وقعة الطّف

لوط بن يحيى الأزدي الغامدي الكوفي [ أبي مخنف ]

وقعة الطّف

المؤلف:

لوط بن يحيى الأزدي الغامدي الكوفي [ أبي مخنف ]


المحقق: الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٨٠

وأتبع جسده رأسه (١).

[و] نزل بكير بين حمران الأحمري الذي قتل مسلماً ، فقال له ابن زياد : قتلته؟ قال : نعم. قال : فما كان يقول ، وأنتم تصعدون به؟ قال : كان يكبّر ويسبّح ويتسغفر ، فلمّا أدنيته لأقتله ، قال : اللهمّ ، احكم بيننا وبين قوم كذّبونا وغرّونا وخذلونا وقتلونا. فقلت له : ادنُ منّي ، فضربته ضربة لمْ تغنِ شيئاً ، ثمّ ضربته الثانية فقتلته.

ثمّ جيء برأسه إلى ابن زياد (٢)

فقال عمر [ابن سعد] لابن زياد : أتدري ما قال لي؟ إنّه ذكر كذا وكذا.

قال له ابن زياد : إنّه لا يخونك الأمين ، ولكن قد يُؤتمن الخائن (٣) ؛ أمّا مالك ، فهو لك ولسنا نمنعك أنْ تصنع فيه ما أحببت (٤) ؛ وأمّا حسين (ع) فإنّه إنْ لمْ يردنا لمْ نرده ، وإنْ أرادنا لمْ نكفّ عنه ؛ وأمّا جثّته ، فإنّا لا نبالي إذ قتلناه ما صُنع بها (٥).

[مقتل هانئ بن عروة]

لمّا كان من أمر مسلم بن عقيل ما كان ، أبى [ابن زياد] أنْ يَفي [لمحمّد

_________________

(١) قال أبو مِخْنف : وحدّثني سعيد بن مدرك بن عمارة ٥ / ٣٧٦.

(٢) قال أبو مِخْنف : حدّثني الصقعب بن زهير ، عن عون بن أبي جحيفه ٥ / ٣٧٨.

(٣) لمّا رأى ابن سعد ، أنّ ابن زياد سأل ابن حمران عن مقالة مسلم (عليه السّلام) عند القتل ، بادر إلى إفشاء سرّ ما أوصى به ليتزلّف إليه بذلك ، فجابهه ابن زياد بوصفه بالخيانة ، وهكذا يُجازى المتزلّفون!.

(٤) يقول له : مالك ، كأنّه يجعله وارث مسلم (عليه السّلام).

(٥) أو قال : فإنّا لن نشفعك فيها ، إنّه ليس بأهل منّا لذلك ، قد جاهدنا وخالفنا وجهد على هلاكنا ٥ / ٣٧٧ في نفس رواية أبي مِخْنف ، بعبارة : وزعموا أنّه ، قال ...

١٤١

بن الأشعث بما وعده ، بأن يهب له هانئاً حذراً من عداوة قومه ؛ لأنّه هو الذي ذهب به إليه] ، فأمر بهانئ بن عروة ، فقال : أخرجوه إلى السّوق فاضربوا عنقه.

فأُخرج بهانئ ، وهو مكتوف حتّى انتهي به إلى مكان من السّوق يُباع فيه الغنم ، فجعل يقول : وامذحجاه! ولا مذحج لي اليوم! وامذحجاه! وأين منّي مذحج!

فلمّا رأى أنّ أحداً لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتّاف ، ثمّ قال : أمَا من عصا أو سكّين أو حجر أو عظم يجاحش (١) به رجل عن نفسه؟

ووثبوا إليه فشدّوه وثاقاً ، ثمّ قِيل له : أمدد عنقك.

فقال : ما أنا بها مجدٍ سخيّ ، وما أنا بمعينكم على نفسي.

[فتقدّم] مولى تركي لعبيد الله بن زياد ، يقال له رشيد (٢) ، فضربه بالسّيف فلمْ يصنع سيفه شيئاً.

وقال هانئ : إلى الله المعاد! اللّهمّ ، إلى رحمتك ورضوانك!

ثمّ ضربه أخرى فقتله (٣) [رحمة الله عليه ورضوانه ، وذهبوا برأسه إلى ابن زياد] (٤).

_________________

(١) أي : يدافع.

(٢) بصر بن عبد الرحمن بن الحصين المرادي بحازر مع عبيد الله بن زياد ، فقال النّاس : هذا قاتل هانئ بن عروة ، فحُمل عليه ابن الحصين بالرمح فطعنه ، فقتله ٥ / ٣٧٩. وفي الإرشاد / ٢١٧ ، وفي الخواص / ٢١٤.

(٣) قال أبو مِخْنف : حدّثني الصقعب بن زهير ، عن عون بن ابي جحيفة ٥ / ٣٧٨.

(٤) لمْ ينقل الطبري هنا : أنّهما جرّا بأرجلهما في السّوق ، ولكنّه بعد هذا نقل ذلك عن نفس أبي مِخْنف ، عن أبي جناب الكلبي ، عن عدي بن حرملة الأسدي ، عن عبد الله بن سليم والمذري بن المشمعل الأسديين ، عن بكير بن المثعبة الأسدي ، قال : لمْ أخرج من الكوفة حتّى قُتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة ، فرأيتهما يجرّان بأرجلهما في السّوق ٥ / ٣٩٧. وذكر الخوارزمي ٢ / ٢١٥ ، وابن شهر آشوب ٢ / ٢١٢ : أنّ ابن زياد صلبهما بالكناسة منكوسين.

١٤٢

[مَن قتل بعدهما]

ثمّ إنّ عبيد الله بن زياد لمّا قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة ، دعا بعبد الأعلى الكلبي الذي كان أخذه كثير بن شهاب في بني فتيان ، فأُتي به ، فقال له : أخبرني بأمرك؟

فقال : أصلحك الله! خرجت ؛ لأنظر ما يصنع النّاس فأخذني كثير بن شهاب.

فقال له : فعليك ، وعليك من الإيمان المغلّظة إنْ كان أخرجك إلاّ ما زعمت. فأبى أنْ يحلف.

فقال عبيد الله : انطلقوا بهذا إلى جبّانة السّبيع فاضربوا عنقه بها. فانطلقوا به فضربت عنقه.

وأخرج عمارة بن صلخب الأزدي ، وكان ممّن يُريد أن يأتي مسلم بن عقيل بالنصرة لينصره ، فأتي به عبيد الله ، فقال : له ممّن أنت؟ قال : من الأزد. قال : فانطلقوا به إلى قومه ، فضربت عنقه فيهم (١)

[حبس المختار]

فلمّا ارتفع النّهار فتح باب عبيد الله بن زياد وأذن للنّاس ، فدخل المختار فيمَن دخل ، فدعاه عبيد الله فقال له : أنت المقبل في الجموع ؛ لتنصر ابن عقيل؟ فقال له : لمْ أفعل ، ولكنّي أقبلت ونزلت تحت راية عمرو بن حريث وبتّ معه وأصبحت. فقال عمرو [بن حريث] : صدق أصلحك الله.

