المنطق

الشيخ محمّد رضا المظفّر

المنطق

المؤلف:

الشيخ محمّد رضا المظفّر


الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٥

من انحاء الدلالة سواء کانت بسبب الاشتراک اللفظي أو النقل او المجاز أو الاستعارة أو التشبيه أو التشابه أو الاطلاق والتقييد أو نحو ذلک.

وأکثر اشتباه الناس وغلطهم ومغالطاتهم وخلافاتهم من أقدم العصور يرجع الى هذه الناحية اللفطية حتي انه نقل عن افلاطون الحکيم انه وضع کتابا في خصوص صناعة المغالطة دون باقي اجزاء المنطق وحصرها في هذا القسم من المغالطات اللفظية واغفل باقي الاقسام.

ومن أجل هذاکان ألزم شيء للباحثين أن يوضحوا ويحددوا التعبير باللفظ عن مقاصدهم قبل کل بحث حتي لا يلقي الکلام على عواهنه. فان کل لفظ اطاره الذهني الخاص به الذي قد يختلف باختلاف العصور أو البيئات أو العلوم والفنون بل الاشخاص.

ويطول علينا ذکر الامثلة لهذا القسم. وحسبک کلمة الوجود والماهية في علم الفلسفة وکلمة الحسن والقبح والرؤية في علم الکلام وکلمة الحرية والوطن في الاجتماعيات ... وهکذا. ونستطيع ان نلتقط من کل علم وفن أمثلة کثيرة لذلک.

٢ ـ المغالطه في هيئه الفظ الذاتيه

وهي فيما اذا کان اللفظ يتعدد معناه من جهة تصريفه أو من جهة تذکيره وتأنيثه أو کونه اسم فاعل أو اسم مفعول. ولعدم تمييز احدهما عن الآخر يقع الاشتباه والغلط فيوضع حکم أحدهما للآخر. مثل لفظ (العدل) من جهة کونه مصدرا مرة وصفة أخري. ولفظ (تقوم) من جهة کونه خطابا للمذکر مرة وللمؤنث الغائبة أخري. ولفظ (المختار) و(المعتاد) اسم فاعل مرة واسم مفعول أخري ... وهکذا.

٣ ـ المغالطة في الإعراب والإعجام :

وهي فيما اذا کان اللفظ يتعدد معناه بسبب أمور عارضة على هيئة خارجة عن ذاته بأن يصحف اللفظ نطقا أو خطا باعجام أو حرکات في صيغته أو اعرابه. مثل

٤٢١

ما قال الرئيس ابن سينا بما معناه : ان الحکماء قالوا أنه تعالي بحت وجوده فصحفه بعضهم فظن أنهم قصدوا يجب وجوده.

(تنبيه) ان النوعين الاخيرين يرجعان في الحقيقة الى الاشتباه من جهة الاشتراک في اللفظ غير انهما من جهة هيئته لا جوهره. ولما کان النوع الاول يرجع الى جوهر اللفظ خصوه باسم اشتراک الاسم. بل ان الانواع الثلاثة الآتية ترجع من وجه الى اشتراک اللفظ.

٤ ـ مغالطة المماراة

وهي ما تکون المغالطة تحدث في نفس ترکيب الالفاظ. وذلک فيما اذا لم يکن اشتراک في نفس الالفاظ ولا اشتباه فيها ولکن بترکيبها وتأليفها يحصل الاشتراک والاشتباه. مثل قول عقيل لما طلب منه معاوية بن أبي سفيان ان يعلن سب أخيه على بن أبي طالب عليه السلام فصعد المنبر وقال : أمرني معاوية ان اسب عليا. ألا فالعنوه!. وهذا الايهام جاء من جهة اشتراک عود الضمير فأظهر انه اشتجاب لدعوة معاوية وانما قصد لعنه. ومثل هذا جواب من سئل : من أفضل اصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله بعده؟ فقال : «من بنته في بيته».

ومن قسم المماراة التورية والاستخدام المذکورين في أنواع البديع.

٥ ـ مغالطه تركيب المفصل

وهي ما تکون المغالطة بسبب توهم وجود تأليف بين الالفاظ المفردة وهو ليس بموجود. وذلک بأن يکون الحکم في القضية مع عدم ملاحظة التأليف صادقا ومع ملاحظته کاذبا فيصدق الکلام مفصلا لا مرکبا فلذلک سمي هذا النوع (مغالطة ترکيب المفصل). وسماه الشيخ الطوسي (المغالطة باشتراک القسمة).

