موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

لكن هذا البيان إنّما يتّجه بناءً على اختصاص دليل سجدتي السهو بغير كثير الشك ، وأنّ ما دلّ على عدم الاعتناء بالشك لدى الكثرة شامل للصلاة وما يلحقها من سجود السهو ، إذ عليه لو شككنا في حصول صفة الكثرة ، والمفروض عدم إمكان التمسّك بأدلّتها لكون الشبهة مصداقية ، فلا محالة نشك في وجوب السجدتين فيدفع بأصل البراءة كما ذكر.

وأمّا بناءً على عدم الاختصاص وأنّ كثير الشك أيضاً يجب عليه سجود السهو كغيره ، نظراً إلى أنّ غاية ما يستفاد من أدلّته هو المضي في الصلاة وعدم الاعتناء بالشك المتعلّق بها نفسها ، وأمّا الموجب لعمل آخر مستقل واقع خارج الصلاة من غير ارتباط له بها وعدم دخل في صحّتها ، فتلك الأدلّة قاصرة عن التعرّض لذلك ، وغير ناظرة إلى نفيه وعدم الاعتناء به.

نعم ، لو كان الوارد فيها إلغاء الشك وأنّه لدى الكثرة بحكم العدم كان ذلك دليلاً على سقوط السجدتين لا محالة. لكنّ المذكور فيها هو المضي في الصلاة أو المضي في الشك على اختلاف ألسنتها ، وهو كما ترى لا يدلّ إلّا على عدم الاعتناء بالشكّ المتعلّق بنفس الصلاة بما لها من الأجزاء والركعات ، دون ما يلحقها من عمل آخر مستقل مثل سجدة السهو كما عرفت. فيبقى إطلاق دليل وجوبها للشاك بين الأربع والخمس الشامل لكثير الشك كغيره على حاله بعد سلامته عما يصلح للتقييد.

فعليه لا تبقى ثمرة للشكّ في حصول الكثرة وعدمها ، لثبوت وجوب السجدتين على التقديرين.

ولكن المشهور ظاهراً هو عدم الوجوب لدى الكثرة ، لإطلاق كلامهم ويستدلّ له بوجهين :

أحدهما : دعوى انصراف الدليل المتكفّل للسجود في الشك بين الأربع

٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

والخمس عن كثير الشك. فالمقتضي للوجوب قاصر في حدّ نفسه ، لاختصاصه بحكم الانصراف بالشكّ العادي المتعارف. هكذا احتمله المحقّق الهمداني (قدس سره) (١).

ولكنّه كما ترى لم يعرف قط وجه لهذا الانصراف ، فإنّه لو تمّ لعمّ وشمل سائر أدلّة الشكوك بمناط واحد ، وليس كذلك جزماً ، إذ لم يدّع فقيه فيما نعلم انصراف مثل دليل الشك بين الواحدة والثنتين أو الثلاث والأربع ونحوهما من سائر أدلّة الشكوك الباطلة أو الصحيحة عن كثير الشك ، بل ارتكبوا التقييد في إطلاق أدلّتها ، فاستثنوا عنها كثير الشك بمقتضى النصوص الواردة فيه ، فلم ينكروا الإطلاق رأساً ، بل قيّدوه جمعاً. وأين هذا من دعوى الانصراف وقصور المقتضي في حدّ نفسه. فهذه الدعوى ساقطة البتّة.

ثانيهما : ما ذكره هو (قدس سره) أيضاً من استفادته من التعليل الواقع في الأخبار ، حيث يفهم منها أنّ المقصود بالأمر بالمضيّ ترك الاعتناء بالشك وكون الاعتناء به إطاعة للشيطان وتعويداً للخبيث ، فنهينا عن تمكينه وتعويده من الأنفس بترتيب الأثر على الشك ، من غير فرق بين تعلّق الأثر بنفس الصلاة أم بما يلحقها كسجدتي السهو.

وهذا الوجه يتلو سابقه في الضعف ، فانّ مورد صحيحة زرارة وأبي بصير (٢) المشتملة على التعليل المزبور هو الشكّ المبطل ، والممنوع عنه هو تطميع الخبيث وتعويده من الأنفس في نقض الصلاة ، الّذي هو أمر مرغوب عنه إمّا محرّم أو لا أقل أنّه مرجوح. فلا دلالة لها على المنع عن مطلق التعويد ولو في محل آخر مستقل غير مرتبط بالصلاة. فهذا حكم خاص بالشكّ الكثير المتعلّق بنفس الصلاة.

__________________

(١) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٥٨٦ السطر ٨.

(٢) المتقدّمة في ص ٥.

٢٢

[٢١١٨] مسألة ٣ : إذا لم يلتفت إلى شكّه وظهر بعد ذلك خلاف ما بنى عليه وأنّ مع الشك في الفعل الّذي بنى على وقوعه لم يكن واقعاً أو أنّ ما بنى على عدم وقوعه كان واقعاً يعمل بمقتضى ما ظهر ، فان كان تاركاً لركن بطلت صلاته ، وإن كان تاركاً لغير ركن مع فوت محلّ تداركه وجب عليه القضاء فيما فيه القضاء وسجدتا السهو فيما فيه ذلك ، وإن بنى على عدم الزيادة فبان أنّه زاد يعمل بمقتضاه من البطلان أو غيره من سجود السهو (١).

