وقعة الطّف

لوط بن يحيى الأزدي الغامدي الكوفي [ أبي مخنف ]

وقعة الطّف

المؤلف:

لوط بن يحيى الأزدي الغامدي الكوفي [ أبي مخنف ]


المحقق: الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٨٠

٢ ـ الإمام محمّد بن علي بن الحسين (عليه السّلام) : مقتل الرضيع ، بواسطة عقبة بن بشير الأسدي ٥ / ٤٤٨ ـ.

٣ ـ الإمام جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين : عدد طعنات وضربات جسد الإمام الحسين (عليه السّلام) مرسلاً ٥ / ٤٥٣.

٤ ـ زيد بن علي بن الحسين (عليه السّلام) ، وداود بن عبد الله بن عبّاس مقالة أولاد عقيل ٥ / ٣٩٧ ـ.

والراوي عنهما ، هو : عمرو بن خالد الواسطي ، مولى بني هاشم ، كان بالكوفة ثمّ انتقل إلى واس ط روى عن زيد والإمام الصادق (عليه السّلام).

ذكره النجّاشي ، وقال : له كتاب كبير رواه عنه نصر بن مزاحم المنقري وغيره ٢٠٥ ـ ط الهند ـ ، وعدّه الشيخ في أصحاب الإمام الباقر (عليه السّلام) ١٢٨ ـ ط النّجف ـ ، وذكره المامقاني في التنقيح ٢ / ٣٣٠ ، وكذلك العسقلاني في تهذيب التهذيب ٨ / ٣٦.

٥ ـ فاطمة بنت علي (عليهما السّلام) ـ كما ذكرها الطبري ـ : مجلس يزيد ، بواسطة الحارث بن كعب الوالبي الأزدي ، عنها ٥ / ٤٦١ ، ٤٦٢ ، ولا يُخفى أنّ الراوي عنها وعن الإمام السجّاد (عليه السّلام) واحد.

٦ ـ أبو سعيد عقيصا بواسطة بعض أصحابه : مقابلة ابن الزبير للإمام بالمسجد الحرام محرماً ٥ / ٣٨٥.

عدّه العلاّمة في القسم الأوّل ـ من الخلاصة ـ في طبقة أصحاب أمير المؤمنين (عليه السّلام) (١) ، وذكره الذهبي في (ميزان الاعتدال) فقال : روي عن علي عليه السّلام ، ثمّ قال ، قال شعبة : ثقة اسمه دينار ، شيعي مات سنة (١٢٥ هـ) (٢)

_________________

(١) ص / ١٩٣ ، ط النّجف.

(٢) ٢ / ١٣٩.

٦١

وقد سبقت ترجمته ، فراجع.

٧ ـ محمّد بن قيس : خبر كتاب الإمام (عليه السّلام) مع قيس بن مصهر الصيداوي إلى أهل الكوفة ، ومقتله ، وكتاب مسلم بن عقيل إلى الإمام ، ومقالة عبد الله بن مطيع العدوي للإمام (عليه السّلام) وجوابه ، مرسلاً ٥ / ٣٩٤ ، ٣٩٦ ومقتل حبيب بن مظاهر ، مرسلاً ٥ / ٤٤٠.

ذكر الكشّي : أنّه أبلغ الإمام الباقر (عليه السّلام) ، فنهاه عن السّماع عن فلان وفلان (١) ، وذكره مدافعاً عن إمامة الإمام الباقر (عليه السّلام) (٢).

وذكره النجّاشي ، فقال : ثقة عين كوفي ، روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله (٣).

وذكره الشيخ في الفهرست برقم : (٥٩١ ، ٦٤٤) (٤) ، وفي الرجال : في طبقة أصحاب الإمام الصادق (عليه السّلام) ذكر أربعة بهذا الإسم (٥) ، وكذلك العلاّمة في الخلاصة (٦).

٨ ـ عبد الله بن شريك العامري النهدي : عن علي بن الحسين (عليه السّلام) استمهال الحسين (عليه السّلام) ليلة عاشوراء ، وخطبة الإمام على أصحابه وأبيات الإمام الحسين (ع) ليلة عاشوراء ، ومقالة زينب (عليها السّلام) وجواب الإمام لها ٥ / ٤١٨ ، ٤٢٠ ، وروى مرسلاً : قدوم شمر إلى كربلاء بكتاب الأمان لإخوة العبّاس (عليه السّلام) ، وزحف ابن سعد إلى الإمام (عليه السّلام) عشيّة

_________________

(١) ص / ٣٤٠ ، حديث رقم / ٦٣٠.

(٢) ص / ٢٣٧ ، الحديث / ٤٣٠.

(٣) ص / ٢٢٦ ، ط الهند.

(٤) ص / ١٥٧ ، ١٧٦.

(٥) ص / ٢٩٨ ، برقم / ٢٩٤ ، ط النّجف.

(٦) ص / ١٥٠ ، برقم / ٦٠ فما بعد ، ط النّجف.

٦٢

التاسع من المحرّم ٥ / ٤١٥ ، ٤١٦.

ذكر الكشّي : أنّه من حواري الصادقين (عليه السّلام) (١). وفي حديث : أنّه يكرّ بين يدي القائم عجّل الله فرجه (٢). وفي حديث : أنّه يكون يومذاك صاحب لواء (٣).

ويظهر من الطبري : أنّه كان من رؤساء أصحاب المختار ٦ / ٤٩ ، ٥١ ، ١٠٤ ، ثمّ صار في أصحاب مصعب ٦ / ١٦١ ، ثمّ خرج من عتده بأمان عبد الملك بن مروان سنة (٧٢ هـ) ٦ / ١٦١ ، فلعلّه تاب بعد هذا وصار من أصحاب الأئمة (عليه السّلام).

٩ ـ أبو خالد الكابلي : دعاء الإمام الحسين (عليه السّلام) صبيحة عاشوراء ، مرسلاً ٥ / ٤٢٣.

ذكره الطبري : أبا خالد الكاهلي ، ولا يوجد له ذكر بهذا الاسم في كتب الرجال ، والمشهور الموجود ما ذكرناه ، وهو الصحيح.

ذكر الكشّي : أنّه هرب من الحجّاج إلى مكّة وأخفى بها نفسه ، فنجا من الحجّاج وخدم محمّد بن الحنفية قائلاً بإمامته ، ثمّ عدل عنه إلى الإمام السجّاد (عليه السّلام) (٤) وأصبح من حواري أصحابه (عليه السّلام) (٥) وخدمه دهراً من عمره ، ثمّ خرج إلى بلاده (٦).

وذكره الشيخ ـ في الرجال ـ في طبقة أصحاب الإمام السجّاد

_________________

(١) ص / ١٠ ، الحديث / ٢٠.

(٢) ص / ٢١٧ ، الحديث / ٣٩٠.

(٣) ص / ٢١٧ ، الحديث / ٣٩١.

(٤) ص / ١٢٤ ، الحديث / ١٩٥.

(٥) ص / ٩ ، الحديث / ٢٠.

(٦) ص / ١٢١ ، الحديث / ١٩٣.

٦٣

(عليه السّلام) (١).

ويبدو لي : أنّه كان من الموالي الذين كانوا مع المختار ؛ ولهذا كان قائلاً بإمامة محمّد بن الحنفيّة ، وهرب من الحجّاج ولا داعي لهروبه من الحجّاج إلاّ ذلك.

١٠ ـ عُقبة بن بشير الأسدي ، عن الإمام الباقر (عليه السّلام) : مقتل الرضيع ٥ / ٤٥٣.

ذكره الكشّي ، وقال : استأذن الإمام الباقر (عليه السّلام) أنْ يكون عرّيفاً للسلطان على قومه فلمْ يأذن له ، وروى خبره هذا في مقتل الرضيع (٢).

وذكره الشيخ ـ في الرجال ـ في طبقة أصحاب علي بن الحسين (٣) والباقر (عليهما السّلام) (٤).

ولعقبة الأسدي في الطبري مقطوعة يرثي بها أصحاب المختار ٦ / ١١٦.

١١ ـ قدامة بن سعيد بن زائدة بن قدامة الثقفي ، عن جدّه زائدة : خبر خروج محمّد بن الأشعث بن قيس الكندي لقتال مسلم بن عقيل وأسره ٥ / ٣٧٣ ، وعن استسقائه على باب القصر وسقيه ٥ / ٣٧٥.

