موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

فضلاً عن النوافل كي يتصدّى لنفيه ، ومن ثمّ ذكرنا فيما سبق أنّه بناءً على جواز القطع لم يكن الشاك ملزماً بالعمل بأحكام الشكوك ، لأنّ الدليل المتعرّض لها لم يكن إلّا بصدد العلاج والتصحيح دون التكليف والإلزام الشرعي.

وإنّما المنفي هو الحكم الوضعي والوجوب الشرطي الّذي كان ثابتاً في الفريضة من البناء على الأكثر ونحوه ، ومرجع ذلك إلى أنّ الشاك في ركعات النافلة لم يجعل في حقّه شي‌ء ، ولم يكن تصحيح صلاته منوطاً ومتوقّفاً على شي‌ء.

وهذا كما ترى بنفسه مساوق للتخيير وأنّ له البناء على ما يشاء من الأقل أو الأكثر ، لاندراج ما عداه من البطلان أو تعيّن البناء على الأكثر أو الأقل في المنفي ، ضرورة صدق وجوب شي‌ء عليه لو ثبت واحد من هذه الأُمور. فإطلاق نفي الشي‌ء لا يجتمع إلّا مع التخيير.

نعم ، قد يناقش بعدم وضوح إرادة الشك من السهو ، فمن الجائز إرادة السهو بالمعنى المعروف المنسبق إلى الذهن عند إطلاقه ، المساوق للغفلة والنسيان.

ويدفعه أوّلاً : أنّ إطلاق السهو على الشكّ كثيراً في لسان الأخبار يجعله ظاهراً إمّا في إرادته بالخصوص أو لا أقلّ من الأعم منه ومن المعنى المزبور فيكون الشك هو المتيقّن إرادته من لفظ السهو.

وثانياً : مع الغض عن ذلك فلا ريب في جواز إرادته من اللّفظ ، لشيوع إطلاقه عليه. فكان على الإمام (عليه السلام) عندئذ استفصال السائل عما يريده من هذا اللفظ. فإطلاق الجواب المستفاد من ترك الاستفصال دالّ على العموم.

وعلى الجملة : فهذه الصحيحة بنفسها دالّة على التخيير بالمعنى المشهور ، من دون حاجة إلى التماس دليل آخر أو انضمام قرينة أُخرى من إجماع ونحوه.

لكنّ هذا مبني على أن يكون متن الحديث ما أثبتناه ، أعني قوله (عليه

٦١

سواء كانت ركعة كصلاة الوتر أو ركعتين كسائر النوافل أو رباعية (١) كصلاة الأعرابي ، فيتخيّر عند الشك بين البناء على الأقل أو الأكثر إلّا أن يكون الأكثر مفسداً فيبني على الأقل ،

______________________________________________________

السلام) : «ليس عليك شي‌ء» ، وأمّا لو كان ذلك مع إبدال «شي‌ء» بـ «سهو» كما في بعض النسخ فلا تدلّ الصحيحة حينئذ إلّا على انتفاء حكم السهو وعدم الاعتناء بالشك ، الّذي نتيجته البناء على الأكثر ما لم يكن مفسداً وإلّا فعلى الأقل ، فيكون مساقها مساق ما تقدّم في كثير الشك. فلا دلالة لها حينئذ على التخيير بين الأقل والأكثر كما كان كذلك بناءً على نسخة (شي‌ء) كما عرفت هذا.

ولكن نسخة (سهو) لم توجد إلّا في بعض كتب الفقهاء كصاحب الحدائق (١) وبعض من تأخّر عنه ، وإلّا فقد راجعنا مصادر الحديث وهي المعتمد من الكافي (٢) بطبعتيه القديمة والحديثة والوافي (٣) ومرآة العقول (٤) والوسائل فوجدنا اتّفاق الكلّ على ما أثبتناه مع نوع اختلاف بينها في ضمير الخطاب والغياب كما أشرنا إليه ، غير القادح في الاستدلال. فلا يعبأ إذن بتلك النسخة غير الموجودة في شي‌ء من المصادر. وعليه فلا مانع من الاستدلال بالصحيحة على المطلوب حسبما عرفت.

(١) بلا خلاف فيه ، لإطلاق النص ، أعني صحيح ابن مسلم المتقدّم الشامل

__________________

(١) الحدائق ٩ : ٣٤٦.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٩ / ٦.

(٣) الوافي ٨ : ١٠٠٠ / ٧٥٩٢.

(٤) مرآة العقول ١٥ : ٢٢٦ / ٦.

٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

لكلّ نافلة ، سواء كانت ذات ركعتين كما هو الغالب ، أم واحدة كالوتر ، أم أربع كصلاة الأعرابي ، أم ثمان كصلاة الغدير بناءً على ثبوتهما.

نعم ، يعارضه في الوتر صحيح العلاء المروي بطريقين كلاهما صحيح ، قال : «سألته عن الرجل يشك في الفجر ، قال : يعيد ، قلت : المغرب قال : نعم ، والوتر والجمعة ، مِن غير أن أسأله» (١) المؤيّد بحديث الأربعمائة (٢) وإن لم يكن السند نقيّاً من أجل اشتماله على القاسم بن يحيى عن جدّه الحسن بن راشد ولم يوثّق لكن هذا السند بعينه موجود في أسانيد كامل الزيارات ، ولأجله بنينا أخيراً على اعتبار الحديث المزبور.

وقد جمع بينهما صاحب الوسائل بالحمل على الاستحباب (٣) ، وهو كما ترى.

