موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[٢١٤٩] المسألة السادسة عشرة : لو علم بعد الدخول في القنوت قبل أن يدخل في الركوع أنّه إمّا ترك سجدتين من الركعة السابقة أو ترك القراءة (١) وجب عليه العود لتداركهما والإتمام ثمّ الإعادة. ويحتمل الاكتفاء بالإتيان بالقراءة (*) والإتمام من غير لزوم الإعادة إذا كان ذلك بعد الإتيان بالقنوت ، بدعوى أنّ وجوب القراءة عليه معلوم ، لأنّه إمّا تركها أو ترك

______________________________________________________

فلا تجري القاعدة في القراءة أو السجدة الواحدة لا بلحاظ الأثر الداخلي ولا الخارجي ، فيكون جريانها في الركوع الّذي نتيجته المضي وعدم العود سليماً عن المعارض ، فيرجع فيهما إلى أصالة العدم ، ويحكم بمقتضاها بوجوب القضاء أو سجود السهو.

(١) أي تركها من الركعة التي بيده ، من غير فرق بين كونه متلبّساً بالقنوت أو فارغاً عنه قبل أن يركع. وقد حكم الماتن (قدس سره) أوّلاً بوجوب العود فيرجع ويأتي بالسجدتين والقراءة ويتم ثمّ يعيد الصلاة.

أمّا العود فلكونه مقتضى أصالة عدم الإتيان بشي‌ء منهما بعد سقوط قاعدة التجاوز الجارية في الطرفين بالمعارضة ، بناءً على مسلكه (قدس سره) من صدق التجاوز عن محلّ القراءة بالدخول في القنوت.

وأمّا الإعادة فلأنه يتولّد من العود والتدارك العلم الإجمالي إمّا بوجوب الإعادة لأجل زيادة السجدتين ، أو بوجوب سجود السهو لزيادة القيام

__________________

(*) هذا الاحتمال هو الأظهر ، لا لأنّ الشك في السجدتين بعد الدخول في القنوت شك بعد التجاوز ، فانّ القنوت المأتي به خارج عن أجزاء الصلاة يقيناً فلا يتحقّق به التجاوز عن المحلّ ، بل لأنّ الشك في القراءة شك في المحلّ ، والشك في السجدتين بعد القيام شك بعد التجاوز ، فينحل العلم الإجمالي لا محالة.

١٨١

السجدتين ، فعلى التقديرين يجب الإتيان بها ، ويكون الشك بالنسبة إلى السجدتين بعد الدخول في الغير الّذي هو القنوت ، وأمّا إذا كان قبل الدخول في القنوت فيكفي الإتيان بالقراءة ، لأنّ الشك فيها في محلّها وبالنسبة إلى السجدتين بعد التجاوز ، وكذا الحال لو علم بعد القيام (*) إلى الثالثة أنّه إمّا ترك السجدتين أو التشهّد أو ترك سجدة واحدة أو التشهّد وأمّا لو كان قبل القيام فيتعيّن الإتيان بهما مع الاحتياط بالإعادة.

______________________________________________________

والقراءة ، للقطع بحصول إحدى الزيادتين المانع من الرجوع إلى أصالة عدم الزيادة ، ولكن حيث إنّه ينحل بالأصل المثبت والنافي ، لكون الإعادة مجرى لقاعدة الاشتغال ، ووجوب سجدتي السهو مورداً لأصالة البراءة ، فلا تجب عليه إلّا الإعادة.

واحتمل (قدس سره) ثانياً الاكتفاء بالإتيان بالقراءة والإتمام من غير لزوم الإعادة ، نظراً إلى القطع بوجوبها وعدم سقوط أمرها ، لأنّه إمّا تركها أو لم يأت بها في محلّها لوقوعها قبل الإتيان بالسجدتين ، فليس وجوبها مشكوكاً فيه ليكون مورداً لقاعدة التجاوز ، بل هو معلوم ، ولا مناص من الإتيان بها.

وعليه فتكون قاعدة التجاوز الجارية في السجدتين اللّتين قد تجاوز عن محلّهما بالدخول في الغير الّذي هو القنوت سليماً عن المعارض ، فينحل العلم

__________________

(*) ليس الحال كما ذكره ، فإنّه مع العلم بترك السجدتين أو التشهّد أو العلم بترك سجدة واحدة أو التشهّد حال القيام يعلم بزيادة القيام وأنّه خارج من أجزاء الصلاة فلا يتحقّق به التجاوز عن المحلّ ، وبما أنّ التشهّد المأمور به لم يؤت به فلا بدّ من الرجوع والإتيان بالسجدة المشكوك فيها ثمّ التشهّد والإتيان بسجدتي السهو للقيام الزائد على القول به ، وبما ذكرناه يظهر الحال فيما إذا كان العلم المزبور قبل الدخول في القيام.

١٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الإجمالي المتعلِّق بوجوب السجدتين أو القراءة بالأصل النافي والعلم الوجداني. فلا أثر للدخول في القنوت من هذه الجهة ، بل يتّحد بحسب النتيجة مع ما لو حصل العلم قبل الدخول فيه ، الّذي هو منحل حينئذ بلا إشكال بالأصل المثبت وهي قاعدة الاشتغال الجارية في القراءة لكون الشك فيها في محلّها والأصل النافي وهي قاعدة التجاوز الجارية في السجدتين للتجاوز عن محلّهما بالدخول في القيام.

ثمّ ذكر (قدس سره) أخيراً أنّ الحال كذلك فيما لو علم بعد القيام إلى الثالثة أنّه إمّا ترك السجدتين أو التشهّد أو ترك سجدة واحدة أو التشهّد ، فجعل هذا الفرع نظيراً للمقام. هذا حاصل ما أفاده (قدس سره) في هذه المسألة.

