وقعة الطّف

لوط بن يحيى الأزدي الغامدي الكوفي [ أبي مخنف ]

وقعة الطّف

المؤلف:

لوط بن يحيى الأزدي الغامدي الكوفي [ أبي مخنف ]


المحقق: الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٨٠

فردّ غصّته وترقرقت عيناه ، وقال :

لو ترك القطا ليلاً لنام!

قالت : يا ويلتى! أفتغصب نفسك اغتصاباً؟ فذلك أقرح لقلبي وأشدّ على نفسي. ولطمت وجهها ، وأهوت إلى جيبها وشقّته وخرّت مغشيّاً عليها.

فقام إليها الحسين (عليه السّلام) فصبّ على وجهها الماء ، وقال لها :

يا أُخيّة اتّقي الله وتعزّي بعزاء الله ، واعلمي : أنّ أهل الأرض يموتون ، وأنّ أهل السّماء لا يبقون ، وأنّ كلّ شيء هالك إلاّ وجه الله الذي خلق الأرض بقدرته ، ويبعث الخلق فيعودون ، وهو فرد وحده ، أبي خير منّي وأمّي خير منّي ، وأخي خير منّي ، ولي ولهم ولكلّ مسلم برسول الله أسوة.

فعزّاها بهذا ونحوه ، وقال لها :

يا أُخيّة ، إنّي أقسم عليك ـ فأبرّي قسمي ـ لا تشقّي عليّ جيباً ولا تخمشي عليّ وجهاً ، ولا تدعي عليّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت.

ثمّ جاء بها حتّى اجلسها عندي.

وخرج إلى أصحابه فأمرهم أنْ يقرّبوا بعض بيوتهم من بعض ، وأنْ يدخلوا الأطناب بعضها في بعض ، وأنْ يكونوا هم بين البيوت ، إلاّ الوجه الذي يأتيهم منه عدوّهم (١).

وأتي [الحسين (عليه السّلام)] بقَصب وحطب إلى مكان ـ من ورائهم ـ منخفض كأنّه ساقية ، فحفروه في ساعة من اللّيل فجعلوه كالخندق ، ثمّ ألقوا فيه ذلك الحطب والقصب ، وقالوا : إذا عدوا علينا فقاتلونا ألقينا فيه النّار ، كي لا نؤتى من ورائنا ، وقاتلنا القوم من وجه واحد» (٢).

_________________

(١) حدّثني الحرّث بن كعب وأبو الضحّاك ، عن علي بن الحسين (ع) ، قال ٥ / ٤٢٠. وأبو الفرج / ٧٥ ـ ط النّجف ـ واليعقوبي ٢ / ٢٣٠ ، والمفيد في الإرشاد / ٢٣٢ ـ ط النّجف ـ كلّهم : عن الإمام السّجاد (عليه السّلام).

(٢) عن عبد الله بن عاصم ، عن الضحّاك بن عبد الله المشرقي قال ٥ / ٤٢١ ، والمفيد في الإرشاد / ٢٣٣ عن الضحاك بن عبد الله.

٢٠١

[الحسين وأصحابه ليلة عاشوراء]

[و] لمّا أمسى الحسين (ع) وأصحابه قاموا اللّيل كلّه يصلّون ويستغفرون ، ويدعون ويتضرّعون.

[قال الضحّاك بن عبد الله المشرقي الهمداني ، وهو الذي نجا من أصحاب الحسين (عليه السّلام)] :

[فمرّت] بنا خيل لهم تحرسنا وإنّ حسيناً (عليه السّلام) يقرأ : (وَلاَ يَحْسَبَنّ الّذِينَ كَفَرُوا إنّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إنّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا ثماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * مَا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ المؤمنين عَلَى‏ مَا أنتم عَلَيْهِ حَتّى‏ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطّيّبِ) (١) فسمعها رجل من تلك الخيل التي كانت تحرسنا ، فقال : نحن وربّ الكعبة الطيّبون مُيّزنا منكم. فعرفته ، فقلت لبُرير بن حُضير [الهمداني] (٢) : أتدري مَن هذا؟ قال : لا. قلت : هذا أبو حرب السّبيعي

_________________

(١) سورة آل عمران / ١٧٨ ـ ١٧٩.

(٢) والمشهور المذكور في الإرشاد / ٢٣٣ ، وسائر الكتب : خضير. وكان سيّد القرّاء بالكوفة ٥ / ٤٣١ ، عابداً ناسكاً. وهذا أوّل ذكره في أخبار كربلاء ولمْ يُذكر كيف التحق بالإمام (عليه السّلام). وهو أوّل مَن قام للمبارزة في أوّل القتال فاجلسه الإمام (عليه السّلام) ٥ / ٤٢٩. وهو القائل لعبد الرحمن بن عبد ربّه الأنصاري : والله ، لقد علم قومي إنّى ما أحببت الباطل شاباً ولا كهلاً ، ولكن والله ، إنّى لمستبشر بما نحن لاقون ، والله ، إنّ بيننا وبين الحور العين إلاّ أنْ يميل علينا هؤلاء بأسيافهم ، ولوددت أنّهم قد مالوا علينا ٥ / ٤٢٣. وكان يقول : إنّ عثمان بن عفّان كان على نفسه مسرفاً ، وإنّ معاوية بن أبي سفيان ضال مضلّ ، وإنّ إمام الهدى والحقّ علي بن أبي طالب (عليه السّلام). وباهل رجلاً من عسكر عمر بن سعد يُدعى : يزيد بن معقل على حقانيّة هذه المعنى ، ودعا أنْ يُقتل المحقّ منهما المبطل ، ثمّ بارزه فقتله ٥ / ٤٣١.

٢٠٢

[الهمداني] عبد الله بن شهر ، وكان مضحاكاً بطّالاً. وكان شريفاً شجاعاً فاتكاً. وكان سعيد بن قيس (١) ربّما حبسه في جناية.

فقال له بُرير بن حُضير : يا فاسق ، أنت يجعلك الله في الطيّبين!

فقال له [أبو حرب] : مَن أنت؟

قال : أنا بُرير بن حُضير.

قال [أبو حرب] : إنّا لله ، عزّ عليّ ، هلكت والله هلكت والله ، يا بُرير.

قال [بُرير] : يا أبا حرب ، هل لك أنْ تتوب إلى الله من ذنوبك العظام؟ فوالله ، إنّا لنحن الطيّبون ، ولكنّكم لأنتم الخبيثون.