______________________________________________________

ولذلك لم نتعدّ منها إلى الوضوء ، فلو كان كثير الشك في وضوئه بحيث لم تمرّ عليه وضوءات ثلاثة إلّا ويشكّ في واحد منها ، يعتني بشكّه الحادث في المحل وإن كان مستنداً إلى الشيطان ما لم يبلغ حدّ الوسواس ، عملاً بقاعدة الشك في المحل ، أمّا الحادث بعده ففي جريان قاعدة التجاوز كلام مذكور في محلّه (١).

وكيف ما كان ، فسجود السهو واجب مستقل سببه نفس الشك في الصلاة بين الأربع والخمس ، لا أنّه من متمّمات الصلاة ، ولا يكاد يستفاد من الأخبار سقوطه عن كثير الشك بوجه كما لا يخفى.

(١) إذا لم يعتن كثير الشك بشكّه بمقتضى وظيفته من البناء على الوقوع أو العدم حسب اختلاف الموارد ومضى ثمّ انكشف الخلاف ، فقد يكون المنكشف نقصان شي‌ء وأُخرى زيادته.

أمّا في النقص : فان كان محل التدارك باقياً رجع وتدارك ، من غير فرق بين الركن وغيره ، كما لو شكّ في الركوع فبنى على الوقوع فانكشف الخلاف قبل الدخول في السجدة الثانية ، أو في التشهّد فبان العدم قبل الدخول في الركوع.

__________________

(١) شرح العروة ٦ : ١١٧.

٢٣

[٢١١٩] مسألة ٤ : لا يجوز له الاعتناء بشكّه ، فلو شكّ في أنّه ركع أو لا ، لا يجوز له أن يركع (١) ، وإلّا بطلت الصلاة ، نعم في الشك في القراءة أو الذكر إذا اعتنى بشكّه وأتى بالمشكوك فيه بقصد القربة لا بأس به ما لم يكن إلى حدّ الوسواس.

______________________________________________________

وإن لم يكن باقياً ، فان كان الناقص ركناً بطلت صلاته ، وإلّا قضاه إن كان ممّا يقضى كالسجدة الواحدة ، وأتى بسجدتي السهو إن كان ممّا فيه ذلك كالتشهّد ، ولا شي‌ء عليه إن لم يكن منهما كالقراءة إلّا بناءً على وجوب سجدتي السهو لكلّ زيادة ونقيصة.

وأمّا في الزيادة : فإن كان الزائد ركناً بطلت صلاته ، وإلّا وجبت عليه سجدتا السهو إن قلنا بوجوبهما لكلّ زيادة ونقيصة ، وإلّا فلا شي‌ء عليه. ففي جميع هذه الفروض يعمل بمقتضى ما ظهر.

والوجه في ذلك كلّه أنّ أدلّة كثرة الشك غير ناظرة إلى الأحكام الواقعية ولا توجب تخصيصاً فيها ، بل هي تنظر إلى أدلّة الشكوك التي هي أحكام ظاهرية وتوجب تخصيصها بغير كثير الشك.

ومن المعلوم أنّ الحكم الظاهري مغيّا بعدم انكشاف الخلاف ، فمتى ظهر الحال وبان الخلاف فحيث إنّ الأحكام الواقعية الثابتة بالعناوين الأوّلية باقية على حالها فلا مناص من العمل بمقتضاها ، والجري على طبقها الّذي يختلف باختلاف الموارد حسبما فصّلناه.

(١) لظهور النصوص في وجوب المضي ، وأنّ ترك الاعتناء هي الوظيفة الظاهرية التعينية المقرّرة في ظرف الكثرة ، فلو اعتنى وأتى بالمشكوك فيه بطلت صلاته ، للزوم الزيادة العمدية بمقتضى الوظيفة الظاهرية.

٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

هذا فيما كانت الزيادة قادحة حتّى الصورية كما في الركوع والسجود ، وأمّا ما لا تقدح إلّا مع الإتيان بعنوان الجزئية كالقراءة والذكر فلا بأس بإتيانه بقصد القربة المطلقة ما لم يبلغ حدّ الوسواس المنهي عنه.

هذا هو المعروف والمشهور بين الأصحاب ، ولكن نسب إلى الشهيد في الذكرى أنّه احتمل التخيير بين المضي وبين الاعتناء بالشك (١) ، بل اختاره المحقّق الأردبيلي (قدس سره) (٢) ، ويستدلّ له بوجهين :

أحدهما : أنّ هذا هو مقتضى الجمع بين صدر صحيحة زرارة وأبي بصير المتقدّمة (٣) وذيلها ، فيحمل الأمر بالإعادة في الأوّل وبالمضي في الثاني بعد تعلّقهما بموضوع واحد وهو كثير الشك على التخيير ، هذا.

وقد أسلفنا البحث حول هذه الصحيحة مستقصى وقلنا : إنّ الكثرة والقلّة متضايفتان ، والمراد بها في السؤال الأوّل أوّل مرتبة سمّاها السائل كثير الشك مع عدم بلوغها مرتبة الكثرة بالمعنى المصطلح الّذي هو المراد بها في السؤال الثاني ، فلم يردا على موضوع واحد ليجمع بما ذكر.

