موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

وكان عليه (قدس سره) أن يعلّل البطلان بوجه آخر بأن يجري قاعدة الاشتغال في أصل الصلاة بدلاً عن إعمالها في نفس الركوع ، فيقال : إنّا نشكّ في الخروج عن عهدة الأمر المتعلّق بالصلاة لو اكتفينا بهذه الصلاة التي ليس لدينا ما يؤمّننا عن وقوع الركوع في محلّه بعد أن لم نتمكّن من تداركه من جهة استلزامه العلم بزيادة الركن ، فلأجل الشك في انطباق المأمور به على المأتي به من غير أصل مصحّح لا مناص من الإعادة ، عملاً بقاعدة الاشتغال. فلو استدلّ (قدس سره) بهذا لكان له وجه ، وإلّا فما ذكره ظاهر الضعف كما عرفت.

وقد يقال بعدم كفاية الإعادة ولزوم الجمع بينها وبين الإتمام ، رعاية للعلم الإجمالي بوجوب أحدهما ، فإنّ الركوع الثاني إن كان واقعاً في محلّه وجب الإتمام وحرم القطع ورفع اليد ، وإلّا لزمت الإعادة لبطلان الصلاة حينئذ من أجل زيادة الركن.

وفيه أوّلاً : أنّ حرمة القطع في نفسها غير ثابتة ، للتشكيك في تحقّق الإجماع التعبّدي المدّعى عليها ، والحكم مبني على الاحتياط.

وثانياً : مع التسليم فهي خاصّة بما إذا أمكن إتمام الصلاة صحيحة والاقتصار عليها في مقام الامتثال ، أمّا ما لا يمكن فليس هو مورداً للإجماع جزماً. والمقام من هذا القبيل ، لفرض عدم السبيل إلى إعمال القواعد المصحّحة المؤدّية إلى صحّة الاجتزاء بهذه الصلاة في مرحلة الامتثال ، ومعه لا يجب الإتمام قطعاً ، فلا مانع من رفع اليد والاقتصار على الإعادة.

وثالثاً : سلّمنا كل ذلك إلّا أنّ المناط في تنجيز العلم الإجمالي معارضة الأُصول ، ولا تعارض هنا بين الأصلين الجاريين في الطرفين بعد أن كان أحدهما مثبتاً للتكليف والآخر نافياً اللّذين بهما ينحل العلم الإجمالي ، فانّ

١٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

الإعادة مجرى لقاعدة الاشتغال المثبتة للتكليف ، ووجوب الإتمام المشكوك فيه مدفوع بأصالة البراءة عن حرمة القطع.

وقد يقال بصحّة الصلاة ، نظراً إلى أنّ الشك في الصحّة والفساد بعد وضوح عدم جريان قاعدة الاشتغال في الركوع كما مرّ إنّما نشأ من الشك في زيادة الركوع في الركعة الأُولى ، إذ لا سبب له ما عدا ذلك ، فاذا دفعنا احتمال الزيادة بأصالة العدم كان نتيجتها صحّة الصلاة لا محالة.

وفيه ما لا يخفى ، ضرورة أنّ قاعدة الاشتغال وإن لم تكن جارية كما تقدّم ، إلّا أنّ مجرّد الشك في وقوع الركوع في محلّه كافٍ في المنع عن المضي ، للزوم إحراز ذلك ولو بأصل تعبّدي ، ومن الضروري أنّ الأصل المزبور لا يتكفّل لإثباته إلّا على القول بحجّية الأُصول المثبتة.

فتحصّل لحدّ الآن : أنّ في المسألة أقوالاً ثلاثة : البطلان ، ولزوم الجمع بين الإعادة والإتمام ، والصحّة. وقد عرفت المناقشة في وجه كلّ ذلك.

والتحقيق هو القول الأخير ، لا للوجه المزبور المزيّف بما عرفت ، بل لوجه آخر ، وهو الاستناد إلى قاعدة الفراغ الجارية في نفس الركوع.

بيان ذلك : أنّا قد ذكرنا في محلّه (١) أنّ قاعدة الفراغ التي موضوعها الشك في الصحّة بعد العلم بأصل الوجود لا يختص جريانها بالمركّبات ، بل كما تجري في أصل الصلاة كذلك تجري في نفس الأجزاء.

فإذا علمنا بوجود الجزء وشككنا في صحّته وفساده لا مانع من الحكم بالصحّة استناداً إلى عموم قوله (عليه السلام) : «كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو» (٢) ، إذ لا قصور في شمول الإطلاق لحال الإجزاء أيضاً

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٢٧٣ ، ٢٧٧.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ٣.

١٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

بعد أن كانت العبرة بصدق عنوان المضي والتجاوز عن الشي‌ء المتحقّق فيها كالمركّبات بمناط واحد ، ولا يعتبر في هذا الصدق عروض الشك بعد الدخول في الغير ، بل يكفي فيه مجرّد الفراغ عما يشكّ في صحّته وفساده.

وبهذا تفترق قاعدة الفراغ عن قاعدة التجاوز التي موضوعها الشك في أصل الوجود لا في صحّة الموجود بعد اشتراكهما في لزوم صدق المضي والتجاوز ، حيث إنّ الصدق المزبور بعد فرض الشك في أصل الوجود لا معنى له إلّا باعتبار المضي والتجاوز عن محلّ المشكوك فيه ، الّذي لا يتحقّق إلّا بالدخول في الجزء المترتّب عليه ، فكان هذا شرطاً في جريان قاعدة التجاوز لا محالة.

بخلاف قاعدة الفراغ ، لصدق المضي في موردها بمجرّد الانتهاء والفراغ عن العمل المشكوك صحّته وفساده كما عرفت ، من غير حاجة إلى الدخول في الغير. فلو شكّ في صحّة القراءة مثلاً قبل أن يركع بنى على الصحّة.