وهو على نحوين : اما ان يکون التفصيل والترکيب في الموضوع أو المحمول.

(الاول) ان يکون الموضوع له عدة اجزاء وکل جزء منها له حکم خاص والاحکام بحسب کل جزء صادقة واذا جعلنا الموضوع المرکب من الاجزاء بما هو

٤٢٢

مرکب کانت الاحکام بحسبه کاذبة. کما يقال مثلا :

الخمسة زوج وفرد.

وکل ما کان زوجا وفردا فهو زوج

(مثل ان يقال کل أصفر وحلو فهو اصفر)

... الخمسة زوج.

وهذه النتيجة کاذبة مع صدق المقدمتين. والسر في ذلک انه في (الصغري) الموضوع وهو الخمسة اذا لوحظ بحسب التفصيل والتحليل الى اثنين وثلاثة صح الحکم عليه بحسب کل جزء بأنه زوج وفرد أي الاثنان زوج والثلاثة فرد. اما اذا لوحظ بحسب الترکيب فليس عدد الخمسة بما هي خمسة الا فردا فيکون الحکم عليه بأنه زوج وفرد کاذبا.

وکذلک في (الکبري) الموضوع وهو ما کان زوجا وفردا ان لوحظ بحسب التفصيل والتحليل کملاحظة ما هو أصفر وحلو في الحکم عليه بأنه أصفر صح الحکم عليه بأنه زوج. اما اذا لوحظ بحسب الترکيب فالحکم عليه بأنه زوج کاذب لان المرکب من الزوج والفرد فرد.

أما الموضوع في النتيجة (الخمسة زوج) فلا يصح أن يؤخذ الا بحسب الترکيب لان الحکم على أي عدد بانه زوج فقط أو فرد فقط لا يصح الا اذا لوحظ بما هو مرکب ولا يصح ان يلاحظ بحسب التحليل والتفصيل الا اذا حکم عليه بهما معا أو بانه زوج وزوج أو بانه فرد وفرد. ومن هنا کان الحکم على الخمسة بأنها زوج کاذبا.

فتحصل ان الموضوع في الصغري والکبري لوحظ بحسب التفصيل والتحليل ولذا کانتا صادقتين. وفي النتيجة لوحظ بحسب الترکيب فکانت کاذبة.

فاذا اشتبه الامر على القايس أو المخاطب ورکب ما هو مفصل وقعت المغالطة وکان الغلط.

٤٢٣

(الثاني) ان يکون المحمول له عدة اجزاء وکل جزء اذا حکم به منفردا على الموضوع کان صادقا واذا حکم بالجميع بحسب الترکيب بينها ? أي المرکب بما هو مرکب ? کان کاذبا.

مثاله :

اذا کان زيد شاعرا غير ماهر في شعره وکان ماهرا في فن آخر وهو الخياطة مثلا ? فانه يصح أن يحکم عليه بانفراد بأنه شاعر مطلقا ويصح أيضا ان يحکم عليه بانفراد بأنه ماهر مطلقا. فاذا جمعت بين الحکمين في عبارة واحدة وقلت : زيد شاعر وماهر فان هذه العبارة توهم أن هذا الحکم وقع بحسب الترکيب بين الحکمين أي انه شاعر ماهر في شعره. وهو حکم کاذب حسب الفرض. ولکن اذا لوحظ بحسب التفصيل والتحليل الى حکمين احدهما غير مقيد بالآخر کان صادقا.

٦ ـ مغالطه تفصيل المركب

وهو ما تکون المغالطة بسبب توهم عدم التأليف والترکيب مع فرض وجوده. وذلک بأن يکون الحکم في القضية بحسب التأليف والترکيب صادقا وبحسب التفصيل والتحليل کاذبا فيصدق مرکبا لا مفصلا. فلذا سمي هذا النوع (مغالطة تفصيل المرکب). وسماه الشيخ الطوسي (المغالطة باشتراک التأليف).

مثاله : «الخمسة زوج وفرد».

فانه انما يصح اذا حمل الجزء ان معا بحسب الترکيب بينهما على الخمسة بأن تکون الواو عاطفة بمعني جمع الاجزاء کالحکم على الدار بأنها آجر وجص وخشب أي انها مرکبة من مجموع هذه الاجزاء. واما اذا حمل کل من الجزءين بانفراده بحسب التفصيل والتحليل بأن تکون الواو عاطفة بمعني الجمع بين الصفات کان الحکم کاذبا کالحکم على شخص بانه شاعر وکاتب لان عدد الخمسة ليس الافردا بل يستحيل ان يکون عدد واحد فردا وزوجا معا.

