موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

وأُخرى لم يعلم بذلك أيضاً ، ويشك في كلّ من الركعة والتسليم شكّاً مستقلا فلا يدري أنّه أتى بهما معاً ، أو لم يأت بشي‌ء منهما ، أو أنّه أتى بأحدهما دون الآخر.

أمّا في القسم الأوّل : فلا يمكن إجراء حكم الشك في الركعات ، إذ لو بنى على الأربع وسلم فهو يعلم بعدم وقوع السلام في محلّه جزماً ، لأنّه إن كان قد أتى بالركعة وتسليمتها فهذا سلام زائد واقع خارج الصلاة ولا معنى للسلام بعد السلام ، وإلّا فهو تسليم على الثلاث ، فلم يكن السلام مأموراً به على التقديرين ، ولا يحتمل صحّته كي يكون مشمولاً لقاعدة البناء.

بل اللّازم حينئذ الإتيان بالركعة المشكوكة متّصلة استناداً إلى قاعدة الاشتغال أو استصحاب عدم الإتيان ، وبذلك يقطع ببراءة الذمّة ، لأنّه إن لم يكن آتياً بها واقعاً فوظيفته الإتيان بها متّصلة وقد فعل ، وإلّا فيقع لغواً خارج الصلاة ولا ضير فيه. وعلى أيّ تقدير فصلاته مأمونة عن الزيادة والنقصان.

وأمّا في القسم الثاني : فيجري حكم الشك في الركعات ، إذ بعد كونه مأموراً بالتسليم بمقتضى أصالة العدم ، والمفروض زيادة السلام الأوّل فهو غير خارج بعد عن الصلاة ، فلا جرم يكون شكّه حادثاً في الأثناء بمقتضى التعبّد الاستصحابي. وبما أنّه شاك فعلاً بين الثلاث والأربع وجداناً فيكون مشمولاً لدليل البناء على الأكثر بطبيعة الحال.

ومن جميع ما ذكرناه تعرف أنّ ما أفاده في المتن من جريان حكم الشك في الركعات لا يستقيم على إطلاقه ، بل ينبغي التفصيل بين الصور حسبما عرفت.

٢٤١

[٢١٧١] المسألة الثامنة والثلاثون : إذا علم أنّ ما بيده رابعة ويأتي به بهذا العنوان لكن لا يدري أنّها رابعة واقعية أو رابعة بنائية وأنّه شكّ سابقاً بين الاثنتين والثلاث فبنى على الثلاث فتكون هذه رابعة بعد البناء على الثلاث (١) فهل يجب عليه صلاة الاحتياط لأنّه وإن كان عالماً بأنّها رابعة في الظاهر إلّا أنّه شاك من حيث الواقع فعلاً بين الثلاث والأربع ، أو لا يجب لأصالة عدم شك سابق والمفروض أنّه عالم بأنّها رابعته فعلاً؟ وجهان ، والأوجه الأوّل.

______________________________________________________

(١) فهل تجب عليه صلاة الاحتياط نظراً إلى شكّه الفعلي في عدد الركعات من حيث الواقع ، وأنّ ما بيده هل هي الثالثة أو الرابعة ، غير المنافي لعلمه بأنّها رابعة في الظاهر.

أم لا يجب لأصالة عدم حدوث شكّ سابقاً ، والمفروض علمه بأنّها رابعته فعلاً. فلا شي‌ء عليه بضم الوجدان إلى الأصل؟ وجهان.

ذكر الماتن (قدس سره) أنّ الأوجه الأوّل. وهو الصحيح ، بل لا ينبغي التأمّل فيه ، لرجوع الشك المزبور إلى الشك الفعلي الوجداني بين الثلاث والأربع كما عرفت ، فيشمله حكمه. ولا أثر للأصل المذكور ، فانّ المدار في جريان أحكام الشكوك على الحالة الفعلية ، ولا عبرة بالحالة السابقة.

ومن هنا ذكرنا سابقاً (١) أنّه لو تبدّل كل من الشك والظن واليقين وانقلب إلى الآخر كان المتّبع الحالة اللّاحقة المنقلب إليها ، ولا أثر للسابقة الزائلة. وبما أنّ حالته الفعلية في المقام الشك بين الثلاث والأربع وجداناً جرى عليه حكمه سواء أكان شاكّاً سابقاً بين الثنتين والثلاث أم لا ، فانّ وجود هذا الشك وعدمه

__________________

(١) شرح العروة ١٨ : ٢٢٨.

٢٤٢

[٢١٧٢] المسألة التاسعة والثلاثون : إذا تيقّن بعد القيام إلى الركعة التالية أنّه ترك سجدة أو سجدتين أو تشهّداً ، ثمّ شكّ في أنّه هل رجع وتدارك ثمّ قام أو هذا القيام هو القيام الأوّل (١) فالظاهر وجوب العود إلى التدارك ، لأصالة عدم الإتيان بها بعد تحقّق الوجوب. واحتمال جريان حكم الشك بعد تجاوز المحل لأنّ المفروض أنّه فعلاً شاك وتجاوز عن محلّ الشك لا وجه له ، لأنّ الشك إنّما حدث بعد تعلّق الوجوب ، مع كونه في المحل بالنسبة إلى النسيان ولم يتحقّق التجاوز بالنسبة إلى هذا الواجب.

______________________________________________________

سيّان. فلا أثر لأصالة عدم الشك سابقاً.

وعلى الجملة : لا مناص من ضم ركعة الاحتياط ، لعدم الأمن عن النقص الواقعي المحتمل بالوجدان إلّا بذلك ، ولا بدّ من سلامة الركعات عن الزيادة والنقصان كما دلّت عليه موثّقة عمار على ما تقدّم (١) ، فتكون متمّمة على تقدير النقص ونافلة على التقدير الآخر.