قال [أبو حرب مستهزء اً] : وأنا على ذلك من الشاهدين.

قلت [له] : ويحك! أفلا ينفعك معرفتك؟

قال [أبو حرب] : جُعلت فداك ، فمَن يُنادم يزيد بن عذرة العنزيّ [و] ها هو ذا معي؟

قال [بُرير] : قبّح الله رأيك ، على كلّ حال أنت سفيه.

[فـ] ـانصرف عنّا (٢).

_________________

(١) كان سعيد بن قيس الهمداني على همذان ، فعزله سعيد بن العاص الأشرق وإلى الكوفة وجعله على الرّي سنة (٣٣ هـ) ٥ / ٣٣٠. وبعثه أمير المؤمنين (عليه السّلام) مع شبث بن ربعي وبشير بن عمرو إلى معاوية ـ قبل القتال ـ يدعونه إلى الطاعة والجماعة ٤ / ٥٧٣. وكان يُقاتل مع علي بصفّين ٤ / ٥٧٤. وكان من أوّل النّاس في إجابة أمير المؤمنين إلى ما يُريد ٥ / ٧٩ ، وسرّحه أمير المؤمنين (عليه السّلام) في إثر غارة سفيان بن عوف على الأنبار والهيت ، فخرج في طلبهم حتّى جاز هيت فلمْ يلحقهم ٥ / ١٣٤ ، ثمّ لا نعثر له على ذكر ولا أثر في التاريخ ، فلعلّ حبسه لأبي حرب السّبيعي كان يوم عمله على همدان ، أو الرّي على عهد عثمان.

(٢) ٥ / ٤٢١. قال أبو مِخْنف : عن عبد الله بن عاصم ، عن الضحاك بن ، عبد الله المشرقي.

٢٠٣

[صبيحة يوم عاشوراء]

فلمّا كان يوم عاشوراء ـ يوم السّبت ـ صلّى عمر بن سعد [صلاة] الغداة [و] خرج فيمَن معه من النّاس (١).

[و] كان على ربع أهل المدينة يومئذ : عبد الله بن زهير الأزدي (٢) ، وعلى ربع مذحج وأسد : عبد الرحمن بن أبي سبرة الجُعفي (٣) ، وعلى ربع ربيعة وكندة : قيس بن الأشعث بن قيس [الكندي] ، وعلى ربع تميم وهمدان : الحرّ بن يزيد الرياحي [التميمي اليربوعي].

وجعل عمر على ميمنته : عمرو بن الحجّاج الزبيديّ ، وعلى ميسرته : شمر بن ذي الجوشن الضبّاب [ـي] الكلاب [ـي] ، وعلى الخيل : عزرة بن قيس الأحمسيّ ، وعلى الرّجال : شبث بن ربعيّ الرياحي [التميمي] ، وأعطى الراية : ذويداً ، مولاه (٤).

_________________

(١) ٥ / ٤٢١ ـ ٤٢٢. قال أبو مِخْنف : عن عبد الله بن عاصم ، عن الضحاك بن عبد الله المشرقي ... والإرشاد / ٢٣٣ : عن الضحاك بن عبد الله.

(٢) كان على ميمنة عدي بن وتاد ، أمير الرّي ـ للحجاج ـ في حربه مع مطرّف بن المغيرة بن شعبة بأصبهان ٦ / ٢٩٦. وآخر عهدنا به في الطبري : أنّه كان في حرس السّغد سنة (١٠٢ هـ) ، فأصابته جراحة كثيرة حتّى أصبح كأنّه قنفذ من النّشاب ٦ / ٦١٣ ، ولا ذكر له قبل كربلاء.

(٣) كان ممّن كُتبت شهادته على حجر بن عدي الكندي سنة (٥١ هـ) ٥ / ٢٧٠. وكان على الرجّالة من مذحج وأسد ، وحرّضه شمر على ذبح الحسين (عليه السّلام) فأبى وسبّه ٥ / ٤٥٠.

(٤) حدّثني فضيل بن فديج الكنديّ ، عن محمّد بن بشر ، عن عمرو الحضرمي ، قال ٥ / ٤٢٢.

٢٠٤

[و] لمّا صبّحت الخيل الحسين (عليه السّلام) رفع الحسين يديه ، فقال : «اللهمّ ، أنت ثقتي في كلّ كرب ، ورجائي في كلّ شدّة ، وأنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة وعدّة ، كم من همّ يضعّف فيه الفؤاد وتقلّ فيه الحيلة! ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدوّ! أنزلته بك وشكوته إليك رغبة منّي عمّن سواك ، ففرّجته وكشفته ، فأنت وليّ كلّ نعمة وصاحب كلّ حسنة ، ومنتهى كلّ رغبة» (١). [وقال الضحّاك بن عبد الله المشرقي الهمداني ، وهو الذي نجا من أصحاب الحسين (عليه السّلام)] :

لمّا أقبلوا نحونا ، فنظروا إلى النّار تضطرم في الحطب والقصب الذي كنّا ألهبنا فيه النّار من ورائنا ، لئلا يأتونا من خلفنا ، إذ أقبل إلينا منهم رجل يركب [فرسه وهو] كامل الأداة ، فلمْ يكلّمنا حتّى مرّ على أبياتنا ، فنظر إلى أبياتنا فإذا هو لا يرى إلاّ حطباً تلتهب النّار فيه ، فرجع [و] نادى بأعلى صوته.

يا حسين ، استعجلت النّار في الدنيا قبل يوم القيامة!

فقال الحسين (عليه السّلام) : «مَن هذا؟ كأنّه شمر بن ذي الجوشن؟».

فقالوا : نعم ، أصلحك الله! هو هو.

فقال (ع) : «يابن راعية المعزى ، أنت أولى بها صليّاً».

فقال له مسلم بن عوسجة : يابن رسول الله ، جُعلت فداك ألاَ أرميه بسهم؟ فإنّه قد أمكنني ، وليس يسقط سهم [منّي] ، فالفاسق من أعظم الجبّارين.

فقال له الحسين (عليه السّلام) : «لا ترمه ، فإنّي أكره أنْ أبدأهم» (٢).

