موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[٢١٥٤] المسألة الحادية والعشرون : إذا علم أنّه إمّا ترك جزءاً مستحبّاً كالقنوت مثلاً أو جزءاً واجباً ، سواء كان ركناً أم غيره من الأجزاء التي لها قضاء كالسجدة والتشهّد ، أو من الأجزاء التي يجب سجود السهو لأجل نقصها ، صحّت صلاته ولا شي‌ء عليه (١) ، وكذا لو علم أنّه إمّا ترك الجهر أو الإخفات في موضعهما أو بعض الأفعال الواجبة المذكورة ، لعدم الأثر لترك الجهر والإخفات ، فيكون الشك بالنسبة إلى الطرف الآخر بحكم الشك البدوي.

______________________________________________________

ومن ثمّ اقتصر على موردها بعد ارتكاب التخصيص ، ولم يتعدّ عنها إلى الشك في التشهّد حال النهوض ، لخروجه عن مورد النص ، ولأجله أفرد هذه المسألة بالذكر وعنونها مستقلا ، للتنبيه على الفرق بينهما من هذه الجهة ، وقد عرفت أنّ الصحيحة موافقة لمقتضى القاعدة وليست مخصّصة لها عندنا ، وأنّ المسألتين من وادٍ واحد.

(١) نظراً إلى عدم تنجيز العلم الإجمالي فيما إذا كان أحد طرفيه حكماً غير إلزامي ، ولأجله كانت قاعدة التجاوز الجارية في الطرف الآخر سليمة عن المعارض.

ثمّ ذكر (قدس سره) بعد ذلك أنّه لو علم إمّا بترك الجهر أو الإخفات في موضعهما أو ترك واجب آخر ممّا ذكر صحّت صلاته أيضاً ، لعدم ترتّب الأثر على الترك في الأوّل ، فيكون الشك بالنسبة إلى الطرف الآخر بحكم الشك البدوي.

أقول : أمّا ما أفاده (قدس سره) أخيراً فالأمر فيه واضح لا سترة عليه بداهة أنّ العلم التفصيلي بترك الجهر أو الإخفات في موضعهما سهواً أو لعذر

٢٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

آخر لا أثر له فضلاً عن الإجمالي ، ولا بدّ في التنجيز من ترتّب الأثر على المعلوم بالإجمال على كلّ حال ، وعليه فقاعدة التجاوز في الطرف الآخر الّذي أثر نقصه البطلان أو القضاء أو سجود السهو سليمة عن المعارض ، وهذا ظاهر.

وأمّا ما أفاده (قدس سره) أوّلاً ففيه تفصيل ، إذ أنّ مجرّد كون الحكم في أحد الطرفين غير إلزامي لا يستوجب صحّة الرجوع في الطرف الآخر إلى القاعدة وسلامتها عن المعارضة.

بيان ذلك : أنّ المناط في تنجيز العلم الإجمالي كما مرّ مراراً جريان الأُصول وما بحكمها في كلّ من الطرفين أو الأطراف وسقوطها بالمعارضة ، بحيث لو لوحظ كلّ طرف بحياله ومنعزلاً عن الآخر لكان مورداً لإجراء الأصل ، وإنّما المانع المعارضة للزوم المخالفة العملية من الجمع ، والترجيح من غير مرجّح من التخصيص بالبعض.

والضابط في جريان الأصل ترتّب الأثر على المورد كي يصح التعبّد بلحاظه ولا يكون لغواً. فكل مورد تضمّن الخلل فيه أثراً من الإعادة أو القضاء ونحوهما كان مورداً للجريان بطبيعة الحال. وهذا كما ترى لا يفرّق فيه بين موارد الأحكام الإلزامية وغيرها ، لاشتراكهما في الاشتمال على الأثر المزبور ولو بنحو الموجبة الجزئية الّذي هو المناط في الجريان.

فلو شكّ بعد الفراغ عن النافلة المرتّبة في صحّتها وفسادها ، أو في الأثناء بعد تجاوز المحل في وجود الجزء جرت قاعدة الفراغ أو التجاوز لنفي أثر الخلل وهو الإعادة أو التدارك بلا إشكال ، فإنّ الحكم وإن كان مبنياً على الاستحباب فكان له تركه رأساً ، إلّا أنّه لو تصدّى للامتثال لا مناص له من الإعادة لدى الإخلال ، فتكون القاعدة مؤمّنة عن ذلك.

فلو عرض مثل هذا الشك بالنسبة إلى إحدى الصلاتين من النوافل المرتّبة

٢٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

كما لو فرغ عن صلاة اللّيل فعلم إجمالاً بنقصان الركن أو بفقدان الطهارة إمّا في صلاة الشفع أو في مفردة الوتر مثلاً ، أو بالنسبة إلى أحد جزأين من صلاة واحدة وقد تجاوز عن محلّهما ، فلا محالة تتحقّق المعارضة حينئذ بين قاعدة الفراغ أو التجاوز في كلّ من الطرفين ، إذ هي جارية في كلّ طرف بخصوصه وفي حدّ نفسه حسبما عرفت ، فيلزم من التخصيص بالبعض الترجيح من غير مرجّح ، ومن الجمع القطع بالمخالفة العملية.

فإنّ الحكم وإن لم يكن إلزامياً فكان له رفع اليد من أوّل الأمر كما مرّ ، وهو موصوف بالاستحباب حدوثاً وبقاءً ، إلّا أنّ التعبّد الشرعي بصحّتهما معاً استناداً إلى جريان القاعدتين في الطرفين مناقض للقطع بفساد واحدة منهما وإطلاق الدليل لكلّ منهما مضاد مع هذا العلم بالضرورة ، وهو معنى المخالفة العملية المستتبعة للمعارضة التي هي المناط في تنجيز العلم الإجمالي كما عرفت.

