موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[٢١٢٥] مسألة ١٠ : لا يجب قضاء السجدة المنسيّة والتشهّد المنسي في النافلة (١).

______________________________________________________

فإنّ من الواضح أنّ المراد به فيها هو الشكّ في الركعات ، وإلّا فأحكام السهو من تدارك المنسي لدى الإمكان أو البطلان أو القضاء أو سجود السهو ونحو ذلك مشترك فيه بين عامّة الصلوات وكافّة الركعات ، فيكون ذلك قرينة على أنّ المراد به في المقام أيضاً هو الشكّ في الركعات ، دون المعنى الآخر المتبادر من لفظ السهو عند إطلاقه ، أو ما يعمّه والشك ، ولو لا ذلك لكان الاستدلال بهذا الوجه جيّداً.

(١) لا ينبغي التأمّل في أنّ المراد بالوجوب هنا ليس هو الوجوب النفسي فإنّ غاية ما يستفاد من دليل القضاء على ما سبق في محلّه (١) بقاء المنسي من السجود أو التشهّد على جزئيّته وإن تبدّل محلّه وتأخّر عن ظرفه. فالإتيان به تتميم للصلاة. ولا ريب في عدم وجوب إتمام النافلة وجواز رفع اليد عنها حتّى اختياراً.

بل المراد الوجوب الشرطي ، وأنّ الشرط في صحّة النافلة والاجتزاء بها هل هو قضاء المنسي وتداركه بعد الصلاة أو لا. والظاهر عدم الوجوب ، لقصور المقتضي.

أمّا في التشهّد المنسي فقد أسلفناك في محلّه (٢) عدم الدليل على قضائه حتّى في الفريضة ، فإنّ ما دلّ على إتيانه وهو صحيح ابن مسلم المتضمّن للرجوع إلى

__________________

(١) شرح العروة ١٨ : ٩٥ ، ٢٧١ ، ٣١١.

(٢) شرح العروة ١٨ : ٩٥.

٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

مكانه ويتشهّد وإلّا طلب مكاناً نظيفاً (١) قد استظهرنا منه التشهّد الأخير وأنّ الإتيان به حينئذ أداء لا قضاء كما سبق في محلّه.

وأمّا ما دلّ على حكم نسيانه في التشهّد الأوّل فلم يذكر فيه القضاء أصلاً بل المذكور فيه الإتيان بسجدتي السهو ، والاكتفاء بالتشهّد فيهما عن المنسي. وعلى الجملة : فلا دليل على قضائه في الفريضة فضلاً عن النافلة.

وأمّا في السجدة المنسية فقد دلّت عدّة من الروايات على القضاء (٢) ، ولكنّها خاصّة بالفريضة ولا تعمّ النافلة ، لأنّها بأجمعها قد تضمّنت التفصيل بين التذكّر قبل الدخول في الركوع والتذكّر بعده ، وأنّه يرجع في الأوّل لبقاء المحل دون الثاني لانتفائه ، من أجل استلزام التدارك لزيادة الركن القادحة في الفريضة ومن ثمّ يقضى المنسي بعد الصلاة.

وأمّا في النافلة فلا مانع من الرجوع ولو بعد الدخول في الركوع ، لما عرفت من عدم قدح الزيادة الركنية فيها كما صرّح بذلك في صحيحة الحلبي المتقدّمة (٣).

وبالجملة : فهذا التفصيل كاشف عن اختصاص الحكم بالفريضة ، لبقاء محلّ التدارك في النافلة وإن دخل في الركوع ، فلا فرق بينه وبين عدم الدخول في جواز الرجوع.

وأمّا لو كان التذكّر في النافلة في مورد لا يمكن التدارك كما لو كان بعد السلام ، أو بعد الركعة الثانية وقلنا إنّ زيادة الركعة تضرّ بالنافلة فلا دليل

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٠١ / أبواب التشهّد ب ٧ ح ٢.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٦٤ / أبواب السجود ب ١٤ ح ١ ، ٢ وغيرهما.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٨ ح ٤ ، وقد تقدّمت في ص ٧٩.

٨٢

كما لا يجب سجود السهو لموجباته فيها (١).

______________________________________________________

حينئذ على القضاء ، فانّ هذا لو كان في الفريضة شمله دليل القضاء بطريق أولى كما لا يخفى.

وأمّا في النافلة فعدم التدارك في الفرض لم يستند إلى الدخول في الركوع ، بل هو لمانع آخر ، ومثله غير مشمول لنصوص القضاء ، لكون المدار فيها على عدم إمكان التدارك المستند إلى الدخول في الركوع ، غير المنطبق على النافلة.

وعليه فلا دليل على وجوب القضاء في النافلة ، بل الدليل قائم على العدم وهي صحيحة الحلبي المتقدّمة المصرّحة بالرجوع وعدم قادحية الدخول في الركوع ، ومن ثمّ استشكل جمع منهم صاحب الجواهر في مشروعية القضاء فضلاً عن وجوبه (١) ، وهو في محلّه.

(١) لاختصاص دليله بالفريضة في جميع الموجبات.

أمّا التكلّم السهوي فعمدة المستند النص المتضمّن لقول المصلّي : «أقيموا صفوفكم» (٢) ، ومعلوم أنّ مورده الجماعة ، ولا جماعة في النافلة. ومورد غيره من الروايات (٣) أيضاً هو الفريضة كما لا يخفى على مَن لاحظها. فلا مجال للتعدِّي عنها.

