موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

حكميهما. فلا مناص من الالتزام بدخالة عنوان الحدوث ليمتاز أحدهما عن الآخر وإن قارنه بقاء.

ويندفع : بعدم اشتمال شي‌ء من الأدلّة على عنوان الحدوث ، وإنّما المذكور فيها كما سبق أنّ الإعادة في الأُوليين والوهم في الأخيرتين ، وهذا كما ترى ظاهر في أنّ الاعتبار بتعلّق الشك بالأخيرتين في قبال تعلّقه بالأولتين.

وهو عبارة أُخرى عن لزوم كون الشاك حافظاً للأولتين ، وأنّ الشك إن كان متعلّقاً بهما كما لو شكّ بين الثنتين والثلاث قبل إكمال السجدتين ، فبما أنّه لم يحرز الركعتين وإنّما أحرز ركعة أو ركعة ونصفاً كما لو كان في حال الركوع بطلت صلاته لعدم كونه حافظاً لتمام الأولتين بعد تعلّق الشك بهما تماماً أو بعضاً ، وإن كان متعلّقاً بالأخيرتين كان صحيحاً.

فالتقييد بالأخيرتين في الصحيح ناظر إلى متعلّق الشك ، لا إلى الشك نفسه ليدلّ على لزوم حدوثه في الأخيرتين.

وفي المقام حيث لم يتعلّق بالأولتين وجداناً وإنّما تعلّق بالأخيرتين كان شكّه داخلاً في الشكوك الصحيحة بعد نفي احتمال تعلّق شكّه السابق بالأولتين بمقتضى الأصل كما عرفت.

وأمّا النقض المذكور في التأييد فيندفع بعدم انقلاب الشكّ بين الثنتين والثلاث إلى ما بين الثلاث والأربع حتّى بعد الإتيان بركعة ، بل هو بعينه باق فهو الآن شاك أيضاً في أنّ الركعة السابقة هل كانت الثانية أم الثالثة ، كما أنّه قبل الإتيان بالركعة يشكّ أيضاً في أنّ الركعة اللّاحقة هل هي الثالثة أم الرابعة كما أنّ في الشك بين الثلاث والأربع يشك في الركعة السابقة بين الثنتين والثلاث. فهذه شكوك مجتمعة في الوجود ، لا أنّ بعضها ينقلب إلى بعض ، بل يستلزم بعضها الآخر.

١٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

والمستفاد من الأدلّة أنّ الشك الّذي لا يكون معه شكّ آخر في حدّ نفسه إن كان بين الثنتين والثلاث الملازم للشكّ بين الثلاث والأربع فله حكم ، وإن كان بين الثلاث والأربع الملازم للشكّ بين الثنتين والثلاث فله حكم آخر.

وهذا كما ترى لا يكشف عن أنّ الموضوع مقيّد بعنوان الحدوث ليصلح للتأييد ، نعم واقعة كذلك ، أي أنّ الموضوع هو الشكّ الحادث ابتداءً بعد إكمال السجدتين ، لكن لا بعنوان الحدوث ومقيّداً بهذا الوصف العنواني كي لا يمكن إحرازه بالأصل ، بل العنوان المأخوذ في الروايات هو تعلّق الشكّ بالأخيرتين مع حفظ الأُوليين ، وهذا وإن استلزم بحسب الواقع تأخّر الشك وحدوثه في الأخيرتين ، إلّا أنّ الحدوث بعنوانه لم يكن ملحوظاً ومأخوذاً في مقام تعلّق الحكم.

وعلى الجملة : مقتضى الروايات العمل على الأكثر والبناء عليه لمطلق الشاك خرج عنها من تعلّق شكّه بالأُوليين ، والمفروض هنا أنّه حافظ لهما ، لعلمه فعلاً بتحقّق الأُوليين خارجاً ، وليس إلّا احتمال عروض المبطل سابقاً ، المنفي بالأصل. فلا مناص من العمل بها ويحكم بصحّة الصلاة.