هذا فيما إذا كان الحكم استحبابياً في كلا الطرفين.

ومثله ما لو كان كذلك في أحدهما فقط دون الآخر ، كما لو فرغ من صلاة الفجر ونافلته فعلم إجمالاً بنقصان الركن في إحداهما ، فإنّ قاعدة الفراغ في كلّ منهما تعارض الأُخرى بعد اشتمال كلّ من الطرفين على الأثر وهي الإعادة لو كان فيه النقص والخلل.

وعلى الجملة : فليس المدار في تنجيز العلم الإجمالي على كون الحكم المعلوم بالإجمال إلزامياً على كلّ تقدير ، بل الاعتبار بترتّب الأثر على كلّ من الطرفين المستلزم للمخالفة العملية من جريان الأُصول أو القواعد والمؤدِّي إلى التعارض والتساقط ، سواء أكان الحكم إلزامياً في كلا الطرفين ، أم في أحدهما فقط ، أم لم يكن إلزامياً في شي‌ء منهما.

وهذا هو الميزان الكلِّي لتنجيز العلم الإجمالي في جميع موارده. فمع ترتّب

٢٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الأثر في كلا الطرفين يتحقّق التنجيز وإن لم يكن الحكم إلزامياً في شي‌ء منهما فضلاً عن أحدهما كما في الأمثلة المتقدِّمة ، ومع عدم ترتّبه إلّا في أحد الطرفين دون الآخر لم يكن منجّزاً وإن كان الحكم إلزامياً فيهما معاً ، لعدم لزوم المخالفة العملية ، كما لو علم بترك الجهر في موضعه أو ترك جزء يوجب نقصه القضاء مثلاً ، فانّ ترك الأوّل لا أثر له ، بخلاف الثاني فتجري فيه القاعدة سليمة عن المعارض.

ونحوه ما لو علم إجمالاً إمّا بترك السجدة أو بترك القراءة بناءً على عدم وجوب سجود السهو لكلّ زيادة ونقيصة كما هو الصحيح لاختصاص الأثر حينئذ وهو القضاء بالأوّل ، فتجري القاعدة فيه من غير معارض. فلا اعتبار بالإلزام في أمثال المقام.

نعم ، في موارد الشك في التكليف لو تردّد الأمر بين الحكم الإلزامي وغيره كما لو علم إجمالاً إمّا بوجوب شي‌ء أو باستحباب شي‌ء آخر لشبهة حكمية أو موضوعية كان المرجع حينئذ أصالة البراءة عن الوجوب السليمة عن المعارض ، لعدم جريان البراءة العقلية التي موضوعها احتمال العقاب في الحكم الاستحبابي بلا إشكال ، وكذا البراءة الشرعية على المختار كما بيّناه في الأُصول (١).

فلا بدّ في تنجيز العلم الإجمالي المتعلِّق بباب التكاليف من كون المعلوم بالإجمال حكماً إلزامياً على كلّ تقدير ، لكي تتحقّق المعارضة فيما يرجع إليه حينئذ من الأُصول النافية للتكليف كأصالة البراءة.

وأمّا المتعلِّق بالصحّة والفساد ممّا يكون مورداً لجريان قاعدة الفراغ أو التجاوز ونحوهما من الأُصول والقواعد المصحّحة غير الناظرة إلى جهة

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٢٧٠.

٢٠٤

[٢١٥٥] المسألة الثانية والعشرون : لا إشكال في بطلان الفريضة إذا علم إجمالاً أنّه إمّا زاد فيها ركناً أو نقص ركناً ، وأمّا في النافلة فلا تكون باطلة ، لأنّ زيادة الركن فيها مغتفرة (١) والنقصان مشكوك ، نعم لو علم أنّه

______________________________________________________

التكليف والعقاب ، فلا يفرق الحال فيه بين تعلّقه بالحكم الإلزامي وعدمه ، بل العبرة في التنجيز بترتّب الأثر على كلّ تقدير.

ومنه تعرف أنّه لو علم إجمالاً بترك الاستعاذة أو القراءة لم يكن منجّزاً ، إذ لا أثر لترك الأوّل ، فيرجع إلى قاعدة التجاوز في الثاني لنفي سجود السهو إن قلنا بوجوبه لكلّ زيادة ونقيصة ، وإلّا فلا أثر لشي‌ء من الطرفين حتّى لو كانا معلومي الترك تفصيلاً.

وأمّا القنوت الّذي مثّل به في المتن فهو كذلك إن لم نقل بترتّب أثر على تركه ، وأمّا إذا قلنا بثبوت الأثر وهو القضاء إمّا بعد الركوع أو بعد الصلاة كما قيل به وورد به النص أيضاً (١) ، فالعلم الإجمالي المتعلِّق بتركه أو ترك واجب آخر يوجب نقصه البطلان أو القضاء أو سجود السهو منجّز لا محالة ، لترتّب الأثر حينئذ على التقديرين الموجب لسقوط القاعدة من الطرفين.

والمتلخّص من جميع ما ذكرناه : أنّ الكبرى الكلِّيّة المذكورة في المتن من عدم تنجيز العلم الإجمالي المتعلِّق بترك جزء استحبابي أو وجوبي ممّا لا أساس لها ، مضافاً إلى ما عرفت من المناقشة في صغرى هذه الكبرى ، أعني التمثيل بالقنوت بناءً على ثبوت الأثر لتركه وهو استحباب القضاء.

(١) فرّق (قدس سره) في العلم الإجمالي المتعلِّق بزيادة الركن أو نقيصته بين الفريضة والنافلة ، فإنّه منجّز في الأوّل ، للعلم التفصيلي بتحقّق ما يوجب

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٢٨٦ / أبواب القنوت ب ١٦.

