موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

فصل

في صلاة أوّل الشّهر

يستحبّ في اليوم الأوّل من كلّ شهر أن يصلِّي ركعتين ، يقرأ في الأُولى بعد الحمد (قل هو الله أحد) ثلاثين مرّة ، وفي الثانية بعد الحمد إنا أنزلناه ثلاثين مرّة ، ثمّ يتصدّق بما تيسّر ، فيشتري سلامة تمام الشهر بهذا (١) ويُستحبّ أن يقرأ بعد الصلاة هذه الآيات (٢) بِسْمِ اللهِ الرّحْمن الرّحيم (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلّا عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ) بِسْمِ اللهِ الرّحْمن الرّحيم (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ

______________________________________________________

(١) فقد روى الشيخ في المصباح بإسناده عن الحسن بن علي الوشّاء قال : «كان أبو جعفر محمّد بن علي الرِّضا (عليه السلام) إذا دخل شهر جديد يصلِّي في أوّل يوم منه ركعتين ، يقرأ في أوّل ركعة الحمد مرّة وقُل هُوَ اللهُ أَحَد لكلّ يوم إلى آخره ، وفي الثانية الحمد وإِنّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ القَدْر مثل ذلك ويتصدّق بما يتسهّل ، يشتري به سلامة ذلك الشهر كلّه» (١).

(٢) كما في رواية السيِّد ابن طاوس (٢). ولكن المذكور في النص بعد كلمة «الرّحيم» وقبل البسملة الثالثة هذه الزيادة (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ).

__________________

(١) الوسائل ٨ : ١٧٠ / أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ب ٤٥ ح ١ ، مصباح المتهجد : ٥٢٣.

(٢) المستدرك ٦ : ٣٤٨ / أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ب ٣٧ ح ١ ، الدروع الواقية : ٤٣.

٣٦١

الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) بِسْمِ اللهِ الرّحْمنِ الرّحِيم (سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً * ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلّا بِاللهِ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ * لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ * رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ * رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ). ويجوز الإتيان بها في تمام اليوم ، وليس لها وقت معيّن (١).

______________________________________________________

(١) لإطلاق النص.

٣٦٢

فصل

في صلاة الوصيّة

وهي ركعتان بين العشاءين ، يقرأ في الأُولى الحمد وإذا زلزلت الأرض ثلاث عشرة مرّة ، وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد خمس عشرة مرّة. فعن الصادق (عليه السلام) عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال : «أُوصيكم بركعتين بين العشاءين إلى أن قال فان فعل ذلك كلّ شهر كان من المؤمنين ، فإن فعل في كلّ سنة كان من المحسنين ، فان فعل ذلك في كلّ جمعة كان من المخلصين ، فان فعل ذلك في كلّ ليلة زاحمني في الجنّة ولم يحص ثوابه إلّا الله تعالى» (١).

______________________________________________________

(١) كما رواه الشيخ في المصباح مرسلاً عنه (عليه السلام) عن أبيه عن آبائه عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال إلى آخر ما في المتن (١). وقد تقدّم البحث حولها أيضاً في أوائل كتاب الصلاة في فصل : أعداد الفرائض ونوافلها (٢).

__________________

(١) الوسائل ٨ : ١١٨ / أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ب ١٧ ح ١ ، مصباح المتهجد : ١٠٧ [مع اختلاف يسير عمّا في المصباح].

(٢) شرح العروة ١١ : ٧٦.

٣٦٣

فصل

في صلاة يوم الغدير

وهو الثامن عشر من ذي الحجّة ، وهي ركعتان يقرأ في كلّ ركعة سورة الحمد وعشر مرّات (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَد) ، وعشر مرّات آية الكرسي ، وعشر مرّات إِنّا أَنْزَلْناه ، ففي خبر علي بن الحسين العبدي (١) عن الصادق (عليه السلام) : «مَن صلّى فيه أي في يوم الغدير ركعتين ، يغتسِل عند زوال الشّمس من قبل أن تزول مقدار نصف ساعة يسأل الله عزّ وجلّ ، يقرأ في كلّ ركعة سورة الحمد مرّة وعشر مرّات (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَد) ، وعشر مرّات آية الكرسي ، وعشر مرّات (إِنّا أَنْزَلْناه) عدلت عند الله عزّ وجلّ مائة ألف حجّة ومائة ألف عمرة ، وما سأل الله عزّ وجلّ حاجة من حوائج الدُّنيا

______________________________________________________

(١) رواه الشيخ في التهذيب ، وروى نحوه في المصباح عن أبي هارون العبدي (١) ، وكذا عن زياد بن محمّد (٢) ، وروى ابن طاوس نحوه في كتاب الإقبال عن المفضّل (٣) ، وحيث إنّ سند الكلّ مخدوش كما لا يخفى فمن ثَمّ كان الحكم مبنياً على قاعدة التسامح.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٨٩ / أبواب بقية الصلوات المندوبة ب ٣ ح ١ ، ٢ ، التهذيب ٣ : ١٤٣ / ٣١٧.