هذا كلّه فيما إذا كان الشكّ في الأثناء ، ولم نتعرّض سابقاً لحكم ما إذا كان الشك بعد الصلاة وإن أشار إليه الماتن هنا وهناك فنقول :

إذا شكّ بعد الصلاة في أنّ شكّه السابق هل كان قبل الإكمال أم بعده فهو على قسمين :

إذ قد يفرض حدوث الشك في عدد الركعات قبل الفراغ وأنّه أتمّ صلاته مع الشك والبناء على الأكثر واستمرّ هذا الشك إلى ما بعد العمل ، وإنّما الحادث بعد الصلاة مجرّد الشك في أنّ شكّه السابق بين الثنتين والثلاث هل كان قبل الإكمال أم بعده.

١٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فان كان الفرض هكذا ولعلّه يريده في المتن فالأمر واضح ، فانّ حكمه حكم الشك العارض في الركعة الرابعة البنائية الّذي سبق ، فيجري ما مرّ من كونه محكوماً بالبناء على الأكثر وقد فعل ، وليس في البين عدا احتمال عروض المبطل المدفوع بالأصل كما تقدّم.

وأُخرى يفرض أنّه شكّ بين الثنتين والثلاث وغفل وأتمّ صلاته من غير التفات ، بحيث لا يكون الإتيان بالأجزاء الباقية عن شكّ وبناءٍ منه على الأكثر بل أتمّ بنفس النيّة الأوّلية الارتكازية ، وبعد الصلاة شكّ في أنّ شكّه السابق هل كان قبل الإكمال أم بعده؟ ففي مثل ذلك لا يمكن الحكم بالصحّة.

فإنّ أصالة عدم حدوث الشكّ قبل الإكمال وإن ترتّب عليها نفي البطلان إلّا أنّه لا يجدي في إثبات موضوع البناء على الأكثر والإتيان بركعة الاحتياط فإنّه كما مرّ وظيفة من شكّ في الأثناء وكان حافظاً للأُوليين وشاكّاً في الأخيرتين ، وهذا غير محرز في البين ، إذ لا يثبت بالاستصحاب المزبور أنّ شكّه كان متعلّقاً بالأخيرتين وأنّه كان ضابطاً للأُوليين لتصحّ صلاته.

نعم ، كلا الأمرين محرز فعلاً أي ما بعد الصلاة وجداناً ، إلّا أنّه لا ينفع لأنّ روايات البناء على الأكثر كلّها واردة في الشك في أثناء الصلاة ، فلا تشمل الشكّ الحادث بعدها.

وقد عرفت عدم إحراز موضوع البناء في الأثناء أمّا بعد الشك فالمفروض غفلته رأساً ، وأمّا حال الشك فمن الجائز أن يكون عارضاً قبل الإكمال ، فلا يكون عندئذ حافظاً للأولتين ولا شكّه في الأخيرتين ، والاستصحاب غير مثبت لهذا العنوان.

وعلى الجملة : فانطباق موضوع الحكم الظاهري وهو البناء على الأكثر على المقام مشكوك فيه ، والمفروض الشك في أنّه سلّم على الثلاث أو الأربع ، فلم

١٢٣

[٢١٣٨] المسألة الخامسة : إذا شكّ في أنّ الركعة التي بيده آخر الظهر أو أنّه أتمّها وهذه أوّل العصر جعلها آخر الظهر (١).

______________________________________________________

تحرز صحّة الصلاة لا واقعاً ولا ظاهراً ، فلا مناص من الإعادة ، عملاً بقاعدة الاشتغال ، ولكن الظاهر أنّ الماتن لا يريد هذا الفرض.

(١) قد يفرض علمه بحالته الفعلية وأنّ الجزء الّذي هو متلبّس به متّصف بعنوان العصر كالركوع مثلاً ويشكّ في الأجزاء السابقة ، وأنّه هل نواها عصراً أيضاً وقد كان فارغاً من الظهر ، أم أنّها كانت آخر الظهر وقد غفل ونوى العصر بهذا الجزء.