فمن لاحظ الحمل في مثل هذه القضية بحسب التفصيل والتحليل أي توهم عدم الترکيب فقد کان غالطا أو مغالطا

٤٢٤

٤٢٥

ـ ٢ ـ

المغالطات المعنويه

نقصد بالمغالطة المعنوية کل مغالطة غير لفظية کما قدمنا. وهي على سبعة أنواع لانها تنقسم بالقسمة الاولية الى قسمين :

أ ـ ما تقع في التأليف بين جزأي قضية واحدة.

ب ـ ما تقع في التأليف بين القضايا.

والاول له ثلاثة أنواع والثاني له أربعة أنواع. فهذه سبعة لأن :

(الاول) وهو ما يقع في التأليف بين جزئي القضية ينقسم بالقسمة الاولية الى قسمين لانه اما ان يقع لخلل في الجزءين معا أو في جزء واحد والثاني اما ان يحذف الجزء ببدله أو يذکر ليس على ما ينبغي. فهذه ثلاثة أنواع :

١ ـ (ايهام الانعکاس) وهو ان يقع الخلل في الجزءين معا. وذلک بأن يعکس موضعهما فيجعل الموضوع محمولا وبالعکس أو يجعل المقدم تاليا وبالعکس.

٢ ـ (اخذ ما بالعرض مکان ما بالذات) وهو ان يقع الخلل بجزء واحد بأن يحذف الجزء ويذکر مکانه ما هو بدله اما عارضه أو معروضه واما لازمه أو ملزومه.

٣ ـ (سوء اعتبار الحمل) وهو ان يقع الخلل بجزء واحد بان يذکر ليس على ما ينبغي اما بان يوضع معه ما ليس منه ولا من قيوده أو يحذف ما هو منه ومن قيوده وشروطه.

و(الثاني) وهو ما يقع في التأليف بين القضايا ينقسم بالقسمة الاولية الى قسمين :

__________________

١ ـ الجزءان هما الموضوع والمحمول او المقدم والتالي :

٤٢٦

اما ان يکون التأليف غير قياسي أي لا تؤلف تلک القضايا قياسا واما أن يکون التأليف قياسيا. و(الثاني) اما ان يقع الخلل في نفس تأليف المقدمات وذلک بخروجه عن الاصول والقواعد المقررة للقياس والبرهان والجدل واما ان يقع بملاحظة المقدمات الى النتيجة. و(الثاني) اما لان النتيجة عين احدي المقدمات واما لان النتيجة غير مطلوبة بالقياس. فهذه اربعة أنواع :

١ ـ (جمع المسائل في مسألة واحدة). وهو ان يقع الخلل في التأليف بين القضايا التي ليس تأليفها قياسيا بأن يتوهم ان تلک القضايا قضية واحدة.

٢ ـ (سوء التأليف). وهو ان يقع الخلل في نفس تأليف المقدمات بخروجه على أصول وقواعد القياس والبرهان والجدل.

٣ ـ (المصادرة على المطلوب). وهو ان يقع الخلل في المقدمات بملاحظة النتيجة باعتبار انها عين احدي المقدمات.

٤ ـ (وضع ما ليس بعلة علة). وهو ان يقع الخلل في المقدمات بملاحظة النتيجة باعتبار انها ليست مطلوبة منها.

فکملت بذلک سبعة أنواع للمغالطات المعنوية نذکرها بالتفصيل :

٤٢٧

٤٢٨

١ ـ ايهام الانعکاس

وهو کما قدمنا ان يوضع المحمول الموضوع أو التالي والمقدم احدهما مکان الآخر. وهذا ينشأ من عدم التمييز بين اللازم والملزوم والخاص والعام. واکثر ما يقع ذلک في الامور الحسية.

مثلا : لما کان کل عسل أصفر وسيالا فقد يظن الظان ان کل ما هو اصفر وسيال فهو عسل.

مثل آخر : قد يظن الظان ان کل سعيد لا بد أن يکون ذا ثروة حينما يشاهد ان کل ذي ثروة سعيد.

وأمثال هذه الامور يقع الغلط فيها کثيرا عند العامة. ولا جله اشتراط المنطقيون في العکس المستوي للموجبة الکلية ان تعکس الى موجبة جزئية تجنبا عن هذا الغلط وضمانا لصدق العکس.