(١) فعلم بالإتيان بقيام زائد لوقوعه قبل السجدة أو السجدتين أو التشهّد أو كلّ ذلك ، لنسيان البعض منها أو جميعها ، وشكّ في أنّ القيام الّذي بيده هل هو ذاك القيام الزائد أو أنّه قيام ثانٍ أتى به بعد العود وتدارك المنسي.

ذكر الماتن (قدس سره) حينئذ أنّه يجب عليه الرجوع والتدارك. وهو الصحيح لأصالة عدم الإتيان بما وجب تداركه بعد العلم بالنسيان ، مضافاً إلى قاعدة الاشتغال.

وذهب بعض الأساطين (قدس سرهم) إلى عدم الوجوب ، استناداً إلى قاعدة التجاوز ، بدعوى أنّه لا يعتبر في جريان القاعدة إلّا مجرّد الدخول فيما يحتمل

__________________

(١) في ص ٢٤٠ ، [وتقدّم الإشكال في سندها].

٢٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

كونه مأموراً به وواقعاً على وجهه ، فيكفي عروض الشك بعد الإتيان بما هو صالح للجزئية ، وقابل لأن يكون من الغير المترتِّب على المشكوك فيه. فلو شكّ وهو في السورة في جزء سابق جرت القاعدة وإن لم يدر أنّ السورة أتى بها في محلّها أم أنّها كانت زائدة ، للاكتفاء بمجرّد احتمال كونها مأموراً بها.

وهذا الضابط منطبق على المقام ، لفرض حدوث الشك في قيام يصلح للجزئية ويحتمل كونه مأموراً به. ومجرّد العلم بوجود قيام باطل في البين لا يمنع عن تحقّق موضوع القاعدة. فلا قصور في جريانها بالنسبة إلى السجدة المشكوكة ، لصدق التجاوز عنها بالدخول فيما عرفت.

وما في عبارة الماتن (قدس سره) من بقاء المحل بالنسبة إلى النسيان ، وعدم تحقّق التجاوز بالإضافة إليه لا يمنع عن كونه بعد التجاوز بالنسبة إلى الشك ، إذ المدار في جريان القاعدة على التجاوز عن محل الفعل نفسه ، والتعدِّي عن المحل الشكِّي دون السهوي كما لا يخفى.

أقول : ما أفاده (قدس سره) لا يمكن المساعدة عليه بوجه ، فانّ الغيرَ المعتبرَ في جريان القاعدة وإن كان يكفي فيه مجرّد احتمال وقوعه مترتِّباً على المشكوك فيه وكونه مأموراً به وواقعاً على وجهه ، إلّا أنّه لا بدّ من إحراز الدخول في ذات الغير المحتمل ترتّبه ، تحقيقاً لصدق التجاوز والتعدِّي عن محلّ المشكوك فيه المتقوّم به جريان القاعدة ، كما لو شكّ في الركوع بعد الدخول في السجود الّذي هو جزء مستقل قد دخل فيه وجداناً ، المحتمل وقوعه في محلّه وترتّبه على المشكوك فيه.

وأمّا مع عدم إحراز الدخول في الغير أصلاً ، واحتمال كون المحل باقياً وعدم كونه متجاوزاً عنه ، كما لو شكّ في الركوع ولم يكن محرزاً للدخول في السجود فليس هو مورداً لجريان القاعدة قطعاً.

٢٤٤

[٢١٧٣] المسألة الأربعون : إذا شكّ بين الثلاث والأربع مثلاً فبنى على الأربع ثمّ أتى بركعة أُخرى سهواً فهل تبطل صلاته من جهة زيادة الركعة أم يجري عليه حكم الشك بين الأربع والخمس؟ وجهان ، والأوجه الأوّل (١).

______________________________________________________

ومقامنا من هذا القبيل ، لجواز كون القيام الّذي بيده هو بعينه القيام السابق المستلزم حينئذ لعدم كونه داخلاً في الغير أصلاً ، فلم يكن التجاوز محرزاً بوجه.

وبعبارة اخرى : القيام الأوّل زائد حسب الفرض فوجوده كالعدم ، ولم يتحقّق التجاوز بالدخول فيه قطعاً ، والقيام الثاني مشكوك الوجود من أصله لاحتمال كونه القيام الأوّل بعينه ، المحكوم فيه بلزوم الرجوع والتدارك ، فلم يحرز الدخول في الغير ، ومعه نشكّ في صدق التجاوز لا محالة.

وقد عرفت لزوم إحرازه في جريان القاعدة ، المتوقّف على العلم بالدخول في الغير المترتِّب ، وتمحّض الشك في وقوعه في محلّه من أجل الشك في وجود الجزء وعدمه ، وهو مفقود في المقام.

نعم ، لو رأى نفسه فعلاً في القراءة أو التسبيح ولم يدر أنّه بعد في القيام الأوّل وقد غفل فدخل في القراءة أم أنّه رجع وتدارك المنسي وهذا قيام ثانٍ مشتمل على القراءة في محلها ، فبما أنّه شاك فعلاً في تدارك المنسي من السجدة أو التشهّد لا مانع من جريان قاعدة التجاوز حينئذ ، لا بلحاظ الدخول في القيام فإنّه مشكوك فيه حسبما عرفت ، بل بلحاظ الدخول في القراءة أو التسبيح.

(١) الشاك بين الثلاث والأربع المحكوم بالبناء على الأربع إذا غفل فأضاف إليها ركعة متّصلة المستلزم لشكّه الفعلي بين الأربع والخمس بطبيعة الحال هل يجري عليه حكم هذا الشك ، نظراً إلى أنّ العبرة في أحكام الشكوك بالحالة الفعلية ، ولا أثر للحالة السابقة الزائلة ، وبما أنّه شاك فعلاً بين الأربع والخمس

٢٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وجداناً فيشمله حكمه من البناء على الأربع والإتيان بسجدتي السهو.

