعون ذلك إليه (عليه السّلام) فرفعوا إليه أربعين ألف مقاتل ، وسبعة عشر من الأبناء ممّن أدرك ، وثمانية الآف من مواليهم وعبيدهم ، فهؤلاء خمس وستّون ألف مقاتل ـ ٥ / ٧٩ ـ فيهم ثمان مئة من أهل المدينة ـ ٤ / ٨٥ ـ وجعلهم سعد أسباعاً ، فصارت كنانة وحلفاؤها من الأحابيش وجديلة سبعاً ، وقضاعة وبجيلة وخثعهم وكندة وحضرموت والأزد سبعاً ، ومذحج وحمير وهمدان وحلفاؤهم سبعاً ، وتميم وهوازن والرباب سبعاً ، وأسد وغطفان ومحارب والنمر وضبيعة وتغلب سبعاً ، وأياد وعك وعبد القيس وأهل هجر وحمراء الديلم سبعاً ، فلمْ يزالوا كذلك زمان عمر وعثمان وعلي (ع) حتّى ربّعهم زياد ـ ٤ / ٤٨ ـ.

فكان عمرو بن حريث على ربع أهل المدينة ، وخالد بن عرفطة على ربع تميم وهمدان ، وقيس بن الوليد بن عبد شمس على ربع ربيعة وكندة ، وأبو بردة بن أبي موسى الأشعري على مذحج وأسد ، وكلّهم شهدوا على حجر وأصحابه ـ ٥ / ٢٦٨ ـ.

٨٩

قد امتنع حسين (عليه السّلام) وابن الزبير ولحقا بمكّة (١).

(٢) [قال] محمّد بن بشر الهمداني : اجتمعـ [نا] في منزل سليمان بن ُصرد [الخزاعي (٣) فخطبنا] ، فقال : إنّ معاوية قد هلك ، وإنّ حسيناً (عليه السّلام) قد تقبّض على القوم ببيعته ، وقد خرج إلى مكّة وأنتم شيعته وشيعة أبيه ؛ فإنْ كنتم تعلمون أنّكم ناصروه ومجاهدو عدوّه ، فاكتبوا إليه ، وإنْ خفتم الوهل (٤) والفشل فلا تغرّوا الرجل من نفسه.

[فـ] ـقالوا : لا ، بل نقاتل عدوّه ، ونقتل أنفسنا دونه. قال : فاكتبوا إليه (٥). فكتبوا إليه :

(بسم الله الرحمن الرحيم ، للحسين بن علي ، من سليمان بن ُصرد والمسيّب بن نجبة (٦) ،

_________________

(١) ٥ / ٣٥١. من خبر عقبة ، أيضاً.

(٢) ٥ / ٣٥٢. قال أبو مِخْنف : فحدّثني الحجّاج بن علي ، عن محمّد بن بشر الهمداني قال : ...

(٣) ذكره الكشّي في رجاله / ٦٩ ، الحديث / ١٢٤ ، عن الفضل بن شاذان تحت عنوان : من التابعين الكبار ورؤسائهم وزهادهم. وذكره الشيخ في رجاله / ٤٣ في : أصحاب النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السّلام) ، إلاّ أنّه قال : المتخلف عنه يوم الجمل المروي كذباً عذره. وقد روى التخلّف والعذر نصر بن مزاحم في كتابه / ٦ ، فقال ، قال له علي (عليه السّلام) : «ارتبت وتربّصت وراوغت ، وقد كنت من أوثق النّاس في نفسي وأسرعهم فيما أظنّ إلى نصرتي ...». فقال : يا أمير المؤمنين ... استبق مودّتي تخلص لك نصيحتي ، وقد بقيت أمور تعرف فيها وليّك من عدوّك. فسكت عنه ، ثمّ جعله علي (عليه السّلام) على رجّالة الميمنة في صفّين ـ صفّين / ٢٠٥ ـ ، فبارز حوشب سيّد اليمن من أهل الشام فقتله ، وهو يقول : أمسى علي (ع) عندنا محبباً نفديه بالاُمّ ولا نبغي أباً [انظر] صفّين / ٤٠١. وضرب وجهه بالسّيف في صفّين ـ صفّين / ٥١٩ ـ ، وعدّه أبو مِخْنف من الصحابة ومن رؤساء الشيعة ـ الطبري ٥ / ٥٥٢ ـ ، وكان قائد التوّابين سنة (٦٤ هـ) ـ ٥ / ٥٥٥ ـ ، وكان اعتذاره : ادّهنا وتربّصنا وانتظرنا ما يكون حتّى قُتل ـ ٥ / ٥٥٤ ـ.