وأضعف منه الجمع بحمل الوتر على ما لو وجب لعارض من نذر ونحوه ، إذ مضافاً إلى بُعده في نفسه لم يكن مختصّاً بالوتر ، بل يشمل عامّة النوافل المنذورة بناءً على أنّ الواجب بالعرض لم يكن ملحقاً بحكم الأصل. فلا وجه لتخصيص الوتر بالذكر.

ونحوه في الضعف ما عن صاحب الحدائق (٤) من أنّ الوتر كما يطلق على مفردة الوتر يطلق كثيراً على المركّب منها ومن صلاة الشفع ، أعني مجموع الركعات الثلاث ، وعلى هذا الإطلاق يحمل الصحيح. وعليه فيكون الشك

__________________

(١) الوسائل ٨ : ١٩٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢ ح ٧ ، ١٤.

(٢) الوسائل ٨ : ١٩٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢ ح ٧ ، ١٤.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٣٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٨ ذيل ح ٣.

(٤) الحدائق ٩ : ١٦٧ ، ولكنّه يسنده إلى القيل ، ولم يصرِّح باختياره ، اللهمّ إلّا أن يستفاد الإمضاء من عدم الرد ، نعم هو خيرة المحقّق الهمداني (قدس سره) ، لاحظ التنبيه الثالث من ص ٥٨٨ السطر ٣٣ من كتاب الصلاة من مصباح الفقيه.

٦٣

والأفضل هو البناء على الأقل مطلقاً (١).

______________________________________________________

محمولاً على ما بين الثنتين والثلاث ، إذ الشك بين الواحدة والثنتين شكّ في الشفع حقيقة ولا مساس له بالوتر.

ومن المعلوم أنّ الشك المزبور أعني ما بين الثنتين والثلاث يرجع لدى التحليل إلى العلم بإيقاع الشفع والشكّ في تحقّق الوتر من أصله ، التي هي صلاة برأسها ، فيعود إلى الشك في أصل وجود الصلاة لا في ركعات الصلاة الموجودة. ومثله خارج عن دليل عدم السهو في النافلة كما لا يخفى. فينزّل صحيح العلاء على الشك في الوجود ، وبذلك يجمع بين الدليلين.

إذ فيه امتناع هذا التنزيل في الصحيح ، لمكان التعبير بقوله (عليه السلام) : «يعيد» فإنّ الإعادة هي الوجود الثاني بعد الوجود الأوّل الأعم من الصحيح والفاسد ، فلا بدّ من فرض صلاة موجودة في الخارج يشكّ في ركعاتها كي يحكم عليها بالإعادة ، وهذا لا يلائم مع الشك في أصل الوجود ، فكيف يحمل عليه الصحيح.

فالصحيح أن يقال : إن كان هناك إجماع على انسحاب الحكم وشموله للوتر فلا كلام ، ولأجله لا مناص من الحمل على الاستحباب على ما عليه من البُعد وإلّا فمقتضى الصناعة ارتكاب التخصيص واستثناء الوتر عن عموم حكم النافلة. وعليه فالأحوط لمن يريد إدراك الواقع إعادتها رجاءً وإلحاقها بالفريضة في الاعتناء بالشك ، عملاً بالصحيح المزبور.

(١) كما ادّعى عليه الإجماع في كلمات غير واحد. فان تمّ فهو المتبع ، وإلّا فتطالب دعوى الأفضلية بالدليل بعد تكافؤ الاحتمالين وتساوي الطرفين من غير ترجيح في البين.

٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وربما يستدل لها بأنّها مقتضى الجمع بين صحيح ابن مسلم المتقدّم وبين ما رواه الكافي بعد ذلك مرسلاً حيث قال : وروى أنّه إذا سها في النافلة بنى على الأقل (١). إذ لا يراد منها الإلزام ، لمنافاته مع الصحيحة المتقدّمة التي رواها أوّلاً فلا بدّ وأن يراد به الاستحباب.

ولكنّه لا يجدي في إثبات الاستحباب بعد ضعف المرسلة وعدم القول بالانجبار ، إلّا بناءً على قاعدة التسامح في أدلّة السنن ، وقد ذكرنا في محلّه (٢) عدم تماميّة القاعدة ، لقصور أدلّتها عن إثبات الاستحباب الشرعي ، هذا.

ويمكن أن يستدل للأفضلية بابتنائها على ما سيجي‌ء (٣) من التفصيل في النافلة بين نقصان الركن وزيادته ، وأنّ الأوّل مبطل لها كالفريضة دون الثاني.

إذ عليه لو بنى على الأقل يقطع معه بإدراك الواقع على كلّ تقدير ، بخلاف البناء على الأكثر ، لاحتمال النقص عندئذ الموجب للبطلان.

فالشاك بين الواحدة والثنتين لو بنى على الواحدة وأتى بركعة أُخرى فإن طابق الواقع فهو ، وإلّا فغايته زيادة ركعة سهواً ، ولا ضير فيها حسب الفرض. وأمّا لو بنى على الثنتين وكانت في الواقع واحدة فقد نقص عن صلاته ركعة وهي مشتملة على الركن من الركوع والسجود ، والمفروض أنّ نقصان الركن موجب للبطلان. ولأجله كان البناء على الأقل أفضل ، بمعنى أنّه يحرز معه الواقع على أيّ حال (٤).

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٨ ح ٢ ، الكافي ٣ : ٣٥٩ / ٩.

(٢) مصباح الأُصول ٢ : ٣١٩ وما بعدها.

(٣) في ص ٧٣ وما بعدها.

(٤) لا يخفى أنّ ما أفاده سيِّدنا الأُستاذ (دام ظلّه) يصلح أن يكون سنداً للأولويّة دون الأفضليّة التي هي المدّعى ، إلّا أن تكون لزيادة الركعة المحتملة فضيلة في نفسها.