(٢) مصباح المتهجد : ٧٣٧.

(٣) [لم نعثر عليه].

٣٦٤

وحوائج الآخرة إلّا قضيت له كائنة ما كانت الحاجة. وإن فاتتك الركعتان قضيتها بعد ذلك». وذكر بعض العلماء (١) أنّه يخرج إلى خارج المصر ، وأنّه يأتي بها جماعة ، وأنّه يخطب الإمام خطبة مقصورة على حمد الله والثناء والصلاة على محمّد وآله والتنبيه على عظم حرمة هذا اليوم. لكن لا دليل على ما ذكره وقد مرّ الإشكال في إتيانها جماعة في باب صلاة الجماعة (٢).

______________________________________________________

(١) نسب ذلك إلى أبي الصلاح (١) على ما حكاه في الحدائق (٢) عن المختلف (٣).

(٢) وقد تقدّم البحث حول ذلك مستوفى في الجزء الخامس من هذا الكتاب (٤).

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٥٣.

(٢) الحدائق ١٠ : ٥٣٦.

(٣) المختلف ٢ : ٣٥٤ المسألة ٢٥٣.

(٤) شرح العروة ١٧ : ٣٢.

٣٦٥

فصل

في صلاة قضاء الحاجات وكشف المهمّات

وقد وردت بكيفيات (١) منها ما قيل إنّه مجرّب مراراً وهو ما رواه زياد القندي عن عبد الرّحيم القصير (٢) عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «إذا نزل بك أمر فافزع إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وصلّ ركعتين تهديهما إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قلت : ما أصنع؟ قال : تغتسل وتصلِّي ركعتين تستفتح بهما افتتاح الفريضة وتشهّد تشهّد الفريضة ، فإذا فرغت من التشهّد وسلمت ، قلت : اللهمّ أنت السّلام ومنك السّلام وإليك يرجع السّلام اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وبلِّغ روح محمّد منِّي السلام وبلِّغ أرواح الأئمّة الصالحين سلامي ، واردد عليَّ منهم السلام ، والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته ، اللهمّ إنّ هاتين الركعتين هدية منِّي إلى رسول الله فأثبني عليهما

______________________________________________________

(١) وهي كثيرة مذكورة في كتب الأدعية وغيرها كالبحار ونحوه من المجامع (١).

(٢) لاحظ الوسائل باب ٢٨ من أبواب بقيّة الصلوات المندوبة حديث ٥ (٢).

__________________

(١) البحار ٨٨ : ٣٤١ ، مصباح المتهجّد : ٣٢٣ ، المصباح للكفعمي ١ : ٧١٧.

(٢) الوسائل ٨ : ١٣٠ / أبواب بقية الصلوات المندوبة ب ٢٨ ح ٥.

٣٦٦

ما أمّلت ورجوت فيك في رسولك يا وليّ المؤمنين. ثمّ تخرّ ساجداً وتقول : (يا حيّ يا قيوم ، يا حيّ لا يموت ، يا حيّ لا إله إلّا أنت ، يا ذا الجلال والإكرام يا أرحم الرّاحمين) أربعين مرّة ، ثمّ ضع خدّك الأيمن فتقولها أربعين مرّة ، ثمّ ضع خدّك الأيسر فتقولها أربعين مرّة ، ثمّ ترفع رأسك وتمدّ يدك فتقول أربعين مرّة ، ثمّ تردّ يدك إلى رقبتك وتلوذ بسبّابتك وتقول ذلك أربعين مرّة ، ثمّ خذ لحيتك بيدك اليسرى وابك أو تباك وقل : يا محمّد يا رسول الله أشكو إلى الله وإليك حاجتي وإلى أهل بيتك الرّاشدين حاجتي ، وبكم أتوجّه إلى الله في حاجتي. ثمّ تسجد وتقول : يا الله يا الله حتّى ينقطع نفسك صلِّ على محمّد وآل محمّد وافعل بي كذا وكذا. قال أبو عبد الله (عليه السلام) : فأنا الضامن على الله عزّ وجلّ أن لا يبرح حتّى تقضى حاجته».