(٤) أي : الفزع. انظر : مجمع البحرين.

(٥) ورواه الخوارزمي ـ بتفصيل ـ / ١٩٣.

(٦) ذكره الكشّي في رجاله / ٦٩ ، الحديث / ١٢٤ ، بعنوان : من التابعين الكبار ورؤسائهم وزهّادهم

٩٠

ورفاعة بن شدّاد (١) ، وحبيب بن مظاهر (٢) ، وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة. سلام عليك : فإنّا نحمد إليك الله الذي لا إله إلاّ هو ، أمّا بعد ، فالحمد لله الذي قصم عدوّك الجبّار العنيد الذي انتزى على هذه الاُمّة ، فابتزّها وغصبها فيئها ، وتأمر عليها بغير رضى منها ، ثمّ قتل خيارها واستبقى شرارها ، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها ، فبعداً له كما بعدت ثمود.

_________________

وذكره الشيخ في رجاله ص / ٥٨ ، برقم / ٨ : في أصحاب أمير المؤمنين (ع) ، وفي أصحاب الإمام الحسن ص / ٧٠ برقم / ٤. وأضاف الفزاري : كان من رؤساء الجماعة الذين خفّوا لنصرة علي (عليه السّلام) من الكوفة إلى البصرة ، كما في الطبري / ٤ ٤٤٨. ووجّهه الإمام علي (عليه السّلام) مع بشر وكثير من قومه لمقاومة غارة عبد الله بن مسعدة الفزاري ٥ / ١٣٥. وكان قائد التوّابين بعد سليمان بن ُصرد ، فقُتل معهم سنة (٦٥ هـ) ٥ / ٥٩٩.

(١) ذكره الكشّي في رجاله / ٦٥ ، الحديث / ١١٨ : ممّن دفن أباذر ، من الصالحين. وذكره الشيخ في رجاله ص / ٤١ : في أصحاب أمير المؤمنين (عليه السّلام). وص / ٦٨ : في أصحاب الإمام الحسن (عليه السّلام). وزاد البجلي : وكان في صفّين مع علي (عليه السّلام) على بني بجلة (بجيلة) صفّين / ٢٠٥ ، ثمّ أصبح من أصحاب حجر بن عدي وعمرو بن الحمق ، فذهب مع عمرو ـ لمّا طلبه زياد بن أبيه ـ إلى جبال الموصل فأخذ عمرو ، وفرّ شدّاد بفرسه ـ ٥ / ٢٦٥ ـ. وكان ثاني مَن خطب من رؤساء التوّابين ـ ٥ / ٥٥٣ ـ ، وإليه فوّض تعبئة التوّابين ـ ٥ / ٥٨٧ ـ. وكان الأمير الأخير للتوّابين ـ ٥ / ٥٩٦ ـ ، وكان قصّاصاً يقصّ على أهل الميمنة ، يحثّهم على القتال ـ ٥ / ٥٩٨ ـ ، وكان يقاتل ـ ٥ / ٦٠١ ـ ، ولكنّه رجع بالنّاس ليلاً حتّى دخل الكوفة ـ ٥ / ٦٠٥ ـ فتراسل المختار ـ ٦ / ٨ ـ وأخذ له البيعة ـ ٦ / ٩ ـ ، ولكنّه خرج عليه مع اليمنيين بالكوفة فكان يصلّي بهم ـ ٦ / ٤٧ ـ ، ثمّ لمّا سمع رجلاً من همذان ، يقول : يا لثارات عثمان! ـ في جواب أصحاب المختار ، يا لثارات الحسين (عليه السّلام)! ـ قال لهم رفاعة بن شدّاد : ما لنا ولعثمان؟ لا أقاتل مع قوم يبغون دم عثمان ، فعطف عليهم يقول :

أنا ابن شدّاد على دين علي

لست لعثمان بن أروى بولي

فقُتل عند حمّام المهبذان بالسّبخة ، وكان ناسكاً ٦ / ٥٠.

(٢) كان على ميسرة أصحاب الحسين (عليه السّلام) ٥ / ٤٢٢ وتفاخر بقتله الحصين بن تميم فعلّق رأسه في لبان فرسه. وقتل ابنه القاسم بن حبيب قاتله بديل بن صريم التميمي قصاصاً ، وهما في عسكر مصعب بن الزبير في غزو باجميرا ٥ / ٤٤٠.