٦٥

ولو عرض وصف النفل للفريضة كالمعادة ، والإعادة للاحتياط الاستحبابي والتبرّع بالقضاء عن الغير لم يلحقها حكم النفل ، ولو عرض وصف الوجوب للنافلة لم يلحقها حكم الفريضة ، بل المدار على الأصل (١).

______________________________________________________

ولعلّ ما في بعض الكلمات من التعليل بأنّه المتيقّن يرجع إلى ما ذكرناه ، فلا يرد عليه أنّ كون الأقل متيقّناً لا يقتضي أفضلية البناء عليه.

(١) قد عرفت افتراق النافلة عن الفريضة فيما لها من أحكام الشكوك ، التي مرجعها إلى البطلان تارة والبناء على الأكثر أُخرى مع التدارك بركعة الاحتياط وعلى الأقل ثالثة مع سجدتي السهو ، وأنّ هذه الأحكام خاصّة بالفريضة. أمّا الشك في النافلة فحكمه التخيير بين البناء على الأقل أو الأكثر ، وإن كان الأوّل أفضل كما مرّ.

فهل العبرة في هذين الحكمين بما كان نفلاً أو فرضاً بالذات وإن عرض عليه فعلاً ما يخرجه إلى ما يقابله من أحد الوصفين ، فالمدار على الأصل ، أم أنّ العبرة بما اتّصف بالنفل أو الفرض الفعليين وإن كان على خلاف مقتضى الطبع الأوّلي ، فلا اعتبار بالأصل؟

فنقول : لا شك أنّ النصوص المتكفّلة لأحكام الشكوك مطلقة في حدّ ذاتها وشاملة لعامّة الصلوات من الفرائض والنوافل ، وقد خرجنا عنها في النافلة بمقتضى صحيح ابن مسلم المتقدِّم (١) ، فكلّ مورد علم اندراجه في عنوان المخصّص شمله حكمه ، وإلّا فمجرّد الشك كافٍ في صحّة الرجوع إلى الإطلاق على ما هو الشأن في كلّ مخصّص مجمل دائر بين الأقل والأكثر من الاقتصار على المقدار المتيقّن ، والرجوع فيما عداه إلى إطلاق الدليل.

__________________

(١) في ص ٦٠.

٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا ينبغي الريب في ظهور عنوان النافلة الوارد في لسان المخصّص فيما كان متّصفاً في حدّ ذاته بهذا العنوان كما في النوافل المرتّبة وأمثالها.

وعليه فلا ينطبق على الفريضة المتبرّع بها عن الغير ، إذ الصادر عن المتبرّع هو نفس الفريضة التي اشتغلت بها ذمّة الميّت المتبرّع عنه ، لا بداعي الأمر الوجوبي المتوجّه إليه الساقط بالموت ، لعدم صلاحيّته للداعوية إلّا بالإضافة إلى من خوطب به دون غيره الأجنبي عنه ، بل بداعي الأمر الاستحبابي المتوجّه إلى نفس النائب المتبرّع ، عملاً بإطلاقات أدلّة استحباب النيابة عن الغير في تفريغ ذمّته عن العبادات كتفريغ ذمّته عن الديون كما فصّلنا الكلام حول ذلك في مباحث القضاء (١).

وكيف ما كان ، فالمأتي به مصداق حقيقي للفريضة ، غاية الأمر أنّ المباشر لها هو النائب بدلاً عن المنوب عنه ، وليس هو من النافلة في شي‌ء إلّا بالإضافة إلى النائب دون المنوب عنه. فليس هو من النافلة في حدّ ذاته وبقول مطلق كي يشمله النص ، بل هو منصرف عنه ، فلا يعمّه حكمها قطعاً. ومع التنزّل فلا أقل من الشك في ذلك. وقد عرفت أنّ المرجع حينئذ إطلاق أدلّة الشكوك.

وأوضح حالاً الصلاة المعادة ، فانّ الإعادة هي الوجود الثاني للطبيعة المأتي بها أوّلاً ، فالطبيعة هي الطبيعة بعينها في كلا الوجودين ، غاية الأمر أنّ الأمر الاستحبابي قد تعلّق بإيجاد فرد آخر منها لدى انعقاد الجماعة ، إمّا من باب تبديل الامتثال بالامتثال أو من باب استحباب الإتيان بأفضل الفردين وإن سقط الأمر. وعلى أيّ حال فلا تخرج المعادة عن عنوان الفريضة وحقيقتها ولا تصدق عليها النافلة بوجه كي يشملها حكمها. ومع التشكيك في الصدق فالمرجع الإطلاق المزبور.

__________________

(١) شرح العروة ١٦ : ٢٠٨.

٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وأوضح حالاً منهما الإعادة للاحتياط الاستحبابي ، فإنّ معنى الاحتياط الإتيان بصلاة يقطع معها بإدراك الواقع بحيث يصح الاجتزاء بها على تقدير الخلل في الصلاة الاولى ، فلا بدّ من اشتمالها على جميع خصوصيّات الفريضة وأحكامها التي منها جريان عمليّة الشكّ بين الثلاث والأربع مثلاً لو اتّفق وقوعه فيها ، لكي يصح الاجتزاء لدى الاحتياج ويتحقّق معه مفهوم الاحتياط.

وعلى الجملة : فهذه الصلاة أيضاً فرد آخر من أفراد الطبيعة ومصداق من مصاديق الفريضة ، ولا يكاد ينطبق عليها عنوان النافلة بوجه.