٣٦٧

فصل

[في أقسام الصلوات المستحبّة]

الصلوات المستحبّة كثيرة ، وهي أقسام :

منها : نوافل الفرائض اليومية ، ومجموعها ثلاث وعشرون ركعة بناءً على احتساب ركعتي الوتيرة بواحدة (١).

ومنها : نافلة اللّيل إحدى عشرة ركعة.

ومنها : الصلوات المستحبّة في أوقات مخصوصة كنوافل شهر رمضان ونوافل شهر رجب ، وشهر شعبان ونحوها (٢) وكصلاة الغدير والغفيلة والوصيّة (٣) وأمثالها.

ومنها : الصلوات التي لها أسباب كصلاة الزيارة ، وتحية المسجد وصلاة الشكر ونحوها.

ومنها : الصلوات المستحبّة لغايات مخصوصة كصلاة الاستسقاء ، وصلاة

______________________________________________________

(١) كما تقدّم البحث فيه وفيما بعده في فصل : أعداد الفرائض ونوافلها (١).

(٢) وهي كثيرة مذكورة في كتب الأدعية ، سيّما ما وضع لإعمال الشهور الثلاثة.

(٣) كما مرّ البحث حولها قريباً.

__________________

(١) شرح العروة ١١ : ٤٣.

٣٦٨

طلب قضاء الحاجة ، وصلاة كشف المهمّات ، وصلاة طلب الرِّزق ، وصلاة طلب الذكاء وجودة الذهن ونحوها.

ومنها : الصلوات المعيّنة المخصوصة بدون سبب وغاية ووقت كصلاة جعفر ، وصلاة رسول الله ، وصلاة أمير المؤمنين ، وصلاة فاطمة ، وصلاة سائر الأئمّة (عليهم السلام).

ومنها : النوافل المبتدأة ، فإن كلّ وقت وزمان يسع صلاة ركعتين يستحب إتيانها.

وبعض المذكورات بل أغلبها لها كيفيات مخصوصة مذكورة في محلّها.

٣٦٩

فصل

[في أحكام النوافل]

جميع الصلوات المندوبة يجوز إتيانها جالساً اختياراً (١) وكذا ماشياً وراكباً وفي المحمل والسفينة (٢) لكن إتيانها قائماً أفضل حتّى الوتيرة (*) (٣) وإن كان الأحوط الجلوس فيها.

______________________________________________________

(١) على المشهور ، بل إجماعاً كما ادّعاه غير واحد ، وتقتضيه جملة من النصوص التي منها صحيحة سهل بن اليسع «أنّه سأل أبا الحسن الأوّل (عليه السلام) عن الرجل يصلِّي النافلة قاعداً وليست به علّة في سفر أو حضر ، فقال : لا بأس به» (١). ولم ينسب الخلاف إلّا إلى ابن إدريس حيث منعه في غير الوتيرة (٢). وهذه النصوص حجّة عليه.

(٢) كما تقدّم البحث حول ذلك كلّه في أوائل كتاب الصلاة في فصل فيما يستقبل له (٣).

(٣) لكنّك عرفت في فصل أعداد الفرائض ونوافلها (٤) أنّ المتعيّن فيها هو الجلوس.

__________________

(*) تقدّم أنّ المتعيّن فيها الجلوس.

(١) الوسائل ٥ : ٤٩١ / أبواب القيام ب ٤ ح ٢.

(٢) السرائر ١ : ٣٠٩.

(٣) شرح العروة ١٢ : ٢٣ وما بعدها.

(٤) شرح العروة ١١ : ٤٦.

٣٧٠

وفي جواز إتيانها نائماً مستلقياً أو مضطجعاً في حال الاختيار إشكال (١).

______________________________________________________

(١) فإنّ ظاهر المحقِّق (١) وغيره ممّن اقتصر في الحكم بالجواز على الجلوس كصريح جمع منهم الشهيد (٢) هو المنع ، استناداً إلى توقيفية العبادة وأصالة عدم المشروعية ، خلافاً للعلّامة في النهاية حيث صرّح بالجواز (٣) ، ويظهر من صاحب الجواهر (٤) والمحقِّق الهمداني (٥) الميل إليه أو القول به. وكيف ما كان فالمتّبع هو الدليل.

