المنطق

الشيخ محمّد رضا المظفّر

المنطق

المؤلف:

الشيخ محمّد رضا المظفّر


الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: دار التعارف للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٥

وجه يکون جزأ من الموضوع أو المحمول مثل : لا انسان. لا عالم. لا کريم. غير بصير.

وعليه فالقضية باعتبار تحصيل الموضوع والمحمول وعدولها تنقسم الى قسمين : محصلة ومعدولة.

١ ـ (المحصلة) : ماکان موضوعها ومحمولها محصلا سواء کانت موجبة أو سالبة مثل : الهواء نقي. الهواء ليس نقيا. وتسمي أيضا (محصلة الطرفين).

٢ ـ (المعدولة) : ما کان موضوعها أو محمولها أو کلاهما معدولا سواء کانت موجبة أو سالبة. وتسمي معدولة الموضوع أو معدولة المحمول أو معدولة الطرفين حسب دخول العدول على أحد طرفيها أو کليهما. ويقال لمعدولة احد الطرفين : محصلة الطرف الآخر : الموضوع او المحمول.

مثال معدولة الطرفين : کل لا عالم هو غير صائب الرأي. کل غير مجد ليس هو بغير مخفق في الحياة.

مثال معدولة المحمول أو محصلة الموضوع : الهواء هو غير فاسد. الهواء ليس هو غير فاسد.

مثال معدولة الموضوع أو محصلة المحمول : غير العالم مستهان. غير العالم ليس بسعيد.

تنبيه

تمتاز معدولة المحمول عن السالبة محصلة المحمول :

١ ـ في المعني : فان المقصود بالسالبة سلب الحمل وبمعدولة المحمول حمل السلب أي يکون السلب في المعدولة جزءاً من المحمول فيحمل المسلوب بما هو مسلوب على الموضوع.

٢ ـ في اللفظ : فان السالبة تجعل الرابطة تجعل الرابطة فيها بعد حرف السلب لتدل على

١٤١

سلب الحمل والمعدويه تجعل الرابطة فيها قبل حرف السلب لتدل على حمل السلب.

وغالبا تستعمل (ليس) في السالبة و(لا) أو (غير) في المعدولة.

الخلاصة :

١٤٢

٣ ـ الموجهات

مادة القضية :

کل محمول اذا نسب الى موضوع فالنسبة فيه لا تخلو في الواقع ونفس الامر من احدي حالات ثلاث (بالقسمة العقلية) :

١ ـ (الوجوب). ومعناه : ضرورة ثبوت المحمول لذات الموضوع ولزومه لها على وجه يمتنع سلبه عنه کالزوج بالنسبة الى الاربعة فان الاربعة لذاتها يجب ان تتصف بانها زوج. وقولنا (لذات الموضوع) يخرج به ما کان لزومه لأمر خارج عن ذات الموضوع مثل ثبوت الحرکة للقمر فانها لازمة له ولکن لزومها لا لذاته بل لسبب وضع الفلک وعلاقته بالارض.

٢ ـ (الامتناع). ومعناه : استحالة ثبوت المحمول لذات الموضوع فيجب سلبه عنه کالاجتماع بالنسبة الى النقيضين فان النقيضين لذاتهما لايجوز ان يجتمعا.

وقولنا : (لذات الموضوع) يخرج به ما کان امتناعه لامر خارج عن ذات الموضوع مثل سلب التفکير عن النائم فان التفکير يمتنع عن النائم. ولکن لا لذاته بل لانه فاقد للوعي.

(تنبيه) يفهم مما تقدم ان الوجوب والامتناع يشترکان في ضرورة الحکم ويفترقان في أن الوجوب ضرورة الايجاب والامتناع ضرورة السلب.

٣ ـ (الامکان). ومعناه : أنه لا يجب ثبوت المحمول لذات الموضوع ولا يمتنع فيجوز الايجاب والسلب معا أي ان الضرورتين ضرورة الايجاب وضرورة السلب مسلوبتان معا فيکون الامکان معني عدميا يقابل الضرورتين تقابل العدم والملکة ولذا يعبر عنه بقولهم (هو سلب الضرورة عن الطرفين معا) أي طرف الايجاب وطرف السلب للقضية.

١٤٣

ويقال له : (الامکان الخاص) أو (الامکان الحقيقي) في مقابل (الامکان العام) الذي هو أعم من الامکان الخاص.

الامکان العام :

والمقصود منه : ما يقابل احدي الضرورتين ضرورة الايجاب أو السلب فهو أيضا معناه سلب الضرورة ولکن سلب ضرورة واحدة لا الضرورتين معا فاذا کان سلب (ضرورة الايجاب) فمعناه ان طرف السلب ممکن واذا کان سلب (ضرورة السلب) فمعناه ان طرف الايجاب ممکن.