٩١

إنّه ليس علينا إمام ، فأقبل لعلّ الله أنْ يجمعنا بك على الحقّ ، والنّعمان بن بشير في قصر الإمارة ، لسنا نجتمع معه في جمعة ولا نخرج معه إلى عيد ، ولو قد بلغنا أنّك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتّى نلحقه بالشام إنْ شاء الله ، والسّلام عليك ورحمة الله (١).

ثمّ سرّحنا بالكتاب مع عبد الله بن سبع الهمداني (٢) وعبد الله بن وال [التميمي] (٣).

فخرج الرجلان مسرعين حتّى قدما على الحسين (عليه السّلام) بمكّة ، لعشر مضين من شهر رمضان (٤).

ثمّ لبثنا يومين ، ثمّ سرّحنا إليه قيس بن مسهر الصيداوي (٥) وعبد الرحمن بن عبد الله بن الكدن الأرحبي (٦) وعمارة بن عبيد السّلولي (٧) ، فحملوا معهم

_________________

(١) ورواه الخوارزمي / ١٩٤.

(٢) ذكره المفيد ص / ٢٠٣ : عبد الله بن مسمع. والخوارزمي ص / ١٩٤ : عبد الله بن سبيع ، وقُتل مع الحسين (عليه السّلام).

(٣) ذكره السّبط ص / ١٩٤ : عبد الله بن مسمع البكري. واكتفى بذكر اسمهما الشيخ الطوسي (ره) ـ رجال الشيخ / ٧٧ ـ ، فقال : عبد الله وعبيد الله معروفان ، وعبد الله بن وال التميمي كان القائد الثالث للتوّابين ، فقُتل ٥ / ٦٠٢.

(٤) ورواه المفيد / ٢٠٣ ، والسّبط / ٢٤٤.

(٥) الأسدي ، رجع إلى العراق مع مسلم بن عقيل (عليه السّلام) ، فلمّا تضايق به الأمر في بطن المضيق ، أرسله بكتابه إلى الحسين (عليه السّلام) ٥ / ٣٥٤ ، فرجع مع الإمام (عليه السّلام) حتّى بلغ بطن الحاجر ، فبعثه بكتابه إلى أهل الكوفة حتّى انتهى إلى القادسيّة ، فأخذه الحصين بن تميم التميمي فبعث به إلى ابن زياد ، فأمر به فرمي من فوق القصر فقُطّع فمات (رحمه الله) ٥ / ٣٩٥. فلمّا بلغ الحسين (عليه السّلام) إلى عذيب الهجانات ، بلغه خبره فترقرقت عيناه ولمْ يملك دمعه ، وقال : (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ ...) (سورة الأحزاب / ٢٣). اللهمّ ، اجعل لنا ولهم الجنّة نزل ، واجمع بيننا وبينهم في مستقرّ رحمتك ورغائب مذخور ثوابك» ٥ / ٤٠٥.

(٦) ذكره المفيد / ٢٠٣ ، باسم : عبد الله وعبد الرحمن شدّاد الأرحبي. والسّبط / ١٩٤ : عبد الله بن عبد الرحمن ، وكان مع مسلم إلى العراق ٥ / ٣٥٤.

(٧) ذكره الخوارزمي / ١٩٥ : عامر بن عبيد. وذكره المفيد / ٢٠٣ ، والسّبط / ٢٤٤ : عمارة بن عبد الله

٩٢

نحواً من [مئة] وخمسين صحيفة (١) من الرجل والاثنين والأربعة.

قال : ثمّ لبثنا يومين آخرين ، ثمّ سرّحنا إليه هانئ بن هانئ السّبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي (٢) وكتبنا معهما :

بسم الله الرحمن الرحيم ، للحسين بن علي ، من شيعته من المؤمنين والمسلمين ، أمّا بعد ، فحيّ هلاّ ؛ فإنّ النّاس ينتظرونك ، ولا رأي لهم في غيرك ، فالعجل العجل! والسّلام عليك (٣).

وكتب شبث بن ربعي (٤).

_________________

السّلولي. كان مع مسلم إلى العراق ٥ / ٣٥٤ وفي بيت هانئ ٥ / ٣٦٣ ، ثمّ لمْ يُعلم أثره بعدُ.

(١) النصّ في الطبري : نحواً من ثلاثة وخمسين ، ولكن الشيخ المفيد ذكر العدد : ٢٠٣ ، مئة وخمسين وكذلك السّبط : ٢٤٤ ، عن هشام ومحمّد بن إسحاق ، وكذلك الخوارزمي / ١٩٥ ، عن ابن الأعثم ؛ فالظاهر أنّ (الثلاثة) في الطبري تصحيف لـ (المئة).