وأوضح حالاً من الكلّ عبادة الصبي ، لخروجها عن المقسم رأساً ، ضرورة أنّ المركز والموضوع في تقسيم الصلاة إلى الفريضة والنافلة إنّما هو عنوان المكلّف المتوقّف صدقه على البلوغ ، فغير البالغ لم يتعلّق به أمر أصلاً. نعم استفدنا شرعية عبادته ممّا ورد من قوله (عليه السلام) : مروهم بالصلاة والصِّيام (١).

ومن المعلوم أنّ المأمور به هي نفس الفريضة الصادرة عن البالغين بما لها من الأحكام التي منها أحكام الشكوك ، فلا تعدو عن كونها تلك الحقيقة بعينها ولا مساس لها بالنافلة بوجه.

فدعوى أنّ الأولى عدّ عبادة البالغ واجبة بالعارض مستحبّة بالأصل لطروء البلوغ بعد الصبا ممّا لا محصّل لها كما لا يخفى.

وأمّا صلاتا الطواف والعيدين فهما في حدّ أنفسهما منقسمان إلى قسمين كانقسام الصلاة إلى صلاة الحاضر وصلاة المسافر ، ففريضة لدى استجماع الشرائط ونافلة لدى فقدانها ، وكلاهما مجعولان في الشريعة المقدّسة بالأصالة

__________________

(١) الوسائل ٤ : ١٩ / أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ٣ ح ٥ ، ٧ ، ٨ ، ١٠ : ٢٣٤ / أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٩ ح ٣ (نقل بالمضمون).

٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

كما في القصر والتمام ، لا أنّ أحدهما أصلي والآخر عرضي ، فهما نظير الصوم الّذي هو واجب في شهر رمضان مستحبّ في شهر شوال وكلاهما أصلي.

فكما لا يقال إنّ الصوم في شوال واجب بالأصل مستحب بالعرض فكذا لا يمكن القول بأنّ صلاة العيد في عصر الغيبة واجبة بالأصل مستحبّة بالعرض بل هي واجبة في عصر الحضور أصالة ومستحبّة في عصر الغيبة أصالة أيضاً.

وكذا في صلاة الطواف ، فانّ وجوبها أصلي في الطواف الواجب ، كما أنّ استحبابها أصلي أيضاً في الطواف المستحب. وعليه فيجري في كل من الحالتين ما يخصّها من حكم الشك ، فيعتنى به عند الاتصاف بالفرض ، ولا يعتنى لدى الاتصاف بالنفل.

فتحصّل : أنّ هذه الموارد المعدودة من قبيل الفرض بالأصل والنفل بالعرض ليس شي‌ء منها كذلك ، بل كلّها ما عدا الأخيرتين من مصاديق الفريضة سابقاً ولاحقاً ذاتاً وفعلاً ، وإنّما الاستحباب في الخصوصيات المقترنة بها ، التي لا تكاد تستوجب صحّة إطلاق النافلة عليها بوجه. فيشملها حكم الفريضة من الاعتناء بالشك إمّا قطعاً أو حتّى مع احتمال الاندراج في عنوان النافلة ، لكون المرجع حينئذ إطلاق أدلّة الشكوك أيضاً حسبما عرفت. وأمّا الأخيرتان فهما فرض في تقدير ونفل في تقدير آخر ، ويجري على كلّ تقدير حكمه كما مرّ.

وأمّا عكس ذلك ، أعني ما كان نفلاً بالأصل فرضاً بالعرض كما في النافلة الواجبة لعارض من نذر أو شرط في ضمن عقد أو استئجار أو أمر الوالد ونحو ذلك ، فالظاهر عدم جريان حكم النافلة عليه ، لانعدام الموضوع بقاءً. وقد تقدّم شطر من الكلام حول نظيره في مبحث التطوّع في وقت الفريضة (١) ، حيث قلنا ثمّة : أنّ التطوّع غير الجائز في الصوم بلا إشكال وفي الصلاة على المشهور

__________________

(١) شرح العروة ١١ : ٣٤٧.

٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

غير شامل للمنذور ، لخروجه بالنذر عن عنوان التطوّع تكويناً ، إذ التطوّع لغة (١) وعُرفاً هو الإتيان بالشي‌ء عن طوع ورغبة واختيار ومن غير إلزام وعند تعلّق النذر المستتبع للإلزام ينقلب العنوان ويزول الاختيار بطبيعة الحال فلا تطوع بعدئذ وجداناً كي يشمله دليل المنع. ومن هنا يصحّ نذر التطوّع في وقت الفريضة في كلّ من الصلاة والصِّيام بلا كلام.

وعلى ضوء ذلك نقول في المقام بانعدام عنوان النافلة بمجرّد تعلّق النذر وشبهه ممّا يتضمّن الإلزام ، فإنّ النفل كما في اللّغة (٢) المطابق مع المعنى العرفي ما تفعله ممّا لم يجب ، وما شرع زيادة على الفرائض والواجبات.

ومن المعلوم أنّ الإتيان بالمنذور ونحوه ممّا يجب بالعرض يعدّ بالفعل من الواجبات التي لا مناص من امتثالها ، ولا يكون من الزيادة كي يندرج في مفهوم النافلة ، فلا ينطبق عليه عنوانها حتّى يشمله حكمها ، بل ينقلب بقاءً إلى الفريضة ، فتشمله حينئذ إطلاقات أدلّة الشكوك.