٢ ـ أخذ ما بالعرض مکان ما بالذات

وهو أن يوضع بدل جزء القضية الحقيقي غيره مما يشتبه به کعارضه ومعروضه او لازمه وملزومه. ومن موارد ذلک :

١ ـ ان تکون لموضوع واحد عدة عوارض ذاتية له فيحمل أحد هذه العوارض على العارض الآخر بتوهم انه من عوارضه بينما هو في الحقيقة من عوارض موضوعه ومعروضه.

مثلا يقال : ان کل ماء طاهر وان کال ماء لا يتنجس بملاقاة النجاسة اذا بلغ کرا فقد يظن الظان من ذلک : ان کل طاهر لا يتنجس بملاقاة النجاسة اذا بلغ کرا يعني يظن أن خاصية عدم التنجس بملاقاة النجاسة عند بلوغ الکر هي خاصية للطاهر بما هو طاهر لا للماء الطاهر فيحسب ان الطاهر غير الماء من المايعات اذا بلغ کرا کان له هذا الحکم.

فقد حذف هنا الموضوع وهو (الماء) ووضع بدله عارضه وهو (طاهر).

٢ ـ ان يکون لموضوع عارض ولهذا العارض عارض آخر فيحمل عارض

٤٢٩

العارض على الموضوع بتوهم انه من عوارضه بينما هو في الحقيقة من عوارض عوارضه.

مثلا يقال : الجسم يعرض عليه انه ابيض والابيض يعرض عليه انه مفرق للبصر فيقال : الجسم مفرق للبصر. بينما از الابيض في الحقيقة هو المفرق للبصر لا الجسم بما هو جسم.

فقد حذف هنا الموضوع وهو الابيض ووضع بدله معروضه وهو الجسم وان شئت قلت حذف المحمول وهو الابيض ووضع بدله عارضه وهو فرق للبصر.

٣ ـ سوء اعتبار الحمل

وهو کما تقدم ان يورد الجزء ليس على ما ينبغي وذلک بأن يوضع معه قيد ليس منه أو يحذف منه ما هو منه کقيده وشرطه.

فالاول مثل ما قد يتوهمه بعضهم ان الالفاظ موضوعة للمعاني بما هي موجودة في الذهن فأخذ في الموضوع قيد (بما هي موجودة في الذهن) بينما ان الموضوع في قولنا : «المعاني وضعت لها الالفاظ» هي المعاني بما هي معان من حيث هي لا بما هي موجودة في الذهن.

والثاني يحصل في موارد اختلال احدي الوحدات الثمان المذکورة في شروط التناقض مثل ما حسبه بعضهم ان الماء مطلقا لا يتنجس بملاقاة النجاسة بينما ان الصحيح ان الماء بقيد إذا بلغ کراً له هذا الحکم فحذف قيد (اذا بلغ کرا).

ومن هذا الباب ما تخيله بعضهم أن قولهم (الجزئي لي بجزئي) من التناقض اذ حذف قيد الموضوع بينما أن المقصود في مثل هذا الحمل ان الجزئي بما له من المفهوم ليس بجزئي لانه کلي لا مصداق الجزئي أي الجزئي بالحمل الشايع.

فعدم التفرقة بين ما هو بالحمل الشايع وبين ما هو بالحمل الاولي أي بين المعنون والعنوان يعد من سوء اعتبار الحمل.

٤٣٠

٤ ـ جمع المسائل في مسألة واحدة

وهو الخلل الواقع في قضايا ليست بقياس بأن يقع الخلل في القضية الواردة على نحو السؤال بحسب اعتبار نقيضها کان يورد السائل غير النقيض طرفا للسؤال مکان النقيض بينما يجب ان يکون النقيض هو الطرف له فتکثر الاسئلة عندة بذلک حقيقة مع انه ظاهرا لم يورد الا سؤالا واحدا فتجتمع حينئذ المسائل في مسألة واحدة.

توضيح ذلک : ان السائل اذا سأل عن طرفي المتناقضين فليس له الا سؤال واحد عن الطرفين اليجاب والسلب مث ان يقول : «أزيد شاعر ام لا؟» فلا تکون عنده الا مسألة واحدة وليس لها الا جواب واحد اما الاثبات أو النفي (نعم! أو لا!).

اما اذا ردد السائل بين غير المتناقضين مثل ان يقول : «ازيد شاعر ام کاتب» فان سؤاله هذا ينحل الى سؤالين ومسألته الى مسألتين : احدهما أکاتب هو ام لا؟ ثانيهما اشاعر هو ام لا؟. فيکون جمعا لمسألتين في مسألة واحدة.