(٢) سيأتي أنّهما رجعا إلى أهل الكوفة بجواب الإمام (عليه السّلام) ؛ فأمّا هانئ فلمْ يُعلم أثره ؛ وأمّا الحنفي فإنّه لحق بالإمام (عليه السّلام) فقُتل معه.

(٣) ورواه المفيد / ٢٠٣ ، والسّبط / ٢٤٤.

(٤) اليربوعي التميمي ٥ / ٣٦٩ ، كان مؤذّن سجاح المضريّة مدّعية النبوّة ٣ / ٢٧٣ ، ثمّ أسلم ، وكان ممّن أعان على عثمان ثمّ صحب عليّاً (عليه السّلام) ، فكان في صفّين معه على بني عمرو بن حنظلة في الكوفة ، صفّين / ٢٠٥. وفي النّهروان على ميسرة علي (عليه السّلام) طبري ٥ / ٨٥. وكان الرسول بين علي (عليه السّلام) ومعاوية مع جماعة صفّين / ٩٧. شهد على حجر بن عدي بالخروج على زياد ٥ / ٢٦٩ ، ثمّ حضر قتل الحسين (عليه السّلام) ، وكان على الرجّالة يوم عاشوراء ٥ / ٤٢٢ ، وكانوا يرون منه الكراهة لقتال الإمام (عليه السّلام) ، فإنّه لمّا قال له ابن سعد : ألاَ تقدم إلى الرماة تكون عليهم فترمى الحسين (عليه السّلام)؟ قال له : سبحان الله! أتعمد إلى شيخ مضر وأهل المصر عامة تبعثه في الرماة ، لمْ تجد مَن تندب لهذا ويجزي عنك غيري؟

وكان يقول بعد ذلك : لا يعطي الله أهل هذا المصر خيراً أبداً ، ولا يسدّدهم لرشد ، ألاَ تعجبون أنّا قاتلنا مع علي بن أبي طالب ومع ابنه من بعد آل أبي سفيان خمس سنين! ثمّ عدونا على ابنه ، وهو خير أهل الأرض ، نقاتله مع آل معاوية وابن سميّة الزانية! ضلال يا لك من ضلال ٥ / ٤٣٢ ـ ٤٣٧ ، وهو الذي لام أهل الكوفة لفرحهم بقتل ابن عوسجة ٥ / ٤٣٦ ، ولكنّه خاف ابن زياد من مواقفه هذه فبنى مسجداً إظهاراً للفرح بقتل الحسين ٦ / ٢٢ ، ثمّ حارب المختار في ثلاثة الآف لابن المطيع عن ابن الزبير ٦ / ٢٣.

٩٣

وحجّار بن أبجر (١) ويزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم (٢) ، وعزرة بن قيس (٣).

_________________

(١) العجلي ٥ / ٣٦٩ ، كان أبوه نصرانياً ، وكان له منزلة فيهم ٥ / ١٤٥ ، وكان ممّن شهد على حجر بن عدي لزياد ٥ / ٢٧٠ ، ورفع راية الأمان لابنه يوم خروج مسلم ٥ / ٣٦٩ ، وأنكر كتابه للامام (عليه السّلام) يوم عاشوراء ٥ / ٤٢٥ ثمّ حارب المختار ٦ / ٢٢ ، ثمّ حارب عبد الله بن الحرّ لمصعب فانهزم أمامه فشتمه مصعب وردّه ٦ / ١٣٦. ثمّ كان فيمن كتب إليهم عبد الملك بن مروان من أهل الكوفة ، فشرطوا عليه ولاية إصبهان فأنعم بها لهم كلّهم ٦ / ١٥٦ ، ولكنّه كان قد خرج مع مصعب متظاهراً بقتال عبد الملك ، فلمّا دعاه مصعب للحرب ، قال : إلى هذه العذرة؟ ٦ / ١٥٨ وكان حيّاً إلى سنة (٧١ هـ) ، ثمّ لمْ يُعلم أثره.

