المنطق

الشيخ محمّد رضا المظفّر

المنطق

المؤلف:

الشيخ محمّد رضا المظفّر


الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٥
١٦١

الفَصْلُ الثاني

في أحکام القضايا أو النسب بينها

تمهيد :

کثيرا ما يعاني فيلتجيء الباحث مشقة في البرهان على مطلوبه مباشرة بل قد يمتنع عليه ذلک احيانا فيلتجيء الى البرهان على قضية أخري لها نسبة مع القضية المطلوبة ليقارنها بها : فقد يحصل له من العلم بصدق القضية المبرهن عليها العلم بکذب القضية المطلوبة أو بالعکس. وذلک اذا کان هناک تلازم بين صدق احداهما وکذب الاخري. وقد يحصل له من العلم بصدق القضية المبرهن عليها العلم بصدق القضية المطلوبة أو من العلم بکذب الاولي العلم بکذب الثانية. وذلک اذا کان صدق الاولي يستلزم صدق الثانية أو کان کذبها يستلزم کذبها.

فلا بد للمنطقي قبل الشروع في مباحث الاستدلال وبعد إ لمامه بجملة من القضايا أن يعرف النسب بينها حتي يستطيع ان يبرهن على مطلوبه أحيانا من طريق البرهنة على قضية أخري لها نسبتها مع القضية المطلوبة فينتقل ذهنه من القضية المبرهن على صدقها او کذبها الى صدق أو کذب القضية التي يحاول تحصيل العلم بها.

والمباحث التي تعريف بها النسب بين القضايا هي مباحث التناقض والعکس المستوي وعکس النقيض وملحقاتها. وتسمي (احکام القضايا). ونحن نشرع ان شاء الله تعالي في هذه المباحث على هذا الترتيب المتقدم.

١٦٢

التناقض

الحاجة الى هذا البحث والتعريف به

قلنا في التمهيد : ان کثيرا ما تمس الحاجة الى الاستدلال على قضية ليست هي نفس القضية المطلوبة. ولکن العلم بکذبها يلزمه العلم بصدق القضية المطلوبة او بالعکس عندما يکون صدق احداهما يلزم کذب الاخري.

والقضيتان اللتان لهما هذه الصفة هما القضيتان المتناقضتان فاذا أردت مثلا أن تبرهن على صدق القضية (الروح موجودة) مع فرض انک لا تتمکن على ذلک مباشرة فيکفي ان تبرهن على کذب نقيضها وهو (الروح ليست موجودة) فاذا علمت کذب هذا النقيض لا بد أن تعلم صدق الاولي لان النقيضين لا يکذبان معا. واذا برهنت على صدق النقيض لا بد أن تعلم صدق لان النقيضين لا يکذبان معا. واذا برهنت على صدق النقيض لا بد ان تعلم کذب الاولي لان النقيضين لا يصدقان معا.

وربما يظن أن معرفة نقيض القضية أمر ظاهر کمعرفة نقائض المفردات کالانسان واللانسان التي يکفي فيها الاختلاف بالايجاب والسلب. ولکن الامر ليس بهذه السهولة اذ يجوز أن تکون الموجبة والسالبة صادقتين معا مثل : بعض الحيوان انسان وبعض الحيوان ليس بانسان. ويجوز أن تکونا کاذبتين معا مثل : کل حيوان انسان ولا شيء من الحيوان بانسان.

وعليه لا غنى للباحث عن الرجوع الى قواعد التناقض المذکورة في علم المنطق لتشخيص نقيض کل قضية

تعريف التناقض

قد عرفت فيما سبق المقصود من التناقض الذي هو أحد أقسام التقابل ولنضعه هنا بعبارة جامعة فنية في خصوص القضايا فنقول (تناقض القضايا :

١٦٣

اختلاف في القضيتين يقتضي لذاته أن تکون احداهما صادقة والاخري کاذبة).

ولا بد من قيد (لذاته) في التعريف لانه ربما يقتضي اختلاف القضيتين تخالفهما في الصدق والکذب ولکن لا لذات الاختلاف بل لامر آخر مثل : کل انسان حويان ولا شيسء من الانسان بحيوان فانه لما کان الموضوع أخص من المحمول صدقت احدي الکليتين وکذبت الاخري. أما لو کان الموضوع أعم من المحمول لکذبا معا نحو کل حيوان انسان ولا شيء من الحيوان بانسان کما تقدم.