٢٠٥

إمّا نقص فيها ركوعاً أو سجدتين بطلت ، ولو علم إجمالاً أنّه إمّا نقص فيها ركوعاً مثلاً أو سجدة واحدة ، أو ركوعاً أو تشهّداً أو نحو ذلك ممّا ليس بركن لم يحكم بإعادتها ، لأنّ نقصان ما عدا الركن فيها لا أثر له من بطلان أو قضاء أو سجود سهو ، فيكون احتمال نقص الركن كالشك البدوي.

______________________________________________________

البطلان ، بخلاف الثاني إذ لا أثر في طرف الزيادة بعد كونها مغتفرة في النافلة فيرجع من ناحية النقيصة إلى قاعدة التجاوز من غير معارض.

وتفصيل الكلام في المقام : أنّ العلم الإجمالي المزبور قد يفرض مع بقاء المحل الشكّي ، وأُخرى مع بقاء المحل الذكري ، وثالثة مع زوالهما وعدم إمكان التدارك بوجه.

أمّا في الصورة الأُولى : كما لو علم إجمالاً حال الجلوس وقبل أن يتشهّد أنّه إمّا لم يأت بالسجدتين من هذه الركعة ، أو أنّه زاد ركوعاً ، فلا ريب في عدم بطلان الصلاة ، بل يلزمه الإتيان بالسجدتين بمقتضى قاعدة الشك في المحل والرجوع في احتمال زيادة الركوع إلى أصالة عدم الزيادة ، لأنّ مرجع العلم الإجمالي إلى الشك في كلّ من الطرفين اللّذين هما مورد للأصلين ، فينحل العلم الإجمالي بالأصل المثبت والنافي ، وهذا من غير فرق فيه بين الفريضة والنافلة كما هو ظاهر. فلا يتفاوت الحال بينهما في هذه الصورة.

وأمّا في الصورة الثانية : كما لو حصل العلم المزبور بعد الدخول في التشهّد أو بعد القيام إلى الثالثة.

ففي الفريضة لا يمكن الرجوع إلى قاعدة التجاوز بالنسبة إلى السجدتين المحتمل نسيانهما ، لا وحدها ولا بضميمة الرجوع إلى أصالة عدم زيادة الركوع.

٢٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا الثاني فللزوم المخالفة العملية للمعلوم بالإجمال.

وأمّا الأوّل فلأنّ الأثر المرغوب من إعمال القاعدة نفي العود والتدارك ، وهو متفرّع على إحراز صحّة الصلاة ، ولا سبيل إلى الإحراز من دون الاستناد إلى أصالة عدم الزيادة في الركوع ، والمفروض امتناع الجمع بينهما كما عرفت. فالقاعدة غير جارية هنا في نفسها ، لاندراجها تحت كبرى ما تقدّم (١) من أنّ جريان الأصل في أحد طرفي العلم الإجمالي لو كان منوطاً بجريانه في الطرف الآخر تعيّن الثاني لاختصاصه بالترجيح.

وعليه فالمرجع في السجدتين بعد سقوط القاعدة أصالة عدم الإتيان ونتيجتها لزوم العود لتداركهما بعد إحراز الصحّة بأصالة عدم زيادة الركوع. ولا تعارض بين الأصلين كما هو ظاهر ، وبهما ينحل العلم الإجمالي بعد كون أحدهما مثبتاً للتكليف والآخر نافياً. هذا كلّه في الفريضة.

وأمّا في النافلة : كما لو علم وهو في التشهّد أنّه إمّا نقص سجدتين ممّا بيده أو زاد ركوعاً في الركعة السابقة ، أو علم إجمالاً وهو في السجود أنّه إمّا ترك الركوع أو زاد في تكبيرة الإحرام بناءً على كونها ركناً وأنّ زيادتها السهوية قادحة ، أو أنّه إمّا ترك الركوع أو زاد سجدتين في الركعة السابقة وهكذا من الأمثلة ، فقاعدة التجاوز بالنسبة إلى نقص الركن المحتمل جارية من غير معارض ، إذ لا أثر للطرف الآخر أعني زيادة الركن ، لكونها مغتفرة في النافلة حتّى ولو كانت معلومة تفصيلاً ، فضلاً عن كونها متعلّقاً للعلم الإجمالي. فيمضي من غير حاجة إلى التدارك.

وبهذا تفترق النافلة عن الفريضة في هذه الصورة ، فإنّهما تشتركان في عدم

__________________

(١) في ص ١٦٩.

٢٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

البطلان ، وتفترقان في لزوم العود لتدارك النقص المحتمل في الثاني دون الأوّل لاختصاصه بجريان قاعدة التجاوز التي لم تكن جارية في الفريضة في حدّ نفسها كما عرفت.

ومنه يظهر الحال في الصورة الثالثة ، أعني ما لو حصل العلم بعد عدم إمكان التدارك لفوات المحل رأساً ، كما لو كان ذلك بعد الفراغ من الصلاة ، فإنّه في الفريضة موجب للبطلان لا محالة للعلم بتحقّق موجبه من زيادة الركن أو نقيصته ، بخلاف النافلة إذ لا أثر من ناحية الزيادة بعد كونها مغتفرة ، فيرجع من ناحية النقص إلى قاعدة الفراغ أو التجاوز من غير معارض.

فالفرق بين الفريضة والنافلة يظهر في الصورتين الأخيرتين ، وأساس الفرق اغتفار زيادة الركن في النافلة الموجب لعدم ترتّب الأثر على المعلوم بالإجمال على كلّ تقدير. فلا تتعارض الأُصول في الأطراف ، الّذي هو مناط التنجيز.

هذا كلّه فيما لو علم بالنقص أو الزيادة.