أقول : أمّا ما أفاده (قدس سره) أوّلاً من وجوب العود والإتمام ثمّ الإعادة فليت شعري ما هو الموجب للإتمام بعد البناء على عدم جريان الأُصول المفرّغة وعدم إمكان تصحيح الصلاة بوجه ، ولأجله حكم (قدس سره) بلزوم الإعادة.

إذ بعد تسليم البناء المزبور لا مقتضي لوجوب العود والإتمام عدا ما يتوهّم من التفصّي عن شبهة حرمة القطع. وهو كما ترى ، ضرورة أنّ الحرمة على تقدير تسليمها استناداً إلى قيام الإجماع عليها فهي خاصّة بما إذا أمكن إتمام الصلاة صحيحة والاقتصار عليها في مقام الامتثال ، أمّا فيما لا يمكن كما هو المفروض فيما نحن فيه فليس هو مورداً للإجماع جزماً. فلا يجب فيه الإتمام ، ولا يحرم القطع.

وعلى الجملة : فاللّازم على هذا المبنى جواز رفع اليد والاقتصار على الإعادة. فلا وجه لضمّ الإتمام معها.

وأمّا ما أفاده (قدس سره) ثانياً فلو سلّمنا أنّ الدخول في القنوت محقّق

١٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

للدخول في الغير ، المعتبر في جريان قاعدة التجاوز مع أنّه ممنوع كما حقّقناه في محلّه (١) فلا نسلِّمه في خصوص المقام ، للقطع بعدم وقوعه في محلّه ، المستلزم لعدم كونه من القنوت الصلاتي في شي‌ء ، لأنّه إمّا واقع قبل القراءة ، أو قبل السجدتين والقراءة باعتبار لغوية القراءة المأتي بها الواقعة في غير محلّها.

فهذا القنوت وجوده وعدمه سيّان ، بعد الجزم بعدم كونه مصداقاً للمأمور به ، ومثله لا يكون محقّقاً للدخول في الغير بتاتاً ، فلا وجه لجعله محقّقاً له في جريان قاعدة التجاوز بالنسبة إلى السجدتين كما صنعه (قدس سره) بل الغير الّذي تجري القاعدة فيهما بلحاظه إنّما هو القيام الّذي هو الجزء المترتِّب ، دون القنوت المقطوع عدم وقوعه في محلّه كما عرفت.

ومنه تعرف وجوب الإتيان بالقراءة وعدم كونها مورداً للقاعدة ، لا للوجه الّذي ذكره (قدس سره) من العلم ببقاء الوجوب ، فإنّه لا حاجة إليه ، بل لأنّ مجرّد الشك كافٍ في الوجوب بمقتضى قاعدة الاشتغال ، لكونه من الشك في المحل بعد ما عرفت من لغوية القنوت وعدم كونه محقّقاً للتجاوز.

فلا فرق إذن بين عروض العلم الإجمالي قبل الدخول في القنوت أو بعده في انحلاله في كلتا الصورتين بمناط واحد ، وهو الأصل النافي والمثبت ، لكون السجدتين مورداً لقاعدة التجاوز والقراءة مجرى لأصالة الاشتغال ، من غير فرق بينهما بوجه.

وعلى الجملة : فالاحتمال المذكور في المتن من الاكتفاء بالقراءة والإتمام من غير الإعادة هو المتعيّن ، لكن لا للوجه الّذي ذكره من أنّ الشك في السجدتين بعد الدخول في القنوت شك بعد التجاوز ، لما عرفت من خروج القنوت المأتي به عن أجزاء الصلاة يقيناً ، فكيف يتحقّق به التجاوز عن المحل ، بل لأنّ الشك

__________________

(١) شرح العروة ١٨ : ١٣٤ ، مصباح الأُصول ٣ : ٣٠٠.

١٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

في القراءة شك في المحل ، وفي السجدتين بعد الدخول في القيام شك بعد التجاوز وبذلك ينحل العلم الإجمالي.

وأمّا ما ذكره (قدس سره) أخيراً من تنظير الفرعين بالمقام فظاهر قوله : وكذا الحال ... إلخ أنّه يجري فيهما جميع ما مرّ من الإتمام والإعادة الّذي اختاره أوّلاً ، والاكتفاء بالقراءة الّذي احتمله ثانياً. فيكتفى هنا بالتشهّد من غير حاجة إلى الإعادة.

ولكن الأمر ليس كذلك ، لوضوح الفرق بين المقامين :

أمّا في الفرع الأوّل : وهو ما لو علم بعد القيام بترك سجدتين أو التشهّد فلأنّ ما تقدّم في الفرض السابق من الاكتفاء بالقراءة كان مبنياً على جريان قاعدة التجاوز في السجدتين من غير معارض ، لكون الشك فيهما بعد القيام شكّاً بعد التجاوز ، وأمّا القراءة فيجب الإتيان بها إمّا للعلم بوجوبها كما أفاده (قدس سره) ، أو لقاعدة الشك في المحل بعد لغويّة القنوت كما ذكرنا ، أو لعدم جريان قاعدة التجاوز في القراءة في حدّ نفسها لتوقّفه على الجريان في السجدتين لكي تحرز الصحّة ولا عكس ، لما ذكرناه غير مرّة من أنّه كلّما توقّف جريان الأصل المفرّغ في أحد طرفي العلم الإجمالي على جريانه في الطرف الآخر ، اختصّ الثاني بالجريان.

وكيف ما كان ، فلا تجري القاعدة في القراءة لأحد الوجوه الثلاثة ، فيكون جريانها في السجدتين سليماً عن المعارض كما عرفت.

