لوط بن يحيى الأزدي الغامدي الكوفي [ أبي مخنف ]
المحقق: الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٨٠
القضيب عن هاتين الثنيّتين ، فوالذي لا إله غيره ، لقد رأيت شفتي رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) على هاتين الشفتين يقبّلهما. ثمّ انفضخ الشيخ يبكي.
فقال له ابن زياد : أبكى الله عينيك! فوالله ، لولا أنّك شيخ قد خرفت وذهب عقلك ، لضربت عنقك. فنهض [زيد بن أرقم] فخرج (١) ، وهويقول : ملّك عبد عبداً ، فاتخذهم تلداً ، أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم ، قتلتم ابن فاطمة (عليه السّلام) وأمّرتم ابن مرجانة ، فهو يقتل خياركم ويستعبد شراركم ، فرضيتم بالذلّ فبعداً لمَن رضي بالذّل! (٢).
فلمّا فخرج سمعت النّاس يقولون : والله ، لقد قال زيد بن أرقم قولاً لوسمعه ابن زياد ، لقتله.
[السّبايا في مجلس ابن زياد]
فلمّا أُدخل أخواته ونساؤه وصبيانه على عبيد الله بن زياد ، لبست زينب
_________________
(١) ورواه المفيد في الإرشاد / ٢٤٣.
(٢) ورواه سبط ابن الجوزي / ٢٥٧ وزاد ، ثمّ قال : يابن زياد ، لا حدّثنّك حديثاً أغلظ عليك من هذا؟ رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أقعد حسناً (ع) على فخذه اليمنى وحسيناً (ع) على فخذه اليسرى ، ثمّ وضع يده على يافوخيهما ، ثمّ قال (ص) : «اللهمّ ، إنّي استودعك إيّاهما وصالح المؤمنين». فكيف كانت وديعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عندك يابن زياد؟!
ثمّ قال ، وقال هشام بن محمّد : لمّا وُضع الرأس بين يدي ابن زياد ، قال له كاهنه : قُمْ فضع قدمك على فم عدوّك. فقام فوضع قدمه على فيه ، ثمّ قال لزيد بن أرقم : كيف ترى؟ قال : والله ، لقد رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) واضعاً فاه حيث وضعت قدمك.
ثمّ قال ، وقال الشّعبي : كان عند ابن زياد قيس بن عباد ، فقال له : ما تقول فيًّ وفي حسين (ع)؟ فقال : يأتي يوم القيامة جدّه وأبوه واُمّه (عليهم السّلام) فيشفعون فيه ، ويأتي جدّك واُمّك فيشفعون فيك! فغضب ابن زياد وأقامه من المجلس.
وروى السّبط عن طبقات ابن سعد ، أنّه قال ، قالت مرجانة اُمّ ابن زياد لابنها : يا خبث! قتلت ابن رسول الله! والله ، لا ترى الجنّة أبداً / ٢٥٩. ورواه ابن الأثير في الكامل ٤ / ٢٦٥.
ابنة فاطمة (عليها السّلام) أرذل ثيابها وتنكّرت وحفّت بها إماؤها ، [و] جلست.
فقال عبيد الله بن زياد : من هذه الجالسة؟ فلمْ تكلّمه. فقال ذلك ثلاثاً ، كلّ ذلك لا تكلّمه.
فقال بعض إمائها : هذه زينب ابنة فاطمة (عليها السّلام).
فقال لها عبيد الله : الحمد الذي فضحكم وقتلكم ، وأكذب أحدوثتكم.
فقالت : الحمد لله الذي أكرمنا بمحمّد (صلّى الله عليه [وآله]) وطهّرنا تطهيراً ، لا كما تقول أنت ، إنّما يُفتضح الفاسق ويُكذّب الفاجر.
قال : فكيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟
قالت : (كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ) [ال عمران / ١٥٤] ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّون إليه وتخاصمون عنده (١).
فغضب ابن زياد واستشاط ، فقال لها :
قد أشفى الله نفسي من طاغيتك والعصاة المردة من أهل بيتك.
فبكت ، ثمّ قالت : لعمري لقد قتلت كهلي وأبرت أهلي ، وقطعت فرعي واجتثثت أصلى ، فإنْ يشفيك هذا ، فقد اشتفيت.
فبكت ثم قالت : لعمري لقد قتلت كهلي ، وأبَرْت اهلي ، وقطعت فرعي ، واجتثثت أصلي! فان يشفيك هذا فقد اشتفيت!
فقال عبيد الله : هذه سجّاعة (٢) ، [و] لعمري قد كان أبوك شاعراً سجّاعا (٣).
[ثمّ] نظر عبيد الله بن زياد إلى علي بن الحسين (ع) ، فقال له : ما اسمك؟
_________________
(١) ورواه المفيد في الإرشاد / ٢٤٣ ، والسّبط / ٢٥٨ ـ ٢٥٩ ، ط النّجف.
(٢) وردت الكلمة في الطبري : شجاعة وشجاعاً ، ورواها المفيد في الإرشاد كما ذكرناه / ٢٤٤ ، ط النّجف. وهوالنّسب الأوفق بالسّياق.
(٣) حدّثني سليمان بن أبي راشد ، عن حميد بن مسلم ، قال ٥ / ٤٥٦ ـ ٤٥٧.
قال (ع) : «أنا علي بن الحسين».
قال : ولمْ يقتل الله عليّ بن الحسين؟
فسكت.
فقال له ابن زياد : مالك لا تتكلّم؟
قال (ع) : «قد كان لي أخ يُقال له أيضاً : عليّ ، فقتله النّاس».
قال : إنّ الله قد قتله.
فسكت علي [بن الحسين (عليه السّلام)].
فقال له : مالك لا تتكلّم؟
قال (ع) : (اللّهُ يَتَوَفّى النّفس حِينَ مَوْتِهَا) (١) (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلّا بِإِذْنِ اللّهِ) (٢).
قال : أنت والله ، منهم.
[ثم قال لمريّ بن معاذ الأحمري] : ويحك أقتله!
[فـ] ـتعلّقت به عمّته زينب ، فقالت : يابن زياد ، حسبك منّا ، أمَا رُويت من دمائنا؟! وهل أبقيت منّا أحداً. [و] اعتنقته [و] قالت : أسألك بالله ـ إنْ كنت مؤمناً ـ إنْ قتلته ، لمّا قتلتني معه.
وناداه علي [بن الحسين] (ع) : «إنْ كانت بينك وبينهنّ قرابة ، فابعث معهنّ رجلاً تقيّاً يصحبهن بصحبة السّلام».
فنظر إليهما ، ثمّ قال : عجباً للرّحم! والله ، ودّت لو أنّي قتلته أنّي قتلتها معه ، دعوا الغلام (٣) و (٤).