* * *

_________________

(١) عن بعض أصحابه عن أبي خالد الكأهلي ، قال ٥ / ٤٢٣ ، والمفيد في الإرشاد / ٢٣٣ ، قال : فروى عن علي بن الحسين (ع) ، وأبو خالد الكأهلي من أصحابه ، فهو يروي الخبر عنه (عليه السّلام) وإنْ لمْ ينصّ عليه في الطبري.

(٢) فحدّثني عبد الله بن عاصم ، قال حدّثني الضحّاك المشرقي ٥ ٤٢٣ والإرشاد ٢٣٤.

٢٠٥

[خطبة الإمام (عليه السّلام) ـ الأولى]

[و] لمّا دنا منه القوم [دع] براحلته فركبها ، ثمّ نادى بأعلى صوته يسمع جلّ النّاس :

«أيّها النّاس ، اسمعوا قولي ولا تعجلوني حتّى أعظكم بما [يـ] ـحقّ لكم عليّ ، وحتّى اعتذر إليكم من مقدمي عليكم ، فإنْ قبلتم عذري وصدّقتم قولي وأعطيتموني النّصف ، كنتم بذلك أسعد ولمْ يكن لكم عليّ سبيل ، وإنْ لمْ تقبلوا منّي العذر ، ولمْ تعطوا النّصف من أنفسكم : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثمّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمّةً ثمّ اقْضُوا إليّ وَلاَ تُنظِرُونِ) (١) ، (إِنّ وَلِيّيَ اللّهُ الّذِي نَزّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلّى الصّالِحِينَ) (٢).

فلمّا سمع أخواته كلامه هذا صحن وبكين ، وبكى بناته [و] ارتفعت أصواتهنّ ، فأرسل إليهنّ أخاه العبّاس بن علي وعليّاً ابنه ، وقال (ع) لهما : «سكّتاهنّ ، فلعمري ليكثرنّ بكاؤهنّ».

فلمّا سكتن ، حمد الله وأثنى عليه وذكر الله بما هو أهله ، وصلّى على محمّد (صلّى الله عليه [وآله]) وعلى ملائكته وأنبيائه. [قال الرأوي] : فوالله ، ما سمعت متكلماً قط قبله ، ولا بعده أبلغ في منطق منه. ثمّ قال (ع) :

«أمّا بعد : فانسبوني فانظروا مَن أنا؟ ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها ، فانظروا هل يحلّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألسّت ابن بنت نبيّكم (صلّى الله عليه [وآله]) ، وابن وصيّه وابن عمّه ، وأوّل المؤمنين بالله والمصدّق لرسوله بما جاء به من عند ربّه؟ أوليس حمزة سيّد الشهداء عمّ أبي؟ أوليس جعفر ، الشهيد الطيّار ذو الجناحين عمّي؟ ...

_________________

(١) سورة يونس / ٧١.

(٢) سورة الأعراف / ١٩٦.

٢٠٦

أولمْ يبلغكم قول مستفيض فيكم ، أنّ رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) قال لي ولأخي : هذان سيّدا شباب أهل الجنّة.

فإنْ صدّقتموني بما أقول وهو الحقّ ، فوالله ، ما تعمّدت كذباً مذ علمت أنّ الله يمقت عليه أهله ، ويضرّ به من اختلقه ...

وإنْ كذّبتموني ، فإنّ فيكم مَن إنْ سألتموه عن ذلك أخبركم. سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري (١).

أو أبا سعيد الخدري (٢).

أو سهل بن سعد السّعدي (٣).

وزيد بن أرقم (٤).

أو أنس بن مالك (٥).

_________________

(١) امتنع عن البيعة لمعاوية على يد بسر بن أرطاة سنة أربعين قبل مقتل أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، وقال : هذه بيعة ضلالة ، حتّى اضطره إليها بسر فبايعه خوف نفسه ٥ / ١٣٩. وفي سنة خمسين حين حجّ معاوية وأراد نقل منبر رسول الله (ص) وعصاه من المدينة إلى الشام ، منعه جابر فامتنع ٥ / ٢٣٩. وفي سنة أربع وسبعين إذ دخل الحجّاج المدينة من قبل عبد الملك ، استخفّ فيها بأصحاب رسول الله (ص) فختم في أعناقهم ، منهم : جابر بن عبد الله الأنصاري ٦ / ١٩٥.

(٢) ردّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حين استعرض أصحابه لأُحد ، لصغره ٢ / ٥٠٥. وكان يروي الحديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في فضل علي (عليه السّلام) ٣ / ١٤٩ ، ولكنّه كان من الممتنعين عن بيعة علي (عليه السّلام) بعد مقتل عثمان ، وكان عثمانيّاً ٤ / ٤٣٠.

(٣) كان يروي الحديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في فضل علي (عليه السّلام) ٣ / ٤٠٩. وروى : أنّ عائشة أمرت بقتل عثمان بن حنيف ، ثمّ بحبسه ٤ / ٤٦٨. ويروي أخبار علي (عليه السّلام) ٤ / ٥٤٧. وفي سنة أربع وسبعين حين دخل الحجّاج المدينة من قبل عبد الملك استخفّ بأصحاب رسول الله فختم أعناقهم ، منهم : سهل بن سعد ، واتّهمهم بخذلان عثمان ٦ / ١٩٥.

(٤) كان يروي فضل علي (عليه السّلام) ٢ / ٣١٠ ، وهو الذي أخبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بمقالة عبد الله بن أبي بن سلول المنافق ٢ / ٦٠٥ ، وهو الذي اعترض على ابن زياد ونهاه عن ضرب شفتي أبي عبد الله (عليه السّلام) ٥ / ٤٥٦ توفي سنة (٦٨ هـ) ، كما في الأعلامَ ٤ / ١٨٨.

(٥) لمّا ولّى عمر أبا موسى الأشعري البصرة سنة (١٧ هـ) استعان بأنس بن مالك ٤ / ٧١ ، واشترك في

٢٠٧

يخبروكم أنّهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) لي ولأخي ، أفما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي؟».

فقال له شمر بن ذي الجوشن : هو يعبد الله على حرف ، إنْ كان يدري ما يقول (١).

فقال حبيب بن مظاهر : والله ، إنّي لأراك تعبد الله على سبعين حرفاً ، وأنا أشهد ، أنّك صادق ما تدري ما يقول ، قد طبع الله على قلبك.