ونعني بالاختلاف الذي يقتضي تخالفهما في الصدق هو الاختلاف الذي يقتضي ذلک في أية مادة کانت القضيتان ومهما کانت النسبة بين الموضوع والمحمول کالاختلاف بين الموجبة الکلية والسالبة الجزئية.

شروط التناقض

لا بد لتحقق التناقض بين القضيتين من اتحاد هما في أمور ثمانية واختلافهما في أمور ثلاثة :

الوحدات الثمان :

تسمي الامور التي يجب اتحاد القضيتين المتناقضتين فيها (الوحدات الثمان) وهي ما يأتي :

١ ـ (الموضوع) فلو اختلفا فيه لم يتناقضا مثل : العلم نافع الجهل ليس بنافع.

٢ ـ (المحمول) فلو اختلفا فيه لم يتناقضا مثل : العلم نافع العلم ليس بضار.

٣ ـ (الزمان) فلا تناقض بين «الشمس مشرقة» أي في النهار وبين «الشمس ليست بمشرقة» أي في الليل.

٤ ـ (المکان) فلا تناقض بين «الارض مخصبة» أي في الريف وبين «الارض ليست بمخصبة» أي في البادية.

١٦٤

٥ ـ (القوة والفعل) أي لا بد من اتحاد القضيتين في القوة والفعل فلا تناقض بين «محمد ميت» أي بالقوة وبين «محمد ليس بميت» أي بالفعل.

٦ ـ (الکل والجزء) فلا تناقض بين «العراق مخصب» أي بعضه وبين «العراق ليس بمخصب» أي کله.

٧ ـ (الشرط) فلا تناقض بين «الطالب ناجح آخر السنة» أي ان اجتهد وبين «الطالب غير ناجح» أي اذا لم يجتهد.

٨ ـ (الاضافة) فلا تناقض بين «الاربعة نصف» أي بالاضافة الى الثمانية وبين «الاربعة ليست بنصف» أي بالاضافة الى العشرة.

تنبيه

هذه الوحدات الثمان هي المشهورة بين المناطقة. وبعضهم يضيف اليها (وحدة الحمل) من ناحية کونه حملا أوليا أو حملا شايعا. وهذا الشرط لازم فيجب لتناقض القضيتين أن يتحدا في الحمل فلو کان الحمل في إحداهما أوليا وفي الاخري شايعا فانه يجوز أن يصدقا معا مثل قولهم (الجزئي جزئي) أي بالحمل الاولي (الجزئي ليس بجزئي) أي بالحمل الشايع لان مفهوم الجزئي من مصاديق مفهوم الکلي فانه يصدق على کثيرين.

الاختلاف

قلنا : لا بد من اختلاف القضيتين المتناقضتين في أمور ثلاثة. وهي (الکم والکيف والجهة).

الاختلاف بالکم والکيف :

أما الاختلاف بالکم والکيف فمعناه ان احداهما اذا کانت موجبة کانت الاخري سالبة واذا کانت کلية کانت الثانية جزئية. وعليه.

الموجبة الکلية ... نقيض .... السالبة الجزئية

الموجبة الجزئية ... نقيض .... السالبة الکلية

١٦٥

لانهما لو کانتا موجبتين أو سالبتين لجاز أن يصدقا أو يکذبا معا. ولو کانت کليتين لجاز ان يکذبا معا کما لو کان الموضع أعم على ما مثلنا سابقا. ولو کانتا جزئيتين لجاز أن يصدقا معا کما لو کان الموضوع أيضا أعم. نحو : بعض المعدن حديد. وبعض المعدن ليس بحديد.

الاختلاف بالجهة

أما الاختلاف بالجهة فأمر يقتضيه طبع التناقض کالاختلاف بالايجاب والسلب لأن نقيض کل شيء رفعه فکما يرفع الايجاب بالسلب والسلب بالايجاب فلا بد من رفع الجهة بجهة تناقضها.

ولکن الجهة التي ترفع جهة أخري قد تکون من احدي الجهات المعرفة فيکون لها نقيض صريح مثل رفع الممکنة العامة بالضرورية وبالعکس لان الامکان هو سلب الضرورة.

