موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[٢١٤٣] المسألة العاشرة : إذا شكّ في أنّ الركعة التي بيده رابعة المغرب أو أنّه سلّم على الثلاث وهذه اولى العشاء (١) فان كان بعد الركوع بطلت (*) ووجب عليه إعادة المغرب ، وإن كان قبله يجعلها من المغرب ويجلس ويتشهّد ويسلّم ثمّ يسجد سجدتي السهو لكلّ زيادة من قوله : «بحول الله» وللقيام وللتسبيحات احتياطاً ، وإن كان في وجوبها إشكال ، من حيث عدم علمه بحصول الزيادة في المغرب.

______________________________________________________

الدخول في ركعة الاحتياط بالأصل ، فهو في حكم الشارع بمثابة العالم بعدم الإتيان بصلاة الاحتياط ، ومثله محكوم بالإتيان بها ، وبذلك يحكم بصحّتها وتماميتها وكونها جابرة على تقدير الحاجة إليها ، ومعه يحرز الامتثال على كلّ حال. فلا حاجة إلى إعادة أصل الصلاة.

ومنه يظهر الجواب عن العلم الإجمالي المزبور ، فإنّه لا أثر له ، إذ ليس لنا شك في وجوب صلاة الاحتياط ، فإنّه معلوم تفصيلاً ، وإنّما الشكّ في انطباقها على الموجود الخارجي من أجل احتمال اشتماله على زيادة الركعة والتكبيرة وكذا زيادة التشهّد والتسليم في الركعة الأُولى منها ، فاذا دفعنا احتمال هذه الزيادات بأصالة العدم حكم بالانطباق ، ومعه لم يبق مجال لاحتمال وجوب الإعادة أصلاً كما لا يخفى.

(١) الشك المزبور قد يفرض قبل الدخول في الركوع ، وأُخرى بعده.

أمّا في الفرض الأوّل : فالصحيح ما ذكره في المتن من جعلها من المغرب بمقتضى قاعدة الاشتغال ، أو استصحاب كونه في المغرب وعدم الدخول في

__________________

(*) الحكم بصحّة المغرب حينئذٍ ووجوب استئناف العشاء لا يخلو من وجه قويّ.

١٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

العشاء بعد وضوح عدم جريان قاعدة الفراغ للشكّ فيه ، ولا التجاوز لعدم إحراز الدخول في الغير المترتِّب المحقق للتجاوز عن المحل ، وعليه فيهدم القيام ويجلس ويتشهّد ويسلّم ، وبذلك يقطع ببراءة الذمّة عن المغرب.

ولا يجب عليه سجود السهو للزيادات الصادرة من قول : بحول الله ، والقيام والقراءة أو التسبيح ، وإن حكم في المتن بوجوبه احتياطاً واستشكل فيه أخيراً وذلك للشكّ في تحقّق الزيادة وحصولها في صلاة المغرب. ومن المعلوم أنّ قاعدة الاشتغال أو الاستصحاب لا تثبت ذلك ، فيرجع حينئذ في نفي الوجوب إلى أصالة البراءة وإن قلنا بسجود السهو لكلّ زيادة ونقيصة. وهذا كلّه ظاهر.

إنّما الكلام في أنّه هل يتعيّن عليه جعل الركعة من المغرب كما ذكرناه ، وهو الظاهر من المتن أيضاً ، أم أنّه مخيّر بينه وبين جعلها عشاءً ولو رجاءً فيتمّها ثمّ يعيد الصلاتين معاً احتياطاً.

قد يقال بالثاني ، نظراً إلى أنّ المصلّي حين الاشتغال بالركعة يعلم بكونه في صلاة صحيحة أمّا المغرب أو العشاء ، فيعلم بكونه مشمولاً حينئذ لدليل حرمة إبطال الفريضة ، وبما أنّ البناء على كلّ من الطرفين فيه احتمال الموافقة من جهة والمخالفة من جهة من غير ترجيح في البين ، فيتخيّر بين الأمرين بعد عدم التمكّن من تحصيل الموافقة القطعية في شي‌ء منهما ، وإنّما هي احتمالية ، كالمخالفة من جهة العلم الإجمالي بحرمة إبطال واحدة منهما.

وعليه فحكم الماتن (قدس سره) بجعلها من المغرب ليس على وجه اللّزوم وإنّما هو إرشاد إلى ما به يتحقّق القطع بالخروج عن عهدة المغرب ، وإن تضمّن احتمال المخالفة لدليل حرمة القطع بالإضافة إلى العشاء ، لتطرّق هذا الاحتمال على كلّ حال كما عرفت ، وإلّا فله جعلها عشاءً وتتميمها رجاءً ثمّ إعادة الصلاتين احتياطاً.

١٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ويرد عليه أوّلاً : ما أشرنا إليه في مطاوي الأبحاث السابقة (١) ، وسيجي‌ء التعرّض له في بعض الفروع الآتية من أنّ حرمة قطع الفريضة على القول بها خاصّة بما إذا أمكن إتمامها والاقتصار عليها في مقام الامتثال ، وإلّا فلا دليل على حرمة القطع حينئذ بوجه ، ولا شك في عدم جواز الاجتزاء والاقتصار على إتمام العشاء في المقام ، لعدم إحراز نيّتها أوّلاً ، وعدم إحراز ترتّبها على المغرب ثانياً ، للشك في فراغ الذمّة عن تلك الفريضة حسب الفرض.

وعليه فحرمة القطع بالإضافة إلى صلاة العشاء غير ثابتة جزماً ، بل هي خاصّة بصلاة المغرب ، حيث يمكن إتمامها والاجتزاء بها في مرحلة الامتثال. فليس لنا علم إجمالي بحرمة قطع إحدى الصلاتين ليجري التخيير بالتقرير المذكور.