فلو قيل : هذا الشيء ممکن الوجود أي انه لا يمتنع أو فقل ان ضرورة السلب (وهي الامتناع) مسلوبة واذا قيل : هذا الشيء ممکن العدم أي انه لا يجب أو فقل ان ضرورة الايجاب (وهي الوجوب) مسلوبة.

ولذا عبر عنه الفلاسفة بقولهم : (هو سلب الضرورة عن الطرف المقابل) أي مع السکوت عن الطرف الموافق فقد يکون سلب الضرورة وقد لا يکون. وهذا الامکان هو الشايع استعماله عند عامة الناس والمتداول في تعبيراتهم. وهو کما قلنا أعم من الامکان الخاص لانه اذا کان امکانا للايجاب فانه يشمل الوجوب والامکان الخاص واذا کان امکانا للسلب فانه يشمل الامتناع والامکان الخاص.

مثال امکان الايجاب قولهم (الله ممکن الوجود) و(الانسان ممکن الوجود) فان معناه في المثالين ان الوجود لا يمتنع أي ان الطرف المقابل وهو عدمه ليس ضروريا ولو کان العدم ضروريا لکان الوجود ممتنعا لا ممکنا. واما الطرف الموافق وهو ثبوت الوجود فغير معلوم. فيحتمل ان يکون واجبا کما في المثال الاول ويحتمل ألايکون واجبا کما في المثال الثاني بأن يکون ممکن العدم أيضا أي انه ليس ضروري الوجود کما لم يکن ضروري العدم فيکون ممکنا بالامکان الخاص فشمل هنا الامکان العام الوجوب والامکان الخاص.

مثال امکان السلب قولهم : (شريک الباري ممکن العدم) و(الانسان ممکن العدم) فان معناه في المثالين ان الوجود لا يجب أي ان الطرف المقابل وهو وجوده

١٤٤

ليس ضروريا ولو کان الوجود ضروريا لکان واجبا وکان عدمه ممتنعا لا ممکنا. واما الطرف الموافق وهو العدم فغير معلوم فيحتمل ان يکون ضروريا کما في المثال الاول (وهو الممتنع) ويحتمل ألا يکون کذلک کما في الثاني : بأن يکون ممکن الوجود أيضا وهو الممکن (بالامکان الخاص) فشمل هنا الامکان العام الامتناع والامکان الخاص.

وعلى هذا فالامکان العام معني يصلح للانطباق على کل من حالات النسبة الثلاث : الوجوب والامتناع والامکان فليس هو معني يقابلها بل في الايجاب يصدق على الوجوب والامکان الخاص وفي السلب على الامتناع والامکان الخاص. وهذه الحالات الثلاث للنسبة التي لا يخلو من احداها واقع القضية تسمي (مواد القضايا) وتسمى (عناصر العقود) و (أصول الکيفيات). والامکان العام خارج عنها وهو معدود من الجهات على ما سيأتي.

جهة القضية

تقدم معني مادة القضية التي لا تخرج عن احدي تلک الحالات الثلاث. ولهم اصطلاح آخر هنا وهو المقصود بالبحث وهو قولهم (جهة القضية) والجهة غير المادة فان المقصود بها : ما يفهم ويتصور من کيفية النسبة بحسب ما تعطيه العبارة من القضية.

والفرق بينهما مع ان کلا منهما کيفية في النسبة : ان المادة هي تلک النسبة الواقعية في نفس الامر التي هي اما الوجوب او الامتناع او الامکان ولا يجب أن تفهم وتتصور في مقام توجه النظر الى القضية فقد تفهم وتبين في العبارة وقد لا تفهم ولا تبين. واما الجهة فهي خصوص ما يفهم ويتصور من کيفية نسبة القضية عند النظر فيها فاذا لم يفهم شيء من کيفية النسبة فالجهة مفقودة أي ان القضية لا جهة لها حينئذ وهي أي الجهة لا يجب أن تکون مطابقة للمادة الواقعية فقد تطابقها وقد لا تطابقها.

فاذا قلت : (الانسان حيوان بالضرورة) فان المادة الواقعية هي الضرورة

١٤٥

والجهة فيها أيضا الضرورة فقد طابقت في هذا المثال الجهة المادة وبتعبير آخر إن المادة الواقعية قد فهمت وبينت بنفسها في هذه القضية.

واما اذا قلت في المثال : (الانسان يمکن ان يکون حيوانا) فان المادة في هذه القضية هي الضرورة لا تتبدل لان الواقع لا يتبدل بتبدل التعبير والادراک. ولکن الجهة هنا هي الامکان العام فانه هو المفهوم والمتصور من القضية وهو لا يطابق المادة لانه في طرف الايجاب يتناول الوجوب والامکان الخاص کما تقدم فيجوز ان تکون المادة واقعا هي الضرورة کما في المثال ويجوز ان تکون هي الامکان الخاص کما لو کانت القضية هکذا (الانسان يمکن ان يکون کاتبا).

