وقعة الطّف

لوط بن يحيى الأزدي الغامدي الكوفي [ أبي مخنف ]

وقعة الطّف

المؤلف:

لوط بن يحيى الأزدي الغامدي الكوفي [ أبي مخنف ]


المحقق: الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٨٠

[فخرج] فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال :

أمّا بعد ، فاتّقوا الله عباد الله ولا تسارعوا إلى الفتنة والفرقة ، فإنّ فيهما يهلك الرجال وتسفك الدماء ، وتغصب الأموال ... إنّي لمْ أقاتل مَن لمْ يُقاتلني ولا أثب على مَن لا يثب عليّ ، ولا أشاتمكم ولا أتحرّش بكم ، ولا آخذ بالقذف ولا الظنّة ولا التهمة ، ولكنّكم إنْ أبديتم صفحتكم لي ونكثتم بيعتكم وخالفتم إمامكم ، فوالله ، الذي لا إله غيره لأضربنّكم بسيفي ما ثبت قائمة في يدي ، ولو لمْ يكن لي منكم ناصراً أمَا إنّي أرجو أنْ يكون مَن يعرف الحقّ منكم أكثر ممّن يرديه الباطل.

فقام إليه عبد الله بن مسلم بن سعيد الحضرمي (١) ـ حليف بني اُميّة ـ فقال :

إنّه لا يصلح ما ترى إلاّ الغشم [أي : الظلم] ، إنّ هذا الذي أنت عليه فيما بينك وبين عدوّك رأي المستضعفين.

فقال [النّعمان بن بشير] :

أنْ أكون من المستضعفين في طاعة الله أحبّ إليّ من أنْ أكون من الأعزّين في معصية الله ، ثمّ نزل.

وخرج عبد الله بن مسلم وكتب إلى يزيد بن معاوية :

أمّا بعد ، فإنّ مسلم بن عقيل قد قدم الكوفة فبايعته الشيعة للحسين بن علي (ع) ، فإنْ كان لك بالكوفة حجّة فابعث إليها رجلاً قويّاً ينفّذ أمرك ، ويعمل مثل عملك في عدوّك ؛ فإنّ النّعمان بن بشير رجل ضعيف ، أو هو يتضعّف.

ثمّ كتب إليه عمارة بن عقبة (٢) بنحو من كتابه.

_________________

فصعد المنبر ...

(١) جاء اسمه في الشهود على حجر بن عدي : عبد الله بن مسلم بن شعبة الحضرمي ٥ / ٢٦٩.

(٢) هو : أخو الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، خرج هو وأخوه الوليد من مكّة إلى المدينة يسألان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنْ يردّ عليهما أختمها اُمّ كلثوم المهاجرة بعهد الحديبيّة ، فأبى ٢ / ٦٤٠ ،

١٠١

ثمّ كتب إليه عمر بن سعد بن أبي وقاص (١) بمثل ذلك (٢).

_________________

وكان منزله مع أخيه برحبة الكوفة ٤ / ٢٧٤ ، وكانت ابنته اُمّ أيّوب تحت المغيرة بن شعبة ، فلمّا مات تزوّجها زياد بن أبيه ٥ / ١٨ وهو الذي سعى عند زياد على عمر بن الحمق ٥ / ٢٣٦ ، جئ بأبيه عقبة بن أبي معيط إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كافراً ، فأمر به أنْ يُضرب عنقه ، فقال : يا محمّد َمَن للصبيّة؟ قال (ص) : «النّار» ٥ / ٣٤٩. وكان حاضراً في القصر يوم مقتل مسلم ٥ / ٣٧٦ ، وهو الذي سعى بالمختار إلى ابن زياد يوم خروج مسلم ٥ / ٥٧٠ ، ثمّ تُخفى أخباره بعد هذا.

(١) اُمّه : بشرى بنت قيس بن أبي الكيسم من سبي المرتدّين بعد رسول الله ٣ / ٣٤١ فيكون من مواليد أوائل العشر الثاني من الهجرة ، وله يوم كربلاء زهاء خمسين سنة. وفي سنة سبعة عشر أو تسعة عشر بعثه أبوه سعد مع عياض بن غنم ؛ لفتح أرض الجزيرة ـ أي : شمال العراق وسورية ـ ، وهو يومئذٍ غلام حدث السنّ ٤ / ٥٣.

وفي سنة (٣٧ هـ) لمْ يدع عمر أباه حتّى أطمعه في حضور التحكيم ، فأحضره في أذرخ في دومة الجندل ، وكان أبوه على ماء لبني سليم بالبادية ، فقال : يا أبتِ ، أشهدهم فإنّك صاحب رسول الله (ص) وأحد الشورى ، فاحضر فإنّك أحقّ النّاس بالخلافة ٥ / ٣٥٦. وكره وصيّة مسلم بن عقيل إليه وأفشاه لابن زياد ، فقال ابن زياد : إنّه لا يخونك الأمين ، ولكن قد يؤتمن الخائن ٥ / ٣٧٧. وأراد محمّد بن الكندي أنْ يؤمّره على الكوفة بعد قتل ابن زياد ، فجاء رجال بني همدان متقلّدين السّيوف وجاءت نساؤهم يبكين حسيناً (عليه السّلام) ٥ / ٥٢٤ وبعث إليه المختار أبا عمرة فقتله ، وجاءه برأسه ، ثمّ قتل ابنه حفص بن عمر ، وقال : والله ، لو قُتلت ثلاثة أرباع قريش ما وفوا بأنملة من أنامل الحسين (عليه السّلام) ، وبعث برأسيهما إلى المدينة إلى محمّد بن الحنفيّة ٦ / ٢ ـ ٦١.

(٢) قال هشام ، قال عوانة : فلمّا اجتمعت الكتب عند يزيد ليس بين كتبهم إلاّ يومان ، دعا يزيد بن معاوية سرجون (١) مولى معاوية فقال : ما رأيك؟ فانّ حسيناً قد توجّه نحو الكوفة ، ومسلم بن عقيل بالكوفة يبايع للحسين ، وقد بلغني عن النّعمان ضعف وقول سيّىء .. فما ترى؟ مَن استعمل على الكوفة ، وكان يزيد عاتباً على عبيد الله بن زياد؟

فقال سرجون : أرأيت معاوية لو نشر لك أكنت آخذاً برأيه؟ قال : نعم. فأخرج عهد عبيد الله على الكوفة ، فقال هذا رأي معاوية ، ومات وقد أمر بهذا الكتاب.

فأخذ برأيه ، ثمّ دعا مسلم بن عمرو الباهلى (٢) فبعثه إلى عبيد الله بعهده إلى البصرة ، وكتب إليه

_________________

(١) سرجون بن منصور الرومي ، كان كاتب معاوية وصاحب أمره في الديوان. ٥ / ٢٣٠ ، ٦ / ١٨٠.

(٢) مسلم بن عمرو الباهلي ، كان مع زياد بن أبيه في البصرة شريفاً في باهلة عريفاً سنة (٤٦ هـ) عليها معه.

١٠٢

[كُتب الإمام (عليه السّلام) إلى أهل البصرة]

كتب الحسين (ع) مع مولى لهم ، يقال له : سليمان (١) بنسخة [واحدة] إلى

_________________

أمّا بعد ، فإنّه كُتب إليّ شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني أنّ ابن عقيل بالكوفة يجمع الجموع لشقّ عصا المسلمين ، فسرْ حين تقرأ كتابي هذا حتّى تأتي أهل الكوفة فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة حتّى تثقفه ، فتوثقه أو تقتله أو تنفيه ، والسّلام.

فأقبل مسلم بن عمرو حتّى قدم على عبيد الله بالبصرة ، فأمر عبيد الله بالجهاز والتهيّؤ والمسير إلى الكوفة من الغد ٥ / ٣٥٧.