وأمّا السلام الزائد فعمدة الدليل فيه ما ورد في من سلّم في الثالثة بدل الرابعة اشتباهاً (٤). وكون مورده الفريضة ظاهر جدّاً ، وكذا ما ورد في من شكّ

__________________

(١) الجواهر ١٢ : ٤٣٠.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٠٦ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٤ ح ١.

(٣) الوسائل ٨ : ٢١٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٢ وغيره.

(٤) الوسائل ٨ : ٢٠٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٤.

٨٣

[٢١٢٦] مسألة ١١ : إذا شكّ في النافلة بين الاثنتين والثلاث فبنى على الاثنتين ثمّ تبيّن كونها ثلاثاً بطلت (*) (١) واستحبّ إعادتها (٢)

______________________________________________________

بين الأربع والخمس (١). ولم نقل بوجوبه لكلّ زيادة ونقيصة حتّى يتصوّر في النافلة.

وأمّا التشهّد المنسي فمورده التشهّد الأوّل الّذي هو مختصّ بالفريضة كما هو ظاهر. فليست عندنا رواية مطلقة ليتمسّك بها في النافلة.

على أنّك قد عرفت فيما سبق (٢) أنّ سجدة السهو ليست كالسجدة المنسية التي هي جزء متمّم تبطل الصلاة بالإخلال بها ، بل هي واجب مستقلّ لا يضرّ الإخلال بها بصحّة الصلاة حتّى عامداً ، ولا يمكن الالتزام بهذا الوجوب النفسي الاستقلالي في مثل النافلة بعد استحبابها وجواز رفع اليد عن أصل الصلاة ، فلا يُقاس ذلك بالفريضة المحكومة بحرمة القطع على المشهور. فالإذعان بالوجوب التعبّدي هنا بعيد غايته.

وعلى الجملة : فالمقتضي للوجوب قاصر في حدّ نفسه ، مضافاً إلى وجود المانع أعني القرينة الخارجية ، وهي استبعاد الالتزام بالوجوب في عمل محكوم بالاستحباب.

(١) لانكشاف زيادة الركعة القادحة كما ستعرف.

(٢) لبقاء الأمر الأوّل على حاله.

__________________

(*) على الأحوط ، وقد مرّ آنفاً بطلان الواجب بالعرض بالشك.

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ١ ، ٤.

(٢) شرح العروة ١٨ : ٣٨٤.

٨٤

بل تجب إذا كانت واجبة بالعرض (١).

______________________________________________________

(١) لنذر وشبهه.

أقول : أمّا الواجب بالعرض فقد تقدّم (١) أنّ الشك فيه موجب للبطلان على الأقوى.

وأمّا ما كان نافلة بالفعل فالمعروف والمشهور هو البطلان فيما لو انكشفت زيادة الركعة كما ذكره في المتن.

ولكن قد يستشكل بعدم الدليل عليه بعد البناء على عدم قدح الزيادة الركنية في النافلة كما مرّ ، إذ لا فرق بين زيادة الركن أو الركنين المشتملة عليهما الركعة ، فالحكم بالبطلان مشكل.

بل قد يستدل على الصحّة وعدم قدح زيادة الركعة في النافلة بتقييد الصلاة بالمكتوبة في قوله (عليه السلام) في صحيح زرارة : «إذا استيقن أنّه زاد في صلاته المكتوبة ركعة لم يعتدّ بها ، واستقبل صلاته استقبالاً» (٢) بناءً على ما قدّمناه (٣) من أنّ التقييد كاشف عن عدم عموم الحكم للطبيعة ، حذراً عن اللّغوية.

ولكن الاستدلال المزبور ساقط ، لكون المراد من الركعة في الصحيحة هو الركوع ، لإطلاقها عليه كثيراً في لسان الأخبار التي منها قوله (عليه السلام) : «لا تعاد الصلاة من سجدة وإنّما تعاد من ركعة» (٤) وهو المطابق للمعنى اللّغوي. فإنّ الركعة مصدر ركع ، يقال : ركع ركوعاً وركعة. وإطلاقها على الركعة التامّة

__________________

(١) في ص ٦٩ وما بعدها.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ١.

(٣) في ص ٧٥.

(٤) الوسائل ٦ : ٣١٩ / أبواب الركوع ب ١٤ ح ٢ ، ٣ ، (نقل بالمضمون).

٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

مبني على التجوّز من باب إطلاق اللفظ الموضوع للجزء على الكل ، كما يقال : صلاة الظهر أربع ركعات والمغرب ثلاث ركعات وهكذا ، فيطلق على المجموع باعتبار الاشتمال على الركوع ، وإلّا فليس هناك وضع وحقيقة شرعية للركعة التامّة كما لا يخفى.

وعليه فلا يمكن إثبات الصحّة بهذه الصحيحة. فنبقى نحن ومقتضى الأصل ولا ريب أنّ مقتضاه عدم البطلان ، للشك في التقييد بعدم زيادة الركعة ، ومقتضى الأصل عدم التقييد.

إلّا أن يقال باستفادة التقييد من الروايات (١) الواردة في كيفية تشريع الصلاة وأنّها ركعتان ركعتان في الفريضة والنافلة في أصل التشريع ، غير أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) زاد في بعض الفرائض كالظهرين والعشاءين وفي بعض النوافل كصلاة الأعرابي.