وهکذا لو قلت (الانسان حيوان دائما) فان المادة هي الضرورة والجهة هي الدوام الذي يصدق مع الوجود والامکان الخاص لان الممکن بالامکان الخاص قد يکون دائم الثبوت کحرکة القمر مثلا وکزرقة العين فلم تطابق الجهة المادة هنا.

ثم ان القضية التي بين فيها کيفية النسبة تسمي (موجّهة) بصيغة اسم المفعول. وما أهمل فيها بيان الکيفية تسمي (مطلقة) أو (غير موجهة).

ومما يجب ان يعلم انا اذ قلنا ان الجهة لا يجب ان تطابق المادة فلا نعني انه يجوز ان تناقضها بل يجب ألا تناقضها فلو کانت مناقضة لها على وجه لا تجتمع معها کما لو کانت المادة هي الامتناع مثلا وکانت الجهة دوام الثبوت أو امکانه فان القضية تکون کاذبة.

فيفهم من هذا ان من شروط صدق القضية الموجهة ألا تکون جهتها مناقضة لمادتها الواقعية.

أنواع الموجهات

تنقسم الموجهة الي : بسيطة ومرکبة.

و(المرکبة) : ما انحلت الى قضيتين موجهتين بسيطتين احداهما موجبة والاخري سالبة. ولذا سميت مرکبة وسيأتي بيانها. اما البسيطة فخلافها وهي لا

١٤٦

تنحل الى اکثر من قضية واحدة

اقسام البسيطه :

واهم البسائط ثمان وان کانت تبلغ اکثر من ذلک :

١ ـ (الضرورية الذاتية). ويعنون بها ما دلت على ضرورة ثبوت المحمول لذات الموضوع أو سلبه عنه ما دام ذات الموضوع موجودا من دون قيد ولا شرط فتکون مادتها وجهتها الوجوب في الموجبة والامتناع في السالبة نحو :

الانسان حيوان بالضرورة. الشجر ليس متنفسا بالضرورة.

وعندهم ضرورية تسمي (الضرورية الازلية) وهي التي حکم فيها بالضرورة الصرفة بدون قيد فيها حتي قيد ما دام ذات الموضوع وهي تنعقد في وجود الله تعالي وصفاته مثل : (الله موجود بالضرورة الازلية) وکذا (الله حي عالم قادر بالضرورة الازلية).

٢ ـ (المشروطة العامة) وهي من قسم الضرورية ولکن ضرورتها مشروطة ببقاء عنوان الموضوع ثابتا لذاته نحو : الماشي متحرک بالضرورة ما دام على هذه الصفة. أما ذات الموضوع بدون قيد عنوان الماشي فلايجب له التحرک.

٣ ـ (الدائمة المطلقة) وهي ما دلت على دوام ثبوت المحمول لذات الموضوع او سلبه عنه ما دام الموضوع بذاته موجودا سواء کان ضروريا له أو لا نحو : (کل فلک متحرک دائما. لا زال الحبشي أسود) فانه لا يمتنع أن يزول سواد الحبشي وحرکة الفلک ولکنه لم يقع.

٤ ـ (العرفية العامة) وهي من قسم الدائمة ولکن الدوام فيها مشروط ببقاء عنوان الموضوع ثابتا لذاته فهي تشبه المشروطة العامة من ناحية اشتراط جهتها ببقاء عنوان الموضوع نحو : (کل کاتب متحرک الاصابع دائما ما دام کاتبا) فتحرک الاصابع ليس دائما مادام الذات ولکنه دائم ما دام عنوان الکاتب ثابتا لذات الکاتب.

١٤٧

٥ ـ (المطلقة العامة) وتسمي الفعلية وهي مادلت على ان النسبة واقعة فعلا وخرجت من القوة الى الفعل ووجدت بعد ان لم تکن سواء کانت ضرورية اولا وسواء کانت دائمة او لا وسواء کانت واقعة في الزمان الحاضر أو في غيره نحو : (کل انسان ماش بالفعل وکل فلک متحرک بالفعل).

وعليه فالمطلقة العامة اعم من جميع القضايا السابقة.

٦ ـ (الحينية المطلقة) وهي من قسم المطلقة فتدل على فعلية النسبة أيضا لکن فعليتها حين اتصاف ذات الموضوع بوصفه وعنوانه نحو : (کل طائر خافق الجناحين بالفعل حين هو طائر) فهي تشبه المشروطة والعرفية من ناحية اشتراط جهتها بوصف الموضوع وعنوانه.

٧ ـ (الممکنه العامة) وهي ما دلت على سلب ضرورة الطرف المقابل للنسبة المذکورة في القضية فان کانت القضية موجبة دلت على سلب ضرورة السلب وان کانت سالبة دلت على سلب ضرورة الايجاب.