وثانياً : سلّمنا حرمة القطع على الإطلاق ، المستلزم للعلم الإجمالي المزبور إلّا أنّ استصحاب بقائه في المغرب وعدم الإتيان بالجزء الأخير منها وعدم الدخول في العشاء حاكم عليه ورافع للترديد ، وكاشف عن حال الركعة التي بيده. وبذلك ينحلّ العلم الإجمالي ، فيتعيّن عليه جعلها من المغرب ، ولا يسوغ البناء على العشاء ولو بعنوان الرجاء ، لاستلزامه القطع المحرّم ، غير الجاري في عكسه بحكم الاستصحاب كما عرفت. فالأظهر بناءً على حرمة القطع أنّ الحكم المذكور في المتن مبني على جهة اللّزوم ، دون الجواز والتخيير.

وأمّا في الفرض الثاني أعني ما لو عرض الشك بعد الدخول في الركوع فقد حكم في المتن ببطلان صلاته ووجوب إعادة المغرب.

أمّا الأوّل : فلعدم إمكان تتميمها لا عشاءً لعدم إحراز نيّتها ولا الترتيب المعتبر فيها ، ولا مغرباً إذ لا رابعة فيها.

__________________

(١) شرح العروة ١٨ : ٢١٠.

١٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا الثاني : فلأنه مقتضى قاعدة الاشتغال ، للشكّ في الخروج عن عهدة التشهّد والتسليم ، بل الحكم عليهما بعدم الإتيان بمقتضى الأصل بعد عدم إمكان الرجوع والتدارك ، لفوات محلّه بالدخول في الركن.

ولا مجال لإحرازهما لا بقاعدة الفراغ للشكّ في تحقّق الفراغ والخروج عن المغرب ، ولا بقاعدة التجاوز لعدم إحراز الدخول في الجزء المترتِّب ، لجواز أن يكون ما بيده رابعة المغرب. ومن المعلوم عدم الترتّب بين الركعة الزائدة الفاسدة وبين الأجزاء الأصلية ، فلا يمكن إحراز المغرب تامّة بوجه. فلا مناص من إعادتها بمقتضى قاعدة الاشتغال كما ذكرناه ، ثمّ الإتيان بالعشاء.

أقول : أمّا بطلان الصلاة التي بيده لعدم إمكان تصحيحها بوجه فممّا لا ينبغي الإشكال فيه كما ذكر. فلا مناص من استئناف العشاء.

وأمّا وجوب إعادة المغرب فالمشهور وإن كان ذلك حيث حكموا ببطلانها بالتقريب المتقدّم ، إلّا أنّ الأظهر جواز تصحيحها استناداً إلى قاعدة الفراغ نظراً إلى أنّ الفراغ بعنوانه لم يرد في شي‌ء من نصوص الباب (١) ليعترض بعدم إحرازه في المقام بعد احتمال أن يكون ما بيده رابعة المغرب ، المستلزم لعدم الإتيان بالتشهّد والتسليم ، فلم يتحقّق الفراغ.

وإنّما الوارد فيها عنوان المضي كما في قوله (عليه السلام) : «كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو» (٢) أو عنوان التجاوز كما في النصوص

__________________

(١) نعم ، ورد ذلك في صحيحة محمّد بن مسلم الوسائل ٨ : ٢٤٦ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٧ ح ٢ إلّا أنّها لا تدلّ على اختصاص موضوع الحكم به ، لعدم التنافي بينها وبين ما دلّ على أنّ العبرة بمطلق المضي ، هذا أوّلاً. وثانياً : لا شبهة أنّ المراد الفراغ من الصلاة الأعم من الصحيحة والفاسدة ، وهو محرز في المقام بلا كلام.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ٣.

١٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الأُخر (١). وكما يصدق المضي والتجاوز الّذي هو بمعنى التعدّي عن الشي‌ء بالتسليم والخروج عن الصلاة كذلك يتحقّق بالدخول فيما لا يمكن معه التدارك على تقدير النقص إلّا بإعادة العمل.

ولأجله ذكرنا في محلّه (٢) أنّه لو رأى نفسه مرتكباً لشي‌ء من المنافيات كالحدث والاستدبار وعندئذ شكّ في صحّة صلاته لأجل الشك في التسليم ، أو فيه وفي التشهّد ، بل ومع السجود فإنّه يبني على الصحّة بقاعدة الفراغ ، باعتبار أنّ امتناع التدارك يوجب صدق عنوان المضي حقيقة ، فإنّه يقال حينئذ من غير أيّة عناية : إنّه قد مضت صلاته بالمعنى الأعم من الصحيحة والفاسدة وتجاوز وتعدّى عنها. فيحكم بصحّتها بمقتضى قوله (عليه السلام) : «فأمضه كما هو» إذ لا قصور في شمول إطلاق النصوص لهذه الصورة أيضاً كما لا يخفى.

والمقام من هذا القبيل ، فانّ الدخول في الركوع الّذي هو ركن بمثابة ارتكاب المنافي ، المانع عن إمكان التدارك. فشكّه حينئذ في التشهّد والتسليم شكّ بعد مضي الصلاة ، فلا يعتنى به بمقتضى قاعدة الفراغ ، فانّ الفراغ بعنوانه وإن لم يكن محرزاً إلّا أنّه لا اعتبار به كما عرفت ، بل المدار على عنوان المضي المأخوذ في لسان الأدلّة ، الّذي لا ينبغي التأمّل في صدقه وتحقّقه في المقام.

ومن الغريب جدّاً أنّ شيخنا الأُستاذ (قدس سره) (٣) مع التزامه بجريان قاعدة الفراغ في المثال المتقدّم أعني الشك في التسليم بعد ارتكاب المنافي وافق في الحكم بإعادة المغرب في المقام ، فأنكر جريان القاعدة هنا ، مع عدم وضوح الفرق بين المقامين ، فانّ المسألتين من واد واحد. فان قلنا بجريانها

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٦٩ / أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٢.