ويستدل للجواز تارة بأنّ الكيفية تابعة للأصل فلا تجب.

وأُخرى بالنبوي : «من صلّى نائماً فله نصف أجر القاعد» (٦).

وثالثة : بخبر أبي بصير ، قال «قال أبو عبد الله (عليه السلام) : صلّ في العشرين من شهر رمضان ثمانياً بعد المغرب واثنتي عشرة ركعة بعد العتمة ، فإذا كانت اللّيلة التي يرجى فيها ما يرجى فصلّ مائة ركعة تقرأ في كلّ ركعة (قل هو الله أحد) عشر مرّات ، قال قلت : جُعِلْتُ فداك فان لم أقو قائماً؟ قال : فجالساً قلت : فان لم أقو جالساً؟ قال : فصلّ وأنتَ مستلق على فراشك» (٧) بعد وضوح أنّ المراد من عدم القوّة الضعف في الجملة ، لا عدم القدرة الموجب لانقلاب التكليف.

__________________

(١) الشرائع ١ : ١٣٤.

(٢) الذكرى ٣ : ٢٧٦.

(٣) نهاية الاحكام ١ : ٤٤٤.

(٤) الجواهر ١٢ : ٢٢٣.

(٥) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٥٢٧ السطر ٩.

(٦) صحيح البخاري ٢ : ٥٩.

(٧) الوسائل ٨ : ٣١ / أبواب نافلة شهر رمضان ب ٧ ح ٥.

٣٧١

[٢٢٢٥] مسألة ١ : يجوز في النوافل إتيان ركعة قائماً وركعة جالساً (١) بل يجوز إتيان بعض الركعة جالساً وبعضها قائما.

______________________________________________________

ورابعة : بفحوى النصوص الواردة في جوازها حال المشي وعلى الراحلة مع استلزامهما الإخلال بجملة من الكيفيّات والأفعال ، الكاشف عن أنّ المراد فعلها كيف ما كان وعدم سقوط ميسورها بمعسورها.

والكلّ كما ترى. أمّا الأوّل فلوضوح أنّ المراد بالوجوب هو الحكم الوضعي والمعنى الشرطي ، كالطهارة في النافلة ، دون التكليفي. فعدم وجوب أصلها لا يقتضي شرعية فعلها بلا شرط.

وأمّا الأخير فللزوم الاقتصار في الخروج عن مقتضى الإطلاقات في أدلّة الأجزاء والشرائط على مقدار قيام الدليل ، وقد ثبت ذلك في حالتي المشي وعلى الراحلة ، ولا موجب للتعدِّي بعد خفاء ملاكات الأحكام وقصور عقولنا عن دركها. والتمسّك بقاعدة الميسور كما ترى.

وأمّا النبوي وخبر أبي بصير فضعفهما يمنع عن الاستناد إليهما ، اللهمّ إلّا بناءً على قاعدة التسامح ، التي هي عمدة المستند في ميل المحقِّق الهمداني وصاحب الجواهر إلى الجواز.

وحيث إنّا لا نقول بها فالقول بعدم الجواز هو الأقرب إلى الصناعة ، نعم لا بأس بالإتيان بها بعنوان الرجاء من دون قصد التوظيف.

(١) للإطلاق في دليل جواز الجلوس كالقيام فيها ، ومنه يظهر الحال فيما بعده.

٣٧٢

[٢٢٢٦] مسألة ٢ : يستحبّ إذا أتى بالنافلة جالساً أن يحسب كلّ ركعتين بركعة (١) مثلاً إذا جلس في نافلة الصُّبح يأتي بأربع ركعات بتسليمتين ، وهكذا.

[٢٢٢٧] مسألة ٣ : إذا صلّى جالساً وأبقى من السورة آية أو آيتين فقام وأتمّها وركع عن قيام يحسب له صلاة القائم ، ولا يحتاج حينئذ إلى احتساب ركعتين بركعة (٢)

______________________________________________________

(١) لصحيحة علي بن جعفر «... يصلِّي النافلة وهو جالس ، ويحسب كلّ ركعتين بركعة» (١) بعد التعدِّي عن موردها وهو المريض بالأولوية.