وکلما تعددت الاطراف المسؤول عنها تعددت المسائل بحسبها.

وبقي أن نعرف لماذا يکون هذا من المغالطة؟ فنقول : ان ورود سؤال واحد ينحل الى عدة اسئلة قد يوجب تحير المجيب ووقوعه في الغلط بالجواب. وليس هذا التغليط من جهة کون التأليف بين هذه القضايا التي ينحل اليها السؤال قياسيا بل هي بالفعل لا تؤلف قياسا فلذلک جعلنا هذا النوع مقابلا لانواع الخلل الواقع في التأليف القياسي الآتية :

نعم قد تنحل قضية الى فضيتين مثل قولهم (زيد وحده کاتب) فانها قضية واحدة ظاهرا ولکنها تنحل الى قضيتين : زيد کاتب وأن من سواه ليس بکاتب. ويمکن ان يقال عنها جميع المسائل في مسألة واحدة باعتبار ان کل قضية يمکن ان تسمي مسألة باعتبار انها قد تطلب ويسأل عنها.

ولو انک جعلت مثلها جزء قياس فان القياس الذي يتألف منها لا يکون سليما

٤٣١

ويکون مغالطةکما لو قيل : «الانسان وحده ضحاک. وکل ضحاک حيوان. ينتج الانسان وحده حيوان» والنتيجة کاذبة مع صدق المقدمتين. وما هذا الخلل الالان احدي مقدمتيه من باب جمع المسائل في مسألة واحدة اذ تصبح القضية الواحدة اکثر من قضيتين فيکون القياس مؤلفا من ثلاث قضايا. مع انه لا يتألف قياس بسيط من اکثر من مقدمتين.

وعليه يمکن ان يقال : ان جمع المسائل في مسألة واحدة مما يقع في تأليف قياسي ويوجب المغالطة. ولاجل هذا مثل بعضهم لجمع المسائل بهذا المثال المتقدم.

ولکن الحق ان هذا المثال ليس بصحيح وان وقع في کثير من کتب المنطق المعتبرة لان هذا الخلل في الحقيقة يرجع الى (سوء التأليف) الآتي ولا يکون هذا نوعا مقابلا للانواع التي تخص التأليف القياسي. على ان الظاهر من تعبيرهم بالمسألة في هذا الباب ارادة المسألة بمعناها اللغوي الحقيقي لا القضية مطلقا وان کانت خبرا والا لحسن ان يقولوا : جمع القضايا في قضية واحدة.

٥ ـ سوء التأليف

وهو کما تقدم ان يقع خلل في تأليف القياس اما من جهة مادته أو صورته اذ يکون خارجا على القواعد المقررة للقياس والبرهان والجدل. ويعرف سوء التأليف من معرفة شرائط القياس فانه اذا عرفنا شرائطه وقواعده فقد عرفنا الخلل بفقد واحد منها. وهذا قد يکون واضحا جليا وقد يکون خفيا دقيقا. وقد يبلغ من الخفاء درجة لا تنکشف الا للخاصة من العلماء.

والقياس المورد بحسب المغالطة ليس بقياس في الحقيقة بل شبيه به. وکذا يکون شبيها بالبرهان والجدل. واطلاق اسمائها عليه کاطلاق اسم الشخص مثلا على صورته الفوتوغرافية فنقول : هذا فلان. وصورته في الحقيقة ليست اياه بل شبيهة به مباينة له وجودا وحقيقة.

وانما تتحقق صورة القياس الحقيقي ويستحق اسم القياس عليه اذا اجتمعت في الامور الآتية :

٤٣٢

١ ـ ان تکون له مقدمتان.

٢ ـ ان تکون المقدمتان منفصلتين احداهما عن الاخري.

٣ ـ ان تکون کل من المقدمتين في الحقيقة قضية واحدة لا انها تنحل الى أکثر من قضية واحدة لان القياس لا يتألف من أکثر من مقدمتين الا اذا کان اکثر من قياس واحد أي قياس مرکب.

٤ ـ ان تکون المقدمتان أعرف من النتيجة فلو کانا متساويين معرفة أو أخفي لا انتاج کما في المتضائفين.

٥ ـ ان تکون حدوده متمايزة (أي الاصغر والاکبر والاوسط).