وعلى الجملة : الظاهر من عنوان النافلة الوارد في لسان المخصّص ما كان متلبّساً ومتّصفاً بالوصف العنواني فعلاً ، لا مجرّد كونه كذلك شأناً بحيث يكون المسئول عنه في صحيح ابن مسلم : «سألته عن السهو في النافلة ...» إلخ (٣) ما كان نافلة اقتضاءً وإن طرأ عليها الوجوب فعلاً لنذر وشبهه ، لانصراف النصّ عن مثل ذلك قطعاً ، ولا أقل من الشك في ذلك ، فيكون المرجع حينئذ إطلاقات أدلّة الشكوك القاضية بالبطلان لدى الشكّ بين الواحدة والثنتين.

فان قلت : ليس لدينا نصّ في بطلان الشك بين الواحدة والثنتين يتضمّن

__________________

(١) المنجد : ٤٧٥ مادّة طاع.

(٢) المنجد : ٨٢٨ مادّة نفل.

(٣) وقد تقدّمت في ص ٦٠.

٧٠

وأمّا الشك في أفعال النافلة فحكمه حكم الشكّ في أفعال الفريضة ، فإن كان في المحل أتى به ، وإن كان بعد الدخول في الغير لم يلتفت (١).

______________________________________________________

الإطلاق من حيث الفريضة والنافلة ، ليصحّ التمسّك به في المقام لدى الشكّ في الاندراج تحت عنوان المخصّص ، لورود النصوص في خصوص الفرائض كصلاة الفجر والجمعة والمسافر والأولتين من الرباعيات اللّتين هما من فرض الله كما لا يخفى على من لاحظها (١).

قلت : نعم ، ولكن كفانا مرجعاً الإطلاق في صحيحة صفوان الدالّة على البطلان بكل شكّ في كلّ صلاة (٢) ، خرج عنها الشكّ في النافلة بدليل منفصل (٣) فمع الشك في الاندراج في عنوان المخصّص لا مانع من التمسّك بإطلاق هذا الصحيح ، الّذي نتيجته البطلان كما ذكرنا.

نعم ، يمكنه الإتمام بالبناء على كلّ من الأقل أو الأكثر ، لكن رجاءً لا بنية جزمية حتّى في الأقل ، إذ لا يمكنه الاستناد حينئذ إلى الأصل ، لما عرفت من أنّ صحيحة صفوان قاطعة للاستصحاب في باب الشك في الركعات مطلقاً.

والمتحصّل ممّا قدّمناه : أنّ الشكّ في ركعات النافلة إنّما يحكم عليه بعدم الاعتناء بشرط أن لا تعرضها صفة الوجوب من نذر ونحوه ، وإلّا بطلت الصلاة على الأظهر كما أشار إليه سيِّدنا الأُستاذ (دام ظلّه) في تعليقته الأنيقة.

(١) أمّا الثاني فظاهر ، لعموم قاعدة التجاوز من غير مخصّص. وأمّا الأوّل فلأصالة عدم الإتيان التي هي مقتضى القاعدة الأوّلية السليمة عمّا يصلح للتقييد ،

__________________

(١) الوسائل ٨ : ١٨٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ، ٢.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٢٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٥ ح ١.

(٣) [كصحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة في ص ٦٠].

٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

لظهور صحيح ابن مسلم في الاختصاص بالشكّ في الركعات ، ولا يعمّ الأفعال.

وتوضيحه : أنّ الماتن (قدس سره) فرّق بين المقام أعني الشك في النافلة وبين ما تقدّمه من شكّ كثير الشك ، فعمّم الحكم هناك للأفعال ، وخصّه هنا بالركعات ، بل قد ذكرنا (١) أنّ التعميم هو الأظهر في شكّ الإمام والمأموم أيضاً.

وهذه التفرقة في محلّها ، لوجود القرينة على التعميم ، وهي مناسبة الحكم والموضوع في الموردين المتقدّمين دون المقام ، لما عرفت من أنّ مناط عدم الاعتناء في كثير الشك استناد الشك إلى الشيطان ، وعدم كونه عاديا متعارفاً وهذا لا يفرق فيه بحسب الفهم العرفي بين حصوله في الركعات أو الأفعال. مضافاً إلى ورود النص الخاص في الأفعال (٢) أي في خصوص الركوع كما مرّ.

كما أنّ المناط في الإمام والمأموم لحاظ صلاتيهما بعد فرض المتابعة كأنّهما صلاة واحدة صادرة عن شخصين ، ومن ثمّ كان حفظ أحدهما مغنياً عن حفظ الآخر ، لكونه طريقاً إلى الواقع ومحرزاً لما يصدر عن صاحبه ، كما هو الحال في سائر الأمارات في الشبهات الحكمية والموضوعية. ونحوه ما ورد في الطواف من الاعتماد على من يطوف معه والاجتزاء بحفظه ، فكأنهما يطوفان بطواف واحد كما مرّ (٣).

وهذه المناسبة بين الحكم والموضوع تستدعي عدم الفرق بين تعلّق الشك بالركعات أو الأفعال. فهذه القرينة هي التي دعتنا إلى الالتزام بالتعميم في الموردين المتقدّمين واستكشاف الإطلاق من النص الوارد فيهما.

__________________

(١) في ص ٣٢.

(٢) [وهو موثّقة عمار المتقدّمة في ص ٨].

(٣) في ص ٣٢.

٧٢

ونقصان الرّكن مبطل لها كالفريضة بخلاف زيادته فإنّها لا توجب البطلان على الأقوى ، وعلى هذا فلو نسي فعلاً من أفعالها تداركه وإن دخل في ركن بعده سواء كان المنسي ركناً أو غيره (١).