وروى بسنده عن عمّار الدهني (٣) عن أبي جعفر الباقر (عليه السّلام) :

«فدعا مولى له يقال له : سرجون ـ وكان يستشيره ـ فأخبره الخبر ، فقال له : أكنت قابلاً من معاوية لو كان حيّاً؟ قال : نعم. قال : فاقبل منّي ، فإنّه ليس للكوفة إلاّ عبيد الله بن زياد ، فولّها إيّاه وكان يزيد عليه ساخطاً ، وكان همّ بعزله عن البصرة ـ فكتب إليه برضائه وأنّه ولاّه الكوفة مع البصرة ، وكتب إليه أنْ يطلب مسلم بن عقيل فيقتله إنْ وجده» ٥ / ٣٤٨.

(١) اختلفوا في اسم رسول الحسين (عليه السّلام) هذا إلى البصرة بكتابه ، فهو : هنا سليمان ، وكذلك في

_________________

٥ / ٢٢٨ ، ثمّ سكن الشام فكان بصريّاً شاميّاً ، ورجع من الشام إلى البصرة بكتاب يزيد إلى ابن زياد ، ثمّ معه إلى الكوفة ، وتكلّم مع هانئ بن عروة إذ أدخل على ابن زياد ليسلّم إليه مسلم بن عقيل (عليه السّلام) ٥ / ٣٦٦ ، وشتم مسلم بن عقيل حين انتهائه إلى باب القصر وطلبه ماء ٥ / ٣٧٦. ثمّ ازدلف إلى مصعب بن الزبير فبعثه لحرب ابن الحرّ الجُعفي فهزم سنة (٦٨ هـ) ٦ / ١٣٢ ، وكان كلوزير لمصعب ٦ / ١٣٦ ، وقُتل معه بدير الجاثليق في الحرب مع مروان سنة (٧١ هـ) ٦ / ١٥٨ ، وكان يحبّ المال حبّاً جمّاً ٥ / ٤٣٢ ، وكان له سبعة بنون : قتيبة وعبد الرحمن وعبد الله ، وعبيد الله وصالح وبشار ومحمّد ٦ / ٥١٦ وصاروا هؤلاء بعده إلى الحجّاج بن يوسف ، فولّى قتيبة على خراسان سنة (٨٦ هـ) ٦ / ٤٢٤ ، فغزا وفتح : بيكند ونوشكث ورامثين ، وبخارى وشومان وكشّ ، ونسف وخام جرد وسمرقند ، وشاش وفرغانة وكاشغر ، وحدود الصين وصالح نيزك والسغد ، وخوارزم شاه ، وقُتل مع إخوته سنة (٩٦ هـ) ، ٦ / ٤٢٩ ـ ٥٠٦.

(١) عمّار الدهني : أبو معاوية بن عمّار ، من أصحاب الإمام الصادق والإمام الكاظم (عليهما السّلام) ، وكان أبوه عمّار ثقة في العامّة وجهاً يكنّى : أبا معاوية ، وروى أحياناً عن أبي جعفر الباقر (عليه السّلام) ـ رجال العلاّمة / ١٦٦ ـ ولعمّار كتاب ، كما في الفهرست لابن النديم / ٢٣٥ ، ط أورپا.

١٠٣

رؤوس الأخماس بالبصرة (١) ، وإلى الأشراف مالك بن مسمع البكري (٢) ، والأخنف بن قيس (٣) ،

_________________

مقتل الخوارزمي عن ابن الأعثم ١ / ١٩٩ وفي اللهوف ، إلاّ أنّه كنّاه : بأبي رزين وهو اسم أبيه ، واُمّه كبشة ، جارية للحسين (عليه السّلام) كانت تخدم في بيت اُمّ إسحاق التيميّة من زوجات الحسين (عليه السّلام) ، فتزوّجها أبو رزين فولدها سليمان.

وفي مثير الأحزان لابن نما / ١٢ : أنّه أرسل الكتاب مع ذريع السّدوسي. وذكر الاثنين معاً السيّد الأمين في لواعج الأشجان / ٣٦.

(١) كانت البصرة قد قُسّمت خمسة أخماس ، ولكلّ خمس منها رئيس من الأشراف.

(٢) مالك بن مسمع البكري الجحدري : كان على بني بكر بن وائل في البصرة ٤ / ٥٠٥ ، ثمّ آوى مروان بن الحكم يوم الهزيمة ، وحفظ لهم بنو مروان ذلك بعد وانتفعوا به عندهم وشرّفوهم بذلك ٤ / ٥٣٦ وكان رأيه مائلاً إلى بني اُميّة ، فلمْ ينصر زياداً على ابن الحضرمي الذي كان وجّهه معاوية إلى البصرة للدعاء إلى نفسه ٥ / ١١٠ ، وهو الذي بايع ابن مرجانة بعد هلاك يزيد ، ولكنّه نكث بيعته له فعدى مع جماعة على بيت المال ، فنهبوه ٥ / ٥٠٥.

ثمّ اتّهم بعد هذا أنّه كان يحاول أنْ يردّ ابن زياد إلى دار الإمارة بالبصرة ٥ / ٥١٢. وقد كان مالك بن مسمع مملكاً على بكر بن وائل من ربيعة اليمن ، وهم اللهازم وهم بنو قيس بن ثعلبة وحلفاؤهم : غزة وشيع اللات ، وحلفاؤها : عجل وآل ذهل بن ثعلبة ، وحلفاؤها : يشكر وضيعة بن ربيعة بن نزار ، فهؤلاء من أهل الوبر وحنيفة من أهل المدر ٥ / ٥١٥ ، ثمّ لمّا لحق الأزد بالبصرة في آخر خلافة معاوية وأوّل خلافة يزيد بن معاوية ، أتاهم مالك بن مسمع فجدّد معهم الحلف ٥ / ٥١٦ ، وفي سنة (٦٤ هـ) جدّد الحلف معهم ، وعليهم مسعود بن عمرو المعنى فخرجوا على عبد الله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب القرشي الهاشمي ؛ ليردّوا ابن زياد إلى دار الإمارة ، فهُزموا وأُحرق دار مالك بن مسمع ٥ / ٥٢١. ودافع عن أصحاب المختار بالبصرة حمية من دون أنْ يكون على رأيهم ٦ / ٦٨ ، ثمّ كان على خمس بكر بن وائل مع مصعب في حربه المختار ٦ / ٩٥ ، ثمّ أجار خالد بن عبد الله بن خالد بن سيّد الذي قد وجّهه عبد الملك بن مروان داعياً له إلى البصرة ، وقاتل دونه حتّى أُصيبت عينه فضجر من الحرب فاستأمن عبيد الله بن عبيد الله بن معمر ، خليفة مصعب فآمنه فأخرج خالداً من البصرة ، ثمّ خاف من المصعب فلحق مع قومه بثأج ٦ / ١٥٢ ـ ١٥٥ ، فهدم المصعب داره ٦ / ١٥٥ ، ثمّ تخفى أخباره.

(٣) الأحنف صخر بن قيس أبو بحر السّعدي : روى عن العبّاس بن عبد المطلب ١ / ٢٦٣ ، وأوفده عتبة بن غزوان سنة (١٧ هـ) إلى عمر مع وفد أهل البصرة ٤ / ٧٤ ، وحارب فيمَن حارب من أهل البصرة

١٠٤

والمنذر بن الجارود (١) ،

_________________

أهل فارس سنة (١٧ هـ) ٤ / ٨١ ، ودفع إليه عمر لواء خراسان ؛ لفتحه نزولاً على رأيه ٤ / ٩٤ فطارد يزدجرد حتّى قُتل ٤ / ١٧١ وفتح هراة سنة (٣١ هـ) ٤ / ٣٠١ ، وصالح مرودود ٤ / ٣١٠ وأهل بلخ ٤ / ٣١٣ ، وكان ممّن كتبت إليه عائشة من أهل البصرة ٤ / ٤٦١.

وخرج إلى علي (عليه السّلام) في فتنة البصرة ، فدعاه علي (عليه السّلام) إلى القعود بقومه من أهل البصرة عن قتاله ، فدعاهم فأجابوه فاعتزل بهم ، فلمّا ظفر علي (عليه السّلام) دخل معه وهم عشرة الآف رجل ٤ / ٤٩٧ أو ستّة الآف ٤ / ٤٦٨ أو أربعة الآف ٤ / ٥٠١ وبايعه من جديد في العشي ٤ / ٥٤١.