وأمّا في المقام فلا تجري قاعدة التجاوز حتّى في السجدتين ، ولا مسرح لها في شي‌ء من الطرفين ، لعدم الدخول في الجزء المترتِّب ، نظراً إلى القطع بأنّ القيام الّذي بيده واقع في غير محلّه ، وأنّه ليس من القيام الصلاتي جزماً لوقوعه إمّا قبل التشهّد أو قبل السجدتين ، فوجوده كالعدم لعدم كونه من الجزء المترتِّب

١٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بالضرورة ، فيهدم ويرجع إلى حال الجلوس ، فيكون الشك حينئذ بالإضافة إلى كلّ من الطرفين أعني التشهّد والسجدتين من الشك في المحل ، فيجب الإتيان بهما بمقتضى قاعدة الاشتغال.

بل الأوّل معلوم الوجوب على أيّ حال ، إمّا لعدم إتيانه أو لوقوعه في غير محلّه ، فيجب الإتيان بالثاني أيضاً لكون الشك قبل تجاوز المحل ، وبعد ما اتي بهما معاً عملاً بأصالة العدم يعلم إجمالاً بحصول إحدى الزيادتين من التشهّد أو السجدتين.

فيتولّد من ذلك العلم الإجمالي إمّا بوجوب الإعادة لو كان الزائد السجدتين ، أو بوجوب سجود السهو لو كان هو التشهّد بناءً على وجوبه لكلّ زيادة ونقيصة.

ومعلوم أنّ أصالة عدم الزيادة في كلّ من الطرفين معارض بالآخر بعد كون كلّ منهما مورداً للأثر ، ومقتضى العلم الإجمالي المزبور الجمع بين الأمرين وترتيب كلا الأثرين ، إلّا أنّه من أجل انحلاله بالأصل المثبت والنافي لكون الإعادة مجرى لقاعدة الاشتغال وسجود السهو مورداً لأصالة البراءة لم يجب عليه إلّا الأوّل ، فلا حاجة إلى الإتمام والإتيان بسجود السهو. وقد ذكرنا غير مرّة أنّ دليل حرمة القطع على تقدير تسليمه غير شامل لأمثال المقام ممّا لا يمكن الاقتصار عليه في مرحلة الامتثال.

وعلى الجملة : ففي هذا الفرع لا يمكن تصحيح الصلاة بوجه ، لعدم وجود جزء مترتِّب كي تجري قاعدة التجاوز في السجدتين بلحاظ الدخول فيه بخلاف الفرض السابق ، فإنّه كان موجوداً فيه وهو القيام ، وبذلك يفترق أحدهما عن الآخر. فالاحتمال الثاني الّذي ذكره الماتن هناك وكان هو الأظهر عندنا كما مرّ لا مسرح له في المقام بتاتاً ، ولا مناص هنا من الحكم بالإعادة

١٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

كما عرفت.

إلّا أنّها مبنية على القول بوجوب سجود السهو لكلّ زيادة ونقيصة كي يتشكّل العلم الإجمالي إمّا بوجوب الإعادة لزيادة السجدتين ، أو بوجوب سجود السهو لزيادة التشهّد كما قرّرناه.

وأمّا بناءً على إنكاره كما هو الصحيح فالعلم الإجمالي بحصول إحدى الزيادتين بعد الرجوع والتدارك وإن كان محقّقاً بالضرورة إلّا أنّه لا يكون منجّزاً ، لعدم ترتّب الأثر حينئذ على المعلوم بالإجمال على كلّ تقدير ، المعتبر في التنجيز ، وإنّما يرتّب على تقدير كون الزائد هو السجدتين دون التشهّد ، فليس في البين عدا احتمال زيادة السجدتين المدفوعة بأصالة العدم السليمة عن المعارضة بالمثل ، لما عرفت من عدم ترتّب الأثر على زيادة التشهّد ، وعليه فيحكم بصحّة الصلاة بعد الرجوع والتدارك ولا شي‌ء عليه.

فالحكم بالبطلان وعدمه في هذا الفرع مبني على القول بوجوب سجود السهو لكلّ زيادة ونقيصة وعدمه ، فيحكم بالبطلان على الأوّل ، وبالصحّة على الثاني مع سجود السهو للقيام المعلوم زيادته تفصيلاً على القول بوجوبه له. هذا كلّه في الفرع الأوّل.

وأمّا في الفرع الثاني : أعني ما لو علم بعد القيام إلى الثالثة أنّه إمّا ترك التشهّد أو السجدة الواحدة ، فقد عرفت أنّ قاعدة التجاوز غير جارية حينئذ في شي‌ء من الطرفين ، للقطع بزيادة القيام وخروجه عن أجزاء الصلاة ، لأجل وقوعه في غير محلّه جزماً إمّا لكونه قبل التشهّد أو قبل السجدة ، فلا يتحقّق به التجاوز عن المحل كما مرّ. فيجب عليه الإتيان بهما وتداركهما استناداً إلى قاعدة الشك في المحل.

لكن لا سبيل هنا إلى احتمال البطلان بتاتاً ، لعدم استلزام التدارك لاحتمال

١٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

زيادة الركن ليكون طرفاً للعلم الإجمالي كما كان هو الحال في الفرع السابق ، بل غايته العلم بحصول إحدى الزيادتين من التشهّد أو السجدة الواحدة ، وشي‌ء منهما لا يقتضي البطلان.

نعم ، يعلم حينئذ تفصيلاً بوجوب سجود السهو المسبّب عن إحدى الزيادتين بعد أن لم تكونا عمديتين ، بل كانتا بأمر من الشارع بمقتضى أصالة العدم الجارية في كلّ من الطرفين كما تقدّم. فيجب عليه بعد التدارك والإتمام الإتيان بسجدتي السهو بقصد ما عليه من السبب الإجمالي ، من غير حاجة إلى الإعادة.