٦ ـ ان يتکرر الحد الاوسط في المقدمتين أي ان المقدمتين يجب أن يشترکا في الحد الاوسط.

٧ ـ ان يکون اشتراک المقدمتين والنتيجة في الحدين الاصغر والاکبر اشتراکا حقيقيا.

٨ ـ ان تکون صورة القياس منتجة بأن تکون حاوية على شرائط الاشکال الاربعة. من ناحية الکم والکيف والجهة.

فاذا کانت النتيجة کاذبة مع فرض صدق المقدمتين فلا بد ان يکون کذبها لفقد أحد الامور المتقدمة فيجب البحث عنه لکشف المغالطة فيه ان أراد تجنب الغلط والتخلص من المغالطة.

٦ ـ المصادره بالمطلوب

وهي أن تکون الحدي المقدمات نفس النتيجة واقعا وان کانت بالظاهر بحسب رواجها على العقول غيرها کما يقال مثلا : «کل انسان بشر. وکل بشر ضحاک. ينتج : کل انسان ضحال» فان النتيجة عين الکبري فيه. وانما يقع الاشتباه لو وقع في مثله فلتغاير لفظي البشر والانسان فيظن انهما متغايران معني فيروج ذلک على ضعيف التمييز.

٤٣٣

والمصادرة قد تکون ظاهرة وقد تکون خفية :

أما (الظاهرة) فعلي الاغلب تقع في القياس البسيط کالمثال المتقدم.

واما (الخفية) فعل الاغلب تقع في الاقيسة المرکبة اذ تکون النتيجة فيها بعيدة عن المقدمة في الذکر. ولاجل هذا تکون اکثر رواجا على المخاطبين المغفلين. وکلما کانت أبعد في الذکر کانت المصادرة أخفي واقرب الى القبول.

مثال ذلک قولهم في علم الهندسة :

اذا قاطع خط خطين متوازيين فان مجموع الزاويتين الحادثتين الداخلتين من جهة واحدة يساوي قائمتين ... هذا هو مطلوب (أي نتيجة).

وقد يستدل لعيه بقياس مرکب بأن يقال مثلا : لولم يکن مجموعهما يساوي قائمتين لتلاقي الخطان المتوازيان. ولو تلاقيا لحدث مثلث زاويتان منه فقط تساوي قائمتين. هذا خلف لان المثلث دائما مجموع زواياه کلها تساوي قائمتين.

فانه بالاخير استدل على تساوي مجموع الزاويتين الداخلتين من جهة واحدة للقائمتين بتساويهما للقائمتين. وهي مصادرة باطلة قد تخفي على المغفل لترکب الاستدلال وبعد النتيجة عن المقدمة التي هي نفسها.

واعلم ان المصادرة انماتقع بسبب اشتراک الحد الاوسط مع احد الحدين الآخرين في واحدة من المقدمتين فلا بد ان تکون هذه المقدمة محمولها وموضوعها شيئا واحدا حقيقة. أما المقدمة الثانية فلا بد أن تکون نفس المطلوب (النتيجة). کما يتضح ذلک في مثال القياس البسيط.

والمصادرة على هذا ترجع في الحقيقة الى أن القياس يکون فيها مؤلفا من مقدمة واحدة.

٧ ـ وضع ما ليس بعله عله

تقدم في بحث البرهان أن البرهان يتقوم بأن يکون الاوسط علة للعلم بثبوت الاکبر للاصغر کما انه يعتبر فيه المناسبة بين النتيجة والمقدمات وضرورية المقدمات.

٤٣٤

فان اختل أحد هذه الامور ونحوها بان يظن ان الحد الاوسط علة لثبوت الاکبر للاصغر أو يظن المناسبة بين النتيجة والمقدمات أوانها ضرورية وليست هي في الواقع کما ظن وتوهم فان کل ذلک يکون من باب وضع ما ليس بعلة علة. ويکون جعل القياس المؤلف على حسبها برهانا مغالطة موجبة لتوهم انه برهان حقيقي.

مثاله :

ما ظنه بعض الفلاسفة المتقدمين من جواز انقلاب العناصر بعضها الى بعض باعتبار ان العناصر اربعة وهي الماء والهواء والنار والتراب فقالوا بانقلاب الهواء ماء والماء هواء. واستدلوا على الاول بما يشاهد من تجمع ذرات الماء على سطح الاناء الخارجي عند اشتداد برودته فظنوا ان الهواء انقلب ماء وعلى الثاني بما يشاهد من تبخر الماء عند ورود الحرارة الشديدة عليه فظنوا ان الماء انقلب هواء.