(٢) أبو حوشب الشيباني ، أنكر كتابه يوم عاشوراء ٥ / ٤٢٥ ، فلمّا قُتل يزيد وخلّف عبيد الله بن زياد على الكوفة عمرو بن حريث فدعا إلى بيعة ابن زياد ، قام يزيد بن الحارث هذا ، فقال : الحمد لله الذي أراحنا من ابن سميّة ، لا ، ولا كرامة. فأمر به عمرو بن حريث أنْ يسجن فحالت بنوبكر بن وائل دون ذلك ٥ / ٥٢٤ ، ثمّ أصبح من أصحاب عبد الله بن يزيد الخطمي الآنصاري ، والي الكوفة لابن الزبير قبل ابن مطيع. فكان يحثّه على قتال سليمان بن ُصرد وأصحابه قبل خروجهم ٥ / ٥٦١ ٥٦٣ ، ثمّ كان يحثّه على حبس المختار ٥ / ٥٨٠ ، ثمّ بعثه ابن مطيع إلى جبّانة مراد ؛ لقتال المختار ٦ / ١٨ وفي ألفين إلى سكّة لحّام جرير ، فوقفوا في أفواه السكك ٦ / ٢٦ ووضع رامية على أفواه السكك فوق البيوت ، فمنع المختار من دخول الكوفة ٦ / ٢٨. ثمّ ثار على المختار في إمارته ببني ربيعة ٦ / ٤٥ ، فانهزم بأصحابه ٦ / ٥٢ ، ثمّ كان فيمن حارب الأزارقة الخوارج مع الحارث بن أبي ربيعة والي ابن الزبير على الكوفة سنة (٦٨ هـ) ٦ / ١٢٤ ، فأمره مصعب على المدائن ٦ / ١٣٤ ، ثمّ ولي لعبد الملك بن مروان على الري سنة (٧٠ هـ) ٦ / ١٦٤ ، فقتله الخوارج. إبصار العين / ١٥.

وكان جدّه يزيد بن رويم الشيباني على ذهل الكوفة مع علي (عليه السّلام) بصفّين ، صفّين / ٢٠٥.

(٣) الأحمسى كان من الشهود على حجر بن عدي ٥ / ٢٧٠ ؛ ولهذا كتب إلى الإمام (عليه السّلام) ليكفّر ذلك ؛ ولهذا استحيا أنْ يأتي الإمام (عليه السّلام) من قبل ابن سعد فيسأله ما الذي جاء به ٥ / ٤١٠ ؛ ولهذا أيضاً أجابه زهير بن القين عشيّة التاسع من المحرّم يعرّض به : أما والله ، ما كتبت إليه كتاباً قطّ ، ولا أرسلت إليه رسولاً قطّ ، ولا وعدته نصرتي قطّ.

وكان عزرة عثمانياً ، فقال لزهير : ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت ، إنّما كنت عثمانيّاً ٥ / ٤١٧. وجعله عمر على الخيل يوم عاشوراء ، وكان يحرسهم باللّيل ٥ / ٤٢٢ ، فكان أصحاب الإمام (عليه السّلام) لا يحملون على خيله إلاّ ويكشفونه ، فشكى ذلك إلى ابن سعد وطلب منه أنْ يعفيه من ذلك ،

٩٤

وعمرو بن الحجّاج الزبيدي (١) ومحمّد بن عمر التميمي (٢) :

أمّا بعد ، فقد اخضرّ الجنان وأينعت الثمار ، وطمّت الجُمام (٣) ، فإذا شئت فأقدم على جند لك مجنّد. والسّلام عليك (٤).

_________________

ويبعث إليهم الرجّالة والرماة ، ففعل ٥ / ٤٣٦.

ثمّ كان فيمَن حمل رؤوس أصحاب الإمام (عليه السّلام) إلى ابن زياد ٥ / ٤٥٦ ، ثمّ لمْ يُعلم أثره.

(١) كان فيمَن شهد على حجر بن عدي ٥ / ٢٧٠ ، وكانت أخته روعة بنت الحجّاج تحت هانئ بن عروة ، وهي اُمّ يحيى بن هانئ ٥ / ٣٦٤ ، فلمّا قُتل هانئ أقبل في جمع عظيم من مذحج ، فلمّا أخبرهم شريح بحياة هانئ تفرّقوا ٥ / ٣٦٧.

ثمّ حضر كربلاء فبعثه عمر بن سعد على خمسمئة فارس ، فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الإمام (ع) وأصحابه وبين الماء ، وذلك قبل القتل بثلاث ٥ / ٤١٢.

ولام ابن سعد على تريّثه عن إجابة الإمام إلى استمهال ليلة العاشر ٥ / ٤١٧ ، ثمّ كان على ميمنة عمر بن سعد يوم العاشر ٥ / ٤٢٢ من نحو الفرات فحمل بهم على الحسين (ع) وأصحابه ، وكان يحرّضهم على قتلهم ٥ / ٤٣٥ ، ثمّ كان ممّن حمل رؤوسهم إلى الكوفة ٥ / ٤٥٦ ، ثمّ كان مع ابن مطيع على المختار ٦ / ٢٨ ، في ألفي رجل من سكّة الثوريّين ٦ / ٢٩ ، ثمّ في جبّانة مراد بمن تبعه من مذحج ٦ / ٤٥ ، فلمّا غلب المختار ركب راحلة فأخذ طريق شراف وواقصة ، فلمْ يُرَ بعد ذلك ٦ / ٥٢.