وقد لا تکون من الجهات المعروفة التي لها عندنا اسم معروف فلا بد أن نلتمس لها جهة من الجهات المعروفة تلازمها فنطلق عليها اسمها فلا يکون نقيضا صريحا بل لازم النقيض.

مثلا (الدائمة) تناقضها (المطلقة العامة) ولکن لا بالتناقض الصريح بل احداهما لازمة لنقيض الاخري فاذا قلت : «الارض متحرکة دائما» فنقيضها الصريح سلب الدوام ولکن سلب الدوام ليس من الجهات المعروفة فنلتمس له جهة لازمة فنقول : لازم عدم الدوام أن سلب التحرک عن الارض حاصل في زمن من الازمنة أي «ان الارض ليست متحرکة بالفعل». وهذه مطلقة عامة تکون لازمة لنقيض الدائمة.

واذا قلت : «کل انسان کاتب بالفعل» فنقيضها السريع ان الانسان لم تثبت له لاکتابة کذلک أي بالفعل. ولازم ذلک دوام السلب أي «ان بعض الانسان ليس بکاتب دائما» وهذه دائمة وهي لازمة لنقيض المطلقة العامة.

١٦٦

ولا حاجة الى ذکر تفصيل نقائض الموجهات فلتطلب من المطولات ان ارادها الطالب على انه في غني عنها وننصحه ألا يتعب نفسه بتحصيلها فانها قليلة الجدوي.

من ملحقات التناقض :

التداخل والتضاد والدخول تحت التضاد

تقدم ان التناقض في المحصورات الاربع يقع بين الموجبه الکلية والسالبة الجزئية وبين الموجبة الجزئية والسالبة الکلية أي بين المختلفتين في الکم والکيف. ويبقي أن تلاحظ النسبة بين البواقي أي بين المختلفتين بالکم فقط أو بالکيف فقط ومعرفة هذه النسب تنفع أيضا في الاستدلال على قضية لمعرفة قضية أخري لها تسيبة معها کما سيأتي.

وعليه نقول : المحصورتان ان اختلفتا کما وکيفا فهما المتناقضتان وقد تقدم التناقض. وان اختلفتا في احدهما فقط فعلي ثلاثة أقسام.

١ ـ (المتداخلتان) وهما المختلفتان في الکم دون الکيف أعني الموجبتين أو السالبتين. وسميتا متداخلتين لدخول احداهما في الاخري لأن الجزئية داخلة في الکلية.

ومعني ذلک : ان الکلية اذا صدقت صدقت الجزئية المتحدة معها في الکيف ولا عکس.

ولازم ذلک ان الجزئية اذا کذبت کذبت الکلية المتحدة معها في الکيف ولا عکس.

مثلا (کل ذهب معدن) فانها صادقة ولابد أن تصدق معها (بعض الذهب معدن) قطعا.

ومثل (بعض الذهب اسود) فانها کاذبة ولا بد أن تکذب معها (کل ذهب اسود).

١٦٧

٢ ـ (المتضادتان) وهما المختلفتان في الکيف دون الکم وکانتا کليتين. وسميتا متضادتين لانهما کالضدين يمتنع صدقهما معا ويجوز أن يکذبا معا.

ومعني ذلک أنه اذا صدقت احداهما لا بد أن تکذب الاخري ولا عکس أي لو کذبت احداهما لا يجب أن تصدق الاخري.

فمثلا اذا صدق (کل ذهب معدن) يجب أن يکذب (لا شيء من الذهب بمعدن).

ولکن اذا کذب (کل معدن ذهب) لا يجب أن يصدق (لا شيء من المعدن بذهب) بل هذه کاذبة في المثال.

٣ ـ (الداخلتان تحت التضاد) وهما المختلفتان في الکيف دون الکم وکانتا جزئيتين. وانما سميتا داخلتين تحت التضاد لا نهما داخلتان تحت الکليتين کل منهماتحت الکلية المتفقة معها في الکيف من جهة ولا نهما على عکس الضدين في الصدق والکذب أي انهما يمتنع اجتماعهما على الکذب ويجوز أن يصدقا معا.

ومعنى ذلک : انه اذا کذبت احداهما لابد أن تصدق الاخري ولا عکس أي انه لو صدقت احداهما لا يجب أن تکذب الاخري.

فمثلا اذا کذب (بعض الذهب اسود) فانه يجب أن يصدق (بعض الذهب ليس بأسود).