ولا يعارضها رواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال «قلت له : إنّا نتحدّث نقول : من صلّى وهو جالس من غير علّة كانت صلاته ركعتين بركعة وسجدتين بسجدة ، فقال : ليس هو هكذا ، هي تامّة لكم» (٢).

إذ مضافاً إلى ضعفها بعلي بن أبي حمزة الّذي هو البطائني ، محمولة على دفع ما قد يستشعر من عطف السجدتين على الركعتين من كونهما بمثابة ركعة من قيام في عدم الخروج عنها بالتسليم والاحتياج إلى التتميم ، وهذا لا ينافي كونهما في الفضل نصف صلاة القائم والاحتياج إلى التضعيف كما نبّه عليه المحقِّق الهمداني (٣).

ولكن التقييد حينئذ بقوله : «لكم» غير واضح ، إلّا أن يقال بأنّ المراد الاحتساب تماماً بالنسبة إلى بعض خواصّ المؤمنين تفضّلاً عليهم. وكيف ما كان ، فالأمر هيِّن بعد ضعف السند.

(٢) لصحيحة حماد بن عثمان عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : «سألته عن

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٩٣ / أبواب القيام ب ٥ ح ٥ ، ١.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٩٣ / أبواب القيام ب ٥ ح ٥ ، ١.

(٣) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٥٢٦ السطر ٣٢.

٣٧٣

[٢٢٢٨] مسألة ٤ : لا فرق في الجلوس بين كيفيّاته ، فهو مخيّر بين أنواعها حتّى مدّ الرجلين (١) نعم ، الأولى أن يجلس متربّعاً ويثني رجليه حال الركوع ، وهو أن ينصب فخذيه وساقيه من غير إقعاء ، إذ هو مكروه ، وهو أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض ويجلس على عقبيه ، وكذا يكره الجلوس بمثل إقعاء الكلب.

[٢٢٢٩] مسألة ٥ : إذا نذر النافلة مطلقاً يجوز له الجلوس فيها (٢) ، وإذا

______________________________________________________

الرجل يصلِّي وهو جالس ، فقال : إذا أردت أن تصلِّي وأنت جالس ويكتب لك بصلاة القائم فاقرأ وأنت جالس ، فاذا كنت في آخر السورة فقم فأتمّها واركع فتلك تحسب لك بصلاة القائم» (١).

ولا يبعد أن تكون العبرة بحسب المتفاهم العرفي بحصول الركوع عن قيام مع تتميم ما بيده من القراءة حال القيام ، فيشمل الحكم ما لو اقتصر على قراءة الفاتحة ، أو أتى بسور عديدة ، بل حتّى مثل صلاة جعفر كما لا يخفى.

(١) لإطلاق الأخبار ، وقد تقدّم الكلام حول هذه المسألة في مطاوي مباحث القيام (٢) والتشهّد (٣) ومستحبّات السجود (٤) فراجع ، ولا نعيد.

(٢) إذ بعد فرض الإطلاق في متعلّق النذر ، وجواز الجلوس في النافلة وإن عرضها وصف الوجوب بمقتضى إطلاق الدليل ، فالوفاء يتحقّق بالصلاة جالساً بطبيعة الحال.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٩٨ / أبواب القيام ب ٩ ح ٣.

(٢) شرح العروة ١٤ : ٢٥٩.

(٣) شرح العروة ١٥ : ٢٧٩.

(٤) [لم نعثر عليه].

٣٧٤

نذرها جالساً فالظاهر انعقاد نذره (*) (١). وكون القيام أفضل لا يوجب فوات الرجحان في الصلاة جالساً ، غايته أنّها أقل ثواباً ، لكنّه لا يخلو عن إشكال (٢).

[٢٢٣٠] مسألة ٦ : النوافل كلّها ركعتان لا يجوز الزيادة عليها ولا النقيصة إلّا في صلاة الأعرابي والوتر (٣).

[٢٢٣١] مسألة ٧ : تختصّ النوافل بأحكام :

منها : جواز الجلوس والمشي فيها اختياراً كما مرّ.

ومنها : عدم وجوب السورة فيها إلّا بعض الصلوات المخصوصة بكيفيّات مخصوصة.

ومنها : جواز الاكتفاء ببعض السورة فيها.

ومنها : جواز قراءة أزيد من سورة من غير إشكال.

ومنها : جواز قراءة العزائم فيها.

______________________________________________________

(١) ما لم يكن مفاده تضييق الطبيعة وتخصيصها بهذا الفرد ، الراجع إلى العقد السلبي أيضاً أعني عدم صحّة الصلاة منه قائماً ، وإلّا فلا ريب في عدم الانعقاد.