(٢) شرح العروة ١٨ : ١٤٤.

(٣) كتاب الصلاة ٣ : ١٣٦.

١٤٥

[٢١٤٤] المسألة الحادية عشرة : إذا شكّ وهو جالس بعد السجدتين بين الاثنتين والثلاث وعلم بعدم إتيان التشهّد في هذه الصلاة فلا إشكال في أنّه يجب عليه أن يبني على الثلاث ، لكن هل عليه أن يتشهّد أم لا؟ وجهان ، لا يبعد عدم الوجوب ، بل وجوب قضائه بعد الفراغ إمّا لأنّه مقتضى البناء على الثلاث (*) وإمّا لأنّه لا يعلم بقاء محل التشهّد من حيث إنّ محلّه الركعة الثانية وكونه فيها مشكوك ، بل محكوم بالعدم. وأمّا لو شكّ وهو قائم بين الثلاث والأربع مع علمه بعدم الإتيان بالتشهّد في الثانية فحكمه المضيّ والقضاء بعد السلام ، لأنّ الشك بعد تجاوز محلّه (١).

______________________________________________________

هناك لكفاية صدق المضي وعدم لزوم إحراز الفراغ جرت هنا أيضاً لعين المناط وإلّا لم تجر في شي‌ء منهما.

فالتفكيك غير ظاهر الوجه (١). وقد عرفت أنّ الأظهر الكفاية ، فتجري في كلا المقامين.

فتحصّل : أنّ الأظهر صحّة المغرب بقاعدة الفراغ ، وليس عليه إلّا استئناف العشاء كما عرفت.

(١) إذا شكّ في عدد الركعات مع علمه بعدم الإتيان بالتشهّد في هذه الصلاة ، فقد ذكر في المتن أنّ هذا قد يكون في حال الجلوس ، وأُخرى في حال القيام.

__________________

(*) هذا الوجه هو الصحيح ، وهو المرجع في الفرض الآتي أيضاً.

(١) ومن المعلوم أنّه (قدس سره) [كما في كتاب الصلاة ٣ : ١٣٥ ١٣٦] لا يرى جريان حديث لا تعاد في من تذكّر نسيان السلام بعد الدخول في المنافيات ليتوهّم أنّه الفارق بين المقامين.

١٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ففي الأوّل : كما لو شكّ وهو جالس بعد إكمال السجدتين بين الثنتين والثلاث فمن حيث البناء على الأكثر لا إشكال في وجوبه ، لإطلاق دليله الشامل للفرض كما هو واضح ، وأمّا من حيث التشهّد المقطوع بعدم إتيانه المحكوم بالقضاء لو كانت الركعة ثالثة ، وبالإتيان لو كانت ثانية لبقاء محلّه فهل يجب الإتيان به فعلاً؟ ذكر (قدس سره) أنّه لا يبعد عدم الوجوب ، وأنّه يقضي بعد الفراغ واستدلّ له بأحد وجهين :

الأوّل : أنّ هذا هو مقتضى البناء على الثلاث ، لظهور دليله في أنّه يعامل مع هذه الركعة معاملة الركعة الثالثة من جميع الجهات حتّى من حيث عدم اشتمالها على التشهّد ، وفوات محلّ تداركه بالدخول فيها.

الثاني : عدم إحراز بقاء المحلّ ، فانّ محلّ التشهّد الركعة الثانية ، وكونه فيها مشكوك فيه ، بل محكوم بالعدم كما لا يخفى.

وأمّا في الثاني : كما لو شكّ وهو قائم بين الثلاث والأربع ، والمفروض علمه بعدم الإتيان بالتشهّد في هذه الصلاة ، فذكر (قدس سره) أنّ حكمه المضي والقضاء بعد السلام ، لأنّ الشكّ في التشهّد باعتبار عروضه بعد الدخول في القيام شكّ بعد تجاوز المحلّ فلا يعتنى به بمقتضى قاعدة التجاوز.

فكأنه (قدس سره) يرى أنّ الأمر في هذا الفرع أوضح من سابقه ، نظراً إلى اختصاصه بقاعدة التجاوز غير الجارية في الفرع السابق ، لعدم إحراز التجاوز ثمة.

أقول : أمّا في الفرع الأخير فربما يورد عليه بأنّ المفروض في المسألة العلم بعدم الإتيان بالتشهّد في هذه الصلاة ، ومعه كيف يتمسّك بقاعدة التجاوز التي موردها الشك لا غير.

ويندفع بأنّ مراده (قدس سره) إجراء القاعدة بالإضافة إلى الركعة التي قام

١٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

عنها بخصوصها ، وأنّه هل أتى بوظيفته المقرّرة فيها أم لا ، فإنّها إن كانت الثانية فقد أخلّ ، وإلّا لم يخل. ولا منافاة بين هذا الشك وبين العلم بعدم الإتيان بالتشهّد في هذه الصلاة.

وبعبارة اخرى : العلم المزبور يحدث الشك في خروجه عن عهدة الركعة التي قام عنها وأنّه هل بقي عليه شي‌ء منها أم لا ، فإنّها إن كانت الثانية فقد بقي عليه التشهّد ، لبقاء محلّ تداركه بعد أن لم يكن داخلاً في الركن ، وإن كانت الثالثة لم يبق عليه شي‌ء منها ، وإنّما عليه قضاء ما فات عن الثانية الّذي لا يمكن تداركه. وبما أنّ هذا الشك قد طرأ بعد الدخول في القيام الّذي به تحقّق التجاوز عن محلّ التشهّد على تقدير وجوبه في هذه الركعة ، فلا مانع من التمسّك بقاعدة التجاوز لنفيه وعدم الاعتناء به.