فرفع القضيب [ابن زياد] فاعترض به وجه المختار فخبط عينه فشترها (٢) ،

_________________

(١) ٥ / ٣٧٨. قال ابو مِخْنف : حدّثني الصقعب بن زهير ، عن عون بن أبي جحيفة.

(٢) أي : قلّب جفن عينه من الأعلى إلى الأسفل.

١٤٣

وقال : أولى لك أمَا والله ، لولا شهادة عمرو لضربت عنقك ، انطلقوا به إلى السّجن. فانطلقوا به إلى السّجن ، فحُبس فيه حتّى قُتل الحسين (عليه السّلام) (١).

[بعث الرؤوس إلى يزيد]

إنّ عبيد الله بن زياد بعث برؤوسهما مع هانئ بن أبي حيّة الوادعي [الكلبي الهمداني] والزبير بن الأروح التميمي إلى يزيد بن معاوية ، وأمر كاتبه عمرو بن نافع ، أنْ يكتب إلى يزيد بن معاوية بما كان من مسلم وهانئ ، فكتب إليه كتاب طال فيه ، فلمّا نظر فيه عبيد الله بن زياد كرهه ، وقال : ما هذا التطويل وهذه الفضول؟ اُكتب :

أمّا بعد ، فالحمد لله الذي أخذ لأمير المؤمنين بحقّه وكفاه مؤونة عدوّه ، أخبر أمير المؤمنين أكرمه الله أنّ مسلم بن عقيل لجأ إلى دار هانئ بن عروة المرادي ، وإنّي جعلت عليهما العيون ودسست إليهما الرجال وكدتهما حتّى استخرجتهما وأمكن الله منهما فقدّمتهما فضربت أعناقهما ، وقد بعثت إليك برؤوسهما مع هانئ بن أبي حيّة الهمداني والزبير بن الأروح التميمي ، وهما من أهل السّمع والطاعة والنّصيحة ، فليسألهما أمير المؤمنين عمّا أحبّ من أمر ؛ فإنّ عندهما علماً وصدقاً وفهماً وورعاً ، والسّلام.

فكتب إليه يزيد : أمّا بعد ، فإنّك لمْ تعد أنْ كنت كما أحبّ ، عملت عمل الحازم وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش ، فقد أغنيت وكفيت وصدّقت ظنّي بك ورأيي فيك ، وقد دعوت رسوليك فسألتهما وناجيتهما فوجدتهما في رأيهما وفضلهما كما ذكرت ، فاستوص بهما خيراً.

وإنّه قد بلغني أنّ الحسين بن علي توجّه نحو العراق ، فضع المناظر

_________________

(١) قال أبو مِخْنف ، قال : النّضر بن صالح ٥ / ٥٦١.

١٤٤

والمسالح (١) واحترس على الظنّ وخذ على التهمة ، غير أنْ لا تقتل إلاّ مَن قاتلك ، واكتب إليّ في كلّ ما يحدث من الخبر ، والسّلام عليك ورحمة الله (٢).

[و] كان مخرج مسلم بن عقيل بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان ليال مضين من ذي الحجّة سنة ستّين ... وكان مخرج الحسين [(عليه السّلام) من مكّة] يوم الثلاثاء ، يوم التروية في اليوم الذي خرج فيه مسلم بن عقيل (٣).

فقال عبد الله بن الزّبير الأسدي في قتلة مسلم بن عقيل وهانئاً بن عروة المرادي ، ويقال الفرزدق :

[ف] ان كنت لا تدرين ما الموت فانظري

إلى هانئ في السّوق وابن عقيل

إلى بطل قد هشّم السّيف وجهه

وآخر يهوي من طمار (٤) قتيل

أصابهما أمر الأمير فأصبحا

أحاديث من يسري بكل سبيل

ترى جسداً قد غيّر الموت لونه

ونضح دم قد سال كلّ مسيل

فتى هو أحيى من فتاة حيية

وأقطع من ذي شفرتين صقيل

أيركب أسماء (٥) الهماليج آمنا

وقد طلبته مذحج بذحول

تطيف حوإليه مراد وكلهم

على رقبة من سائل ومسول

_________________

(١) المناظر : جمع منظرة ، وهي : موضع يراقب منه العدو. والمسالح جمع : مسلحة ، وهي : محلّ رجال مسلّحين مراقبين للعدوّ ، لئلاّ يفاجأوا ، الإرشاد / ٢١٧ ، والخواص / ٢٤٥.

(٢) قال أبو مِخْنف ، عن أبي جناب يحيى بن أبي حيّة الكلبي ٥ / ٣٨٠ :

وهو أخو هانئ بن أبي حيّة ، حامل رأس مسلم وهانئ إلى يزيد ، وأخوه كأنّما يروى خبره مفتخراً بوصفه من ابن زياد بأنّ عنده علم وصدقاً وفهماً وورعاً ، وتصديق فضلهما من قبل يزيد ، وليس هذا من الكلبيين ببعيد.

(٣) قال أبو مِخْنف : حدّثني الصقعب بن زهير ، عن عون بن أبي جحيفة ٥ / ٣٧٨.

(٤) طمار القصر : أعلاه.

(٥) يعني : أسماء بن خارجة الفزاري الذي ذهب بهانئ بن عروة إلى ابن زياد. والهاليج جمع : الهملاج ، وهو : البرذون إذ يمشى الهملجة ؛ وهي ضرب من المشى ، وهي معربة من الفارسيّة ، كما في المجمع.

١٤٥

فإنْ أنتم لمْ تثأروا بأخيكم

فكونوا بغايا ارضيت بقليل (١) و (٢)

_________________

(١) قال أبو مِخْنف : حدثني الصقعب بن زهير ، عن عون بن أبي جحيفة ٥ / ٣٨١.

(٢) وروى الطبري ، عن عمّار الدهني ، عن الإمام الباقر (عليه السّلام) قال : «قال : شاعرهم في ذلك». وذكر ثلاث أبيات منها أوّلها : «فإنْ كنتِ لا تدرين ما الموت فانظري» ٥ / ٣٥٠. وهنا ذكر صدر البيت هكذا : إنْ كنت لا تدرين ، وهو كما ترى غلطاً ، يقلّ به وزن البيت. والزبير ضبطه المحقَّق : الزَّبير بفتح الزاي ، ولعلّه أخده عن ابن الأثير في الكامل ٤ / ٣٦ ، ومقاتل الطالبيّين / ١٠٨. وقال الأصفهاني بشأنه : كان من وجوه محدّثي الشيعة ، روى عنه عباد بن يعقوب الرواجني المتوفّى (٢٠٥ هـ) ونظراؤه ، ومَن هو أكبر منه ٢٩٠. ورُوى عنه : أنّه كان من أصحاب محمّد بن عبد الله بن الحسن ، ذي النّفس الزكيّة الشهيد على عهد المنصور سنة (١٤٥ هـ) ، ثمّ قال : هو أبو أبي أحمد الزبيري المحدّث ٢٩٠ وهو : محمّد بن عبد الله بن الزبير. وروى الكشّي عن عبد الرحمن بن سيابة ، قال : دفع إليّ أبو عبد الله (عليه السّلام) دنانير وأمرني أنْ أقسّمها في عيالات مَن أُصيب مع عمّه زيد فقسّمتها ، فأصاب عيال عبد الله بن الزبير الرّسان أربعة دنانير ، رقم / ٦٢١.