ثمّ قال لهم الحسين (عليه السّلام) : «فإنْ كنتم في شكّ من هذا القول ، أفتشكون أثراً بعد؟ أمَا إنّي ابن بنت نبيّكم؟ فوالله ، ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبيّ غيري منكم ولا من غيركم ، أنا ابن بنت نبيّكم خاصّة.

أخبروني ، أتطلبوني بقتيل منكم قتلته؟ أو مال استهلكته؟ أو بقصاص من جراحة؟ ـ فأخذوا لا يكلّمونه ... ـ فنادى : يا شبث بن ربعي ويا حجّار بن أبجر ، ويا قيس بن الأشعث ويا يزيد بن الحرّث ، ألمْ تكتبوا إليّ أنْ قد أينعت الثمار واخضرّ الجناب ، وطمّت الجمام (٢) وإنّما تقدم على جند لك مجنّد ، فأقبل؟!

قالوا له : لمْ نفعل (٣).

_________________

فتح تُستر ٤ / ٨٦. وكان ممّن حرّض النّاس بالبصرة سنة (٣٥ هـ) لنصرة عثمان ٤ / ٣٥٢. وكان ممّن استعان بهم زياد بن أبيه بالبصرة سنة (٤٥ هـ) ٥ / ٢٢٤. وكان يوم عاشوراء بالبصرة ، وفي سنة (٦٤ هـ) بعد مقتل ابن زياد أمّره ابن الزبير على البصرة ، فصلّى بالنّاس أربعين يوماً ٥ / ٥٢٨. فلمّا وُلّي الحجّاج المدينة سنة (٦٤ هـ) لعبد الملك واستخفّ أصحاب رسول الله ، فختم في أعناقهم ؛ ختم في عنق : أنس ، يُريد أنْ يُذلّه بذلك انتقاماً لتولّيه لابن الزبير ٦ / ١٩٥.

(١) ورواه السّبط ٢٥٢ / ، ط النّجف. وعلى حرف ، أي : على طرف من الإيمان ، لا صلبه.

(٢) الجمام : جمع جمّة ، وهو : المكان الذي يجتمع فيه الماء. وطمّ ، أي : امتلأ. وقد مضت ترجمة هؤلاء فيمَن كتب إلى الإمام (عليه السّلام) من أهل الكوفة من المنافقين.

(٣) وقال سبط ابن الجوزي ، أنّهم قالوا : ما ندري ما تقول. وكان الحرّ بن يزيد اليربوعي من

٢٠٨

فقال (ع) : «سبحان الله! بلى والله ، لقد فعلتم». ثمّ قال (ع) :

«أيّها النّاس ، إذا كرهتموني فدعوني انصرف عنكم إلى مأمني من الأرض».

فقال له قيس بين الأشعث : أوَلا تنزل على حكم بني عمّك؟ فإنّهم لن يروك إلاّ ما تحبّ ، ولن يصل إليك منهم مكروه.

فقال الحسين (عليه السّلام) : «أنت أخو أخيك [محمّد بن الأشعث] أتريد أنْ يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل؟ لا والله ، لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقرّ إقرار العبيد (١).

عباد الله : (وَإِنّي عُذْتُ بِرَبّي وَرَبّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ) (٢) (أعُوذُ بِرَبّي وَرَبّكُم مِن كلّ مُتَكَبّرٍ لاَ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ) (٣).

ثمّ [رجع فـ] ـأناخ راحلته ، وأمر عقبة بن سمعان فعقلها (٤).

[خطبة زهير بن القين]

[ثمّ] خرج زهير بن القين على فرس ذنوب (٥) شاك في السّلاح ، فقال :

_________________

ساداتهم ، فقال : بلى ، والله ، لقد كاتبناك ونحن الذين أقدمناك ، فأبعد الله الباطل وأهله ، والله ، لا أختار الدنيا على الآخرة / ٢٥١.

(١) ورواه المفيد في الإرشاد / ٢٣٥ ، وبعده ابن نما في مثير الأحزان / ٢٦ : ولا أفرّ فرار العبيد. ورحّجه المقرّم : ٢٨٠. والنّسب بجواب ابن الأشعث ، هو : الإقرار لا الفرار؛ فإنّ ابن الأشعث لمْ يعرض عليه الفرار ، بل الإقرار. واستشهد له المقرّم بكلام الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) في مصقلة بن هبيرة : وفرّ فرار العبد ، ولكن فعل مصقلة لا يناسب حال الإمام الحسين (عليه السّلام) هنا كما هو واضح ، فراجع.

(٢) سورة الدخان / ٢٠.

(٣) سورة المؤمن / ٢٧.

(٤) ٥ / ٤٢٣ ـ ٤٢٦. قال أبو مِخْنف : فحدثنى عبد الله بن عاصم ، قال حدثنى الضحاك المشرقى.

(٥) الذنوب : الفرس الذي شعر ذنبه وافر كثير.

٢٠٩

يا أهل الكوفة ، نذار لكم من عذاب الله نذار ، إنّ حقاً على المسلم نصيحة أخيه المسلم ، ونحن حتّى الآن أخوة وعلى دين واحد وملّة واحدة ، ما لمْ يقع بيننا وبيكم السّيف ، وأنتم للنصحية منّا أهل ، فإذا وقع السّيف انقطعت العصمة وكنّا اُمّة وأنتم اُمّة.

إنّ الله قد ابتلانا وإيّاكم بذرّيّة نبيّه محمّد (صلّى الله عليه [وآله]) لينظر ما نحن وأنتم عاملون ، إنّا ندعوكم إلى نصرهم وخذلان الطاغية عبيد الله بن زياد ؛ فإنّكم لا تدركون منهما إلاّ بسوء عمر سلطانهما كلّه ليسملان أعينكم ، ويقطّعان أيديكم وأرجلكم ، ويمثّلان بكم ويرفعانكم على جذوع النّخل ، ويقتّلان أماثلكم وقرّاءكم ، أمثال : حجر بن عديّ (١) وأصحابه ، وهانئ بن عروة (٢) وأشباهه.

فسبوّه وأثنوا على عبيد الله بن زياد ودعوا له ، وقالوا : والله ، لا نبرح حتّى نقتل صاحبك ومَن معه ، أو نبعث به وبأصحابه إلى الأمير عبيد الله سلماً.