نعم ، يرد عليه ما ذكرناه في محلّه (١) من أنّ القاعدة لا تعمّ موارد المصادفات الواقعية ، فإنّ مورد تشريعها ما إذا شكّ المكلّف بعد علمه بثبوت الأمر في تحقّق الامتثال وانطباق المأمور به على المأتي به ، من أجل احتمال غفلته عن بعض الخصوصيات التي يذهل عنها غالباً بعد التجاوز والانتهاء عن العمل ، ولا تكون الصورة محفوظة ، فإنّه لا يعتني بهذا الاحتمال ، لكونه أذكر حين العمل وأقرب إلى الحق كما علّل بذلك في بعض نصوص الباب (٢).

وأمّا إذا لم تحتمل الغفلة لانحفاظ صورة العمل ، وكانت حالته بعد العمل كحالته حينه ، للقطع فعلاً بما صدر عنه سابقاً وعدم كونه آن ذاك أذكر ، وإنّما الشك في الصحّة لمجرّد احتمال المصادفة الاتفاقية والمطابقة مع الواقع ، الخارجة

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٣٠٦.

(٢) الوسائل ١ : ٤٧١ / أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٧ ، ٨ : ٢٤٦ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٧ ح ٣.

١٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

عن تحت الاختيار كما لو فرغ عن صلاته فشكّ في أنّ هذه الجهة المعيّنة التي صلّى إليها هل هي قبلة أم لا ، أو فرغ عن وضوئه فشكّ في أنّ هذا المائع الخاص الّذي توضّأ به هل هو ماء أم لا ، فأحتمل الصحّة لمحض الصدفة ، ففي أمثال ذلك لا تجري القاعدة بوجه ، لعدم تكفّلها لإثبات الصحّة المستندة إلى الاتفاق البحت.

والمقام من هذا القبيل ، فإنّه يعلم بعدم تشهّده في الركعة التي قام عنها فصورة العمل محفوظة ، وإنّما يحتمل الصحّة لمجرّد الصدفة ، وأن تكون هي الركعة الثالثة واقعاً التي لا أمر بالتشهّد فيها. فشكّه في الخروج عن عهدة تلك الركعة والإتيان بالوظيفة المقرّرة لا يستند إلى احتمال الغفلة ، بل يرتبط بالمصادفات الواقعية ، وقد عرفت عدم جريان القاعدة في أمثال المقام.

فحال هذا الفرع حال الفرع السابق ، وحكم القيام حكم الجلوس بعينه ولا يزيد عليه بشي‌ء ، والمسألتان من وادٍ واحد ، فيجري فيه ما نذكره فيه.

فنقول : قد عرفت أنّ الماتن ذكر وجهين لعدم وجوب التشهّد في المقام.

أمّا الوجه الأوّل أعني استظهار ذلك من نفس أدلّة البناء على الأكثر ، فحق لا محيص عن الالتزام به ، فانّ الظاهر من تلك الأدلّة المعاملة مع الركعة المشكوكة معاملة الركعة الثالثة الواقعية ، لا من حيث العدد فقط ، بل من جميع الجهات التي منها أنّه لا تشهّد فيها.

ويؤيِّده بل يدلّ عليه أنّ هذا الشك أعني الشك بين الثنتين والثلاث يعرض غالباً حال الجلوس وقبل الشروع في التشهّد أو قبل استكماله ، وقلّما يتّفق بعد الانتهاء عنه ، ولم يرد ولا في رواية ضعيفة كما لم يفت فقيه بوجوب الإتيان بالتشهّد أو استكماله بعد البناء على الثلاث ، وليس ذلك إلّا لما عرفت من لزوم ترتيب جميع آثار الركعة الثالثة الواقعية على الركعة البنائية.

١٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ويعضده أيضاً أنّ النظر فيها لو كان مقصوراً على حيثية العدد فقط لكان اللّازم الإتيان بالتشهّد بمقتضى قاعدة الاشتغال في من شكّ بين الثنتين والثلاث وعلم أنّه على تقدير الثلاث قد أتى بالتشهّد في الركعة الثانية ، وهو كما ترى.

وعلى الجملة : فهذا الوجه هو الوجه الصحيح الّذي نعتمد عليه ، ولأجله نحكم بمضي محلّ التشهّد بمقتضى البناء على أنّ ما بيده ثالثة ، فلا يأتي به حينئذ ، بل يقضيه خارج الصلاة إن قلنا بلزوم قضاء التشهّد المنسي ، وإلّا كما هو الصحيح فليس عليه إلّا سجود السهو لنسيانه.

وأمّا الوجه الثاني وهو عدم العلم ببقاء المحلّ فلا يمكن المساعدة عليه بوجه ، فانّا لو أغمضنا عن الوجه الأوّل وبنينا على أنّ النظر في تلك الأدلّة مقصور على حيثية العدد فقط ، فيمكننا إحراز بقاء المحل بالاستصحاب بأن يقال : إنّ محلّ التشهّد كان محفوظاً حين رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الثانية يقيناً ، ويشكّ في الانتقال من تلك الحالة إلى حالة اخرى باعتبار الشكّ في أنّ ما بيده هل هي الثانية أم الثالثة ، ومقتضى الاستصحاب البقاء على ما كان.

ونتيجة ذلك لزوم الإتيان بالتشهّد إن كان جالساً ، ولزوم هدم القيام والإتيان به إن كان قائماً وشاكّاً بين الثلاث والأربع ، فإنّه أيضاً مجرى للاستصحاب ، باعتبار الشك في الخروج عن المحلّ الذكري للتشهّد ، المقطوع ثبوته سابقاً فيبني على ما كان.