وروى الشيخ المفيد في الإرشاد ، عن أبي خالد الواسطي ، قال : سلّم إليّ أبو عبد الله (عليه السّلام) ألف دينار وأمرني أنْ أقسّمها في عيال مَن أصيب مع زيد ، فأصاب عيال عبد الله بن الزبير أخي فضيل الرّسان ، منها : أربعة دنانير ٢٦٩. ولعلّهما شخصان بهذا الاسم ، إذ نرى الأصفهاني بعد أنْ عدّه من وجوه محدّثي الشيعة ، نصّ في الأغاني ١٣ / ٣١ ، على أنّه : من شيعة بني أميّة وذو الهوى فيهم والتعصب والنصرة لهم على عدوّهم ، وأنّه لا يمالئ أحداً عليهم ولا على عمّالهم ، وكان عبيد الله بن زياد يصله ويُكرمه ويقضي ديونه ، ولابن الزبير فيه مدائح وكذلك في مدح أسماء بن خارجة الفزاري. الأغاني ١٣ / ٣٣ ـ ٣٧.

ذكر ذلك السيّد المقرّم (ره) في كتابه : الشهيد مسلم / ٢٠١ ، ثمّ قال : وهل لأحد أنْ يَنسب هذه الأبيات في مسلم وهانئ إلى هذا الرجل بعد علمه بنزعته الاُمّوية ومدائحه هذه فيهم؟! ثمّ رجّح نسبة الأبيات إلى الفرزدق ، وأنّه أنشأها بعد رجوعه من الحجّ سنة ستّين.

وذكر الأصفهاني الأبيات منسوبة إلى ابن الزبير الأسدي هذا ، نقلاً عن المدائني عن أبي مِخْنف عن يوسف بن يزيد.

١٤٦

[خروج الحسين [عليه السلام] من مكّة]

(١) كان مخرج الحسين (عليه السّلام) من المدينة إلى مكّة يوم الأحد ، لليلتين بقيتا من رجب سنة ستّين ، ودخل مكّة ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان ، فأقام بمكّة شعبان وشهر رمضان وشوّال وذا القعدة ، ثمّ خرج منها لثمان مضين من ذي الحجّة يوم الثلاثاء ، يوم التروية في اليوم الذي خرج فيه مسلم بن عقيل (عليه السّلام).

[ولمّا] نزل مكّة ، أقبل أهلها يختلفون إليه ويأتونه ، ومَن مكان بها من المعتمرين وأهل الآفاق.

[موقف ابن الزبير مع الإمام (عليه السّلام)]

[وكان] فيمَن يأتيه ابن الزبير ، فيأتيه اليومين المتواليين ويأتيه بين كلّ يومين مرّة ، وقد عرف أنّ أهل الحجاز لا يتابعونه ولا يبايعونه أبداً مادام حسين (عليه السّلام) بالبلد ، وأنّ حسيناً أعظم في أعينهم منه وأطوع في النّاس منه (٢).

_________________

(١) قال الطبري : وفي هذه السّنة ، سنة ستّين عُزل يزيد الوليد بن عتبة في شهر رمضان ، فأمّر عليها عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق فقدمها في شهر رمضان. وكان رجلاً عظيم الكبر مفوّهاً ٥ / ٣٤٣ وقِيل : قدمها في شهر ذي القعدة من سنة ستّين ٥ / ٣٤٦. وقال أيضاً : نُزع يزيد بن معاوية في هذه السّنة ، سنة ستّين الوليد بن عتبة عن مكّة وولاّهما عمرو بن سعيد بن العاص ، وذلك في شهر رمضان منها ، فحجّ بالنّاس عمرو بن سعيد في هذه السّنة ، وكان عامله عن مكّة والمدينة في هذه السّنة ٥ / ٣٩٩.

(٢) قال أبو مِخْنف : حدّثني عبد الرحمن بن جندب ، قال حدّثني عقبة بن سمعان مولى الرباب ابنة امرئ القيس الكلبية ، امرأة حسين (عليه السّلام) ٥ / ٣٥١.

١٤٧

فحدّثه [يوماً] ساعة ، ثمّ قال : ما أدرى ما تركنا هؤلاء القوم وكفّنا عنهم ، ونحن أبناء المهاجرين وولاة هذا الأمر دونهم! خبّرني ما تريد أنْ تصنع؟

فقال الحسين (عليه السّلام) : «والله ، لقد حدّثت نفسي بإتيان الكوفة ، ولقد كتب إليّ شيعتي بها وأشراف أهلها ، واستخير الله» (١).

فقال له ابن الزبير : أمَا لو كان لي بها مثل شيعتك ما عدلت بها!

ثمّ إنّه خشى أنْ يتّهمه ، فقال : أمَا إنّك لو أقمت بالحجاز ، ثمّ أردت هذا الأمر ها هنا ما خولف عليك إنْ شاء الله. ثمّ قام فخرج من عنده.

فقال الحسين (عليه السّلام) : «ها إنّ هذا ليس شيء يُؤتاه من الدنيا أحبّ إليه من أنْ اخرج من الحجاز إلى العراق ، وقد علم أنّه ليس له من الأمر معي شيء ، وأنّ النّاس لا يعدلوه بي ، فودّ أنّي خرجت منها لتخلو له». (٢) (٣)

[محادثة ابن عبّاس]

[و] لمّا أجمع المسير إلى الكوفة أتاه عبد الله بن عبّاس ، فقال : يابن عمّ ، قد أرجف النّاس أنّك سائر إلى العراق ، فبيّن لي ما أنت صانع؟ قال (ع) : «إنّي قد أجمعت المسير في أحد يوميّ هذين (٤) إنْ شاء الله تعالى».

_________________

(١) الاستخارة هنا بمعناها اللغوي ، أي : طلب الخير ، وليس بالمعنى المصطلح عليه المتأخّر.

(٢) قال أبو مِخْنف : وحدّثني الحارث بن كعب الوالبي عن عقبة بن سمعان ٥ / ٣٨٣.

(٣) غير خافٍ على الإمام (عليه السّلام) نفسيّات القوم وما شيبت به من الغدر والنفاق ، ولكن لا تسعه المصارحة بما عنده من العلم بمصير أمره لكلّ مَن قابله ، إذ لا كلّ ما يُعلم يُقال لا سيّما بعد تفاوت المراتب واختلاف الأوعية سعةً وضيقاً ؛ فكان يُجيب كلّ واحد بما يسعه ظرفه وتتحمله معرفته. والملاحظ هنا : أنّ ابن الزبير غير مخالف لقيام الإمام (عليه السّلام) ، بل هو مرغّب للامام فيه ، وإنّما كلامه في زمانه ومكانه.