_________________
(١) سورة الزمر / ٤٢.
(٢) سورة آل عمران / ١٤٥.
(٣) وأمّا سليمان بن أبي راشد فحدثني عن حميد بن سلم ، قال ٥ / ٤٥٧.
(٤) قال الطبري في ذيل المذيّل : قال علي [ابن الحسين الأصغر (ع)] : «فلمّا أُدخلت على ابن زياد ، قال :
ثمّ إنّ عبيد الله بن زياد نصب رأس الحسين [(عليه السّلام) على رمح] ، فجعل يداريه في الكوفة (١).
_________________
ما اسمك؟ قلت : علي بن حسين ز قال : ولمْ يقتل الله عليّاً؟ قلت : كان لي أخ أكبر منّي ، قتله النّاس. قال : بل قتله الله. قلت : (اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا) [الزمر / ٤٢]. فأمر بقتلي ، فقالت زينب بنت علي (عليه السّلام) : يابن زياد ، حسبك من دمائنا ، أسألك بالله إنْ قتلته إلاّ قتلتني معه». فتركه.
ثمّ نقل عن ابن سعد صاحب الطبقات : أنّه رُوى عن مالك بن إسماعيل ، عن سهل بن شعيب النّهمي ، عن أبيه شعيب ، عن المنهال بن عمرو ، أنّه قال : دخلت على عليّ بن الحسين (عليه السّلام) ، فقلت : كيف أصبحت أصلحك الله؟ قال (ع) : «ما كنت أرى شيخاً من أهل المصر مثلك لا يدري كيف أصبحنا! فأمّا إذا لمْ تدرِ ـ وتعلم ـ فسأخبرك : أصبحنا في قومنا بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون : (يُذَبّحُونَ أبناءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ) [البقرة / ٤٩]. وأصبح شيخنا وسيّدنا [علي بن أبي طالب (ع)] يتقرّب إلى عدوّنا بشتمه وسبّه على المنابر ، وأصبحت قريش تعدّ أنّ لها الفضل على العرب ؛ لأنّ محمّداً منها ، لا تعدّ لها فضلاً إلاّ به ، وأصبحت العرب مقرّة لهم لذلك ، وأصبحت العرب تعدّ أنّ لها فضلاً على العجم ؛ لأنّ محمّداً منها ، لا تعدّ لها فضلاً إلاّ به ، وأصبحت العجم مقرّة لهم بذلك ، فلئن كانت العرب صدقت أنّ لها فضلاً على العجم ، وصدقت قريش أنّ لها الفضل على العرب ـ لأنّ محمّداً منها ـ فإنّ لنا أهل البيت الفضل على قريش ؛ لانّ محمّداً منّا ، فأصبحوا يأخذون بحقّنا ولا يعرفون لنا حقّاً ، فهكذا أصبحنا إذا لمْ تعلم كيف أصبحنا».
قال ابن سعد : وأخبرنا عبد الرحمن بن يونس ، عن سفيان ، عن جعفر بن محمّد (عليه السّلام) قال : «مات علي بن الحسين ، وهو ابن ثمانٍ وخمسين سنة». وهذا يدلّك : على أنّ علي بن الحسين (ع) كان مع أبيه ، وهوابن ثلاث وأربع وعشرين سنة ، وليس قول من قال : أنّه كان صغيراً ولمْ يكن أنبت بشيء ، ولكنّه كان يومئذٍ مريضاً ، فلم يُقاتل. وكيف يكون يومئذٍ لمْ يُنبت وقد وُلد له أبوجعفر محمّد بن علي (عليه السّلام)؟ ذيل المذيل / ٦٣٠ ـ ط دار المعارف ـ ، عن طبقات ابن سعد ٥ / ٢١١ ـ ٢١٨ ، والإرشاد / ٢٤٤ ، وروى السّبط خبر الأصل مختصراً / ٢٥٨ ، ط النّجف.
(١) قال أبومِخْنَف ٥ / ٤٥٩.
[موقف عبد الله بن عفيف]
[و] نُودي : الصلاة جامعة. فاجتمع النّاس في المسجد الأعظم فصعد ابن زياد المنبر ، فقال :
الحمد لله الذي أظهر الحقّ وأهله ، ونصر أمير المؤمنين يزيد بن معاوية وحزبه ، وقتل الكذّاب ابن الكذّاب : الحسين بن علي (ع) وشيعته.
فلمْ يفرغ ابن زياد من مقالته حتّى وثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدي الغامدي ـ وكان من شيعة علي كرّم الله وجهه ، [و] كان لا يكاد يُفارق المسجد الأعظم يصلّي فيه إلى اللّيل (١) ـ فلمّا سمع مقالة ابن زياد ، قال :
إنّ الكذّاب ابن الكذّاب أنت وأبوك ، والذي ولاّك وأبوه يابن مرجانة (٢) ، أتقتلون أبناء النّبيّين وتتكلّمون بكلام الصدّيقين؟!
فقال ابن زياد : عليّ به.
فوثبت عليه الجلاوزة (٣) فأخذوه.
_________________
(١) كانت عينه اليسرى ذهبت يوم الجمل مع علي (عليه السّلام) ، وفي صفّين ضُرب ضربةً على رأسه وأخرى على حاجبه ، فذهبت عينه الأخرى ٥ / ٤٥٨ ، والإرشاد / ٢٤٤. وروى السّبط خبره مختصراً / ٢٥٩.
(٢) مرجانة ، معرّب : (مهرگان بالفارسيّة) ، اُمّ ابن زياد سبيّة. قِيل من : خوزستان.
(٣) الجلاوزة جمع : الجلواز ، معرّب : (گلوباز) ، الشرّطي كان يفتح صدره استعداداً للأمر.
فنادى بشعار الأزد : يا مبرور. فوثب إليه فتية من الأزد فانتزعوه ، فأتوا به أهله (١).
فارسل إليه [ابن زياد] مَن أتاه به فقتله وأمر بصلبه في السّبخة ، فصُلب هنالك (٢).
_________________
(١) وكان عبد الرحمن بن مِخْنَف الأزدي جالسّا ، فقال : ويح غيرك! أهلكت نفسك وأهلكت قومك ٥ / ٤٥٩. وهوعمّ والد أبي مِخْنَف ، إذ هو أخو سعيد جدّ : أبي مِخْنَف. وقد شرك بن قبل في صفّين ودفع غارات معاوية كما في ٥ / ١٣٣.