ومعني ذلک انها تدل على ان النسبة المذکورة في القضية غير ممتنعة سواء کانت ضرورية أو لا وسواء کانت واقعة أو لا وسواء کانت دائمة أو لا نحو (کل انسان کاتب بالامکان العام) أي ان الکتابة لا يمتنع ثبوتها لکل انسان فعدمها ليس ضروريا وان اتفق انها لا تقع لبعض الاشخاص.

وعليه فالممکنة العامة أعم من جميع القضايا السابقة.

٨ ـ (الحينية الممکنة) وهي من قسم الممکنة ولکن المکانها بلحاظ اتصا ف ذات الموضوع بوصفه وعنوانه نحو : (کل ماش غير مضطرب اليدين بالامکان العام حين هو ماش).

والحينية الممکنة يؤتي بها عندما يتوهم المتوهم ان المحمول يمتنع ثبوته للموضوع حين اتصافه بوصفه.

١٤٨

اقسام المرکبة

قلنا فيما تقدم : ان المرکبة ما انحلت الى قضيتين موجبة وسالبة ونزيدها هنا توضيحا فنقول : ان المرکبة تتألف من قضية مذکورة بعبارة صريحة هي الجزء الاول منها (سواء کانت موجبة أو سالبة وباعتبار هذا الجزء الصريح تسمي المرکبة موجبة أو سالبة) ومن قضية أخري تخالف الجزء الاول بالکيف وتوافقه بالکم غير مذکورة بعبارة صريحة وانما يشار اليها بنحو کلمة (لا دائما) و (لا بالضرورة).

وانما يلتجأ الى الترکيب عندما تستعمل قضية موجبة عامة تحتمل وجهين الضرورة واللاضرورة أو الدوام واللادوام فيراد بيان أنها ليست بضرورية او ليست بدائمة فيضاف الى القضية مثل کلمة لا بالضرورة أو لا دائما.

مثل ما اذا قال القائل : (کل مصلّ يتجنب الفحشاء بالفعل) فيحتمل أن يکون ذلک ضروريا لا ينفک عنه ويحتمل الا يکون ضروريا فلاجل دفع الاحتمال ولأجل التنصيص على انه ليس بضروري تقيد القضية بقولنا (لا بالضرورة).

کما يحتمل أن يکون ذلک دائما ويحتمل الا يکون ولاجل دفع الاحتمال وبيان انه ليس بدائم تقيد القضية بقولنا (لا دائما).

فالجزء الاول وهو (کل مصلّ يتجنب الفحشاء بالفعل) قضية موجبة کلية مطلقة عامة. والجزء الثاني وهو (لا بالضرورة) يشار به الى قضية سالبة کلية ممکنة عامة لان معني (لا بالضرورة) أن تجنب الفحشاء ليس بضروري لکل مصل فيکون مؤداه أنه يمکن سلب تجنب الفحشاء على المصلي ويعبر عن هذه القضية بقولهم : (لا شيء من المصلي بمتجنب للفحشاء بالامکان العام).

وکذا لوکان الجزء الثاني هو (لا دائما) فانه يشار به الى قضية سالبة کلية ولکنها مطلقة عامة لان معني (لا دائما) ان تجنب الفحشاء لا يثبت لکل مصلّ دائما فيکون المؤدي (لا شيء من المصلي بمتجنب للفحشاء بالفعل).

وأهم القضايا المرکبة المتعارفة ست :

١٤٩

١ ـ (المشروطة الخاصة) وهي المشروطة العامة المقيدة باللادوام الذاتي. والمشروطة العامة هي الدالة على ضرورة ثبوت المحمول للموضوع ما دام الوصف ثابتا له فيحتمل فيها أن يکون المحمول دائم الثبوت لذات الموضوع وان تجرد عن الوصف ويحتمل ألا يکون. ولا جل دفع الاحتمال وبيان أنه غير دائم الثبوت لذات الموضوع تقيد القضية باللادوام الذاتي فيشار به الى قضية مطلقة عامة.

فتترکب المشروطة الخاصة على هذا من مشروطة عامة صريحة ومطلقة عامة مشار اليها بکلمة (لا دائما) نحو (کل شجر نام بالضرورة ما دام شجرا لا دائما) أي لا شيء من الشجر بنام بالفعل. وانما سميت خاصة لانها أخص من المشروطة العامة.

٢ ـ (العرفية الخاصة) وهي العرفية العامة المقيدة باللادوام الذاتي. ومعناه ان المحمول وان کان دائما ما دام اوصف هو غير دائم ما دام الذات فيرفع به احتمال الدوام ما دام الذات. ويشار باللادوام الى قضية مطلقة عامة کالسابق نحو : (کل شجر نام دائما ما دام شجرا لا دائما) أي لا شيء من الشجر بنام بالفعل.