(٤) وبما أنّ خروجه (عليه السّلام) من مكّة كان في يوم التروية بعد الظهر ، والنّاس رائحين إلى منى :

١٤٨

فقال له ابن عبّاس : فإنّي أعيذك بالله من ذلك ، أخبرني رحمك الله أتسير

_________________

٥ / ٣٨٥ يُعلم أنّ هذه المحادثة بينه (عليه السّلام) وابن عبّاس كانت في يوم السادس من ذي الحجّة ، وإنّ إرجاف النّاس وشيوع الخبر فيهم بذلك كان على الأكثر منذ يومين من قبل ذلك ـ أي : منذ اليوم الرابع من ذي الحجّة ـ. وأمّا قبل ذلك فلا شيء يدلّ على هذا ، فما الذي حدث في هذه الأيّام بعد بقائه بمكّة أربعة أشهر ممّا جعله يخرج يوم التروية قبل تمام الحجّ؟ وكان مسلم (عليه السّلام) قد أرسل الكتاب قبل سبع وعشرين يوماً من مقتله ـ أي : في العشرين من ذي القعدة ـ ومدّة وصول الكتاب إذ ذاك عشرة أيّام تقريباً ، وعلى هذا يكون الكتاب قد وصل إليه (عليه السّلام) في أواخر ذي القعدة أو أوائل ذي الحجّة ، ولكن ذلك لا يكفي لعدم إتمام الحجّ في أربعة أيّام.

ونجد الفرزدق الشاعر قد سأل الإمام (عليه السّلام) عن هذا ، إذ قال له : ما أعجلك عن الحجّ؟ فقال (عليه السّلام) : «لو لمْ أعجّل لأُخذت» ٥ / ٣٨٦ ؛ ولذلك قال الشيخ المفيد (قده) : لمّا أراد الحسين (عليه السّلام) التوجّه إلى العراق طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ، وأحلّ من إحرامه وجعلها عمرة ؛ لأنّه لمْ يتمكّن من تمام الحجّ ، مخافة أنْ يُقبض عليه بمكّة فيُنفذ به إلى يزيد بن معاوية ، فخرج (عليه السّلام) مبادراً. الإرشاد / ٢١٨.

وروى معاوية بن عمّار عن الإمام الصادق (عليه السّلام) ، قال : «وقد اعتمر الحسين في ذي الحجّة ، ثمّ راح يوم التروية إلى العراق والنّاس يروحون إلى منى ، ولا بأس بالعمرة في ذي الحجّة لمَن لا يُريد الحجّ». وروى إبراهيم بن عمر اليماني ، أنّه سأل الصادق (عليه السّلام) عن رجل خرج في أشهر الحجّ معتمراً ، ثمّ خرج إلى بلاده؟ قال (ع) : «لا بأس». إلى أنْ قال (ع) : «وإنّ الحسين بن علي (عليه السّلام) خرج يوم التروية إلى العراق ، وكان معتمراً». الوسائل ١٠ / ٢٤٦.

ولهذا قال الشيخ التستري : إنّهم جدّوا في إلقاء القبض عليه أو قتله غيلةً ، ولو وُجد متعلقاً بأستار الكعبة! فالتزم بأنْ يجعل إحرامه عمرةً مفردةً وترك التمتع بالحجّ. الخصائص / ٣٢ ، ط تبريز.

ونجد الشيخ الطبرسي في أعلام الورى ، في الفصل الخاص بأخبار مسيرة الإمام (عليه السّلام) ومقتله ، ينقل نفس الفصل الخاص في إرشاد الشيخ المفيد (قده) تقريباً بدون تصريح بذلك ، وفيه ينقل ما ذكره الشيخ المفيد إلاّ أنّه يغيّر كلمة : (تمام الحجّ) إلى : (إتمام الحجّ) وهذا خطأ ، ولعلّه من النسّاخ لمَا بينهما من الفرق الواضح ، إذ أنّ كلمة الإتمام تُفيد : أنّه (عليه السّلام) قد تلبّس بإحرام الحجّ ، دون كلمة : (تمام الحجّ).

ولعلّ نُسخ الإرشاد تختلف ، فقد نقل الشيخ القرشي كلام الشيخ المفيد كما نقله الطبرسي : (إتمام الحجّ) ٣ / ٥٠ عن الإرشاد / ٢٤٣ ، ونحن نجد الكلمة في [الصفحة] / ٢١٨ ، من الإرشاد في الطبعة الحيدريّة : (تمام الحجّ) ، وهو الصحيح.

١٤٩

إلى قوم قد قتلوا أميرهم ، وضبطوا بلادهم ونفوا عدوّهم؟ فإنْ كانوا قد فعلوا ذلك فسر إليهم ، وإنْ كانوا إنّما دعوك إليهم وأميرهم عليهم قاهر لهم وعمّاله تجبى بلادهم ؛ فإنّهم إنّما دعوك إلى الحرب والقتال ، ولا آمن عليك أنْ يغرّوك ويكذبوك ، ويخالفوك ويخذلوك ، وأنْ يستنفروا إليك فيكونوا أشدّ النّاس عليك.

فقال له حسين (عليه السّلام) : «وإنّي أستخير الله (١) وأنظر ما يكون» (٢) (٣).

[محادثة ابن عبّاس ثانيةً]

فلمّا كان من العشي أو من الغد أتى عبد الله بن العبّاس ، فقال : يابن عمّ إنّي أتصبّر وما أصبر ، إنّي أخاف عليك في هذا الوجه الهلاك والاستئصال ، إنّ العراق قوم غدر فلا تقربنّهم ، أقم بهذا البلد ؛ فإنّك سيّد أهل الحجاز فإنْ كان أهل العراق يُريدونك كما زعموا ، فاكتب إليهم فلينفوا عدوّهم ثمّ أقدم عليهم ، فإنْ أبيت إلاّ أنْ تخرج فسر إلى اليمن ؛ فإنّ بها حصوناً وشعاباً ، وهي أرض عريضة طويلة وتبثّ دعاتك ، فإنّي أرجو أنْ يأتيك عند ذلك الذي تُحبّ في عافية.

فقال له الحسين (عليه السّلام) : «يابن عم ، إنّي والله ، لأعلم أنّك ناصح ... (٤)

_________________

(١) الاستخارة هنا بمعناها اللغوي ، أي : طلب الخير ، وليس بالمعنى المصطلح عليه المتأخر ، كما سبق.

(٢) قال أبو مِخْنف : وحدّثني الحارث بن كعب الوالبي عن عقبة بن سمعان ٥ / ٣٨٣.

(٣) والملاحظ هنا : أنّ ابن عبّاس غير مخالف لقيام الإمام (عليه السّلام) ، وإنّما يُشكّك للإمام في توفّر الأرضيّة اللازمة لذلك ، والإمام (عليه السّلام) لا يردّه في ذلك طبعاً.