ذكره الشيخ في طبقة أصحاب الإمام الصادق (عليه السّلام) (٥).

١٢ ـ الحارث بن كعب الوالبي الأزدي ، عن عقبة بن سمعان ، وعن علي بن الحسين (عليه السّلام) ، وعن فاطمة بنت علي (عليهما السّلام).

كان من أصحاب المختار ٦ / ٢٣ ، ثمّ انتقل إلى المدينة فسمع من الإمام

_________________

(١) ص / ١٠٠ ، برقم / ٢ ، باسم : كنكر.

(٢) ص / ٢٠٣ ، الحديث / ٣٥٨.

(٣) ص / ٩٩ ، برقم / ٣٢.

(٤) ص / ١٢٩ ، برقم / ٢٩ ، ط النّجف.

(٥) ص / ٢٧٥ ، ط النّجف.

٦٤

(عليه السّلام).

ذكره الشيخ ـ في رجاله ـ في أصحاب علي بن الحسين (عليه السّلام) (١).

١٣ ـ الحارث بن حُصيرة الأزدي ، عن عبد الله بن شريك العامري النهدي ، عنه عن علي بن الحسين (عليه السّلام) ، زضت ترجمته.

ذكره الشيخ ـ في رجاله ـ في أصحاب علي والباقر (عليهما السّلام) (٢).

١٤ ـ أبو حمزة ، ثابت بن دينار الثمالي الأزدي بالولاء ، عن القاسم بن بُخيت : خبره عن السّبايا في الشام ٥ / ٤٦٥.

ذكره الكشّي ، فروى عن الإمام الرضا (عليه السّلام) ، أنّه قال : «أبو حمزة الثمالي في زمانه كـ : (لقمان) في زمانه ؛ وذلك أنّه خدم أربعة منّا : علي بن الحسين ومحمّد بن علي ، وجعفر بن محمّد وبرهة من عصر موسى بن جعفر» (٣).

وسأل عامر بن عبد الله بن جذاعة الأزدي أبا عبد الله (عليه السّلام) عن المسكر؟ فقال : «كلّ مسكر حرام». ثمّ قال : «ولكن أبا حمزة يشرب». فلمّا بلغ ذلك أبا حمزة ، تاب وقال : أستغفر الله منه الآن وأتوب إليه (٤).

ودخل أبو بصير على الإمام الصادق (عليه السّلام) فسأله عن أبي حمزة؟ فقال : خلّفته عليل. فقال (ع) : «إذا رجعت إليه ، فاقرأه منّي السّلام وأعلمه إنّه يموت في شهر كذا ، في يوم كذا» (٥).

وقال علي بن الحسن بن فضّال : إنّ أبا حمزة ، وزرارة ، ومحمّد بن مسلم ماتوا في سنة واحدة ، بعد أبي عبد الله (عليه السّلام) بسنة أو بنحو منه (٦).

وذكره النجّاشي فقال :

مولى كوفي ثقة ، قال محمّد بن عمر الجعابي التميمي : هو مولى المهلّب ابن

_________________

(١) رجال الطوسي / ٨٧ ، ط النّجف.

(٢) ص / ٣٩ ، ١١٨ ، ط النّجف.

(٣) ص / ٢٠٣ ، الحديث / ٣٥٧ ، ٤٨٥ ، ٩١٩.

(٤) ص / ٢٠١ ، الحديث / ٣٥٤ ، ط مشهد.

(٥) ص / ٢٠٢ ، الحديث / ٣٥٦ ، ط مشهد.

(٦) ص / ٢٠١ ، الحديث / ٣٥٣ ، ط مشهد.

٦٥

أبي صفرة وأولاده : حمزة ومنصور ونوح قُتلوا مع زيد بن على بن الحسين (عليه السّلام).

لقي علي بن الحسين وأبا جعفر وأبا عبد الله وأبا الحسن (عليهم السّلام) وروى عنهم. وكان من خيار أصحابنا وثقاتهم ومعتمديهم في الرواية والحديث (١).

وذكره الشيخ في الفهرست (٢) ، وفي الرجال في طبقة أصحاب الإمام السجّاد (٣) والإمام الباقر (٤) ، والإمام الصادق (٥) والإمام الكاظم (عليهم السّلام) (٦).

وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال (٧) ، والعسقلاني في تهذيب التهذيب (٨).

فهؤلاء أربعة عشر شخصاً من الأئمة (عليهم السّلام) وأصحابهم ممّن وقع في إسناد الكتاب.

وهناك من روى عنه أبو مِخْنف شيئاً من التاريخ من دون أنْ يكون مشاهداً ، بل مؤرخاً ، كعون بن أبي جحيفة السّوائي الكوفي المتوفّي (١١٦ هـ) ، كما في تقريب التهذيب : تاريخ خروج الإمام (عليه السّلام) من المدينة إلى مكّة ، ومدّة مكثه بها وخروجه منها ... بواسطة الصقعب بن زهير.

نكتفي بهذا المقدار من تقديمنا لهذا الكتاب راجين الله العزيز أنْ يوفقنا لمراضيه وخدمة أبي الضيم ، سيّد الشهداء الحسين بن علي (عليهما السّلام) وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربّ العالمين.

_________________

(١) ٨٣ ط الهند.

(٢) ٦٦ ط النّجف.

(٣) ٨٤ ط النّجف.

(٤) ١١٠.

(٥) ١٦٠ ط النّجف.

(٦) ٣٤٥ ط النّجف.

(٧) ميزان الاعتدال ١ / ٣٦٣.

(٨) تهذيب التهذيب ٢ / ٧.

٦٦

بسم الله الرحمن الرحيم

[الحسين (عليه السّلام) في المدينة]

[وصيّة معاوية] (١)

ذكر الطبري في تاريخه ٥ / ٣٢٢ : ثمّ دخلت سنة ستّين ... وفيها كان آخذ معاوية على الوفد الذين وفدوا إليه مع عبيد الله بن زياد ، البيعة ليزيد حين دعاهم إلى البيعة ... وكان عهده الذي عهد ، ما ذكره هشام بن محمّد ، عن أبي مِخْنف قال : حدّثني عبد الملك بن نوفل بن مساحق بن عبد الله بن مخرمة :

إنّ معاوية لمّا مرض مرضته التي هلك فيها دعا يزيد ابنه (٢) ، فقال : يا

_________________

(١) معاوية بن صخر بن حرب بن اُميّة بن عبد شمس ، وُلد قبل الهجرة بخمس وعشرين سنة ٥ / ٣٢٥ ، وقاتل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مع أبيه أبي سفيان في حروبه ، ثمّ أسلم مع أبيه عام الفتح سنة ثمانية من الهجرة ، فجعله النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وأباه على المؤلّفة قلوبهم ٣ / ٩٠ ، واستعمله عمر على الشام ٣ / ٦٠٤ ، فكان عليها حتّى قُتل عثمان فطالب بدمه أمير المؤمنين عليّاً (عليه السّلام) ، وحاربه على ذلك في صفّين حتّى قُتل أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، فحارب الحسن بن علي (عليه السّلام) حتّى صالحه في جمادى الأولى سنة (٤١ هـ) ، فسُمّي : عام الجماعة. فوُلي تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر إلاّ أيّام ، ثمّ مات لهلال رجب سنة ستّين ، وهو ابن خمس والثمانين عاماً على ما ذكره الطبري عن الكلبي عن أبيه ٥ / ٣٢٥.

(٢) وّلد سنة (٢٨ هـ) ، واُمّة : ميسون بنت بجدل الكلبي ، ودعا معاوية النّاس إلى بيعته بولاية العهد من بعده سنة (٥٦ هـ) ، وفي سنة (٥٩ هـ) ، أخذ البيعة من الوفود وولي الأمر في هلال رجب سنة (٦٠ هـ) ، وهو ابن اثنين وثلاثين سنة وأشهر. ومات لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة (٦٤ هـ) في حوّارين ٥ / ٤٩٩ ؛ فتكون مدّة ملكه ثلاث سنين وثمانية أشهر و ١٤ يوماً ، وعمره ٣٦ عاماً.