وإليه يشير سيِّدنا الأُستاذ في تعليقته الأنيقة حيث قال (دام ظلّه) ما لفظه : إذا كان متعلّق النذر تخصيص الطبيعة به حين إرادة الصلاة فالظاهر عدم انعقاده.

(٢) لاحتمال اعتبار الرجحان بقول مطلق. ولكنّه ضعيف كما لا يخفى.

(٣) تقدّم البحث حول هذه المسألة مستوفى في المسألة الاولى من فصل أعداد الفرائض ونوافلها (١).

__________________

(*) إذا كان متعلّق النذر تخصيص الطبيعة به حين إرادة الصلاة فالظاهر عدم انعقاده.

(١) شرح العروة ١١ : ٥٩.

٣٧٥

و منها : جواز العدول فيها من سورة إلى أُخرى مطلقا (١).

ومنها : عدم بطلانها بزيادة الركن سهواً.

ومنها : عدم بطلانها بالشكّ بين الركعات ، بل يتخيّر بين البناء على الأقل أو على الأكثر.

ومنها : أنّه لا يجب لها سجود السهو ، ولا قضاء السجدة والتشهّد المنسيّين ولا صلاة الاحتياط (٢).

ومنها : لا إشكال في جواز إتيانها في جوف الكعبة أو سطحها (٣).

ومنها : أنّه لا يشرع فيها الجماعة إلّا في صلاة الاستسقاء ، وعلى قول في صلاة الغدير (٤).

______________________________________________________

(١) قد تقدّم الكلام حول هذه الأحكام في المسألة الخامسة والسادسة والعاشرة والثامنة عشرة من فصل القراءة (١).

(٢) تقدّم الكلام حول هذا وما تقدّمه من أحكام السهو والشك في فصل الشكوك التي لا اعتبار بها (٢).

(٣) مرّ البحث حول ذلك في المسألة الثلاثين من فصل مكان المصلِّي (٣).

(٤) كما تقدّم في المسألة الثانية من فصل الجماعة (٤).

__________________

(١) شرح العروة ١٤ : ٣٢١ ، ٣٢٤ ، ٣٣٤ ، ٣٦٤.

(٢) في ص ٥٨ وما بعدها.

(٣) شرح العروة ١٣ : ١٢٤.

(٤) شرح العروة ١٧ : ٢٦.

٣٧٦

ومنها : جواز قطعها اختياراً (١).

ومنها : أنّ إتيانها في البيت أفضل من إتيانها في المسجد (٢) إلّا ما يختص به على ما هو المشهور

______________________________________________________

(١) كما تقدّم في فصل لا يجوز قطع صلاة الفريضة اختياراً (١).

(٢) كما في الجواهر (٢) ، بل عن المعتبر (٣) والمنتهى (٤) نسبته إلى فتوى علمائنا استناداً إلى أنّ فعلها في السر أبلغ في الإخلاص وأبعد من الرِّياء والوسواس.

ولقول النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في وصيّته لأبي ذر المرويّة عن المجالس بعد ذكر فضل الصلاة في المسجد الحرام أو مسجد النبيّ : «وأفضل من هذا كلّه صلاة يصلّيها الرجل في بيته حيث لا يراه إلّا الله (عزّ وجلّ) يطلب بها وجه الله تعالى» (٥).

وقول الصادق (عليه السلام) في رواية أبي بصير : «وكلّ ما فرض الله عليك فإعلانه أفضل من إسراره ، وكلّ ما كان تطوّعاً فإسراره أفضل من إعلانه» (٦).

وقوله (عليه السلام) في رواية الفضيل بن يسار : «إنّ البيوت التي يصلّى فيها باللّيل بتلاوة القرآن تضي‌ء لأهل السماء كما تضي‌ء نجوم السماء لأهل

__________________

(١) شرح العروة ١٥ : ٥٢٨.

(٢) الجواهر ١٤ : ١٤٥.

(٣) المعتبر ٢ : ١١٢.

(٤) المنتهى ٤ : ٣١٠.

(٥) الوسائل ٥ : ٢٩٦ / أبواب أحكام المساجد ب ٦٩ ح ٧ ، أمالي الطوسي : ٥٢٨ / ١١٦٢.

(٦) الوسائل ٩ : ٣٠٩ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٥٤ ح ١.