(٤) النصح هنا بمعنى : الإخلاص ، وليس بمعنى : الوعظ والإرشاد ، فهو المعنى الحادث أخيراً للكلمة وليس معناها الأصيل. فالإمام (عليه السّلام) يقول : إنّه يعلم أنّه يقول ما يقوله عن إخلاص وشفقة وعاطفة ومودّة ، فهو لا يخالف الإمام (عليه السّلام) في قيامه ، وإنّما يُشكّك في توفر الأرضيّة اللازمة له ، والإمام (عليه السّلام) لا يردّه في هذا ، بل يقول إنّه عازم على القيام مع ذلك ؛ وذلك لما يرى من لزومه وضرورته لحياة الشريعة المقدسة.

١٥٠

... مشفق ، ولكنّي أزمعت وأجمعت على المسير».

فقال له ابن عبّاس : فإنْ كنت سائراً ، فلا تسر بنسائك وصبيتك فوالله ، إنّي لخائف أنْ تُقتل ... (١).

[محادثة عمر بن عبد الرحمن المخزومي]

قال عمر بن عبد الرحمن بن الحرّث بن هشام المخزومي (٢) : لمّا تهيّأ الحسين (عليه السّلام) للمسير إلى العراق أتيته فدخلت عليه فحمدت الله وأثنيت عليه ، ثمّ قلت : أمّا بعد ، فإنّي أتيتك يابن عمّ لحجّة أريد ذكرها نصيحةً ، فإنْ كنت ترى أنّك تستنصحني ، وإلاّ كففت عمّا أريد أنْ أقول.

فقال [الحسين (عليه السّلام)] : «قل فوالله ، ما أظنّك بسيّء الرأي ولا هوٍ (٣) للقبيح من الأمر والفعل».

قال : أنّه قد بلغني أنّك تريد المسير إلى العراق ، وإنّي مشفق عليك من مسيرك ، أنّك تأتي بلداً فيه عمّاله وامرؤه ومعهم بيوت الأموال ، وإنّما النّاس عبيد لهذا الدرهم والدينار ، ولا آمن عليك أنْ يُقاتلك مَن وعدك نصره ، ومَن أنت أحبّ إليه ممّن يُقاتلك معه.

فقال الحسين (عليه السّلام) : «جزاك الله خيراً بابن عم ، فقد والله ، علمت أنّك مشيت بنصح وتكلّمت بعقل ، ومهما يقضِ من أمر يكن ، أخذت

_________________

(١) قال أبو مِخْنف : حدّثني الحرّث بن كعب الوالبي ، عن عقبة بن سمعان ٥ / ٣٨٣.

(٢) هو الذي ولاّه ابن الزبير الكوفة على عهد المختار سنة (٦٦ هـ) ، فبعث إليه المختار زائدة بن قدامة الثقفي في خمسمئة رجل ومعه سبعين ألف درهم ؛ ليردّ المختار بالدراهم وإلاّ فيُقاتله بالرجال ، فقبل الدراهم وذهب إلى البصرة ٦ / ٧١ ، وما يحدّث به من ثناء الإمام (عليه السّلام) له فإنّما هو بنقله ، وجدّه الحرّث بن هشام أخوتي جهل بن هشام عدوّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، وذكرناه في المقدمة.

(٣) هَوٍ ، أي : هاويا من الهوى ؛ أي : مريداً للقبيح.

١٥١

برأيك أو تركته ، فأنت عندي أحمد مشير وأنصح ناصح» (١).

[محادثة ابن الزبير مع الإمام الأخيرة]

[وقال] عبد الله بن سليم [الأسدي] والمُذري بن المُشمَعلّ [الأسدي] قدمنا مكّة حاجّين فدخلنا يوم التروية ، فإذا نحن بالحسين (عليه السّلام) وعبد الله بن الزبير قائمين عند ارتفاع الضحى فيما بين الحجر والباب ، فتقرّبنا منهما فسمعنا ابن الزبير ، وهو يقول للحسين (عليه السّلام) : إنْ شئت أنْ تُقيم أقمت ، فوليت هذا الأمر فآزرناك وساعدناك ونصحنا لك وبايعناك.

فقال له الحسين (عليه السّلام) : «إنّ أبي حدّثني : أنّ بها كبشاً يستحلّ حرمتها ، فما أحبّ أنْ أكون أنا ذلك الكبش» (٢) و (٣).

فقال له الزبير : إليّ يابن فاطمة. فأصغى إليه فسارّه ، ثمّ التفت إلينا الحسين (عليه السّلام) فقال :

«أتدرون ما يقول ابن الزبير؟».

فقلنا : لاندري ، جعلنا الله فداك.

فقال (ع) : «قال : أقمْ في هذا المسجد ، أجمع لك النّاس».

ثمّ قال الحسين (عليه السّلام) : «والله ، لئن أقتل خارجاً منها بشبر أحبّ إليّ من أنْ أقتل داخلاً منها بشبر ؛ وأيمْ الله ، لو كنت في جحر هامّة من هذه الهوام لاستخرجوني حتّى يقضوا فيّ حاجتهم ، والله ، ليعتدنّ عليّ كما اعتدت اليهود في

_________________

(١) ٥ / ٣٨٢. قال هشامعن أبي مِخْنف : حدثنى الصقعب بن زهير ، عن عمر بن عبد الرحمن.

(٢) قال أبو مِخْنف : قال ، أبو جناب يحيى بن أبي حيّة ، عن عدي بن حرملة الأسدي عن عبد الله ٥ / ٣٨٤.

(٣) الكبش : الذّكر من الغنم الذي يتقدّم القطيع غالباً ؛ ولذلك شُبّه به : القوّاد. وبهذا الحديث ذكر الإمام (عليه السّلام) ابن الزبير ـ لو كانت تنفعه الذكرى ـ فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين.

١٥٢

السّبت» (١) و (٢).

[موقف عمرو بن سعيد الأشدق]

[و] لمّا خرج الحسين (عليه السّلام) من مكّة اعترضه رُسل عمرو بن سعيد بن العاص (٣) عليهم يحيى بن سعيد (٤).

_________________

(١) قال أبو مِخْنف : عن أبي سعيد عقيصا عن بعض أصحابه قال ٥ / ٣٨ ٥.

(٢) هذا هو خير جواب موجز أجاب به الإمام (عليه السّلام) كلّ السّئلة المطروحة ، بأنّه مطلوب أينما كان وليعتدنّ عليه ، فليخرج من مكّة لئلا يكون الكبش الذي ذكره له والده أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، ولذلك خرج منها هارباً بنفسه وأهله لئلا تُستحلّ به حرمتها. وإذا خرج من مكّة فخيرٌ له أنْ يمضي في قضاء حجّة شيعته من أهل الكوفة إتماماً للحجّة عليهم : لئلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ * ولا يقول أحد : لوْ لا أَرْسَلْتَ إلينا رَسُولاً ًـ وأقمت لنا علماً هادياً ـ فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ. وإنْ لمْ يذهب إلى الكوفة فإلى أين يتوجّه؟ وقد ضاقت عليه الأرض بما رحبت!