أو لا يجري لأجل اختصاص حكم هذا الشك كغيره من الشكوك بما إذا حدث ابتداءً ، ولا يعمّ ما إذا كان متفرِّعاً على الشك السابق ومتولّداً منه كما في المقام ، حيث إنّ هذا الشك من فروع الشك السابق ومترتِّب عليه بعد ضمّ الركعة المتّصلة ، فلا يكون مشمولاً لحكم هذا الشك ، بل اللّازم إعمال حكم الشك الأوّل المستلزم لاتِّصاف الركعة بالزيادة الموجبة للبطلان؟ فيه وجهان اختار ثانيهما في المتن. وهو الصحيح.

ولتوضيحه نقول : من المعلوم عدم الفرق بين الوجهين وعدم ترتّب أثر في البين فيما إذا كان التذكّر بعد الإتيان بركعة ناقصة ، أي حال القيام إلى الركعة الزائدة المحتمل كونها خامسة ، للزوم هدم القيام حينئذ سواء أكان محكوماً بحكم الشك بين الثلاث والأربع أو الأربع والخمس ، لاتِّصاف القيام حينئذ بالزيادة الموجبة للزوم هدمه وإجراء حكم الشك بين الثلاث والأربع على التقديرين ، وهذا واضح ، فتكون الصلاة محكومة بالصحّة على كلّ حال.

كما لا فرق بينهما أيضاً فيما إذا كان التذكّر بعد التجاوز عن القيام وقبل إكمال السجدتين كحال الركوع ونحوه من الحالات المتخلّلة بينهما ، لبطلان الصلاة حينئذ على التقديرين ، إذ لو كان من الشك بين الأربع والخمس فهو باطل قبل إكمال السجدتين ، ولو كان من الشك بين الثلاث والأربع فهو أيضاً باطل من أجل زيادة الركن.

فالفرق بين الوجهين إنّما يظهر فيما إذا كان التذكّر بعد الإتيان بركعة تامّة ، أي بعد إكمال السجدتين ، حيث إنّه محكوم بالصحّة لو كان من الشك بين الأربع والخمس ، وبالبطلان لو كان من الشك بين الثلاث والأربع. فيختلف الوجهان في هذه الصورة فقط.

٢٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

والأقوى هو البطلان كما عرفت ، لأنّ الركعة السابقة كانت رابعة بمقتضى التعبّد الشرعي ، فكانت وظيفته التسليم والإتيان بالركعة المفصولة ، وقد زاد ركعة على هذه الوظيفة وجداناً ، فيشمله قوله (عليه السلام) : من زاد في صلاته ركعة استقبل استقبالا (١).

إذ ليس المراد بالزيادة القادحة تحقّقها بحسب الواقع ليورد بعدم العلم بها في المقام ، بل المراد كما يظهر من النص اشتمال الصلاة على الزيادة على ما تقتضيه الوظيفة الفعلية الثابتة بمقتضى التعبّد الشرعي ، وقد عرفت أنّها محرزة بالوجدان. ومن المعلوم عدم الفرق في البطلان بزيادة الركعة بين العمدية والسهوية.

ودعوى انقلاب الشك السابق بين الثلاث والأربع إلى الشك الفعلي بين الأربع والخمس ، والمدار في ترتيب أحكام الشكوك على الحالة الفعلية. مدفوعة بأنّ العبرة وإن كانت بالحالة الفعلية كما ذكرناه سابقاً (٢) فلا أثر للشك الحادث أوّلاً ، إلّا أنّه خاص بما إذا زال الشك السابق فانقلبت تلك الحالة وتبدّلت بحالة أُخرى ، كما لو تبدّل الشك بالظن أو اليقين ، أو انقلب إلى شك آخر كانقلاب الشك بين الثنتين والثلاث إلى الثلاث والأربع ، بحيث انعدمت تلك الحالة بالكلِّيّة وقامت حالة اخرى مقامها.

وأمّا في المقام فلا انقلاب ولا تبدّل ، ولم تكن الحالة السابقة زائلة ، بل هي لا تزال باقية ، فإنّه الآن شاك أيضاً في أنّ الركعة السابقة هل كانت ثالثة أم رابعة ، وإنّما نشأ الشك بين الأربع والخمس من ضمّ الركعة المتّصلة إليها.

فهذا من فروع الشك السابق وشؤونه ومسبّب عنه ومترتّب عليه ، وليس شكّاً ابتدائياً استقلالياً ، فلا يكون مشمولاً لدليل هذا الشك ، لاختصاصه

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ١ ، (نقل بالمضمون).

(٢) في ص ٢٤٢.

٢٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

كغيره من أدلّة الشكوك بالشك الحادث ابتداءً كما سبق ، بل هو مشمول لدليل الشك السابق الباقي فعلاً ، أعني الشك بين الثلاث والأربع ، ونتيجته البطلان كما عرفت.

ولو تنزّلنا وسلمنا الإطلاق في دليل الشك بين الأربع والخمس وشموله لمثل المقام ممّا تسبّب عن غيره فهو معارض بالإطلاق في دليل الشك بين الثلاث والأربع ، الشامل لما إذا أُضيفت ركعة سهواً فتولّد الشك بين الأربع والخمس.

والمرجع بعد تعارض الإطلاقين وتساقطهما إطلاق صحيحة صفوان الدالّة على البطلان (١) المؤيّدة بما دلّت عليه الروايات من لزوم سلامة الركعات عن الزيادة والنقصان (٢) ، لتطرّق احتمال الزيادة هنا بالوجدان ، ولا مؤمّن عنه عدا دليل الشك بين الأربع والخمس الساقط بالمعارضة حسب الفرض. فلا مناص من الإعادة.