مع أنّه بعيد في حدّ نفسه ، إذ كيف يحتمل التخيير مع اقترانه بالتعليل بعدم تطميع الخبيث وتعويده من النفس ، فإنّه إنّما يناسب الإلزام دون الجواز والتخيير. فنفس التعليل يشهد بأنّ الجملة الثانية ناظرة إلى موضوع آخر كما ذكرناه. فهذا الوجه ساقط جدّاً.

ثانيهما : أنّ النصوص وإن تضمّنت الأمر بالمضي ولكنّه غير ظاهر في

__________________

(١) الذكرى ٤ : ٥٦.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ٣ : ١٤٦.

(٣) في ص ٥.

٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الوجوب ، لوروده مورد توهّم الحظر ، حيث إنّ المضي على الشك ممنوع بمقتضى قاعدة الاشتغال ، مضافاً إلى أدلّة الشكوك. فغايته الدلالة على الجواز دون الوجوب.

وفيه أوّلاً : أنّ الأمر الواقع موقع توهّم الحظر وإن لم يكن ظاهراً في الوجوب في حدّ نفسه إلّا أنّ اقترانه بالتعليل بأنّه من الشيطان ، وبعدم تعويد الخبيث كما في صحيحتي محمّد بن مسلم وزرارة يأبى عن حمله على الرخصة ، إذ لا معنى للترخيص في إطاعة الشيطان. فلا مجال للتشكيك في ظهوره بمقتضى هذه القرينة في الوجوب.

وثانياً : سلّمنا عدم ظهور هذه الأخبار في الوجوب لكن مجرّد الشك كافٍ في عدم جواز الاعتناء بالشك ، إذ بأي مستند يسوغ له الإتيان بالمشكوك فيه بعد فرض تخصيص أدلّة الشكوك بغير كثير الشك وخروجه عن إطلاقات تلك الأدلّة ، المانع عن صحّة الاستناد إليها.

فلو شكّ في الركوع مثلاً وأتى بالمشكوك فيه يحتمل وجداناً تحقّق الزيادة وقتئذ ، ولا دافع لهذا الاحتمال إلّا أصالة عدم الزيادة ، والمفروض عدم جريانها في حقّ كثير الشك ، لتخصيص دليل الاستصحاب أيضاً كأدلّة الشكوك. فلا حاجة إلى إثبات أنّ المستفاد من النصوص هو الوجوب ، بل لو كان المستفاد جواز المضي كفى في عدم جواز الطرف الآخر ، فإنّه زيادة والزيادة مبطلة.

وكذلك لو شكّ في الأُوليين فإنّه يمضي بمقتضى هذه النصوص ، فلو فرضنا أنّه لم يمض ماذا يصنع؟ فانّ البناء على الأقل والإتيان بركعة أُخرى يحتاج إلى الدليل ، ومعه كان الشك في نفسه مبطلاً.

والحاصل : أنّ العبادة توقيفية يعتبر فيها عدم الزيادة ، ولا بدّ من إحراز

٢٦

[٢١٢٠] مسألة ٥ : إذا شكّ في أنّ كثرة شكّه مختص بالمورد المعيّن الفلاني أو مطلقاً اقتصر على ذلك المورد (١).

[٢١٢١] مسألة ٦ : لا يجب على كثير الشك وغيره ضبط الصلاة بالحصى أو السبحة أو الخاتم أو نحو ذلك ، وإن كان أحوط في من كثر شكّه (٢).

______________________________________________________

تعلّق الأمر بها بما لها من الأجزاء ، وعليه فجواز الإتيان بالمشكوك فيه موقوف على قيام الدليل ، وبدونه تشريع محرّم ، والمفروض فقدان الدليل في المقام.

فان قلت : كفى دليلاً ظهور الأمر الواقع عقيب الحظر في الجواز ، فانّ جواز ترك الاعتناء مساوق لجواز الاعتناء ، لقيام مفهوم الجواز بالطرفين.

قلت : لا يراد بالجواز المدّعى ظهور الأمر فيه الجوازُ المصطلح بمعنى الإباحة الشرعية التي هي من أحد الأحكام الخمسة ، بل المراد الجواز بالمعنى الأعم أعني مجرّد نفي البأس في المضي ، وهذا لا يدل على مشروعية ترك المضي والإتيان بالفعل كما لا يخفى ، فتدبّر جيّداً.

وعلى الجملة : فلا حاجة إلى إثبات ظهور الأمر في الوجوب ، مع أنّه لا إشكال في ظهوره فيه في المقام حسبما عرفت.

(١) أخذاً بالمقدار المتيقّن ، فيرجع في الزائد المشكوك فيه إلى استصحاب عدم الكثرة.

(٢) كما لا يجب عليه تخفيف الصلاة والاقتصار على أقلّ الواجب دفعاً للشك ، للأصل وإطلاق الأدلّة. وهذا هو المعروف المشهور ، بل من غير خلاف يعرف.

ولكن هناك عدّة روايات قد يقال أو قيل بظهورها في الوجوب ، مع أنّ

٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

شيئاً منها لا تدلّ عليه.

فمنها : معتبرة حبيب الخثعمي قال : «شكوت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) كثرة السهو في الصلاة ، فقال : أحص صلاتك بالحصى ، أو قال احفظها بالحصى» (١).