ثمّ إنّ الشك في صحّة الشي‌ء لا يفرّق فيه بين ما كان مستنداً إلى ذاته من حيث اشتماله على الخصوصيات المعتبرة فيه بما هو ككون القراءة في المثال فصيحة أم ملحونة ، وبين ما كان مستنداً إلى ملاحظته مع الغير ككونه واجداً للترتيب وعدمه الّذي هو أمر قائم بين الطرفين ومعتبر في الأجزاء لا في ذواتها ، بل باعتبار ملاحظتها مع الغير ومقايسة بعضها مع البعض الآخر ، فانّ كلا القسمين يشتركان في كونهما بالأخرة من موجبات الشك في الصحّة المشمول لإطلاق الدليل.

فلو شكّ وهو قائم قبل أن يركع بعد علمه بالإتيان بذات الفاتحة وذات السورة في المتقدِّم منهما والمتأخِّر وأنّ السورة هل وقعت في محلّها واتّصفت بالترتيب المعتبر في صحّتها من لزوم تأخّرها عن الفاتحة أم لا ، بنى على الصحّة بمقتضى قاعدة الفراغ التي لا يعتبر في جريانها الدخول في الغير كما مرّ.

١٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

إذا عرفت هذين الأمرين أعني جريان قاعدة الفراغ في الأجزاء ، وشمولها لما إذا كان الشك في الصحّة مستنداً إلى مراعاة الترتيب ووقوع المشكوك فيه في محلّه ظهر لك بوضوح إمكان تصحيح الصلاة في المقام بإجراء قاعدة الفراغ في الركوع.

فإنّ الصلاة الثنائية مثلاً تتألف من عدّة أجزاء ، من ركوعين وقراءتين وسجدات أربع ونحو ذلك مشروطة بمراعاة الترتيب ووقوع كلّ جزء في المحل الشرعي المقرّر له ، فيعتبر في صحّة الركوع الثاني وقوعه عقيب السجدتين من الركعة الأُولى وعقيب القراءة من الركعة الثانية ، فلو وقع قبل ذلك كان فاسداً لا محالة باعتبار عدم وقوعه في محلّه.

والمفروض فيما نحن فيه أنّ المصلّي عالم بذوات هذه الأجزاء وأنّه أتى بركوعين وقراءتين وسجدتي الركعة الأُولى ، وإنّما الشك في وقوع الركوع الثاني في محلّه ، الموجب بطبيعة الحال للشك في صحّته وفساده ، إذ لو كان قبل سجدتي الركعة الأُولى وقع فاسداً ، ولو كان بعدهما اتّصف بالصحّة ، ومقتضى قاعدة الفراغ الجارية في نفس الركوع البناء على وقوعه صحيحاً. ونتيجة ذلك التعبّد بوقوعه في الركعة الثانية.

وليس هذا من اللوازم العقلية لإجراء القاعدة ليكون من الأصل المثبت ، بل هو بعينه مفاد القاعدة ونفس مؤدّاها بالذات ، لما عرفت من أنّ الشك في صحّة الركوع في مفروض الكلام ليس إلّا من ناحية اتِّصافه بالترتيب ، وأنّه هل وقع في محلّه الشرعي الّذي هو عبارة عن كونه بعد القراءة من الركعة الثانية أم لا.

فاذا كانت الصحّة بهذا المعنى مورداً للتعبّد بمقتضى قاعدة الفراغ الدالّة على عدم الاعتناء بالشك وفرض المشكوك صحّته معلوم الصحّة ، فقد أحرزنا وقوع الركوع في محلّه المقرّر له ، وأصبحنا بمثابة العالمين بذلك ولو تعبّداً ، وقد عرفت عدم اعتبار الدخول في الغير في جريان هذه القاعدة. ومعه لا يبقى مجال

١٦٤

[٢١٤٧] المسألة الرابعة عشرة : إذا علم بعد الفراغ من الصلاة أنّه ترك سجدتين ولكن لم يدر أنّهما من ركعة واحدة أو من ركعتين (١) وجب عليه الإعادة (*) ، ولكن الأحوط قضاء السجدة مرّتين وكذا سجود السهو مرّتين أوّلاً ثمّ الإعادة ، وكذا يجب الإعادة إذا كان ذلك في أثناء الصلاة ، والأحوط إتمام الصلاة وقضاء كلّ منهما وسجود السهو مرّتين ثمّ الإعادة.

______________________________________________________

للشك في وقوع الركوع في محلّه لنحتاج إلى الإعادة بمقتضى قاعدة الاشتغال الجارية في أصل الصلاة ، لحكومة هذه القاعدة عليها.

(١) مفروض كلامه (قدس سره) ما إذا كان العلم حاصلاً بعد فوات محل السجدة الشكّي والسهوي بحيث لا يمكن معه التدارك ، كما لو حصل بعد الفراغ من الصلاة وقد تعذّر الرجوع إمّا لارتكاب المنافي أو لكون السجدتين المتروكتين ممّا عدا الركعة الأخيرة ، أو حصل في الأثناء بعد الدخول في الركن كما لو دخل في ركوع الثالثة فحصل له العلم بترك سجدتين مردّداً بين كونهما من ركعة واحدة لتبطل الصلاة ، أو من ركعتين ليجب قضاؤهما فقط على المختار ، أو بضم سجدتي السهو لكلّ منهما على المسلك المشهور من عدّ نسيان السجدة من موجبات سجود السهو.

وقد حكم الماتن (قدس سره) أوّلاً بالبطلان ، ثمّ احتاط بقضاء السجدتين قبل الإعادة.