(٣) لمّا ولي عمرو بن سعيد المدينة دعا عبيد الله بن أبي رافع ، وكان يكتب لعلي بن أبي طالب (ع) ، فقال : مَن مولاك؟ فقال : رسول الله (صلّى الله عليه وآله). وكان أبو رافع لأبي أحيحة سعيد بن العاص الأكبر فورثه بنوه فأعتق ثلاثة منهم نصيبهم منه وقُتلوا يوم بدر جميعاً ، ووهب خالد بن سعيد نصيبه منه لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) فأعتقه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فضربه مئة سوط ، وقال : مولى مَن أنت؟ قال مولى رسول الله (ص). فضربه مئة سوط ، فلمْ يزل يفعل به ذلك كلّما سأله مولى مَن أنت؟ قال مولى رسول الله حتّى ضربه خمسمئة سوط ، ثمّ قال : مولى مَن أنت؟ قال : مولاكم. فلمّا قُتل عبد الملك عمرو بن سعيد ، قال عبيد الله بن ابي رافع شعراً يشكر قاتله ٣ / ١٧٠.

وهو الذي حارب ابن الزبير ٥ / ٣٤٣ ، وضرب بالمدينة كلّ من كان يهوي هوى ابن الزبير ، منهم محمّد بن عمار بن ياسر ، ضربهم الأربعين إلى الخمسين إلى السّتّين ٥ / ٣٤٤ ، واستبشر حين بلغه خبر قتل الحسين (عليه السّلام). ولمّا سمع واعية نساء بني هاشم عليه ، قال : هذه واعية بواعية ، عثمان بن عفّان. ثمّ سعد المنبر فأعلم الخبر ٥ / ٤٦٦ ، وأعلم يزيد أنّ عمرو بن سعيد يترفق بابن الزبير ولا يتشدّد عليه ، فعزله لأوّل ذي الحجّة سنة (٦١ هـ) ٥ / ٤٧٧ ، فقدم على يزيد واعتذر إليه ٥ / ٤٧٩ وكان أبوه سعيد بن العاص والي المدينة لمعاوية ٥ / ٢٤١.

(٤) أخو عمرو بن سعيد ، نصره يوم قتله في قصر عبد الملك بالشام مع ألف ممّن تبعه من رجاله ومواليه وعبيده ، فهُزموا وحبس ، ثمّ أُطلق فلحق بابن الزبير ٦ / ١٤٣ ـ ١٤٧ ، ثمّ ذهب إلى الكوفة

١٥٣

فقالوا له : انصرف ، أين تذهب؟ فأبى عليهم.

وتدافع الفريقان فاضطربوا بالسّياط ، ومضى الحسين (عليه السّلام) على وجهه.

فنادوه : يا حسين ، ألاَ تتّقي الله ، تخرج من الجماعة وتفرّق بين هذه الاُمة!

فتأوّل حسين (عليه السّلام) قول الله عزّ وجلّ : (لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) (١) و (٢)

قال علي بن الحسين بن علي (عليهما السّلام) : «لمّا خرجنا من مكّة كتب عبد الله بن جعفر ابن أبي طالب (٣) إلى الحسين بن علي (عليه السّلام) مع ابنيه عون ومحمّد (٤) :

أمّا بعد ، فإنّي أسألك بالله لمّا انصرفت حين تنظر في كتابي ؛ فإنّي مشفق عليك من الوجه الذي تتوجّه له أنْ يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك ، إنْ هلكت اليوم طفيء نور الأرض ؛ فإنّك علم المهتدين ورجاء المؤمنين ، فلا تعجل بالسّير ، فإنّي في أثر الكتاب ، والسّلام».

_________________

فلجاً إلى أخواله الجُعفيين ، فلمّا دخل عبد الملك الكوفة وبايعوه بايعه واستأمن ٦ / ١٦٢.

(١) سورة يونس / ٤١.

(٢) ٥ / ٣٨ ٥. قال أبو مِخْنف : حدثنى الحرّث بن كعب الوالبي ، عن عقبة بن سمعان ، قال ...

(٣) كان مع أمير المؤمنين (عليه السّلام) في الجمل وأعأنّه على حمل عائشة إلى المدينة ٤ / ٥ ١٠ وكان ممّن يستشيرهم أمير المؤمنين (عليه السّلام) بالكوفة ، وهو الذي أشار إليه بتولية محمّد بن أبي بكر مصراً ، وهو أخوه لاُمّه ٤ / ٥ ٥ ٤. وكان معه في صفّين يتقدم عليه مفاداً له ٥ / ١٤٨. وكان مع الحسن (عليه السّلام) في نهضته ٥ / ١٦٠ ورجع معهما إلى المدينة ٥ / ١٦ ٥. وكان ولداه : محمّد وعون مع الحسين (عليه السّلام) ، فلمّا بلغه مقتلهم ، قال : والله ، لو شهدته لأحببت ألاّ أفارقه حتّى أُقتل معه ٥ / ٤٦٦.

(٤) قُتلا مع الحسين (عليه السّلام) ؛ أمّا عون ، فاُمّه : جمانة بنت المسيّب بن نحببته الفزارى الذي كان من زعماء التوابين ؛ وأما محمّد ، فاُمّه : الخوصاء بنت خصفة بن ثقيف من بكر بن وائل ٥ / ٤٦٩.

١٥٤

وقام عبد الله بن جعفر إلى عمرو بن سعيد بن العاص فكلّمه ، وقال : اكتب إلى الحسين (عليه السّلام) كتاباً تجعل له فيه الأمان ، وتمنّيه فيه البرّ والصلة وتوثّق له في كتابك ، وتسأله الرجوع ، لعلّه يطمئن إلى ذلك فيرجع ، وابعث به مع أخيك يحيى بن سعيد ؛ فإنّه أحرى أنْ تطمئن نفسه إليه ويعلم أنّه الجدّ منك.

فقال عمرو بن سعيد : أكتب ما شئت واتني به حتّى أختمه ، فكتب عبد الله بن جعفر الكتاب :

بسم الله الرحمن الرحيم ، من عمرو بن سعيد إلى الحسين بن علي (ع) ، أمّا بعد : فإنّي أسأل الله أنْ يصرفك عمّا يوبقك وأنْ يهديك لما يرشدك ، بلغني أنّك قد توجّهت إلى العراق ، وإنّي أعيذك من الشقاق ؛ فإنّي أخاف عليك فيه الهلاك ، وقد بعثت إليك عبد الله بن جعفر ويحيى بن سعيد ، فأقبل إليّ معهما فإنّ لك عندي الأمان والصلة والبرّ وحسن الجوار ، لك الله بذلك شهيد وكفيل ، ومراع ووكيل ، والسّلام عليك.