وكان في قيام المختار سنة (٦٦ هـ) مع عبد الله بن المطيع العدوي ، عامل ابن الزبير على الكوفة فبعثه في خيل إلى جبّانة الصائديّين ٦ / ١٨. وكان من أصحاب المشورة معه الذين أشاروا عليه بذهابه من الكوفة إلى الحجاز ٦ / ٣١. وكان يكره الخروج على المختار ، ولكنّه خرج فيمَن خرج عليه لمّا ألحّوا عليه ٦ / ٤٤ ، فقاتل على الفرات حتّى أرتث ، وحملته الرجال ٦ / ٥١. فلحق بمصعب بن الزبير بالبصرة فيمَن خرج من أشراف الكوفة ٦ / ٥٥ ، فبعثه المصعب إلى الكوفة سنة (٦٧ هـ) ؛ ليدعوهم إلى بيعة ابن الزبير ويخرجهم إلى المصعب ٦ / ٩٥. وكان مع المصعب في حربه مع المختار ٦ / ١٠٤. وفي أيّام عبد الملك بن مروان سنة (٧٤) حارب الأزارقة من الخوارج من قبل بشر بن مروان ، والي البصرة ٦ / ١٩٧. وطاردهم إلى : كازرون ، فقاتلوه فانهزم أصحابه إلاّ أناس منهم ، فقاتل حتّى قُتل سنة (٧٥ هـ) ٦ / ٢١٢.
(٢) قال حميد بن مسلم ٥ / ٤٥٨.
[الرؤوس والسّبايا إلى الشام]
ثمّ دعا [ابن زياد : زحْر بن قيس (١) ، ومعه] أبو بردة بن عوف الأزدي وطارق بن ظبيان الأزدي ، فسرّح معه [ـهم] برأس الحسين (عليه السّلام) ورؤوس أصحابه إلى يزيد بن معاوية (٢).
ثمّ أمر بنساء الحسين (ع) وصبيانه فجُهّزن ، وأمر بعلي بن الحسين (عليه السّلام)
_________________
(١) الجُعفي الكندي ، هو ممّن شهد على حجر بن عدي الكندي ٥ / ٢٧٠. وكان مع ابن المطيع على المختار سنة (٦٦ هـ) فبعثه إليه في خيل إلى جبّانة كندة ٦ / ١٨ ، فقاتل حتّى أرتث هو وابنه الفرات ٦ / ٥١. وفي سنة (٦٧ هـ) كان مع المصعب بن الزبير في حرب المختار ، فبعثه في خيل إلى جبّانة مراد ٦ / ١٠٥ ، فنزل عند الحدّادين حيث تكرى الدواب ٦ / ١٠٦. وكان سنة (٧١ هـ) ممّن كتب إليهم عبدالملك من المروانيّة من أهل العراق فأجابوه ، وخذلوا المصعب ٦ / ١٥٦. وفي سنة (٧٤ هـ). كان على ربع مذحج وأسد في حرب الخوارج ٦ / ١٩٧. وفي سنة (٧٦ هـ) وجهّه الحجّاج في جريدة خيل نقاوة : ألف وثمانمئة فارس لقتال شبيب الخارجي ، فالتقيا وقاتله شبيب فجرحه وصرعه ، ورجع إلى الحجّاج جريحاً ٦ / ٢٤٢ ، وهذا آخر عهدنا به (لعنه الله!).
(٢) قال هشام : فحدّثني عبد الله بن يزيد بن روح بن زنباغ الجذامي عن أبيه ، عن الغاز بن ربيعة الجرشيّ من حمير ، قال : والله ، أنا لعند بزيد بن معاوية بدمشق ، إذا قبل زجر بن قيس حتّى دخل على يزيد بن معاوية ، فقاله له يزيد : ويلك ما وراءك؟! وما عندك؟
فقال : أبشر ـ يا أمير المؤمنين ـ بفتح الله ونصره! ورد علينا الحسين بن علي (عليه السّلام) في ثمانية عشر من أهل بيته وستّين من شيعته ، فسرنا إليهم فسألناهم أنْ يستسلموا وينزلوا على حكم الأمير عبيد الله بن زياد أو والقتال ، فاختاروا القتال على الاستسلام ، فعدونا عليهم مع شروق الشمس فأحطنا بهم من كلّ ناحية ، حتّى إذا أخذت السّيوف مأخذها من هام القوم حتّى أتينا على آخرهم ؛ فهاتيك أجسادهم مجردّة وثيابهم مرمّلة ، وخدودهم معفّرة تصهرهم الشمس ، وتسفى عليهم الريح زوّارهم العقبان والرخم ، بِقيّ سَبْسَب ٥ / ٤٦٠. والمفيد في الإرشاد / ٢٥٤ ، والسّبط في التذكرة / ٢٦٠.
فغُلّ بُغلّ إلى عنقه ، ثمّ سرّح بهنّ مع محفّز بن ثعلبة العائذي [القرشي] (١) وشمر بن ذي الجوشن ، فانطلقا بهم حتّى قدموا على يزيد (٢).
[و] لمّا وضُعت الرؤوس ـ رأس الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه ـ بين يدي يزيد ، قال :
يفلّقن هاماً من رجال اعزّة |
|
علبنا وهم كانوا أعقّ وأظلما (٣) و (٤) |
فقال يحيى بن الحكم أخومروان بن الحكم (٥) :
_________________
(١) كان في حروب القادسيّة وقبلها من سنة (١٣ هـ). ويُروى عنه أخبارها ٣ / ٤٦٥ ـ ٤٧٧. والمفيد في الإرشاد / ٢٥٤.
(٢) قال أبومِخْنَف ٥ / ٤٥٩.
(٣) من القصائد المفضليّات للحصين بن همام المري ، كما في ديوان الحماسة ١ / ١٩٣.
(٤) حدّثني الصقعب بن زهير ، عن القاسم بن عبد الرحمن مولى يزيد ٥ / ٤٦٠ ، والمفيد في الإرشاد / ٢٤٦ ، ط النّجف ، والمسعودي ٣ / ٧٠ ، والخواص / ٢٦٢. وروى السّبط عن الزهري ، أنّه قال : لمّا جاءت الرؤوس كان يزيد في منظره على جيرون ، فأنشد لنفسه :
لما بدت تلك الحمول واشرّقت |
|
تلك الشموس على ربي جيرود |
نعب الغراب فقتل نح أولا تنح |
|
فلقد قضيت من الغريم ديوني! |
وقال : والمشهور عن يزيد في جميع الروايات : أنّه لما حضر الرأس بين يديه جمع أهل الشام ، وجعل يُنكت عليه بالخيزران ، ويقول بأبيات ابن الزبعرى :
ليت أشياخى ببدر شهدوا |
|
جزع الخزرج من وقع السّل |
قد قتلنا القرن من ساداتهم |
|
وعدلناه ببدر فاعتدلّ |
قال ، وزاد الشعبي :
لعبت هاشم بالملك فلا |
|
خبر جاء ولا وحي نزل |
لست من خندف ان لم انتقم |
|
من بني أحمد ما كان فعل |
ثمّ حكى عن القاضى ابن يعلى ، عن أحمد بن حنبل ، أنّه قال : إنْ صحّ ذلك عن يزيد ، فقد فسق. وقال مجاهد : قد نافق / ٢٦١.