وهي كما ترى قاصرة الدلالة على الحكم الشرعي ، إذ غايتها الشكاية عن هذا المرض وطلب العلاج ، فعلّمه (عليه السلام) كيفية العلاج. فالأمر محمول على الإرشاد لا محالة.

ونظيرها صحيحة عمر بن يزيد قال : «شكوتُ إلى أبي عبد الله (عليه السلام) السهو في المغرب ، فقال : صلّها بـ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) و (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) ففعلت ذلك فذهب عنِّي» (٢).

بل إنّ ذيلها شاهد على المطلب ، لعدم وجوب السورتين بالضرورة. فهاتان الصحيحتان لا تدلّان لا على الوجوب ولا الاستحباب ، بل هما مسوقتان للعلاج إمّا لكثرة السهو كما في الأُولى ، أو لأصل السهو كما في الثانية.

ومنها : رواية حبيب بن المعلّى : «أنّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) فقال له : إنِّي رجل كثير السهو ، فما أحفظ صلاتي إلّا بخاتمي ، أُحوّله من مكان إلى مكان؟ فقال : لا بأس به» (٣).

وهي مضافاً إلى ضعف السند لا تدل إلّا على الجواز ، كمعتبرة عبد الله بن المغيرة(٤).

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٤٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٨ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٣٦ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٢ ح ١.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٤٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٨ ح ٢.

(٤) الوسائل ٨ : ٢٤٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٨ ح ٣.

٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ونحوهما صحيحة عمران الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال : «ينبغي تخفيف الصلاة من أجل السهو» (١).

بناءً على أنّ كلمة «ينبغي» التي لا تستعمل إلّا بصيغة المضارع بمعنى يتيسّر كما هو كذلك لغة (٢) ، وكذا في الكتاب العزيز قال تعالى (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها) (٣) إلخ ، أي لا يتيسّر لها ، وعليه فلا تدل في المقام إلّا على الجواز. نعم ، لو حملناها على المعنى المتعارف الدارج في العرف الحاضر فغايته الاستحباب.

ولم يبق في البين إلّا رواية واحدة قد يتوهّم ظهورها في الوجوب ، وهي موثّقة عبيد الله الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن السهو ، قلت : فإنّه يكثر عليّ ، فقال : أدرج صلاتك إدراجاً ، قلت : وأي شي‌ء الإدراج؟ قال : ثلاث تسبيحات في الركوع والسجود» (٤).

وفيه : أنّها في نفسها غير ظاهرة في الوجوب ، إذ لم يعلم أنّه سئل عن حكمه أو عن علاجه ، ولو سلّم فيرفع اليد عن ظهورها وتحمل على العلاج بقرينة الروايات المتقدّمة.

فتحصّل : أنّ الضبط أو التخفيف غير واجب وإن كان ذلك أحوط في من كثر شكّه كما في المتن ، خروجاً عما توهمه بعض النصوص المتقدّمة.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣٦ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٢ ح ٢.

(٢) المنجد : ٤٤ مادّة بغى.

(٣) يس ٣٦ : ٤٠.

(٤) الوسائل ٨ : ٢٣٦ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٢ ح ٣.

٢٩

الخامس : الشك البدوي الزائل بعد التروّي ، سواء تبدّل باليقين بأحد الطرفين أو بالظنّ المعتبر أو بشك آخر (١).

السادس : شك كلّ من الإمام والمأموم مع حفظ الآخر (*) فإنّه يرجع الشاك منهما إلى الحافظ ، لكن في خصوص الركعات لا في الأفعال (**) حتّى في عدد السجدتين ، ولا يشترط في البناء على حفظ الآخر حصول الظنّ للشاك ، فيرجع وإن كان باقياً على شكّه على الأقوى (٢).

______________________________________________________

(١) تقدّم في مبحث الشكوك (١) أنّ أحكامها من البطلان أو البناء مترتّبة على عنوان الشك ومنوطة بوجود الموضوع ، كما هو الشأن في كلّ قضيّة حقيقية من ظهورها في دوران الحكم مدار الموضوع حدوثاً وبقاءً ، فلا أثر لمجرّد الشك إلّا لدى استقراره وبقائه. فلو زال وتبدّل بخلافه من يقين أو ظنّ معتبر أو شك آخر لحقه حكم المبدل إليه ، وارتفع الحكم الأوّل بارتفاع موضوعه لا محالة.

وهذا من غير فرق بين البدوي وغيره ، لوحدة المناط. والتقييد بالأوّل في عبارة المتن لكونه الشائع الغالب من أفراد الزائل كما هو ظاهر.

(٢) هذا الحكم أعني رجوع كلّ من الإمام والمأموم إلى الآخر وعدم الاعتناء بالشك من المتسالم عليه في الجملة ، للنصوص الكثيرة كما ستعرف.

إنّما الكلام في أنّه هل يختصّ بالركعات فيما إذا علم بتوافقهما في الكيفية وإلّا فلا يجري فيها أيضاً كما ستعرف ، أو أنّه يعمّ الأفعال؟

__________________

(*) الشاك منهما يرجع إلى الظانّ ، والظانّ منهما لا يرجع إلى المتيقّن على الأظهر.

(**) الظاهر عدم الفرق بينها وبين الركعات.