وسنُعلّق فيما يأتي على وجود يزيد عند أبيه حين موته ، وقد وافق على وجوده عنده سبط ابن الجوزي في تذكرته / ٢٣٥. ورواه الشيخ الصدوق في أماليه مُسنداً إلى الإمام علي بن الحسين (عليه السّلام). وقد نقل الخوارزمي في مقتله / ١٧٧ ، عن أحمد بن الأعثم الكوفي المتوفّي سنة (٣١٤ هـ) : إنّه كان حاضراً ثمّ غاب للصيد ، ثمّ لمْ يحضر إلاّ بعد ثلاثة أيّام ، ثمّ دخل القصر فلمْ يخرج منه إلاّ بعد ثلاث. فلعلّه كان كذلك ، أو لعلّه كانت لمعاوية وصيّتان : الأولى مع حضور يزيد والثانية في غيبته بواسطة الرجلين الآتي ذكرهم ؛ ومن هنا كان الاختلاف بين الوصيّتين.

٦٧

بنيّ ، إنّي قد كفيتك الرحلة والترحال ووطّأت لك الأشياء ، وذلّلت لك الأعداء وأخضعت لك أعناق العرب ، وجمعت لك من جمع واحد (١) ، وإنّي لا أتخوّف أنْ ينازعنّك هذا الأمر الذي استتبّ لك ، إلا أربعة نفر من قريش : الحسين بن عليّ (٢) ،

_________________

(١) وكان ذلك خلال عشرة أعوام ، إبتداءً من سنة خمسين إلى هلاكه سنه ستّين.

وقد ذكر الطبري السّبب في ذلك ٥ / ٣٠١ : إنّ المغيرة بن شعبة قدم على معاوية من الكوفة سنة (٤٩ هـ) ، فراراً من الطاعون بها ، وكان واليه عليها من عام الجماعة سنة (٤١ هـ) ، يشكو إليه الضعف ويستعفيه فأعفاه معاوية ، وأراد أنْ يولّيها سعيد بن العاص فغار المغيرة من ذلك ، فدخل على يزيد وعرض له البيعة بولاية العهد ، فأدّى ذلك يزيد إلى أبيه فردّ معاوية المغيرة إلى الكوفة وأمره أنْ يعمل في بيعة يزيد ، فرجع المغيرة إلى الكوفة وعمل في بيعة يزيد ، وأوفد في ذلك وفداً إلى معاوية.

كتب معاوية إلى زياد بن سميّة ، وهو يوم إذ ذاك واليه على البصرة منذ سنة (٤٥ هـ) بعنوان : أنّه يستشيره في الأمر ، فبعث زياد بعبيد بن كعب النّميري الأزدي إلى يزيد ؛ ليبلّغه : أنّه يرى له أنْ يترك ما ينقم عليه ؛ ليسهل على الولاة الدعوة إليه ... ثمّ مات زياد بالكوفة في شهر رمضان سنة (٥٣ هـ) ، وهو والٍ على العراقين. واعتمر معاوية في رجب من سنة (٥٦ هـ) ، فأعلن للنّاس ولاية عهد يزيد ودعا النّاس إلى بيعته ، فدخل عليه سعيد بن عثمان بن عفّان واستنكر عليه ذلك ، فشفع له يزيد أنْ يولّيه خراسان فولاّه إيّاه. ودخل عليه مروان فاستنكر منه ذلك ، وكان واليه على المدينة منذ سنة (٥٤ هـ) ، فوجد عليه معاوية حتّى عزله عن المدينة سنة (٥٧ هـ) ، كما في الطبري ٥ / ٣٠٩. وقد فصّل المسعودي استنكار مروان في كتابه ٣ / ٣٨ :

وفي سنة (٦٠ هـ) بعث عبيد الله بن زياد ، وكان واليه على البصرة منذ سنة (٥٥ هـ) وفداً إلى معاوية ، فأخذ منهم معاوية البيعة على عهد يزيد ٥ / ٣٢٢.

(٢) ولد (عليه السّلام) لليالٍ خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة ، كما في الطبري ٣ / ٥٥٥. فعاش مع جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ست سنين ، ثمّ مع أبيه أمير المؤمنين (عليه السّلام) ثلاثين سنة. وفي سنة ثلاثين خرج مع أخيه الحسن وحذيفة بن اليمان ، وعبد الله بن العبّاس وناس من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بقيادة سعيد بن العاص ؛ لغزو خراسان على عهد عثمان ٤ / ٢٦٩.

وعاش مع أخيه الحسن (عليه السّلام) عشر سنين ، وكانت مدّة إمامته بعد أخيه الحسن (عليه السّلام) أيضاً ، عشر سنين عاصر فيها معاوية بن أبي سفيان حتّى هلك ، واستشهد في كربلاء المقدّسة يوم الجمعة العاشر من المحرّم سنة (٦١ هـ) ؛ فيكون عمره الشريف يوم قتله : ستّاً وخمسين سنة وستّة أشهر.

٦٨

وعبد الله بن عمر (١) ، وعبد الله بن الزبير (٢) ، وعبد الرحمن بن أبي بكر (٣).

فأمّا عبد الله بن عمر ، فرجل قد وقذته (٤) العبادة ، وإذا لمْ يبقَ أحد غيره بايعك ؛

وأمّا الحسين بن علي (ع) ، فانّ أهل العراق لن يدعوه حتّى يخرجوه (٥) فإنْ

_________________

(١) تخلّف عن بيعة علي (عليه السّلام) بعد عثمان ، وقال له علي (عليه السّلام) : «إنّك لسيّء الخلق صغيراً وكبيراً». ٤ / ٤٢٨ ، أو قال (عليه السّلام) : «لولا ما أعرف من سوء خلقك صغيراً وكبيراً ؛ لأنكرتني». ٤ / ٤٣٦ ، لكنّه منع أخته حفص من الخروج مع عائشة ٤ / ٤٥١ ، وامتنع من إجابة طلحة والزبير للخروج معهما على علي (عليه السّلام) ٤ / ٤٦٠ ، وكان سهر أبي موسى الأشعري ، فلمّا دُعي إلى التحكيم ، دعاه أبو موسى ودعا معه جماعة ودعا عمرو بن العاص إلى تأميره فأبى عليه ، فلمّا صار الأمر إلى معاوية ذهب إليه ٥ / ٥٨ ، وهو وإنْ لمْ يبايع يزيد الآن ، ولكنّه كتب إليه كتاباً بعد مقتل الحسين (عليه السّلام) في تخلية سبيل المختار صهره ، فأجابه يزيد إلى ما يريد ، فلعلّه كان قد بايع بعد هذا ٥ / ٥٧١. وينصّ المسعودي على أنّه : قد بايع بعد هذا الوليد ليزيد ، والحجّاج لمروان. مروج الذهب ٢ / ٣١٦.

(٢) وُلد في السّنة الأولى أو الثانية من الهجرة ، ودافع عن عثمان يوم الحصار حتّى جرح ٤ / ٣٨٢ ؛ وذلك بأمر أبيه الزبير ٤ / ٣٨٥ ، وكان عثمان قد أوصى إلى الزبير بوصيّة ٤ / ٣٨٧ واشترك مع أبيه في حرب الجمل ومنع أباه من التوبة والرجوع ٤ / ٥٠٢ ، وقد أمّرته عائشة على بيت المال بالبصرة ، وهو أخوها من اّمّه : اُمّ رومان ٤ / ٣٧٧ ـ وجُرح فاستخرج فطاب ٤ / ٥٠٩. وعبّر عنه علي (عليه السّلام) : «ابن السّوء» ٤ / ٥٠٩.

وكان مع معاوية فأرسله مع عمرو بن العاص لمقاتلة محمّد بن أبي بكر ، فلمّا أراد عمرو بن العاص قتل محمّد تشفّع فيه ، فلم يشفّعه معاوية ٥ / ١٠٤ ، وخرج بمكّة بعد مقتل الحسين (عليه السّلام) ٥ / ٤٧٤ ، وأخذ يجالد بها اثني عشرة سنة حتّى قتله الحجّاج على عهد عبد الملك بن مروان في جمادى الأولى سنة (٧٣ هـ) ٦ / ١٨٧. وقُتل أخوه مصعب في الأنبار قبله بسنة ، سار إليه عبد الملك بنفسه.