أمّا البطلان فمستنده أصالة عدم الإتيان بسجدتي الركعة الواحدة بعد سقوط

__________________

(*) لا يبعد الحكم بصحّة الصلاة مطلقاً ، فمع فوات المحل الشكّي والسهوي يجب عليه قضاء السجدة مرّتين ، ومع بقاء المحل الشكّي يجب الإتيان بالمشكوك فيه فينحلّ العلم الإجمالي ، ومع بقاء المحلّ السهوي كان الحال كذلك ، ويظهر وجهه بالتأمّل.

١٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

قاعدة التجاوز الجارية فيها وفي الركعة الأُخرى بالمعارضة.

بتقريب أنّ واقع الشك في مفروض المسألة يرجع لدى التحليل إلى علمه بترك السجدة الثانية من إحدى الركعتين والإتيان بالسجدة الاولى من الركعة الأُخرى ، والشك في أنّ السجدة الأُخرى المتروكة هل هي الاولى من الركعة التي تركت سجدتها الثانية جزماً أم أنّها الثانية من الركعة الأُخرى المأتي فيها بالسجدة الاولى جزماً.

إذ بعد فرض العلم بترك سجدتين فقط من ركعتين الملازم لفرض العلم بإتيان الثنتين الباقيتين والتردّد بين كون المتروكتين من ركعة واحدة أو من ركعتين ، فإحدى السجدتين وهي الثانية من إحدى الركعتين مقطوعة العدم لا محالة ، كما أنّ سجدة واحدة وهي الاولى من الركعة الأُخرى مقطوعة الوجود. فهاتان معلومتان تفصيلاً وإن كان كلّ منهما مجهولاً من حيث كونها في الركعة الأُولى بخصوصها ، أم في الركعة الثانية كذلك.

والتي تكون مورداً للعلم الإجمالي إنّما هي السجدة الأُخرى المتروكة المردّدة بين طرفين ، وهما كونها الاولى ممّا تركت سجدتها الثانية قطعاً ليترتّب عليها البطلان ، أو الثانية ممّا اتي بسجدتها الاولى قطعاً أيضاً كي يكون قد فات من كلّ ركعة سجدتها الثانية فقط ، حتّى تترتّب عليها الصحّة وقضاء السجدتين خارج الصلاة.

وبما أنّ قاعدة التجاوز الجارية في كلّ من الطرفين لو خلّيت وطبعها وكانت وحدها ساقطة بالمعارضة ، فلا جرم تصل النوبة إلى الأصل المحكوم وهو الاستصحاب ، وحينئذ فمقتضى أصالة عدم الإتيان بالسجدة الاولى ممّا تركت فيها الثانية هو البطلان ، إذ معها نحرز ترك سجدتين من ركعة واحدة إحداهما معلومة الترك وجداناً والأُخرى تعبّداً.

١٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

كما أنّ مقتضى أصالة عدم الإتيان بالسجدة الثانية من الركعة الأُخرى المشتملة على سجدتها الأُولى التي هي طرف للعلم الإجمالي وجوب قضائها كقضاء السجدة الثانية المعلومة الترك من إحدى الركعتين.

وبعبارة اخرى : السجدة الثانية من كلّ من الركعتين بخصوصها مشكوكة فيرجع إلى أصالة العدم ، ونتيجة ذلك وجوب قضاء السجدتين الثانيتين المعلوم ترك إحداهما وجداناً والأُخرى تعبّداً.

وعلى الجملة : فبمقتضى الأصل الأوّل المترتِّب عليه البطلان تجب الإعادة وبمقتضى الأصل الثاني المترتِّب عليه الصحّة يجب قضاء السجدتين ، ومن هنا كان الأحوط الجمع بين الأمرين. هذا ما ذكره الماتن (قدس سره).

أقول : لو سلّمنا سقوط قاعدة التجاوز في المقام بالمعارضة ووصلت النوبة إلى الاستصحاب فلا موجب للحكم بالقضاء حينئذ بوجه ، إذ بعد إجراء الأصل الأوّل الّذي مقتضاه البطلان كما مرّ لا تصل النوبة إلى إعمال الأصل الثاني لإثبات القضاء الذي لا يكون مشروعاً إلّا في صلاة صحيحة. ومن المعلوم أنّ استصحاب عدم الإتيان بالثانية لا يثبت الإتيان بالأُولى حتّى يحكم بالصحّة والقضاء.

وبعبارة اخرى : القضاء حكم لترك السجدة الواحدة من كلّ ركعة بقيد أنّها واحدة ، غير المتحقّق إلّا بعد الفراغ عن إحراز السجدة الأُولى ، ومن البيِّن أنّ السجدة الاولى من كلّ ركعة بخصوصها مشكوكة وجداناً وغير محرزة بوجه لجواز ترك السجدتين معاً من ركعة واحدة ، بل هو كذلك بمقتضى الأصل الأوّل كما عرفت.

فلا يترتّب القضاء على أصالة عدم الإتيان بالسجدة الثانية إلّا إذا أثبتت الإتيان بالسجدة الاولى ، ولا نقول بحجّية الأُصول المثبتة. فلا مجال للتمسّك

١٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

بهذا الأصل لإثبات القضاء ، بل المرجع الأصل الأوّل الّذي نتيجته البطلان.

هذا كلّه بناءً على سقوط قاعدة التجاوز في المقام ووصول النوبة للرجوع إلى الاستصحاب.

والتحقيق : أنّه لا مانع من الرجوع إلى القاعدة لعدم المعارضة ، ولأجله يحكم بصحّة الصلاة وتعيّن القضاء.