(١) شرح العروة ١٨ : ٢٢٨.

٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

نسب الثاني في المدارك إلى المشهور (١) ، ولكنّ جماعة من المتأخّرين منهم صاحب الجواهر (قدس سره) (٢) قالوا إنّه لا دليل عليه ، لورود الروايات في الركعات ، فيرجع في الأفعال إلى مقتضى القواعد. فلا بدّ إذن من النظر إلى الروايات.

فمنها : صحيحة علي بن جعفر المرويّة بطريقين معتبرين ، قال : «سألته عن الرجل يصلّي خلف الإمام لا يدري كم صلّى ، فهل عليه سهو؟ قال : لا» (٣) وهي كما ترى خاصّة بالركعات.

ومنها : ما رواه الصدوق بإسناده عن إبراهيم بن هاشم في نوادره : «أنّه سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن إمام يصلّي بأربع أو بخمس فيسبّح اثنان على أنّهم صلّوا ثلاثاً ويسبّح ثلاثة على أنّهم صلّوا أربعاً ، يقول هؤلاء قوموا ويقول هؤلاء اقعدوا ، والإمام مائل مع أحدهما أو معتدل الوهم ، فما يجب عليهم؟ قال : ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتفاق (بإيقان) منهم ، وليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسهُ الإمام ، ولا سهو في سهو ، ولا في المغرب سهو ، ولا في الفجر سهو ، ولا في الركعتين الأوّلتين من كلّ صلاة سهو ، ولا سهو في نافلة» (٤).

ورواه الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن رجل ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) (٥).

__________________

(١) المدارك ٤ : ٢٦٩.

(٢) الجواهر ١٢ : ٤١١.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٣٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٤ ح ١.

(٤) الوسائل ٨ : ٢٤١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٤ ح ٨ ، الفقيه ١ : ٢٣١ / ١٠٢٨.

(٥) الكافي ٣ : ٣٥٨ / ٥.

٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

وهي أيضاً خاصّة بالركعات ، ولا سيما بقرينة بقية الفقرات ، فانّ السهو في الأفعال في المغرب والفجر جارٍ قطعاً.

ولكنّ الرواية في نفسها غير صالحة للاستدلال ، لقصور السند ، فإنّها مرسلة بطريق الكليني ، وكذا بطريق الصدوق ، لوضوح أنّ إبراهيم بن هاشم لم يدرك الصادق (عليه السلام) فبينهما واسطة لا محالة. ولا يبعد أن يكون السند هو السند.

وكيف ما كان ، فكلا الطريقين محكومان بالإرسال. فلا تنهض للاستدلال.

ومنها : ما رواه الشيخ (١) بإسناده عن ابن مسكان عن أبي الهذيل عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «في الرجل يتّكل على عدد صاحبته في الطواف أيجزيه عنها وعن الصبي؟ فقال : نعم ، ألا ترى أنّك تأتم بالإمام إذا صلّيت خلفه ، فهو مثله» (٢).

وهي أيضاً غير ظاهرة في التعميم لتدلّ على جواز الرجوع في الصلاة في غير الركعات ، لعدم كونها مسوقة لبيان حكم الصلاة ، وإنّما هي في مقام بيان أنّ الطواف مثل الصلاة. وأمّا أنّ المماثلة هل هي في مطلق الأحكام أو في خصوص الأعداد فليست بصدد البيان من هذه الجهة لو لم تكن ظاهرة في خصوص الثاني كما لا يخفى.

وعلى الجملة : فليس في شي‌ء من النصوص ما يصلح للاستدلال به على التعميم.

والعمدة إنّما هي صحيحة حفص بن البختري التي ادّعي أنّها مطلقة من حيث الركعات والأفعال ، وحاكمة على جميع أدلّة الشكوك ، عن أبي عبد الله

__________________

(١) [لعلّ الصحيح : الصدوق ، رواه في الفقيه ٢ : ٢٥٤ / ١٢٣٣].

(٢) الوسائل ٨ : ٢٤٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٤ ح ٩.

٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

(عليه السلام) «قال : ليس على الإمام سهو ، ولا على من خلف الإمام سهو ولا على السهو سهو ، ولا على الإعادة إعادة» (١).

دلّت على نفي السهو عن كلّ من الإمام والمأموم ، الشامل بإطلاقه لما إذا كان ذلك متعلّقاً بالركعات أم الأفعال كعدد السجدتين أو غيرهما من الأجزاء.

نعم ، لا مناص من تقييدها بما إذا كان الآخر حافظاً ، فلا تشمل ما لو اشتركا في السهو ، فإنّ الصحيحة في نفسها منصرفة عن هذه الصورة وغير شاملة لها في حدّ ذاتها بمقتضى الفهم العرفي ومناسبة الحكم والموضوع ، وإلّا كان الأحرى أن يقول هكذا : ولا سهو في الجماعة. فإنّه أخصر وأصرح.

وعلى تقدير الشمول فهي مقيّدة بما عداها بالقطع الخارجي والأدلّة الأُخرى الدالّة على عدم خروجهما عن أدلّة الشكوك لدى اشتراكهما في السهو.