فإذا كانت مقيّدة بالركعتين في حدّ ذاتها فلو أُضيف عليها ركعة ولو سهواً فبما أنّه على خلاف الجعل الأوّلي ولم يكن مصداقاً للمأمور به توقّفت صحّته على قيام الدليل ، وإلّا فغير المأمور به لا يكون مجزياً عن المأمور به.

وبعبارة اخرى : ما أُمرنا به لم يتحقّق لدى الاشتمال على الزيادة ولو سهواً وما هو المحقّق ليس بمأمور به ، فالاجتزاء به منوط لا محالة بقيام الدليل ولا دليل.

فان ثبتت هذه الدعوى أعني تقيّد الصلاة بالركعتين فهو ، وإلّا فلا دليل على البطلان بعد أن كانت مانعية الزيادة مشكوكة ومدفوعة بالأصل. وحيث إنّ سيِّدنا الأُستاذ (دام ظلّه) لم يكن جازماً بصدق هذه الدعوى ، لتشكيكه في صحّة أسانيد تلك الروايات وإن كان مضمونها مطابقاً للارتكاز الشرعي

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٤٥ / أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٣ ح ٢ ، ١٢ ، ١٤ ، ١٩.

٨٦

[٢١٢٧] مسألة ١٢ : إذا شكّ في أصل فعلها بنى على العدم إلّا إذا كانت موقّتة وخرج وقتها (١).

______________________________________________________

فمن ثمّ احتاط في البطلان كما أشار إليه في تعليقته الأنيقة.

(١) لا ريب في أنّ المرجع لدى الشك في أصل الإتيان أصالة العدم فيما إذا لم تكن النافلة موقّتة بوقت خاص.

وأمّا في الموقّت وعروض الشك بعد خروج الوقت فلا كلام فيما لا قضاء له. وأمّا ما ثبت فيه القضاء كالنوافل المرتّبة اللّيلية منها والنهارية على ما دلّت عليه النصوص (١) الواردة في تفسير قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً) (٢) من قضاء نوافل اللّيل في النهار ونوافل النهار في اللّيل فكان كلّ منهما خلفة للآخر.

فمقتضى القاعدة حينئذ عدم القضاء ، للشك في تحقّق موضوعه وهو الفوت الّذي لا يكاد يثبت بأصالة عدم الإتيان في الوقت ، لعدم حجّية الأُصول المثبتة بعد أن كان الفوت عنواناً وجودياً مغايراً لعدم الإتيان كما سبق في محلّه (٣). فمع الشك في تحقّق الموضوع يشكّ لا محالة في تعلّق الأمر الاستحبابي بالقضاء فيرجع إلى أصالة العدم ، هذا.

مضافاً إلى قاعدة الحيلولة المستفادة من صحيحة زرارة (٤) فانّ موردها وإن كان هو الفريضة ، إلّا أنّ التعبير فيها بالحائل كاشف عن أنّ المناط في عدم

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٧٥ / أبواب المواقيت ب ٥٧ ح ٢ ، ٤ ، ١٦.

(٢) الفرقان ٢٥ : ٦٢.

(٣) شرح العروة ١٦ : ٨٠.

(٤) الوسائل ٤ : ٢٨٢ / أبواب المواقيت ب ٦٠ ح ١.

٨٧

[٢١٢٨] مسألة ١٣ : الظاهر أنّ الظنّ في ركعات النافلة حكمه حكم الشك (١) في التخيير بين البناء على الأقل أو الأكثر ، وإن كان الأحوط العمل بالظن (*) ما لم يكن موجباً للبطلان.

______________________________________________________

الالتفات جهة الحيلولة وخروج الوقت المشترك بين الفريضة والنافلة.

فكأنّ الشك بعد وقوع الحائل بمثابة الشك بعد السلام ، والشك بعد خروج الوقت بمنزلة الشكّ بعد الفراغ من الصلاة ، وعدم الالتفات في كلا الشكّين بملاك واحد ، وهو الأذكرية والأقربية إلى الواقع حين العمل أو في وقته ، فكان ذلك أمارة على الوقوع في ظرفه ، ولأجله لا يعتنى بالشك العارض بعد ذلك.

وهذا الملاك كما ترى مشترك فيه بين الفريضة والنافلة. فليس له الإتيان بعد خروج الوقت إلّا بعنوان الرجاء.

(١) حكم (قدس سره) بعدم اعتبار الظنّ في ركعات النافلة. وقد تقدّم منه (قدس سره) (١) نظير ذلك في شكّ الإمام والمأموم ، وأنّ الشاك لا يرجع إلى الظان ، وهو يرجع إلى المتيقّن.

لكن الظاهر جواز الاعتماد على الظن المتعلّق بالركعات ، من غير فرق بين الفريضة والنافلة ، لعدم اندراجه بعد فرض حجّيته في السهو ، المنفي في النافلة أو عن الإمام والمأموم ، لظهوره في كون المراد به التردّد والشك المتساوي الطرفين المحكوم بالبطلان أو بالبناء على الأكثر. فلا يشمل الظن المحكوم بالاعتناء به في نفس أدلّة الشكوك ، وكذا في صحيحة صفوان (٢) لانتفاء التردّد معه بعد فرض

__________________

(*) بل هو الأظهر.

(١) [في ذيل الموضع السادس ممّا لا يلتفت إلى الشك فيه].