وتوهّم معارضته بأصالة عدم كون الركعة الثانية هي التي بيده على سبيل استصحاب العدم الأزلي ، مدفوع بانتقاض العدم الأزلي باليقين بالوجود المفروض في مورد الاستصحاب الأوّل ، ولا حاجة إلى إثبات أنّ ما بيده هي الثانية كما لا يخفى ، فليتأمّل.

١٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

والحاصل : أنّه يبني على الثلاث أو الأربع بمقتضى أدلّة البناء ، المفروض قصر النظر فيها على العدد ، وفي عين الحال يلزمه الإتيان بالتشهّد بمقتضى الاستصحاب ، فيجمع بين الأمرين عملاً بكلّ من الدليلين من غير تناف في البين.

عدا ما يتوهّم من أنّه لو فعل ذلك لحصل له العلم الإجمالي إمّا بزيادة التشهّد لو كان ما بيده هي الركعة الثالثة واقعاً ، أو بنقصان الصلاة ركعة لو كانت ثانية ، إذ قد سلّم حينئذ على الثلاث وأتى بالركعة المشكوكة مفصولة بمقتضى أدلّة البناء ، مع أنّ اللّازم الإتيان بها موصولة. ونتيجة ذلك ما عرفت من النقص.

وحينئذ فان قلنا بأنّ هذه الزيادة تعدّ من الزيادة العمدية فقد حصل له العلم الإجمالي ببطلان الصلاة إمّا لأجل الزيادة العمدية ، أو لأجل النقيصة كذلك.

وإن قلنا بأنّها تعدّ من السهوية فهو يعلم إجمالاً إمّا بوجوب سجدتي السهو لزيادة التشهّد ، أو بنقصان الصلاة ركعة الموجب لإعادتها. ولا مجال للرجوع إلى أصالة عدم الزيادة ، ضرورة أنّ الجمع بينها وبين العمل بقاعدة البناء على الأكثر موجب للمخالفة القطعية العملية للمعلوم بالإجمال. فلا يمكن إحراز صحّة الصلاة إلّا بإعادتها.

أقول : أمّا حديث الزيادة العمدية فساقط جزماً في أمثال المقام ممّا كانت الزيادة مستندة إلى أمر الشارع ولو أمراً ظاهرياً مستنداً إلى الاستصحاب.

ومن هنا لو شكّ وهو في المحلّ فأتى بالمشكوك فيه بقاعدة الشك في المحل المستندة إلى الاستصحاب أو قاعدة الاشتغال ، ثمّ انكشف الخلاف وأنّه كان آتياً به فاتّصف المأتي به ثانياً بالزيادة لم يفت فقيه بالبطلان في غير الجزء

١٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

الركني ، فيعلم من ذلك عدم الاندراج في عنوان الزيادة العمدية وإن قصد به الجزئية ، بعد أن كان الإتيان به مستنداً إلى الوظيفة الشرعية ولم يكن من تلقاء نفسه.

فالزيادة في أمثال المقام ملحقة بالزيادة السهوية بلا كلام ، فانّ المراد بها ما لا تكون عمدية ، لا خصوص المتّصف بالسهو والغفلة كما لا يخفى.

وحينئذ فان قلنا بأنّ زيادة التشهّد سهواً لا توجب سجود السهو لعدم القول بوجوبه لكلّ زيادة ونقيصة فالأمر ظاهر ، لانتفاء العلم الإجمالي حينئذ رأساً.

وأمّا إذا قلنا بالوجوب فالعلم الإجمالي بوجوب سجدتي السهو أو بنقصان الصلاة ركعة وإن كان حاصلاً إلّا أنّه لا أثر له في المقام ، إذ لا ضير في نقص الركعة حتّى واقعاً بعد أن كانت منجبرة بركعة الاحتياط وكانت الصلاة معها تامّة وموصوفة بالصحّة الواقعية كما نطقت به موثّقة عمار : «إلا أُعلِّمك شيئاً ...» إلخ (١).

ولذا ذكرنا في محلّه (٢) أنّ الركعة المفصولة جزء حقيقي على تقدير النقص ، إذ لا يكون السلام مخرجاً في هذا الفرض ، للتخصيص في دليل المخرجية ، كما أنّ زيادة التكبير لا تكون قادحة على القول بقدحها في نفسها.

فلا يكون المطلوب من هذا الشخص حتّى في متن الواقع إلّا الإتيان بالركعة المشكوكة مفصولة ما دام كونه شاكّاً وموضوعاً لدليل البناء على الأكثر المتحقّق في المقام بالوجدان ، ولا بدّ في تنجيز العلم الإجمالي من وجود أثر

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٣ [الظاهر كونها ضعيفة سنداً].

(٢) شرح العروة ١٨ : ٢٧٩ وما بعدها.

١٥٢

[٢١٤٥] المسألة الثانية عشرة : إذا شكّ في أنّه بعد الركوع من الثالثة أو قبل الركوع من الرابعة بنى على الثاني (*) (١) لأنّه شاكّ بين الثلاث

______________________________________________________

للمعلوم بالإجمال مترتّب في الواقع على كلّ تقدير ، وهو منفي في المقام كما عرفت.

وعلى الجملة : لو كان النقصان محكوماً بالبطلان واقعاً لتمّ ما أُفيد ، وكان المقام نظير العلم الإجمالي بنجاسة أحد الإناءين ، الّذي يترتّب عليه الأثر على كلّ تقدير. ولكنّه ليس كذلك ، لانقلاب الوظيفة الواقعية بالعمل بمؤدّى دليل البناء على الأكثر. فليس في البين عدا أثر واحد ، وهو وجوب سجود السهو على تقدير زيادة التشهّد.