بيان ذلك : أنّ من المقرّر في محلّه (١) أنّ العلم الإجمالي بنفسه لا يكون منجّزاً ، بل المناط في التنجيز معارضة الأُصول وما شابهها من القواعد الجارية في الأطراف ، وضابط المعارضة أن يلزم من الجمع المخالفة القطعية العملية ومن التخصيص بالبعض الترجيح من غير مرجّح ، فعند تحقّق الأمرين يحكم بتعارض الأُصول وتساقطها ، ونتيجة ذلك لزوم ترتيب الأثر المعلوم بالإجمال. فلا معارضة مع انتفاء أحد الأمرين بطبيعة الحال. وعليه فلو كان مرجّح لإعمال الأصل في بعض الأطراف كان هو الجاري ، ومعه لا يجري في الطرف الآخر في حدّ نفسه لا لأجل المعارضة.

ومقامنا من هذا القبيل ، فإنّ أثر نقصان السجدة في أحد طرفي العلم الإجمالي وهي السجدة الاولى من الركعة المتروكة سجدتها الثانية هو البطلان فالأثر المرغوب من إجراء القاعدة فيها هو الصحّة لا محالة ، ولا يكون إجراؤها فيها منوطاً ومتوقّفاً على أيّ شي‌ء.

وأمّا أثر النقص في الطرف الآخر وهي السجدة الثانية من الركعة الأُخرى فهو القضاء ، والأثر المرغوب من إعمال القاعدة فيها نفي وجوب القضاء.

ومن البيِّن الواضح أنّ الحكم بالقضاء نفياً أو إثباتاً متفرّع على إحراز صحّة

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٣٤٤.

١٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الصلاة من سائر الجهات ، ولا يكون مترتِّباً على مجرّد ترك السجدة الثانية مطلقاً ، بل على تركها في صلاة محكومة بالصحّة من غير هذه الجهة ، أعني جهة نقصان السجدة. فلا بدّ من إحراز الصحّة في مرتبة سابقة ليكون مورداً لتعلّق الخطاب بالقضاء تارة وبعدمه أُخرى ، إذ لا قضاء في صلاة باطلة جزماً ، فلا تصل النوبة إلى إعمال قاعدة التجاوز لنفي القضاء ما لم تحرز صحّة الصلاة.

ولذا لو شكّ حال الركوع في نسيان السجدة الواحدة من الركعة السابقة وكان في عين الحال شاكّاً بين الثنتين والثلاث ، لم يكن مجال لإعمال القاعدة المزبورة لنفي وجوب القضاء بعد أن كانت الصلاة محكومة بالبطلان بمقتضى الشك المذكور.

ومن المعلوم أنّه لا سبيل إلى إحراز الصحّة في المقام إلّا بواسطة إعمال القاعدة في الطرف الآخر المترتِّب عليها نفي احتمال البطلان كما مرّ. فمن دون الإعمال في ذاك الطرف أوّلاً وإحراز الصحّة بذلك لا يمكن الإعمال في هذا الطرف.

وكلّما كانت الأُصول في أطراف العلم الإجمالي من هذا القبيل بأن كان جريانها في طرف موقوفاً على جريانها في الطرف الآخر اختصّ الجريان بالثاني ، لاشتماله على الترجيح ، ولا يجري في الأوّل لا لأجل المعارضة ، بل لعدم ترتّب الأثر عليه في حدّ نفسه. ومن المعلوم أنّه بعد إجراء الثاني لا مجال لإجراء الأوّل ، للزوم المخالفة القطعية العملية.

إذن تجري قاعدة التجاوز في المقام في الطرف الآخر من غير معارض ، لعدم جريانها في ذاك الطرف لا وحده لعدم الأثر ، ولا مع الطرف الآخر لما عرفت من لزوم المخالفة العملية ، للعلم بترك السجدتين لا أقل من ذلك.

وبعبارة اخرى : الأمر يدور بين شمول القاعدة لكلا الطرفين ، أو لخصوص

١٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ما أثره نفي القضاء ، أو لخصوص ما أثره نفي البطلان.

لا سبيل إلى الأوّل للزوم المخالفة كما مرّ ، ولا إلى الثاني لعدم ترتّب الأثر عليه في حدّ نفسه إلّا مع الجريان في الطرف الآخر ، فيعود المحذور المزبور. فيتعيّن الثالث ، فتجري قاعدة التجاوز فيما أثره نفي البطلان بلا معارض.

وعليه فيرجع في الطرف الآخر أعني ما كان أثر النقص فيه هو القضاء إلى الاستصحاب ، ولأجله يحكم بوجوب قضاء السجدتين إحداهما معلومة الترك بالوجدان ، والأُخرى بمقتضى أصالة عدم الإتيان.

فصحّة الصلاة ثابتة بمقتضى قاعدة التجاوز الجارية في الأُولى ممّا ترك فيه الثانية السليمة عن المعارض ، ووجوب القضاء ثابت بمقتضى أصالة عدم الإتيان بالسجدة الثانية من خصوص كلّ من الركعتين. فلا يجب عليه إلّا القضاء دون الإعادة.

فالمقام نظير ما لو علم حال الركوع بترك جزء من الركعة السابقة مردّداً بين الركوع أو السجدة الواحدة ، فإنّ قاعدة التجاوز تجري في الركوع وبها تحرز الصحّة ، ولا تعارض بجريانها في السجدة لنفي القضاء ، لتوقّفه على صحّة الصلاة غير المحرزة إلّا بعد جريانها في الركوع ، ومعه يوجب المخالفة العملية بل المرجع في السجدة أصالة عدم الإتيان المترتِّب عليها وجوب القضاء ، فينحلّ العلم الإجمالي بقاعدة التجاوز والاستصحاب كما هو الحال في المقام حرفاً بحرف.

وأمّا ما تكرّر في مطاوي المسائل السابقة من وجوب الجمع في أمثال المقام بين الإتمام والإعادة عملاً بالعلم الإجمالي فقد مرّ جوابه غير مرّة من عدم ترتّب أثر على مثل هذا العلم.