ومنه يظهر الحال فيما لو علم إجمالاً بنقصان أحد ركنين ، فإنّه تجري فيه أيضاً الشقوق الثلاثة المتقدّمة.

فإن كان ذلك بعد فوات محل التدارك حكم بالبطلان ، للعلم التفصيلي بتحقّق الموجب ، من غير فرق بين الفريضة والنافلة ، لاشتراكهما في البطلان بنقصان الركن.

وإن كان مع بقاء المحل الشكّي كما لو علم إجمالاً بترك السجدتين إمّا من هذه الركعة أو من الركعة السابقة ولم يدخل بعد في شي‌ء لزمه التدارك بالنسبة إلى ما يكون محلّه باقياً ، بمقتضى قاعدة الشك في المحل ، فيرجع بالإضافة إلى الطرف الآخر إلى قاعدة التجاوز السليمة عن المعارض ، من غير فرق أيضاً بين الفريضة والنافلة.

٢٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وإن كان مع بقاء المحل السهوي كما لو كان ذلك بعد الدخول في التشهّد في المثال المزبور ، فقاعدة التجاوز بالنسبة إلى ما يمكن التدارك أعني السجدتين من هذه الركعة غير جارية في نفسها ولو مع قطع النظر عن المعارضة ، لعدم ترتّب الأثر عليها ، إذ الأثر المرغوب منها نفي العود والتدارك ، المتفرِّع على إحراز صحّة الصلاة من غير هذه الجهة ، ولا سبيل إلى الإحراز إلّا بعد جريان القاعدة في الطرف الآخر الّذي أثر نقصه البطلان لكي تحرز بها الصحّة ، وإلّا فهي بدونها مشكوكة ، بل مقتضى أصالة عدم الإتيان هو البطلان ، ولا معنى للتدارك أو عدمه في صلاة باطلة. ومن المعلوم أنّ الجمع بين القاعدتين مستلزم للمخالفة العملية.

فالقاعدة في هذا الطرف غير جارية لا منفردة ولا منضمّة ، فتكون في ذاك الطرف سليمة عن المعارض ، لاندارجها في كبرى ما مرّ من أنّ جريان الأصل أو القاعدة في أحد طرفي العلم الإجمالي الّذي أثر نقصه شي‌ء آخر غير البطلان لو كان موقوفاً على جريانه في الطرف الآخر الّذي أثر نقصه البطلان اختصّ الثاني بالجريان ، لاشتماله على الترجيح دون العكس. فبعد إجراء القاعدة في ذاك الطرف وإحراز الصحّة بها يرجع في هذا الطرف إلى أصالة عدم الإتيان ولازمه العود والتدارك.

وهذا من غير فرق فيه أيضاً بين الفريضة والنافلة. فهما يشتركان في الحكم في هذا القسم بشقوقه الثلاثة.

وملخّص الكلام : أنّ الميزان الكلِّي لتنجيز العلم الإجمالي ترتّب الأثر على كلّ من الطرفين لتلزم المعارضة من جريان الأصلين أو القاعدتين ، وأمّا لو اختصّ بأحدهما بأن لم يكن الطرف الآخر مورداً للأثر رأساً كزيادة الركن في النافلة ، أو كان الأثر فيه متوقّفاً على الجريان في هذا الطرف فلا معارضة ولا تنجيز في مثل ذلك ، بل يرجع إلى الأصل فيما له الأثر.

٢٠٩

[٢١٥٦] المسألة الثالثة والعشرون : إذا تذكّر وهو في السجدة أو بعدها من الركعة الثانية مثلاً أنّه ترك سجدة من الركعة الأُولى وترك أيضاً ركوع هذه الركعة جعل السجدة التي أتى بها للركعة الأُولى وقام وقرأ وقنت وأتمّ صلاته ، وكذا لو علم أنّه ترك سجدتين من الاولى وهو في السجدة الثانية من الثانية فيجعلها للأُولى ويقوم إلى الركعة الثانية. وإن تذكّر بين السجدتين سجد اخرى بقصد الركعة الأُولى ويتم ، وهكذا بالنسبة إلى سائر الركعات إذا تذكّر بعد الدخول في السجدة من الركعة التالية أنّه ترك السجدة من السابقة وركوع هذه الركعة ، ولكن الأحوط في جميع هذه الصور إعادة الصلاة بعد الإتمام (١).

______________________________________________________

ومنه تعرف أنّه لو علم إجمالاً إمّا بنقص الركن في النافلة أو نقص جزء آخر غير ركني من سجدة أو تشهّد ونحوهما لم يكن منجّزاً ، إذ لا أثر لنقصان ما عدا الأركان في النافلة من البطلان أو القضاء أو سجود السهو ، فيبقى احتمال نقص الركن مورداً لقاعدة الفراغ أو التجاوز من غير معارض.

(١) إذا نسي سجدة أو سجدتين من الركعة الأُولى فقام إلى الثانية ثمّ غفل عن الركوع أيضاً فسجد بعنوان الركعة الثانية ثمّ تذكّر جعل ما بيده سجدة الركعة الأُولى ، لكونه بعد فيها حقيقة وإن تخيّل الدخول في الثانية ، إذ كان مأموراً بهدم القيام لو التفت لتدارك السجدة ، سواء نسي الركوع أم كان ملتفتاً إليه ومن باب الاتِّفاق غفل عنه وسجد فتحقّق الهدم خارجاً ، فهذا السجود يقع مصداقاً لسجدة الركعة الأُولى قهراً وبطبيعة الحال ، لعدم خروجه عنها واقعاً ما لم يكن داخلاً في ركوع الثانية ، فيقوم بعدئذ إلى الركعة الثانية ويتم الصلاة.