فتترکب العرفية الخاصة من عرفية عامة صريحة ومطلقة عامة مشار اليها بکلمة (لا دائما). وانما سميت خاصة لانها أخص من العرفية العامة. اذ العرفية العامة تحتمل الدوام ما دام الذات وعدمه والعرفية الخاصة مختصة بعدم الدوام ما دام الذات.

٣ ـ (الوجودية اللاضرورية) وهي المطلقة العامة المقيدة باللاضرورية الذاتية لان المطلقة العامة يحتمل فيها أن يکون المحمول ضروريا لذات الموضوع ويحتمل عدمه ولأجل التصريح بعدم ضرورة ثبوته لذات الموضوع تفيد بکلمة (لا بالضرورة) وسلب الضرورة معناه الامکان العام لان الامکان العام هو سلب الضرورة عن الطرف المقابل فاذا سلبت الضرورة عن الطرف المقابل فاذا سلبت الضرورة عن الطرف المذکور صريحا في القضية ولنفرضه حکما ايجابيا فمعناه ان الطرف المقابل وهو السلب موجه بالامکان العام.

١٥٠

وعليه فيشار بکلمة (لا بالضرورة) الى ممکنة عامة فاذا قلت : (کل انسان متنفس بالفعل لا بالضرورة) فان (لا بالضرورة) اشارة الى قولک : لا شيء من الانسان بمتنفس بالامکان العام.

فتترکب اذن الوجودية اللاضرورية من مطلقة عامة وممکنة عامة وانما سميت وجودية لان المطلقة العامة تدل على تحقق الحکم ووجوده خارجا وسميت لا ضرورية لتقيدها باللاضرورة.

٤ ـ (الوجودية اللادائمة) وهي المطلقة العامة المقيدة باللادوام الذاتي لان المطلقة العامة يحتمل فيها أن يکون المحمول دائم الثبوت لذات الموضوع ويحتمل عدمه ولأجل التصريح بعدم الدوام تقيد القضية بکلمة (لا دائما) فيشار بها الى مطلقة عامة کما تقدم فتترکب الوجودية اللادائمة من مطلقتين عامتين وسميت وجودية للسبب المتقدم.

نحو (لا شيء من الانسان بمتنفس بالفعل لا دائما) أي ان کل انسان متنفس بالفعل.

٥ ـ (الحينية اللادائمة) وهي الحينية المطلقة المقيدة باللادوام الذاتي لأن الحينية المطلقة معناها ان المحمول فعلي الثبوت للموضوع حين اتصافه بوصفه فيحتمل فيها الدوام ما دام الموضوع وعدمه ولأجل التصريح بعدم الدوام تقيد (باللادوام الذاتي) الذي يشار به الى مطلقة عامة کما تقدم فتترکب الحينية اللادائمة من حينية مطلقة ومطلقة عامة. نحو (کل طائر خافق الجناحين بالفعل حين هو طائر لا دائما) أي لا شيء من الطائر بخافق الجناحين بالفعل.

٦ ـ (الممکنة الخاصة) وهي الممکنة العامة المقيدة باللاضرورة الذاتية ومعناها ان الطرف الموافق المذکور في القضية ليس ضروريا کما کان الطرف المخالف حسب التصريح في القضية ليس ضروريا أيضا فيرفع بقيد اللاضرورة احتمال الوجوب اذا کانت القضية موجبة واحتمال الامتناع اذا کانت سالبة. ومفاد مجموع

١٥١

القضية بعد الترکيب هو الامکان الخاص الذي هو عبارة عن سلب الضرورة عن الطرفين.

فتترکب الممکنة الخاصة من ممکنتين عامتين وتکون فيها الجهة نفس المادة الواقعية اذا کانت صادقة.

ويکفي لا فادة ذلک تقييد القضية بالامکان الخاص اختصارا فنقول : (کل حيوان متحرک بالامکان الخاص) أي کل حيوان متحرک بالامکان العام ولا شيء من الحيوان بمتحرک بالامکان العام.

والتعبير بالامکان الخاص بمنزلة ما لو قيدت الممکنة العامة باللاضرورة کما لو قلت في المثال : (کل حيوان متحرک بالامکان العام ال بالضرورة).

الخلاصة :

١٥٢

تمرينات

١ ـ اذکر ماذا بين الضرورية الذاتية وبين الدائمة المطلقة من النسب الاربع وکذا ما بين الضرورية الذاتية وبين المشروطة العامة والعرفية العامة.

٢ ـ اذکر النسبة بين الدائمة المطلقة وبين کل من المطلقة العامة والعرفية العامة!

٣ ـ ما النسبة بين المشروطة العامة والعرفية العامة وکذا بين الضرورية الذاتية والمشروطة الخاصة.