على أنّه مع قطع النظر عمّا مرّ فهو منحلّ في المقام بقاعدة التجاوز النافية

١٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

للإعادة ، وبالاستصحاب المتكفّل لوجوب الإتمام والقضاء كما عرفت بما لا مزيد عليه.

هذا كلّه فيما إذا حصل العلم بعد امتناع التدارك لفوات المحل مطلقاً ، الّذي عرفت أنّه الظاهر من مفروض كلام الماتن (قدس سره).

وأمّا إذا أمكن التدارك لبقاء المحل فهو على قسمين :

أحدهما : أن يكون الباقي هو المحل الشكّي بأن لم يدخل بعد في الجزء المترتِّب.

ثانيهما : أن يكون هو المحل السهوي بأن تجاوز عن محل الشك ولم يدخل بعد في الركن الّذي هو حدّ متوسّط بين الأوّل وبين الصورة السابقة.

أمّا في القسم الأوّل : كما لو كان جالساً ولم يدخل بعد في التشهّد وعلم حينئذ بعدم الإتيان بسجدتين مردّدتين بين كونهما معاً من هذه الركعة أو من الركعة السابقة أو بالتفريق ، فحيث إنّه شاك في الإتيان بسجدتي هذه الركعة والمحل باق فيجب عليه الإتيان بهما بمقتضى قاعدة الاشتغال ، وبالنسبة إلى الركعة السابقة تجري قاعدة التجاوز بلا معارض ، فينحلّ العلم الإجمالي بالأصل المثبت والنافي.

وببيان آخر : أنّه يقطع بأنّ السجدة الثانية من هذه الركعة لم تقع على وفق أمرها جزماً ، إمّا لعدم الإتيان أو للبطلان لو كانت المتروكتان كلتاهما من الركعة السابقة ، فيجب الإتيان بها بمقتضى هذا العلم ، وكذا بالأُولى بمقتضى قاعدة الشك في المحل بعد أن لم يكن داخلاً في الجزء المترتّب ، فتجري قاعدة التجاوز بالإضافة إلى سجدتي الركعة السابقة سليمة عن المعارض ، التي نتيجتها نفي كلّ من احتمالي البطلان والقضاء كما لا يخفى. وبذلك ينحل العلم الإجمالي.

١٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا في القسم الثاني : كما لو كان داخلاً في التشهّد في المثال المزبور أو داخلاً في قيام الركعة الثالثة فعلم حينئذ بترك سجدتين مردّداً بين كونهما معاً من الركعة التي قام عنها ليجب الرجوع والتدارك ، أو من الركعة السابقة لتبطل الصلاة ، أو بالتفريق ليرجع ويقضي الأُخرى ، فربّما يتوهّم حينئذ جريان قاعدة التجاوز باعتبار الدخول في الجزء المترتِّب ، فيجري فيه ما قدّمناه في الصورة السابقة أعني ما لا يمكن فيه التدارك.

ولكنّه توهّم فاسد ، للقطع بأنّ هذا القيام أو ذاك التشهّد لم يكن جزءاً صلاتياً ، وذلك للجزم بأنّ السجدة الثانية من الركعة التي قام عنها أو هو فيها لم تقع على وفق أمرها ، إمّا للبطلان أو لعدم الإتيان بها ، فلم يكن القيام المزبور قياماً صلاتياً ليكون الشك عارضاً بعد الدخول في الجزء المترتِّب ، فلا مناص من الهدم ، ومعه يكون الشك في السجدة الثانية من الشك في المحل ، بل هو كذلك حتّى قبل الهدم باعتبار الجزم بزيادة القيام ووقوعه في غير محلّه من حين وقوعه كما عرفت.

فيجري عليه حينئذ حكم القسم الأوّل من وجوب الإتيان بالسجدة الثانية لما ذكر من الجزم بعدم وقوعها على وفق الأمر ، وكذا بالسجدة الأُولى بمقتضى قاعدة الاشتغال بعد كون الشك بالإضافة إليها أيضاً من الشك في المحل ، لعدم الدخول في الجزء المترتِّب. وبالنسبة إلى الركعة السابقة تجري قاعدة التجاوز الرافعة لاحتمال البطلان كالقضاء من غير معارض.

وبذلك أي بالأصل النافي والمثبت ينحل العلم الإجمالي كما بيّناه. فحكم هذا القسم حكم القسم السابق ، بل هو هو حقيقة وإن اختلف معه صورة.

هذا فيما إذا حصل العلم المزبور بعد الدخول في التشهّد أو في القيام من الركعة الثالثة ، وقد عرفت عدم جريان قاعدة التجاوز حينئذ ، للجزم بعدم

١٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الدخول في الجزء المترتِّب.

وأمّا لو كان حاصلاً بعد الدخول في قيام الركعة الرابعة فعلم حينئذ بترك سجدتين مردّدة بين كونهما معاً من الركعة التي قام عنها أو من إحدى الركعتين السابقتين أو بالاختلاف ، فحيث إنّ الجزم المزبور غير حاصل هنا ، لجواز كون القيام الّذي بيده جزءاً صلاتياً واقعاً في محلّه ومصداقاً للمأمور به ، لاحتمال كون المتروكتين السجدة الثانية من الركعتين السابقتين ، فقاعدة التجاوز بالإضافة إلى سجدتي ما قام عنها لا مانع من جريانها من هذه الناحية ، إلّا أنّها غير جارية في حدّ نفسها لا فيها ولا في السجدة الثانية من الركعتين السابقتين.