(٣) قال في أُسد الغابة : خرج عبد الرحمن بن أبي بكر إلى مكّة قبل أنْ تتمّ البيعة ليزيد ، فمات بمكان اسمه : (حبشي) على نحو عشرة أميال من مكّة سنة (٥٥ هـ) ، وهذا لا يتّفق مع هذه الوصيّة ، والله أعلم.

(٤) أي : أنهكته وأتعبته.

(٥) عرف هذا ممّا كاتب به أهل العراق إلى الإمام (عليه السّلام) ، وهو بالمدينة بعد وفاة أخيه الإمام الحسن (عليه السّلام) ، كما رواه اليعقوبي ٢ / ٢١٦ ، وفيه : أنّهم ينتظرون قيام الإمام بحقّه وقد سمع بذلك معاوية ، فعاتب الإمام على هذا ، فكذّبه فسكت عنه.

٦٩

خرج عليك فظفرت به فاصفح عنه (١) ؛ فانّ له رحماً ماسّةً ، وحقّاً عظيماً.

وأمّا ابن أبي بكر ، فرجل إنْ رأى أصحابه صنعوا شيئاً صنع مثلهم ، ليس له همّة إلا ّفي النّساء واللّهو.

وأمّا الذي يجثم لك جثوم الأسد ويراوغك مراوغة الثعلب ، فاذا أمكنته فرصة وثب ، فذاك ابن الزبير؛ فإنْ هو فعلها بك ، فقطّعه إرباً إرب (٢).

[هلاك معاوية]

[ثمّ مات معاوية لهلال رجب من سنة ستّين من الهجرة] (٣).

[فـ] خرج الضحّاك بن قيس [الفهري] (٤) حتّى صعد المنبر ، وأكفان معاوية على يديه تلوح ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : إنّ معاوية كان عود العرب وحدّ العرب ، قطع الله به الفتنة وملّكه على العباد ، وفتح به البلاد ، ألاَ إنّه قد مات ؛ فهذه أكفانه فنحن مدرجوه فيها ومدخلوه قبره ، ومخلّون بينه وبين عمله ، ثمّ هو البرزخ إلى يوم القيامة ، فمن كان منكم يريد أنْ يشهده ، فليحضر عند [الزوال].

_________________

(١) لا يُخفى أنّه قال : فإنْ خرج عليك فظفرت به ـ أي : فإنْ خرج عليك ، فحاربه حتّى تظفر به ـ ، ولكن لا تقتله ؛ وبهذا يجمع له بين الحسنيين ، بين الظفر وعدم النقمة عليه. وممّا يدلّ على تمهيد معاوية لقتال الحسين (عليه السّلام) : كتابه المودع عند غلامه سرجون الرومي بولاية ابن زياد للعراق ، إنْ حدث حادث ، كما يأتي.

(٢) ورواه الخوارزمي / ١٧٥ بزيادات.

(٣) ٥ / ٣٢٤. قال هشام بن محمّد. وفي ص / ٣٣٨ ، قال هشام بن محمّد عن أبي مِخْنف : ولي يزيد في هلال رجب سنة (٦٠ هـ).

(٤) كان مع معاوية في صفّين فجعله على الرجّالة أو القلب من أهل دمشق ، ثمّ ولاّه على ما في سلطانه من أرض الجزيرة بـ (حرّان) فاجتمع إليه عثمانيّة البصرة والكوفة ، فبعث إليه علي (عليه السّلام) مالك الأشتر النَّخعي فحاربه (سنة ٣٦ هـ) ، فجعله معاوية على شرطته بدمشق حتّى بعثه إلى الكوفة سنة

٧٠

وبعث البريد إلى يزيد بوجع معاوية (١) ، فقال يزيد في ذلك :

جاء البريد بقرطاس يخبّ به

فأوجس القلب من قرطاسه فزعا

قلنا لك الويل ماذا في كتابكم

كأنّ أغبر من أركانها انقطعا

_________________

(٥٥ هـ) ، حينما أراد الدعوة إلى بيعة يزيد بولاية العهد ، ثمّ استدعاه منها سنة (٥٨ هـ) ٥ / ٣٠٩ ، فولاّه الشرطة أيضاً ، فكان عنده على شرطته سنة (٦٠ هـ) حينما وفد إليه وفد عبيد الله بن زياد من البصرة وأخذ عليهم البيعة لابنه يزيد المسعودي ٢ / ٣٢٨.

ومن الطبيعي أنْ يكون باقياً على عمله عند دخول أسارى آل محمّد إلى الشام ، ولمّا هلك معاوية بن يزيد سنة (٦٤ هـ) ، دعا الضحّاك النّاس إلى نفسه ، ثمّ إلى ابن الزبير حتّى قدم مروان الشام والتقى به عبيد الله بن زياد من العراق ، فأطمعه ابن زياد في الخلافة فدعا النّاس إلى نفسه فبايعه النّاس ، فتحصّن الضحّاك في دمشق ثمّ خرج لمحاربة مروان بـ (مرج راهط) على أميال من دمشق فاستطال القتال عشرين يوماً ، ثمّ هزم أصحابه وقُتل وأُتي إلى مروان برأسه في المحرّم سنة (٦٤ أو ٦٥ هـ) ٥ / ٥٣٥ ، ٥٤٤.

وكان أمير المؤمنين (عليه السّلام) يقنت عليه باللّعن في صلاته ٥ / ٧١ ، ووقعة صفّين / ٦٢.

(١) هكذا تنقل رواية الطبري من الوصيّة الحاضرة إلى البريد إلى يزيد ، من دون ذكر لسفره ولا لموضع غيبته ؛ ولذلك روى الطبري بعد هذه الرواية رواية أخرى عن هشام عن عوانة بن الحكم (ت ١٥٧ هـ) :

إنّ يزيد كان غائباً فدعى معاوية بالضحّاك بن قيس الفهري ، وكان صاحب شرطته ، ومسلم بن عقبة المريّ صاحب وقعة الحرّة بالمدينة فأوصى إليهم ، قال : بلّغا يزيد وصيّتي.

وتختلف رواية هذه الوصيّة عن رواية أبي مِخْنف بعض الإختلاف في الألفاظ والمعاني ، فبينما رواية أبي مِخْنف تذكر أربعة رجال خاف منهم معاوية التخلّف عن بيعة يزيد ، منهم : عبد الرحمن بن أبي بكر ، إذ لا تذكره هذه الرواية ؛ وبينما تلك تأمر بالعفو والصفح عن الحسين (عليه السّلام) ، إذ هذه تذكر أنّه يرجو أنْ يكفيه الله بمَن قتل أباه وخذل أخاه ـ أي : الكوفيّين ـ ، وبينما تلك تأمر بقطع ابن الزبير إرباً إرباً ؛ إذ هذه توصي بالصلح وعدم الولوغ في دماء قريش. ويُؤيد هذه الرواية عدم ذكر ابن أبي بكر في كتاب يزيد إلى الوليد ، وأنّه توفى في (٥٥ هـ) ، كما في أُسد الغابة ، كما سبق. وكذا يُؤيد هذه الرواية ما عهده معاوية لابن زياد من ولايته على العراق ، فيما أودعه عند سرجون الرومي ، كما يأتي.

وأمّا موضع الغيبة : فقد روى الطبري ٥ / ١٠ ، عن علي بن محمّد : أنّه كان بـ (حوّارين). وذكر الخوارزمي / ١٧٧ ، عن ابن الأعثم : إنّ يزيد كان قد خرج في نفس اليوم بعد الوصيّة إلى (حوران) للصيد ، وبذلك وفّق بين الوصيّة الحاضرة والغيبة عند الموت.

٧١

من لا تزل نفسه توفى على شرف

توشك مقاليد تلك النفس أن تقعا

لمّا انتهينا وباب الدار منصفق

وصوت رملة ريع القلب فانصدع (١)

[كتاب يزيد إلى الوليد]

ولّي يزيد في هلال رجب سنة ستّين ، وأمير المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان (٢) ، وأمير مكّة عمرو بن سعيد بن العاص (٣) ،

_________________

(١) ٥ / ٣٢٧. حدّثت عن هشام بن محمّد ، عن أبي مِخْنف قال : حدّثني عبد الملك بن نوفل بن مساحق بن عبد الله بن مخرمة ، قال : لمّا مات معاوية خرج ...