ثمّ قدم الكوفة على علي (عليه السّلام) وكتب إلى عشيرته بالبصرة أنْ يشخصوا إلى الكوفة ليصيروا إلى صفّين فقدموا ـ وقعة صفّين / ٢٤ ـ فكان على تميم وضبة والرباب ـ صفّين / ١١٧ ـ ، ولكنّه كان يتخوّف من ذهاب العرب ـ صفّين / ٣٨٧ ـ.

ورشّح نفسه على علي (عليه السّلام) للتحكيم ، وذكر لين أبي موسى فأبى الأشعث بن قيس ـ صفّين / ٥٠١ ـ وأبى على علي (عليه السّلام) محو اسمه من إمرة المؤمنين في صفّين ـ صفّين / ٥٠٨ ـ فلمّا جاء الأشعث يقرأ على النّاس قرار التحكيم ردّ عليه وتناوشه بسيفه رجل من بني تميم ، فجاء أهل اليمن لينتقموا من بني تميم فمضى الأحنف إليه واعتذر منه ـ صفّين / ٥١٣ ـ. ونصح أبا موسى أنْ لا ينخدع ـ صفّين / ٥٣٦ ـ ، وكان يدخله علي (عليه السّلام) في المشورة مع بني هاشم ـ ط ٥ / ٥٣ ـ وخرج للخروج الثاني إلى صفّين ببني تميم في ألف وخمسمئة ٥ / ٧٨ ووفد على معاوية سنة (٥٠ هـ) فأجازه مئة ألف ٥ / ٢٤٢.

وأوفده ابن زياد سنة (٥٩ هـ) إلى معاوية فأدخله عليه في آخر النّاس ٥ / ٣١٧ وبايع عبيد الله بن زياد بعد يزيد ؛ ليكون أميراً على البصرة ٥ / ٥٠٧ وتعهد له أنْ يأتيه بداعية ابن الزبير ، فلمّا رأى امتناعه امتنع وقعد عنه ٥ / ٥٠٨.

ولمّا أراد الأزد ردّ ابن زياد إلى دار الإمارة بعد هروبه ، اجتمع بنو تميم على الأحنف يشكون إليه رجوع ابن زياد إلى الحكم ، ومقتل رجال من تميم على يد الأزد ، فثار بهم على الأزد حتّى قتلوا مسعود بن عمرو ، زعيم الأزد ومجير ابن زياد ، ففرّ ابن زياد إلى الشام ٥ / ٥١٩ ، ثمّ بايع لابن الزبير ٥ / ٦١٥.

ثمّ حارب المختار مع مصعب بن الزبير سنة (٦٧ هـ) ٦ / ٩٥ وهو الذي أشار على مصعب بقتل جمع من استسلم من أصحاب المختار ٦ / ١١٦.

وكأنّه كان ميّتاً سنة (٧١ هـ) ٦ / ١٥٧.

(١) كان على جذعة وبكر من عبد القيس يوم الجمل مع علي (عليه السّلام) ٥ / ٥٠٥. وكانت بحريّة بنته عند عبيد الله بن زياد ، فلمّا هجا يزيد بن المفرّغ الحميري آل زياد ، أجاره المنذر فلم يجره ابن زياد ٥ / ٣١٨ ، ثمّ ولاّه ابن زياد السّند من بلاد الهند ، فمات بها سنة (٦٢ هـ) ، كما في الإصابة ٣ / ٤٨٠.

١٠٥

ومسعود بن عمرو (١) ، وقيس بن الهيثم (٢) ، وعمرو بن عبد الله بن معمر :

_________________

(١) مسعود بن عمرو بن عدي الأزدي : قائد الأزد يوم البصرة ٤ / ٥٠٥.

وهو الذي أجار ابن مرجانة لمّا نابذه النّاس ومنع عنه ، فمكث تسعين يوماً بعد موت يزيد ، ، ثمّ خرج إلى الشام ٥ / ٥٢٥ وبعث مسعود مع ابن زياد مئة من الأزد عليهم قرّة بن عمرو بن قيس حتّى قدموا به الشام ٥ / ٥٢٢ واستخلف حين توجّه إلى الشام مسعود بن عمرو على البصرة ، فخرج في قومه حتّى انتهى إلى القصر فدخله ٥ / ٥٢٥ ، فجاءت عصابة من الخوارج حتّى دخلوا المسجد ، ومسعود على المنبر يبايع من أتاه فرماه منهم مسلم من أهل فارس. دخل البصرة فأسلم ، ثمّ دخل في الخوارج ٥ / ٥٢٥ ، وكان هؤلاء أربعمئة من الأساورة ـ أي : الآشوريين ـ ٥ / ٥١٩ أو خمسمئة مع : (ماه أفريدون) انتدبوا إلى بني تميم ، فقال له سلمة : أين تريدون؟ قالوا إيّاكم أردنا. قال : فتقدّموا. فكانوا أمامهم ٥ / ٥١٨ فأصابوا قلبه فقتلوه ، وخرجوا وخرجت الأزد إليهم ، فقتلوا منهم وجرحوا حتّى طردوهم عن البصرة. وصدّق أناس من بني تميم ، أنّهم هم الذين بعثوا إليهم فقدموا بهم البصرة ، فازدلف الأزد إلى بني تميم فقُتل من الفريقين قتلى كثيرون ، ثمّ اصطلحوا على ديته بمئة ألف درهم عشر ديات ٥ / ٥٢٦.

(٢) القيس بن الهيثم السلمي : استخلفه عبد الله بن عامر على خراسان مع ابن عمّه عبد الله بن خازم سنة (٣٢ هـ) ، فلمّا خرج منها عبد الله بن عامر جمع قارن أربعين ألفاً من : هراة وقهستان وطبس وبادغيس ، فأخرج ابن خازم عهداً من ابن عامر ، أنّه هو أمير خراسان إنْ كانت حرب ، وكان قد افتعله عمداً ، فخلاّه والبلاد ٤ / ٣١٤. وأتى إلى البصرة فكانت الفتنة على عثمان ، واستنصر عثمان بأهل البصرة من عبد الله بن عامر فاستنصرهم ابن عامر ، فقام قيس بن الهيثم فخطب وحرّض النّاس على نصر عثمان ، فسارع النّاس إلى ذلك وأتاهم قتل عثمان فرجعوا ٥ / ٣٦٩. وقد قِيل : إنّه ولي شرطة البصرة على عهد معاوية لعبد الله بن عامر أيضاً سنة (٤١ هـ) ٥ / ١٧٠ ، ثمّ بعثه والياً على خراسان سنتين (٥ / ١٧٢) فاستبطأه في الخراج فأراد عزله ، فطلب إليه عبد الله بن خازم أنْ يولّيه إيّاها ، فهمّ أنْ يكتب له فبلغ ذلك قيساً فترك خراسان وأقبل ، فضربه ابن عامر ٥ / ٢٠٩ مئة وحلقه وحبسه ، وكان من أخواله فطلبت إليه أمّه فأخرجه ٥ / ٢١٠ وبعث على خراسان رجلاً من بني يشكر ٥ / ٢٠٩ ، وهو : طفيل بن عوف اليشكري أو عبد الله بن أبي شيخ اليشكري سنة (٤٤ هـ) ٥ / ٢١٣ ، ثمّ عطف على قيس بن الهيثم فاستخلفه على البصرة إذ أراد القدوم على معاوية ٥ / ٢١٣ فأنكحه معاوية ابنته هنداً ، ثمّ عزله عن البصرة سنة (٤٤ هـ) ٥ / ٢١٤ ثمّ ولّى معاوية على البصرة سنة (٤٥ ه) زياد بن سميّة فبعث قيس بن الهيثم على : مرود الروذ والفارياب والطالقان ٥ / ٢٢٤.