كما لا مناص من تقييدها بما إذا كانا الإمام والمأموم متّحدين في الكيفية ومتطابقين في العمل ، بحيث يكون الشك من أحدهما ملازماً لشكّه في عمل الآخر لاتحاد السبب الموجب للشك ، فانّ هذا هو المسوّغ لرجوع الشاك منهما إلى الحافظ ، باعتبار أنّ حفظ أحدهما أمارة وطريق إلى إحراز عمل الآخر بعد وضوح أنّ المناط في الرجوع هو طريقية الحفظ من أحدهما وكاشفيّته ، وليس مبنياً على التعبّد المحض.

وأمّا مع احتمال الاختلاف في الكيفية كما لو احتمل المأموم الشاك أن يكون مسبوقاً بركعة ، أو احتمل غفلته عن متابعة الإمام في إحدى السجدتين مثلاً وأنّه بقي مستمرّاً في سجدته الاولى إلى أن دخل الإمام في الثانية ، بحيث اختلف منشأ الشك ولم يكن ملازماً للشك في عمل الآخر ، فلا إشكال حينئذ

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٤٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٤ ح ٣ ، وقد أورد ذيلها في ٢٤٣ / أبواب الخلل ب ٢٥ ح ١.

٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

في لزوم الاعتناء وعدم صحّة الرجوع إلى الآخر ، لعدم الطريقية والأمارية لحفظ الآخر حينئذ كما هو ظاهر.

وعلى الجملة : فبعد هذين التقييدين المستفادين من نفس الصحيحة بمقتضى الانصراف والفهم العرفي أو لا أقل من القطع الخارجي ، لا مانع من التمسّك بإطلاقها الشامل للركعات والأفعال.

إلّا أنّه قد يناقش في دلالة الصحيحة على الإطلاق من وجوه.

أحدها : امتناع الأخذ بإطلاقها الأحوالي والأفرادي ، الكاشف عن عدم ورودها إلّا في مقام إثبات الحكم في الجملة ، فلا يمكن التمسّك بها في المقام. وقد ظهر الجواب عن ذلك ممّا ذكرناه آنفا.

ثانيها : ما ذكره المحقّق الهمداني (قدس سره) من اضطراب الصحيحة وتشويشها ، حيث إنّه (قدس سره) بعد أن استجود تأمّل صاحب الجواهر (قدس سره) في شمول الأدلّة للسهو في الأفعال باعتبار أنّ عمدة الدليل هو الإجماع والأخبار ، ولم يتحقّق الإجماع بالنسبة إلى محلّ الكلام ، والأخبار لا تخلو من قصور ، قال (قدس سره) ما لفظه : أمّا رواية [ابن] البختري فهي في حدّ ذاتها متشابهة ، وغاية ما يمكن استفادته منها ببعض القرائن الداخلية والخارجية إنّما هو إرادة الشكّ في الركعات (١).

أقول : لا نرى أيّ تشابه وإجمال في هذه الفقرة من الصحيحة التي هي مورد الاستشهاد في محلّ الكلام ، فإنّها واضحة الدلالة بعد مراعاة التقييد بما عرفت المستفاد من نفسها ، أو لا أقل من الدليل الخارجي كما مرّ.

نعم ، دعوى التشابه وجيهة في سائر فقرأتها الأجنبية عن محلّ الكلام أعني

__________________

(١) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٥٧٩ السطر ٣١.

٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

قوله (عليه السلام) : «ولا على السهو سهو» وقوله (عليه السلام) : «ولا على الإعادة إعادة».

وقد تقدّم (١) نبذ من الكلام في الأوّل ، وأما الثاني فهو بظاهره غير مستقيم إذ لا نعرف وجهاً لعدم الإعادة في الصلاة المعادة فيما لو اشتملت على نفس السبب المستوجب لإعادة الصلاة الأُولى أو سبب آخر يقتضيها ، كما لو شكّ بين الواحدة والثنتين في كلّ من الأصلية والمعادة ، أو علم بزيادة الركوع مثلاً في كلّ منهما.

وكيف ما كان ، فالإجمال والتشابه في بقية الفقرات غير مانع من صحّة الاستدلال بالفقرة الأُولى منها التي هي محلّ الكلام بعد سلامتها في نفسها عن التشابه كما عرفت.

ثالثها : دعوى أنّ السهو في هذه النصوص التي هي بلسان واحد لا يُراد منه إلّا الشك في الركعات خاصّة. فهذه الكلمة في حدِّ نفسها منصرفة إليه ، فلا تعرض فيها لحكم الشك في الأفعال.

ويدفعها : أنّ لفظ السّهو الوارد في النصوص بأجمعها لم يستعمل إلّا في ذات الشك ، لا في خصوص الشك في الركعات.

نعم ، كثيراً ما يستعمل في هذا المورد مثل ما ورد من أنّه ليس في الركعتين الأُوليين اللّتين هما من فرض الله سهو (٢) ، وليس في المغرب سهو (٣) ، ولا في الفجر سهو (٤) ، ونحو ذلك من الموارد التي يعلم ولو بالقرينة الخارجية إرادة الشك في الركعات. إلّا أنّ ذلك مورد للاستعمال ، لا أنّه المستعمل فيه اللّفظ.

__________________

(١) في شرح العروة ١٨ : ٣٠١.

(٢) الوسائل ٨ : ١٨٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ١ ، ٤ وغيرهما.