(٢) ولّي المدينة من قبل معاوية سنة (٥٨ هـ) ٥ / ٣٠٩ ، فلمّا تهاون في أمر الإمام الحسين (عليه السّلام) ، عزله يزيد في رمضان ـ من نفس السّنة ـ وولّى عليها عمرو بن سعيد الأشدق ٥ / ٣٤٣ ، وأبوه الوليد بن عتبة من أنصار معاوية في صفّين. وكان عليّ (عليه السّلام) قد قتل جدّه ، وقعة صفّين / ٤١٧.

وآخر عهدنا به في الطبري : أنّ الصحّاك بعد هلاك يزيد دعا إلى ابن الزبير فسبّه الوليد ، فحبسه الضحّاك ٥ / ٥٣٣.

وذكر المحدّث القميّ في تتمّة المنتهى / ٤٩ : أنّه صلّى على معاوية بن يزيد بن معاوية فطعن ، فمات.

(٣) ولاّه يزيد المدينة في رمضان سنة (٦٠ هـ) ، ثمّ ولاّه أمر الموسم والحج ، فحجّ بالنّاس سنة (٦٠ هـ) ، وهذا ممّا يُؤيّد ما يروى : إنّ يزيد أوصاه بالفتك بالحسين (ع) أينما وجد ، ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة.

وبُويع له بولاية العهد بعد خالد بن معاوية بن يزيد من بعد مروان بن الحكم يوم البيعة له في (الجابية) من أرض (الجولان) بين دمشق والأردن ، يوم الأربعاء أو الخميس لثلاث أو أربع خلون من ذي القعدة سنة (٦٤ هـ) بعد هلاك معاوية بن يزيد ، على أنْ تكون إمارة دمشق لعمرو بن سعيد من نفس ذلك اليوم.

فلمّا خرج إليهم الضحّاك بن قيس الفهري من دمشق داعياً إلى نفسه أو ابن الزبير ، وعزم مروان على محاربته ، كان عمرو بن سعيد على ميمنته ٥ / ٥٢٧ ، ثمّ فتح لمروان مصر ، وحارب مصعب بن الزبير في فلسطين حتّى هزمه ٥ / ٥٤٠ ، فلمّا انصرف راجعاً إلى مروان بلغ مروان أنّ حسّان بن بجدل الكلبي خال يزيد بن معاوية وكبير بني كلاب ، وهو الذي دعا النّاس إلى مروان فبايعوه ، قد بايع لعمرو بن سعيده مباشرةً ، فدعا مروان بحسّان وأخبره بما بلغه عنه ، فأنكر وقال : أنا أكفيك عمرو. فلمّا اجتمع النّاس العشيّة قام خطيباً فدعا النّاس إلى بيعة عبد الملك بالعهد بعد مروان ، فبايعوه عن آخرهم.

٧٢

وأمير الكوفة (١)

_________________

وخرج عبد الملك بن مروان سنة (٦٩ أو ٧٠ أو ٧١ هـ) إلى زفر بن الحارث الكلبي يريد حربه ، أو إلى دير الجاثليق يريد حرب مصعب بن الزبير ، وخلّف على دمشق عبد الرحمن الثقفي ، فقال الأشدق لعبد الملك : إنك خارج إلى العراق فاجعل لي هذا الأمر من بعدك. فأبى عليه ، فرجع الأشدق إلى دمشق وهرب منها الثقفي. فرجع إليها عبد الملك وصالحه حتّى دخله ، ثمّ اغتاله في قصره فقتله بنفسه ٦ / ١٤٠ ـ ١٤٨ ، وأبوه سعيد بن العاص هو الذي ولي الكوفة لعثمان فشرب الخمر ، فشكاه أهل الكوفة إلى عثمان فحدّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام).

وفي مجمع الزوائد لابن حجر الهيثمي ٥ / ٢٤٠ ، وتطهير الجنان بهامش الصواعق المحرقة :

عن أبي هريرة ، قال سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : «ليرعفنّ على منبري جبّار من جبابرة بني أميّة فيسيل رعافة». وقد رعف عمرو بن سعيد ، وهو على منبره (صلّى الله عليه وآله) حتّى سال رعافه.

(١) كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بما فتح الله على المسلمين إلى جلولاء. فكتب إليه عمر : أنْ قف مكانك ولا تتبعهم واتّخذ للمسلمين دار هجرة ومنزل جهاد. فنزل سعد بالأنبار فأصابتهم الحمى ، فكتب إلى عمر يخبره ، فكتب إلى سعد : إنّه لا تصلح العرب إلاّ حيث يصلح البعير والشاة في منابت العشب ، فانظر فلاة في جنب البحر فارتد للمسلمين بها منزل ، فرجع سعد حتّى نزل الكوفة ٣ / ٥٧٩. والكوفة : كلّ سهلة وحصباء حمراء مختلطتين ٣ / ٦١٩. وكلّ رملة حمراء ، يقال لها : سهلة ، وكلّ حصباء ورمل هكذا مختلطين ، فهو : كوفة ٤ / ٤١. وفيها ديرات ثلاثة : دير حرقة ، ودير اُمّ عمرو ، ودير سلسلة ٤ / ٤١ ، فابتنوا بالقصب في المحرّم سنة سبع عشرة ، ثمّ إنّ الحريق وقع بالكوفة وكان حريقاً شديداً فاحترق ثمانون عريشاً ولمْ يبقَ فيها قصبة في شوّال ، فبعث سعد نفراً إلى عمر يستأذنون في البناء باللبن ، فقال : إفعلوا ولا يزيدنّ أحدكم على ثلاثة أبيات ، ولا تطاولوا في البنيان. وكان على تنزيل أهل الكوفة أبو الهياج بن مالك ، فأرسل سعد إليه يخبره بكتاب عمر في الطرق وأنّه أمر بالمناهج : أربعين ذراع ، ومايليه : ثلاثين ذراع ، وما بين ذلك : عشرين ، وبالأزقّة : سبع أذرع ، ليس دون ذلك شيء. فاجتمع أهل الرأي للتقدير حتّى إذا قاموا على شيء قسّم أبو الهياج عليه ، فأوّل شيء خطّ بالكوفة وبني ، هو : المسجد ، فوضع من السوق في موضع التمّارين وأصحاب الصابون ، قام رجل رامٍ شديد الرمي في وسطه فرمى عن يمينه ومن بين يديه ومن خلفه ، فأمر من شاء أنْ يبني وراء موقع السّهام من كلّ جانب ، وبُنيت ظلّة في مقدمته مئتي ذراع على أساطين رخام كانت للأكاسرة ، سقفها كسقف الكنائس الروميّة ، وأعلموا أطرافه بخندق ؛ لئلاّ يقتحمه أحد ببنيان. وبنوا لسعد داراً بحياله بينهم طريق منقّب مئتي ذراع ، وجُعل فيها بيوت الأموال ، وهي قصر الكوفة ، بنى ذلك له (روزبه) من آجر بنيان الأكاسرة بالحيرة ٤ / ٤٤ ـ ٤٥.

٧٣

النّعمان بن بشير الأنصاري (١) ، وأمير البصرة عبيد الله بن زياد (٢).

_________________

وسكن سعد في القصر بحيال محراب المسجد ، وجعل فيه بيت المال فنُقب عليه نقباً وأُخذ المال ، فكتب سعد بذلك إلى عمر ونقل المسجد وأراغ بنيانه ، ثمّ أنشأه من نقض آجر قصر كان للأكاسرة في ضواحي الحيرة ، وجعل المسجد بحيال بيوت الأموال منه إلى منتهى القصر على القبلة ، فكانت قبلة المسجد إلى ميمنة القصر وكان بنيانه على رخام كانت لكسرى ٤ / ٤٦ ـ.