فقال لهم : عباد الله ، إنّ ولد فاطمة (رضوان الله عليها) أحقّ بالودّ والنّصر

_________________

(١) كان من إمداد حرب القادسيّة من أهل اليمن سنة (١٦ هـ) ٤ / ٢٧. وكان من أوّل مَن أجاب عليّاً (عليه السّلام) لنصرته في حرب البصرة من الكوفة ٤ / ٤٨٥. وكان هو من قبلُ من الثائرين على عثمان ٤ / ٤٨٨. وكان على سبع مذحج والأشعريّين من أهل اليمن بالكوفة ٤ / ٥٠٠. وكان مع علي (عليه السّلام) بصفّين يخرج للقتال ٤ / ٥٧٤. وكان ممّن شهد على صحيفة الموادعة لتحكيم الحكمين في صفّين ٥ / ٥٤. وكان على ميمنة علي (عليه السّلام) في وقعة النّهروان مع الخوارج ٥ / ٨٥ ، وأخرجه علي (عليه السّلام) سنة (٣٩ هـ) على أربعة الآف رجل من الكوفة لمقابلة غارة الضحّاك بن قيس في ثلاثة الآف ، فلحقه بـ : (تدمر) في حدود الشام فقتل منهم عشرين رجلاً ، وحال اللّيل فهرب الضحّاك ورجع حجر ٥ / ١٣٥. ولمّا دخل معاوية الكوفة عام الجماعة وولّى عليهما المغيرة بن شعبة ، وكان المغيرة يسبّ عليّاً (عليه السّلام) كان حجر يردّ عليه ردّاً شديداً حتّى مات المغيرة ، فولّى عليها معاوية زياد بن أبيه ، فعاد حجر إلى ما كان عليه ، فأخذه زياد وبعث به إلى معاوية فقتله ٥ / ٢٧٠.

(٢) مضت ترجمته في أوّل أمر مسلم بن عقيل (عليه السّلام).

٢١٠

من ابن سميّة (١) ، فانْ لمْ تنصروهم فأعيذكم بالله أنْ تقتلوهم ، فخلّوا بين الرجل

_________________

(١) سميّة : هي اُمه الزانية. كانت من ذوات الأعلامَ بالجأهلية ، فزنى بها ستّة من قريش فولدت زياداً فتنازعوا عليه ، فلمْ يُعرف أبوه ، فكان يُدعى بزياد بن أبيه أو زياد بن عبيد ، أو زياد بن سميّة حتّى استلحقه معاوية بأبيه أبي سفيان ، فقِيل : زياد بن أبي سفيان.

فلما ولاّه معاوية الكوفة وأخذ حجراً واستشهد عليه الشهود ورأى فيهم اسم شدّاد بن بزيعة ، فقال : ما لهذا أب يُنسب إليه؟ ألقوا هذا من الشهود. فقِيل له : أنّه أخو الحصين وهو ابن المنذر. قال : فانسبوه إلى أبيه. فكُتب ونُسب إلى أبيه. فبلغت هذه الكلمة شدّاداً ، فقال : ويلي على ابن الزانية! أو ليست اُمّه أعرف من أبيه؟ والله ، ما كان يُنسب إلاّ إلى اُمّه سميّة ٥ / ٢٧٠.

وكان يزيد بن مفرّغ الحميري مع عبّاد بن زياد ، أخي عبيد الله في حروب سجستان فأصابهم ضيق ، فهجا ابن المفرّغ عبّاداً ، فقال :

إذا أودى معاوية بن حرب

فبشر سعب قعبك بانصداع

فاشهد ان اُمّك لم تباشر

أبا سفيان واضعة القناع

ولكن كان أمراً فيه لبس

حواست جمع كن

وقال :

إلاّ أبلغ معاوية بن حرب

مغلغلة من الرجل اليمنّي

أتغضب أن يُقال أبوك عفّ

وترضى ان يُقال أبوك زانى

فاشهد أن رحمك من زياد

كرحم الفيل من ولد الأتان

وقدم رجل من آل زياد ـ يُقال له : الصغدي بن سلم بن حرب ـ على المهدي العبّاسي وهو ينظر المظالم ، فقال له : مَن أنت؟ قال : ابن عمّك. قال : أيّ ابن عميّ أنت؟ فانتسب إلى زياد. فقال له المهديّ : يابن سميّة الزانية ، متى كنت ابن عميّ؟ وأمر به فوجئ عنقه وأُخرج.

ثمّ التفت المهدي إلى مَن حضر ، فقال : مَن عنده علم من آل زياد؟ فلمْ يكن عند أحد منهم شيء ، فلحق منهم رجل يُدعى : عيسى بن موسى أو موسى بن عيسى بأبي علي سليمان ، فسأله أنْ يكتب له كلّ ما يُحدّث به في زياد وآل زياد حتّى يذهب به إلى المهدي ، فكتبه وبعث به إليه.

وكان هارون الرشيد إذ ذاك والي البصرة من قبل المهدي ، فأمر المهدي بالكتاب إلى هارون الرشيد يأمره أنْ يُخرج آل زياد من ديوان قريش والعرب. فكان فيما كتب أنّه قال :

وقد كان من رأي معاوية بن أبي سفيان في استلحاقه زياد بن عبيد ـ عبد آل علاج من ثقيف ـ وادّعائه ما أباه ـ بعد معاوية ـ عامّة المسلمين وكثير منهم في زمانه ، لعلمهم بزياد وأبي زياد واُمّه من أهل الرضا والفضل والورع والعلم.

٢١١

وبين ابن عمّه يزيد بن معاوية ، فلعمري ، إنّ يزيد لا يرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين (عليه السّلام).

فرماه شمر بن ذي الجوشن بسهم ، وقال : اسكت ، أسكت الله نأمتك (١) أبرمتنا بكثرة كلامك.

فقال له زهير : يابن البوّال على عقبيه ، ما إيّاك أخاطب ، إنّما أنت بهيمة ، والله ، ما أظنّك تحكم من كتاب الله آيتين ، فأبشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم.

_________________

ولمْ يدع معاوية ـ إلى ذلك ـ ورع ولا هدى ، ولا اتّباع سنّة هادية ولا قدرة من أئمة الحقّ ماضية ، إلاّ الرغبة في هلاك دينه وآخرته ، والتصميم على مخالفة الكتاب والسّنة ، والعجب بزياد في جََلده ونفاذه ، وما رجا من معونته وموازرته إيّاه على الباطل ما كان يركن إليه في سيرته وآثاره وعمّاله الخبيثة. وقد قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) : «الولد للفراش وللعاهر الحجّر» وقال : «مَن ادّعي إلى غير أبيه أو أنتمى إلى غير مواليه ، فعليه لعنة الله والملائكة والنّاس الجمعين! لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً». [الصرف : التوبة. والعدل : الفدية].