هذا بناءً على وجوب سجود السهو لكلّ زيادة ونقيصة ، وإلّا كما هو الصحيح فلا يجب عليه ذلك أيضاً إلّا لأجل القيام الزائد على القول بوجوبه له.

ومن جميع ما ذكرناه تعرف عدم الفرق في كلا الفرعين بين حصول العلم بعد القيام إلى الثالثة أم قبله وفي حال الجلوس ، إذ بعد القطع بزيادته كما تقدّم فهو في حكم العدم. فلا وجه للتفصيل بينهما كما في المتن.

والمتلخّص من جميع ما ذكرناه : أنّ الفرعين يفترقان عن الفرض السابق في عدم جريان قاعدة التجاوز في شي‌ء منهما ، لعدم الدخول في الجزء المترتِّب بعد القطع بزيادة القيام ، وأنّ الحكم بالبطلان في أوّل الفرعين مبني على القول بوجوب سجود السهو لكلّ زيادة ونقيصة. وأمّا في الفرع الثاني فلا يحتمل البطلان أصلاً ، بل يحكم بالصحّة إمّا مع سجود السهو أو بدونه كما عرفت كلّ ذلك مستقصى.

١٨٨

[٢١٥٠] المسألة السابعة عشرة : إذا علم بعد القيام إلى الثالثة أنّه ترك التشهّد وشكّ في أنّه ترك السجدة أيضاً أم لا (١) يحتمل أن يقال يكفي الإتيان (*) بالتشهّد ، لأنّ الشك بالنسبة إلى السجدة بعد الدخول في الغير الّذي هو القيام فلا اعتناء به ، والأحوط الإعادة بعد الإتمام سواء أتى بهما أو بالتشهّد فقط.

______________________________________________________

(١) احتمل (قدس سره) في مفروض المسألة الاكتفاء بتدارك التشهّد المعلوم تركه ، نظراً إلى أنّ الشك في السجدة بعد الدخول في الغير الّذي هو القيام شك بعد التجاوز فلا يعتنى به ، بدعوى أنّ المراد بالغير المأخوذ في دليل قاعدة التجاوز هو مطلق الغير ، سواء أكان من الجزء المترتِّب على المشكوك فيه أم لا ، وعليه فلا يجب الإتيان بالسجدة المشكوكة ، وإنّما يعود لتدارك التشهّد المقطوع عدمه.

ودعوى أنّه بعد العود إلى المحل لتدارك التشهّد يتّصف الشك عندئذ بالإضافة إلى السجدة بكونه من الشك في المحل فيجب الاعتناء به ، واضحة الدفع ، ضرورة أنّ الشك لدى حدوثه كان موصوفاً بوقوعه بعد الدخول في القيام ، فكان مشمولاً آن ذاك لدليل قاعدة التجاوز حسب الفرض ، وبالعود لا يزول عنه هذا الوصف ، لوضوح أنّ الشي‌ء لا ينقلب عما هو عليه ولا يتغيّر عما كان ، وهذا جلوس بعد القيام بالوجدان ، لا قبله ليكون من الشك في المحل وقبل الدخول في القيام ، وهذا ظاهر.

ثمّ إنّ الماتن (قدس سره) لما لم يكن جازماً بالاحتمال المزبور احتاط

__________________

(*) ضعف هذا الاحتمال يظهر ممّا تقدّم ، والأظهر لزوم الإتيان بالتشهّد والسجدة بلا حاجة إلى إعادة الصلاة.

١٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

بالإعادة بعد الإتمام ، سواء أتى بالسجدة أيضاً أم اقتصر على تدارك التشهّد فقط ، لاحتمال الزيادة العمدية في الأوّل بناءً على كون الاعتبار بالدخول في مطلق الغير ، ولاحتمال النقيصة العمدية في الثاني بناءً على أن يكون المدار بالدخول في الجزء المترتِّب ، ولا يمكن التخلّص من هذين الاحتمالين بعد عدم الجزم بشي‌ء من المبنيين إلّا بالإعادة.

أقول : لا ينبغي الشك في ضعف الاحتمال المزبور وسقوطه عن درجة الاعتبار ، فانّ لفظ الغير الوارد في لسان الأخبار المتعرّضة لقاعدة التجاوز الخاصّة بالشك في أجزاء الصلاة كصحيحة زرارة (١) وغيرها لا محيص من أن يراد به خصوص الجزء المترتِّب ، لما أشرنا إليه في محلّه (٢) من اعتبار صدق عنوان المضي والتجاوز عن المشكوك فيه في موارد كلّ من قاعدتي الفراغ والتجاوز على ما نطقت به النصوص.

ولا ريب في حصول هذا الصدق على سبيل الحقيقة ومن غير أيّة عناية في موارد قاعدة الفراغ التي يكون المشكوك فيها صحّة الشي‌ء بعد العلم بوجوده سواء أكانت جارية في المركّبات أم في نفس الأجزاء ، فإنّه بمجرّد الفراغ والانتهاء عن العمل كالتكبير مثلاً يصدق حقيقة أنّه قد مضى وتجاوز عن نفسه ، من غير توقّفه على الدخول في الغير.

وهذا بخلاف قاعدة التجاوز التي يكون المشكوك في موردها نفس الوجود لتعذّر الصدق المزبور بعد فرض الشك في أصل الوجود ، بداهة أنّ صدق عنوان المضي عن الشي‌ء والتجاوز عنه صدقاً حقيقياً موقوف على إحراز ذات الشي‌ء ومتفرِّع على تحقّقه خارجاً ، فكيف يجتمع مع الشك في أصل الوجود

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ١.