ونهج في قبلة المسجد أربعة مناهج وفي شرقيّة وغربيّة ثلاثة مناهج ، وممّا يلي صحن المسجد والسوق خمسة مناهج ، فأُنزل في القبلة بني أسد على طريق وبين بني أسد والنخع طريق ، وبين النخع وكندة طريق ، وبين كندة والأزد طريق. وأُنزل في شرقي الصحن الأنصار ومزينة على طريق ، وتميماً ومحارباً على طريق ، وأسداً وعامراً على طريق. وأُنزل في غربي الحصن بجلة بجيلة على طريق ، وجديلة وأخلاطاً على طريق ، وسليماً وثقيفاً على طريقين ممّا يلي صحن المسجد ، وهمدان على طريق ، وبجيلة على طريق ، وتيم اللات وتغلب على آخرهم ، فهذه مناهجها العظمى. وبنوا مناهج دونها تحاذي هذه ثمّ تلاقيها ، وأخر تتبعها دونها في الذرع والمحال من ورائه. وكانت الأسواق على سنّة المساجد من سبق إلى مقعد ، فهو له حتّى يقوم منه أو يفرغ من بيعه ٤ / ٤٥ ـ ٤٦ ، وكان بها أربعة آلاف فرس عدّة لكون إن كان ٤ / ٥١.

(١) الخزرجي ، عدّه الشيخ في رجاله / ٣٠ : من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله). وعدّه الطبري ٤ / ٤٣٠ : فيمن تخلّف عن بيعة علي (عليه السّلام) بعد عثمان ولحق بمعاوية ، فكان معه في صفّين ، ثمّ بعثه معاوية ليغير على (عين تمر) فأغار عليه ، كما في الطبري ٥ / ١٣٣ ، حوادث سنة (٣٩ هـ) ، ثمّ ولاّه معاوية الكوفة سنة (٥٨ هـ) ، فكان عليها حتّى هلك معاوية وقام بالأمر يزيد حتّى جاءها عبيد الله بن زياد أميراً عليها من قبل يزيد سنة (٦٠ هـ) ، فخرج إلى يزيد فكان عنده حتّى قُتل الإمام الحسين (عليه السّلام) ، فذهب بأهله (عليه السّلام) بأمر يزيد إلى المدينة ٥ / ٤٦٢. ورجع إلى الشام فكان عند يزيد حتّى بعثه إلى الأنصار بالمدينة يخذّلهم عن عبدالله بن حنظلة ، ويحذّرهم من مخالفة يزيد فلمْ يسمعوا له / ٤٨١.

(٢) عبيد الله بن زياد ولد سنة (٢٠ هـ) ٥ / ٢٩٧ ، حبسه بسر بن أرطاة في البصرة سنة (٤١ هـ) مع أخويه ، عبّاد وعبد الرحمن ، وكتب إلى زياد : لتقدمنّ على معاوية أو لأقتلنّ بنيك ٥ / ١٦٨. وهلك أبوه زياد سنة (٥٣ هـ) ٥ / ٢٨٨ ، فوفد ابنه عبيد الله على معاوية فولاه خراسان سنة (٥٤ هـ) ٥ / ٢٩٧ ، ثمّ ولاّه البصرة سنة (٥٥ هـ) فترك على خراسان أسلم بن زرعة الكلبي ورجع إلى البصرة ٥ / ٣٠٦. ولمّا كان على خراسان غزا جبال بخارى ففتح مدينتي : راميثنة وبيكند ، فأصاب منهما ألفين من رماة البخاريّة فاستألفهم وقدم بهم البصرة ٥ / ٢٩٨ ، وولّى عبّاد بن زياد على سجِستان ، وعبد الرحمن بن زياد خراسان مع أخيه عبيد الله ٥ / ٣١٥ فكان عليها سنتين ٥ / ٣١٦ ، ثمّ ولّى عبيد الله بن زياد على كرمان أيضاً فبعث إليها شريك بن الأعور الحارثي الهمداني ٥ / ٣٢١.

٧٤

ولمْ يكن ليزيد همّة إلاّ بيعة النفر الذين أبوا على معاوية الإجابة إلى بيعة يزيد ـ حين دعا النّاس إلى بيعته وأنّه وليّ عهده من بعده ـ والفراغ من أمرهم.

فكتب إلى الوليد : بسم الله الرحمن الرحيم ، من يزيد ، أمير المؤمنين إلى الوليد بن عُتبة ... أمّا بعد ، فانّ معاوية كان عبداً من عباد الله ، أكرمه الله واستخلفه ، وخوّله ومكّن له ، فعاش بقدر ومات بأجل فرحمه الله ، فقد عاش محموداً ، ومات برّاً تقياً ، والسّلام.

وكتب إليه في صحيفة كأنّها أذن فارة : أمّا بعد ، فخذ حسين (ع) ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً ليست فيه رخصة حتّى يبايعو ، والسّلام (١) و (٢).

_________________

وعزل يزيد عبّاداً عن سجِستان ، وعبد الرحمن عن خراسان ، وولاّهما سلم بن زياد أخاهما. فبعث إلى سجِستان أخاه يزيد بن زياد ٥ / ٤٧١ ، ثمّ ولاّه يزيد الكوفة أيضاً فذهب إليها سنة (٦٠ هـ) وخلّف البصرة أخاه عثمان بن زياد ٥ / ٣٥٨ ، وقُتل الحسين (عليه السّلام) وله ٤٠ سنة ، ثمّ رجع من الكوفة إلى البصرة سنة (٦١ هـ) فلمّا هلك يزيد ومعاوية ـ ابنه ـ ، بايعه أهل البصرة حتّى يصطلح النّاس على خليفة ، ثمّ خالفوه فلحق بالشام ٥ / ٥٠٣ ، ومعه أخوه عبد الله سنة (٦٤ هـ) ٥ / ٥١٣ ، فبايع مروان بن الحكم وحرّضه على حرب العراق ، فبعثه إليها ٥ / ٥٣٠ فحارب التوّابين سنة (٦٥ هـ) ، فهزمهم ٥ / ٥٩٨ ، ثمّ حارب المختار سنة (٦٦ هـ) ٦ / ٨١ ، فقتل ومن معه من أهل الشام سنة (٦٧ هـ) ٦ / ٨٧.

(١) ٥ / ٣٣٨. قال هشام بن محمّد عن أبي مِخْنف ... : وهذا أوّل أخبار متعددة ، يعطف الطبري بعضها على بعض فيقول في أوّل كلّ خبر ، قال : والخبر موقوف على أبي مِخْنف.

(٢) هكذا اقتصرت رواية الطبري عن هشام عن أبي مِخْنف على ذكر الشدّة فحسب ، دون ذكر القتل ، وهكذا رواية سبط ابن الجوزي عن هشام أيضاً / ٢٣٥ ، وكذلك رواية الشيخ المفيد في الإرشاد ص / ٢٠٠ ، عن هشام أو المدائني ، بينما يذكر اليعقوبي في تاريخه ٢ / ٢٢٩ ، نصّ الكتاب هكذا : إذا أتاك كتابي هذا فأحضر الحسين بن علي (ع) ، وعبد الله بن الزبير ، فخذهما بالبيعة ، فإنْ امتنعا فاضرب أعناقهم وابعث إليّ برؤوسه ، وخذ النّاس بالبيعة فمن امتنع فأنفذ فيه الحكم ؛ وفي الحسين بن علي (ع) ، وعبد الله بن الزبير. والسّلام. والخوارزمي في مقتله ص / ١٨٠ ، يذكر الكتاب عن ابن الأعثم ، كما بذكره الطبري عن هشام ويضيف : ... ومن أبي عليك منهم ، فاضرب عنقه وابعث إليّ برأسه. وكان

٧٥

فلمّا أتاه نعي معاوية (١) ، فَضَع به وكبّر عليه فبعث إلى مروان بن الحكم (٢).

_________________

وصول الكتاب إلى الوليد ليلة الجمعة السّادس والعشرين من شهر رجب ، كما يستفاد من تاريخ خروج إلاّمام (عليه السّلام) من المدينة ، فيما يأتي.

(١) لمْ يصرّح المؤرخون متى كتب يزيد هذا الكتاب؟ ومتى سرّح به إلى المدينة؟ ليُدرى كمْ استغرق مدّة المسافة بين المدينة والشام ، ولنا أنْ نستظهره ممّا ذكره الطبري ٥ / ٤٨٢ عن هشام ، عن أبي مِخْنف : أنْ عبد الملك بن مروان قال لمن أرسله بكتاب بني اُميّة ، حين حصارهم في المدينة قبل واقعة الحرّة ، إلى يزيد بالشام : وقد أجلّتك اثني عشرة ليلة ذاهباً واثني عشرة ليلة مقبلاً ؛ فوافني لأربع وعشرين ليلة في هذا المكان. ثمّ يقول الرسول بعد هذا : فأقبلت حتّى وافيت عبد الملك بن مروان في تلك السّاعة أو بعدها شيئاً.