ولکن اذا صدق (بعض المعدن ذهب) لا يجب أن يکذب (بعض المعدن ليس بذهب) بل هذه صادقة في المثال.

وقد جرت عادة المنطقيين من القديم أن يضعوا لتناسب المحصورات جميعا لأجل توضيحها لوحا على النحو الآتي :

١٦٨

١٦٩

العکوس

سبق في أول هذا الفصل ان قلنا : ان الباحث قد يحتاج للاستدلال على مطلوبه الى أن يبرهن على قضية اخري لها علاقة مع مطلوبه يستنبط من صدقها صدق القضية المطلوبة للملازمة بينهما في الصدق. وهذه الملازمة واقعة بين کل قضية و(عکسها المستوي) وبينها وبين (عکس نقيضها). فنحن الآن نبحث عن القسمين :

العکس المستوي

أما العکس المستوي فهو : «تبديل طرفي القضية مع بقاء الکيف والصدق». أي ان القضية المحکوم بصدقها تحول الى قضية تتبع الاولي في الصدق وفي الايجاب والسلب بتبديل طرفي الاولي بأن يجعل موضوع الاولي محمولا في الثانية والمحمول موضوعا أو المقدم تاليا والتالي مقدما.

وتسمي الاولي (الاصل) والثانية (العکس المستوي). فکلمة (العکس) هنا لها اصطلاحان : اصطلاح في نفس التبديل واصطلاح في القضية التي وقع فيها التبديل.

ومعنى ان العکس تابع للاصل في الصدق : أن الاصل اذا کان صادقا وجب صدق العکس. ولکن لا يجب أن يتبعه في الکذب فقد يکذب الاصل والعکس صادق. ولازم ذلک ان الاصل لا يتبع عکسه في الصدق ولکن يتبعه في الکذب فاذا کذب العکس کذب الاصل لانه لو صدق الاصل يلزم منه صدق العکس والمفروض کذبه.

١٧٠

فهنا قاعدتان تنفعان في الاستدلال :

١ ـ اذا صدق الاصل صدق عکسه.

٢ ـ اذا کذب العکس کذب اصله.

وهذه القاعدة الثانية متفرعة على الاولي. کما علمت.

شروط العکس

علمنا ان العکس انما يحصل بشروط ثلاثة : تبديل الطرفين وبقاء الکيف وبقاء الصدق. أما الکم فلا يشترط بقاؤه وانما الواجب بقاء الصدق وهو قد يقتضي بقاء الکم في بعض القضايا وقد يقتضي عدمه في البعض الآخر.

والمهم فيما يأتي معرفة القضية التي يقتضي بقاء الصدق في عکسها بقاء الکم أو عدم بقائه.

ولو تبدل الطرفان وکان الکيف باقيا. ولکن لم يبق الصدق فلا يسمي ذلک عکسا. بل يسمي (انقلابا).

الموجبتان تنعکسان موجبة جزئية :

أي ان الموجبة الکلية تنعکس موجبة جزئية. والموجبة الجزئية تنعکس کنفسها. فاذا قلت :

کل حـ ب

فعکسها

ع ب حـ

وع حـ ب

فعکسها

ع ب حـ

ولا ينعکسان

الى

کل ب حـ

البرهان :

(١) في الکلية : أن المحمول فيها اما ان يکون أعم من الموضوع أو مساوياله. وعلي التقديرين تصدق الجزئية قطعا لان الموضوع في التقديرين يصدق على بعض افراد المحمول فاذا قلت :

١٧١

کل ماء مسائل

يصدق

بعض السائل ماء

وکل انسان ناطق

يصدق

بعض الناطق انسان

ولکن لا تصدق الکلية على کل تقدير لان الموضوع في التقدير الاول لا يصدق على جميع أفراد المحمول لانه أخص من المحمول فاذا قلت :

(کل سائل ماء) فالقضية کاذبة وهو المطلوب.