(٢) الوسائل ٨ : ٢٢٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٥ ح ١.

٨٨

[٢١٢٩] مسألة ١٤ : النوافل التي لها كيفيّة خاصّة أو سورة مخصوصة أو دعاء مخصوص كصلاة الغفيلة وصلاة ليلة الدفن وصلاة ليلة عيد الفطر إذا اشتغل بها ونسي تلك الكيفية فإن أمكن الرجوع والتدارك رجع وتدارك وإن استلزم زيادة الركن (١) لما عرفت من اغتفارها في النوافل ،

______________________________________________________

حجّيته وكونه بمثابة العلم ولو تعبّداً ، فهو محرز لأحد الطرفين كما لو قامت حجّة أُخرى من بيّنة ونحوها.

ويؤيِّد هذا ويؤكِّده أنّ المستفاد من قوله (عليه السلام) في موثّقة عمار : «إلا أُعلِّمك شيئاً ...» إلخ (١) عدم جواز المضي على الشك ، وأنّ المصلّي لا بدّ وأن يستند إلى ما يؤمن معه عن الخلل. ومن هنا علّمه (عليه السلام) طريقة يؤمن معها عن الزيادة والنقصان. فاللّازم عليه رفع ترديده بعلم أو علمي والاستناد إلى حجّة قاطعة.

وبعد التعويل على الظن المستفاد حجّيته من نفس أدلّة الشكوك للتقييد فيها بعدم وقوع الوهم على شي‌ء لم يكن المضي مضياً على الشك ، لزوال التردّد حينئذ بل هو مضي على اليقين ولو تعبّداً.

فلا فرق في حجّيته بين الفريضة والنافلة بمقتضى الإطلاق في صحيحة صفوان الحاكمة بالبطلان ما لم يحصل الظن ، نعم خرجت النافلة عنها لدى الشك فقط ، وأنّه يحكم عليها حينئذ بالتخيير ، وأمّا مع الظن فهي مشمولة لما يستفاد من إطلاقها من حجّية الظن المتعلّق بالركعات.

(١) كما لو تذكّر بعد الدخول في الركوع نسيان الآية في صلاة الغفيلة.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٣ [الظاهر كونها ضعيفة سنداً].

٨٩

وإن لم يمكن (١) أعادها ، لأنّ الصلاة وإن صحّت إلّا أنّها لا تكون تلك الصلاة المخصوصة (٢).

______________________________________________________

(١) كما لو كان التذكّر بعد السلام ، أو بعد الانتهاء عن الركعة ، بحيث استلزم الرجوع زيادة ركعة تامّة ، وهي ممنوع عنها حتّى في النافلة كما مرّ (١).

(٢) ربما يورد عليه بعدم إمكان الجمع بين الصحّة والإعادة ، إذ لو كان ناوياً لتلك الصلاة الخاصّة فإن أُريد من صحّتها صحّتها كما نوى ووقوعها بتلك الكيفية فلا حاجة بعدئذ إلى الإعادة ، وإن أُريد صحّتها بكيفية أُخرى فهي فاقدة للنيّة المعتبرة في العبادة ، إذ المفروض عدم تعلّق القصد بها ، فيكون من قبيل إنّ ما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد.

إلّا أن يفرض كونه ناوياً لأصل الصلاة أيضاً مضافاً إلى نيّته لتلك الكيفية بحيث يكون على نحو تعدّد المطلوب ، فتتّجه الصحّة حينئذ والجمع بينها وبين الإعادة ، فتصحّ أصل الصلاة وتعاد تلك الكيفية ، وإلّا فالتوفيق بينهما مع فرض وحدة المطلوب مشكل جدّاً. فينبغي التفصيل بين وحدته وتعدّده.

أقول : لا مانع من الجمع بين الصحّة والإعادة حتّى مع فرض الوحدة ، فإنّ قصد الخصوصية ملازم لتعلّق القصد بأصل الصلاة ، ولا يكاد ينفكّ عنه ، إذ النسبة بينهما نسبة العموم والخصوص المطلق ، ولا شكّ أنّ الخاص مشتمل على العام وزيادة ، كما أنّ الفرد متضمّن للطبيعي مع الخصوصية ، والمقيّد شامل للمطلق مع الإضافة. فهو متّحد معه وغير منفكّ عنه بوجه ، فهو مقصود في ضمن القصد المتعلّق بالخاص لا محالة.

__________________

(١) [في ص ٨٦ وما بعدها ، لكن على سبيل الاحتياط].

٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

فلو ورد الأمر بإكرام المؤمن فأكرم زيداً لاعتقاد اتّصافه بخصوصية ككونه عالماً أو هاشمياً ونحو ذلك ثمّ انكشف الخلاف ، أو صلّى في مكان بزعم كونه مسجداً بحيث لم يكن ناوياً للصلاة لولا هذا الزعم ثمّ بان الخلاف ، أفهل يمكن القول بعدم حصول امتثال الأمر بإكرام المؤمن ، أو الأمر بطبيعي الصلاة التي هي خير موضوع بدعوى عدم كونه قاصداً للطبيعي.

وعلى الجملة : الصلاة الخاصّة المشتملة على الكيفية المخصوصة مصداق لطبيعي النافلة ، فقصدها قصده بطبيعة الحال ، لاتحادها معه ، وعدم كونها مباينة له ليحتاج إلى قصد آخر كي يعترض بأن ما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد.