ويّؤيّد هذا أيضاً ما نقله الطبري ٥ / ٤٩٨ ، عن الواقدي (٢٠٧ هـ) ، أنّ نعي يزيد وصل إلى المدينة لهلال ربيع الآخر ، وقد مات يزيد لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأوّل سنة (٦٤ هـ) ، كما في نفس الصفحة ؛ فيكون نعي يزيد قد وصل إليهم بعد ١٦ يوم.

(٢) كان قد طرده رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من المدينة مع أبيه الحكم بن العاص بن اُميّة ، حيث كان من المستهزئين به (صلّى الله عليه وآله) ، ففرّبه عثمان بن عفان. وتزوّج ابنته نائلة ، ووهبه أموال مصالحة أفريقيا وهي ثلثمئة قنطار ذهب (٤ / ٢٥٦) فاشترى بها (نهر مروان) ، وهي أجمّة بالعراق ٤ / ٢٨٠ وكان قد أعطى مروان خمسة عشر ألفاً أيضاً ٤ / ٣٤٥. وقد صار عثمان سيقة لمروان يسوّقه حيث شاء ، كما قال علي (عليه السّلام) ٤ / ٣٦٤ ، وقاتل عن عثمان فضُرب بالسّيف على علبته وسقط ، فأرادوا قتله فوثبت عليه مرضعته وهي عجوز ، فقالت : إنْ كنت إنّما تريد قتل الرجل فقد قُتل ، وإنْ كنت تريد أنْ تلعب بلحمه فهذا قبيح ، فكفّوا عنه ٤ / ٣٩٤. واشترك في حرب الجمل فكان يؤذّن لصلاتهما ٤ / ٤٥٤ ، ورمى طلحة يوم الجمل رمية قتلته ٤ / ٥٠٩ ، وجرح يوم الجمل ٤ / ٥٣٠ ، ففرّ واستجار بمالك بن مسمع الغزاري فأجاره ٤ / ٥٣٦ ، فلمّا رجع لحق بمعاوية ٤ / ٥٤١ ، فولاّه معاوية المدينة بعد عام الجماعة ٥ / ٢٣١. وعزله عن المدينة سنة (٤٩ هـ) ٥ / ٢٣٢ ، ثمّ أعاده عليها سنة (٥٤ هـ) ٥ / ٢٩٣. وعلى عهده حجّ معاوية فاستوسق لابنه يزيد سنة (٥٦ هـ) ٥ / ٣٠٤ ، ولكنّه صرفه عنها سنة (٥٧ أو ٥٨) وأمرّ عليها الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ؛ ولذلك كان يكرهه مروان ٥ / ٣٠٩.

وكان في دمشق حين وصول السّبايا والرؤوس ٥ / ٤٦٥ ، وكان في المدينة حين وقعة الحرّة سنة

٧٦

فدعاه إليه (١).

[استشارة مروان]

فلما قرأ عليه كتاب يزيد استرجع وترحّم عليه ، واستشاره الوليد في الأمر ، وقال : كيف ترى أنْ نصنع؟ قال : فإنّي أرى أنْ تبعث السّاعة إلى هؤلاء النفر فتدعوهم إلى البيعة والدخول في الطاعة ، فإنْ فعلوا قبلت منهم وكففت عنهم ، وإن أبوا قدّمتهم وضربت أعناقهم قبل أنْ يعلموا بموت معاوية ؛ فإنّهم إنْ علموا بموت معاوية وثب كلّ امرئ منهم في جانب وأظهر الخلاف والمنابذة ، ودعا النّاس إلى نفسه (٢).

[رسول البيعة]

فأرسل [الوليد] عبد الله بن عمرو بن عثمان ـ وهو إذ ذاك غلام حدث (٣) ـ إليهما يدعوهم فوجدهما في المسجد ، وهما جالسان فأتاهما في ساعة لمْ

_________________

(٦٢ هـ) ، وكان هو الذي استغاث بيزيد فأغاثه بمسلم بن عقبة المرّي ٥ / ٤٨٢ ، فلمّا بلغ أهل المدينة إقبال مسلم بن عقبة حاصروا بني أميّة ، وهم ألف رجل في دار مروان ، ثمّ أخرجوهم من المدينة فترك أهله عند علي بن الحسين (عليه السّلام) (بينبع) فقبل إعالتهم وحمايتهم. وكان (عليه السّلام) قد اعتزل المدينة إليها كراهيّة أنْ يشهد شيئاً من أمورهم ٥ / ٤٨٥ ، ثمّ ولى المدينة عبيدة بن الزبير لأخيه عبد الله بن الزبير سنة (٦٤ هـ) فأخرج منها بني أمية إلى الشام ، فبويع لمروان بها بالخلافة سنة (٦٤ هـ) ٥ / ٥٣٠ ، ومات في رمضان سنة (٦٥ هـ).

(١) وتمام الخبر : وكان الوليد يوم قدم المدينة قدمها مروان متكارهاً ، فلمّا رأى ذلك الوليد منه شتمه عند جلسائه ، فبلغ ذلك مروان فجلس عنه وصرمه [أي : قاطعه] ، فلمْ يزل كذلك حتّى جاء نعي معاوية إلى الوليد ، فلمّا عظم على الوليد هلاك معاوية وما أمر به من أخذ هؤلاء الرهط بالبيعة ، فزع عند ذلك إلى مروان ودعاه ٥ / ٣٢٥.

(٢) ٥ / ٣٣٩. قال هشام بن محمّد عن أبي مِخْنف ... ، ورواه الخوارزمي / ١٨١.

(٣) كان حيّاً إلى سنة (٩١ هـ) ، حيث كان فيمَن استقبل الوليد بن عبد الملك بالمدينة من رجال

٧٧

يكن الوليد يجلس فيها للنّاس ولا يأتيانه في مثله (١) ، فقال : أجيبا الأمير

_________________

قريش ٦ / ٤٦٥ ، ويلقّب بـ (المطرف). مات سنة (٩٦ هـ) ، القمقام / ٢٧٠.

وعمرو ، أبوه : ابن عثمان بن عفّان الخليفة ، واُمّه : اُمّ عمرو ، بنت جندب الأزدي ٤ / ٤٢٠.

وقال في ٥ / ٤٩٤ : اُمّه من دوس. واتهمه مسلم بن عقبة في وقعة الحرّة : أنّه لمْ يكن فيها مخلصاً لبني اُميّة ، فلمّا أتى به شتمه وأمر به فنُتفت لحيته ٥ / ٤٩٤.

(١) هكذا يقتصر خبر أبي مِخْنف هنا على وصف هذه السّاعة ، بأنّه لمْ يكن الوليد يجلس فيها للنّاس من دون تعيين لها ، متى كانت؟ أمن ليل أمْ من نهار؟

إلاّ أنّ نفس هذا الخبر يشتمل على قرائن تعيننا على تعيين تلك السّاعة ، بأنّها كانت ساعة مبكرة من صباح يوم الجمعة لأربع بقين من رجب :

أ ـ إنّ نصّ الخبر هكذا : فأرسل ... إليهما يدعوهم ، فأتاهما فوجدهما ، فقال : أجيب الأمير يدعوكم. فقالا له انصرف ، الآن نأتيه. فالدعوة كانت لهما في ساعة واحدة ... ، وفي آخر الخبر عن ابن الزبير ، أنّه قال : (الآن آتيكم. ثمّ أتى داره فكمن فيه ، فبعث الوليد إليه مرّة ثانية فوجده مجتمعاً متحرّزاً في أصحابه ، فألحّ عليه بكثرة الرسل والرجال في إثر الرجال [مرّةًٍ ثالثةً ورابعةً على الأقل] فقال : لا تعجلوني أمهلوني ، فانّي آتيكم. فبعث الوليد إليه [مرّةً خامسةً] موالي له فشتموه وصاحوا به : يابن الكاهليّة! والله ، لتأتينّ الأمير أو ليقتلنّك. فلبث نهاره كلّه وأوّل ليله ، [وهو] يقول الآن أجيء ، [فلمّا] إستحثوه ، قال : والله ، لقد استربت بكثرة الإرسال وتتابع هذه الرجال ، فلا تعجلوني حتّى أبعث إلى الأمير مَن يأتيني برأيه وأمره. فبعث إليه أخاه جعفر بن الزبير ، فقال : رحمك الله! كفّ عن عبد الله ؛ فإنّك قد أفزعته وذعرته بكثرة رسلك ، وهو آتيك غداً إن شاء الله ، فمر رسلك فلينصرفوا عنّا. فبعث إليهم فانصرفوا [عند المساء]. وخرج ابن الزبير من تحت اللّيل.