ففي هذه الصورة أتمّ صلاته عصراً بعد إحراز تكبيرة الإحرام ، وكذا اتِّصاف الأجزاء السابقة بعنوان العصرية بمقتضى قاعدة التجاوز كما مرّ نظيره في المسألة الأُولى وإحراز تمامية الظهر بمقتضى قاعدة الفراغ ، إذ بعد أن رأى نفسه فعلاً في صلاة العصر ولو باعتبار الجزء الّذي بيده الّذي هو مترتّب على الظهر فقد أحرز الفراغ من الظهر لا محالة ، وبما أنّه يشكّ في تماميتها فلا مانع من البناء على الصحّة بقاعدة الفراغ ، فتصحّ كلتا الصلاتين.

لكن هذا الفرض غير مراد للماتن جزماً ، لفرضه الشك في تمام الركعة التي بيده وتردّدها بين الظهر والعصر ، من دون علم بأحد العنوانين رأساً.

وعليه فالصحيح ما أفاده (قدس سره) من جعلها آخر الظهر بمقتضى قاعدة الاشتغال ، للشكّ في الخروج عن عهدتها ما لم تنضمّ الركعة إليها ، بل مقتضى الاستصحاب (١) بقاؤه على الظهر. فلا مناص من الضمّ ، فان كانت آخر الظهر

__________________

(١) وما عن بعض الأعاظم من أنّ هذا الاستصحاب لا يثبت به كون الركعة التي بيده

١٢٤

[٢١٣٩] المسألة السادسة : إذا شكّ في العشاء بين الثلاث والأربع وتذكّر أنّه سها عن المغرب بطلت صلاته (١) وإن كان الأحوط إتمامها عشاء والإتيان بالاحتياط ثمّ إعادتها بعد الإتيان بالمغرب.

______________________________________________________

فهو ، وإلّا وقعت لغواً. وليس له إتمامها عصراً بعد عدم إحراز البراءة عن الظهر ، مضافاً إلى الشكّ في عنوان ما بيده وعدم إمكان إحرازه بوجه.

وعلى الجملة : فبعد عدم كون المقام من موارد قاعدة الفراغ ، لعدم إحراز التجاوز والفراغ عن الظهر المشكوك فيه ، فالمرجع قاعدة الاشتغال القاضية بلزوم ضمّ الركعة والإتمام ظهراً. ولا يصحّ إتمامها عصراً ، لكونه مشكوك الدخول فيه.

(١) إذ لا يمكن تصحيحها بوجه ، لا عشاءً بالبناء على الأكثر لفوات الترتيب بعد فرض عدم الإتيان بالمغرب ، ولا مغرباً بالعدول إليها لقصور أدلّة العدول عن الشمول لمثل المقام ممّا يلزم منه البطلان ، لفساد المغرب بالشك. فلا مناص من رفع اليد والإتيان بالعشاءين.

هذا بناءً على المختار من اعتبار الترتيب بين جميع الأجزاء في المترتّبتين

__________________

ظهراً ليجب إتمامها بهذا العنوان غير واضح ، فانّ البقاء على الظهر إلى الآن الّذي هو مجرى الاستصحاب مساوق لكون الركعة التي بيده ظهراً ، وأحدهما عين الآخر ، لا أنّه يلازمه ليكون مثبتاً بالإضافة إليه ، هذا أوّلاً.

وثانياً : مع التسليم لم تكن حاجة إلى إثبات اللّازم ، بل نفس التعبّد بالبقاء على الظهر وعدم الخروج عنها الثابت ببركة الاستصحاب كاف في الحكم بلزوم الإتمام بهذا العنوان. فحال الركعة في المقام حال الشك في أصل الصلاة وهو في الوقت ، فكما أنّ مقتضى الاستصحاب لزوم الإتيان وإن لم يثبت به اتِّصاف المأتي به بعنوان الظهر مثلاً فكذا فيما نحن فيه بمناط واحد.

١٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وأما بناءً على مسلك شيخنا الأُستاذ (قدس سره) (١) من سقوط اعتبار الترتيب في مثل المقام استناداً إلى حديث لا تعاد (٢) فالمتعيّن إتمامها عشاءً ، ثمّ الإتيان بالمغرب.

إلّا أنّ المبنى غير تام كما تقدّم (٣) لظهور الأدلّة في اعتبار الترتيب في جميع أجزاء اللّاحقة ووقوعها بأجمعها بعد السابقة ، ومعه لا يصح الاستناد إلى الحديث ، للزوم الإخلال بالترتيب عامداً بالإضافة إلى الأجزاء الآتية. وواضح أنّ حديث لا تعاد لا يشمل الإخلال العمدي.