وإنّما يتّجه هذا الكلام في العنوانين المتباينين كالظهر والعصر ، والفريضة والنافلة ، والأداء والقضاء ونحو ذلك ممّا لا علاقة بينهما ولا اتّحاد. ففي مثل ذلك لو قصد أحدهما ولم يكن له واقع لا يغني عن الآخر ، لفقد القصد بالإضافة إليه كما ذكر.

وأمّا في المقام وأشباهه من موارد الخاص والعام ، أو المطلق والمقيّد ، أو الطبيعي والفرد فالقصد الارتكازي بالإضافة إلى الطبيعي موجود في ضمن القصد المتعلّق بالخاص قطعاً ، وإن كان الداعي والباعث إليه هو الاتِّصاف بتلك الخصوصية المتخلّفة ، بحيث لولاها لم يصدر منه القصد ، وأنّه لو كان عالماً بأنّ هذا المكان ليس بمسجد أو أنّ هذه الصلاة لم تقع تلك الصلاة الخاصّة كصلاة جعفر مثلاً لم يكن قاصداً لطبيعي الصلاة ، إلّا أنّه بالأخرة قد تحقّق منه هذا القصد خارجاً في ضمن القصد المتعلّق بالفرد الخاص ، وإن كان مشتبهاً ومخطئاً في التطبيق ، ولأجله يحكم بصحّة الصلاة لانطباق الطبيعي المقصود عليها وإعادتها لعدم كونها تلك الصلاة المخصوصة كما أفاده في المتن.

٩١

وإن نسي بعض التسبيحات في صلاة جعفر قضاه متى تذكّر (*) (١).

______________________________________________________

(١) إن كان المستند في ذلك ما رواه الطبرسي في الاحتجاج والشيخ الطوسي في كتاب الغيبة عن الحميري في التوقيع حيث «سأله (عليه السلام) عن صلاة جعفر إذا سها في التسبيح في قيام أو قعود ، أو ركوع أو سجود وذكره في حالة اخرى قد صار فيها من هذه الصلاة هل يعيد ما فاته من ذلك التسبيح في الحالة التي ذكره أم يتجاوز في صلاته؟ التوقيع : إذا سها في حالة عن ذلك ثمّ ذكره في حالة اخرى قضى ما فاته في الحالة التي ذكره» (١).

فمضافاً إلى ضعف السند بالإرسال في طريق الاحتجاج ، وبأحمد بن إبراهيم النوبختي الواقع في طريق الشيخ فإنّه مجهول ، قاصرة الدلالة على الإطلاق المذكور في المتن ، لاختصاص مفادها بما إذا تذكّر في حالة اخرى من صلاته ولا يعمّ التذكّر لما بعد الصلاة كما هو ظاهر.

وإن كان المستند ما رواه الكليني والشيخ عنه بإسناده عن أبان قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : من كان مستعجلاً يصلّي صلاة جعفر مجرّدة ، ثمّ يقضي التسبيح وهو ذاهب في حوائجه» (٢) ونحوه ما رواه الصدوق بإسناده عن أبي بصير (٣) بدعوى أنّ الاستعجال مع الترك العمدي إن كان عذراً يسوغ معه تأخير التسبيح إلى ما بعد الصلاة فالنسيان أولى بالعذر ، فيكشف

__________________

(*) فيه إشكال ، ولا بأس بالإتيان به رجاء.

(١) الوسائل ٨ : ٦١ / أبواب صلاة جعفر ب ٩ ح ١ ، الاحتجاج ٢ : ٥٦٥ ، كتاب الغيبة : ٣٧٦.

(٢) الوسائل ٨ : ٦٠ / أبواب صلاة جعفر ب ٨ ح ١ ، الكافي ٣ : ٤٦٦ / ٣ ، التهذيب ٣ : ١٨٧ / ٤٢٤.

(٣) الوسائل ٨ : ٦٠ / أبواب صلاة جعفر ب ٨ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٣٤٩ / ١٥٤٣.

٩٢

[٢١٣٠] مسألة ١٥ : ما ذكر من أحكام السهو والشك والظن يجري في جميع الصلوات الواجبة (*) (١) أداءً وقضاءً من الآيات والجمعة والعيدين وصلاة الطواف ، فيجب فيها سجدة السهو لموجباتها ، وقضاء السجدة المنسيّة والتشهّد المنسي. وتبطل بنقصان الركن وزيادته ، لا بغير الركن. والشك في ركعاتها موجب للبطلان لأنّها ثنائيّة.

______________________________________________________

عن أنّ الإتيان بالتسبيحات أثناء الصلاة لم يكن من المقوّمات. ففيه : أنّ الدلالة وإن كانت تامّة لكنّ السند ضعيف.

وبالجملة : فلا دليل على الإتيان بالتسبيح المنسي متى تذكّر ، لعدم ورود ذلك في شي‌ء من الروايات المعتبرة. فالإتيان به بنيّة جزمية مشكل جدّاً ، نعم لا بأس بذلك رجاء.

(١) فلا تختص بالصلوات اليومية ، بل تعمّ جميع الفرائض ، للإطلاق في كثير من أدلّة تلك الأحكام ، وإلغاء خصوصية المورد جزماً فيما لا إطلاق له.