(٥) كان مع أخيه مروان بن الحكم حاضراً في حرب الجمل بالبصرة ، وجُرح وفرّ منهزماً حتّى لحق بمعاوية في الشام سنة (٣٧ هـ) ٤ / ٥٣٥. وتولّى المدينة / لابن أخيه عبدالملك بن مروان سنة (٧٥ هـ) ٦ / ٢٠٢ ، فكان عليها حتّى سنة (٧٨ هـ) ، ثمّ بعثه عبدالملك في غزاة ٦ / ٣٢١ ، وهذا آخر عهدنا به. وقد تزوّج هشام بن
هام بجنب الطفّ أدنى قرابة |
|
من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل |
سميّة أمسى نسلها عدد الحصى |
|
وبنت رسول الله ليس لها نسل |
فضرب يزيد بن معاوية في صدر يحيى بن الحكم ، وقال : اسكت (١).
ثمّ أذن للنّاس فدخلوا والرأس بين يديه ، ومع يزيد قضيب فهو ينكت به في ثغره.
فقال أبو برزة السّلمي (٢) من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) :
أتنكت بقضيبك في ثغر الحسين! (ع) أما لقد أخذ قضيبك من ثغره مأخذاً ، لربّما رأيت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) يرشفه! أمَا إنّك يا يزيد تجيء يوم القيامة وشفيعك ابن زياد ، ويجيء هذا يوم القيامة وشفيعه محمّد (صلّى الله عليه [وآله]). ثمّ قام فولّى.
فسمعت دَور الحديث هند بنت عبد الله بن عامر بن كريز (٣) [، وهي]
_________________
عبد الملك ، ابنته : اُمّ حكم ٧ / ٦٧.
(١) حدّثني أبوجعفر العبسي ، عن أبي عمّارة العبسي ، قال ٥ / ٤٦٠. ورواها أبو الفرج في الأغاني ١٢ / ٧٤. والمفيد في الإرشاد / ٢٤٦ ، ط النّجف.
وروى السّبط / ٢٦٢ ، عن الحسن البصري ، أنّه قال : ضرب يزيد رأس الحسين (ع) ومكاناً كان يقبّله رسول الله (صلّى الله عليه وآله). ثمّ تمثّل الحسن البصري :
سميّة امسى نسلها عدد الحصى |
|
وبنت رسول الله ليس لها نسل |
(٢) كان مع رسول الله (ص) في فتح مكّة فشرك في قتل عبد الله بن خطل المرتد الذي كان ممّن أهدر دمه الرسول (ص) ٣ / ٦٠. وكان مع عمرو العاص في فتح مصر سنة (٢٠ هـ) ٤ / ١١. وقد روى الطبري خبر اعتراضه على يزيد أيضاً ، عن أبي جعفر الباقر (عليه السّلام) برواية عمّار الدهني ٥ / ٣٩٠. ورواه المسعودي ٣ / ٧١ ، أنّه قال : ارفع قضيبك ، فطال والله ، ما رأيت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) يضع فمه على فمه يلثمه. ورواه سبط ابن الجوزي ، ثمّ ذكر عن البلاذري : أنّ الذي كان عند يزيد ، وقال هذه المقالة : أنس بن مالك. ثمّ قال : وهوغلط ؛ لأنّ أنساً كان بالكوفة عند ابن زياد ، كما ذكرناه / ٢٦٢ ، ط النّجف.
(٣) بعثه عثمان من سجستان إلى كابل ، ففتحها سنة (٢٤ هـ) ٤ / ٢٤٤ ، ثمّ عزله عنها وولاّه البصرة بعد
زوجة] يزيد فتقنّعت بثوبها وخرجت ، فقالت :
يا أمير المؤمنين ، أرأس الحسين بن فاطمة بنت رسول الله (عليهم السّلام)؟
قال : نعم ، فأعولي عليه وحُدّي على ابن بنت رسول الله وصريخة قريش ، عجّل عليه ابن زياد فقتله ، قتله الله!
[و] قال يحيى بن الحكم : حُجبتم عن محمّد يوم القيامة ، لن أجامعكم على أمر أبداً ، ثمّ قام فانصرف (١).
ولمّا جلس يزيد بن معاوية ، دعا أشراف أهل الشام فأجلسهم حوله ، ثمّ
_________________
أبوموسى الأشعري سنة (٢٩ هـ) ، وهو يومئذٍ ابن خمس وعشرين سنة ، وهوابن خال عثمان بن عفّان ٤ / ٢٦٤ ، ففتح فارس ٤ / ٢٦٥. وفي سنة إحدى وثلاثين شخص إلى خراسان ففتح : أبرشهو وطوس وأبيورد ، ونسّا حتّى بلغ سرخس وصالح أهل مرو ٤ / ٣٠٠. واستخلف على البصرة زياد بن سميّة ٤ / ٣٠١. وفي سنة (٢٣ هـ) فتح ابن عامر : مرو والطالقان والفارياب ، والجوزجان وطخارستان ٤ / ٣٠٩. وفتح : هراة وبادغيس ٤ / ٣١٤. واستشاره عثمان سنة (٣٤ هـ) في أمر الثائرين عليه فأشار عليه ببعثهم في الحروب ٤ / ٣٣٣. وفي سنة (٣٥ هـ) كتب إليه عثمان : أنّ يندب له أهل البصرة للدفاع عنه. فقرأ ابن عامر كتابه عليهم فسارع النّاس إلى ذلك فساروا حتّى نزلوا الربذة ، فأتاهم قتل عثمان فرجعوا ٤ / ٣٦٨. وقُتل عثمان سنة (٣٥ هـ) ، وابن عامر على البصرة ٤ / ٤٢١ ، وقدم الحجاز ، وقدم طلحة والزبير وسعيد بن العاص ، والوليد بن عقبة وسائر بني اُميّة. وبعد نظر طويل في أمرهم اجتمع رأي ملأهم على أنْ يأتوا البصرة ، وقد كانوا يرون أنْ يذهبوا إلى الشام فردّهم ابن عامر ، وقال : قد كفاكم الشام من يستمر في حوزته ، واتوا البصرة ؛ فإنّ لي بها صنائع ولهم في طلحة هوى.