٢١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذا من غير فرق بين ما إذا كان التذكّر في السجدة الأُولى أو ما بين السجدتين أو بعدهما ، غاية الأمر أنّه لو كان بعدهما أو في السجدة الثانية وكان المنسي سجدة واحدة لزمه حينئذ سجود السهو لزيادة سجدة واحدة سهواً إن قلنا بوجوبه لكلّ زيادة ونقيصة ، وكذا الحال فيما أتى به من الأجزاء الزائدة من القيام أو القراءة أو القنوت ونحوها.

وهكذا الحكم بالنسبة إلى سائر الركعات فيما إذا تذكّر بعد الدخول في السجدة من الركعة التالية أنّه ترك السجدة من السابقة وركوع هذه الركعة هذا.

وقد يقال بالبطلان فيما إذا كان ذلك على سبيل التقييد بأن قصد السجدة المقيّدة بكونها من الركعة الثانية مثلاً ، فانّ ما قصده غير مأمور به ، وما هو المأمور به وهي السجدة من الركعة الأُولى غير مقصود.

وفيه : ما مرّ غير مرّة من أنّه لا أثر للتقييد في أمثال المقام ممّا كانت الخصوصية خارجة عن حريم المأمور به ، فانّ مورد التقييد الموجب تخلّفه للبطلان ما إذا كان المأمور به مقيّداً في حدّ ذاته بعنوان خاص لا يتحقّق خارجاً إلّا بتعلّق القصد به كعنوان الظهر والعصر ، أو النفل والفرض ، أو الأداء والقضاء ونحو ذلك ، فحينئذ لو قصد عنواناً بخصوصه وكان الواقع على خلافه حكم بالبطلان ، بملاك أنّ الواقع غير مقصود وما قصده لا واقع له ولم يكن مأموراً به.

وأمّا إذا كانت الخصوصية المقصودة المقيّد بها المأمور به أجنبيّة عنه وغير دخيلة في صحّته فهذا التقييد ممّا لا أثر له ، ولا يكون تخلّفه قادحاً في الصحّة بوجه ، كما لو زعم أنّ هذا المكان مسجد فصلّى فيه مقيّداً بكونه مسجداً ثمّ بان الخلاف ، فإنّ الصلاة حينئذ محكومة بالصحّة بلا إشكال ، لوقوع المأمور به على

٢١١

[٢١٥٧] المسألة الرابعة والعشرون : إذا صلّى الظهر والعصر وعلم بعد السلام نقصان (*) إحدى الصلاتين ركعة ، فإن كان بعد الإتيان بالمنافي عمداً وسهواً أتى بصلاة واحدة بقصد ما في الذمّة ، وإن كان قبل ذلك قام فأضاف إلى الثانية ركعة ثمّ سجد للسهو عن السلام في غير المحلّ ثمّ أعاد الاولى ، بل الأحوط أن لا ينوي الاولى ، بل يصلِّي أربع ركعات بقصد ما في الذمّة ، لاحتمال كون الثانية على فرض كونها تامّة محسوبة ظهراً (١).

______________________________________________________

وجهه من غير أيّ خلل فيه ، وإن كان بحيث لو علم بعدم كونه مسجداً لم يصلّ فيه ، لما عرفت من خروج هذه الخصوصية عن حريم المأمور به.

والمقام من هذا القبيل ، فانّ اللّازم الإتيان بذوات الأجزاء ، لا مقيّدة بعنوان كونها من الركعة الأُولى أو الثانية مثلاً ليلزم قصده فيقدح تخلّفه ، ولذا لو قرأ وركع وسجد بعنوان كونها من الركعة الأُولى بتخيّل كونه فيها فبان أنّه في الثانية أو بالعكس صحّت صلاته بلا كلام.

وعليه فالسجدة المأتي بها في المقام محسوبة من الركعة الأُولى حقيقة وواقعاً وإن نواها مقيّدة بكونها من الثانية ، إلّا أن يكون ذلك على سبيل التشريع الّذي مورده العلم بالخلاف ، فيكون محرّماً من تلك الجهة ، وهو مطلب آخر أجنبي عمّا نحن فيه كما لا يخفى. فالمقام وأشباهه من باب الخطأ في التطبيق ، وليس من التقييد في شي‌ء.

(١) تقدّم الكلام حول هذه المسألة وما بعدها في المسألة الثامنة من هذه المسائل بنطاق أوسع وبيان مشبع فلاحظ إن شئت ، ولا حاجة إلى الإعادة.

__________________

(*) حكم هذه المسألة وما بعدها تقدّم في المسألة الثامنة.

٢١٢

[٢١٥٨] المسألة الخامسة والعشرون : إذا صلّى المغرب والعشاء ثمّ علم بعد السلام من العشاء أنّه نقص من إحدى الصلاتين ركعة فإن كان بعد الإتيان بالمنافي عمداً وسهواً وجب عليه إعادتهما ، وإن كان قبل ذلك قام فأضاف إلى العشاء ركعة ثمّ يسجد سجدتي السهو ثمّ يعيد المغرب.

[٢١٥٩] المسألة السادسة والعشرون : إذا صلّى الظهرين وقبل أن يسلّم للعصر علم إجمالاً أنّه إمّا ترك ركعة من الظهر والتي بيده رابعة العصر أو أنّ ظهره تامّة وهذه الركعة ثالثة العصر (١) ، فبالنسبة إلى الظهر شكّ بعد الفراغ ، ومقتضى القاعدة البناء على كونها تامّة ، وبالنسبة إلى العصر شكّ بين الثلاث والأربع ، ومقتضى البناء على الأكثر (*) الحكم بأنّ ما بيده

______________________________________________________

(١) فعلم بعدم إتيانه أكثر من سبع ركعات ، ولم يعرف كيفية التقسيم وأنّه هل كانت الظهر تامّة فالنقص في العصر ، أم أنّ الأمر بالعكس ، كما كان هو الحال في المسألة السابقة ، والفرق أنّ العلم هناك كان بعد التسليم وهنا قبله.