والّذي يدلّنا على اعتبار الترتيب على الإطلاق عدّة روايات ومنها ما اشتمل على التعبير بقوله (عليه السلام) : «إلّا أنّ هذه قبل هذه» (٤). غير أنّ هذه الروايات وهي ثلاثة كلّها ضعيفة السند ، فلا تصلح إلّا للتأييد.

والعمدة الروايات الأُخر الدالّة على المطلوب ، بحيث يظهر منها كون الحكم مفروغاً عنه ، ولأجله سمّيت الظهر بالأُولى ، وهي كثيرة جدّاً مذكورة في باب الأوقات ، ومن جملتها صحيحة ذريح المحاربي قال (عليه السلام) فيها : «وصلّ الأُولى إذا زالت الشمس ، وصلّ العصر بُعيدها ...» إلخ (٥). دلّت بوضوح على لزوم وقوع العصر التي هي اسم لتمام الأجزاء بُعيد الظهر ، ونحوه وارد في العشاءين أيضاً فلاحظ.

وعلى الجملة : فاعتبار الترتيب بالمعنى الّذي ذكرناه ممّا لا ينبغي الإشكال

__________________

(١) كتاب الصلاة ١ : ٧٢ ٧٣.

(٢) الوسائل ١ : ٣٧١ / أبواب الوضوء ب ٣ ح ٨.

(٣) في ص ١١١.

(٤) الوسائل ٤ : ١٢٦ / أبواب المواقيت ب ٤ ح ٥ ، ٢٠ ، ٢١.

(٥) الوسائل ٤ : ١٥٨ / أبواب المواقيت ب ١٠ ح ٨.

١٢٦

[٢١٤٠] المسألة السابعة : إذا تذكّر في أثناء العصر أنّه ترك من الظهر ركعة (١) قطعها وأتمّ الظهر ثمّ أعاد الصلاتين ، ويحتمل العدول إلى الظهر (*) بجعل ما بيده رابعة لها إذا لم يدخل في ركوع الثانية ثمّ أعاد الصلاتين ، وكذا إذا تذكّر في أثناء العشاء أنّه ترك من المغرب ركعة.

______________________________________________________

فيه ، وعليه فلا يمكن الإتمام في المقام عشاءً ، لاستلزامه الإخلال بالترتيب في الأجزاء الباقية عامداً كما مرّ. وحديث لا تعاد إمّا خاص بالناسي كما يراه (قدس سره) (١) أو شامل للجاهل أيضاً كما نرتئيه ، وعلى التقديرين لا يشمل العامد ، فلا يصلح للاستناد إليه.

نعم ، بناءً على القول بالإقحام كما يراه (قدس سره) (٢) أيضاً له أن يدع هذه الأجزاء ويأتي بالمغرب ثمّ يتم العشاء وتصحّ الصلاتان. وهذا له وجه ولا بأس به لو تمّ المبنى ، وإن كان محلّ إشكال ، بل منع.

(١) قد يفرض إمكان تتميم الظهر بالمقدار المأتي به من العصر ، لأجل عدم دخوله في ركن زائد كما لو كان الناقص ركعة على ما فرضه في المتن وكان التذكّر قبل الدخول في ركوع الثانية ، أو ركعتين وتذكّر قبل الدخول في ركوع الثالثة. وأُخرى يفرض عدم الإمكان ، لدخوله في ركن زائد.

أمّا في الفرض الأوّل : فقد احتمل في المتن العدول إلى الظهر ، بمعنى جعل ما

__________________

(*) هذا هو الظاهر ، بل لو دخل في ركوع الركعة الثانية فبما أنّ الظهر المأتي بها لا يمكن تصحيحها يعدل بما في يده إليها فيتمّها ثمّ يأتي بالعصر بعدها ، ولا حاجة إلى إعادة الصلاتين في كلا الفرضين ، وكذا الحال في العشاءين.

(١) كتاب الصلاة ٣ : ٥.