(٢) أُشير إلى ذلك في موارد منها ما في مصباح الأُصول ٣ : ٢٧٨ ، ٢٨٢.

١٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

المفروض في موضوع هذه القاعدة ، فلا مناص من أن يراد به الصدق بالعناية وبضرب من المسامحة باعتبار المضي والتجاوز عن محل المشكوك فيه لا عن نفسه.

ومن الواضح جدّاً أنّ هذا لا يتحقّق إلّا بالدخول في الجزء المرتبط المترتِّب على المشكوك فيه المستوجب للخروج عن محلّه ، وإلّا فلو لم يدخل في شي‌ء أصلاً ، أو كان داخلاً فيما لا مساس له بالمشكوك فيه أبداً وكان أجنبياً غير مرتبط به بوجه لعدم ترتّبه عليه ، فالصدق المزبور غير متحقّق عندئذ حتّى العنائي المسامحي منه فضلاً عن الحقيقي ، إذ لم يخرج بعد عن المحل ولم يتجاوز عن الشي‌ء لا عن نفسه ولا عن محلّه بالضرورة.

ومن ثمّ اعتبر الدخول في الغير في نصوص هذه القاعدة كقوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة : «إذا خرجت من شي‌ء ودخلت في غيره فشكّك ليس بشي‌ء».

ونستكشف منه بالبيان المتقدِّم أنّ المراد به الدخول في خصوص الجزء المترتِّب كما تشهد به الأمثلة المذكورة في هذه الصحيحة ، ولا يكفي الدخول في مطلق الغير ولو لم يكن جزءاً مترتِّباً ، لما عرفت من عدم الخروج عن المحل بذلك ، وعدم صدق التجاوز عنه بوجه. فدعوى كفاية الدخول في مطلق الغير في جريان قاعدة التجاوز ساقطة البتّة.

وعليه ففي المقام بما أنّ القيام لغو مستدرك وخارج عن أجزاء الصلاة لوقوعه في غير محلّه فهو أجنبي وغير مرتبط بالسجدة ، ووجوده كالعدم ، فلا يتحقّق به التجاوز عن المحل. فالشك في السجدة بعد القيام شك في المحل من لدن حدوثه ومن أوّل الأمر وإن لم يتحقّق الهدم. فلا مجال لجريان قاعدة التجاوز فيها بوجه بل لا مناص من الإتيان بها بمقتضى قاعدة الشك في المحل ، هذا.

١٩١

[٢١٥١] المسألة الثامنة عشرة : إذا علم إجمالاً أنّه أتى بأحد الأمرين من السجدة والتشهّد من غير تعيين وشك في الآخر (١) ، فان كان بعد الدخول في القيام لم يعتن بشكّه ، وإن كان قبله يجب عليه الإتيان بهما (*) لأنّه شاك في كلّ منهما مع بقاء المحلّ ، ولا يجب الإعادة بعد الإتمام وإن كان أحوط.

______________________________________________________

ولو تنازلنا عمّا ذكرناه ولم يتم ما استظهرناه من اختصاص الغير بالجزء المترتِّب فغايته الإجمال والتردّد بين ذلك وبين إرادة مطلق الغير ، والمرجع بعد إجمال القاعدة الساقطة حينئذ عن الاستدلال إنّما هو دليل الاستصحاب الّذي هو بمثابة العام المخصّص بالقاعدة.

ومن المقرّر في محلّه (١) أنّ المخصّص المجمل الدائر بين الأقل والأكثر يقتصر فيه على المقدار المتيقّن ، ويرجع فيما عداه إلى عموم العام ، والمتيقّن في المقام خصوص الجزء المترتِّب. ففي الزائد عليه وهو مطلق الغير يتمسّك بأصالة عدم الإتيان بالسجدة المشكوكة ، فيتّحد بحسب النتيجة مع ما استظهرناه من لزوم الاعتناء بالشك والإتيان بالسجدة كالتشهّد ، بلا حاجة إلى إعادة الصلاة.

(١) بأن احتمل الإتيان به أيضاً ، فكان أطراف الاحتمال ثلاثة : الإتيان بهما معاً ، أو بخصوص السجدة ، أو بخصوص التشهّد ، فكان عالماً بأحدهما من غير تعيين ، وشاكّاً في الإتيان بالآخر.

لا إشكال حينئذ في عدم الاعتناء بالشك فيما لو كان ذلك بعد الدخول في

__________________

(*) بل يجب عليه الإتيان بالتشهّد فقط ، لأنّ السجدة إمّا قد أتى بها أو أنّ الشك فيها بعد تجاوز المحل.

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ١٨٠.

١٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

القيام كما أفاده في المتن ، لكون الشك في كلّ منهما بعد التجاوز عن المحل فتجري قاعدة التجاوز في خصوص كلّ من الطرفين من غير معارض ، بل الحال كذلك وإن لم يعلم بأحدهما ، فكانت أطراف الاحتمال أربعة بزيادة احتمال تركهما معاً ، فانّ كلّ واحد منهما بخصوصه مشكوك بعد التجاوز فيكون مشمولاً للقاعدة.

وبالجملة : العلم بالجامع الانتزاعي لا ينافي الشك في خصوص كلّ من الطرفين ، كما لا يمنع عن جريان القاعدة في كلّ منهما ، فتجري فيهما من غير تعارض بعد كون المعلوم بالإجمال هو الإتيان دون النقص ، وهذا ظاهر.

إنّما الكلام فيما لو كان ذلك حال الجلوس وقبل الدخول في القيام ، فقد ذكر الماتن (قدس سره) حينئذ وجوب الإتيان بهما معاً ، نظراً إلى أنّه شاك في كلّ منهما مع بقاء المحل ، فيجب الإتيان بمقتضى الاستصحاب وقاعدة الشك في المحل.