فانّ الموضوع في دليل حجّية الظن في الركعات مثل صحيحة صفوان (١) هو مطلق الصلاة ، كما أنّ الموضوع في أدلّة الشكوك المتضمّنة للزوم سلامة الركعتين وحفظهما عن الشك (٢) كذلك.

وما دلّ على لزوم سجدتي السهو لكلام الآدمي قد عرفت (٣) أنّ عمدة

__________________

(*) على ما مرّ.

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٥ ح ١ ، قال (عليه السلام) : «إن كنت لا تدري كم صلّيت ولم يقع وهمك على شي‌ء فأعد الصلاة».

(٢) الوسائل ٨ : ١٨٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١.

(٣) في ص ٨٣.

٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

المستند فيه النصّ المتضمّن لقول المصلي : «أقيموا صفوفكم» فيشمل كلّ صلاة تنعقد جماعة ، العامّة لجميع الفرائض.

وكذا ما دلّ على لزوم السجدتين للتشهّد المنسي (١) كما لا يخفى ، نعم ما دلّ على لزومهما للسلام الزائد مورده اليومية ، لوروده في من سلّم على الثالثة بدلاً عن الرابعة (٢) ، فلا تعمّ سائر الصلوات الواجبة مثل الآيات والجمعة والطواف ونحوها ، لكونها ثنائية بأجمعها. إلّا أنّه من أجل القطع بعدم القول بالفصل والجزم بعدم خصوصية للمورد يتعدّى إلى كافّة الصلوات الواجبة بلا إشكال.

كما أنّ ما دلّ على قضاء السجدة المنسية المتضمّن للتفصيل بين كون التذكّر قبل الدخول في الركوع أو بعده ، وأنّه يرجع في الأوّل ويقضي في الثاني (٣) الموضوع فيه هو مطلق الصلاة من غير اختصاص باليومية.

وكذا ما دلّ على البطلان بنقصان الركن وزيادته (٤) ، بل يستفاد من حسنة الحلبي المتقدّمة (٥) المتضمّنة لعدم بطلان النافلة بزيادة الركوع ، المؤيّدة بخبر الصيقل (٦) المصرّح بعدم كون النافلة كالفريضة أنّ البطلان بزيادة الركن من أحكام الفريضة على إطلاقها ، كما أنّ عدم البطلان بالإخلال بما عدا الأركان المستفاد من حديث لا تعاد (٧) عام أيضاً لجميع الصلوات.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٠١ / أبواب التشهّد ب ٧ ح ٣ ، ٤ ، ٦.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٠٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٤.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٦٤ / أبواب السجود ب ١٤ ح ١ ، ٢ وغيرهما.

(٤) وقد تقدّم في ص ٧٣ وما بعدها.

(٥) [في ص ٧٩ بعنوان صحيحة الحلبي].

(٦) المتقدّم في ص ٧٧.

(٧) الوسائل ١ : ٣٧١ / أبواب الوضوء ب ٣ ح ٨.

٩٤

[٢١٣١] مسألة ١٦ : قد عرفت سابقاً أنّ الظنّ المتعلّق بالركعات في حكم اليقين ، من غير فرق بين الركعتين الأوّلتين والأخيرتين ، ومن غير فرق بين أن يكون موجباً للصحّة أو البطلان كما إذا ظنّ الخمس في الشكّ بين الأربع والخمس أو الثلاث والخمس (١).

______________________________________________________

(١) أشار (قدس سره) إلى عدم الفرق في حجّية الظنّ المتعلِّق بالركعات بين ما كان موجباً للصحّة كظن الأربع في الشكّ بينها وبين الخمس ، أو البطلان كظن الخمس في المثال ، لإطلاق دليل الاعتبار.

وربما يناقش بقصور أدلّة حجّية الظن عن إثبات الإطلاق.

أمّا ما ورد في الشكوك الخاصّة كالشك بين الثنتين والثلاث أو الثلاث والأربع ونحو ذلك فظاهر ، لكون موردها الصحّة في كلّ من الطرفين. فلا تشمل الظن بالبطلان.

وأمّا ما ورد بلسان عام كصحيحة صفوان فلأنّ منطوقها البطلان ، فلا بدّ وأن يكون مفهومها الصحّة. ونتيجة ذلك الاختصاص بالظن بالصحيح ، إذ لو كان شاملاً للظنّ بالبطلان لدلّ المفهوم على الصحّة لدى حصول هذا الظن وهو كما ترى غير قابل للتصديق ، فإنّه مع الشك في الصحّة والفساد يحكم بالبطلان بمقتضى دلالة المنطوق ، فكيف يحكم بالصحّة مع ظن الفساد ، فانّ البطلان ثابت هنا بطريق أولى.

ولكن الصحيح دلالة المفهوم على حجّية الظن مطلقاً ، فانّ منطوق الصحيحة هو وجوب الإعادة من ناحية الشك خاصّة ، وأنّ هذا العنوان هو الّذي يستوجب البطلان. فمفهومها عدم الإعادة بلحاظ الشك فقط ، وأمّا مع وجود حجّة أُخرى من ظن أو بيّنة ونحوهما ممّا يزول معها الشك بقاءً وينعدم

٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الموضوع ولو تعبّداً فاللّازم العمل على طبق تلك الحجّة ، والجري على مفادها والأخذ بمدلولها صحّة أو فساداً.