لأنّ أثر النقص في الأوّل الرجوع والتدارك ، وفي الثاني قضاء السجدتين وكلاهما متفرِّع على صحّة الصلاة ، إذ لا رجوع كما لا قضاء في الصلاة الباطلة. وحيث إنّ الصحّة غير محرزة لجواز ترك السجدتين معاً من إحدى الركعتين السابقتين ، فلا تجري القاعدة في شي‌ء منهما. وإنّما تجري فيما أثر نقصه البطلان وهما السجدتان من كلّ من الركعتين السابقتين اللّتين هما طرفا العلم الإجمالي فتجري قاعدة التجاوز في كلّ منهما سليمة عن المعارض حسبما فصّلنا القول حول ذلك في الصورة السابقة ، وبذلك تحرز صحّة الصلاة.

وعليه فالمرجع في الاحتمالين المزبورين اللّذين هما طرف للعلم ، أعني ترك السجدتين من الركعة التي قام عنها ، أو من الركعتين السابقتين بالتفريق إنّما هو الاستصحاب بعد سقوط الدليل الحاكم ، أعني قاعدة التجاوز وعدم جريانها في شي‌ء منهما كما عرفت.

ونتيجة ذلك الرجوع وتدارك السجدتين من تلك الركعة ، وقضاء السجدتين من الركعتين السابقتين عملاً بالاستصحابين ، فيأتي بسجدات أربع ، ثنتاها في

١٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الركعة التي قام عنها ، وثنتاها خارج الصلاة. ولا منافاة بين ذلك وبين العلم بعدم ترك أكثر من سجدتين بعد أن لم يكن مستلزماً للمخالفة القطعية العملية للمعلوم بالإجمال.

وعلى الجملة : فصحّة الصلاة ثابتة بقاعدة التجاوز ، والرجوع والقضاء ثابتان بمقتضى الاستصحاب.

وقد يقال بامتناع التصحيح ولزوم الإعادة ، نظراً إلى أنّه بعد الرجوع وتدارك السجدتين يتولّد له علم إجمالي إمّا ببطلان الصلاة أو بوجوب سجدتي السهو للقيام الزائد.

فإنّ السجدتين المتروكتين إن كانتا من الركعتين السابقتين فإتيانه للسجدتين في هذه الركعة موجب لزيادة الركن ، لاشتمالها حينئذ على سجدات أربع الموجبة للبطلان ، وإن كانتا من هذه الركعة التي قام عنها فالقيام الصادر منه كان واقعاً في غير محلّه لا محالة فيجب سجود السهو لزيادته. فرعاية للعلم الإجمالي المزبور يجب الجمع بين الأمرين ، فلا يمكن التصحيح بالرجوع.

وفيه : أنّ القيام وإن قلنا بوجوب سجود السهو في زيادته من باب الاحتياط إلّا أنّه لا أثر لهذا العلم الإجمالي ، فإنّ هذه الصلاة محكومة بالصحّة بمقتضى قاعدة التجاوز الرافعة لاحتمال البطلان والاستصحاب الحاكم بعدم الإتيان بالسجدتين في الركعة التي قام عنها. فهو مأمور بتدارك السجدتين في مرحلة الظاهر وبتعبّد من الشارع ، ومعه لا يعتنى باحتمال زيادة الركن في هذه الركعة واقعاً بعد أن كانت بإذن من الشرع وترخيصه بمقتضى العمل بدليل الاستصحاب.

وأمّا زيادة القيام في صلاة صحيحة التي هي موضوع لوجوب سجود السهو حسب الفرض فهي متحقِّقة في المقام بضمّ الوجدان إلى الأصل ، فإنّ

١٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

عنوان الزيادة فيما عدا الركوع والسجود متقوّم بالإتيان بالشي‌ء بقصد الجزئية ولم يقع جزءاً لعدم الأمر به شرعاً.

والأوّل : متحقِّق بالوجدان ، لفرض الإتيان بالقيام بهذا العنوان ، أي بقصد كونه جزءاً من الصلاة ، لفرض غفلته عن السجدتين حينما قام.

والثاني : أعني عدم وقوعه جزءاً محرز بالتعبّد الاستصحابي الدال على عدم الإتيان بسجدتي هذه الركعة الّذي نتيجته عدم تعلّق الأمر بالقيام ، وعدم وقوعه في محلّه.

ولا نعني بالزيادة الموجبة لسجود السهو إلّا هذا ، أي الإتيان بعنوان الجزئية ولم يكن جزءاً في صلاة محكومة بالصحّة ، سواء أكانت الصحّة واقعية أم ظاهرية ، لعدم الفرق في ذلك من هذه الجهة بالضرورة. وقد عرفت إحراز كلا الجزأين في المقام بضمّ الوجدان إلى الأصل. ونتيجة ذلك وجوب سجود السهو لتحقّق موجبه وإحراز موضوعه على النحو المزبور.

وعلى الجملة : فبعد كونه مأموراً بالإتيان بالسجدتين لكونه محكوماً بعدم الإتيان بهما قبل ذلك بمقتضى الاستصحاب ، فالقيام الواقع قبلهما موصوف بالزيادة أثناء الصلاة وجداناً ، فيجب من أجله سجود السهو بطبيعة الحال. فصحّة الصلاة ثابتة بأصالة عدم زيادة الركن أي عدم الإتيان بالسجدتين من ذي قبل فلا حاجة إلى الإعادة ، ووجوب سجود السهو ثابت بضمّ الوجدان إلى الأصل ، ومعه لا أثر للعلم الإجمالي ، لانحلاله بالأصل النافي والمثبت حسبما عرفت.