فهذه المسألة إمّا داخلة في دليل الشك بين الثلاث والأربع ، أو مشمولة لصحيحة صفوان بعد تعارض الدليلين وتساقط الإطلاقين. ونتيجته البطلان على التقديرين حسبما عرفت.

ويتفرّع على ما ذكرناه من اختصاص أدلّة الشكوك بالحدوث وعدم العبرة بما تسبّب عن غيره عدّة فروع.

منها : ما لو شكّ بين الواحدة والثنتين فغفل وأضاف ركعتين فأصبح شاكّاً بين الثلاث والأربع ، أو كان شاكّاً بين الثنتين والثلاث قبل الإكمال فنسي وأتمّ الركعة ثمّ التفت فكان شكّه بين الثنتين والثلاث بعد الإكمال.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٥ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨.

٢٤٨

[٢١٧٤] المسألة الحادية والأربعون : إذا شكّ في ركن بعد تجاوز المحل ثمّ أتى به نسياناً فهل تبطل صلاته من جهة الزيادة الظاهرية أو لا ، من جهة عدم العلم بها بحسب الواقع؟ وجهان (*) (١) والأحوط الإتمام والإعادة.

______________________________________________________

ونحوه ما لو شكّ بين الواحدة والثنتين قبل الإكمال فأضاف ركعة ثمّ التفت بعد الإكمال وهكذا ، ففي شي‌ء من ذلك لا يمكن الحكم بالصحّة بدعوى اندراج الشك الفعلي في الشكوك الصحيحة ، فإنّه ساقط جزماً ، لعدم كونه شكّاً جديداً وإنّما هو من فروع الشك السابق المحكوم بالبطلان الباقي إلى الآن.

ومنها : ما لو شكّ في فعل كالركوع قبل تجاوز المحل فكان محكوماً بالإتيان بقاعدة الشك في المحل ثمّ غفل فدخل في السجدة أو السجدتين ثمّ التفت فشكّ في الركوع ، أفهل يحتمل القول بعدم الاعتناء نظراً إلى كونه من الشك بعد التجاوز ، مع أنّ هذا من فروع الشك السابق ومترتِّب عليه ، ولم تكن السجدة مأموراً بها وإنّما أتى بها غفلة ، وهكذا الحال في بقية الموارد.

وعلى الجملة : لا ينبغي التأمّل في ظهور أدلّة الشكوك في الشك الحادث ابتداءً ، وأمّا المتفرِّع عن غيره فالعبرة فيه بالشك السابق.

(١) وقد ظهر ممّا قدّمناه في المسألة السابقة أنّ المتعيّن هو الحكم بالبطلان حيث عرفت ثمة أنّ المراد بالزيادة المبطلةِ الإتيانُ بشي‌ء غير مأمور به بقصد الجزئية زائداً على ما تقتضيه الوظيفة الفعلية ، والركوع المأتي به في المقام بعد كونه موظّفاً بعدم الاعتناء بالشك فيه بمقتضى قاعدة التجاوز من هذا القبيل فيشمله قوله (عليه السلام) : «من زاد في صلاة ركعة أي ركوعاً استقبل

__________________

(*) أظهرهما البطلان.

٢٤٩

[٢١٧٥] المسألة الثانية والأربعون : إذا كان في التشهّد فذكر أنّه نسي الركوع ومع ذلك شكّ في السجدتين أيضاً (١) ففي بطلان الصلاة من حيث

______________________________________________________

استقبالاً» (١) ، وقوله : «لا تعاد الصلاة من سجدة وإنّما تعاد من ركعة» (٢) أي الركوع ، ونحوهما من الأدلّة.

حيث إنّ المستفاد منها أنّ الإتيان بالركن عمداً وسهواً زائداً على ما تقتضيه الوظيفة الفعلية مبطل للصلاة ، ولأجل ذلك لا يجوز له الإتيان به حتّى رجاء.

فلو شكّ في السجدتين بعد الدخول في القيام فكان موظّفاً بعدم الاعتناء بمقتضى قاعدة التجاوز ليس له العود والإتيان بهما ولو بعنوان الرجاء ، لما عرفت من استلزامه الزيادة على الوظيفة الفعلية وجداناً بعد كونه محكوماً بالإتيان بهما بمقتضى التعبّد الشرعي.

(١) فهل يحكم حينئذ ببطلان الصلاة نظراً إلى أنّه بعد كونه محكوماً بالإتيان بالسجدتين بمقتضى قاعدة التجاوز فقد تعذّر معه تدارك الركوع لفوات محلّه بالدخول في الركن ، ونقصه موجب للبطلان.

أو يحكم بالصحّة ، لعدم جريان قاعدة التجاوز في المقام كما ستعرف ، فيرجع لتدارك الركوع المنسي بعد بقاء محلّه ويأتي بالسجدتين بعده.

أو يفصّل بين سبق الشك في السجدتين ثمّ تذكّر النسيان فيحكم حينئذ بالبطلان ، لدخوله في تذكّر نسيان الركوع بعد الدخول في ركن آخر ، وبين العكس ، إذ مع سبق التذكّر على الشك كان محكوماً بالرجوع لتدارك الركوع فلا أثر للشك بعد ذلك فيحكم بالصحّة؟ وجوه.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ١ (نقل بالمضمون).

(٢) الوسائل ٦ : ٣١٩ / أبواب الركوع ب ١٤ ح ٢ ، ٣ (نقل بالمضمون).