٤ ـ لو انا قيدنا المشروطة العامة باللاضرورةالذاتية هل يصح الترکيب؟

٥ ـ هل تري يصح تقييد الحينية المطلقة باللاضرورة الذاتية؟ واذا صح ماذا ينبغي أن نسمي هذه القضية المرکبة؟

٦ ـ هل يصح تقييد الدائمة المطلقة باللاضرورة الذاتية؟

٧ ـ اذکر مثالا واحدا من نفسک لکل من الموجهات البسيطة ثم اجعلها مرکبة بواحدة من الترکيبات الستة المذکورة الممکنة لها.

١٥٣

تقسيمات الشرطية الاخري

تقدم ان الشرطية تنقسم باعتبار نسبتها الى متصلة ومنفصلة وباعتبار الکيف الى موجبة وسالبة وباعتبار الاحوال والازمان الى شخصية ومهملة ومحصورة والمحصورة الى کلية وجزئية. وقد بقي تقسيم کل من المتصلة والمنفصلة الى أقسامها.

اللزومية والاتفاقية

تنقسم المتصلة باعتبار طبيعة الاتصال بين المقدم والتالي الى لزومية واتفاقية :

١ ـ (اللزومية) وهي التي بين طرفيها اتصال حقيقي لعلاقة توجب استلزام احدهما للآخر بأن يکون احدهما علة للآخر او معلولين لعلة واحدة. نحو (اذا سخن الماء فانه يتمدد) والمقدم علة التالي. ونحو (اذا تمدد الماء فانه ساخن) والتالي علة للمقدم بعکس الاول. ونحو (اذا غلا الماء فانه يتمدد) وفيه الطرفان معلولان لعلة واحدة لان الغليان والتمدد معلولان للسخونة الى درجة معينة.

٢ ـ (الاتفاقية) وهي التي ليس بين طرفيها اتصال حقيقي لعدم العلقة التي توجب الملازمة ولکنه يتفق حصول التالي عند حصول المقدم کما لو اتفق ان محمدا الطالب لا يحضر الدرس الا بعد شروع المدرس فتؤلف هذه القضية الشرطية (کلما جاء محمد فان المدرس قد سبق شروعه في الدرس). وليس هنا اية علاقة بين مجيء محمد وسبق شروع الدرس وانما ذلک بمحض الصدفة المتکررة.

ومن لم يتنور بنور العلم والمعرفة کثيرا ما يقع في الغلط فيظن في کثير من الاتفاقيات انها قضايا لزومية لمجرد تکرر المصادفة.

١٥٤

أقسام المنفصلة

للمنفصلة تقسيمان :

أ ـ العنادية والاتفاقية

وهذا التقسيم باعتبار طبيعة التنافي بين الطرفين کالمتصلة فتنقسم الي :

١ ـ (العنادية) وهي التي بين طرفيها تناف وعناد حقيقي بأن تکون ذات النسبة في کل منهما تنافي وتعاند ذات النسبة في الآخر نحو (العدد الصحيح اما أن يکون زوجا آو فردا).

٢ ـ (الاتفاقية) وهي التي لا يکون التنافي بين طرفيها حقيقيا ذاتيا وانما يتفق أن يتحقق احدهما بدون الآخر لامر خارج عن ذاتهما نحو : (اما أن يکون الجالس في الدار محمدا أو باقرا) اذا اتفق ان علم ان غيرهما لم يکن. ونحو : (هذا الکتاب اما أن يکون في علم المنطق واما أن يکون مملوکا لخالد) اذا اتفق ان خالدا لا يملک کتابا في علم المنطق واحتمل أن يکون هذا الکتاب المعين في هذا العلم.

ب ـ الحقيقية ومانعة الجمع ومانعة الخلو

وهذا التقسيم باعتبار امکان اجتماع الطرفين ورفعهما وعدم امکان ذلک فتنقسم الي :

١ ـ (حقيقية) وهي ما حکم فيها بتنافي طرفيها صدقا وکذبا في الايجاب وعدم تنافيهما کذلک في السلب بمعني انه لا يمکن اجتماعهما ولا ارتفاعهما في الايجاب ويجتمعان ويرتفعان في السلب.

مثال الايجاب العدد الصحيح اما أن يکون زوجا أو فردا فالزوج والفرد لا يجتمعان ولا يرتفعان.

مثال السلب ـ ليس الحيوان اما أن يکون ناطقا واما أن يکون قابلا للتعليم فالناطق والقابل للتعليم يجتمعان في الانسان ويرتفعان في غيره.

١٥٥

وتستعمل الحقيقية في القسمة الحاصرة : الثنائية وغيرها. واستعمالها أکثر من ان يحصي.