وقد ذكر الماتن (قدس سره) أنّ مقتضى قاعدة الفراغ البناء على وقوع الظهر تامّة ، وأمّا بالنسبة إلى العصر فبما أنّه شاك بين الثلاث والأربع فمقتضى قاعدة البناء على الأكثر الحكم بأنّ ما بيده الرابعة والإتيان بركعة الاحتياط بعد إتمامها.

__________________

(*) قاعدة البناء على الأكثر لا تشمل المقام ، للعلم بعدم صحّة إتمام الصلاة عصراً ، فإنّها إمّا ناقصة ركعة أو يجب العدول بها إلى الظهر ، ويعتبر في جريان القاعدة احتمال صحّة الصلاة في نفسها ، وعليه فتجري قاعدة الفراغ في الظهر وتجب إعادة العصر ، وأمّا احتمال ثبوت النقص في العصر بجريان قاعدة الفراغ في الظهر فهو ضعيف جدّاً حتّى على القول بكونها أمارة. وبما ذكرناه يظهر الحال فيما إذا علم النقص في العشاءين.

٢١٣

رابعتها والإتيان بصلاة الاحتياط بعد إتمامها ، إلّا أنّه لا يمكن إعمال القاعدتين معاً ، لأنّ الظهر إن كانت تامّة فلا يكون ما بيده رابعة ، وإن كان ما بيده رابعة فلا يكون الظهر تامّة ، فيجب إعادة الصلاتين لعدم الترجيح في إعمال إحدى القاعدتين ، نعم الأحوط الإتيان بركعة أُخرى للعصر ثمّ إعادة الصلاتين ، لاحتمال كون قاعدة الفراغ من باب الأمارات. وكذا الحال في العشاءين إذا علم أنّه إمّا صلّى المغرب ركعتين وما بيده رابعة العشاء أو صلّاها ثلاث ركعات وما بيده ثالثة العشاء.

______________________________________________________

ولكن حيث إنّه يعلم بعدم إتيانه أزيد من سبع ركعات فلأجله لا يمكن إعمال القاعدتين معاً ، للجزم بعدم مطابقة إحداهما للواقع ، فانّ الظهر إن كانت تامّة لم تكن العصر مورداً لقاعدة البناء ، للزوم الإتيان بالركعة حينئذ موصولة لا مفصولة ، وإن كانت العصر تامّة لم تكن الظهر مورداً لقاعدة الفراغ ، وحيث لا ترجيح لإحدى القاعدتين على الأُخرى فتسقطان. ونتيجة ذلك وجوب إعادة الصلاتين.

ثمّ ذكر (قدس سره) أخيراً أنّ الأحوط ضم ركعة أُخرى للعصر ثمّ إعادة الصلاتين ، نظراً إلى احتمال كون قاعدة الفراغ من باب الأمارات ، وبما أنّ مثبتاتها حجّة فلازم جريانها في الظهر ثبوت النقص في العصر.

أقول : ما أفاده (قدس سره) صدراً وذيلاً قابل للمناقشة.

أمّا ما أفاده (قدس سره) في الذيل ففيه أنّ مجرّد كون الشي‌ء أمارة لا يستدعي حجّية اللوازم ، لعدم نهوض أيّ دليل عليه ، بل هو تابع لمقدار دلالة الدليل سعة وضيقاً ، فقد يقتضيه وقد لا يقتضيه ، نعم ثبتت حجّية المثبتات في جملة من الأمارات ، لا أنّ كل أمارة كذلك.

٢١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ومن هنا ذكروا أنّ الظن في باب القبلة حجّة وأمارة كاشفة عن الواقع ، لقوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة : «يجزي التحري أبداً إذا لم يعلم أين وجه القبلة» (١) ومع ذلك لا يثبت به لازمه من استعلام دخول الوقت بزوال الشمس عن الناحية المظنون كونها قبلة ، بل لا بدّ من معرفة ذلك بطريق آخر من علم أو علمي.

ولو شكّ بعد الصلاة في الطهارة بنى على صحّتها بقاعدة الفراغ ، مع أنّ لازمها كونه متطهّراً فعلاً ، ولم يلتزم به أحد ، لا هو (قدس سره) ولا غيره حتّى من القائلين بكون القاعدة من الأمارات ، بل لا مناص من تحصيل الطهارة للصلوات الآتية.

والحاصل : أنّا وإن التزمنا بكون القاعدة من الأمارات ، إلّا أنّ الأمارية بمجرّدها لا تستوجب الحجّية في اللوازم العادية أو العقلية ، وإن اشتهر القول بذلك وجعلوه فارقاً بينها وبين الأُصول.

وإنّما يتم ذلك في طائفة خاصّة منها وهي ما كانت من مقولة الألفاظ ومن باب الحكايات كالأخبار والأقارير والبيِّنات ، حيث إنّ الإخبار عن الشي‌ء إخبار عن لازمه بطبيعة الحال وإن كان المخبر جاهلاً بالملازمة.

فلو اعترف بأنّه هو الّذي أوصل السلك الكهربائي بيد زيد المقتول أو أوجر المائع الفلاني أو القرص الكذائي في حلقه كان هذا إقراراً وإخباراً عن قتله قهراً ، وإن لم يعلم هو بالملازمة لجهله بتأثيره في القتل ، فيثبت به لازمه وهو كونه قاتلاً وإن كان خاطئاً.