ثمّ وُلي خراسان خليفة عن عبد الرحمن بن زياد سنة (٦١ هـ) ـ أي : بعد مقتل الحسين (عليه السّلام) ـ من قبل يزيد بن معاوية حينما أراد عبد الرحمن القدوم على يزيد ، فعزله يزيد فانعزل قيس بن الهيثم ٥ / ٣١٦ فلمّا هلك يزيد كان قيس بالبصرة ، فكتب إليه الضحّاك بن قيس يدعوه إلى نفسه ٥ / ٥٠٤. وكان رأي قيس

١٠٦

«أمّا بعد ، فإنّ الله اصطفى محمّداً (صلّى الله عليه [وآله]) على خلقه ، وأكرمه بنبوّته واختاره لرسالته ، ثمّ قبضه الله إليه وقد نصح لعباده وبلّغ ما أرسل به (صلّى الله عليه [وآله]) ، وكنّا أهله وأولياءه وأوصياءه وورثته وأحقّ النّاس بمقامه في النّاس ، فاستأثر علينا قومنا بذلك فرضينا وكرهنا الفرقة وأحببنا العافية ، ونحن نعلم أنّا أحقّ بذلك الحقّ المستحق علينا ممّن تولاّه (١) وقد أحسنوا وأصلحوا وتحرّوا الحقّ.

وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب ، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه (صلّى الله عليه [وآله]) فإنّ السّنة قد أُميتت ، وإنّ البدعة قد أُحييت ، وإنْ تسمعوا قولي وتطيعوا أمري ، أهدكم سبيل الرشاد. والسّلام عليكم ورحمة الله».

فكلّ مَن قرأ ذلك الكتاب من أشراف النّاس كتمه.

غير المنذر بن الجارود ؛ فإنّه خشي بزعمه أنْ يكون [رسول الحسين (عليه السّلام) : سليمان] دسيساً من قبل عبيد الله فجاءه بالرسول من العشيّة التي يريد أنْ يسبق في صبيحتها إلى الكوفة ، وأقرأه كتابه إليه.

فقدّم [عبيد الله] الرسول فضرب عنقه.

وصعد منبر البصرة ...

_________________

ابن الهيثم مع النّعمان بن صهبان الراسبي إذ حكّمهما أهل البصرة فيمَن يتولّى أمرهم بعد ابن زياد في بني أميّة ، ثمّ اتّفق رأيهما على مضري هاشمي ٥ / ٥١٢. وكان على الشرطة والمقاتلة في البصرة لابن الزبير في مقاتلة مثنى بن مخرّبة العبدي البصري الداعي إلى المختار سنة (٦٦ هـ) ٦ / ٦٧. وكان على خمس أهل العالية مع مصعب بن الزبير لمقاتلة المختار سنة (٦٧ هـ) ٦ / ٩٥. وكان سنة (٧١ هـ) ، يستأجر الرجال يُقاتلون معه خالد بن عبد الله داعية عبد الملك بن مروان معيناً لابن الزبير ـ ٦ / ٧١ ـ. وكان يحذّر أهل العراق من الغدر بمصعب ٦ / ١٥٧. وهذا آخر عهدنا به ، فلعلّه قُتل مع أصحاب مصعب بيد عبد الملك بن مروان سنة (٧١ هـ).

(١) وهذا يدلّ على أنّ رضاهم به إنّما كان خشية الفرقة ودفعاً للشرّ ، لا رضا طوعٍ ورغبة.

١٠٧

[خطبة ابن زياد بالبصرة]

فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد ، فوالله ، ما تقرن بي الصعبة (١) ولا يقعقع (٢) لي ، وإنّي لنكل (٣) لمَن عاداني ، وسمّ لمَن حاربني : أنصف القارّة مَن راماها (٤).

يا أهل البصرة ، إنّ أمير المؤمنين ولاّني الكوفة ، وأنا غاد إليها الغداة وقد استخلفت عليكم عثمان بن زياد بن أبي سفيان ، وإيّاكم والخلاف والإرجاف ، فوالذي لا إله غيره ، لئن بلغني عن رجل منكم خلاف لأقتلنّه وعريفه ووليّه ، ولآخذنّ الأدنى بالأقصى حتّى تستمعوا لي ، ولا يكون فيكم مخالف ولا مشاق.

أنا ابن زياد أشبهه من بين مَن وطأ الحصى ، ولمْ ينتزعني شبه خال ولا ابن عمّ (٥).

_________________

(١) الصعبة : الناقة صعبة القياد. كأنّه يقول : أنا راكب البصرة وقائدها ، فلا أجعلها تكون لي صعبة القياد.

(٢) القعقعة : الصوت. كأنّه يقول : لا أدع النّاس يتكلمون ببغضي وكراهتي.

(٣) أي : معذّب من النّكل ، أي : العذاب والانتقام.

(٤) كذا في الطبري ، وهو رجز لرجل : من قبيلة تدعى القارّة. وكانوا حذّقاً في الرماية في الجاهلية ، فالتقى رجل منهم بآخر من غيرهم ، فقال له القارّي : إنْ شئت صارعتك ، وإنْ شئت سابقتك ، وإن شئت راميتك؟ فقال الآخر : قد اخترت المراماة. فقال الرجل القاري :

قد أنصف القارة من راماها

إنّا إذا ما فئة نلقاها

نردّ أولاها على أخراها

ثمّ رماه بسهم فشكّ به فؤاده ، فلعلّ ابن زياد قال : قد أنصفت القارّة مَن راماها ، يُشير إلى أنّ من اختار المراماة معنا ـ بني أميّة ـ كان كمَن اختار المراماة مع الرجل القارّي ؛ فانّ بني أميّة حذّاق في المراماة كما كانت قبيلة القارّة حذّقاً فيها.

(٥) يريد : أنّه يُشبه أباه في نكله ونقمته وشدّة وطأته وبطشه ، ولا يُشبه خاله العجم ، ولا ابن عمّه

١٠٨

[دخول ابن زياد إلى الكوفة]

ثمّ خرج من البصرة وأقبل إلى الكوفة ، ومعه مسلم بن عمرو الباهلي (١) وشريك بن الأعور الحارثي (٢) وحشمه وأهل بيته بضعة عشر رجلاً (٣) حتّى دخل الكوفة ، وعليه عمامة سوداء وهو متلثمّ والنّاس قد بلغهم إقبال حسين (عليه السّلام) إليهم ، فهم ينتظرون قدومه فظنّوا ـ حين قدم عبيد الله ـ أنّه الحسين (عليه السّلام) فأخذ لا يمرّ على جماعة من النّاس إلاّ سلّموا عليه ، وقالوا : مرحباً بك يابن رسول الله ، قدمت خير مقدم. فرأى من تباشيرهم بالحسين (عليه السّلام) مساءه وغاضه ما سمع منهم ، وقال : ألاَ أرى هؤلاء كما أرى. فلمّا أكثروا ، قال مسلم بن عمرو الباهلي : فأخّروا ، هذا الأمير عبيد الله بن زياد!

فلمّا دخل القصر وعلم النّاس أنّه عبيد الله بن زياد دخلهم من ذلك كآبة وحزن شديد (٤).

_________________

يزيد فيما اشتُهر فيه من : الغناء والطرب والمجون ، والصيد والعبث واللهو. وذكر الخبر السّبط في تذكرته / ١٩٩.

(١) سبقت ترجمته في هامش الهامش الثاني لصفحة ١٠٢.

(٢) استعمل على إصطخر فارس فبنى مسجداً بها سنة (٣١ هـ) ٤ / ٣٠١ ، وشهد صفّين مع علي ٥ / ٣٦١ ، وبعثه علي (عليه السّلام) مع جارية بن قدامة السّعدي في رجال من بني تميم إلى البصرة لقتال ابن الحضرمي ومن معه ممّن أجاب دعوته إلى معاوية سنة (٣٨ هـ) ٥ / ١١٢. وبعثه عبد الله بن عامر إلى البصرة مع ثلاثة الآف من فرسان ربيعة ؛ لقتال المستورد بن علّفة الخارجي ٥ / ١٩٣ ، ووُلي كرمان من قبل عبيد الله بن زياد سنة (٥٩ هـ) ٥ / ٣٢١ ولبث بعد وصوله الكوفة أيّاماً فمات ، فصلّى عليه ابن زياد ٥ / ٣٦٤.