وحينئذ فتجري أصالة عدم الزيادة من غير معارض ، وبذلك يسقط العلم الإجمالي عن التنجيز ، لعدم معارضة الأُصول الجارية في الأطراف ، إذ لا يلزم من أصالة عدم زيادة التشهّد والعمل بقاعدة البناء على الأكثر مخالفة قطعية عملية للمعلوم بالإجمال كما عرفت بما لا مزيد عليه.

والصحيح كما مرّ هو الوجه الأوّل المذكور في المتن ، فليس له الإتيان بالتشهّد أصلاً. ولكن مع الغضّ عنه والاستناد إلى الوجه الثاني فقد عرفت ضعفه ولزوم الإتيان بالتشهّد حينئذ. والعلم الإجمالي المذكور مدفوع بما عرفت.

(١) إذا شكّ بين الثلاث والأربع وهو قائم ، وعلم أنّه إن كان في الثالثة فهذا قيام بعد الركوع ، وإن كان في الرابعة فهو قيام قبل الركوع.

ذكر (قدس سره) أنّه يبني على الأربع بمقتضى فرض شكّه بين الثلاث

__________________

(*) بل يحكم ببطلان الصلاة ، للقطع بعدم كون صلاة الاحتياط جابراً على تقدير النقص.

١٥٣

والأربع ، ويجب عليه الركوع لأنّه شاك فيه مع بقاء محلّه ، وأيضاً هو مقتضى البناء على الأربع في هذه الصورة. وأمّا لو انعكس بأن كان شاكّاً في أنّه قبل الركوع من الثالثة أو بعده من الرابعة فيحتمل وجوب البناء على الأربع بعد الركوع ، فلا يركع بل يسجد ويتمّ ، وذلك لأنّ مقتضى البناء على الأكثر البناء عليه من حيث إنّه أحد طرفي شكّه ، وطرف الشك الأربع بعد الركوع ، لكن لا يبعد بطلان صلاته (*) لأنّه شاكّ في الركوع من هذه الركعة ، ومحلّه باق فيجب عليه أن يركع ، ومعه يعلم إجمالاً أنّه إمّا زاد ركوعاً أو نقص ركعة ، فلا يمكن إتمام الصلاة مع البناء على الأربع والإتيان بالركوع مع هذا العلم الإجمالي.

______________________________________________________

والأربع ويجب عليه حينئذ الإتيان بالركوع ، لكونه شاكّاً فيه مع بقاء محلّه ، إذ لم يعلم بالإتيان بركوع هذه الركعة وبعد لم يتجاوز المحل. مضافاً إلى أنّه مقتضى البناء على الأربع في هذه الصورة ، لعلمه بعدم الإتيان بالركوع لو كان في الرابعة ، ومقتضى البناء المزبور العمل بوظائف الركعة البنائية التي منها الإتيان بالركوع في مفروض المسألة.

وأمّا لو انعكس الفرض بأن علم أنّه إن كان في الثالثة فهذا قيام قبل الركوع ، وإن كان في الرابعة فهو قيام بعد الركوع ، فأحتمل (قدس سره) بدواً وجوب البناء على الأربع بعد الركوع ، فيمضي في صلاته من غير ركوع ، لأنّ

__________________

(*) بل هو المتعيّن ، لأنّه إن لم يركع في الركعة التي شكّ فيها بمقتضى البناء على الأربع فلا يحتمل جبر صلاة الاحتياط للنقص المحتمل ، وإن ركع من جهة كون الشك في المحلّ فلا تحتمل صحّة الصلاة في نفسها ، والجبر بصلاة الاحتياط إنّما هو في مورد الاحتمال المزبور.

١٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

مقتضى البناء على الأكثر البناء على الأربع الّذي هو أحد طرفي الشك ، وطرف الشك في المقام هو الأربع المقيّد بما بعد الركوع.

وأخيراً لم يستبعد (قدس سره) بطلان الصلاة ، نظراً إلى أنّه شاكّ بالأخرة في ركوع هذه الركعة مع بقاء محلّه ، وأدلّة البناء لا تتكفّل بإثبات اللوازم العقلية ، فيجب عليه أن يركع بمقتضى قاعدة الشك في المحل ، ومعه يعلم إجمالاً إمّا بزيادة الركوع لو كان ما بيده رابعة ، أو بنقصان الركعة لو كان الثالثة الموجب للبطلان على التقديرين.

فيلزم من إعمال القاعدتين أعني قاعدة الشك في المحل ، وقاعدة البناء على الأكثر المخالفة القطعية العملية للمعلوم بالإجمال ، فلا يمكن إتمام الصلاة مع هذا العلم الإجمالي. هذا حاصل ما أفاده (قدس سره) في هذه المسألة.

أقول : أمّا ما أفاده (قدس سره) أخيراً في وجه البطلان فقد ظهر الجواب عنه ممّا قدّمناه في ذيل المسألة السابقة ، حيث عرفت ثمّة أنّ نقصان الركعة متى كان طرفاً للعلم الإجمالي فلا أثر له بعد تداركها بركعة الاحتياط وكونها جابرة للنقص حتّى واقعاً وجزءاً متمّماً واقعياً لدى الحاجة إليها ، ولا بدّ في تنجيز العلم الإجمالي من فرض أثر مترتِّب على الواقع على كلّ تقدير ، وهو منفي في المقام ، إذ لا أثر في البين عدا احتمال زيادة الركوع المدفوعة بالأصل من غير معارض.

وأمّا أصل المسألة فالحقّ فيها هو البطلان في كلا الفرضين ، والوجه في ذلك : أنّ صحيحة صفوان (١) قد دلّتنا على البطلان في كلّ شك متعلّق بعدد الركعات ولم يكن معه ظن ، وهذا هو الأصل الأوّلي الّذي نعتمد عليه في عدم حجّية الاستصحاب في باب الركعات ، خرجنا عن ذلك في موارد الشكوك الصحيحة

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٥ ح ١.

١٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بمقتضى النصوص الكثيرة المتضمّنة للزوم البناء على الأكثر والإتيان بالركعة المشكوكة مفصولة ، التي عمدتها موثّقة عمار الناطقة بأنّ شأن تلك الركعة الجبر على تقدير النقص ، كما أنّها نافلة على التقدير الآخر (١).

والمستفاد من هذه النصوص ولا سيما الموثّقة أنّ مورد البناء وتشريع الركعة الضامنة لصحّة الصلاة وسلامتها عن الزيادة والنقصان ما إذا كانت هذه الركعة متّصفة بالجابرية على تقدير النقص ، وأن تكون الصلاة في حدّ ذاتها موصوفة بالصحّة من غير ناحية النقص ، بحيث لو كانت تامّة بحسب الواقع لكانت محكومة بالصحّة الفعلية ، كما أنّها لو كانت ناقصة لصحّت بعد ضمّ الركعة المفصولة.

وبعبارة اخرى : قوام ركعة الاحتياط بالاتِّصاف باحتمال الجابرية على فرض النقصان ، وأمّا إذا لم يحتمل الجبر إمّا لعدم النقصان أو للبطلان من جهة أُخرى فهو خارج عن موضوع أدلّة البناء ومشمول للأصل الأوّلي المتقدِّم الّذي مقتضاه البطلان كما عرفت. وهذا هو الضابط الكلِّي لجميع موارد التدارك بركعة الاحتياط ، الّذي به يتّضح الحال في جملة من الفروع الآتية ، فليكن على ذكر منك.

وهذا الضابط غير منطبق على مسألتنا هذه بكلا شقّيها.

أمّا في الفرض الأوّل : فللقطع بعدم الحاجة إلى ركعة الاحتياط ، لعدم اتِّصافها بالجابرية إمّا لتمامية الصلاة ، أو لبطلانها من جهة أُخرى ، فإنّه بعد أن بنى على الأربع وأتى بالركوع بمقتضى قاعدة الشك في المحلّ فان كانت الرابعة بحسب الواقع فالصلاة تامّة ، وإن كانت الثالثة فقد زاد ركوعاً فبطلت الصلاة

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٣ [الظاهر أنّها ضعيفة سنداً].

١٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

من أجل زيادة الركن ، فلا تكون الركعة جابرة في هذا التقدير ، وقد عرفت لزوم صلاحيتها للجبر على تقدير النقص ، المتوقّف على فرض صحّتها من سائر الجهات.

وأمّا في الفرض الثاني : فامّا أن يبني على الأربع ويمضي من غير ركوع كما احتمله الماتن أوّلاً ، أو يبني ويأتي بالركوع كما ذكره أخيراً استناداً إلى قاعدة الشك في المحلّ. ولا يمكن تصحيح الصلاة على التقديرين.

أمّا على الأوّل : فلعدم احتمال جبر صلاة الاحتياط للنقص المحتمل ، لأنّها إن كانت الرابعة فالصلاة تامّة ومعها لا حاجة إلى صلاة الاحتياط ، وإن كانت الثالثة فالصلاة باطلة لنقصان الركوع ، فلا تصلح الركعة لجبر النقص على هذا التقدير.

فهذه الصورة تفارق الصورة السابقة في أنّ منشأ البطلان هنا نقصان الركوع ، وهناك زيادته ، بعد اشتراكهما في القطع بعدم الحاجة إلى صلاة الاحتياط في تقدير ، وعدم صلاحيّتها لجبر النقص المحتمل في التقدير الآخر.

وأمّا على الثاني : فلأنّ ركعة الاحتياط وإن كانت جابرة على تقدير كون ما بيده الثالثة ، إلّا أنّها لو كانت الرابعة واقعاً فالصلاة باطلة لأجل زيادة الركوع. فلا يحتمل صحّتها في نفسها على تقدير الأربع ، ومورد الجبر بصلاة الاحتياط خاص بما إذا تطرّق الاحتمال المزبور.

وبعبارة اخرى : يعلم حينئذ أنّه عند التشهّد والتسليم لا أمر بهما جزماً ، إمّا لوقوعهما في الثالثة ، أو لكون الصلاة باطلة في نفسها ، فانّ التقدير الأوّل إنّما يكون مورداً للجبر فيما إذا احتمل وقوع التسليم على الرابعة الصحيحة ، غير المتحقّق فيما نحن فيه ، للجزم بالبطلان لو كانت الرابعة.

وملخّص الكلام : أنّ المستفاد من قوله (عليه السلام) في موثّقة عمار : «إلا

١٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

أُعلِّمك شيئاً إذا فعلته ثمّ ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي‌ء ...» إلخ ، وقوله (عليه السلام) بعد ذلك : «فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت ...» إلخ (١) أنّه يعتبر في مورد البناء على الأكثر فرض صحّة الصلاة مع قطع النظر عن الركعة المحتمل نقصانها حتّى يحكم بصحّتها بعد البناء المزبور وتدارك النقص المذكور بالركعة المفصولة ، وأنّها لا تتّصف بالجابرية إلّا في هذا التقدير.

كما يعتبر احتمال صحّتها لو كانت الصلاة تامّة والتسليم واقعاً في الركعة الرابعة ، لما مرّ من قوله (عليه السلام) : «ثمّ ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي‌ء» إذ لو كانت باطلة في نفسها لكان عليه شي‌ء وإن كانت تامّة من حيث الركعات ، وكذا قوله (عليه السلام) بعد ذلك : «فان كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شي‌ء». ونتيجة ذلك أنّ الركعة لا تكون موصوفة بالجبر إلّا بهذا الشرط ، بحيث يحتمل وقوع التسليم على الرابعة الصحيحة.