والمتحصل من جميع ما قدّمناه : أنّ صور هذه المسألة ثلاث : حصول العلم بعد فوات محل التدارك مطلقاً ، وحصوله مع بقاء المحل الشكّي ، وحصوله مع بقاء المحل السهوي. والصلاة محكومة بالصحّة في جميع الصور الثلاث ، غير أنّه

١٧٥

[٢١٤٨] المسألة الخامسة عشرة : إن علم بعد ما دخل في السجدة الثانية مثلاً أنّه إمّا ترك القراءة أو الركوع أو أنّه إمّا ترك سجدة من الركعة السابقة أو ركوع هذه الركعة (١) وجب عليه الإعادة (*) ، لكن الأحوط هنا أيضاً إتمام الصلاة وسجدتا السهو في الفرض الأوّل ، وقضاء السجدة مع سجدتي السهو في الفرض الثاني ثمّ الإعادة ، ولو كان ذلك بعد الفراغ من الصلاة فكذلك.

______________________________________________________

يجب قضاء السجدتين في الصورة الأُولى ، والإتيان بهما في المحل في الصورة الثانية ، بل الثالثة أيضاً حسب التفصيل الّذي قدّمناه.

(١) بأن كان أحد طرفي العلم الإجمالي الحاصل بعد الدخول في السجدة الثانية من الركعة الثانية مثلاً ترك الركن ، وهو الركوع من هذه الركعة ، والطرف الآخر ترك جزء غير ركني ، وهو تارة يكون ممّا أثر تركه القضاء كالسجدة الواحدة من الركعة السابقة ، وأُخرى يكون أثره سجود السهو كالقراءة بناءً على وجوبه لكلّ زيادة ونقيصة ، ومن هنا مثّل له الماتن (قدس سره) بمثالين فنقول :

لا ريب في عدم جواز الرجوع حينئذ لتدارك المنسي بعد فرض كونه داخلاً في الركن وهو السجدة الثانية ، فإنّ ذلك لم يكن جائزاً حتّى مع العلم التفصيلي فضلاً عن الإجمالي ، وهو واضح.

وأمّا بلحاظ الأثر المترتِّب عليه من البطلان تارة والقضاء أو سجود السهو

__________________

(*) لا يبعد عدم وجوبها واختصاص الشك في الركوع بجريان قاعدة التجاوز فيه فيحكم بعدم الإتيان بالقراءة أو بالسجدة من الركعة السابقة ، وبه يظهر الحال فيما إذا كان الشك بعد الفراغ.

١٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

اخرى فقد ذكر في المتن أنّه لا بدّ من الإعادة ، وإن كان الأحوط ضمّ القضاء أو سجود السهو قبل ذلك ، نظراً إلى سقوط قاعدتي التجاوز الجاريتين في الطرفين بالمعارضة ، فتجب الإعادة حينئذ بأحد تقريبين :

إمّا بأن يقال : إنّه يعلم إجمالاً إمّا بوجوب الإعادة لو كان المتروك هو الركوع ، أو بوجوب القضاء أو سجود السهو لو كان هو السجدة أو القراءة فلا بدّ من الجمع بينهما عملاً بالعلم الإجمالي ، ولكن حيث إنّه ينحل بالأصل المثبت والنافي لكون الأوّل مجرى لقاعدة الاشتغال ، والثاني مورداً لأصالة البراءة ، فلا تجب عليه إلّا الإعادة ، وإن كان الأحوط ضمّ الآخرين رعاية للاحتمال الآخر.

أو يقال : إنّ المرجع بعد فرض سقوط القاعدة بالمعارضة كما مرّ أصالة عدم الإتيان بالركوع المقتضية للإعادة بعد ما عرفت من عدم إمكان التدارك ، ولا تعارض بأصالة عدم الإتيان بالسجدة الواحدة أو بالقراءة بعد فرض عدم لزوم المخالفة القطعية العملية من جريانهما التي هي مناط المعارضة ، بل لا مجال لإعمال الثاني بعد إعمال الأصل الأوّل الموجب للبطلان ، فإنّ أثر الثاني القضاء أو سجود السهو غير الثابتين إلّا في صلاة محكومة بالصحّة ، والمفروض هنا بطلانها بمقتضى الأصل الأوّل كما عرفت.

أقول : كلا التقريبين مبنيان على جريان قاعدة التجاوز في الطرفين وسقوطهما بالمعارضة كما ذكرناه.

ولكن التحقيق عدم المعارضة على ضوء ما بيّناه في المسألة السابقة ، حيث عرفت ثمة أنّ أثر النقص في أحد طرفي العلم الإجمالي لو كان هو البطلان ، وفي الطرف الآخر شي‌ء آخر من القضاء أو سجود السهو ونحو ذلك ممّا هو متفرّع على صحّة الصلاة اختصّ الأوّل بجريان الأصل وما يشبهه من القواعد المصحّحة ، ولا يكاد يجري في الثاني ، نظراً إلى أنّ المناط في تنجيز العلم

١٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الإجمالي تعارض الأُصول وما ضاهاها الجارية في الأطراف.

والضابط في المعارضة لزوم المخالفة العملية من الجمع بينها والترجيح من غير مرجّح من التخصيص بالبعض. فلا تعارض لدى انتفاء أحد الأمرين.

وهذا الضابط غير منطبق على المقام ونحوه ممّا كان طرفا العلم من قبيل ما عرفت ، لانتفاء الأمر الثاني وهو الترجيح من غير مرجّح ، لوجود المرجّح.

حيث إنّ قاعدة التجاوز في الطرف الّذي أثر نقصه البطلان تجري من غير توقّفه على شي‌ء ، وأمّا في الطرف الآخر الّذي أثر نقصه القضاء مثلاً فهو موقوف على إحراز الصحّة ، وبدونه لا يترتّب أثر على القاعدة بوجه. ولا سبيل إلى الإحراز إلّا بعد الأجراء في ذاك الطرف الّذي يندفع معه البطلان فيكون الترجيح معه ، وبعدئذ لا تجري في هذا الطرف للزوم المخالفة العملية.