(٢) ابن عطارد ، كان ممّن شهد على حجر بن عدي ٥ / ٢٧٠ ، وكان على مضر في محاربة المختار ٦ / ٤٧ ، ثمّ بايع المختار فبعثه والياً على آذربايجان ٦ / ٣٤. وكان مع الحارث بن أبي ربيعة والي الكوفة لابن الزبير في قتال إلاّزارقة الخوارج ٦ / ١٢٤ ، وكان ممّن كاتبه عبد الملك بن مروان من مروانيّة الكوفة ٦ / ١٥٦ ، ثمّ ولاه همدان ٦ / ١٦٤ ، ثمّ رجع إلى الكوفة فكان بها في ولاية الحجّاج سنة (٧٥ هـ) ٦ / ٢٠٤ ، ثمّ لمْ يُعلم أثره.

وكان أبوه عمير بن عطارد على تميم الكوفة مع علي (عليه السّلام) بصفّين ـ صفّين / ٢٠٥ ـ.

ثمّ هو ممّن سعى في دم عمرو بن الحمق الخزاعي عند زياد حتّى لامه على ذلك عمرو بن حريث وزياد. انظر : الطبري ٥ / ٢٣٦.

(٣) الجمام جمع : جمّة ، وهي مجتمع الماء. وطمّت ، أي : علت المياه وغمرت. وانظر أهل الدنيا كيف يحسبون أنّ الدنيا من دواعي إقبال الإمام (عليه السّلام) إليهم ، يا لقصر العقول!

(٤) ورواه المفيد / ٢٠٣ ، والسّبط / ٢٤٤.

٩٥

[جواب الإمام الحسين (عليه السّلام)]

وتلاقت الرسل كلّها عنده فقرأ الكتب ، وسأل الرسل عن أمر النّاس.

ثمّ كتب مع هانئ بن هانئ السّبيعي ، وسعيد بن عبد الله الحنفي ـ وكانا آخر الرسل ـ :

«بسم الله الرحمن الرحيم ، من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين ، أمّا بعد ، فإنّ هانئاً وسعيداً قدما عليّ بكتبكم ـ وكانا آخر من قدم عليّ من رسلكم ـ ، وقد فهمت كلّ الذي اقتصصتم وذكرتم ، ومقالة جلّكم إنّه ليس علينا إمام فأقبل ، لعلّ الله أن يجمعنا بك على الهدى والحقّ.

وقد بعثت إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي : مسلم بن عقيل ، وأمرته أنْ يكتب إليّ بحالكم وأمركم ورأيكم.

فإنْ كتب إليّ أنّه قد أجمع رأي ملئكم ، وذوي الفضل والحجى منكم ، على مثل ما قدمتْ عليّ به رسلكم وقرأت في كتبكم ، أقدم عليكم وشيكاً ـ إنْ شاء الله ـ فلعمري ، ما الإمام إلاّ العامل بالكتاب والأخذ بالقسط ، والدائن بالحقّ والحابس نفسه على ذات الله. والسّلام» (١).

[سفر مسلم (عليه السّلام)]

ثمّ دعا مسلم بن عقيل فسرّحه مع قيس بن مسهر الصيداوي (٢) وعمارة بن عبيد السّلولي (٣) وعبد الرحمن عبد الله بن الكدن الأرحبي (٤) فأمره بتقوى الله ،

_________________

(١) ٥ / ٣٥٣. قال أبو مِخْنف : فحدّثني الحجّاج بن علي عن محمّد بن بشر الهمداني ، قال : ... ورواه المفيد / ٢٠٤ ، والسّبط / ١٩٦.

(٢ ، ٣ ، ٤) هم الذين حملوا إلى الإمام (عليه السّلام) الصحائف المئة والخمسين من أهل الكوفة ، وقد ترجمنا لهم. وعمارة بن عبيد ، ذكره المفيد والسّبط : ابن عبد الله. وعبد الرحمن بن عبد الله ، ذكره المفيد هكذا :

٩٦

وكتمان أمره واللطف ، فإنْ رأى النّاس مجتمعين مستوسقين ، عجّل إليه بذلك.

فأقبل مسلم حتّى أتى المدينة ، فصلّى في مسجد رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) ، وودّع مَن أحبّ من أهله ، ثمّ استأجر دليلين من قيس فأقبلا به ، فضّلا الطريق وجارا وأصابهم عطش شديد ، وقال الدليلان : هذا الطريق [خذه] حتّى تنتهي إلى الماء ... وذلك بالمضيق من بطن الخبيت (١).