(٣) ٤) الوسائل ٨ : ١٩٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢ ح ٣ ، ٤ ، ٦ ، ٨ وغيرها.

٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وكم فرق بين الأمرين.

وعلى الجملة : فذات الكلمة لم تستعمل إلّا في نفس الشك ، وهذا مشترك فيه بين جميع موارد الاستعمالات وإن اختلف بعضها عن بعض من حيث اختصاص المورد بالركعات لقيام الدليل عليه ، ومع فقده كما في المقام لا مانع من الأخذ بإطلاق اللّفظ المستعمل في طبيعي الشك ، الذي لا قصور في شموله لها وللأفعال.

والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّ هذه المناقشات حول إطلاق الصحيحة بالإضافة إلى الأفعال في غير محلّها ، فلا انصراف للفظ ولا تشابه في المتن ، ولا محذور في الأخذ بالإطلاق الأفرادي والأحوالي ، غايته مع مراعاة القيدين المذكورين المستفادين من نفس الصحيحة حسبما عرفت. فلا ينبغي التأمّل في إطلاق الصحيحة وإن تأمّل فيه صاحب الجواهر وتبعه مَن تبعه.

بل لولا إطلاق هذه الصحيحة لأشكل الحكم فيما سيجي‌ء من جواز رجوع الإمام إلى المأموم الواحد سيما إذا كان امرأة ، لقصور بقيّة النصوص عن إفادة ذلك لولا هذا الإطلاق كما ستعرف.

نعم ، مورد الإطلاق كما عرفت تطابق العملين واتحاد الصادر من كلّ من الإمام والمأموم وتساويهما من حيث النقص والزيادة ، بحيث إنّ كلا منهما يعلم لدى شكّه بين الثلاث والأربع مثلاً بأنّ ما في يده لو كانت الثالثة فكذا ما في يد الآخر ، ولو كانت الرابعة فكذلك. وهكذا في الشكّ في الأفعال ، فيكون في مثله حفظ أحدهما طريقاً إلى الآخر ، باعتبار أنّ الشارع كأنه يرى أنّ المجموع عمل واحد صادر من شخصين ، ولأجله ألغى الشك من أحدهما واكتفى بضبط الآخر.

أمّا مع احتمال الاختلاف فضلاً عن القطع به ما لم يكن مقدار السبق

٣٦

ولا فرق في المأموم بين كونه رجلاً أو امرأة ، عادلاً أو فاسقاً ، واحداً أو متعدّداً (١)

______________________________________________________

المقطوع معلوماً فلا رجوع حتّى في الشك في الركعات كالمأموم المسبوق فضلاً عن الأفعال كما لو احتمل تخلّفه عن الإمام في إحدى السجدتين غفلة وأنّه بقي في الأُولى مستمرّاً إلى أن دخل الإمام في الثانية ، لعدم الطريقية حينئذ.

ولازم ذلك اختصاص الرجوع وعدم الاعتناء بالشك بما إذا كان الشك عائداً إلى نفس الصلاة التي هي مورد الائتمام والمتابعة ، دون ما هو خارج عنها كالشك في الوضوء مثلاً أو في سائر الشرائط والموانع ، فانّ اللّازم الاعتناء بالشكّ حينئذ ، لخروج ذلك عن مورد التبعية ، وعدم كونه من شؤون الإمامة والمأمومية ، فلا يكون الحفظ من أحدهما في مثله طريقاً إلى إحراز عمل الآخر ، فلا يشمله الإطلاق كما هو ظاهر. وهذا كلّه مستفاد من نفس الصحيحة حسبما عرفت.

(١) كلّ ذلك للإطلاق في صحيحة حفص كما سبق (١) ، وإلّا فبقيّة النصوص قاصرة الشمول بالإضافة إلى رجوع الإمام إلى المأموم الواحد سيما إذا كان امرأة.

أمّا رواية أبي الهذيل (٢) فقد عرفت أنّها غير واردة في بيان حكم الصلاة حتّى ينعقد لها الإطلاق ، وإنّما النظر فيها مقصور على بيان حكم الطواف.

__________________

(١) في ص ٣٣.

(٢) المتقدّمة في ص ٣٢.

٣٧

والظانّ منهما أيضاً يرجع إلى المتيقّن ، والشاك لا يرجع إلى الظانّ إذا لم يحصل له الظن (١).

______________________________________________________

وأمّا صحيحة ابن جعفر (١) فغير ناظرة إلّا إلى رجوع المأموم إلى الإمام دون العكس ، نعم لا تختصّ بالرجل وإن وردت فيه ، للقطع بعدم الفرق بينه وبين المرأة ، وعدم تعلّق اللحاظ في السؤال بخصوصية الرجولية ، فيتعدّى عن موردها ولو لأجل قاعدة الاشتراك.

وأمّا مرسل يونس (٢) فمورده رجوع الإمام إلى المأمومين المتعدّدين ، فلا يشمل الواحد وإن كان رجلاً فضلاً عن المرأة ، نعم بالإضافة إلى رجوع المأموم إلى الإمام لا قصور في شموله للواحد والمتعدّد ، الرجل والمرأة ، لإطلاق قوله (عليه السلام) : «وليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسهُ الإمام».

وكيف ما كان ، فهو لمكان الإرسال غير صالح للاستدلال ، فلا تصل النوبة إلى البحث عن الدلالة.