فالقاعدة لا تجري في هذا الطرف لا وحده لعدم الأثر ، ولا منضمّاً للزوم المخالفة ، فيختص جريانها بالأوّل لا محالة ، فيكون سليماً عن المعارض.

وعليه ففي المقام يرجع إلى قاعدة التجاوز في الركوع من غير معارض وبها تحرز صحّة الصلاة فلا حاجة إلى الإعادة ، وأمّا في السجود أو القراءة فالمرجع أصالة عدم الإتيان ، ونتيجته القضاء في الأوّل وسجود السهو في الثاني. فصحّة الصلاة تثبت بقاعدة التجاوز ، والقضاء أو سجدة السهو بمقتضى الاستصحاب ، وبذلك ينحل العلم الإجمالي.

هذا كلّه فيما إذا حصل العلم الإجمالي بعد الدخول في السجدة الثانية الّذي هو مفروض كلام الماتن (قدس سره).

ولم يتعرّض (قدس سره) لما إذا حصل بعد الدخول في السجدة الأُولى ، ولا بأس بالإشارة إلى حكمه فنقول :

إذا بنينا على فوات محل التدارك بمجرّد الدخول في السجدة الأُولى كما لعلّه

١٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

المشهور ، نظراً إلى أنّه محقّق للدخول في الركن كان حكمه حينئذ حكم الدخول في السجدة الثانية ، فيجري فيه ما مرّ.

وأمّا إذا بنينا على بقاء المحل وجواز الرجوع لتدارك المنسي كما هو الصحيح فربما يتوهّم أنّ قاعدة التجاوز جارية حينئذ في كل من الطرفين في حدّ نفسها لفرض صحّة الصلاة على التقديرين بعد إمكان العود والتدارك ، لبقاء المحل الذكري للركوع ، ولازمه بعد تساقط القاعدتين بالمعارضة الرجوع إلى الاستصحابين ، فيرجع ويأتي بالسجدة الواحدة أو القراءة ثمّ يركع استناداً إلى أصالة عدم الإتيان الجارية في كلّ منهما من غير تعارض ، لعدم استلزام المخالفة العملية.

وأمّا العلم الإجمالي المتولّد بعد الرجوع المتعلِّق بالبطلان على تقدير زيادة الركوع أو سجود السهو على تقدير زيادة السجدة الواحدة أو القراءة فقد مرّ الجواب عنه في ذيل المسألة السابقة فلاحظ.

ولكن التحقيق عدم المعارضة ، فلا تجري القاعدة إلّا في الركوع دون غيره من القراءة أو السجود ، لعدم ترتّب الأثر فيهما ، للقطع بعدم الحاجة إلى العود وعدم موضوع للتدارك ، فلا يحتمل بقاء الأمر بهما لنحتاج إلى المؤمّن ، فنتمسّك بالقاعدة.

لأنّه إن كان قد أتى بهما فقد سقط أمرهما ، وإن كان قد أتى بالركوع فقد فات محل التدارك بالدخول في الركن. فالأمر بالعود والرجوع ساقط جزماً فلا شك من ناحيته ليكون مورداً لجريان قاعدة التجاوز ، بل المرجع فيهما أصالة عدم الإتيان. فتجري القاعدة في الركوع المحتمل بقاء أمره من غير معارض ، ونتيجة ذلك الحكم بصحّة الصلاة استناداً إلى القاعدة ، وبوجوب القضاء أو سجود السهو عملاً بالاستصحاب.

١٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، قد يقال بأنّ القاعدة وإن لم تكن جارية في القراءة والسجدة بلحاظ أثرهما الداخلي وهو العود والرجوع كما ذكر إلّا أنّها تجري فيهما بلحاظ الأثر الخارجي وهو القضاء أو سجود السهو فتنفيهما وتكون مؤمّنة عنهما ، وبما أنّها جارية في الركوع أيضاً فتسقطان بالمعارضة.

ويندفع : بامتناع الجريان فيهما حتّى بلحاظ هذا الأثر ، إذ يلزم من فرض الجريان عدمه ، فإنّ الأثر المرغوب منه إنّما هو التأمين من ناحية القضاء أو سجود السهو حسب الفرض ، فلا بدّ وأن يكون هذا الأثر مشكوكاً فيه لنحتاج إلى المؤمّن ويتحقّق معه موضوع التمسّك بالقاعدة ، مع أنّه يلزم من جريانها انتفاء الشك وحصول القطع الوجداني بعدم الحاجة إلى القضاء أو سجدتي السهو.

فإنّ القاعدة لا تجري حينئذ في الركوع بالضرورة ، للزوم المخالفة العملية ، بل المرجع فيه أصالة العدم ، فيجب الرجوع لتدارك الركوع بطبيعة الحال ، وبعد ما ركع يقطع بعدم الحاجة إليهما وأنّه مأمون من ناحيتهما.

فانّ المتروك إن كان هو الركوع فقد أتى بالقراءة أو السجدة فلا موضوع للأثر المزبور ، وإن كان غيره فحيث إنّه أتى بالركوع ثانياً بمقتضى الاستصحاب فقد بطلت الصلاة لزيادة الركن ، ولا قضاء كما لا سجود للسهو في الصلاة الباطلة ، فيقطع بعدم الحاجة إليهما على التقديرين كما ذكرناه. فتلغو فائدة الجريان ، بل يلزم من وجوده العدم كما مرّ.

وعلى الجملة : فلا تجري القاعدة فيهما وفي الركوع للزوم المخالفة ، ولا فيهما فقط للقطع بعدم الأثر بعد كون الركوع حينئذ مورداً لأصالة العدم. فالقاعدة التي شرعت بمناط المؤمّنية غير جارية في أمثال المقام ممّا يقطع بعدم ترتيب الأثر المرغوب على الجريان.

١٨٠