(٢) وفي الجزئية : اما أن يکون المحمول أعم مطلقا من الموضوع أو اخص مطلقا او اعم من وجه او مساويا. وعلى بعض هذه التقادير وهو التقدير الاول والثالث لا يصدق العکس موجبة کلية لانه اذا کان المحمول أعم مطلقا أو من وجه فان الموضوع لا يصدق على جميع أفراد المحمول انما يصدق لو کان اخص او مساويا. أما عکسه الى الموجبة الجزئية فانه يصدق على کل تقدير فاذا قلت :

بعض السائل ماء

يصدق

بعض الماء سائل

وبعض الماء سائل

يصدق

بعض السائل ماء

وبعض الطير أبيض

يصدق

بعض الابيض طير

وبعض الانسان ناطق

يصدق

بعض الناطق انسان

السالبة الکلية تنعکس سالبة کلية

فيبقي الکم والکيف معا فاذا صدق قولنا :

لا شيء من الحيوان بشجر

صدق

لا شيء من الشجر بحيوان

والبرهان واضح : لان السالبة الکلية لا تصدق الاّ مع تباين الموضوع والمحمول تباينا کليا. والمتباينان لا يجتمعان أبدا فيصح سلب کل منهما عن جميع أفراد الآخر سواء جعلت هذا موضوعا أو ذاک موضوعا.

وللتدريب على اقامة البراهين من طريق النقيض والعکس نقيم البرهان على هذا الامر بالصورة الآتية :

١٧٢

المفروض

لا ب حـ

قضية صادقة

المدعي

لا حـ ب

صادقة أيضا

البرهان :

لو لم تصدق

لا حـ ب

لصدق نقيضها

ع حـ ب

ولصدق

ع ب حـ

(العکس المستوي للنقيض)

واذا لا حظنا هذا العکس المستوي (ع ب حـ) ونسبناه الى الأصل (لا ب حـ) وجدناه نقيضاله فلو کان (ع ب حـ) صادقا وجب أن يکون (لا ب حـ) کاذبا مع ان المفروض صدقه.

فوجب ان تکون

لا حـ ب

صادقة

وهو المطلوب

تعقيب

بهذا البرهان تعرف الفائدة في النقيض والعکس المستوي عند الاستدلال. لأنا لا بد أن نرجع في هذا البرهان الى الوراء فنقول :

المفروض ان

لا ب حـ

صادقة

فتکذب

ع ب حـ

نقيضها

وهذا النقيض عکس

ع حـ ب

فيکذب أيضا

لا نه اذا کذب العکس کذب الاصل

(القاعدة الثانية)

واذا کذب هذا الاصل اعني

ع حـ ب

صدق نقيضه

لا حـ ب

وهو المطلوب

فاستفدت (تارة) من صدق الاصل کذب نقيضه و(أخري) من کذب العکس کذب أصله و(ثالثة) من کذب الاصل صدق نقيضه.

وسيمر عليک هذا الاصتدلال کثيرا فدقق فيه جيدا وعليک باتقانه.

١٧٣

السالبة الجزئية لا عکس لها

أي لا تنعکس أبدا لا الى کلية ولا الى جزئية لأنه يجوز أن يکون موضوعها اعم من محمولها مثل (بعض الحيوان ليس بانسان). والاخص لا يجوز سلب الاعم عنه بحال من الاحوال لا کليا ولا جزئيا لأنه کلما صدق الاخص صدق الاعم معه فکيف يصح سلب الأعم عنه فلا يصدق قولنا (لا شيء من الانسان بحيوان) ولا قولنا (بعض الإنسان ليس بحيوان).

المنفصلة لا عکس لها :

أشرنا في صدر البحث الى ان العکس المستوي يعم الحملية والشرطية : ولکن عند التأمل نجد أن المنفصلة لا ثمرة لعکسها لانها أقصي ما تدل عليه تدل على التنافي بين المقدم والتالي. ولا ترتيب طبيعي بينهما فانت بالخيار في جعل ايهما مقدما والثاني تاليا من دون أن يحصل فرق في البين فسواء ان قلت : العدد اما زوج أو فرد أو قلت : العدد اما فرد أو زوج فان مؤداهما واحد.

فلذا قالوا : المنفصلة لا عکس لها. أي لا ثمرة فيه.

نعم لو حولتها الى حملية فان احکام الحملية تشملها کما لو قلت في المثال مثلا : العدد ينقسم الى زوج وفرد فانها تنعکس الى قولنا : ما ينقسم الى زوج وفرود عدد.

١٧٤

عکس النقيض

وهو العکس الثاني للقضية الذي يستدل بصدقها على صدقه. وله طريقتان.