وباستدلالهم هذا قد وضعوا ما ليس بعلة علة اذ حسبوا ان العلة في الانقلاب هو تجمع ذرات الماء على الاناء وتبخر الماء بينما ان ما حسبوه علة ليس بعلة فان الماء انما يتجمع من ذرات البخار الموجودة في الهواء والبخار هو ذرات الماء فالماء لا الهواء تحول الى ماء أي ان الماء تجمع. وکذلک حينما يتبخر الماء بالحرارة يتحول الى ذرات صغيرة من الماء هي البخار فالماء قد تحول الى الماء لا الى الهواء أي ان الماء تفرق.

٤٣٥

المبحث الثالث

اجزاء الصناعه العرضيه

وهي الامور الخرجة عن نفس متن التبکيت ومع ذلک موجبة لوقوع الغير في الغلط.

ويلتجيء اليها غالبا من يقصر باعه عن مجاراة خصمه بالکلام المقبول والقياس الذي عليه سمة البرهان أو الجدل. والحقد على الخصم والتعصب الاعمي لرأي أو مذهب هما اللذان يدعوان خفيف الميزان في المعرفة الى اتخاذ هذه السبل في المغالطة حينما يعجز عن المغالطة في نفس القياس التبکيتي.

ومن نافلة القول ان نذکر أن اکثر من يتصدي للخصا. والجدل في العقائده والنقد والرد في المذاهب الاجتماعية والسياسية هم من اولئک خفيفي الميزان والا فالعلماء والمثقفون اکثر ادبا وصونا لکلامهم وحرصا على سلامة بيانهم وان تعصبوا وغالطوا. اما طلاب الحق المخلصون له من العلماء فهم النخبة المختارة من البشر الذين يندر وجودهم ندرة الماس في الفحم لا يتعصبون لغير الحق ولا يغالطون الا في الحق رحمة بالناس وشفقة على عقائدهم والحقيقة عندهم فوق جميع الاعتبارات لا تأخذهم فيها لومة لائم.

وعلى کل حال فان هذه الامور الخارجة عن التبکيت الموجبة للمغالطة يمکن ارجاعها الى سبعة أمور :

١ ـ التشنيع على الخصم بما هو مسلّم عنده أو بما اعترف به. وذلک بأن ينسبه الى القول بخلاف الحق أو المشهور سواء کان ما سلم به أو اعترف به حقيقة هو خلاف الحق أو المشهور أو انه يظهره بذلک تنکيلا به.

وهذا لا فرق بين ان يکون تشنيعه عليه بقول کان قد قاله سابقا أو يجره اليه

٤٣٦

بسؤال أو نحوه مثل ان يوجه اليه سؤالا يردده بين طرفين غير مرددين بين النفي والاثبات فيکون لهما وجه ثالث أو رابع لا يذکره ويخفيه على الخصم. ولا شک ان الترديد بين شيئين فقط يوهم لاول وهلة الحصر فيهما فقد يظن الخصم الحصر فيوقعه فيما يوجب التشنيع عليه. کأن يقول له مثلا : هل تعتقد ان طاعة الحکومة ضميره او واجبه الديني أو الوطني وهذا شنيع فيکون الاعتراف به مجالا للتشنيع عليه. وان قال بالثاني فان هذا قد يوجب الاخلال بالنظام أو الوقوع في المهالک وهذا شنيع أيضا فيکون الاعتراف به مجالا للتشنيع عليه. وقد يغفل الخصم المسؤول عن وجه ثالث فيه التفصيل بين الرأيين لينقذ نفسه من هذه الورطة.

وهذا ونحوه قد يوجب ارتباک الخصم وحيرته فيغلط في اختياره ورأيه ويضيع عليه وجه الصواب.

٢ ـ ان يدفعه الى القول الباطل أو الشنيع بأن يخدعه ليقول ذلک وهو غافل فيوقعه في الغلط اما بسؤال أو مجاورة يوهمه فيها خلاف الواقع والمشهور.

٣ ـ ان يثير في نفسه الغضب أو الشعور بنقصه فيربک عليه تفکيره وتوجه ذهنه مثل ان يشتمه أو يقدح فيه أو يخجله أو يحقره أو يستهزيء به او يسفهه او يسأله عن اشياء يجهلها أو يلفت نظر الحاضرين الى ما فيه من عيوب جسمية أو نفسية.