ثمّ أتى به عمرو بن سعيد ، فقال له : اختمه ، ففعل فلحقه عبد الله بن جعفر ويحيى [بن سعيد] ، فأقرأه يحيى الكتاب ، وكتب إليه الحسين (عليه السّلام) :

«أمّا بعد : فإنّه لمْ يشقاقق الله ورسوله مَن دعا إلى الله عزّ وجل وعمل صاحلاً ، وقال إنني من المسلمين ؛ وقد دعوت إلىّ الأمان والبرّ والصلة ، فخير الأمان أمان الله ، ولن يؤمّن الله يوم القيامة مَن لمْ يخفه في الدنيا ، فنسأل الله مخافةً في الدنيا تُوجب لنا أمأنّه يوم القيامة ، فإنْ كنت نويت بالكتاب صلتي وبرّي ، فجُزيت خيراً في الدنيا والآخرة ، والسّلام».

ثمّ انصرفا [إلى عمرو بن سعيد] فقالا : أقرأنّه الكتاب وجهدنا به ، وكان ممّا اعتذر إلينا أنْ قال : «إنّي رأيت رؤياً فيها رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) وأُمرت فيها بأمر أنا ماضٍ له ، عليّ كان أولي» ، فقالا له : فما تلك

١٥٥

الرؤيا؟ قال (ع) : «ما حدّثت بها أحداً وما أنا محدّث بها حتّى ألقى ربّي!» (١) و (٢).

_________________

(١) قال أبو مِخْنف : حدثنى الحرّث بن كعب الوالبي ، عن علي بن الحسين (ع) ، قال ٥ / ٣٨٨.

(٢) لمْ يسع الإمام (عليه السّلام) المصارحة بما عنده من العلم بمصير أمره لكلّ من قابله ، إذ لا كلّ ما يُعلم يُقال ، ولا سيما بعد تفاوت المراتب واختلاف الأوعية والظروف سعةً وضيقاً ، فكان (عليه السّلام) يُجيب كلّ واحد بما يسعه ظرفه وتتحمله معرفته. وقد أشار الإمام (عليه السّلام) لهؤلاء إلى الجواب الواقعي بقوله : «لمْ يُشاقق الله ورسوله مَن دعا إلى الله وعمل صالحاً ... وخير الأمان أمان الله ، ولن يؤمّن الله يوم القيامة مَن لمْ يخفه في الدنيا ، فنسأل الله مخافةً في الدنيا تُوجب لنا أمأنّه يوم القيامة». ولكن حيث لمْ يقتنع هؤلاء لهذه الإجابة أجابهم ، بأنّه مأمور بأمر في رؤيا رأى فيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، ثمّ لمْ يُحدّثهم بها بل قال : «وما أنا محدّث بها حتّى ألقى ربّي».

ولعلّ أحمد بن الأعثم الكوفي المتوفي (٣١٠ هـ). من هنا حدّث بحديث رؤياه (عليه السّلام) على قبر جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بالمدينة ، ولكنّه من أين؟ وقد قال الإمام (عليه السّلام) أنّه غير محدّث بها حتّى يلقى ربّه ، فهذا ما عهدته عليه ، والله أعلم به.

١٥٦

[منازل الطريق]

[التنعيم] (١)

ثمّ إنّ الحسين (عليه السّلام) أقبل حتّى مرّ بالتنعيم ، فلقى بها عيراً قد بعث بها بحير بن ريسان الحميري (٢) إلى يزيد بن معاوية ، وكان عامله على اليمن وعلى العير : الورس (٣) والحلل ينطلق بها إلى يزيد فأخذها الحسين (عليه السّلام) فانطلق بها.

ثمّ قال (ع) لأصحاب الإبل : «لا أكرهكم ، مَن أحبّ أنْ يمضي معنا إلى العراق أوفينا كراءه وأحسنّا صحبته ، ومَن أحبّ أنْ يفارقنا من مكاننا هذا أعطيناه من الكراء على قدر ما قطع من الأرض».

فمَن فارقه ، منهم حُوسب فأوفى حقّه ومَن مضى منهم معه أعطاه كراءه وكساه (٤).

_________________

(١) موضع : على فرسخين من مكّة ، كما في معجم البلدان ٢ / ٤١٦ عن يمينه جبل ، اسمه : نعيم وعن شماله آخر ، اسمه : ناعم. والوادي : نعيمان ، وبه مسجد ، وهو أدنى المواقيت وأدنى الحلّ للحرم ، وهو اليوم عن مركز مكّة ستّ كيلو مترات ، فهو فرسخ لا فرسخين ، متصل بالبلد في بدايته للداخل إليه من طريق المدينة وجدّة.

(٢) كأنّه كان ينظر في النّجوم فتطيّر لعبد الله بن مطيع العدوي ، لمّا بعثه ابن الزبير والياً على الكوفة ٦ / ٩. وكان طاووس اليماني المعروف مولاه ، فمات طاووس بمكّة سنة (١٠ ٥ هـ) ٦ / ٢٩.

(٣) الورس : نبات ، كالسّمسم يصبغ به ويتخذ منه الغمرة ، وليس إلاّ باليمن.

(٤) قال أبو مِخْنف : حدّثني الحرّث بن كعب الوالبي ، عن عقبة بن سمعان ٥ / ٣٨ ٥.

١٥٧

[الصفاح] (١)

عن عبد الله بن سليم [الأسدي] والمذري [بن المُشمَعلّ الأسدي] قالا : أقبلنا حتّى انتهينا إلى الصفاح فلقينا الفرزدق بن غالب الشاعر (٢). فواقف حسيناً (عليه السّلام) ، فقال له : أعطاك الله سؤلك وأمّلك فيما تحبّه.

فقال له الحسين (عليه السّلام) : «بيّن لنا نبأ النّاس خلفك».

فقال له الفرزدق : من الخبير سألت ، قلوب النّاس معك وسيوفهم مع بني اُميّة والقضاء ينزل من السّماء ، والله ، يفعل ما يشاء.

فقال له الحسين (عليه السّلام) : «صدقت لله الأمر ، والله يفعل ما يشاء ، وكل يوم ربّنا في شأن ، إنْ نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه ، وهو المستعان على أداء الشكر ، وإنْ حال القضاء دون الرجاء ، فلمْ يعتدّ مَن كان الحقّ نيّته والتقوى سريرته».

_________________

(١) الصفاح : بين حنين وأنصاب الحرّم ، يسرة الداخل إلى مكّة.