وهذا نظير قولنا : إذا شكّ في الطهارة والنجاسة ولم تقم البيّنة يحكم بالطهارة ، فإنّ المستفاد منه تعليق الطهارة وإناطتها بنفس الشك ، فمفهومه نفي الطهارة المستندة إلى الشك لدى قيام البيّنة المزيلة للشك ، وأنّ اللّازم حينئذ الأخذ بمفاد البيّنة ، سواء أقامت على الطهارة أم النجاسة.

وهذا هو المتفاهم العرفي من أمثال هذه القضايا كما لا يخفى ، وعليه فمفهوم الصحيحة وجوب العمل بالوهم الّذي قد يقتضي الإعادة وقد لا يقتضيها.

والّذي يؤيِّد ما ذكرناه ويؤكِّده أنّا قد استفدنا من النصوص عدم جواز المضي في الفريضة على الشك مطلقاً ، وأنّ اللّازم الاستناد إلى ما يندفع به احتمال تطرّق الفساد من البناء على الأكثر والتدارك بركعة الاحتياط أو ركعتيه ، أو على الأقل والتدارك بسجدتي السهو على ما نطقت به موثّقة عمار (١) من تعليمه (عليه السلام) كيفية يؤمن معها من الزيادة والنقصان ، أو أن يعمل بالظن الّذي اعتبره الشارع في باب الركعات وجعله محرزاً للواقع ، وإلّا فالمضي على الشك من غير استناد إلى الحجّة موجب للبطلان.

وعليه نقول : إذا شكّ بين الثنتين والثلاث ، أو الثلاث والأربع ، أو الثنتين والثلاث والأربع ، أو الثنتين والأربع وحصل الظن بأحد الطرفين أو الأطراف أخذ به ، وإلّا بنى على الأكثر واحتاط بركعة الاحتياط. ففي جميع ذلك قد استند إلى ما يؤمن معه عن الخلل.

وأمّا إذا شكّ بين الثلاث والخمس أو الأربع والخمس حال الركوع أو قبل

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٣ [لكنّها ليست موثّقة ويحتمل إرادة الحديث ١].

٩٦

وأمّا الظن المتعلِّق بالأفعال ففي كونه كالشك أو كاليقين إشكال (*) (١) ، فاللّازم مراعاة الاحتياط. وتظهر الثمرة فيما إذا ظنّ بالإتيان وهو في المحل أو ظنّ بعدم الإتيان بعد الدخول في الغير ، وأمّا الظن بعدم الإتيان وهو في المحل أو الظن

______________________________________________________

إكمال السجدتين فمع حصول الظن بالصحيح وهو الثلاث في الأوّل ، والأربع في الثاني عمل به بمقتضى دليل حجّيته.

وأمّا لو حصل له الظن بالبطلان وهو الخمس فماذا يصنع لو لم يعمل على طبق ظنّه؟ فإنّه لو لم يكن حجّة في حقّه فغايته أنّه شاك فاقد للحجّة ، وقد عرفت عدم جواز المضي على الشك ، فبالأخرة تكون صلاته محكومة بالبطلان فيتّحد بحسب النتيجة مع القول بحجّية الظنّ المتعلّق بالبطلان في أمثال هذه الموارد ، أعني ما إذا كان الشكّ بنفسه مبطلاً وإن لم يحصل له الظن به كما في المثالين ، وإن كان ربما يتخلّف كالشك بين الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين كما لا يخفى.

وكيف ما كان ، فهذا الاتِّحاد الغالبي بحسب النتيجة يؤيِّد ما استظهرناه من الصحيحة من الدلالة على حجّية الظن مطلقاً ، سواء أكان موجباً للصحّة أم البطلان.

(١) فالمعروف والمشهور شهرة عظيمة إلحاقه باليقين ، وأنّ الظن المتعلّق بالأفعال حجّة كما في الركعات ، بل عن المحقّق الثاني نفي الخلاف فيه (١).

وعن جماعة من المتأخِّرين عدم حجّيته وكونه ملحقاً بالشك ، واستشكل فيه الماتن ، ومن ثمّ احتاط بالوجهين الآتيين.

__________________

(*) والأظهر أنّه كالشك.

(١) شرح الألفيّة (رسائل المحقق الكركي ٣) : ٣١٠.

٩٧

بالإتيان بعد الدخول في الغير فلا يتفاوت الحال في كونه كالشك أو كاليقين إذ على التقديرين يجب الإتيان به في الأوّل ويجب المضيّ في الثاني ، وحينئذ فنقول : إن كان المشكوك قراءة أو ذكراً أو دعاءً يتحقّق الاحتياط بإتيانه بقصد القربة ، وإن كان من الأفعال فالاحتياط فيه أن يعمل بالظن ثمّ يعيد الصلاة ، مثلاً إذا شكّ في أنّه سجد سجدة واحدة أو اثنتين وهو جالس لم يدخل في التشهّد أو القيام وظنّ الاثنتين يبني على ذلك ويتم الصلاة ثمّ يحتاط بإعادتها ، وكذا إذا دخل في القيام أو التشهّد وظنّ أنّها واحدة يرجع ويأتي بأُخرى ويتم الصلاة ثمّ يعيدها ، وهكذا في سائر الأفعال. وله أن لا يعمل بالظن ، بل يجري عليه حكم الشك ويتم الصلاة ثمّ يعيدها.