٢٥٠

إنّه بمقتضى قاعدة التجاوز محكوم بأنّه أتى بالسجدتين فلا محلّ لتدارك الركوع أو عدمه إمّا لعدم شمول قاعدة التجاوز في مورد يلزم من إجرائها بطلان الصلاة وإمّا لعدم إحراز الدخول في ركن آخر ، ومجرّد الحكم بالمضي لا يثبت الإتيان؟ وجهان ، والأوجه الثاني (*) ، ويحتمل الفرق بين سبق تذكّر النسيان وبين سبق الشك في السجدتين ، والأحوط العود إلى التدارك ثمّ الإتيان بالسجدتين وإتمام الصلاة ثمّ الإعادة ، بل لا يترك هذا الاحتياط.

______________________________________________________

أحسنها أوسطها كما عليه في المتن ، لعدم جريان قاعدة التجاوز في المقام من غير فرق بين سبق الشك أو سبق تذكّر النسيان ، وذلك :

أمّا بناءً على اعتبار الدخول في الغير المترتِّب وعدم الاكتفاء بمطلق الغير كما هو الصحيح فواضح ، إذ التشهّد الصادر منه بما أنّه واقع قبل الركوع فهو زائد غير مأمور به جزماً ، ولم يقع في محلّه ووجوده كالعدم ، فلا يكون محقّقاً للدخول في الغير المعتبر في جريان القاعدة بالنسبة إلى السجدتين ، لعدم كونه مترتّباً عليهما بعد زيادته القطعية.

ولا فرق بين سبق التذكّر وعدمه ، فانّ العبرة في جريان القاعدة وغيرها من سائر أحكام الشكوك بمرحلة البقاء دون الحدوث ، فاذا تذكّر ولو متأخّراً نسيان الركوع فقد أحرز فعلاً زيادة التشهّد ووقوعه في غير محلّه ، فهو كاشف بقاءً

__________________

(*) لا لما ذكر ، بل لأنّ التشهّد لم يقع جزءاً من الصلاة قطعاً ، فلا يتحقّق معه الدخول في الغير. على أنّ السجدتين المشكوك فيهما في مفروض المسألة لم يؤمر بهما قطعاً ، فلا معنى لجريان قاعدة التجاوز بالإضافة إليهما ، فتجري فيهما أصالة العدم ، فلا بدّ من الرجوع وتدارك الركوع وإتمام الصلاة بلا حاجة إلى إعادتها ، من غير فرق بين تقدّم الشك على تذكّر النسيان وتأخّره عنه.

٢٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

عن وقوعه قبل الركوع وأنّ الشك الحادث سابقاً لم يكن مورداً لقاعدة التجاوز لعدم كونه داخلاً في الغير المترتِّب كما هو ظاهر.

وأمّا بناءً على كفاية الدخول في مطلق الغير وإن لم يكن مترتِّباً فلأنّ القاعدة إنّما شرّعت لتفريغ الذمّة عن امتثال المأمور به لدى الشك فيه ، وأنّه هل أتى بما هي وظيفته أم لا. فبمقتضى التعبّد الشرعي المستفاد من قوله (عليه السلام) : «يا زرارة ، إذا خرجتَ من شي‌ء ثمّ دخلتَ في غيره فشكّك ليس بشي‌ء» (١) يبني على الإتيان ولا يعتني بالشك.

وأمّا إذا كان شكّه متعلِّقاً بالإتيان بشي‌ء لم يكن مأموراً به وأنّه على تقدير وقوعه فهو عمل زائد أجنبي عن أجزاء الصلاة ، فلا معنى للتعبّد بوقوعه كي يشمله عموم القاعدة.

ومقامنا من هذا القبيل ، فانّ السجدتين قبل الركوع لا أمر بهما ، فليس الشك متعلِّقاً بالإتيان بالوظيفة ، بل في وجود المبطل وعدمه ، ومثله غير مشمول للقاعدة بتاتاً.

وعلى الجملة : فلا مسرح لقاعدة التجاوز في المقام إمّا لعدم الدخول في الغير المترتِّب ، أو لتعلّق الشك بما لم يكن مأموراً به ، فاذا لم تكن القاعدة جارية وجب الرجوع لتدارك الركوع بعد دفع احتمال الإتيان بالسجدتين المترتِّب عليه البطلان لامتناع التدارك بأصالة العدم ، فيأتي بالركوع المنسي وبعده بالسجدتين ويتم صلاته ولا شي‌ء عليه ، من غير فرق بين سبق الشك وعدمه كما عرفت.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ١.

٢٥٢

[٢١٧٦] المسألة الثالثة والأربعون : إذا شكّ بين الثلاث والأربع مثلاً (*) وعلم أنّه على فرض الثلاث ترك ركناً أو ما يوجب القضاء أو ما يوجب سجود السهو لا إشكال في البناء على الأربع وعدم وجوب شي‌ء عليه ، وهو واضح (١) ، وكذا إذا علم أنّه على فرض الأربع ترك ما يوجب القضاء أو ما يوجب سجود السهو ، لعدم إحراز ذلك بمجرّد التعبّد بالبناء على الأربع ، وأمّا إذا علم أنّه على فرض الأربع ترك ركناً أو غيره ممّا يوجب بطلان الصلاة فالأقوى بطلان صلاته ، لا لاستلزام البناء على الأربع ذلك ، لأنّه لا يثبت ذلك ، بل للعلم الإجمالي بنقصان الركعة أو ترك الركن مثلاً فلا يمكن البناء على الأربع حينئذ.

______________________________________________________

(١) إذ بعد البناء على كون ما بيده الركعة الرابعة فالنقص المفروض على تقدير الثلاث لا أثر له بعد كونه محكوماً بعدم الاعتناء بهذا التقدير بمقتضى البناء المزبور.