٢ ـ (مانعة جمع) وهي ما حکم فيها بتنافي طرفيها أو عدم تنافيهما صدقا لا کذبا بمعني انه لا يمکن اجتماعهما ويجوز أن يرتفعا معا في الايجاب ويمکن اجتماعهما ولا يمکن ارتفاعهما في السلب.

مثال الايجاب اما أن يکون الجسم أبيض أو اسود. فالابيض والاسود لا يمکن اجتماعهما في جسم واحد ولکنه يمکن ارتفاعهما في الجسم الاحمر.

مثال السلب ليس اما أن يکون الجسم غير أبيض او غير اسود فان غير الابيض وغير الاسود يجتمعان في الاحمر ولا يرتفعان في الجسم الواحد بان لا يکون يغر أبيض ولا غير أسود بل يکون أبيض واسود. وهذا محال.

وتستعمل مانعة الجمع في جواب من يتوهم امکان الاجتماع بين شيئين کمن يتوهم ان الامام يجوز أن يکون عاصيا لله فيقال له : (ان الشخص اما أن يکون اماما أو عا ياالله) ومعناه ان الامامة والعصيان لا يجتمعان وان جاز أن يرتفعا بان يکون شخص واحد ليس اماما وعاصبا.

هذا في الموجبة وأما في السالبة فتستعمل في جواب من يتوهم استحالة اجتماع شيئين کمن يتوهم امتناع اجتماع النبوة والامامة في بيت واحد فيقال له (ليس اما أن يکون البيت الواحد فيه نبوة أو امامة) ومعناه ان النبوة والامامة لا مانع من اجتماعهما في بيت واحد.

٣ ـ (مانعة خلو) وهي ما حکم فيها بتنافي طرفيها أو عدم تنافيهما کذبا لا صدقا بمعني أنه لا يمکن ارتفاعهما ويمکن اجتماعهما في الايجاب ويمکن ارتفاعهما ولا يمکن اجتماعهما في السلب :

مثال الايجاب الجسم اما أن يکون غير أبيض او غير أسود اي انه لا يخلو من احدهما وان اجتمعا. ونحو (اما أن يکون الجسم في الماء أو لا يغرق) فانه يمکن

١٥٦

اجتماعهما بان يکون في الماء ولا يغرق ولکن لا يخلو الواقع من احدهما لامتناع أن لا يکون الجسم في الماء ويغرق.

مثال السلب ليس اما أن يکون الجسم أبيض واما أن يکون اسود ومعناه ان الواقع قد يخلو من احدهما وان کانا لا يجتمعان.

وتستعمل مانعة الخلو الموجبة في جواب من يتوهم امکان أن يخلو الواقع من الطرفين کمن يتوهم أنه يمکن ان يخلو الشيء من أن يکون علة ومعلولا فيقال له : (کل شيء لا يخلو اما أن يکون علة أو معلولا) وان جاز ان يکون شيء واحد علة ومعلولا معا : علة لشيء ومعلولا لشيء آخر.

وأما السالبة فتستعمل في جواب من يتوهم ان الواقع لا يخلو من الطرفين کما يتوهم انحصار أقسام الناس في عاقل لا دين له وديّن لا عقل له فيقال له : (ليس الانسان اما أن يکون عاقلا لا دين له أو ديّنا لا عقل له) بل يجوز أن يکون شخص واحد عاقلا ودينا معا.

تنبيه

قد يغفل المبتديء عن بعض القضايا فلا يسهل عليه الحالقها بقسمها من أنواع القضايا لا سيما في التعبيرات الدارجة في ألسنة المؤلفين التي لم توضع بصورة فنية مضبوطة کما تقتضيها قواعد المنطق. وهذه الغفلة قد توقعه في الغلط عند الاستدلال أو لا يهتدي الى وجه الاستدلال في کلام غيره. وتکثر هذه الغفلة في الشرطيات.

فلذلک وجب التنبيه على أمور تنفع في هذا الباب نرجو ان يستعين بها المبتديء.

١ ـ تاليف الشرطيات

ان الشرطية تتألف من طرفين هما قضيتان بالاصل والمنفصلة بالخصوص قد تتألف من ثلاثة أطراف فأکثر. فالطرفان أو الاطراف التي هي القضايا بالاصل قد تکون من الحمليات أو من المتصلات أو من المنفصلات أو من المختلفات بأن تتألف

١٥٧

المتصلة مثلا حملية ومتصلة. وترتقي أقسام تأليف الشرطيات الى وجوه کثيرة لا فائدة في احصائها. وعلى الطالب أن يلاحظ ذلک بنفسه ولا يغفل عنه فقد ترد عليه شرطية مؤلفة من متصلة ومنفصلة فيظن انها أکثر من قضية. وللتوضيح ندکر بعض الوجوه وأمثلتها :

فمثلا قدتتألف المتصلة من حملية ومتصلة نحو : (ان کان العلم سببا للسعادة فان کان الانسان عالما کان سعيدا) فان المقدم في هذه القضية حملية والتالي متصلة وهو ان کان الانسان عالما کان سعيدا.