______________________________________________________

وتظهر الثمرة على ما نبّه عليه في المتن في موردين :

أحدهما : ما إذا ظنّ بالإتيان وهو في المحل ، كما لو تردّد في السجدة الثانية قبل الدخول في التشهّد وهو ظانّ بإتيان السجدتين ، فإنّه يمضي في صلاته لو كان الظنّ حجّة ، وإلّا رجع وتدارك استناداً إلى قاعدة الشك في المحل ، بخلاف ما لو كان ظانّاً حينئذ بعدم الإتيان ، فإنّه يلزمه الإتيان على التقديرين.

ثانيهما : ما لو ظنّ بعدم الإتيان بعد تجاوز المحل والدخول في الغير ، فإنّه يلزمه الرجوع لو كان الظن كاليقين ، وإلّا فلا يعتني بشكّه ، استناداً إلى قاعدة التجاوز. وأمّا لو كان ظانّاً حينئذ بالإتيان فلا رجوع على التقديرين. فيقع الكلام عندئذ في مستند القول بحجّية الظنّ في الأفعال.

فنقول : قد ورد في جملة من النصوص لزوم الاعتناء بالشك إن كان في المحل وعدم الاعتناء إن كان في خارجه ، وقد دلّت على ذلك روايات قاعدة التجاوز

٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

بصورة عامّة وبعض النصوص الواردة في الموارد الخاصّة كالشك في الركوع.

والمستفاد من ذلك أنّ الاعتبار بنفس الشك الّذي هو خلاف اليقين ، وأنّه يعتني به إن كان في المحل حتّى يستيقن ، ولا يعتني إن كان في خارجه إلّا إذا أيقن بالخلاف ، من غير فرق بين حصول الظن وعدمه في الموردين بمقتضى الإطلاق ، بل قد ورد التصريح باليقين في جملة من النصوص.

منها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) «في الّذي يذكر أنّه لم يكبِّر في أوّل صلاته ، فقال : إذا استيقن أنّه لم يكبِّر فليعد ، ولكن كيف يستيقن؟» (١) فانّ الاستعجاب عن حصول اليقين إنّما يتّجه لو أُريد به الصفة الخاصّة ، وإلّا فلا مورد للتعجّب لو أُريد به ما يشمل الظن كما لا يخفى.

ومنها : صحيحة أبي بصير «إذا أيقن الرجل أنّه ترك ركعة من الصلاة وقد سجد سجدتين وترك الركوع استأنف الصلاة» (٢) دلّت بمقتضى المفهوم على عدم الاستئناف ما لم يتيقّن بترك الركعة أي الركوع ، سواء حصل الظن بالترك أم لا.

ومنها : رواية أبي بصير «عن رجل شكّ فلم يدر سجدة سجد أم سجدتين قال : يسجد حتّى يستيقن أنّهما سجدتان» (٣) دلّت على لزوم تحصيل اليقين لدى عروض الشك في المحل ، فلا يجوز المضي بدونه وإن حصل له الظن.

ولكنّها ضعيفة السند بمحمّد بن سنان ، فلا تصلح إلّا للتأييد. وفي الأولتين غنى وكفاية ، ولا سيما أُولاهما المشتملة على الاستعجاب كما عرفت.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٣ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢ ح ٢.

(٢) الوسائل ٦ : ٣١٣ / أبواب الركوع ب ١٠ ح ٣.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٦٨ / أبواب السجود ب ١٥ ح ٣.

٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى الجملة : فمقتضى هذه الإطلاقات عدم حجّية الظن المتعلّق بالأفعال فلا بدّ للقائل بالحجّية من إقامة الدليل لنخرج به عن مقتضاها ، وإلّا فتلك المطلقات هي المحكّمة.

وقد استدلّ على ذلك بوجوه :

منها : شهرة القول بذلك بين الأصحاب ، بل عن المحقّق الثاني نفي الخلاف فيه كما مرّ.

وفيه : مضافاً إلى عدم حجّية الشهرة في نفسها أنّ دعواها ممنوعة في المقام إلّا بالإضافة إلى الطبقة الوسطى من الأصحاب ، فإنّ كلمات القدماء منهم خالية عن التعرّض للمسألة رأساً ، وقد ذهب جمع كثير من المتأخِّرين إلى عدم الحجّية. فدعوى الشهرة بقول مطلق بعيدة عن الصواب.

وأمّا نفي الخلاف المحكي عن المحقّق فلا اعتبار به بمجرّده ما لم يرجع إلى الإجماع التعبّدي الكاشف عن رأي المعصوم (عليه السلام) ، ولم ينقل دعواه عن أحد ، بل قد عرفت الإشكال في تحقّق الشهرة فضلاً عن الإجماع.

ومنها : النبويان «إذا شكّ أحدكم في الصلاة فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب فليبن عليه» (١) وقوله : «إذا شكّ أحدكم في الصلاة فليتحرّ الصواب» (٢) بدعوى انجبار ضعفهما بعمل المشهور.

وفيه : منع الشهرة أوّلاً كما مرّ ، ومنع استناد المشهور إليهما ثانياً لجواز أن يكون المستند ما سيجي‌ء ، ومنع كبرى الانجبار ثالثاً.

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٤٠٠ / ٩٠ ، سنن النِّسائي ٣ : ٢٨ [وفيهما : فليتم عليه].

(٢) صحيح مسلم ١ : ٤٠٠ / ٩٠ ، سنن النِّسائي ٣ : ٢٨ [وفيه : فليتحرّ الّذي يرى أنّه الصواب].

١٠٠