وقد يقال بأنّه لو عاد إليهما وتداركهما يعلم إجمالاً إمّا بالزيادة القادحة أو بوجوب سجود السهو ، لأنّه بحسب الواقع إن كان آتياً بهما معاً أو بخصوص السجدة فما يأتي به فعلاً من السجدة أو هي مع التشهّد مصداق للزيادة ، وبما أنّها عمدية للإتيان بهما عن علم والتفات فهي توجب البطلان.

وإن كان آتياً بخصوص التشهّد فبما أنّه واقع في غير محلّه ووجوده كالعدم فوظيفته فعلاً الإتيان بالسجدة والتشهّد وقد فعل ، إلّا أنّ التشهّد السابق زائد حينئذ فيلزمه السجود للسهو. فيعلم إمّا بالبطلان أو بسجود السهو للتشهّد الزائد ، فلا يمكن معه تصحيح الصلاة.

وفيه ما لا يخفى ، ضرورة أنّ الإتيان بالسجدة والتشهّد بعد فرض كون الشك في المحل إنّما هو بأمر من الشارع بمقتضى دليل الاستصحاب ، فهو مأمور

١٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

بالإتيان بهما بقصد الجزئية بمقتضى الوظيفة الشرعية الظاهرية ، ومثله لا يكون من الزيادة العمدية القادحة في شي‌ء ، إذ هي عبارة عن الإتيان بشي‌ء بعنوان الجزئية من تلقاء نفسه وبغير مسوّغ شرعي ، المنفي فيما نحن فيه كما عرفت.

فتلك الزيادة غير منطبقة على المقام قطعاً ، بل هو ملحق بالزيادة السهوية غير المستتبعة للبطلان بعد عدم كون الزائد في المقام من الأركان ، غاية الأمر أنّه بعد الإتيان بهما يعلم إجمالاً بحصول زيادة سهواً إمّا في السجدة أو في التشهّد ، فيجب عليه سجود السهو لأحدهما إن قلنا بوجوبه لكلّ زيادة ونقيصة ، وإلّا فلا شي‌ء عليه ، هذا.

والتحقيق عدم الحاجة إلى تدارك السجدة ، للعلم بسقوط أمرها إمّا للإتيان بها ، أو لأنّ المأتي به لو كان بحسب الواقع هو التشهّد فالشك في السجدة حينئذ شك بعد التجاوز المحكوم بعدم الاعتناء ، فلا يجب الإتيان بها على أيّ حال إمّا للإتيان بها واقعاً أو لكونها محكومة بالإتيان ظاهراً. فليس عليه إلّا الإتيان بالتشهّد فقط ، لكون الشك بالإضافة إليه من الشك في المحل.

وتوضيح ما ذكرناه : أنّ المعلوم بالإجمال في موارد العلم الإجمالي إنّما هو العنوان الانتزاعي ، وهو عنوان أحدهما على سبيل منع الخلوّ ، وهذا قد يكون له مطابق خارجي وتعيّن واقعي ويكون ممتازاً عن غيره في العلم الإلهي وإن لم ينكشف لدينا إلّا بالجامع الانتزاعي والعنوان الإجمالي ، كما لو شاهدنا أنّ زيداً مقتول وتردّد قاتله بين شخصين مثلاً ، فانّ القاتل المعلوم بالإجمال المردّد بينهما له تقرّر واقعي وتشخّص خارجي ، غاية الأمر أنّه لم ينكشف لدينا إلّا بهذا المقدار.

وقد لا يكون له تعيّن وامتياز حتّى في صقع الواقع ونفس الأمر ، ولا يكون له مطابق خارجي وراء الجامع الانتزاعي المنكشف ، كما لو علمنا بنجاسة أحد

١٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الإناءين إجمالاً وكان بحسب الواقع كلاهما نجساً ، فإنّه ليس في البين واقع معيّن ممتاز عن غيره في علم الله ليكون هو المعلوم بالإجمال ، بل التردّد والإبهام الحاصل في مرحلة الظاهر ثابت في متن الواقع أيضاً ، ولا يزيد أحدهما على الآخر بشي‌ء. فلا واقع للمعلوم بالإجمال وراء ما انكشف لدينا من الجامع الانتزاعي وهو عنوان أحدهما القابل للانطباق على كلّ منهما.

وإذ تمهّد هذا نقول : إذا علمنا إجمالاً بالإتيان بواحد من السجدة والتشهّد وشككنا في وجود الآخر ، فتارة يكون المأتي به الواقعي كليهما معاً ، وأُخرى خصوص السجدة ، وثالثة خصوص التشهّد.

أمّا في الأوّل فليس للمعلوم بالإجمال مطابق خارجي وتعيّن واقعي حسبما عرفت ، لفرض حصولهما معاً. فقد سقط أمرهما جزماً في مرحلة الواقع وإن لم ينكشف لدينا إلّا عنوان أحدهما.

وأمّا في الأخيرين فللمعلوم الإجمالي حينئذ مطابق وتعيّن في متن الواقع فان كان هو السجدة فقد سقط أمرها أيضاً واقعاً ، وإن كان هو التشهّد فالسجدة وإن كانت متروكة حينئذ بحسب الواقع ولم يسقط أمرها ، إلّا أنّها مشكوكة الترك لدينا وجداناً ، لتطرّق احتمال الإتيان بهما حسب الفرض ، إذ لم ينكشف بمقتضى العلم إلّا الإتيان بأحدهما على سبيل منع الخلوّ ، غير المانع عن احتمال الجمع بينهما.

فبالأخرة على تقدير تحقّق التشهّد نشك في الإتيان بالسجدة بالضرورة وبما أنّ هذا الشك عارض بعد الدخول في الغير وهو التشهّد فهو محكوم بعدم الاعتناء بمقتضى قاعدة التجاوز.