[كتاب مسلم إلى الإمام (عليه السّلام) من الطريق]

فكتب مسلم بن عقيل مع قيس بن مسهر الصيداوي إلى الحسين (عليه السّلام) :

أمّا بعد ، فأنّي أقبلت من المدينة معي دليلان لي ، فجارا عن الطريق وضلاّ واشتدّ علينا العطش ، فلمْ يلبثا أنْ ماتا ، وأقبلنا حتّى انتهينا إلى الماء فلمْ ننجِ إلاّ بحشاشة أنفسنا ؛ وذلك الماء بمكان يُدعى المضيق من بطن الخبيت (٢) ؛ وقد تطيّرت من وجهي هذا ، فإنْ رأيت أعفيتني منه وبعثت غيري. والسّلام (٣).

[جواب الإمام (عليه السّلام) إليه]

فكتب إليه الحسين (عليه السّلام) :

«أمّا بعد ، فقد خشيت أنْ لا يكون حملك على الكتاب إليّ في الاستعفاء

_________________

عبد الله وعبد الرحمن ، ابنا : راشد الأرحبي / ٢٠٤.

(١) ٥ / ٣٥٤. بعد رواية عن أبي مِخْنف ، عن أبي المخارق الراسبي.

(٢) أصل خبت : واقع حوالي المدينة إلى جهة مكّة ، فكأنّ الدليلين ضلا حتّى ملا إلى مكّة ، كما في إبصار العين / ١٦.

(٣) ورواه المفيد / ٢٠٤ ، والخوارزمي / ١٩٧ ، بلفظ قريب إلاّ يسيراً. ورواه الطبري أيضاً ، عن معاوية بن عمار ، عن الإمام الباقر (عليه السّلام) ٥ / ٣٤٧.

٩٧

من الوجه الذي وجّهتك له إلاّ الجبن ، فامض لوجهك الذي وجّهتك له. والسّلام عليك».

فقال مسلم (عليه السّلام) لمن قرأ الكتاب : هذا ما لست أتخوّفه على نفسي.

فأقبل ... حتّى مرّ بماء لطيّئ ، فنزل بهم ثمّ ارتحل منه ، فاذا رجل ... قد رمى صيداً ـ حيث أشرف له ـ فصرعه ، فقال مسلم (عليه السّلام) يقتل عدوّنا إن شاء الله.

٩٨

[دخول مسلم (عليه السّلام) الكوفة]

ثمّ أقبل مسلم (عليه السّلام) حتّى دخل الكوفة [ومعه أصحابه الثلاثة : قيس بن مصهر الصيداوي وعمارة بن عبيد السّلولي وعبد الرحمن بن عبد الله بن الكدن الأرحبي] (١) ، فدخل دار المختار بن أبي عبيد (٢).

_________________

(١) ٥ / ٣٥٥. وذلك لخمس خلون من شوّال ، كما في مروج الذهب ٢ / ٨٦.

(٢) الثقفي ، وُلد في السّنة الأوّلى للهجرة ٢ / ٤٠٢ واستخلفه على المدائن عمّه ، سعد بن مسعود الثقفي سنة (٣٧ هـ) ٥ / ٧٦ ، وكان بها عند عمّه إلى بعد عام الجماعة سنة (٤٠ هـ) ٥ / ١٥٩. وأشار الطبري إلى ما أشار به المختار على عمّه بتسليم الحسن (عليه السّلام) إلى معاوية ٥ / ٥٦٩. وفي ولاية زياد على الكوفة دعاه إلى الشهادة على حجر بن عدي فراغ عنها ٥ / ٢٧٠ ، وكان صاحب راية يوم خروج مسلم ٥ / ٣٨١ ، ولكنّه كان قد خرج برايته ومواليه إذ علم بحبس هانئ وقبل خروج مسلم (عليه السّلام) على غير ميعاد من أصحابه ، فاستسلم لدعوة عمرو بن حريث المخزومي إياه إلى الدخول تحت راية إلاّمان لابن زياد ، وأدخل عليه فعرض وجهه بقضيبه فخبط عينه فشتره ، وحبس حتّى قُتل الحسين (عليه السّلام). وكانت أخته صفيّة زوجة عبد الله بن عمر ، فبعث بابن عمّه زائدة بن قدامة الثقفي إلى ابن عمر يسأله ليكتب إلى يزيد ، فيكتب إلى ابن زياد باخراجه من السّجن ، ففعل وأخرجه ابن زياد من الكوفة ، فخرج إلى الحجاز فبايع ابن الزبير وقاتل معه أهل الشام قتإلاّ شديد. وبعد موت يزيد بخمسة أشهر ترك ابن الزبير وأقبل إلى الكوفة ٥ / ٥٧٠ ـ ٥٧٨ ، فدخلها وسليمان بن ُصرد الخزاعي يدعو الشيعة إلى التوبة والطلب بدم الحسين (عليه السّلام) ، فادّعى المختار : أنّه جاءهم من قِبل محمّد بن الحنفية ، وأنّ سليمان لاعلم له بالحرب يقتل نفسه وأصحابه ٥ / ٥٦٠ و ٥٨٠. فلمّا خرج التوّابون حبسه ابن مطيع عامل ابن الزبير ٥ / ٦٠٥ فبعث المختار : غلامه زربياً إلى ابن عمر يسأله أنْ يكتب له إلى عامل ابن الزبير ؛ ليخرجه فكتب فاخرجه بضمان ويمين ٦ / ٨ ، فخرج وغلب على الأمر وقاتل ابن زياد فقتله ، وقتل قتلة الحسين (عليه السّلام) حتّى قتله مصعب بن الزبير سنة (٦٧ هـ) ٦ / ١٠٧ وأمر مصعب بكفّ المختار ، فسمّرت بمسمار إلى جانب المسجد حتّى نزعها