وأجابتهم عائشة وحفصة ، ولكن منعها عبد الله بن عمر ، وقال ابن عامر : معي كذا وكذا ، فتجهّزوا به ٤ / ٤٥١. فجرح في حرب الجمل وفرّ إلى الشام ٤ / ٥٣٦ ، وهوالذي وفده معاوية إلى المدائن لصلح الحسن (عليه السّلام) ٥ / ١٥٩ ، فردّه معاوية والياً على البصرة ٥ / ٢١٢ ، وزوّجه ابنته هند بنت معاوية. وعاب زياداً في نسبه فغضب عليه معاوية ، فشفع له يزيد ٥ / ٢١٤. ولمْ يذكر الطبري متى تزوّج يزيد ابنته هند؟ ولكن الظاهر : أنّ ذلك كان حينما تزوّج بأخته هند. وليزيد منها عبد الله ، وكانت تكنّى : اُمّ كلثوم ٥ / ٥٠٠.
وفي سنة (٦٤ هـ) بعد هلاك يزيد وفرار ابن زياد ، اختار جمع من أهل البصرة عليهم ابنه عبد الملك بن عبد الله بن عامر شهراً ، قبل ولاية ابن الزبير ٥ / ٥٢٧.
(١) حدّثني أبوحمزة الثمالي ، عن عبيد الله الثمالي ، عن القاسم بن بخيت ٥ / ٤٦٥.
دعا بعلي بن الحسين (ع) وصبيان الحسين (ع) ونسائه ، فأُدخلوا عليه والنّاس ينظرون ، فأُجلسوا بين يديه فرأى هيئةً قبيحةً ، فقال : قبّح الله ابن مرجانة! لوكانت بينه وبينكم رحم وقرابة ما فعل هذا بكم ، ولا بعث بكم هكذا.
[ثمّ] قال يزيد لعليّ [ابن الحسين (ع)] : يا علي ، أبوك الذي قطع رحمي وجهل حقّي ونازعني سلطاني ، فصنع الله به ما قد رأيت.
فقال علي (عليه السّلام) : (مَا أَصَابَ مِن مُصِيَبةٍ فِي الأرض وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتَابٍ مِن قَبْلِ أَن نَبْرَأَهَا) (١).
فقال له يزيد : (وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَن كَثِيرٍ) (٢) و (٣).
عن فاطمة بنت علي (عليه السّلام) (٤) ، قالت : لمّا أجلسنا بين يدي يزيد بن معاوية ، قام رجل أحمر من أهل الشام إلى يزيد ، فقال : يا أمير المؤمنين! هب لي هذه [وهو] يعنّيني! فأرعدت وفرقت ، وظننت أن ذلك جائز لهم ، وأخذت بثياب أختي زينب ، وكانت أكبر منّي وأعقل وتعلم أن ذلك لا يكون ، فقالت [له] :
كذبت والله ، ، ولؤمت! ما ذلك لك ولا له!
فغضب يزيد فقال : كذبت والله ،! إن ذلك لي ولوشئت أن أفعله لفعلت!
_________________
(١) سورة الحديد / ٢٢. وتمامها : (إِنّ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ والله ، لاَ يُحِبّ كلّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ). ورواها أبو الفرج بتمامها / ٨٠. ورواها السّبط ، ثمّ قال : وكان علي بن الحسين (ع) والنّساء موثقين في الحبال ، فناداه علي (ع) : «يا يزيد ، ما ظنّك برسول الله (ص) لو رآنا موثقين في الحبال ، عرايا على أقتاب الجمال؟». فلمْ يبقَ في القوم إلاّ مَن بكى / ٢٦٢.
(٢) سورة الشورى / ٣٠. وروى أبو الفرج : أنّ يزيد بدأ بهذه الآية ، فأجابه الإمام (عليه السّلام) بآية سورة الحديد ، وهوالأنسب.
(٣) قال أبومِخْنَف ٥ / ٤٦١ ، والإرشاد / ٢٤٦ ، ط النّجف.
(٤) هكذا النّص ، والمفيد في الإرشاد / ٢٤٦ ، والسّبط في التذكرة / ٢٦٤ ذكراها : بنت الحسين (ع).
قالت : كلاّ والله ، ما جعل الله ذلك لك إلاّ أنْ تخرج من ملّتنا وتدين بغير ديننا.
فغضب يزيد واستطار ، تمُ قال : إيّاى تستقبلين بهذا! إنّما خرج من الدّين أبوك وأخوك.
فقالت زينب : بدين الله ودين أبي وأخي وجدّي (عليهم السّلام) ، اهتديت أنت وأبوك وجدّك!
قال : كذبت ، يا عدوّة الله.
قالت : أنت أمير مُسلّط تشتم ظالماً ، تقهر بسلطانك. فسكت.
ثمّ عاد الشامي ، فقال : يا أمير المؤمنين ، هب لي هذه الجارية؟
قال : اعزب ، وهب الله لك حتفاً قاضياً! (١).
ثمّ أمر بالنّسوة أنْ يُنزّلن في دار على حدة ، [و] معهنّ علي بن الحسين [(عليه السّلام) ، و] معهنّ ما يصلحهنّ ، فخرجن حتّى دخلن [تلك الدار] ، فلمْ تبقَ من آل معاوية امرأة إلاّ استقبلتهنّ تبكي وتنوح على الحسين (عليه السّلام) ، فأقاموا عليه المناحة ثلاثاً.
ولمّا أرادوا أنْ يخرجوا ، قال يزيد بن معاوية : يا نعمان بن بشير ، جهّزهم بما يصلحهم وابعث معهم رجلاً من أهل الشام أميناً صالحاً ، وابعث معه خيلاً وأعوانًا ، فسيّر بهم إلى المدينة فخرج بهم. وكان يُسايرهم باللّيل فيكونون أمامه حيث لا يفوتون طرفه ، فإذا نزلوا تنحّى عنهم وتفرّق هوأصحابه حولهم كهيئة الحرس لهم ، وينزل منهم بحيث إذا أراد إنسان منهم وضوأ وقضاء حاجة لمْ يحتشم. فلمْ يزل ينازلهم في الطريق هكذا ، ويلطّفهم ويُسألهم عن حوائجهم حتّى دخلوا المدينة (٢).
_________________
(١) وروى هذا الخبر الطبري ، عن عمّار الدهني عن الباقر (عليه السّلام) ٥ / ٣٩٠.
(٢) عن الحارث بن كعب ، عن فاطمة ٥ / ٤٦١. ورواه أبو الفرج / ٨٠ ، والسّبط / ٢٦٤.
[أهل البيت في المدينة]
ولمّا أتى أهل المدينة مقتل الحسين (ع) ، خرجت [اُمّ لقمان] (١) بنت عقيل بن أبي طالب (ع) ومعها نساؤها ، وهي حاسرة تلوي بثوبها ، وهي نقول :
ماذا تقولون إن قال النّبيّ لكم |
|
ما ذا فعلتم وأنتم آخر الأمم |
بعترتي وبأهل بعد مفتقدي |
|
منهم أسارى ومنهم ضرّجوا بدم (٢) |
[و] لمّا بلغ عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (٣) مقتل ابنيه [: محمّد وعون] مع
_________________
(١) قال الشيخ المفيد : فخرجت اُمّ لقمان بنت عقيل بن أبي طالب (رحمة الله عليهم) ، حين سمعت نعي الحسين (عليه السّلام) حاسرة ، ومعها أخواتها : اُمّ هانئ وأسماء ، ورملة وزينب بنات عقيل بن أبي طالب (رحمة الله عليهم) ، تبكي قتلاها بالطفّ ، وهي تقول الإرشاد / ٢٤٨.