فبحسب النتيجة أنّا نجزم بعدم تعلّق الأمر الفعلي بالسجدة الجامع بين الأمر الواقعي والظاهري ، لسقوط الأمر بها واقعاً في الصورتين الأولتين ، وظاهراً في

١٩٥

[٢١٥٢] المسألة التاسعة عشرة : إذا علم أنّه إمّا ترك السجدة من الركعة السابقة أو التشهّد من هذه الركعة (١) فإن كان جالساً ولم يدخل في القيام أتى بالتشهّد وأتمّ الصلاة وليس عليه شي‌ء ، وإن كان حال النهوض (*) إلى القيام أو بعد الدخول فيه مضى وأتمّ (**) الصلاة وأتى بقضاء كلّ منهما مع سجدتي السهو ، والأحوط إعادة الصلاة أيضاً ، ويحتمل وجوب العود لتدارك التشهّد والإتمام وقضاء السجدة فقط مع سجود السهو ، وعليه أيضاً الأحوط الإعادة أيضاً.

______________________________________________________

الصورة الأخيرة. فلا مجال لتداركها. وأمّا التشهّد فلأجل الشك فيه والمحل باقٍ لا بدّ من الإتيان به.

فالأظهر الاقتصار في التدارك على خصوص التشهّد ، فيمضي في صلاته ولا شي‌ء عليه.

(١) صور المسألة ثلاث ، فانّ العلم المزبور قد يحدث في حالة الجلوس وأُخرى بعد الدخول في القيام ، وثالثة في حال النهوض.

لا إشكال في المسألة في الصورة الأُولى ، لكون الشك في التشهّد في المحل وفي السجدة بعد التجاوز ، فيجب الاعتناء بالأوّل دون الثاني ، وبذلك ينحل العلم الإجمالي بعد جريان الأصل المثبت والنافي.

وأمّا في الصورة الثانية : فقد ذكر الماتن (قدس سره) أنّه مضى وأتمّ الصلاة ثمّ أتى بقضاء كلّ منهما مع سجدتي السهو.

__________________

(*) الظاهر أنّه يلحق بحال الجلوس كما مرّ.

(**) لا وجه له ، بل يرجع ويتشهّد ويقضي السجدة ، والأحوط سجود السهو مرّتين للقيام الزائد ولنسيان السجدة.

١٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

والظاهر أنّ نظره الشريف في ذلك إلى أنّ العلم الإجمالي لا يكون منجّزاً في مثل المقام ممّا لا يكون المعلوم بالإجمال فعلياً على كلّ تقدير ، وإنّما هو فعلي في تقدير خاص ، وهو ما إذا كان المتروك هو التشهّد ، حيث إنّه مأمور فعلاً بالرجوع والتدارك ، وأمّا إذا كان هو السجدة فلا أمر بالقضاء بالفعل ، وإنّما يحدث الأمر به بعد الفراغ من الصلاة فيصير فعلياً بعد حين ، ولا بدّ في التنجيز من تعلّق العلم الإجمالي بالحكم الفعلي على كلّ تقدير.

وعليه فجريان قاعدة التجاوز بالإضافة إلى التشهّد سليم عن المعارض لعدم فعلية الحكم في الطرف الآخر لتجري فيه القاعدة كي تتحقّق المعارضة ومن ثمّ حكم (قدس سره) بالمضي وإتمام الصلاة.

نعم ، بعد الفراغ منها الّذي هو ظرف للأمر بالقضاء يعلم حينئذ إجمالاً إمّا بوجوب قضاء السجدة لو كانت هي المتروكة ، أو التشهّد لو كان هو المتروك فيجب الجمع بينهما رعاية للعلم الإجمالي المتعلِّق حينئذ بالحكم الفعلي على كلّ تقدير ، كما تجب سجدتا السهو مرّة واحدة لما هو المتروك الواقعي منهما ، هذا.

واحتمل (قدس سره) أخيراً وجوب العود لتدارك التشهّد والإتمام ثمّ قضاء السجدة فقط مع سجود السهو والاحتياط بإعادة الصلاة.

أقول : الظاهر أنّ ما احتمله أخيراً هو المتعيّن من غير حاجة إلى الإعادة لضعف ما اختاره أوّلاً ، لما بيّناه في محلّه (١) من عدم الفرق في تنجيز العلم الإجمالي بين الدفعي والتدريجي ، فلا يشترط في التنجيز الفعلية على كلّ تقدير في ظرف التنجيز ، بل لو كان الحكم في أحد الطرفين فعلياً في الحال وفي الطرف الآخر فعلياً في الاستقبال كان كافياً في التنجيز ، لجريان الأُصول حينئذ في الأطراف وسقوطها بالمعارضة ، إذ المناط في الجريان ترتّب الأثر ولو بعد حين

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٣٦٨.

١٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي الآن اللّاحق ، فيكون معارضاً لا محالة مع جريانه في هذا الطرف ، للزوم المخالفة العملية. فلا يفرق في ذلك بين الدفعيات والتدريجيات. وتمام الكلام في محلّه.

ومع الغض والتسليم فالكبرى غير منطبقة على المقام ، لظهور الأدلّة في فعلية الأمر بالقضاء بمجرّد ترك السجدة وفوات محل التدارك الشكِّي منه والسهوي ، وأنّه يجب عليه في الحال قضاء السجدة خارج الصلاة على نحو الوجوب التعليقي ، لحصول التبدّل حينئذ في محل الجزء. فالخارج ظرف لنفس الواجب لا للوجوب ، وموطن للسجدة نفسها لا للأمر المتعلِّق بها.