١ ـ طريقة القدماء ويسمي (عکس النقيض الموافق) لتوافقه مع أصله في الکيف وهو «تحويل القضية الى أخري موضوعها نقيض محمول الاصل ومحمولها نقيض موضوع الاصل مع بقاء الصدق والکيف».

وبالاختصار هو : «تبديل نقيضي الطرفين مع بقاء الصدق والکيف». فالقضية : کل کاتب انسان تحول بعکس النقيض الموافق الي :

کل (لا انسان) هو (لا کاتب)

٢ ـ طريقة المتأخرين ويسمي (عکس النقيض المخالف) لتخالفه مع أصله في

الکيف وهو «تحويل القضية الى أخري موضوعها نقيض محمول الاصل ومحمولها عين موضوع الاصل مع بقاء الصدق دون الکيف».

فالقضية : کل کاتب انسان تحول بعکس النقيض المخالف الي :

لا شيء من (اللانسان) بکاتب

١٧٥

قاعدة عکس النقيض

من جهة الکم

حکم السوالب هنا حکم الموجبات في العکس المستوي وحکم الموجبات حکم السوالب هناک أي ان :

١ ـ السالبة الکلية تنعکس جزئية : سالبة في الموافق وموجبة في المخالف.

٢ ـ السالبة الجزئية تنعکس جزئية أيضا : سالبة في الموافق موجبة في المخالف.

٣ ـ الموجبة الکلية تنعکس کلية : موجبة في الموافق سالبة في المخالف.

٤ ـ الموجبة الجزئية لا تنعکس اصلا بعکس النقيض.

البرهان

ولا بد من اقامة البرهان على کل واحد من تلک الاحکام السابقة وفي هذه البراهين تدريب للطالب على الاستفادة من النقيض والعکس في الاستدلال وقد استعملنا الاسلوب المتبع في الهندسة النظرية لإقامة البرهان. فمن ألف اسلوب الکتب الهندسية يسهل عليه ذلک. وقد تقدم مثال منه في البرهان على عکس السالبة الکلية بالعکس المستوي موضحا (١).

ويجب أن يعلم انا نرمز للنقيض بحرف عليه فتحة للاختصار وللتوضيح. في کل ما سيأتي على هذا النحو :

بَ ..................... نقيض الموضوع

حـَ .................... نقيض المحمول

١٧٦

برهان عکس السالبة الکلية

فلاجل اثبات عکس السالبة الکلية بعکس النقيض نقيم برهانين : برهانا على عکسها بالموافق وبرهان على عکسها بالمخالف فنقول :

(أولا) المدعي انها تنعکس سالبة جزئية بعکس النقيض الموافق ولا تنعکس سالبة کلية فهنا مطلوبان أي انه اذا صدقت.

لا ب حـ

صدقت

س حـَ بَ

(المطلوب الاول)

ولا تصدق

لا حـَ بَ

(المطلوب الثاني)

البرهان :

ان من المعلوم :

١ ـ ان السالبة الکلية ال تصدق الا اذا کان بين طرفيها تباين کلي. وهذا بديهي.

٢ ـ ان النسبة بين نقيضي المتباينين هي التباين الجزئي وقد تقدم البرهان على ذلک في بحث النسب في الجزء الاول.

٣ ـ ان مرجع التباين الجزئي الى سالبتين جزئيتين کما ان مرجع التباين الکلي الى سالبتين کليتين. وهذا بديهي أيضا.

وينتج من هذه المقدمات الثلاث أنه :

اذا صدق

لا ب حـ

(أي يکون بين الطرفين تباين کلي)

صدقت

س بَ حَـ

السالبة الجزئية بين النقيضين

وصدقت أيضا

س حَـ بَ

السالبة الجزئية بين النقيضين

وهو (المطلوب الاول)

ثم يفهم من المقدمة الثانية ان التباين الکلي لا يتحقق دائما بين نقيضي

١٧٧

المتباينين اذ ربما يکون بينهما العموم والخصوص من وجه.

أي ان السالبة الکلية بين نقيضي المتباينين لا تصدق دائما.