______________________________________________________

وأمّا في المقام أعني الشك في النافلة فتلك المناسبة مفقودة ، والقرينة على التعميم ليتعدّى عن مورد النص غير موجودة بعد ظهور لفظه أعني السهو في النافلة كما في صحيح ابن مسلم في الشك في الركعات ولو بمقتضى الانصراف الناشئ من كثرة استعمال السهو في لسان الأخبار في ذلك.

وبعبارة اخرى : لا يمكننا الأخذ بالإطلاق في النافلة بعد فقدان تلك المناسبة فنبقى نحن وما نستفيده من قوله في صحيح ابن مسلم : «سألته عن السهو في النافلة ، فقال : ليس عليك شي‌ء» (١).

وحيث لم يعلم أنّ السؤال عن أيّ شي‌ء ، ومن الجائز أن يكون سؤالاً عن خصوص أحكام السهو المتعلّق بالركعات ، باعتبار إطلاق السهو على الشك في الركعات في لسان الروايات كثيراً ، فلا يمكننا إحراز الإطلاق بالإضافة إلى الأفعال.

ولأجله لا يمكن الاستناد إلى هذه الصحيحة في مقابل ما دلّ على لزوم الاعتناء بالشك في المحلّ ، لعدم العلم بالإطلاق بعد احتمال قصر النظر سؤالاً وجواباً على الشك في الركعات ، بل لعلّ كثرة إطلاق السهو عليه قرينة على إرادته بالخصوص كما عرفت.

(١) لا ينبغي الإشكال في البطلان بنقصان الأركان ، كما في الفريضة ، فإنّ أجزاء الناقص عن الكامل يحتاج إلى الدليل ، ولا دليل عليه ، بل مقتضى

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٨ ح ١.

٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

إطلاق الأدلّة التي منها حديث لا تعاد (١) وكذا قوله (عليه السلام) : «لا تعاد الصلاة من سجدة وإنّما تعاد من ركعة (٢) أي من ركوع بعد كون موضوع الحكم مطلق الصلاة الأعم من الفريضة والنافلة هو البطلان في كلا الموردين بمناط واحد. كما لا إشكال في عدم البطلان بنقصان ما عدا الأركان كما هو ظاهر.

إنّما الكلام في زيادة الركن سهواً ، فهل هي مبطلة كما في الفريضة؟ فنقول : الروايات الواردة في البطلان بزيادة الركن وإن كان أكثرها قد وردت في خصوص الفريضة من الظهر والعصر ونحوهما ، إلّا أنّ فيها ما دلّ على البطلان مطلقاً ، من دون اختصاص بصلاة دون صلاة كصحيحة أبي بصير أو موثّقته : «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» (٣) دلّت بعد خروج ما عدا الأركان منها بمقتضى حديث لا تعاد على البطلان بزيادة الأركان عمداً أو سهواً ، كانت الصلاة فريضة أم نافلة ، عملاً بالإطلاق.

فلو كنّا نحن وهذه الصحيحة لالتزمنا بالبطلان مطلقاً ، ولكن يستفاد من بعض النصوص اختصاص البطلان بالفريضة.

منها : ما ورد من النهي عن تلاوة آية العزيمة في الصلاة ، معلّلاً بأنّ السجود زيادة في الفريضة (٤).

ومنها : ما ورد في صلاة المسافر من أنّه متى زاد أعاد ، معلّلاً بأنّها فرض الله (٥).

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٧١ / أبواب الوضوء ب ٣ ح ٨.

(٢) الوسائل ٦ : ٣١٩ / أبواب الركوع ب ١٤ ح ٢ ، ٣ ، (نقل بالمضمون).

(٣) الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ٢.

(٤) الوسائل ٦ : ١٠٥ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٠ ح ١.

(٥) الوسائل ٨ : ٥٠٨ / أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٨.

٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها وهو العمدة ـ : ما ورد في صحيحة زرارة وبكير بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : إذا استيقن أنّه زاد في صلاته المكتوبة ركعة لم يعتدّ بها ، واستقبل صلاته استقبالاً ...» إلخ (١).

دلّت على اختصاص البطلان بالمكتوبة ، لا من أجل القضيّة الشرطية كما قيل ضرورة أنّ مفهومها ليس هو الاستيقان في غير المكتوبة ، بل عدم الاستيقان في المكتوبة ، وأنّه متى لم يستيقن فيها بالزيادة بل بقي شاكّاً لا يعيد صلاته حينئذ ، لكونه موظّفاً بإجراء عملية الشك من أصالة عدم الزيادة ، سواء كان الشك في المحل أم في خارجه. مضافاً إلى اختصاص الثاني بقاعدة التجاوز. فالقضيّة الشرطية وإن كان لها مفهوم في المقام إلّا أنّه أجنبي عن محلّ الكلام وغير مرتبط بما نحن بصدده.

بل من أجل مفهوم الوصف ، أعني تقييد الصلاة بالمكتوبة ، الّذي لا مناص من كونه احترازاً عن غيرها ، وإلّا لأصبح التقييد لغواً ظاهراً.

فانّا قد ذكرنا في الأُصول (٢) أنّ الوصف وإن لم يكن له مفهوم بالمعنى المصطلح ، أعني الدلالة على العلّية المنحصرة المستتبعة للانتفاء عند الانتفاء كما في مفهوم الشرط ، فيمكن ثبوت الحكم في غير مورد التوصيف أيضاً ، بأن يرتّب على الموضوع مقيّداً بقيد آخر ، فلا منافاة ولا معارضة بين قوله : أكرم رجلاً عادلاً ، وبين قوله : أكرم رجلاً عالماً ، كما كانت ثابتة بينهما لو كانت الجملتان على صورة القضيّة الشرطية بدلاً عن القضيّة الوصفيّة.