(٣) وروى الطبري : عن عيسى بن يزيد الكناني ، أنّه قال : لمّا جاء كتاب يزيد إلى عبيد الله ابن زياد ، انتخب من أهل البصرة خمسمئة ، فيهم : عبد الله بن الحارث بن نوفل وشريك بن الأعور ٥ / ٣٥٩.

(٤) ٥ / ٣٥٧. قال أبو مِخْنف : حدثنى الصقعب بن زهير ، عن أبي عثمان الهندي ، قال ... الإرشاد / ٢٠٦ ، والخوارزمي / ٢٠٠.

١٠٩

[خطبة ابن زياد عند دخوله الكوفة]

[و] لمّا نزل القصر [وأصبح] ، نودي : الصلاة جامعة ، فاجتمع النّاس فخرج فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال :

أمّا بعد ، فإنّ أمير المؤمنين ـ أصلحه الله ـ ولاّني مصركم وثغركم ، وأمرني بإنصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم ، وبالإحسان إلى سامعكم ومطيعكم ، وبالشدّة على مريبكم وعاصيكم ، وأنا متّبع فيكم أمره ومنفذ فيكم عهده ، فأنا لمحسنكم ومطيعكم كلوالد البرّ ، وسوطي وسيفي على مَن ترك أمري وخالف عهدي ، فليبقَ امرؤ على نفسه ، الصدق ينبئ عنك لا الوعيد.

ثمّ نزل فأخذ العرفاء والناس أخذاً شديداً ، فقال : اكتبوا إليّ الغرباء ومَن فيكم من طلبة أمير المؤمنين ومَن فيكم من الحروريّة (١) وأهل الريب الذين رأيهم الخلاف والشقاق ، فمَن كتبهم لنا فبرئ ، ومَن لمْ يكتب لنا أحداً فيضمن لنا ما في عرافته ألاّ يخالفنا منهم مخالف ، ولا يبغي علينا منهم باغ ، فمَن لمْ يفعل برءت منه الذمّة وحلال لنا ماله وسفك دمه. وأيّما عرّيف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين أحد لمْ يرفعه إلينا صلب على باب داره ، وأُلقيت تلك العرّافة من العطاء وسيّر إلى موضع بعمان الزارة (٢) ، (٣).

_________________

(١) أي : الخوارج ، نسبته إلى حروراء من نواحي الكوفة أوّل موضع اجتمع به الخوارج في منصرفهم من صفّين قبل وصولهم إلى الكوفة. والعرّافة : كانت من وظائف الدولة لمعرفة الرعيّة وتنظيم عطائهم من بيت المال ، وقد كان بالكوفة : (مئة عرّيف). وكان العطاء يدفع إلى امرء أرباع الكوفة الأربعة ، فيدفعونه إلى : العرفاء والنقباء وإلاّمناء فيدفعونه إلى أهله في دورهم ٤ / ٤٩ ، وكان يؤمر لهم بعطائهم في المحرم من كلّ سنة ، وبفيئهم عند طلوع الشعرى في كلّ سنة ؛ وذلك إدراك الغلاّت ٤ / ٤٣ ، وكانت العرّافة حتّى على عهد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ٣ / ٤٤٨.

(٢) عمان الزّارة ، هي : عمان المعروفة على ساحل الخليج قرب بحر عمان ، وهي حارّة شديدة الحرارة ؛ ولذلك يُوعد ابن زياد بتبعيد المخالفين إليها لشدّة العيش به.

(٣) والخبر ٥ / ٣٥٨. قال ابو مِخْنف : حدثني المعلّى بن كليب ، عن أبي ودّاك ، قال ... الإرشاد / ٢٠٢ ،

١١٠

[انتقال مسلم من دار المختار إلى دار هاني]

وسمع مسلم بن عقيل مجيء عبيد الله ومقالته التي قالها ، وما أخد به العرفاء والنّاس فخرج من دار المختار ، وقد علم به حتّى انتهى إلى دار هانئ بن عروة المرادي ، فدخل بابه وأرسل إليه أنْ اخرج ، فخرج إليه هانئ وكره مكانه حين رآه. فقال له مسلم : أتيتك لتجيرني وتضيّفني. فقال : رحمك الله! لقد كلفتني شططاً ولو لا دخولك داري وثقتك ، لأحببت ولسألتك أنْ تخرج عنّي ، غير أنّه يأخذني من ذلك ذمام وليس مردود مثلي على مثلك عن جهل ، أدخل فآواه.

وأخذت الشيعة تختلف إليه في دار هانئ بن عروة (٢)

وقد كان مسلم بن عقيل ، حيث تحوّل إلى دار هانئ بن عروة وبايعه ثمانية عشر ألفاً ، قدّم كتاباً إلى حسين (عليه السّلام) مع عابس بن أبي شبيب الشاكري (٣)

_________________

والخواص / ٢٠٠.

(١) قال المسعودي : هو شيخ مراد وزعيمها ، وهو يومئذٍ يركب في أربعة الآف دارع وثمانية الآف راجل ، وإذا أجابتها أحلافها من كندة وغيرها كان في ثلاثين ألف دارع. مروج الذهب ٣ / ٦٩.

ومن هنا يُعلم لماذا خرج مسلم من دار المختار إلى دار هانئ بن عروة شيخ العشيرة ، ولكنّه كان كما قال المسعودي : فلمْ يجد زعيمهم منهم أحداً ، فشلاً وخذلاناً. كان هو وأبوه من الصحابة ، وقُتل وهو ابن ثمانين أو تسعين سنة ، كما في طبقات ابن سعد.

وذكر المبرّد في الكامل : إنّ أباه كان من الخارجين مع حجر بن عدي فشفع فيه زياد بن أبيه ؛ ولذلك قال له ابن زياد ـ كما روى الطبري ـ : يا هانئ ، أمَا تعلم أنّ أبي قدم هذا البلد ، فلمْ يترك أحداً من هذه الشيعة إلاّ قتله غير أبيك وغير حجر ، وكان من حجر ما قد علمت؟ ثمّ لمْ يزل يحسن صحبتك ، ثمّ كتب إلى أمير الكوفة : إنّ حاجتي قبلك هانئ. قال : نعم. قال : فجزائي أنْ خبّأت في بيتك رجلاً ليقتلني!

(٢) عن أبي منحف عن المعلّي بن كليب عن أبي الودّاك ٥ : ٣٦١.

(٣) قال ابو مِخْنف : حدّثني جعفر بن حذيفة الطائي ... ٥ / ٣٧٥.

١١١

أمّا بعد ، فإنّ الرائد لا يكذب أهله ، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفاً ، فعجّل الإقبال حين يأتيك كتابي ؛ فإنّ النّاس كلّهم معك ، ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوى. والسّلام.

وكان [ذلك] قبل أنْ يُقتل لسبع وعشرين ليلة (١)

[تجسّس معقل الشامي على مسلم (عليه السّلام)]

ودعا ابن زياد مولى له ، يقال له : معقل (٢). فقال له : خذ ثلاثة الآف درهم ، ثمّ اطلب مسلم بن عقيل واطلب لنا أصحابه ، ثمّ أعطهم هذه الثلاثة الآف ، فقل لهم : استعينوا بها على حرب عدوّكم ، وأعلمهم أنّك منهم ، فانّك لو أعطيتها إيّاكم طمأنّوا إليك ووثقوا بك ، ولمْ يكتموك شيئاً من أخبارهم ، ثمّ اغد عليهم ورح.