وهذا الضابط هو الأساس الوحيد والركن الوطيد في المشمولية لأدلّة البناء على الأكثر. وهو كما ترى غير منطبق على المقام.

إذ في الفرض الأوّل وكذا في أوّل التقديرين من الفرض الثاني أعني ما إذا مضى من غير ركوع بمقتضى البناء على الأربع لا يحتمل جبر صلاة الاحتياط للنقص المحتمل ، لبطلان الصلاة في نفسها لو كانت ناقصة حتّى مع قطع النظر عن نقص الركعة ، إمّا لزيادة الركوع كما في الأوّل أو لنقصانه كما في الثاني ، فلا تكون الركعة المفصولة نافعة بوجه ، إذ لا تكون جابرة للصلاة المحكومة بالبطلان في حدّ ذاتها كما عرفت.

وأمّا في التقدير الثاني من الفرض الثاني أعني ما لو أتى بالركوع بمقتضى الشكّ في المحلّ فلأنّ الركعة وإن كانت صالحة في حدّ ذاتها للجبر على تقدير

__________________

(١) [تقدّم ذكر مصدرها والملاحظة في سندها في ص ١٥٦].

١٥٨

[٢١٤٦] المسألة الثالثة عشرة : إذا كان قائماً وهو في الركعة الثانية من الصلاة وعلم أنّه أتى في هذه الصلاة بركوعين ولا يدري أنّه أتى بكليهما في الركعة الأُولى حتّى تكون الصلاة باطلة أو أتى فيها بواحد وأتى بالآخر في هذه الركعة (١) فالظاهر بطلان الصلاة ، لأنّه شاك في ركوع هذه الركعة ومحلّه

______________________________________________________

النقص ، لفرض الصحّة من غير ناحية نقص الركعة لو كان ما بيده الثالثة ، إلّا أنّ الشرط في فعلية الجبر أن يكون الطرف الآخر للاحتمال هو الأربع الصحيح المفقود فيما نحن فيه.

وبعبارة واضحة : لا بدّ في مورد الجبر والبناء على الأكثر من احتمال الصحّة الواقعية على كلّ من تقديري النقص والتمامية بمقتضى قوله (عليه السلام) في الموثّقة : «ثمّ ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي‌ء» بحيث يحتمل وقوع التسليم في الرابعة الصحيحة.

وهذا مفقود في المقام ، للقطع بالبطلان لو كان ما بيده الرابعة ، من أجل زيادة الركوع حينئذ ، فلا يحتمل تسليمه على الأربع الصحيح. فهو يعلم بعدم الأمر بهذا التسليم جزماً ، إمّا لوقوعه في الثالثة أو في الرابعة الباطلة ، ومثله لا يكون مورداً للركعة الجابرة. فلا جرم يندرج في الشكوك الباطلة بمقتضى ما أسّسناه من الأصل المتقدّم المستفاد من صحيحة صفوان ، وبذلك تعرف أنّ الأظهر البطلان في جميع فروض المسألة وشقوقها.

(١) فهو عالم عند كونه قائماً في الركعة الثانية بالإتيان بذات الركوعين وشاكّ في محلّهما وأنّه هل أتى بهما معاً في الركعة الأُولى وهذا قيام قبل الركوع لتبطل الصلاة من أجل زيادة الركن ، أو أتى بكلّ منهما في محلّه وهذا قيام بعد الركوع لتكون الصلاة محكومة بالصحّة.

١٥٩

باق (*) ، فيجب عليه أن يركع مع أنّه إذا ركع يعلم بزيادة ركوع في صلاته ولا يجوز له أن لا يركع مع بقاء محلّه فلا يمكنه تصحيح الصلاة.

______________________________________________________

ذكر الماتن (قدس سره) أنّ الظاهر حينئذ البطلان ، نظراً إلى أنّه شاك في ركوع هذه الركعة ، وبما أنّ محلّه باقٍ فيجب عليه أن يركع بمقتضى قاعدة الاشتغال أو الاستصحاب ، بل الأدلّة الخاصّة الدالّة على لزوم الاعتناء بالشك العارض في المحل (١) ، فلا يجوز له المضي من غير ركوع بعد فرض بقاء محلّه ، مع أنّه إذا ركع يقطع بزيادة ركوع في صلاته إمّا في هذه الركعة أو في الركعة السابقة فلا يمكنه تصحيح الصلاة بوجه ، هذا.

والمناقشة فيما أفاده (قدس سره) لعلّها واضحة ، إذ كيف يكون المحل باقياً مع العلم بعدم الأمر فعلاً بالركوع في هذه الركعة أمّا لامتثاله وسقوط أمره ، أو لبطلان الصلاة قبل حين ، ومعلوم أنّه لا أمر بالركوع في الصلاة الباطلة ، ولا شكّ أنّ قاعدة الاشتغال التي موردها الشك في الامتثال تتقوّم باحتمال بقاء الأمر ، ولا أمر هنا بالركوع جزماً أمّا للإتيان أو للبطلان.

كما لا مورد للاستصحاب أيضاً ، لعدم احتمال بقاء الأمر ليستصحب ، وكذا الأدلّة الخاصّة ، فإنّ موضوعها الشك واحتمال وجود الأمر المنفي في الفرض كما عرفت.

__________________

(*) كيف يكون باقياً مع العلم بعدم الأمر بالركوع إمّا للإتيان به وإمّا لبطلان الصلاة وعليه فلا يبعد الحكم بصحّة الصلاة لجريان قاعدة الفراغ في الركوع الثاني الّذي شكّ في صحّته وفساده من جهة الشك في ترتّبه على السجدتين في الركعة الأُولى وعدمه.

(١) الوسائل ٦ : ٣٦٩ / أبواب السجود ب ١٥ ح ١ ، ٤ ، ٦ ، ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ١.

١٦٠