٣٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الأرض» (١).

وللنبوي : «أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلّا المكتوبة» (٢).

وخبر زيد بن ثابت : «أنّه جاء رجال يصلّون بصلاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فخرج مغضباً وأمرهم أن يصلّوا النوافل في بيوتهم» (٣).

ولأنّ الاجتماع للنوافل في المساجد من فعل مَن وصفوا بأنّ الرشد في خلافهم.

والكلّ كما ترى ، فانّ الوجه الاعتباري لا يصلح سنداً للحكم الشرعي والنصوص المزبورة بأجمعها ضعاف السند وإن عبّر عن بعضها بالصحيح في بعض الكلمات ، فلا يمكن التعويل عليها في الخروج عن النصوص الناطقة بأفضليّة الصلاة في المسجد ، وفيها الصحاح.

كصحيحة معاوية بن وهب (٤) المتضمِّنة لإتيان النبي (صلّى الله عليه وآله) صلاة اللّيل في المسجد ، بل الاستمرار عليه.

وصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «سأله ابن أبي يعفور كم أُصلِّي؟ فقال : صلّ ثمان ركعات عند زوال الشمس ، فانّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال : الصلاة في مسجدي كألف في غيره إلّا المسجد الحرام ، فإنّ الصلاة في المسجد الحرام تعدل ألف صلاة في مسجدي» (٥).

ومرسلة ابن أبي عمير «... ما من مسجد بني إلّا على قبر نبي أو وصي إلى

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٢٩٤ / أبواب أحكام المساجد ب ٦٩ ح ١.

(٢) كنز العمال ٧ : ٧٧٢ / ٢١٣٣٧.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٥٣٩ / ٧٨١.

(٤) الوسائل ٤ : ٢٦٩ / أبواب المواقيت ب ٥٣ ح ١.

(٥) الوسائل ٥ : ٢٨٠ / أبواب أحكام المساجد ب ٥٧ ح ٦.

٣٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

أن قال : فأدّ فيها الفريضة والنوافل واقض ما فاتك» (١).

وأمّا الوجه الأخير فهو إنّما يصلح سنداً في مقام ترجيح الخبرين المتكافئين لا في مثل المقام كما لا يخفى ، هذا.

مضافاً إلى أنّ بعض تلك النصوص ناظرة إلى المزيّة لا الأفضلية التي هي محلّ الكلام.

على أنّه تمكن الخدشة في دلالة تلك النصوص بأسرها بأنّ غاية ما يستفاد منها أفضلية العبادة السرِّية من الجهريّة ، ومن الواضح أنّ النسبة بين هذين العنوانين وبين ما نحن فيه أعني عنوان البيت والمسجد عموم من وجه لإمكان المحافظة على السر وهو في المسجد كما لو صلّى في مسجد المحلّة في جوف اللّيل ، كإمكان الإعلان وهو في البيت كما لو كان مليئاً بالضيف.

ومن ثمّ استشكل في الحكم غير واحد من المتأخِّرين منهم صاحب المدارك بل رجّح خلافه (٢).

وعلى الجملة : أفضلية التنفّل سرّاً جهة أُخرى للمزيّة غير مرتبطة بخصوصية المكان التي هي بنفسها من موجبات الفضيلة والرجحان.

وعليه فلا ينبغي التأمّل في أنّ الصلاة في المسجد من حيث هي أفضل من الصلاة في البيت حتّى في النافلة ، لأجل شرافة المحل ، كما أنّ مراعاة السرّ في التنفّل أفضل. فإن أمكن الجمع بين الفضيلتين فنعم المطلوب ، وإلّا كان من التعارض في المستحبّات الّذي هو باب واسع وكثير شائع ، ويختلف الترجيح حسب اختلاف الموارد.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٢٢٥ / أبواب أحكام المساجد ب ٢١ ح ١.

(٢) المدارك ٤ : ٤٠٧.

٣٧٩

وإن كان في إطلاقه إشكال (١).

______________________________________________________

ومنه تعرف أنّ ما نسب إلى المشهور إن تمّ وصحّ المدرك فهو وجيه في الجملة لا بالجملة.

(١) حسبما عرفت آنفاً.

والحمد لله ربّ العالمين أوّلاً وآخراً ، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.

هذا ما أردنا إيراده في هذا الجزء ، ويتلوه الجزء الثامن في صلاة المسافر إن شاء الله تعالى.

٣٨٠