٩٩

وأقبلت الشيعة تختلف إليه ، فلمّا اجتمعت إليه جماعة منهم قرأ عليهم كتاب الحسين (عليه السّلام) فأخذوا يبكون.

[و] قام عابس بن أبي شبيب الشاكري (١) ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال :

أمّا بعد ، فإنّي لا أخبرك عن النّاس ولا أعلم ما في أنفسهم ، وما أغرّك منهم ، والله ، لأحدّثنك عمّا أنا موطّن نفسي عليه ، والله ، لأجيبنّكم إذا دعوتم ولا قاتلنّ معكم عدوّكم ، ولا ضربنّ بسيفي دونكم حتّى ألقى الله ، لا أريد بذلك إلاّ ما عند الله.

فقام حبيب بن مُظاهر الفقعسي [الأسدي] فقال :

رحمك الله ، قد قضيت ما في نفسك بواجز من قولك.

ثمّ قال :

وأنا والله ، الذي لا إله إلاّ هو ، على ما هذا عليه.

ثمّ قال الحنفي (٢) مثل ذلك.

واختلفت الشيعة إليه حتّى علم مكانه ، فبلغ ذلك النّعمان بن بشير (٣).

_________________

الحجّاج الثقفي ٦ / ١١٠. وقتل مصعب زوجته ، عمرة بنت النّعمان بن بشير ، وأطلق زوجته الآخرى اُمّ ثابت بنت سمرة بن جندب ٦ / ١١٢ وفي سنة (٧١ هـ) حارب مصعب عبد الملك ، وكان زائدة بن قدامة الثقفي حاضراً ، فقتل مصعباً ، وقال : يا لثارات المختار! ٦ / ١٥٩ وكانت دار المختار لزيقة المسجد ـ أي : بجانبه ـ فابتاعها عيسى بن موسى العبّاسي من ورثة المختار سنة (١٥٩ هـ) ٨ / ١٢٢.

ويبدو أنْ علّة اتّخاذ داره مقرأ لمسلم (عليه السّلام) ؛ كونه صهر النّعمان بن بشير أمير الكوفة ، وكفى بهذا [ستراً] هذا ، ولا سيّما إذا أصفنا إلى ذلك ، خبر الطبري : كانت الشيعة تشتم المختار وتعتبه لمَا كان منه في أمر الحسن بن علي (عليهما السّلام) ، يوم طُعن في مظلم ساباط فحمل إلى أبيض المدائن ٥ / ٥٦٩.

(١) وبعد هذا ذهب بكتاب مسلم بن عقيل (عليه السّلام) إلى الإمام (عليه السّلام) ٥ / ٣٧٥ ثمّ كان معه حتّى قُتل ٥ / ٤٤٤ ، وهو من همدان.

(٢) هو : سعيد بن عبد الله الحنفي ، رسول أهل الكوفة إلى الإمام (عليه السّلام) ، وكان قد رجع إلى الكوفة بجواب الإمام إليهم.

(٣) ٥ / ٣٥٥. قال أبو محنف : حدّثني نمير بن وعلة ، عن أبي الودّاك ، قال : خرج إلينا النّعمان بن بشير ،

١٠٠