(٢) لاحظ كتاب الصلاة ٢ : ٢٧٤.

١٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

بيده رابعة الظهر. والظاهر أنّ هذا هو الصحيح ، فيسلّم على الظهر ويسجد سجدتي السهو لكلّ زيادة تستوجبه (١) ثمّ يأتي بالعصر. ولا تضرّه زيادة التكبير ولا نيّة الخلاف.

أمّا الأوّل : فلما تقدّم في محلّه (٢) من أنّ البطلان بزيادة تكبيرة الإحرام سهواً وإن كان هو المشهور ، إلّا أنّه لا دليل عليه عدا عدّهم إيّاها من الأركان ، بعد تفسيرهم للركن بما استوجب الإخلال به البطلان عمداً وسهواً ، نقصاً وزيادة.

وقد عرفت ثمة عدم الدليل على هذا التفسير بعد عدم مطابقته لمعناه اللّغوي (٣) ، فانّ ركن الشي‌ء ما يتقوّم به ويعتمد عليه ، ومقتضى ذلك اختصاص القدح بالنقص عمداً وسهواً دون الزيادة ، فإنّ الزائد لا يكون قادحاً لو لم يكن مؤكّداً ، كما في عمود الخيمة الّذي هو ركنها. نعم الزيادة العمدية قادحة في باب الصلاة ، للنص الخاص (٤) ، وأمّا السهوية فلا دليل عليه. ومفهوم الركن لا يقتضيه كما عرفت.

فحكم الركن في الصلاة حكم الركن في الحج ، الّذي لا يكون الإخلال به مبطلاً إلّا من ناحية النقص فقط ، دون الزيادة السهوية إلّا ما قام الدليل عليه بالخصوص. ولم يرد ما يدلّ على البطلان بزيادة التكبير سهواً ، بل حديث لا تعاد دليل على العدم.

على أنّ مفهوم الزيادة غير صادق في المقام حتّى على تقدير تفسير الركن بما

__________________

(١) أي في صلاة الظهر من التسليم الواقع في غير محلّه أو التشهّد بناءً على وجوبه لكل زيادة ونقيصة ونحو ذلك.

(٢) شرح العروة ١٤ : ٩٢ ، ١٨ : ٥٠ ٥١.

(٣) المنجد : ٢٧٨ مادّة ركن.

(٤) [وهو قوله (عليه السلام) : «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ٢ ، هكذا ذكر في شرح العروة ١٤ : ٩٥].

١٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ذكر ، لتقوّم الزيادة بإتيان الزائد بعنوان الجزئية وبقصد كونه من أجزاء العمل المزيد فيه ، نعم يستثني من ذلك السجود ، فلا يعتبر في زيادته قصد الجزئية للنصّ الوارد في تلاوة العزيمة (١) ، ويتعدّى عنه إلى الركوع بالأولويّة. وأمّا ما عداهما من بقية الأجزاء ومنها التكبير فهي على ما تقتضيه القاعدة من اعتبار القصد المزبور في صدق الزيادة. ومن المعلوم أنّ تكبيرة الإحرام لم يؤت بها في المقام إلّا بنيّة العصر ، فلم يقصد بها الجزئية لصلاة الظهر لتتصف بالزيادة فيها. فلا ينبغي الإشكال في عدم الإخلال من ناحيتها.

وأمّا الثاني : أعني نيّة الخلاف وهو العصر فغير قادحة أيضاً ، لما نطقت به جملة من الروايات (٢) وبعضها معتبرة قد تقدّمت في مبحث النيّة (٣) من أنّ العبرة في النيّة بما افتتحت به الصلاة ، وأنّه إنّما يحسب للعبد من صلاته ما ابتدأ به في أوّل صلاته ، فلا يعتني بقصد الخلاف الناشئ من السهو في النيّة في الأثناء كما لو شرع في الفريضة فسها في الأثناء وقصد النافلة أو بالعكس.