والسر أنّ بناء العقلاء قائم على حجّية الأخبار والحكايات في المداليل الالتزامية ، كما كان قائماً على حجّيتها في المدلول المطابقي ، وبهذا تفترق

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٣٠٧ / أبواب القبلة ب ٦ ح ١.

٢١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الحكايات عن غيرها من سائر الأمارات ، لعدم قيام الدليل فيما عداها على الحجّية في غير ما تدلّ عليه بالمطابقة.

وأمّا ما أفاده (قدس سره) في الصدر فيندفع بما عرفت سابقاً (١) من أنّ ركعة الاحتياط على تقدير النقص جابرة واقعاً وجزء متمِّم للصلاة حقيقة والتسليم والتكبير المتخلِّلان في البين زيادة مغتفرة على ما دلّت عليه موثّقة عمار (٢) من كون الركعة متمّمة للصلاة لو كانت ناقصة ، فإنّ المستفاد منها أنّ الشاك بين الثلاث والأربع موظّف حتّى في صقع الواقع بالإتيان بركعة مفصولة على تقدير النقص ، وأنّ تلك الزيادة ملغاة في نظر الشرع.

وعليه فلا يلزم من الجمع بين القاعدتين القطع بالمخالفة ، ولا يكون علمه بعدم الزيادة على السبع مانعاً عن جريان القاعدة بعد أن لم يرتِّب أثر على النقص الواقعي ما دام كونه شاكّاً بين الثلاث والأربع كما هو المفروض ، الّذي هو الموضوع لدليل البناء على الأكثر. فلا معارضة بين القاعدتين بوجه.

والتحقيق عدم شمول قاعدة البناء للمقام ، لا لأجل المعارضة ، بل لعدم جريانها في حدّ نفسها ، وذلك لأنّ المستفاد من موثّقة عمار على ما ذكرناه سابقاً (٣) أنّه يعتبر في جريان هذه القاعدة احتمال أمرين : صحّة الصلاة على تقدير التمامية وأنّه لم يكن عليه حينئذ شي‌ء ، وصحّتها أيضاً على تقدير النقص من غير ناحية النقص لتكون الركعة جابرة. فهذان الاحتمالان مقوّمان لجريان القاعدة ، ولا تكاد تجري لدى فقد واحد منهما.

ولا ريب أنّ الاحتمال الأوّل مفقود في المقام ، فانّ الظهر لو كانت تامّة

__________________

(١) شرح العروة ١٨ : ٢٧٩ وما بعدها.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ١ ، ٤.

(٣) شرح العروة ١٨ : ١٦٩.

٢١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فالعصر الناقصة وإن كانت صحيحة حينئذ من غير ناحية النقص فتنجبر بركعة مفصولة ، إلّا أنّها لو كانت ناقصة فالعصر التامّة غير موصوفة بالصحّة لاشتراط الترتيب بينها وبين الظهر في الوقت المشترك.

وبما أنّ الاولى باطلة حينئذ فوظيفته العدول إليها ، فلا يحتمل أن يكون ما بيده صحيحة عصراً على تقدير كونها أربعاً ، بل تصحّ ظهراً بمقتضى العدول الواجب عليه.

فلا تكون صلاة العصر على تقدير كونها تامّة مشمولة لقوله (عليه السلام) في الموثّق : وإن كنت أتممت لم يكن عليك شي‌ء (١) ، بل عليه شي‌ء وهو إعادتها بعد العدول بها إلى الظهر.

فاذا لم تكن مشمولة ولم تكن مورداً لجريان القاعدة فلا مناص من إعادتها ، لاندراجها في الشكوك غير المنصوص على صحّتها المحكومة بالبطلان بمقتضى الإطلاق في صحيحة صفوان (٢). وأمّا الظهر فهي محكومة بالصحّة بمقتضى قاعدة الفراغ السليمة عن المعارض.

وبعبارة اخرى : قاعدة الفراغ إمّا أن لا تكون جارية في صلاة الظهر أو أنّها جارية.

فعلى الأوّل : فحيث إنّ الذمّة بعد مشغولة بالظهر لعدم إحراز الفراغ عنها حسب الفرض بعد احتمال كونها ناقصة ، فلا مناص من العدول عما بيده إليها رعاية للترتيب المعتبر بينهما ، فيعدل ويسلِّم من غير حاجة إلى ضم الركعة المحتمل نقصها لا موصولة ولا مفصولة ، للجزم بتحقّق ظهر صحيحة على كلّ

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٣ [نقل بالمضمون والظاهر أنّها ضعيفة سندا].

(٢) الوسائل ٨ : ٢٢٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٥ ح ١.

٢١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

تقدير ، وهي أمّا الاولى لو كان النقص في الثانية ، أو الثانية لو كان النقص في الأُولى. فالذمّة بريئة حينئذ عن الظهر قطعاً وإن لم يشخّصها بعينها ، فليس عليه حينئذ إلّا الإتيان بالعصر ، ولا حاجة إلى إعادة الصلاتين.

وعلى الثاني : فلا يحتمل أن يكون ما بيده رابعة للعصر كي تكون مشمولة لقاعدة البناء على الأكثر ، إذ بعد البناء على تمامية الظهر ووقوعها أربعاً بمقتضى قاعدة الفراغ ، فاحتمال كون ما بيده رابعة مقطوع العدم (١) ، وقد عرفت أنّ هذا الاحتمال مقوّم لقاعدة البناء ، بل هي حينئذ ثالثة يجب تتميمها بالركعة الموصولة ، وإذ لم تكن القاعدة جارية فلا مناص من إعادتها حسبما عرفت.