ورواها السّبط في تذكرته ، عن الواقدي ، عن زينب بنت عقيل / ٢٦٧.
(٢) وروى الطبري : الأبيات عن عمّار الدّهني عن الإمام الباقر (عليه السّلام) ، قال : «فجهّزهم وحملهم إلى المدينة ، فلمّا دخلوها خرجت امرأة من بني عبد المطلب ناشرةً شعرها ، واضعةً كمّها على رأسها تتلقّاهم وهي تبكي ، وتقول :»
ماذا تقولون ان قال النّبيّ لكم |
|
ما ذا فعلتم وأنتم آخر الأمم! |
بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي |
|
منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم |
ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم |
|
أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي |
(٣) هو الذي روى خبر حليمة السّعديّة ٢ / ١٥٨. وفي سنة (٨ هـ) ، حيث رجع الباقون من غزوة مؤتة ، طلبه رسول الله (ص) فأخذه وحمله على يديه ٣ / ٤٢. وهوالذي أشار على علي (عليه السّلام) بعزل قيس بن سعد عن مصر ، وتولية أخيه من اُمّه محمّد بن أبي بكر عليه ، ففعل (عليه السّلام) ٤ / ٣٦. وكان مع علي (عليه السّلام) بصفّين ٥ / ٦١. وتولّى تجهيز علي (عليه السّلام) ودفنه مع الحسن والحسين (عليهما السّلام) ، ثمّ عاد معهم إلى المدينة ٥ / ١٦٥ ، وقد مضت ترجمته في كتابه ، مع ولديه : محمّد وعون من مكّة إلى الحسين (عليه السّلام).
الحسين (عليه السّلام) دخل عليه النّاس يعزّونه [فـ] أقبل على جلسائه ، فقال :
الحمد لله عزّ وجلّ على مصرع الحسين (عليه السّلام) إنْ لا تكن آستْ حسيناً (ع) يديّ ، فقد آساه ولديّ والله ، لوشهدته لا حببت أنْ لا أفارقه حتّى أُقتل معه ، والله ، أنّه لممّا يسخّي بنفسي عنهما ، ويهوّن عليّ المصاب بهما ؛ أنّهما أُصيبا مع أخي وابن عمّي مواسيين له ، صابرين معه (١) و (٢).
_________________
(١) عن سليمان بن أبي راشد ، عن عبد الرحمن بن عبيد أبي الكنود ، قال ٥ / ٤٦٦.
(٢) قال هشام : حدّثني عوانة بن الحكم ، قال : لمّا قتل عبيد الله بن زياد الحسين بن علي (ع) ، دعا عبد الملك بن أبي الحارث السّلمي ، فقال : انطلق حتّى تقدم المدينة على عمروبن سعيد بن العاص ـ وكان يومئذٍ أمير المدينة ـ فبشّره بقتل الحسين (عليه السّلام) ولا يسبقك الخبر ولا تعتلّ ، وإنْ قامت بك راحتلك فاشتر راحلة ، وأعطاه دنانير.
قال عبد الملك : فقدمت المدينة فدخلت على عمروبن سعيد ، فقال : ما وراك؟
فقلت : ما سرّ الأمير ، قُتل الحسين بن علي (ع)
فقال : نادِ بقتله. فناديت بقتله.
فلمْ اسمع واعية قطّ مثل واعية نساء بني هاشم في دورهنّ على الحسين [(عليه السّلام) ، فـ] ـضحك عمروبن سعيد [، و] قال :
عجّت نساء بني زياد عجّة |
|
كعجيج نسوتنا غداة الارنب * |
ثمّ قال عمرو : هذه واعية بواعية عثمان بن عفّان.
ثمّ صعد المنبر فأعلم النّاس قتله. ورواه المفيد في الإرشاد / ٢٤٧ ، ط النّجف.
_________________
(*) البيت لعمر بن معد يكرب الزبيدي. وكانت لهم وقعة على بنى زياد انتقاماً منهم لوقعة لهم على بني زبيد. ورواها السّبط مختصراً / ٢٦٦. وذُكر عن الشعبي : أنّ مروان بن الحكم كان بالمدينة فأخذ الرأس ، وتركه بين يديه وتناول أرنبة أنفه ، وقال :
يا حبذا بردك في اليدين |
|
ولونك الاحمر في الخدّين |
ثمّ قال : والله ، لكأنّي أنظر إلى أيّام عثمان.
وقال ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة ٤ / ٧٢ : والصحيح ، أنّ عبيد الله بن زياد كتب إلى عمروبن سعيد بن العاص يبشّره بقتل الحسين (عليه السّلام) ، فقرأ كتابه على المنبر وأنشد الرجز المذكور وأومى إلى القبر ، وقال : يوم بيوم بدر. فأنكر عليه قوم من الأنصار. ذكر ذلك أبوعبيدة في كتاب المثالب.
_________________
قال هشام : عن عوانة قال ، قال عبيد الله بن زياد لعمر بن سعد : يا عمر ، أين الكتاب الذي كتبتُ به إليك في قتل الحسين (ع)؟
قال : مضيتُ لأمرك وضاع الكتاب. قال : لتجيئنّ به. قال : ضاع. قال : والله ، لتجيئني به. قال : تُرك والله ، يُقرأ على عجائز قريش اعتذاراً إليهن بالمدينة. أمّا والله ، لقد نصحتك في حسين نصيحة (*) لو نصحتها أبي سعد بن أبي وقاص ، كنت قد أدّيت حقّه.
قال عثمان بن زياد ـ أخوعبيد الله ـ : صدق والله ، لوددت أنّه ليس من بني زياد رجل إلاّ وفي أنفه خزامة إلى يوم القيامة ، وأنّ حسيناً لمْ يُقتل.
قال هشام : حدّثني عمروبن حيزوم الكلبي ، عن أبيه أنّه سمع منادياً ينادي ، يقول :
أيّها القاتلون جهلاً حسينا |
|
أبشروا بالعذاب والتنكيل |
كل أهل السّماء يدعوا عليكم |
|
من نبيّ وملاك وقبيل |
قد لعنتم على لسان ابن داو |
|
دوموسى وحامل الانجيل |
وروى الخبر المفيد في الإرشاد / ٢٤٨ ، والسّبط في تذكرته / ٢٧٠ ، ط النّجف.