وأمّا لو انعكس الفرض فأيقن بالنقص على تقدير الأربع ، فإن كان ممّا يوجب القضاء أو سجود السهو فكذلك ، للشك في تحقّق السبب. ومجرّد التعبّد بالبناء على الأربع لا يقتضي إحرازه.

وإن كان ممّا يوجب البطلان لكون الناقص ركناً بطلت الصلاة ، لا لكونه لازم البناء المزبور ، فإنّه لا يثبت النقص ، بل لأجل العلم الإجمالي بنقص الركعة

__________________

(*) ظهر ممّا تقدّم أنّ جريان قاعدة البناء على الأكثر يتوقّف على أمرين : احتمال صحّة الصلاة في نفسها واحتمال جبر النقص المحتمل بصلاة الاحتياط ، وعليه فاذا علم الشاك بترك ركن على تقدير الثلاث أو بتركه على تقدير الأربع بطلت صلاته ولا تجري القاعدة في شي‌ءٍ من الفرضين.

٢٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أو بترك الركن ، ومثله لا يكون مشمولاً لدليل البناء على الأربع.

وأورد عليه شيخنا الأُستاذ (قدس سره) في تعليقته (١) الأنيقة بأنّه لا أثر لهذا العلم الإجمالي ، حيث إنّ تنجيزه منوط بتعارض الأُصول ، ولا تعارض بعد كون نقصان الركعة مورداً لقاعدة الاشتغال القاضية بلزوم الإتيان بالركعة المفصولة الموجب لتدارك النقص الواقعي ، وترك الركن مورداً لقاعدة التجاوز فينحلّ العلم الإجمالي بالأصل المثبت للتكليف والنافي له.

أقول : الظاهر أنّه لا بدّ من البطلان في كلا الفرضين فيما إذا كان المتروك ركناً ، ولا بأس به في غير الركن ممّا يوجب القضاء أو سجود السهو.

أمّا الثاني فظاهر ، فإنّ الصلاة محكومة بالصحّة حتّى لو كان الترك معلوماً تفصيلاً ، من غير فرق بين كونه في الثالثة أو الرابعة ، لعدم قصور في أدلّة البناء على الأكثر عن الشمول لذلك ، غاية الأمر احتمال وجوب القضاء أو سجود السهو وأنّه على تقدير كون الركعة ثالثة أو كونها رابعة يعلم بوجوب ذلك.

إلّا أنّ التقدير غير محرز حسب الفرض ، فهو بالأخرة شاك في تحقّق النقص فلا يجب عليه شي‌ء بمقتضى قاعدة التجاوز. ومن المعلوم أنّ دليل البناء على الأربع لا يثبت النقصان ، لعدم كونه متعرّضاً لإثبات اللوازم ، وإنّما هو ناظر إلى مجرّد البناء عليه في مقام العمل ، فلا تترتّب عليه آثار الأربع الواقعية. فهذه الصورة لعلّها واضحة.

وأمّا الأوّل أعني البطلان في الركن فلعدم إمكان التمسّك بأدلّة البناء على الأكثر في مثل المقام ، والوجه فيه ما ذكرناه سابقاً (٢) من أنّ شمول هذه الأدلّة يتوقّف على أمرين ، ومنوط بتحقّق ركنين :

__________________

(١) العروة الوثقى ٣ : ٣٨٠ وتبعه جمع من أعلام المحشّين.

(٢) شرح العروة ١٨ : ١٦٩.

٢٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

أحدهما : احتمال صحّة الصلاة في حدّ نفسها مع قطع النظر عن صلاة الاحتياط ، وأنّها على تقدير التمامية فهي صحيحة والتسليم واقع في محلّه.

ثانيهما : احتمال كون الركعة جابرة على تقدير النقص ، المتوقّف على أن تكون الصلاة صحيحة من غير ناحية النقص ليكون نقصها المحتمل منجبراً بركعة الاحتياط ، فمع العلم بعدم الجبر على تقدير النقص لا يكون مشمولاً لتلك الأدلّة ، لصراحة قوله (عليه السلام) : «أ لا أُعلِّمك ...» إلخ (١) في لزوم حفظ الركعات عن احتمال الزيادة والنقصان.

وعلى الجملة : فهذان الأمران مقوّمان لدليل البناء لكي تكون الركعة مردّدة بين كونها نافلة على تقدير ، وجابرة على التقدير الآخر حتّى يحصل معه القطع بفراغ الذمّة على كلّ من تقديري النقص وعدمه على ما هو صريح قوله (عليه السلام) : «أ لا أُعلِّمك شيئاً إذا فعلته ثمّ ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي‌ء».

فمع انتفاء أحد الأمرين لا يشمله الدليل وإن تحقّق الأمر الآخر. والمقام من هذا القبيل ، لانتفاء أحد الركنين في كلّ من الفرضين.

فالفرض الأوّل أعني ما لو علم بترك الركن على تقدير الثلاث فاقد للركن الثاني ، لعدم كون صلاة الاحتياط جابرة للنقص حينئذ جزماً ، فإنّ الصلاة إن كانت تامّة فلا حاجة إلى الركعة المفصولة ، وإن كانت ناقصة فهي باطلة حسب الفرض ، ولا يمكن جبر الصلاة الفاسدة بصلاة الاحتياط بالضرورة.

فيعلم أنّ هذه الركعة غير جابرة إمّا لعدم الحاجة إليها أو لبطلان الصلاة فوجودها كالعدم ، ومعه لا يكون الفرض مشمولاً لدليل البناء قطعاً ، فكيف

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٣.