وعلى الجملة : المعتبر في جريان القاعدة احتمال صحّة الصلاة في نفسها ، وفي المقام نقطع بعدم صحّة إتمام الصلاة عصراً ، لأنّها إمّا ناقصة أو يجب العدول بها إلى الظهر ، فلا تكون مشمولة للقاعدة ، ومعه لا بدّ من إعادتها. وأمّا الظهر فهي مجرى لقاعدة الفراغ من غير معارض. ومن جميع ما ذكرناه يظهر الحال في العشاءين ، فلاحظ.

__________________

(١) هذا مبني على حجّية القاعدة في لوازمها ، وهي في حيِّز المنع عند سيِّدنا الأُستاذ (دام ظلّه).

إلّا أن يقال : إنّه على تقدير جريان قاعدة الفراغ في الظهر يمتنع جريان قاعدة البناء في العصر ، لامتناع حكم الشارع بالبناء على الأكثر فيها بعد حكمه بالبناء على التمام في الظهر. ولكن الجواب عن هذا قد تقدّم في المتن فلاحظ.

وقد أجاب (دام ظلّه) عن الشبهة بما لفظه : ليس هذا مبنياً على حجّية قاعدة الفراغ في لوازمها ، بل هو مبني على ما ذكر آنفاً من أنّ قاعدة البناء على الأكثر لا تشمل صلاة العصر في مفروض المسألة ، لأنّه لا تحتمل صحّتها عصراً ، فان جرت قاعدة الفراغ في الظهر حكم ببطلانها ، وإلّا لزم العدول بها إلى الظهر.

٢١٨

[٢١٦٠] المسألة السابعة والعشرون : لو علم أنّه صلّى الظهرين ثماني ركعات ولكن لم يدر أنّه صلّى كلّاً منهما أربع ركعات أو نقص من إحداهما ركعة وزاد في الأُخرى (١) بنى على أنّه صلّى كلّاً منهما أربع ركعات عملاً بقاعدة عدم اعتبار الشك بعد السلام ، وكذا إذا علم أنّه صلّى العشاءين سبع ركعات وشكّ بعد السلام في أنّه صلّى المغرب ثلاثة والعشاء أربعة أو نقص من إحداهما وزاد في الأُخرى فيبني على صحّتهما.

[٢١٦١] المسألة الثامنة والعشرون : إذا علم أنّه صلّى الظهرين ثمان ركعات وقبل السلام من العصر شكّ في أنّه هل صلّى الظهر أربع ركعات فالتي بيده رابعة العصر أو أنّه نقص من الظهر ركعة فسلّم على الثلاث وهذه التي بيده خامسة العصر ، فبالنسبة إلى الظهر شك بعد السلام وبالنسبة إلى العصر شكّ بين الأربع والخمس ، فيحكم بصحّة الصلاتين ، إذ لا مانع من إجراء القاعدتين ، فبالنسبة إلى الظهر تجري قاعدة الفراغ والشك بعد السلام فيبني على أنّه سلّم على أربع ، وبالنسبة إلى العصر يجري حكم الشك بين الأربع والخمس فيبني على الأربع إذا كان بعد إكمال السجدتين فيتشهّد ويسلِّم ثمّ يسجد سجدتي السهو (٢) ، وكذا الحال في العشاءين إذا علم قبل السلام من العشاء أنّه صلّى سبع ركعات وشكّ في أنّه سلّم من المغرب على

______________________________________________________

(١) الحكم فيها ظاهر جدّاً ، بل لم تكن حاجة للتعرّض إليها ، لجريان قاعدة الفراغ في كلّ من الصلاتين من غير معارضة بعد أن لم تكن مستلزمة للمخالفة العملية ، لاحتمال صحّة الصلاتين معاً ، وإن احتمل بطلانهما معاً أيضاً على التقدير الآخر ، ومثله الحال في العشاءين.

(٢) الأمر كما ذكره (قدس سره) من جريان قاعدة الفراغ بالنسبة إلى

٢١٩

ثلاث فالتي بيده رابعة العشاء أو سلّم على الاثنتين فالتي بيده خامسة العشاء فإنّه يحكم بصحّة الصلاتين وإجراء القاعدتين.

______________________________________________________

الظهر ، لكون الشك فيها شكّاً بعد السلام ، وقاعدة البناء على الأقل وهو الأربع بالنسبة إلى العصر ، لكون الشك فيها شكّاً بين الأربع والخمس. ولا مانع من إعمال القاعدتين ، لعدم المعارضة في البين بعد احتمال التمامية في كلتا الصلاتين فيحكم بصحّتهما مع سجود السهو لأجل نفس الشك بين الأربع والخمس كما تقدّم في محلّه (١).

هذا فيما إذا كان الشك بعد إكمال السجدتين الّذي هو مورد الشك بين الأربع والخمس المحكوم بالصحّة.

وأمّا إذا كان في حال القيام فحيث إنّه محكوم بالزيادة ، لما سبق في محلّه (٢) من رجوع الشك حينئذ إلى الشك بين الثلاث والأربع في الركعة التي قام عنها فهو مأمور بالهدم ، وبعدئذ يقطع بعدم إتيانه أزيد من سبع ركعات ، فتندرج حينئذ في المسألة السادسة والعشرين المتقدِّمة ، لكونها تلك المسألة بعينها. وقد عرفت حكمها من عدم جريان قاعدة البناء على الأكثر في صلاة العصر المردّدة بين الثلاث والأربع ، وأنّه لا بدّ من إعادتها ، وتجري قاعدة الفراغ في صلاة الظهر من غير معارض.

وأمّا إذا كان الشك عارضاً بين الحالتين ، أعني بعد الدخول في الركوع إلى ما قبل إكمال السجدتين فحيث إنّه محكوم بالبطلان ، لاندراجه في الشكوك غير

__________________

(١) شرح العروة ١٨ : ١٩٨.

(٢) شرح العروة ١٨ : ٢٠٠.

٢٢٠