فجاء [معقل] حتّى أتى إلى مسلم بن عوسجة الأسدي (٣) في المسجد الأعظم ، وهو يصلّي و [كان] سمع النّاس ، يقولون : إنّ هذا يبايع للحسين (عليه السّلام). فجاء حتّى فرغ من صلاته ، ثمّ قال : يا عبد الله ، إنّي امرؤ من أهل الشام مولى لذي الكلاع ، أنعم الله عليّ بحبّ أهل هذا البيت وحبّ مَن أحبّهم ، فهذه ثلاثة الآف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنّه قدم الكوفة

_________________

(١) قال أبو مِخْنف : وحدّثني محمّد بن قيس ٥ / ٣٩٥.

(٢) وروى الطبري : عن عيسى بن يزيد الكناني : أنّ مسلم بن عقيل قدم قبل ابن زياد بليلة واخبر ابن زياد بذلك وأنّه بناحية الكوفة ، فدعا مولى لبني تميم فأعطاه مالاً ، وقال : انتحل هذا الأمر وأعنهم بالمال ، واقصد لهانئ ومسلم وأنزله عليه ٥ / ٣٦٠.

(٣) قال شبث بن ربعي لبعض مَن حوله من أصحابه : إذ تنادوا بقتل مسلم بن عوسجة ثكلتكم اُمّهاتكم ، إنّما تقتلون أنفسكم بأيديكم وتذللون أنفسكم لغيركم ، تفرحون أنْ يقتل مثل مسلم بن عوسجة! أمَا والذي أسلمت له ، لربّ موقف له قد رأيته في المسلمين كريم ، لقد رأيته يوم سلق آذربايجان قتل ستة من المشركين قبل تتامّ خيول المسلمين ، أفيُقتل منكم مثله وتفرحون؟! ٥ / ٤٣٦.

١١٢

يبايع لابن بنت رسول الله (صلّى الله عليه [وآله]) ، وكنت أريد لقاءه فلمْ أجد أحداً يدلّني عليه ولا يعرف مكانه ، فإنّي لجالس آنفاً في المسجد إذ سمعت نفراً من المسلمين يقولون : هذا رجل له علم بأهل هذا البيت ، وإني أتيتك لتقبض هذا المال وتدخلني على صاحبك فأبايعه ، وإنْ شئت أخذت بيعتي له قبل لقائه.

فقال [له مسلم بن عوسجة] : أحمد الله على لقائك إيّاي ، فقد سرّني ذلك ؛ لتنال ما تحبّ ولينصر الله بك أهل بيت نبيّه ، ولقد ساءني معرفتك إيّاي بهذا الأمر من قبل أنْ ينمى مخافة هذا الطاغية وسطوته. فأخذ بيعته قبل أنْ يبرح وأخذ عليه المواثيق المغلظة ليناصحنّ وليكتمنّ ، فأعطاه من ذلك ما رضي به. ثمّ قال : اختلف إليّ أيّاماً في منزلي فأنا طالب لك الإذن على صاحبك. فطلب له الإذن فأخذ يختلف مع النّاس (١).

[مؤتمر قتل ابن زياد]

مرض هانئ بن عروة فجاء عبيد الله [ابن زياد] عائداً له ، فقال له عمارة بن عبيد السّلولي (٢) : إنّما جماعتنا وكيدنا قتل هذا الطاغية ، فقد أمكنك الله منه فاقتله. قال هانئ : ما أحبّ أنْ يُقتل في داري [فعاده ابن زياد و] خرج.

فما مكث إلاّ جمعة حتّى مرض شريك بن الأعور [الحارثي] ، وكان كريماً على ابن زياد وعلى غيره من الامرء ، وكان شديد التشيّع ، فأرسل إليه عبيد الله [ابن زياد] إنّي رائح إليك العشيّة. فقال [شريك] لمسلم : إنّ هذا الفاجر

_________________

(١) عن أبي مِخْنف عن المعلّى بن كليب ، عن أبي السوّاك ، قال : ٥ / ٣٦١ ، الإرشاد / ٢٠٧ ، والخواص / ٢٠١.

(٢) هو : من رُسل أهل الكوفة إلى الإمام (عليه السّلام) بمكّة بثلاث وخمسين صحيفة ، وسرّحه الإمام مع مسلم بن عقيل وقيس بن مسهر الصيداوي ، وعبد الرحمن الأرحبي إلى الكوفة ٥ / ٣٤٣ ـ ٣٤٤.

١١٣

عائدي العشيّة ، فإذا جلس فاخرج إليه فاقتله ، ثمّ اقعد في القصر ليس أحد يحول بينك وبينه ، فإنْ بُرءت من وجعي هذا أيّامي هذه ، سرت إلى البصرة وكفيتك أمرها.

فلمّا كان من العشي أقبل عبيد الله [ابن زياد] لعيادة شريك [الحارثي] فقام مسلم بن عقيل ليدخل ، وقال له شريك : لا يفوتنّك إذا جلس. فقام هانئ بن عروة إليه ، فقال : إنّي لا أحبّ أنْ يُقتل في داري ـ كأنّه استقبح ذلك ـ. فجاء عبيد الله بن زياد فدخل فجلس فسأل شريكاً عن وجعه ، وقال : ما الذي تجد؟ [و] طال سؤاله إياه.

و [لمّا] رأى [شريك] أنّ [مسلم] لا يخرج ، خشي أنْ يفوته فأخذ يقول : ما تنظرون بسلمى أنْ تحيّوها أسقنيها وإنْ كانت فيها نفسي. قال ذلك مرّتين أو ثلاثاً.

فقال عبيد الله : ما شأنه ، أترونه يهجر؟

فقال له هانئ : نعم ، أصلحك الله! ما زال هذا دُيدنه قُبيل عماية الصبح حتّى ساعته هذه.

[فـ] ـقام [ابن زياد و] انصرف.

فخرج مسلم. فقال له شريك : ما منعك من قتله؟ فقال : خصلتان.

أمّا أحدهما ، فكراهة هانئ أنْ يُقتل في داره.

وأمّا الآخرى ، فحديث حدّثه النّاس عن النبيّ (صلّى الله عليه [وآله]) : «إنّ الإيمان قيد الفتك ، ولا يفتك مؤمن».

فقال هانئ : أمَا والله ، لو قتلته لقتلت فاسقاً فاجراً كافراً غادراً ، ولكن كرهت أنْ يُقتل في داري! (١)

_________________

(١) عن أبي مِخْنف : عن المعلّى بن كليب عن أبي الودّاك ، قال ... ٥ / ٣٦١.

١١٤

[معقل يدخل على مسلم]

ثمّ إنّ معقلاً اختلف إلى مسلم بن عوسجة أيّاماً ليدخله على ابن عقيل ، فأقبل به حتّى أُدخله عليه فأخبره خبره فأخذ بيعته ، وأمر أبا ثمامة الصائدي (١) فقبض ماله الذي جاء به وأقبل يختلف إليهم ، فهو أوّل وآخر خارج يسمع أخبارهم ويعلم أسرارهم ، ثمّ ينطلق بها حتّى يقرّها في أذن ابن زياد (٢).

[إحضار هانئ عند ابن زياد]

قال ابن زياد لجلسائه : ما لي لا أرى هانئاً؟ فقالوا : هو شاك. [و] دعا عبيد الله [بن زياد] محمّد بن الأشعث (٣) وأسماء بن

_________________

(١) كان يقبض أموالهم وما ُيعين به بعضهم بعضاً ويشتري لهم السلاح ، وكان بصيراً به ، وكان من فرسان العرب ووجوه الشيعة ٥ / ٣٦٤ وعقد له مسلم على ربع تميم وهمدان ٥ / ٣٦٩ وحضر كربلاء فكان بوّاب الحسين (عليه السّلام) ٥ / ٣٦٤. وهو الذي سأل الحسين (عليه السّلام) أنْ يصلّي بهم ظهيرة عاشوراء ، فدعا له الإمام (عليه السّلام) بخير ، فقال : «ذكرت الصلاة ، جعلك الله من المصلّين الذاكرين» ٥ / ٤٣٩. وبارزه قبل الصلاة ابن عمّ له كان مع عسكر عمر بن سعد فقتله أبو ثمامة ٥ / ٤٤١.