٢٥٥

[٢١٧٧] المسألة الرابعة والأربعون : إذا تذكّر بعد القيام أنّه ترك سجدة من الركعة التي قام عنها (١) فان أتى بالجلوس بين السجدتين ثمّ نسي السجدة الثانية يجوز له الانحناء إلى السجود من غير جلوس ، وإن لم يجلس أصلاً وجب عليه الجلوس ثمّ السجود ، وإن جلس بقصد الاستراحة والجلوس بعد السجدتين ففي كفايته عن الجلوس بينهما وعدمها وجهان ، الأوجه الأوّل ولا يضر نيّة الخلاف ، لكن الأحوط الثاني فيجلس ثمّ يسجد.

______________________________________________________

يدّعي الماتن (قدس سره) نفي الإشكال في البناء على الأربع حينئذ سيما مع دعوى الوضوح ، حيث يقول (قدس سره) : وهو واضح. بل إنّ خلافه واضح حسبما عرفت.

والفرض الثاني أعني العلم بترك الركن على تقدير الأربع فاقد للركن الأوّل ، فإنّ الركعة حينئذ وإن كانت صالحة للجبر على تقدير النقص إلّا أنّه على تقدير التمامية كانت الصلاة باطلة في نفسها ، وقد عرفت أنّه لا بدّ من كون الصلاة محتملة الصحّة على هذا التقدير ليشملها قوله (عليه السلام) : لم يكن عليك شي‌ء إن زدت أم نقصت. الوارد في موثّقة عمار (١) ، وهنا عليه شي‌ء لو كانت تامّة لفرض بطلانها حينئذ.

وعلى الجملة : فهذان الركنان المعتبران في شمول هذه الروايات مفقودان هنا في كلا الفرضين ، لفقد كلّ منهما أحد الأمرين ، وعليه فلا مناص من الحكم بالبطلان ، لعدم إمكان تصحيح الصلاة بوجه.

(١) لا إشكال حينئذ في وجوب العود لتدارك السجود ، فان كان آتياً بالجلوس الواجب بين السجدتين ثمّ نسي السجدة الثانية فقام ، أهوى حينئذ

__________________

(١) تقدّم مصدرها آنفاً ، [نقل بالمضمون ، وقد قدّمنا أنّها ضعيفة سنداً].

٢٥٦

[٢١٧٨] المسألة الخامسة والأربعون : إذا علم بعد القيام أو الدخول في التشهّد نسيان إحدى السجدتين وشكّ في الأُخرى (١) فهل يجب عليه إتيانهما

______________________________________________________

إلى السجود رأساً من غير حاجة إلى الجلوس ، لعدم الموجب لفعله ثانياً بعد الإتيان به أوّلا.

كما أنّه لو لم يجلس أصلاً وجب عليه الجلوس قبل السجود ، لوجوبه بين السجدتين ولم يتحقّق ، ولا موجب لسقوطه ، فلا بدّ من الإتيان به كما هو واضح.

وأمّا لو كان قد جلس بعد الاولى باعتقاد أنّها الثانية فأتى به بعنوان جلسة الاستراحة فالظاهر كفايته عن الجلوس الواجب بين السجدتين كما أفاده في المتن ، فيهوي أيضاً من غير حاجة إلى الجلوس ثانياً ، لأنّ المأمور به ذات الجلوس بين السجدتين وطبيعيه من غير تعنونه بعنوان خاص ، وقد تحقّق خارجاً غايته أنّه تخيّل كونه بعد السجدتين فكان قصده للاستراحة من باب الخطأ في التطبيق ، ومثله لا يكون قادحاً ، فلا تضرّه نيّة الخلاف.

نظير ما لو سجد بعنوان الثانية فتبيّن أنّها السجدة الأُولى ، أو أتى بالركعة بقصد أنّها الرابعة فانكشف أنّها الثالثة وهكذا ، فانّ ذلك كلّه من باب الاشتباه في التطبيق ، وقد أتى بذات المأمور به متقرّباً إلى الله تعالى. والأجزاء الصلاتية لم يعتبر فيها شي‌ء سوى الإتيان بذواتها وأن يكون ذلك بعنوان الصلاة وقد تحقّق ، والعنوان الآخر الّذي قصده خطأ غير دخيل في الصحّة. فلا يكون قادحاً بعد حصول المأمور به على وجهه.

(١) فهل يكفي حينئذ الإتيان بسجدة واحدة المعلوم فواتها لأنّه بالنسبة إلى الأُخرى شكّ بعد تجاوز المحل فلا يعتني به ، أو أنّه يجب الإتيان بهما معاً ، لأنّه

٢٥٧

لأنّه إذا رجع إلى تدارك المعلوم يعود محل المشكوك أيضاً ، أو يجري بالنسبة إلى المشكوك حكم الشك بعد تجاوز المحل؟ وجهان أوجههما الأوّل (*) والأحوط إعادة الصلاة أيضاً.

[٢١٧٩] المسألة السادسة والأربعون : إذا شكّ بين الثلاث والأربع مثلاً وبعد السلام قبل الشروع في صلاة الاحتياط علم أنّها كانت أربعاً ثمّ عاد شكّه (١) فهل يجب عليه صلاة الاحتياط لعود الموجب وهو الشك

______________________________________________________

بالرجوع إلى تدارك المعلوم يعود محلّ الشك أيضاً؟ وجهان.

اختار (قدس سره) الثاني ، وهو الصحيح ، لكن لا لما ذكره (قدس سره) بداهة أنّ الشي‌ء لا ينقلب عمّا هو عليه ، ولا يتغيّر

عمّا وقع ، فكان شكّه حادثاً بعد الدخول في القيام ، وبالرجوع لا يتّصف بحدوثه قبل القيام كي يعود المحل بل هو بعد القيام رجع أم لم يرجع ، فلا ينقلب الحادث بعد القيام إلى ما قبل القيام.