ولعمري ، ما وُلد زياد في حجر أبي سفيان ولا على فراشه ، ولا كان عُبيد عبداً لأبي سفيان ولا سميّة أمَة له ، ولا كانا في ملكه ولا صارا إليه لسبب من الأسباب. فخالف معاوية بقضائه في زياد واستلحاقه إيّاه وما صنع فيه وأقدم عليه أمر الله جلّ وعزّ ، وقضاء رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) واتّبع في ذلك هواه ، رغبة عن الحقّ ومجانبة له ، وقد قال الله عزّ وجل : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [القصص / ٥٠]. وقال لداود (عليه السّلام) وقد آتاه الحكم والنّبوة ، والمال والخلافة : (يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالحقّ) [ص / ٢٦].

وعند ما كلّم معاوية ـ فيما يعلم أهل الحفظ للأحاديث ـ موالي بني المغيرة المخزومين ، وأرادوا استلحاق نصر بن الحجّاج السّلمي وأنْ يدّعوه ، وكان أعدّ لهم معاوية حجراً تحت فراشه فألقاه إليهم ـ على قول رسول الله : «للعاهر الحجّر» ـ فقالوا له : نسوّغ لك ما فعلت في زياد ، ولا تسوغ لنا ما فعلنا في صاحبنا. قال : قضاء رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) خير لكم من قضاء معاوية ٨ / ١٣١.

ومن هنا يُعلم : أنّ زهير بن القين قبل هدايته وإجابته دعوة الإمام (عليه السّلام) وإنْ كان عثمانياً ، لكنّه كان ناقماً على معاوية استلحاقه زياداً وقتله حجر بن عدي ، فكانت نفسه مستعدة للخروج عن عهدة عثمان ولإظهار النّقمة على معاوية ويزيد ابنه وعمّالهم ، ولإجابة دعوة الإمام إيّاه للخروج عليهم.

(١) النّأمة : الصوت ، ولعلّها لغة في : النّغمة.

٢١٢

فقال له شمر : إنّ الله قاتلك وصاحبك عن ساعة.

قال : أفبالموت تخوّفني؟ فوالله ، للموت معه أحبّ إليّ من الخلد معكم.

ثمّ أقبل على النّاس رافعا صوته فقال :

عباد الله ، لا يغرنّكم من دينكم هذا الجلف الجافي وأشباهه ، فوالله ، لا تنال شفاعة محمّد (صلّى الله عليه [وآله]) قوماً هرقوا دماء ذرّيّته وأهل بيته ، وقتلوا مَن نصرهم وذبّ عن حريمهم.

فناداه رجل ، فقال له : إنّ أبا عبد الله يقول لك أقبل ، فلعمري ، لئن كان مؤمن آل فرعون (١) نصح لقومه وأبلغ في الدعاء ، لقد نصحت لهؤلاء وأبلغت ، لو نفع النّصح والإبلاغ (٢).

[توبة الحرّ الرياحي]

[و] لمّا زحف عمر بن سعد ، قال له الحرّ بن يزيد : أصلحك الله! مقاتل أنت هذا الرجل؟ قال : إي والله ، قتالاً أيسره أنْ تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي.

قال : أفما لكم في واحدة من الخصال التي عُرضت عليكم رضاً؟

قال عمر بن سعد : أمَا والله ، لو كان الأمر إليّ لفعلت ، ولكن أميرك قد أبى ذلك.

فأقبل [الحرّ] حتّى وقف من النّاس موقفاً ، ومعه رجل من قومه ، يُقال له : قرّة بن قيس (٣). فقال : يا قرة ، هل سَقيت فرسك اليوم؟ قال لا. قال إنّما

_________________

(١) شبّهه الإمام (عليه السّلام) بمؤمن آل فرعون ؛ لأنّه كان عثمانياً قبلُ ، فكأنّه من قوم بني اُميّة.

(٢) فحدّثني علي بن حنظلة بن أسعد الشبامي ، عن رجل من قومه شهد مقتل الحسين حين قُتل ، يُقال له : كثير بن عبد الله الشعبي. قال : لمّا زحفنا قبل الحسين (ع) خرج إلينا زهير بن القين ٥ / ٤٢٦. وروى الخطبة اليعقوبي ٢ / ٢٣٠ ، ط النّجف.

(٣) مضت ترجمته في أوّل نزول الإمام (عليه السّلام) بكربلاء ، وقد دعاه حبيب إلى نصرة الإمام

٢١٣

تريد أنْ تسقيه؟

قال قرّة : فظننت ، والله ، أنّه يُريد أنْ يتنحّى فلا يشهد القتال ، وكره أنْ أراه حين يصنع ذلك فيخاف أنْ أرفعه عليه ، فقلت له : لمْ أقسه وأنا منطلق فساقيه. فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه ، فوالله ، لو أنّه أطلعني على الذي يُريد ، لخرجت معه إلى الحسين (عليه السّلام).

[وأمّا الحرّ ، فإنّه] أخذ يدنو من حسين (عليه السّلام) قليلاً قليلاً ، فقال له رجل من قومه ـ يُقال له المهاجر بن أوس (١) ـ : ما تُريد يابن يزيد؟ أتُريد أنْ تحمل؟ فسكت وأخذه مثل العُرواء (٢). فقال له : يابن يزيد والله ، إنّ أمرك لمريب ، والله ، ما رأيت منك في موقف قط مثل شيء أراه الآن ، ولو قِيل لي : مَن أشجع أهل الكوفة رجلاً ، ما عدوتك فما هذا الذي أرى منك؟

قال : إنّي والله ، أُخيّر نفسي بين الجنّة والنّار ، ووالله ، لا أختار على الجنّة شيئاً ولو قُطّعت وحُرّقت.