وعليه فقاعدة التجاوز كما تجري بالنسبة إلى التشهّد تجري بالإضافة إلى السجدة أيضاً ، إمّا للأمر بقضائها فعلاً على تقدير الفوت أو لعدم الفرق في التنجيز بين الدفعي والتدريجي كما ذكرناه أوّلاً ، وعلى أيّ حال فهي جارية في الطرفين ، وبعد سقوطها بالمعارضة يكون المرجع أصالة عدم الإتيان بشي‌ء منهما ، ولا تعارض بين الاستصحابين بعد عدم لزوم المخالفة العملية كما هو ظاهر.

ونتيجة ذلك هو الرجوع لتدارك التشهّد لفرض بقاء محلّه ، وقضاء السجدة فقط خارج الصلاة. ولا يجب عليه سجود السهو بناءً على المختار من عدم وجوبه لنسيان السجدة إلّا إذا قلنا بوجوبه لكلّ زيادة ونقيصة ، ومن ثمّ كان الأحوط سجود السهو مرّة لنسيان السجدة وأُخرى لزيادة القيام.

وأمّا في الصورة الثالثة : فهل النهوض ملحق بالجلوس في عدم جريان قاعدة التجاوز بالنسبة إلى التشهّد لكونه من الشك في المحل ، أو أنّه ملحق بالقيام في الجريان لكونه بعد التجاوز ، كي يشمله حكم الشك حال الجلوس على الأوّل وحكم الشك حال القيام على الثاني؟

١٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

يبتني ذلك على أنّ المراد بالغير الّذي يعتبر الدخول فيه في جريان القاعدة هل هو خصوص الأجزاء المستقلّة ، أو الأعم منها ومن مقدّماتها كالنهوض والهوي.

وحيث إنّ مختار الماتن (قدس سره) هو الثاني ، بدعوى شمول الإطلاق في لفظ الغير للمقدّمات كنفس الأجزاء ، فمن ثمّ ألحق النهوض بالقيام وساوى بينهما في الحكم.

لكنّا بيّنا في الأُصول (١) عند التعرّض للقاعدة أنّ الأظهر هو الأوّل ، ومجمل الوجه فيه : أنّه لا بدّ من الدخول في الجزء المترتِّب ليتحقّق معه الخروج عن المحل ، تحقيقاً لصدق التجاوز ، بعد امتناع التجاوز عن نفس الشي‌ء لفرض الشك فيه. والدخول في المقدّمات لا يستوجب الخروج عن المحل ، لعدم وجوبها إلّا من باب اللّابدّية العقلية ، فليست هي بحيالها واجبات شرعية لتكون مترتّبة على الجزء المشكوك فيه كي يكون الدخول فيها محقّقاً للخروج عن المحل.

ويؤيِّده بل يكشف عنه صحيح عبد الرّحمن الوارد في من شكّ في السجدة حال النهوض وقبل أن يستتم قائماً ، قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : فرجل نهض عن سجوده وشكّ قبل أن يستوي قائماً فلم يدر أسجد أم لم يسجد قال (عليه السلام) يسجد» (٢) فإنّه كما ترى صريح في عدم كون النهوض موجباً للمضي والتجاوز عن المحل ، الموافق مضمونه لمقتضى القاعدة حسبما بيّناه.

هذا مجمل القول في المقام ، وتفصيل الكلام موكول إلى محلّه (٣). وعليه فحكم الشك حال النهوض حكمه حال الجلوس ، فيلحقه حكمه من لزوم العود لتدارك

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٣٠١.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٦٩ / أبواب السجود ب ١٥ ح ٦.

(٣) شرح العروة ١٨ : ١٣٥ ١٣٦.

١٩٩

[٢١٥٣] المسألة العشرون : إذا علم أنّه ترك سجدة (*) إمّا من الركعة السابقة أو من هذه الركعة فإن كان قبل الدخول في التشهّد أو قبل النهوض إلى القيام أو في أثناء النهوض قبل الدخول فيه وجب عليه العود إليها لبقاء المحلّ ولا شي‌ء عليه ، لأنّه بالنسبة إلى الركعة السابقة شكّ بعد تجاوز المحل. وإن كان بعد الدخول في التشهّد أو في القيام مضى وأتمّ الصلاة وأتى بقضاء السجدة وسجدتي السهو ، ويحتمل وجوب العود لتدارك السجدة من هذه الركعة والإتمام وقضاء السجدة مع سجود السهو ، والأحوط على التقديرين إعادة الصلاة أيضاً (١).

______________________________________________________

التشهّد بقاعدة الشك في المحل ، من غير حاجة إلى قضاء السجدة بمقتضى قاعدة التجاوز الجارية فيها من غير معارض كما عرفت.

(١) بناءً على ما قدّمناه في المسألة السابقة من عدم كفاية الدخول في المقدّمات في جريان قاعدة التجاوز فهذه المسألة وسابقتها من واد واحد ، ولا فرق بينهما بوجه ما عدا الاختلاف في الموضوع من كون أحد طرفي العلم هناك التشهّد ، وهنا السجدة كالطرف الآخر ، فيجري فيها جميع ما مرّ حرفاً بحرف.

وأمّا بناءً على ما اختاره (قدس سره) من الكفاية فالنهوض هنا ملحق بالجلوس في عدم جريان القاعدة ولزوم الإتيان بالسجدة المشكوكة من الركعة التي بيده ، وذلك للنصّ الخاص الدال على لزوم الإتيان بها لو عرض الشك فيها حال النهوض وقبل أن يستوي قائماً ، وهي صحيحة عبد الرّحمن المتقدّمة المخالفة لمقتضى القاعدة الأوّلية على مسلكه.

__________________

(*) هذه المسألة وما تقدّمها من وادٍ واحد.

٢٠٠