بل لأجل أنّ الشك من الأوّل كان قبل التجاوز ، فانّ ذلك القيام أو التشهّد حيث لم يكن مأموراً به لوقوعه في غير محلّه فهو زائد جزماً ، ووجوده كالعدم لعدم كونه من أجزاء الصلاة في شي‌ء ، فلا يتحقّق به التجاوز من أصله ، لا أنّه ينقلب إلى ما قبل التجاوز ، فالشك في السجدة شك في المحل من أوّل الأمر سواء رجع أم لم يرجع. فلا بدّ من الإتيان بها أيضاً بعد عدم كونها مورداً لقاعدة التجاوز.

(١) فهل يجري عليه حينئذ حكم الشك بين الثلاث والأربع نظراً إلى أنّ هذا عين الشك السابق ، فقد عاد الموجب فيعود حكمه.

__________________

(*) لا لما ذكر ، بل لأنّ التشهّد أو القيام وقع في غير محلّه ، فالشك في إتيان السجدة الأُولى شك في محلّه فيجب عليه الإتيان بها أيضاً ، ولا حاجة معه إلى إعادة الصلاة.

٢٥٨

أو لا لسقوط التكليف عنه حين العلم ، والشك بعده شك بعد الفراغ؟ وجهان ، والأحوط الأوّل (*).

______________________________________________________

أو أنّه لا يجب عليه شي‌ء ، لكونه مورداً لقاعدة الفراغ ، حيث إنّ هذا غير الشك السابق جزماً ، فإنّه زال وانعدم باليقين بالتمام ، وهذا شك آخر حدث بعده قد فصل اليقين الوجداني بينهما ، الموجب لانعدام الأوّل ، إذ لا يعقل تخلّل العدم بين الشي‌ء ونفسه. فالشك الأوّل لا حكم له بعد زواله وانقطاعه فارتفع موضوع صلاة الاحتياط ، والشك الآخر شك حادث بعد الصلاة ، وهو مورد لقاعدة الفراغ.

أو أنّه يحكم ببطلان الصلاة لعدم جريان شي‌ء من القاعدتين فتجب الإعادة بمقتضى قاعدة الاشتغال؟ فيه وجوه.

والصحيح هو الوجه الأوّل ، فإنّ قاعدة الفراغ غير جارية في المقام لاختصاصها بمقتضى التعليل بالأذكرية والأقربية الوارد في نصوصها (١) بما إذا احتمل الالتفات حين العمل ، وأن يكون الفوات على تقديره مستنداً إلى الغفلة المدفوعة بالأصل.

وأمّا مع العلم بأنّه كان شاكّاً وقت العمل وأنّه أتمّ متردِّداً في الصحّة وعدمها كما في المقام ، حيث شكّ فبنى على الأربع ، فهو غير مشمول للقاعدة لعدم كونه آن ذاك أذكر ولا أقرب إلى الحق.

نعم ، الشك الفعلي شك حادث بعد الصلاة ، لتخلّل اليقين بالتمام بين الشكّين كما عرفت. إلّا أنّه ليس كلّ شك حادث بعد الصلاة مورداً لقاعدة الفراغ ، بل في خصوص ما إذا احتمل الإتيان بالعمل على وجهه في ظرفه معتقداً صحّته

__________________

(*) بل هو الأظهر ، لشمول الإطلاقات له مع عدم جريان قاعدة الفراغ في مثله.

(١) تقدّم ذكر المصدر في ص ٢٣٤.

٢٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا مع القطع بالتردّد واحتمال الصحّة لمجرّد المصادفة الواقعية كما فيما نحن فيه فلا ينبغي التأمّل في عدم كونه مورداً للقاعدة.

وعليه فلا مانع من الرجوع إلى الإطلاق في أدلّة البناء على الأربع ، المستلزم لوجوب الإتيان بركعة الاحتياط.

ودعوى عدم انعقاد الإطلاق لانصراف الدليل عن مثل هذا الشك المنقطع بعد الصلاة باليقين ، ولا دليل على الشمول بعد العود ، فانّ الموضوع هو الشك الحادث في الصلاة المستمر ، فلا يشمل العائد بعد الانقطاع والزوال ، فلا بدّ حينئذ من الإتيان بالركعة المتّصلة بمقتضى الاستصحاب وقاعدة الاشتغال وبذلك يقطع بالصحّة ، فإنّ الصلاة إن كانت تامّة كانت هذه لغواً ، وإلّا فوظيفته الإتمام بالركعة المتّصلة بعد فرض عدم شمول أدلّة البناء وقد فعل ، فيكون كمن أتمّ على النقص سهواً.

مدفوعة بعدم قصور في شمول الإطلاق للمقام ، إذ لم يتقيّد الشك بالاستمرار وعدم الانقطاع في شي‌ء من أدلّة البناء ، نعم خرج عن ذلك بالمخصّص العقلي ما إذا انقطع بعد الصلاة فزال الشك بالكلِّيّة ولم يعد ، فإنّه لا موضوع حينئذ لصلاة الاحتياط ، فانّ موضوعه ظنّ النقص واحتمال الحاجة بمقتضى قوله (عليه السلام) في موثّقة عمار : «فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت» (١) والمفروض العلم بالعدم والقطع بعدم الاحتياط ، فلا موضوع للتدارك.

وأمّا مع عود الشك ، فبما أنّ الموضوع وهو احتمال النقص محقّق ، والمفروض عدم تقيّده بالاستمرار في لسان الدليل ، فلا مانع من شمول الإطلاق له بلحاظ الشك العارض حال الصلاة.

وبعبارة اخرى : الشك الطارئ أثناء الصلاة له أفراد ثلاثة ، فقد يبقى مستمرّاً

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ١ ، ٤.

٢٦٠