_________________
(*) المقصود بالنّصيحة هنا ، هو : النّصح بمعنى الإخلاص ، لا الإرشاد.
[أوّل زائر للحسين (عليه السّلام) من أهل الكوفة]
[ثمّ] إنّ عبيد الله بن زياد تفقّد أشراف أهل الكوفة ، فلمْ يرَ عبيد الله بن الحرّ [الجُعفي]. ثمّ جاءه بعد أيّام حتّى دخل عليه ، فقال : أين كنت يابن الحرّ؟ قال : كنت مريضاً. قال : مريض القلب ومريض البدن. قال : أمّا قلبي ، فلمْ يمرض ؛ وأمّا بدني ، فقد منّ الله عليّ بالعافية.
فقال له ابن زياد : كذبت ، ولكنّك كنت مع عدوّنا.
قال : لو كنت مع عدوّك لرُئي مكاني ، وما كان مثل مكاني يُخفى.
وغفل عنه ابن زياد غفلةً فخرج ابن الحرّ ، فقعد على فرسه.
فقال ابن زياد : أين ابن الحرّ؟ قالوا : خرج السّاعة. قال : عليّ به.
فاحضرته الشرطة ، فقالوا له : أجب الأمير. فدفع فرسه ، ثمّ قال : أبلغوه أنّي لا آتيه والله ، طائعاً أبداً.
ثمّ خرج حتّى أتى كربلاء ، وقال في ذلك :
يقول أمير غادر وابن غادر : |
|
ألا كنت قاتلت الشهيد ابن فاطمة |
فياندمي أن لا اكون نصرته |
|
ألا كلّ نفس لا تسدّد نادمة |
وإنيّ لانيّ لم اكن من حماته |
|
لذوحسرة ما إن تفارق لازمة |
سقى الله ارواح الذين تأزّروا |
|
على نصره ، سقياً من الغيث دائمة |
وقفت على اجداثهم ومجالهم |
|
فكاد الحشا ينقضّ والعين ساجمة |
لمري لقد كانوا مصاليت في الوغى |
|
سراعاً إلى الهيجا ، حماةً ضراغة |
فان يقتلوا فكل نفس تقيةٍ |
|
على الأرض قد اضحت لذلك واجمة |
وما إن رأى الرّاؤون أفضل منهم |
|
لدى الموت سادات وزهرا قماقمة |
أتقتلهم ظلماً وترجو ودادنا |
|
فدع خطّة ليست لنا بملائمة |
لعمري لقد راغمتمونا بقتلهم |
|
فكم ناقم منّا عليكم وناقمة |
أهمّ مراراً أن أسير بجحفل |
|
إلى فئة زاغت عن الحقّ ظالمة |
فكفّوا وإلا ذدتكم في كتائب |
|
اشدّ عليكم من زحوف الديالمة (١) و (٢) |
_________________
(١) حدّثني عبد الرحمن بن جندب الأزدي ، قال ٥ / ٤٦٩.
(٢) وإنّما كان يُضرب المثل بالدّيالمة لشدّة بطشهم في حروب المقاومة بعد سقوط السّاسانيّين. وكان ابن الحرّ من شيعة عثمان ، فلمّا قُتل خرج من الكوفة إلى معاوية ، ولمّ يزل معه حتّى قُتل علي (عليه السّلام) ٥ / ١٢٨ ، فقدم الكوفة.
وكان عند أخذ حجر ، يتمنّى لوساعده عشرة وخمسة ؛ ليستنقذ بهم حجراً وأصحابه ٥ / ٢٧١. ودعاه الحسين (عليه السّلام) إلى الخروج معه ، فقال : والله ، ما خرجت من الكوفة إلاّ كراهة أنْ تدخلها وأنا بها. فقال الحسين (عليه السّلام) : «فإنْ لا تنصرنا ، فاتّقِ الله أنْ تكون ممّن يُقاتلنا ، فوالله ، لا يسمع واعيتنا أحد ثمّ لا ينصرنا إلاّ هلك» ٥ / ٤٠٧.
فلمّا مات يزيد وهرب ابن زياد وثار المختار ، خرج في سبعمئة فارس إلى المدائن فكان يأخذ الأموال ، فحبس المختار امرأته بالكوفة ، وقال : لأقتلنّ أصحابه ٥ / ١٢٩. فلحق ابن الحرّ بمصعب بن الزبير وحارب المختار ٥ / ١٠٥. وهوالذي أشار على مصعب بعد قتل المختار ، بقتل الموالي من أصحابه وترك العرب ، ففعل ٥ / ١١٦. ثمّ خافه مصعب على نفسه فحبسه ، فشفع فيه قوم من مذحج فأطلقه فخرج عليه ٥ / ١٣١. ثمّ لحق بعبدالملك بن مروان فأرجعه إلى الكوفة ، وعليها عامل ابن الزبير فحاربه حتّى قتله سنة (٦٨ هـ) ٥ / ١٣٥ وقد سبقت ترجمته عند ذكر خبر ملاقاته الإمام (عليه السّلام) له في قصر بني مقاتل ، في الطريق إلى كربلاء.
خاتمة :
برحمته تعإلى ـ ذكره ـ انتهت أخبار الإمام الحسين (عليه السّلام) الموجودة في تاريخ الطبري ، عن هشام الكلبي ، عن أبي مِخْنَف ، عن رواته ومحدّثيه مع تحقيقها والتعليق عليها. واتّفق أنْ جعلنا المصدر الأوّل للتعليق : تاريخ الطبري ـ أيضاً ـ إلاً ما لمْ نجده فيه ، والحمد لله ربِّ العالمين.