إلّا أنّه يدل لا محالة على أنّ موضوع الحكم ليس هو الطبيعي على إطلاقه وسريانه كذات الرجل في المثال ، وإلّا كان التقييد بالعدالة لغواً ينزّه عنه كلام

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ١.

(٢) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ١٣٣.

٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الحكيم. فهذا المقدار من المفهوم ممّا لا مناص عن الالتزام به ، أعني الدلالة على أصل العلّية لا انحصارها ، رعاية لظهور القيد في الاحتراز. ونتيجة ذلك وقوع المعارضة بين القضيّة الوصفيّة وبين ما لو ورد دليل آخر تضمّن تعلّق الحكم بالطبيعي.

وعلى الجملة : فلو كان التقييد واقعاً في كلام الإمام (عليه السلام) لكان كاشفاً عن عدم ثبوت الحكم للطبيعي. فلو ورد أنّ الماء الكر لا ينجِّسه شي‌ء دلّ لا محالة على أنّ الاعتصام غير ثابت لطبيعي الماء ، وإن أمكن ثبوته في فرد آخر أيضاً كما في الجاري غير الكر.

وعلى هذا فالتقييد بالمكتوبة في هذه الصحيحة كاشف عن أنّ الحكم أعني البطلان بزيادة الركعة المراد بها الركوع ، لإطلاقها عليه كثيراً في لسان الأخبار (١) لم يكن متعلّقاً بطبيعي الصلاة الأعم من الفريضة وغيرها ، ولأجل ذلك يقيّد الإطلاق في صحيحة أبي بصير المتقدّمة وتحمل على الفريضة. إذن لا دليل لنا على ثبوت البطلان بزيادة الركن سهواً في غير الفريضة ، ومقتضى الأصل عدم البطلان.

ويترتّب على ذلك ما أفاده في المتن من أنّه لو نسي فعلاً من أفعالها تداركه وإن دخل في ركن بعده ، سواء كان المنسي ركناً أم غيره ، إذ لا يلزم من التدارك عدا زيادة الركن سهواً ، التي عرفت عدم الدليل على قدحها في النافلة.

فاتّضح أنّ الأظهر عدم البطلان في غير الفريضة ، وملخّص ما يستدل به عليه قصور المقتضي للبطلان ، فيرجع حينئذ إلى أصالة العدم ، هذا.

وربما يستدلّ له بوجوه أُخر :

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣١٣ / أبواب الركوع ب ١٠ ح ٣ ، ب ١١ ح ٢.

٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

منها : خبر الصيقل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال «قلت له : الرجل يصلِّي الركعتين من الوتر ثمّ يقوم فينسى التشهّد حتّى يركع ويذكر وهو راكع قال : يجلس من ركوعه يتشهّد ثمّ يقوم فيتم ، قال قلت : أليس قلت في الفريضة : إذا ذكره بعد ما ركع مضى في صلاته ثمّ سجد سجدتي السهو بعد ما ينصرف يتشهّد فيهما؟ قال : ليس النافلة مثل الفريضة» (١).

دلّت بظاهرها على أنّ الزيادة المستلزمة من التدارك غير قادحة في النافلة لعدم كونها مثل الفريضة.

وربما يجاب عنها بجوابين على سبيل منع الخلوّ ، بتقريب أنّ المفروض في الرواية إن كان هو الإتيان بالوتر موصولة بالشفع من غير تخلّل التسليم بينهما كما قد يعطيه ظاهرها باعتبار عدم التعرّض للتسليم ، فالاستشهاد بها للمدّعى وإن كان وجيهاً إلّا أنّها حينئذ على خلاف المذهب ، لاستقراره على لزوم الفصل بين الشفع ومفردة الوتر بالتسليم ، فتطرح وتحمل على التقيّة. فلا تصلح للاستدلال.

وإن كان هو الإتيان بها مفصولة فحيث إنّ الركوع المأتي به محسوب من صلاة أُخرى لم يمنع التلبّس به عن تلافي المنسي ، لعدم القدح بوقوع مثل هذه الزيادة بعد أن لم يقصد بها الجزئية للصلاة الأُولى ، كما هو الحال في الفريضة ، مثل من تلبّس بالعصر بزعم فراغه من الظهر فتذكّر ولو بعد الدخول في الركوع نقصان جزء من الظهر كالتشهّد أو التسليم فإنّه يلغي ما بيده ويتدارك المنسي ، ولا تلزم منه الزيادة المبطلة بعد أن لم يقصد بها الجزئية للظهر. فلا فرق بين النافلة والفريضة من هذه الجهة. وعليه فلا تصلح للاستدلال أيضاً ، لخروجها عمّا نحن فيه.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٠٤ / أبواب التشهّد ب ٨ ح ١.

٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : الظاهر صحّة الاستدلال على كلّ من شقي الترديد.

أمّا الأوّل : فلأنّ ابتناء مورد الرواية على التقية لا يمنع عن جواز الاستدلال بالكبرى الكلِّيّة المذكورة فيها ، وهي عدم كون النافلة مثل الفريضة في مبطلية الزيادة الركنية ، غايته أنّ تطبيق تلك الكبرى على المورد محمول على التقيّة وكم له نظير في الأخبار كما لا يخفى.