ثمّ ضرب فرسه فلحق بحسين (عليه السّلام) ، فقال له :

جعلني الله فداك يابن رسول الله ، أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق ، وجعجعت بك في هذا المكان ، والله ، الذي لا إله إلاّ هو ما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضت عليهم أبداً ، ولا يبلغون منك هذه المنزلة ، فقلت في نفسي لا أبالي أنْ أُطيع القوم في بعض أمرهم ، ولا يَرون أنّي خرجت من طاعتهم ، وأمّا هم فسيقبلون من حسين هذه الخصال التي يعرض عليهم ، ووالله ، لو ظننت أنّهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك ، وإنّي قد جئتك تائباً ممّا كان منّي إلى ربّي ومواسياً لك بنفسي حتّى أموت بين يديك ، أفترى

_________________

(عليه السّلام) ، فوعده النّظر في ذلك ، ولكنّه لمْ يرجع. والظاهر : أنّه هو ناقل الخبر ومدّعيه.

(١) هو : قاتل زهير بن القين ، مع الشعبي ٥ / ٤٤١.

(٢) العُرواء : رعدة الحمّى.

٢١٤

ذلك لي توبة؟

قال [الإمام (عليه السّلام)] : «نعم ، يتوب الله عليك ويغفر لك ، ما اسمك؟».

قال : أنا الحرّ بن يزيد (١).

قال (ع) : «أنت الحرّ كما سمّتك اُمّك ، أنت الحرّ ـ إنْ شاء الله ـ في الدنيا والآخرة ، انزل».

قال : أنا لك فارساً خير منّي لك راجلاً ، أقاتلهم على فرسي ساعة وإلى النّزول ما يصير آخر أمري.

قال الحسين (عليه السّلام) : «فاصنع ما بدا لك».

فاستقدم أمام أصحابه ثمّ قال :

[خطبة الحرّ بن يزيد الرياحي]

أيّها القوم ، ألاَ تقبلون من حسين (ع) خصلة من هذه الخصال التي عُرضت عليكم ، فيعافيكم الله من حربه وقتاله؟

قالوا : هذا الأمير عمر بن سعد ، فكلّمه.

فكلّمه بمثل ما كلّمه به قبلُ ، وبمثل ما كلّم به أصحابه.

قال عمر [بن سعد] : قد حرصتُ ، لو وجدت إلى ذلك سبيلاً فعلتُ.

فقال : يا أهل الكوفة ، لاُمّكم الهُبل والعُبْر (٢) ، إذ دعوتموه حتّى إذا أتاكم أسلمتموه ، وزعمتم أنّكم قاتلوا أنفسكم دونه ، ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه أمسكتم بنفسه وأخذتم بكظمه ، وأحطتم به من كلّ جانب فمنعتموه التوجّه في بلاد الله

_________________

(١) فلعلّه كان شاكياً في السّلاح مطرقاً مطأطئاً من الخجل ؛ ولذلك لمْ يُعرف فسأله ، وإلاّ فقد كان يعرفه من قبلُ.

(٢) الهبل والعبر : بمعنى الهلاك والموت.

٢١٥

العريضة حتّى يأمن ويُأمّن أهل بيته ، وأصبح في أيديكم كالأسير ، لا يملك لنفسه نفعاً ولا يدفع ضرّاً ، وحلأ تموه ونساءه وصبيته وأصحابه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهوديّ والمجوسيّ والنّصراني ، وتمرّغ فيه خنازير السّواد وكلابه ، وهاهم أولاء قد صرعهم العطش ، بئسما خلفتم محمّداً في ذرّيته (ص)! لاسقاكم الله يوم الظّمأ! ، إنْ لمْ تتوبوا وتنزعوا عمّا أنتم عليه من يومكم هذا في ساعتكم هذه (١).

فحملت عليه رجّالة لهم ترميه بالنّبل ، فأقبل حتّى وقف أمام الحسين (عليه السّلام) (٢).

وكان يزيد بن زياد بن المهاصر ممّن خرج مع عمر بن سعد إلى الحسين (ع) ، فلمّا ردّوا الشروط على الحسين (عليه السّلام) مال إليه (٣) [، فهو ممّن اهتدى يوم عاشوراء بخطبة الحرّ الرياحي].

_________________

(١) وفي الإرشاد / ٢٣٥ ، والتذكرة / ٢٥٢.

(٢) عن أبي جناب الكلبي ، عن عديّ بن حرملة ، قال ٥ / ٤٢٧ ، والمفيد في الإرشاد / ٢٣٥.

(٣) حدّثني ، فضيل بن خديج الكندي : أنّ يزيد بن زياد ، وهو أبو الشعثاء الكندي من بني بهدلة ٥ / ٤٤٥.

٢١٦

[بدء القتال]

وزحف عمر بن سعد نحوهم ، ثمّ نادى : يا ذويد ، (١) أدْنِ رايتك. فأدناها ، [فـ] ـوضع سهمه في كبد قوسه ثمّ رمى ، فقال : أشهدوا ، أنّي أوّل مَن رمى (٢).

فلمّا دنا عمر بن سعد ورمى بسهم ، ارتمى النّاس.

[ثمّ] خرج يسار مولى زياد بن أبي سفيان ، وسالم مولى عبيد الله بن زياد ، فقالا مَن يُبارز؟ ليخرج إلينا بعضكم.

فوثب حبيب بن مظاهر ، وبُرير بن حُضير ، فقال لهما الحسين (عليه السّلام) : «اجلسا».

فقام عبد الله بن عمير الكلبي (٣) ، فقال : أبا عبد الله ـ رحمك الله ـ ائذن لي

_________________

(١) ذكره المفيد في الإرشاد : دُريد / ٢٣٣ ، ٢٣٦ ، ط النّجف.

(٢) عن الصقعب بن زهير ، وسليمان بن أبي راشد ، عن حميد بن مسلم ٥ / ٤٢٩. الإرشاد / ٢٣٦.

(٣) كان قد نزل الكوفة واتّخذ عند بئر الجعد من همدان داراً ، فرأى القوم يعرضون بالنّخيلة ليسرّحوا إلى الحسين (عليه السّلام) فسأل عنهم ، فقِيل له : يُسرّحون إلى الحسين بن فاطمة (عليهما السّلام) بنت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]). فقال : والله ، لقد كنت على جهاد أهل الشرك حريصاً ، وإنّي لأرجو أنْ لا يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيّهم أيسر ثواباً ، عند الله من ثوابه إيّاي في جهاد المشركين.