فهرس الكتاب
تقديم |
٥ |
موقف ابن الزبير |
٨٢ |
كربلاء |
٨ |
موقف محمَّد بن الحنيفة |
٨٣ |
أبو مخنف |
١١ |
الإمام عليه السَّلام في مكّة |
٨٧ |
ما يرويه الطبري في آل أبي مخنف |
١٢ |
كتب أهل الكوفة |
٨٩ |
ما يرويه نصربن مزاحم في آل أبي مخنف |
١٤ |
جواب الإمام عليه السَّلام |
٩٦ |
كتب أبي مخنف |
١٧ |
سفر مسلم عليه السَّلام |
٩٦ |
مذهب أبي مخنف ووثاقته |
١٨ |
كتاب مسلم الي الإمام وجوابه |
٩٧ |
هشام الكلبي |
٢١ |
دخول مسلم عليه السَّلام الكوفة |
٩٩ |
المقتل المتداول |
٢٢ |
خطبة النعمان بن بشير |
١٠١ |
أسناد أبي مخنف |
٢٩ |
كتب الإمام (ع) الي أهل البصرة |
١٠٣ |
الحسين عليه السَّلام في المدينة |
٦٧ |
خطبة ابن زياد بالبصرة |
١٠٨ |
وصية معاوية |
٦٧ |
خطبة ابن زياد بالكوفة |
١١٠ |
هلاك معاوية |
٧٠ |
تجسّس معقل الشامي علي مسلم (ع) |
١١٢ |
كتاب يزيد الي الوليد |
٧٢ |
مؤتمر قتل ابن زياد في دار هانئ |
١١٣ |
استشارة الوليد من مروان |
٧٧ |
هانئ يُدعي الي ابن زياد |
١١٧ |
رسول الوليد الي الإمام للبيعة |
٧٧ |
هانئ عند ابن زياد |
١١٨ |
مطالبة الإمام (ع) بالبيعة |
٧٨ |
خروج مسلم عليه السَّلام |
١٢٢ |
الإمام (ع) في مسجد المدينة |
٨٢ |
اجتماع الأشراف بابن زياد |
١٢٣ |
رايات الإمان |
١٢٥ |
خبر مقتل مسلم (ع) |
١٦٥ |
غربة مسلم عليه السَّلام |
١٢٦ |
ملاقاة الحرّ وخطبة الإمام (ع) |
١٦٩ |
موقف ابن زياد |
١٢٩ |
مضايقة الحرّ للإمام عليه السَّلام |
١٧١ |
خطبة ابن زياد بعد غربة مسلم (ع) |
١٣٠ |
خطبة الإمام بالبيضة |
١٧٢ |
ابن زياد في طلب مسلم (ع) |
١٣١ |
الطرمّاح بن عدي وأصحابه |
١٧٣ |
موقف المختار |
١٣٢ |
خبر مقتل قيس بن مسهر الصيداوي |
١٧٥ |
مقاتلة مسلم (ع) |
١٣٣ |
نينوي وكتاب ابن زياد |
١٧٧ |
تأمين مسلم (ع) |
١٣٤ |
نزول الإمام عليه السَّلام |
١٧٩ |
أسر مسلم (ع) |
١٣٥ |
خروج ابن سعد الي الحسين (ع) |
١٨١ |
مسلم علي باب القصر وفي دارالإمارة |
١٣٦ |
كتاب ابن سعد الي ابن زياد وجوابه |
١٨٥ |
وصية مسلم (ع) الي ابن سعد |
١٣٨ |
لقاء ابن سعد بالإمام عليه السَّلام |
١٨٦ |
مسلم (ع) أمام ابن زياد |
١٣٩ |
زحف ابن سعد الي الحسين (ع) |
١٩٣ |
مقتل مسلم (ع) |
١٤٠ |
إمهالهم ليلة عاشوراء |
١٩٦ |
مقتل هانئ (ره) |
١٤١ |
خطبة الإمام ليلة عاشوارء |
١٩٧ |
حبس المختار |
١٤٣ |
موقف الهاشميين والأنصار |
١٩٨ |
رئاه مسلم وهانئ (ره) |
١٤٥ |
الإمام عليه السَّلام ليلة عاشوراء |
٢٠٠ |
خروج الإمام (ع) من مكّة وموقف ابن الزيبر |
١٤٧ |
الإمام وأصحابه ليلة عاشوراء |
٢٠٢ |
محادثة ابن عبّاس للإمام (ع) |
١٥٠ |
صبيحة عاشوراء |
٢٠٤ |
محادثة عمر المخزومي مع الإمام (ع) |
١٥١ |
خطبة الإمام الاُولي |
٢٠٦ |
محادثة ابن الزبير الأخيرة |
١٥٢ |
خطبة زهير بن القين |
٢٠٩ |
موقف عمرو بن سعيد الأشدق |
١٥٣ |
توبة الحرّ الرياحي |
٢١٣ |
موقف عبدالله بن جعفر (ره) |
١٥٤ |
خطبة الحرّ الرياحي |
٢١٥ |
أمان الأشدق للإمام (ع) |
١٥٥ |
بدء القتال |
٢١٧ |
منازل الطريق |
١٥٧ |
كرامة ، وهداية في الحملة الاُولي |
٢١٩ |
لحوق زهير بالإمام (ع) |
١٦١ |
مباهلة برير ومقتله |
٢٢١ |
خبر مقتل عبدالله بن بُقطر |
١٦٣ |
الحملة الثانية |
٢٢٤ |
مسلم بن عوسجة |
٢٢٥ |
قتال الإمام عليه السَّلام |
٢٥٠ |
الحملة الثالثة |
٢٢٦ |
مقتل الإمام عليه السَّلام |
٢٥٥ |
الحملة الرابعة |
٢٢٨ |
نهب الخيام |
٢٥٦ |
الاستعداد لصلاة الظهر |
٢٢٩ |
الهجوم علي مخيّم الإمام (ع) |
٢٥٧ |
مقتل حبيب بن مُظاهر الأسدي |
٢٣٠ |
وطئ الخيل |
٢٥٨ |
مقتل الحرّ الرياحي |
٢٣١ |
حمل عيال الإمام الي الكوفة |
٢٥٩ |
صلاة الظهر ومقتل زهير |
٢٣٢ |
رأس الإمام عند ابن زياد |
٢٦٠ |
مقتل نافع بن هلال الجملي |
٢٣٢ |
السبايا في مجلس ابن زياد |
٢٦١ |
الغفاريّان والجابريّان |
٢٣٤ |
زينب (ع) في مجلس ابن زياد |
٢٦٢ |
مقتل حنظلة الشبامي |
٢٣٥ |
الإمام السجاد (ع) وابن زياد |
٢٦٣ |
مقتل عابس الشاكري ومولاهم شوذب |
٢٣٦ |
موقف عبدالله بن عفيف الأزدي |
٢٦٥ |
مقتل الرجال الأربعة أصحاب الطرمّاح |
٢٣٨ |
الرؤوس والسبايا الي الشام |
٢٦٧ |
مقتل علي الاكبر عليه السَّلام |
٢٤١ |
مجلس يزيد وزوجته |
٢٧٠ |
مقتل القاسم بن الحسين عليه السَّلام |
٢٤٣ |
الإمام السجاد (ع) ويزيد العناد |
٢٧١ |
مقتل العبّاس وإخوته ورضيع الحسين |
٢٤٥ |
السيدة زينب ، ويزيد |
٢٧٢ |
مقتل إبني عبدالله بن جعفر |
٢٤٦ |
أهل البيت في المدينة |
٢٧٣ |
مقتل آل عقيل |
٢٤٧ |
أول زائر للإمام عليه السَّلام |
٢٧٦ |
مقتل أبناء الإمام الحسن (ع) |
٢٤٨ |
أبيات الحرّ الجعفي |
٢٧٦ |