(٢) عن أبي مِخْنف : عن المعلّى بن كليب عن أبي الودّاك ٥ / ٣٦١. وفي الإرشاد / ٢٠٨.

(٣) محمّد بن الأشعث بن قيس الكندي ، هو الذي طلب زياد منه حجراً ، فطلب منه حجر أنْ يطلب له الأمان من زياد حتّى يذهب إلى معاوية فيرى فيه رأيه ، ففعل ٥ / ٢٦٣ ـ ٢٦٤. فقال عبيدة الكندي يُعيّر محمّد بن الأشعث بخذلانه حجراً وقتاله مسلماً (عليه السّلام) :

أسلمت عمّك لمْ تقاتل دونه

فرقاً ولو لا أنت كان منيعا

وقتلت وافد آل بيت محمّدٍ

وسلبت أسيافاً له ودروعا

٥ / ٢٨٥

ورفع راية الأمان فيمَن طاعه من كندة وحضرموت ، يخذّل النّاس عن ابن عقيل ٥ / ٣٦٩ لكنّه لقتاله بعث معه رجالاً من قيس لكراهة كلّ قوم أنْ يقتل فيهم ابن عقيل ٥ / ٣٧٣ وآمنه ابن الأشعث

١١٥

خارجة (١) وعمرو بن الحجّاج (٢). وكانت روعة أخت عمرو بن الحجّاج تحت هانئ بن عروة. فقال لهم : ما يمنع هانئ بن عروة من إتياننا؟ قالوا : ما ندري ، أصلحك الله! وإنّه ليتشكّى (٣). قال : بلغني أنّه قد برأ ، وهو يجلس على باب داره فالقوه فمروه ألاّ يدع ما عليه في ذلك من الحقّ ؛ فإنّي لا أحبّ أنْ يفسد عندي مثله من أشراف العرب (٤).

_________________

٥ / ٣٧٤ وأخبر ابن زياد بأمانه ، فلمْ يمضه ٥ / ٣٧٥ وشفع في هانئ بن عروة ، فلمْ يشفّعه فيه ٥ / ٣٧٨. وكانت كندة تقوم بأمر عمر بن سعد لأنّهم أخواله ، فلمّا هلك يزيد بن معاوية ودعاهم ابن زياد إلى نفسه رفضوه ، ولكنّهم أمّروا عمر بن سعد ، فلمّا تقلّد رجال همدان السّيوف وبكت نساؤهم حسيناً (عليه السّلام) انصرف ابن الأشعث ، وقال : جاء أمر غير ما كنّا فيه ٥ / ٥٢٥. وكتبوا إلى ابن الزبير بمكّة ، فبعث ابن الزبير محمّد بن الأشعث بن قيس على الموصل ، فلمّا قدم عليه عبد الرحمن بن سعيد بن قيس من قبل المختار أميراً تنحّى له عن الموصل ، وأقبل حتّى نزل تكريت وأقام بها مع أشراف من قومه وغيرهم ، ينظر ما يصنع النّاس ، ثمّ شخص إلى المختار فبايعه ٦ / ٣٦. ولمّا أقبل ابن زياد بجيش الشام إلى الموصل ، وخرج أصحاب المختار لحربه التقى أشراف الكوفة فأرجفوا به ، وفيهم محمّد بن الأشعث. وخرج ابنه إسحاق بن محمّد بن الأشعث في جبانة كندة واثبين على المختار ٦ / ٣٩ ـ ٤٥ ، وانكسروا فخرج محمّد بن الأشعث بن قيس إلى قريته بجنب القادسيّة ، فبعث إليه المختار في مئة من الموالي وغيرهم ، وخرج محمّد بن الأشعث فلحق بمصعب بن الزبير فهدم داره ٦ / ٦٦. فأمره مصعب أنْ يذهب إلى المهلّب بن أبي صفرة فيقبل به بكتاب مصعب إليه ، فذهب وجاء بالمهلّب لحرب المختار ٦ / ٩٤ ، وسرّح محمّد بن الأشعث في خيل عظيمة من خيل أهل الكوفة ممّن كان المختار ، طردهم فكانوا أشدّ عليهم من أهل البصرة لا يدركون مهزوماً أسيراً إلاّ قتلوه ٦ / ٩٧ فقُتل في حرب المختار مع مصعب ، فبعث مصعب ابنه عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث إلى كناسة الكوفة ٦ / ١٠٤.

(١) الفزارى : وهو ممّن كُتبت شهادته على حجر بن عدي الكندي ٥ / ٢٠٧ ، وهو الذي ذكّر الحجّاج بكميل بن زياد النّخعي وعمير بن ضابئ ، أنّهما ممّن خرج إلى عثمان فقتلهما الحجّاج ٤ / ٤٠٤.

واعترض على ابن زياد لضربه وحبسه لهانئ بن عروة ، فأمر به إلى الحبس ٥ / ٣٦٧ ، ثمّ كان مع أصحاب ابن مطيع العدوي ٦ / ٣١ ومع أصحاب مصعب بن الزبير سنة (٦٨ هـ) ٦ / ١٢٤.

(٢) سبقت ترجمته فيمَن كتب إلى الإمام (عليه السّلام) من أهل الكوفة ، فراجع.

(٣) يتشكّى ، أي : يشتكي ممّا به من السّقم والمرض.

(٤) عن أبي مِخْنف : عن المعلّى بن كليب ، عن أبي الودّاك والمجالد بن سعيد ، والحسن بن عقبة

١١٦

[هانئ يُدعى إلى ابن زياد]

فأتوه حتّى وقفوا عليه عشيّة ، وهو جالس على بابه ، فقالو : ما يمنعك من لقاء الأمير ، فإنّه قد ذكرك وقال : لو أعلم أنّه شاك لعدته؟ ، فقال لهم : الشكوى تمنعني. فقالوا له : يبلغه أنّك تجلس كلّ عشيّة على باب دارك ، وقد استبطأك والإبطاء والجفاء لا يحتمله السّلطان ، أقسمنا عليك لمّا ركبت معنا.

فدعا بثيابه فلبسها ، ثمّ دعا ببغله فركبها حتّى إذا دنا من القصر ، كأنّ نفسه أحسّت ببعض الذي كان ، فقال لحسّان بن خارجة : يابن أخي إنّي والله ، لهذا الرجل لخائف! فما ترى؟ قال : أي عمّ والله ، ما أتخوّف عليك شيئاً ، ولِمَ تجعل على نفسك سبيلاً وأنت بريء؟

فدخل القوم على ابن زياد ودخل معهم ، فلمّا طلع [على ابن زياد] ، قال عبيد الله [ابن زياد] : أتتك بحائن رجلاه (١) ، فلمّا دنا من ابن زياد و [كان] عنده شريح القاضي (٢) التفت نحوه ، فقال :

_________________

المرادي ونمير بن وعلة ، عن أبي الودّاك ٥ / ٣٦١ ـ ٣٦٤ ، وفي الإرشاد / ٢٠٨.

(١) الحائن : الأحمق ، وهو : مثل يُضرب لمثل المقام. وأخطأ مَن كتب : بخائن ، الفاخر / ٢٥١.