فالظاهر أنّ هذه الأمور كلّها كانت في النّهار ، بل صريح النّص : فلبث بذلك نهاره وأوّل ليله. وحيث كانت الدعوة له وللإمام (عليه السّلام) معاً ؛ يظهر أنّ دعوة الإمام (عليه السّلام) أيضاً كانت في أوّل النّهار.

ب ـ يشتمل الخبر على عبارة : فألحّوا عليهما عشيّتهما تلك ، وأوّل ليلهما. وهذه العبارة قد توهم للبعض أنّ الدعوة كانت في العشيّة ـ أي : العصر ـ ولكنّه وهمٌ ، إذ العبارة : فألحّوا عليهما ، والإلحاح هو الإلحاف والإصرار والتكرار في الدعوة والطلب ، فلابدّ أنْ يكون مسبوقاً بدعوة سابقة قبل العشيّ ـ العصر ـ فالعبارة بنفسها تدلّنا على أنّ الدعوة كانت في النّهار لا في اللّيل.

ج ـ يروي أبو مِخْنف عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق بن مخرمة ، عن أبي سعيد المقبري ، قال : نظرت إلى الحسين (عليه السّلام) داخلاً مسجد المدينة ... فما مكث إلاّ يومين حتّى بلغني أنّه سار إلى مكّة

٧٨

يدعوكما. فقالا له : انصرف ، الآن نأتيه (١).

ثمّ أقبل أحدهما على الآخر ، فقال عبد الله بن الزبير للحسين (عليه السّلام) : وظنّ فيما تراه بعث إلينا في هذه السّاعة التي لمْ يكن يجلس فيه!

فقال الحسين (عليه السّلام) : «قد ظننت [أنّ (٢)] طاغيتهم قد هلك ، فبعث

_________________

٥ / ٣٤٢.

وهذا يؤيد خبره الآخر ، إذ أنّه يفيد أنّ ابن الزبير كمن في داره وتحرّز في أصحابه ، فلبث بذلك نهاره وأوّل ليله وخرج تحت اللّيل ، فلمّا أصبح الوليد بعث إليه فوجده قد خرج ، فبعث ثمانين راكباً خلفه فلمْ يقدروا عليه فرجعوا فتشاغلوا [بهذ] يومهم [هذا الثاني] حتّى أمسوا ، فبعث إلى الحسين (عليه السّلام) عند المساء ، فقال : أصبحوا ثمّ ترون ونرى. فكفّوا عنه تلك اللّيلة ولمْ يلحّوا عليه فخرج من تحت ليلته ، وهي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب ٥ / ٣٤١.

فالنتيجة : أنّ ابن الزبير بقي بالمدينة بعد بدء الدعوة يوماً واحداً وفي اللّيل خرج ، والإمام (عليه السّلام) بقي بها بعد الدعوة يومين وفي اللّيلة الثانية خرج.

وحيث كانت ليلة خروجه (عليه السّلام) ليلة الأحد ، يكون يوم مكثه يوم الجمعة وليلة السّبت ويوم السّبت ، وتكون الدعوة مبدؤاً بها في ساعة مبكرة من صباح يوم الجمعة ، وحينئذٍ فيصحّ وصفها بأنّها : ساعة لمْ يكن الوليد يجلس فيها للنّاس ، ويكون اجتماع ابن الزبير بالإمام (عليه السّلام) في مسجد رسول الله (ص) صباح يوم الجمعة ، ولعلّه كان بعد صلاة الصبح ، وكان دخوله (عليه السّلام) إلى مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ـ الذي يرويه أبو مِخْنف عن المقبري ـ مع رجلين يُعتمد عليهما ، بعد رجوعه من دار الوليد مع رجلين من رجاله الذين كان قد ذهب بهم إلى دار الوليد.

فالنتيجة : أنّ الدعوة كانت في ساعة مبكرة من صباح يوم الجمعة لأربع بقين من رجب ، لمْ يكن يجلس فيها الوليد للنّاس ؛ لأنّها يوم الجمعة ، ولمْ تكن الجمعة يوم عمله.

(١) ٥ / ٣٣٩. قال هشام بن محمّد عن أبي مِخْنف ... ورواه السّبط بنصّه / ٢٠٣ ، والخوارزمي / ١٨١.

بمعناه ، ولا يُدرى لماذا الضمير مثنى والرسالة إلى ثلاثة؟ والذي يظهر من نهاية الرواية أنّهم الحسين (عليه السّلام) وعبد الله بن الزبير فقط ، ولا ذكر لعبد الرحمن بن أبي بكر ، ولا لعبد الله بن عمر ، فلعلّ عدم ذكر الأوّل كان لوفاته قبل هذا ـ كما سبق ـ ، والثاني لغيبته عن المدينة ، كما رواه الطبري عن الواقدي ـ ٥ / ٣٤٣ ـ.

والرسول في رواية الخوارزمي ـ عن ابن الأعثم ـ / ١٨١ ، وكذلك السّبط / ٢٣٥ : عمرو بن عثمان. وفي تاريخ ابن عساكر ـ ٤ / ٣٢٧ ـ أنّه : هو عبد الرحمن بن عمرو بن عثمان بن عفّان.

(٢) النصّ : «قد ظننت أرى طاغيتهم». والمرجّح ما ذكرناه.

٧٩

إلينا ؛ ليأخذنا بالبيعة قبل أنْ يفشوَ في النّاس الخبر».

فقال [ابن الزبير] : وما أظنّ غيره ، فما تريد أنْ تصنع؟

قال [الحسين (عليه السّلام)] : «أجمع فتياني السّاعة ، ثمّ امشي إليه ، فإذا بلغت الباب احتبستهم عليه ، ثمّ دخلت عليه».

قال [ابن الزبير] : فإنّي أخافه عليك إذا دخلت.

قال [الحسين (عليه السّلام)] : «لا آتيه إلاّ وأنا على الامتناع قادر».

فقام فجمع إليه مواليه وأهل بيته ، ثمّ أقبل يمشي حتّى انتهى إلى باب الوليد ، وقال (ع) لأصحابه : «إنّي داخل ، فإنْ دعوتكم أو سمعتم صوته قد علا ، فاقتحموا عليّ بأجمعكم ، وإلاّ فلا تبرحوا حتّى أخرج إليكم» (١).

[الحسين (عليه السّلام) عند الوليد]

فدخل عليه فسلّم بالإمرة ، ومروان جالس عنده [وكان مروان قد جلس عن الوليد وصرمه من قبل ـ كما سبق].

فقال الحسين [عليه السّلام] ـ كأنّه لا يظنّ ما يظنّ من موت معاوية ـ : «الصلة خير من القطيعة ، أصلح الله ذات بينكم». فلمْ يُجيباه في هذا بشيء.

وجاء حتّى جلس ، فأقرأه الوليد الكتاب ونعى له معاوية ودعاه إلى البيعة. فقال الحسين [عليه السّلام] : «إنّا لله وإنّا إليه راجعون ... ، أمّا ما سألتني من البيعة ، فانّ مثلي لا يُعطي بيعته سراً ، ولا أراك تجتزئ بها منّي سرّاً دون أنْ تُظهرها على رؤوس النّاس علانية». قال : أجل. قال (ع) «فإذا خرجت إلى النّاس فدعوتهم إلى البيعة ، دعوتنا مع النّاس فكان أمراً واحداً» (٢).

_________________

(١) ورواه المفيد ـ باختصار ـ / ٢٠٠ ، والسّبط / ٢٣٦ ، والخوارزمي / ١٨٣.

(٢) ورواه الخوارزمي / ١٨٣ ، بلفظ آخر.

٨٠