وأمّا الثاني : فلأنّ الرواية بنفسها ناطقة بالبطلان في الفريضة بمطلق الزيادة الركنية الأعم ممّا قصد به الجزئية أم لا ، لظهور قوله (عليه السلام) «ليس النافلة مثل الفريضة» في أنّها لو كانت فريضة لبطلت بالرجوع ، للزوم زيادة الركوع وإن لم يقصد به الجزئية كما قوّينا ذلك في محلّه (١) وتكرّرت الإشارة إليه في مطاوي هذا الشرح من امتياز الجزء الركني كالركوع والسجود عن غيره في أنّ زيادته ولو صورة وبغير قصد الجزئية تستوجب البطلان ، على ما استفدناه ممّا دلّ على النهي عن تلاوة آية العزيمة في الصلاة معلّلاً بأنّ السجود زيادة في المكتوبة (٢) مع أنّ السجود المأتي به حينئذ غير مقصود به الجزئية ، وإنّما هو لمحض التلاوة. فنستكشف من ذلك قادحية الزيادة حتّى الصورية في مثل السجود ، ويتعدّى عنه إلى الركوع بالأولوية القطعية. هذا هو حكم الفريضة.

وأمّا النافلة فليست كذلك بمقتضى نفس هذه الرواية المصرِّحة بالفرق بينهما وأنّ تلك القادحية خاصّة بالفريضة ، وغير ثابتة في النافلة ، فلا مانع من الاستدلال بها ، لعدم البطلان بزيادة الركن في النافلة ، سواء قصد به الجزئية أم لا.

فالإنصاف : أنّ الرواية لا قصور فيها من حيث الدلالة ، نعم هي قاصرة

__________________

(١) شرح العروة ١٥ : ١٣٢ ١٣٣.

(٢) الوسائل ٦ : ١٠٥ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٠ ح ١.

٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

السند ، لضعفه بالصيقل ، إذ لم تثبت وثاقته ، فلا تصلح للاستدلال من أجل هذه العلّة. فالأولى الاقتصار في الجواب عنها على المناقشة السندية فحسب.

ومنها : صحيحة الحلبي قال : «سألته عن الرجل سها في ركعتين من النافلة فلم يجلس بينهما حتّى قام فركع في الثالثة ، فقال : يدع ركعة ويجلس ويتشهّد ويسلّم ، ثمّ يستأنف الصلاة بعد» (١).

وهذه الرواية واضحة في أنّها واردة في من أراد أن يصلّي عدّة ركعات كثمان ركعات نافلة الزوال أو نافلة اللّيل مثلاً ، التي هي ركعتان ركعتان ، فشرع في صلاة أُخرى بزعم فراغه من الاولى ، ولم يتذكّر إلّا بعد الدخول في الركوع. وقد حكم بإلغاء ما بيده وتتميم الاولى ثمّ استئناف الأُخرى وإن استلزم التتميم زيادة الركن ، لعدم البأس بها في النافلة.

ونوقش فيها أيضاً بمثل ما مرّ من عدم قصد الجزئية بالركوع المأتي به في الصلاة الاولى ، فلا تقدح زيادته حتّى في الفريضة.

ويندفع : بما عرفت من عدم الفرق في القدح وعدمه بزيادة الركوع بين ما قصد به الجزئية وما لم يقصد.

ولعلّ هذا كان مرتكزاً في ذهن السائل وهو الحلبي الّذي كان من أعاظم الرواة وعلمائهم ، وأنّ مثل ذلك لو كان واقعاً في الفريضة لكانت باطلة للزوم الزيادة وإن كانت صورية ، فسأل عن حكم النافلة وأنّها هل هي كالفريضة أم لا. وقد حكم (عليه السلام) بتتميمها وعدم الضير في اشتمالها على هذه الزيادة.

وحيث إنّ الرواية صحيحة السند ظاهرة الدلالة فلا بأس بالاستدلال بها.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٨ ح ٤.

٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : صحيحة ابن مسلم المتقدّمة (١) المتضمّنة للسؤال عن السهو في النافلة بدعوى شمول السهو ولو من باب ترك الاستفصال لمطلق الغفلة المجامعة للشك والنسيان ، إن لم نقل بظهوره في حدّ ذاته في الثاني.

فقوله (عليه السلام) : «ليس عليك شي‌ء» يراد به نفي أحكام السهو الثابتة في الفريضة عن النافلة ، التي منها البطلان بزيادة الأركان ، وأنّ السهو لا يوجب إلزاماً ، ولم ينشأ حكم من قِبله.

وأمّا في مورد النقيصة فليس الحكم بتدارك المنسي من الرجوع لدى الإمكان أو البطلان من آثار السهو وأحكامه ليرتفع في النافلة ، وإنّما هو من مقتضيات بقاء الأمر الأوّل ، حيث لم يؤت بالمأمور به على وجهه.

ومن هنا يتّجه التفصيل في النافلة بين نقصان الركن وزيادته ، بالالتزام بالبطلان في الأوّل دون الثاني ، لما عرفت من أنّ البطلان لدى النقص لم يكن من شؤون السهو ليشمله النص ، وإنّما هو من ناحية طبع الأمر الأوّل بعد أن لم يمتثل ، بخلافه لدى الزيادة فإنّه حينئذ من ناحية السهو نفسه ، ولولاه لم يكن عليه شي‌ء.

وهذا الوجه لا بأس به لولا ظهور السهو الوارد في الصحيحة في خصوص الشك في الركعات ، بقرينة إطلاقه عليه كثيراً في لسان الأخبار كما مرّت الإشارة إليه ، مثل قوله (عليه السلام) : لا سهو في الأولتين ، لا سهو في المغرب لا سهو في الجمعة (٢) ، وهكذا.

__________________

(١) في ص ٦٠.

(٢) الوسائل ٨ : ١٨٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ، ٢ ، (نقل بالمضمون).

٨٠