وكانت معه امرأة ، يُقال لها : اُمّ وهب. فدخل إلى امرأته فأخبرها بما سمع وأعلمها بما يُريد.

فقالت : أصبت ، أصاب الله بك ، أرشد أمورك ، افعل وأخرجني معك.

فخرج بها ليلاً حتّى أتى حسيناً (عليه السّلام) فأقام معه ٥ / ٤٢٩.

٢١٧

فلا أخرج إليهما. فرأ [ه] حسين (عليه السّلام) رجلاً طويلاً شديد السّاعدين ، بعيد مابين المنكبين ، فقال حسين (عليه السّلام) : «إنّي لأحسبه للأقران قتّالاً ، أخرج إنْ شئت». فخرج إليهما.

فقالا له مَن أنت؟ فانتسب لهما. فقالا : لا نعرفك ، ليخرج إلينا زهير بن القين أو حبيب بن مظاهر ، أو بُرير بن خضير.

و [كان] يسار [مولى زياد] مستنتلاً [مستعداً] أمام سالم [مولى عبيد الله بن زياد] ، فقال الكلبي [ليسار] : يابن الزانية! وبك رغبة عن مبارزة أحد من النّاس؟ وما يخرج إليك أحد من النّاس إلاّ وهو خير منك.

ثمّ شدّ عليه فضربه بسيفه حتّى برد.

[فبينما هو] مشتغل به يضربه بسيفه ، إذ شدّ عليه سالم [مولى عبيد الله] ، فصاح به [أصحاب الحسين (عليه السّلام)] قد رهقك العبد. فلمْ يأبه له حتّى غشيه فبدره الضربة ، فاتّقاه الكلبي بيده اليسرى فأطار أصابع كفّه اليسرى ، ثمّ مال عليه الكلبي فضربه حتّى قتله.

وأقبل الكلبي وقد قتلهما جميعاً ، مرتجزاً يقول :

إن تنكروني فأنا ابن كلب

حسبي بيتي في عليم حسبي

انيّ امرؤ ذو مرة وعصب (١)

ولست بالخوّار عند النّكب

اني زعيم لك امّ وهب

بالطعن فيهم مقدماً والضرب

ضرب غلام مؤمن بالربّ

فأخذت امرأته اُمّ وهب عموداً ، ثمّ أقبلت نحو زوجها ، تقول له : فداك أبي وأمّي أقاتل دون الطيّبين ذرّيّة محمّد (ص).

فأقبل إليها يردّها نحو النّساء ، فأخذت تجاذبه ثوبه ، ثمّ قالت :

إنّي لن أدعك دون أنْ أموت معك.

_________________

(١) مرّة وعصب ، أي : القوّة.

٢١٨

فناداها حسين (عليه السّلام) ، فقال : «جُزيتم من أهل بيت خيراً ، ارجعي رحمك الله إلى النّساء فاجلسي معهن ؛ فإنّه ليس على النّساء قتال».

فانصرفت إليهنّ.

[الحملة الأولى]

وحمل عمرو بن الحجّاج ـ وهو على ميمنة النّاس ـ في ميمنة [الحسين (عليه السّلام)] ، فلمّا أنْ دنا من حسين (عليه السّلام) جثوا له على الرّكب ، وأشرعوا الرّماح نحوهم فلمْ تقدم خيلهم على الرماح [و] ذهبت لترجع ، فرشقوهم بالنّبل ، فصرعوا منهم رجالاً وجرحوا منهم آخرين (١).

[كرامة وهداية]

[و] جاء رجل من بني تميم ، يُقال له : عبد الله بن حوزة حتّى وقف أمام الحسين (عليه السّلام) ، فقال :

يا حسين! يا حسين!

فقال حسين (عليه السّلام) : «ما تشاء؟».

قال : أبشر بالنّار.

قال (ع) : «كلاّ ، إنّي أقدم على ربّ رحيم ، وشفيع مطاع ، مَن هذا؟».

قال له أصحابه : هذا ابن حوزة.

قال (ع) : «ربّ حزه إلى النّار!».

فاضطرب به فرسه في جدول فوقع فيه ، وتعلّقت رجله بالركاب ووقع رأسه في الأرض ، ونفر الفرس فأخذ يمرّ به فيضرب برأسه كلّ حجر وكلّ

_________________

(١) حدّثني أبو جناب ، قال ٥ / ٤٢٩ ، والمفيد في الإرشاد / ٢٣٦ ، ط النّجف.

٢١٩

شجرة حتّى مات (١).

قال مسروق بن وائل : كنت في أوائل الخيل ممّن سار إلى الحسين (عليه السّلام) ، فقلت أكون في أوائلها لعلّي أصيب رأس الحسين (ع) ، فأصيب به منزلة عند عبيد الله بن زياد ، فلمّا انتهينا إلى حسين (عليه السّلام) تقدّم رجل من القوم ـ يُقال له : ابن حوزة ـ ، فقال أفيكم حسين (ع)؟

فسكت حسين (عليه السّلام).

فقالها ثانيةً ، فسكت.

حتّى إذا كانت الثالثة ، قال (عليه السّلام) : «قولوا : له نعم ، هذا حسين فما حاجتك؟»

قال : يا حسين ، أبشر بالنّار!

قال : (ع) «كذبت ، بل أقدم على ربّ غفور وشفيع مطاع ، فمَن أنت؟».

قال : ابن حوزة.

فرفع الحسين (عليه السّلام) يديه حتّى رأينا بياض إبطيه من فوق الثياب ، ثمّ قال : «اللهمّ ، حزه إلى النّار!».

فغضب ابن حوزة ، فذهب ليُقحم إليه الفرس وبينه وبينه نهر ، فعلّقت قدمُه بالركاب وجالت به الفرس فسقط عنها ، فانقطعت قدمه وساقه وفخذه ، وبقى جانبه معلقاً بالركاب.

[قال] عبد الجبّار بن وائل الحضرميّ : فرجع مسروق وترك الخيل من ورائه ، فسألته [عن ذلك]. فقال : لقد رأيت من أهل هذا البيت شيئاً ، لا أقاتلهم أبداً (٢).

_________________

(١) فحدّثني أبو جعفر حسين ، قال ٥ / ٤٣٠.

(٢) عن عطاء بن السّائب ، عن عبد الجبار بن وائل الحضرمي ، عن أخيه مسروق بن وائل ٥ / ٤٢١.

٢٢٠