فظهر أنّ عمدة المستند بل المستند الوحيد لإطلاق الحكم من جميع تلك الجهات إنّما هي صحيحة حفص ، حيث إنّ إطلاقها غير قاصر الشمول لكلّ ذلك ، فهو المتّبع حسبما بيّناه.

(١) لا إشكال كما لا خلاف في رجوع الشاك منهما إلى المتيقّن ، فانّ هذا هو القدر المتيقّن من النصوص المتقدّمة ، من غير فرق بين الإمام والمأموم.

إنّما الكلام في رجوع الظانّ منهما إلى المتيقّن ورجوع الشاك إلى الظانّ ، فقد وقع الخلاف في كلّ منهما.

__________________

(١) المتقدّمة في ص ٣١.

(٢) المتقدّمة في ص ٣١.

٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد جمع الشهيد الثاني في المسالك بين الأمرين فحكم بالرجوع في كلا الموردين (١) ، بل ربما ينسب إلى المشهور.

أقول : الجمع بين الأمرين متعسّر بل متعذّر ، فإنّه إن أُريد من السهو الوارد في صحيحة حفص «ليس على الإمام سهو ، ولا على من خلف الإمام سهو» وغيرها من النصوص خصوص الشك صحّ رجوع الشاك إلى الظان ، إلّا أنّه لا دليل حينئذ على رجوع الظانّ إلى المتيقّن.

وإن أُريد به الأعم منه ومن الظن فالأمر بالعكس ، فيصحّ رجوع الظان إلى المتيقّن ، لكنّه لا دليل حينئذ على رجوع الشاك إلى الظان ، فانّ كليهما من السهو بالمعنى الأعم الّذي هو خلاف اليقين.

وواضح أنّ الجمع بين المعنيين للسهو بأن يراد به خصوص الشك والأعم منه ومن الظن غير ممكن في استعمال واحد. فإمّا أن يراد به الأوّل فيشكل رجوع الظان إلى المتيقّن ، بل غايته رجوع الشاك إلى من عداه سواء أكان متيقّناً أم ظانّاً ، وإمّا أن يراد به الثاني فيشكل رجوع الشاك إلى الظان كما عرفت وإن صحّ رجوع الظان إلى المتيقّن.

فالحقّ هو التفصيل والالتزام برجوع الشاك إلى الظان ، دون الظان إلى المتيقّن ، على عكس التفصيل المذكور في المتن. فلنا دعويان :

أمّا الاولى : أعني رجوع الشاك إلى الظان فيكفينا إطلاق صحيحة حفص فانّ الخارج عنها إنّما هو صورة الاتحاد بين الإمام والمأموم ومشاركتهما في الشك ، فإنّ الصحيحة منصرفة عن ذلك في نفسها كما مرّ (٢) ، لظهورها في اختصاص الإمام بالسهو أو اختصاص المأموم به ، وإلّا لقال لا سهو في الجماعة.

__________________

(١) مسالك الأفهام ١ : ٢٩٨.

(٢) في ص ٣٣.

٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الّذي هو أخصر وأوضح كما سبق ، فلا تشمل ما إذا كان كلّ منهما شاكّاً.

وأمّا ما عدا ذلك ومنه شكّ أحدهما وظنّ الآخر فهو مشمول للإطلاق بعد فرض حجّية الظنّ الحاصل للآخر بمقتضى صحيحة صفوان (١) وغيرها وكونه بمثابة العلم في الكشف عن الواقع ، وصيرورته بذلك حافظاً ضابطاً كما هو معنى الحجّية والاعتبار التشريعي ، ولا معنى لنفي السهو عن الشاك منهما مع قيام الحجّة لدى الآخر وعدم كونه مثله في الشك إلّا صحّة الرجوع إليه والتعويل عليه كما لا يخفى.

وعلى الجملة : لا قصور في شمول الإطلاق لهذه الصورة. ونتيجته ما عرفت من جواز رجوع الشاك إلى الظان. فما عن جماعة من عدم الجواز ومنهم الماتن واحتاط فيه المحقّق الهمداني (٢) لا يمكن المساعدة عليه.

وأمّا الثانية : أعني عدم رجوع الظان إلى المتيقّن فلقصور الإطلاق عن الشمول لذلك ، إذ السهو لغة هو الغفلة والنسيان وعدم الالتفات (٣) ، فلا يشمل حتّى الشك فضلاً عن الظن ، لكنّه أُطلق كثيراً على الأوّل في لسان الأخبار بضرب من العناية باعتبار الجهل بالواقع.

وأمّا إطلاقه على الظن أو ما يشمله والشك أعني خلاف اليقين فغير معهود في شي‌ء من الاستعمالات ، بل لا مصحّح لهذا الإطلاق بوجه ، سيما بعد فرض اعتبار الظن وكونه بمثابة اليقين ، فانّ مثل هذا الظان لا يطلق عليه الساهي قطعاً ، فهو غير مشمول للإطلاق البتّة. وعليه فلا مسوّغ لتعويله على يقين صاحبه ، لعدم الدليل عليه ، بل يعمل هو بظنّه.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٥ ح ١.

(٢) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٥٧٨ السطر ٢٤.

(٣) المنجد : ٣٦٠ مادّة سها.

٤٠