وقد تتألف المتصلة من حملية ومنفصلة نحو : (اذا کان اللفظ مفردا فإما ان يکون اسما او فعلا او حرفا) فالمقدم حملية والتالي منفصلة ذات ثلاثة أطراف.

وقد تتألف المنفصلة من حملية ومتصلة نحو (اما أن لا تکون حيلولة الارض مسببا لخسوف القمر او اذا حالت الارض بين القمر والشمس کان القمر منخسفا).

وهکذا قد تتألف المتصلة أو المنفصلة من متصلتين او منفصلتين او متصلة ومنفصلة ويطول ذکر امثلتها.

ثم ان الشرطية التي تکون طرفا في شرطية أيضا تأليفها يکون من الحمليات او الشرطيات او المختلفات وهکذا فتنبه لذلک.

٢ ـ المنحرفات

ومن الموهمات في القضايا انحراف القضية عن استعمالها الطبيعي ووضعها المنطقي فيشتبه حالها بأنها من أي نوع ومثل هذه تسمي (منحرفة).

وهذا الانحراف قد يکون في الحملية کما لو اقترن سورها بالمحمول مع أن الاستعمال الطبيعي أن يقرن بالموضوع کقولهم : الانسان بعض الحيوان أو الانسان ليس کل الحيوان. وحق الاستعمال فيهما أن يقال : بعض الحيوان انسان. وليس کل حيوان انسانا.

وقد يکون الانحراف في الشرطية کما لو خلت عن ادوات الاتصال والعناد ،

١٥٨

فتکون بصورة حملية وهي في قوة الشرطية نحو (لاتکون الشمس طالعة أو يکون النهار موجودا) فهي اما في فوة المتصلة وهي قولنا : کلما کانت الشمس طالعة کان النهار موجودا واما في قوة المنفصلة وهي قولنا : اما ان لا تکون الشمس طالعة واما أن يکون النهار موجودا.

ونحو (ليس يکون النهار موجودا الا والشمس طالعة) وهي أيضا في قوة المتصلة او المنفصلة المتقدمتين. ونحو (لا يجتمع المال الا من شح أو حرام) فانها في قوة المنفصلة وهي قولنا : إما ان يجتمع المال من شح او من حرام أو في قوة المتصلة وهي قولنا : إن اجتمع المال فاجتماعه اما من شرح أو من حرام. وهذه متصلة مقدمها حملية وتاليها منفصلة بالاصل.

وعلى الطالب أن يلاحظ ويدقق القضايا المستعملة في العلوم فانها کثيرا ما تکون منحرفة عن أصلها فيغفل عنها. وليستعمل فطنته في ارجاعها الى أصلها.

تطبيقات

١ ـ کيف ترد هذه القضية الى أصلها (ليس للانسان الا ما سعي)؟

الجواب : ان هذه قضية فيها حصر فهي تنحل الى حمليتين موجبة وسالبة فهي منحرفة. والحمليتان هما : کل انسان له نتيجة سعيه. وليس للانسان ما لم يسع اليه.

٢ ـ من أي القضايا قوله : (ازري بنفسه من استشعر الطمع)؟

الجواب : انها قضية منحرفة عن متصلة وهي في قوة قولنا : کلما استشعر المرء الطمع ازري بنفسه.

٣ ـ کيف ترد هذه القضية الى أصلها : (ما خاب من تمسک بک).

الجواب : انها منحرفة عن حملية موجبة کلية وهي : کل من تمسک بک لا يخيب.

١٥٩

تمرينات

١ ـ لو قال القائل : (کلما کان الحيوان مجترا کان مشقوق الظلف) أو قال : (کلما کان الانسان قصيرا کان ذکيا) فماذا نعد هاتين القضيتين من اللزوميات أو من الاتفاقيات؟

٢ ـ بين نوع هذه القضايا وارجع المنحرفة الى أصلها.

أ ـ اذا ازدحم الجواب خفي الصواب.

ب ـ اذا کثرت المقدرة قلت الشهوة.

ج ـ من نال استطال.

د ـ رضي بالذل من کشف عن ضره.

هـ ـ انما يخشي الله من عباده العلماء.

٣ ـ قولهم (الدهر يومان يوم لک ويوم عليک) من أي أنواع القضايا. واذا کانت منحرفة فارجعها الى أصلها وبين نوعها.

٤ ـ من أي القضايا قول على عليه السلام (لا تخلو الارض من قائم لله بحجة اما ظاهرا مشهورا أو خائفا مغمورا). واذا کانت منحرفة فأرجعها الى أصلها وبين نوعها.

الخلاصة :

١٦٠