(٢) هو : همام بن غالب بن صعصعة ، وعمّاه : ذهيل والزحاف ، كانا في ديوان زياد بن سميّة في البصرة على ألفين ألفين ، وهجا بني نهشل وفقيم فاستعدّوه عند زياد فطلبه فهرب. فكان إذا نزل زياد البصرة نزل هو الكوفة ، وإذا نزل زياد الكوفة نزل الفرزدق البصرة. وكان زياد ينزل البصرة ستّة أشهر والكوفة ستّة أشهر ، ثمّ ذهب إلى الحجاز فلمْ يزل بمكّة والمدينة لاجئاً من زياد إلى سعيد بن العاص حتّى هلك زياد ٥ / ٢٤٢ ـ ٢ ٥ ٠ ، فهجاه وهجا راثيه ، يقول :

بكيت امرءاً من آل سفيان كافرا

ككسرى على عدوأنّه أو كقيصرا

٥ / ٢٩٠

ثمّ رجع إلى البصرة ، فكان بها وحجّ سنة ستّين باُمّه ؛ ولذلك لمْ يصحب الحسين (عليه السّلام) ٥ / ٣٨٦ ونظم الشعر للحجّاج ٦ / ٣٨٠ ـ ٣٩٤. وكان في بلاط سليمان بن عبد الملك ٥ / ٥ ٤٨. وكان حيّاً إلى سنة (١٠٢ هـ) ٦ / ٦١٦. وكان في هجائه لبني نهشل شابّاً ، بل غلاماً حدثاً أعرابيّاً نزل البادية ٥ / ٢٤٢ ، فيكون في لقائه الإمام (عليه السّلام) على أقلّ من ثلاثين سنة.

١٥٨

ثمّ حرّك الحسين (عليه السّلام) راحلته ، فقال : «السّلام عليك». ثمّ افترقا (١) (٢).

ولمّا بلغ عبيد الله [ابن زياد] إقبال الحسين (عليه السّلام) من مكّة إلى الكوفة ، بعث الحصبن بن تميم [التميمي] صاحب شرطته حتّى نزل القادسيّة ونظّم الخيل ما بين القادسيّة (٣) إلى خفّان (٤) ، وما بين القادسيّة إلى القطقطانة (٥) وإلى لعلع (٦).

[الحاجر] (٧)

[و] أقبل الحسين (عليه السّلام) حتّى إذا بلغ الحاجر من بطن الرمّة بعث

_________________

(١) قال أبو مِخْنف ، عن أبي جناب ، عن عدي بن حرملة ، عن عبد الله بن سليم ٥ / ٣٨٦ : وهذا لا يتّفق مع ما يأتي عنهما ، أنّهما يقولان لحقناه بزرود ، وهو بعد الصفاح إلى الكوفة بعدّة منازل ، اللهمّ ، إلاّ أنْ يكون قولهما : أقبلنا حتّى انتهينا ، أي : أقبلنا من الكوفة حتّى انتهينا إلى الصفاح في دخولهما إلى مكّة ، ثمّ بعد قضاء المناسك لحقا به (عليه السّلام) بزرود.

(٢) قال الطبري : قال هشام ، عن عوانة بن الحكم ، عن لبطة بن الفرزدق بن غالب ، عن أبيه ، قال : حججت في سنة ستّين [و] دخلت الحرّم في أيّام الحجّ ، إذ لقيت الحسين بن علي (ع) خارجاً من مكّة ، فأتيته ، فقلت : بأبي أنت وأمّي يابن رسول الله ، ما أعجلك عن الحجّ؟ فقال (ع) : «لو لم أعجل لأخذت». قال ، ثمّ سألني (ع) : «ممّن أنت؟». فقلت له : امرؤ من العراق ، فولله ، ما فتشني أكثر من ذلك. فقال (ع) : «أخبرني عن النّاس خلفك». فقلت له : القلوب معك والسّيوف مع بني اُميّة ، والقضاء بيد الله. فقال (ع) لي : «صدقت». فسألته عن أشياء من نذور ومناسك ، فأخبرني بها ٥ / ٣٨٦.

(٣) بينها وبين الكوفة خمسة عشر فرسخاً ، وبينها وبين العذيب أربعة أميال ، وتسمّى : الديوانية. وكانت أوّل مدينة كبيرة من العراق إلى بادية الحجاز ، وفيها أولى فتوحات العراق : وقعة القادسيّة ، بقيادة سعد بن أبي وقّاص.

(٤) قرية قرب الكوفة فيها عين لبني العبّاس ، كما في معجم البلدان ٣ / ٤ ٥ ١.

(٥) القطقطانة : تبعد عن الرهيمة إلى الكوفة نيفاً وعشرين ميلاً ٧ / ١٢ ٥. وقال اليعقوبي : إنّ خبر مقتل مسلم أتى الإمام ، وهو بالقطقطانة ٢ / ٢٣٠.

(٦) قال أبو مِخْنف : حدّثني يونس بن أبي إسحاق السّبيعي ٥ / ٣٩٤.

(٧) واد بعالية نجد. وبطن الرّمة : منزل يجتمع فيه أهل الكوفة والبصرة إذا أرادوا المدينة ، كما في

١٥٩

قيس بن مسهر الصيداوي إلى أهل الكوفة ، وكتب معه إليهم :

«بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى إخوأنّه من المؤمنين والمسلمين. سلام عليكم : فإنّي أحمد إليكم الله الذي لا إله إلاّ هو ، أمّا بعد ، فإنّ كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبرني فيه بحسن رأيكم ، واجتماع ملئكم على نصرنا والطلب بحقّنا ، فسالت الله أنْ يحسن لنا الصنع ، وأنْ يُثيبكم على ذلك أعظم الأجر ، وقد شخصت إليكم من مكّة يوم الثلاثاء ، لثمان مضين من ذي الحجّة يوم التروية ، فإذا قدم عليكم رسولي فاكمشوا أمركم وجدّوا ، فإنّي قادم عليكم في أيّامي هذه أنْ شاء الله. والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته».

وأقبل قيس بن مسهر الصيداوي إلى الكوفة بكتاب الحسين (عليه السّلام) حتّى إذا انتهى إلى القادسيّة ، أخذه الحصين بن تميم فبعث به إلى عبيد الله بن زياد. فقال له عبيد الله : اصعد إلى القصر فسبّ الكذّاب ابن الكذّاب.

فصعد ، ثمّ قال : أيّها النّاس ، إنّ هذا الحسين بن علي (ع) خير خلق الله ابن فاطمة بنت رسول الله (صلوات الله عليهما) ، وأنا رسوله إليكم ، وقد فارقته بالحاجر فأجيبوه ، ثمّ لعن عبيد الله بن زياد وأباه واستغفر لعليّ بن أبي طالب (ع).

فأمر به عبيد الله بن زياد أنْ يرمى به من فوق القصر ، فرمي به فتقطّع فمات [رحمه الله] (١).

[ماء من مياه العرب]

ثمّ أقبل الحسين (عليه السّلام) سيراً إلى الكوفة فانتهى إلى ماء من مياه

_________________

معجم البلدان ٤ / ٢٩٠ ، وتاج العروس ٣ / ١٣٩.

(١) قال أبو مِخْنف : وحدّثني محمّد بن قيس ٥ / ٣٩٤. والإرشاد / ٢٢٠. وخلط خبره بخبر عبد الله بن يقطر ، وذكره في تذكرة الخواص / ٢٤ ٥ ، ط النّجف.

١٦٠