٤ ـ ان يستعمل معه الالفاظ الغريبة والمصطلحات غير المتداولة والعبارات المغلقة فيحيره ولا يدري ما يجيب به فيغلط.

٥ ـ أن يدس في کلامه الحشو والزوائد الخارجة عن الصدد أو الکلام غير

المفهوم أو يطول في کلامه تطويلا مملا بما يجعله يفقد الاحاطة بجميع الکلام وربط صدره بذيله.

٦ ـ ان يستعين على اسکاته وارباکه برفع الصوت والصراخ وحرکات اليدين وضرب احدهما بالاخري والقيام والقعود ونحوها من الحرکات المثيرة المهيجة والمربکة.

٤٣٧

٧ ـ ان يعيره بعبارات تبدو أنها تفقد ميزة آراء الخصم وصحتها في نظر العامة أو تحمله على التشکيک أو الزهد فيها. وهذا أمر يستعمله اکثر المتخاصمين من القديم. مثل تعبير خصوم اتباع آل البيت عنهم بالرافضة. وتعبير ذوي السلطات عن المطالبين بحقوقهم في هذا العصر بالثوار أو العصابات أو المفسدين أو قطاع الطريق او نحو ذلک. وتعبير دعاة التجدد عن أهل الدين بالرجعيين وعن الآراء القديمة بالخرافات. وتعبير المتمسکين بالقديم دعاة الاصلاح بالمتجددين أو الکافرين أو الزنادقة ... وهکذا يتخذ کل خصم لخصمه عبارات معيرة ومعبرة عن بطلان آرائه ومقاصده مما يطول شرحه.

عصمنا الله تعالي من المغالطات وقول الزور انه اکرم مسؤول!

انتهى الجزء الثالث

٤٣٨

ورد للمؤلف عدة رسائل في الثناء على الكتاب حين صدور الطبعة الأولى للجزء الأول ، ونشرت كثير من الصحف تعاليق مطولة حوله. والمؤلف يعتز بهذه الرسالة التي وردته من العلامة الجليل حجة الإسلام الشيخ المرتضى من آل يس وكان يومئذ بالكاظمية ، ففضل نشرها فقط في آخر الكتاب :

بسم الله الرحمن الرحيم

عليك مني أفضل التحية والسلام.

وبعد فلا أكتمك أيها الأخ الكريم! إن طبعي لم يعد ذلك الطبع الفاره الذي يتسع أفقه لاصطناع الكلام أو التفنن في القول فيما يعرض له من الموضوعات التي تدعو الحاجة إلى مواجهتها برأيه واضحا صريحا ، على الرغم من أن هذا الانكماش الطبعي مما لا تقره الروح السائدة في هذا الجو الملئ بالمجاملات ، ولكن ماذا أصنع وقد منيت بهذا الانكماش فجأة لا بالاختيار ، فزهدني في الانصياع لاحكام هذه الروح المتواضع عليها في عرف المتخاطبين ، كما زهدني في كثير من شؤون هذه الحياة التي كنت أتوفر عليها في كثير من التذوق والرغبة. لذلك فإني أعتذر إليك مما سأضعه بين يديك من كلمة صغيرة خضع لها هذا الطبع الشاذ طيعا ، حين استحوذ عليه الشعور بالواجب ، فاندفع إليها اندفاعا يسجل بها الحقيقة الراهنة ، ويقرر بها الأمر الواقع لا أقل ولا أكثر ، دون أن يكون للمجاملة فيها أي أثر يذكر.

٤٣٩

وخلاصتها : أني ما كدت أن أفرغ من مطالعة كتابك القيم كتاب «المنطق» ـ الذي نعمت بالاطلاع عليه أخيرا من حيث لا أحتسب ـ حتى وجدتني قد امتلأت إعجابا به وتقديرا لمؤلفه وإكبارا للجهود العظيمة الماثلة في كل شأن من شؤونه.

فقلت إذ ذاك مخاطبا إياك كأني أراك : ما أجدرك منذ اليوم أن تدعى «المظفر» حقا! إذ فتح الله على يديك هذا الفتح المبين ، وعسى أن يكون لهذا الفتح ما بعده من الفتوح في ميادين العلم والأدب ، حتى يتواصل الفتح ويتلاحق الظفر على يديك أيها البطل الفاتح المظفر! والسلام عليك وعلى شيخينا الجليلين الحسن والحسين ورحمة الله وبركاته.

١٦ / ٢ / ١٣٦٧ ه‍

مرتضى آل يس

٤٤٠