أو فقل لا تصدق دائما

لا حَـ بَ

(المطلوب الثاني)

(ثانيا) المدعي ان السالبة الکلية تنعکس موجبة جزئية بعکس النقيض المخالف ولا تنعکس موجبة کلية فهنا مطلوبان أي انه اذا صدقت :

لا ب حـ

صدقت

ع حَـ ب

(المطلوب الاول)

ولا تصدق

کل حَـ ب

(المطلوب الثاني)

البرهان :

لما کان بين ب ، حـ تباين کلي کما تقدم فمعناه أن احدهما يصدق من نقيض الآخر.

أي ان ب يصدق مع حَـ

واذا تصادق ب وحَـ

صدق على الاقل ع حـ ب

(المطلوب الاول)

ثم انه تقدم ان نقيضي المتباينين قد تکون بينهما نسبة العموم والخصوص من وجه فيصدق على هذا التقدير :

حَـ مع ب

ولا يصدق حينئذ

حَـ مع ب

والا لاجتمع النقيضان ب ، بَ

فلا يصدق

کل حَـ ب

(المطلوب الثاني)

برهان عکس السالبة الجزئية

ولأجل اثبات عکس السالبة الجزئية بعکس النقيض أيضا نقيم برهانين للموافق والمخالف فنقول :

١٧٨

(اولا) المدعي ان السالبة الجزئية تنعکس سالبة جزئية بعکس النقيض الموافق ولا تنعکس کلية فهنا مطلوبان أي انه اذا صدقت :

س ب حـ

صدقت

س حَـ بَ

(المطلوب الاول)

ولا تصدق

لا حَـ بَ

(المطلوب الثاني)

البرهان :

من المعلوم ان السالبة الجزئية تصدق في ثلاثة فروض :

١ ـ ان يکون بين طرفيها عموم من وجه. وحينئذ يکون بين نقيضيهما تباين جزئي کما تقدم في بحث النسب.

٢ ـ ان يکون بينهما تباين کلي وبين نقيضيهما أيضا تباين جزئي کما تقدم.

٣ ـ ان يکون الموضوع أعم مطلقا من المحمول فيکون نقيض المحمول أعم مطلقا من نقيض الموضوع.

وعلى جميع هذه التقادير الثلاثة تصدق السالبة الجزئية :

س حَ بَ

(المطلوب الاول)

اما للتباين الجزئي بينهما أو لان نقيض حـ أعم مطلقا من نقيض ب.

ثم على بعض التقادير يکون بين نقيضي الطرفين عموم وخصوص من وجه أو مطلقا فلا تصدق السالبة الکلية :

لا حَـ بَ

(المطلوب الثاني)

(ثانيا) المدعي ان السالبة الجزئية تنعکس موجبة جزئية بعکس النقيض المخالف ولا تنعکس کلية فهنا مطلوبان أي اذا صدقت :

س ب حـ

صدقت

ع حَـ ب

(المطلوب الاول)

١٧٩

ولا تصدق

کل حَـ ب

(المطلوب الثاني)

البرهان :

تقدم ان على جميع التقادير الممکنة للموضوع والمحمول في السالبة الجزئية اما أن يکون بين نقيضيهما تباين جزئي أو ان نقيض المحمول أعم مطلقا فيلزم على القديرين أن يصدق :

بعض حَـ بدون بَ

فيصدق

بعض حَـ مع ب

لا النقيضين (وهما بَ ، ب) لا يرتفعان

أي يصدق

ع حَـ ب

(المطلوب الاول)

ثم ان نقيضي الموضوع والمحمول قد يکون بينهما عموم من وجه.

وقد تصدق

ع حَـ بَ

ويمکن تحويلها الى

س حَـ ب

صادقة

لان الاولي موجبة معدولة المحمول فيمکن جعلها سالبة محصلة المحمول اذ السالبة المحصلة المحمول أعم من الموجبة المعدولة المحمول اذا اتفقا في الکم واذا صدق الاخص صدق الأعم قطعا فاذا کانت :

س حَـ ب

صادقة

کذب نقيضها

کل حَـ ب

(المطلوب الثاني)

برهان عکس الموجبة الکلية

ولا ججل اثبات عکس الموجبة الکلية بعکس النقيض نقيم أيضا برهانين للموافق والمخالف فنقول :

(اولا) المدعي انها تنعکس موجبة کلية بعکس النقيض الموافق أي انه اذا صدقت :

کل ب حـ

(المفروض)

صدقت

کل حَـ بَ

(المطلوب)

١٨٠