(٢) شريح بن الحارث الكندي : استقضاه عمر على الكوفة سنة (١٨ هـ) ٤ / ١٠١. وكان من المحرّضين لنصرة عثمان في أهل الكوفة ٤ / ٣٥٢. وكُتب في الشهود على حجر بن عدي شريح بن الحارث القاضي ، فكان يقول : سألني زياد عنه ، فأخبرته أنّه كان صوّاماً قوامّاً ٥ / ٢٧٠. واستشاره زياد لقطع يده المجذومة ، فأشار عليه بعدم القطع فلاموه فقال ، قال رسول الله (ص) : «المستشار مؤتمن» ٥ / ٢٨٩. وأراده ابن الزبير لقضاء الكوفة فأبى عليه ٥ / ٥٨٢ ، ولكنّه قبل القضاء للمختار ، فلمّا سمع أنّ أصحاب المختار يقولون فيه : أنّه كان عثمانياً ، وأنّه ممّن شهد على حجر بن عدي ، وأنّ علي بن أبي طالب عزله عن القضاء ، وأنّه لمْ يبلّغ عن هانئ ما أرسله به ؛ تمارض فجعل المختار مكانه عبد الله بن عتبة بن مسعود ، ثمّ عبد الله بن مالك الطائي ٦ / ٣٤ ، وبعد المختار قبل القضاء لابن الزبير ٦ / ١٤٩ واستعفى الحجّاج من القضاء ، وأشار عليه

١١٧

أريد حباءه ويريد قتلي

عذيرك من خليلك من مراد (١)

[هانئ عند ابن زياد]

فقال له هانئ : وما ذاك أيّها الأمير؟ قال : إيه يا هانئ بن عروة ، ما هذه الأمور التي تربصّ في دورك لأمير المؤمنين وعامّة المسلمين ، جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك وجمعت له السلاح والرجال في الدور حولك ، وظننت أنّ ذلك يُخفى عليّ لك؟

قال : ما فعلت ، وما مسلم عندي.

قال : بلى ، قد فعلت.

قال : ما فعلت.

قال : بلى.

فلمّا كثر ذلك بينهما وأبى هانئ إلاّ مجاحدته ومناكرته ، دعا ابن زياد معقلاً ـ ذلك العين ـ (٢) فجاء حتّى وقف بين يديه.

فقال : أتعرف هذا؟

قال : نعم. وعلم هانئ عند ذلك ، أنّه كان عيناً عليهم وأنّه قد أتاه بأخبارهم. فقال له : اسمع منّي وصدّق مقالتي فوالله ، لا أكذّبك والله الذي لا إله غيره ، ما دعوته إلى منزلي ولا علمت بشيء من أمره حتّى رأيته جالساً على بابي ، فسألني النزول عليّ فاستحييت من ردّه ، ودخلني من ذلك ذمام

_________________

بأبي بردة بن أبي موسى الأشعري سنة (٧٩ هـ) ، فأعفاه الحجّاج وولّى أبا بردة ٦ / ٣٢٤ ، فقضى نحواً من ستّين سنة.

(١) لعمرو بن معد يكرب الزبيدي. والحِباء ـ بكسر الحاء ـ من : الحبوة ، أي : العطاء. وفي الكامل ، والإرشاد / ٢٠٨ : أريد حياته ، وهو تحريف.

(٢) العين : الجاسوس.

١١٨

فأدخلته داري وضفته وآويته ، وقد كان من أمره الذي بلغك ، فإنْ شئت أعطيت الآن موثقاً مغلّظاً وما تطمئن إليه ألاّ أبغيك سوءاً ، وإنْ شئت أعطيتك رهينة تكون في يدك حتّى آتيك وأنطلق إليه فآمره أنْ يخرج من داري إلى حيث شاء من الأرض ، فأخرج من ذمامه وجواره.

فقال : لا والله ، لا تفارقني أبداً حتّى تأتيني به.

فقال : لا والله ، لا أجيئك [به] أبداً ، أنا أجيئك بضيفي تقتله!

قال : والله ، لتأتيني به.

قال : والله ، لا آتيك به.

فلمّا كثر الكلام بينهما قام مسلم بن عمرو الباهلي ، فقال : أصلح الله الأمير ، خلّني وإيّاه حتّى كلّمه. وقال لهانئ : قُم إليّ ههنا حتّى اكلّمك. فقام ، فخلا به ناحية من ابن زياد ، وهما منه على ذلك قريب حيث يراهما إذا رفعا أصواتهما سمع ما يقولان ، وإذا خفضا خفى عليه ما يقولان. فقال له مسلم [بن عمرو الباهلي] : يا هانئ ، إنّي انشدك الله ، أنْ تقتل نفسك وتدخل البلاء على قومك وعشيرتك! فوالله ، إنّي لأنفس بك عن القتل ، إنْ هذا الرجل [مسلم بن عقيل] ابن عمّ القوم وليسوا قاتليه ولا ضائريه ، فادفعه إليه ؛ فإنّه ليس عليك بذلك مخزاة ولا منقصة ، إنّما تدفعه إلى السّلطان.

قال : بلى والله ، إنّ عليّ في ذلك الخزي والعار ، أنا أدفع جاري وضيفي وأنا حيّ صحيح أسمع وأرى ، شديد السّاعد كثير الأعوان! والله ، لو لمْ أكن إلاّ واحداً ليس لي ناصر لمْ أدفعه إليه حتّى أموت دونه. وهو يرى أنّ عشيرته ستحرّك في شأنه ، فأخذ يناشده ، وهو يقول : لا والله ، لا أدفعه إليه أبداً.

فسمع ابن زياد ذلك ، فقال ادنوه : منّي ، فأدنوه منه.

فقال : والله ، لتأتيني به أو لأضربنّ عنقك.

١١٩

قال : إذاً تكثر البارقة حول دارك (١). وهو يظنّ أنّ عشيرته يسمعونه.

فقال : والهفاه عليك! أبالبارقة تخوّفني؟! أدنوه منّي ، فأُدني فاستعرض وجهه بالقضيب فلمْ يزل يضرب أنفه وجبينه وخدّه حتّى كسر أنفه وسيّل الدماء على ثيابه ، ونثر لحم خدّيه وجبينه على لحيته حتّى كسر القضيب.

وضرب هانئ بيده إلى قائم سيف شرطيّ من تلك الرجال وجاذبه الرجل ومنع.

فقال عبيد الله [بن زياد] أحروريّ سائر اليوم (٢)! أحللت بنفسك قد حلّ لنا قتلك ، خذوه فألقوة في بيت من بيوت الدار وأغلقوا عليه بابه واجعلوا عليه حرساً ، ففعل ذلك به.

فقام إليه أسماء بن خارجة ، فقال : أرُسُل غدر سائر اليوم! أمرتنا أنْ نحيئك بالرجل حتّى إذا جئناك به وأدخلناه عليك هشّمت وجهه وسيّلت دمه على لحيته ، وزعمت أنّك تقتله؟ فقال له عبيد الله : وإنّك لها هنا ، فأمر به فلُهز وتُعتع به (٣) فحُبس.

_________________

(١) وروى الطبري ، عن عيسى بن يزيد الكناني : أنّ ابن زياد قال له : يا هانئ ، أمَا تعلم أنّ أبي قدم هذا البلد ، فلمْ يترك أحداً من هذه الشيعة إلاّ قتله غير أبيك وغير حجر ، وكان من حجر ما قد علمت؟ ثمّ لمْ يزل يحسن صحبتك ، ثمّ كتب إلى أمير الكوفة إنّ حاجتي قبلك هانئ؟ قال : نعم. قال : فكان جزائي أنْ خبّأت في بيتك رجلاً ليقتلني! قال : ما فعلت.

فأخرج التميمي [أي : مولاهم] الذي كان عيناً عليهم ، فلمّا رآه هانئ علم أنْ قد أخبره الخبر ، فقال : أيها الأمير ، قد كان الذي بلغك ولن أضيّع يدك عنّي ، فأنت آمن وأهلك فسر حيث شئت!

وكان مهران ـ مولاه ـ قائماً على رأسه في يده معكزة ، فقال : وا ذُلاّه! هذا العبد الحائك يؤمّنّك في سلطانك! وطرح إليه المعكزة ، وقال : خذه. وأخذ بضفيرتي هانئ وأخذ عبيد الله المعكزة ، فضرب بها وجه هانئ حتّى كسّر أنفه وجبينه ، وندر الزّج فارتزّ في الجدار ٥ / ٣٦١.

(٢) نسبة إلى : حروراء من نواحي الكوفة ، وهو أوّل موضع خرج فيه الخوارج على علي (عليه السّلام).

(٣) التعتعة : الحركة العنيفة. واللهز : الضرب في اللهازم ، أي : مجامع ثيابه فوق صدره إلى عنقه.

١٢٠