وهذه الروايات وإن وردت في غير المقام إلّا أنّه يستفاد من عموم التعليل ضابط كلّي ، وهو أنّ المدار على الافتتاح والشروع بقصد معلوم ، ومعه تلغى نيّة الخلاف الطارئة في الأثناء سهواً. فهي من أجل اشتمالها على العلّة غير قاصرة الشمول للمقام. وعليه فنيّة العصر تلغى فيما نحن فيه بمقتضى هذه الأخبار فيجعل ما بيده متمّماً للظهر كما ذكرناه. وهذا هو المراد من العدول في المقام.

ويؤيِّده التوقيع المروي عن الاحتجاج وإن كان السند ضعيفاً بالإرسال قال : «كتب إليه (عليه السلام) يسأله عن رجل صلّى الظهر ودخل في صلاة

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٠٥ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٠ ح ١.

(٢) الوسائل ٦ : ٦ / أبواب النيّة ب ٢.

(٣) شرح العروة ١٤ : ٥٧.

١٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

العصر ، فلمّا صلّى من صلاة العصر ركعتين استيقن أنّه صلّى الظهر ركعتين كيف يصنع؟ فأجاب (عليه السلام) : إن كان أحدث بين الصلاتين حادثة يقطع بها الصلاة أعاد الصلاتين ، وإن لم يكن أحدث حادثة جعل الركعتين الأخيرتين تتمّة لصلاة الظهر ، وصلّى العصر بعد ذلك» (١).

والمراد بالإعادة في الشرطية الأُولى المعنى الأوسع الشامل للعدول ، فإنّ الإعادة هي الوجود الثاني بعد إلغاء الأوّل ، القابل للانطباق على العدول عما بيده إلى الظهر ثمّ إعادة العصر ، فلا ينافيه التعبير بإعادة الصلاتين.

وكيف ما كان ، فالشرطية الثانية التي هي محلّ الاستشهاد ظاهرة الدلالة على المطلوب ، فانّ المراد بالركعتين الأخيرتين ما يقابل الركعتين الأولتين الصادرتين بعنوان الظهر ، إذ المفروض في السؤال صدور فردين من الركعتين من المصلّي ، فأتى أوّلاً بركعتين بعنوان الظهر ، وأتى ثانياً بركعتين أُخريين بعنوان العصر.

فتوصيف الركعتين بالأخيرتين في الجواب إشارة إلى الفرد الثاني من الركعتين اللّتين صدرتا أخيراً وصلاهما بعنوان العصر ، في مقابل ما صلاهما أوّلاً بعنوان الظهر. وقد حكم (عليه السلام) بجعلهما تتمّة لصلاة الظهر واحتسابهما منها ثمّ الإتيان بالعصر بعد ذلك ، الموافق لما ذكرناه واستظهرناه من الأخبار من أنّ المدار في النيّة على الافتتاح ولا يضرّ قصد الخلاف.

وأمّا ما قد يحمل عليه التوقيع من إرادة الركعتين الأخيرتين للعصر اللّتين لم يصلّهما وجعلهما للظهر فبعيد جدّاً كما لا يخفى.

هذا كلّه في الفرض الأوّل. وقد عرفت أنّ المتّجه عندئذ جعل ما بيده متمّماً للظهر ثمّ الإتيان بصلاة العصر.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٢ ح ١ ، الاحتجاج ٢ : ٥٨٠.

١٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا في الفرض الثاني : أعني ما إذا لم يمكن التتميم ، لكونه داخلاً في ركوع زائد ، فحيث لا سبيل حينئذ إلى الاحتساب بجعل ما بيده رابعة الظهر ، للزوم زيادة الركن فلا يكون مثله مشمولاً لنصوص الافتتاح المتقدّمة ، فصلاة الظهر السابقة باطلة لا محالة ، ولا يمكن تصحيحها بوجه.

إلّا أنّه لا وجه للحكم ببطلان ما بيده أعني صلاة العصر ، بل يعدل بها إلى الظهر فيتمّها ، ثمّ يأتي بالعصر بعدها ، فانّ الظهر السابقة بعد كونها محكومة بالبطلان فوجودها كالعدم ، فهو كمن تذكّر أثناء العصر عدم الإتيان بالظهر المحكوم بالعدول إليها بلا إشكال.

وليس المقام من الشروع في العصر أثناء الظهر ، إذ ليست الأجزاء السابقة الناقصة باقية على صفة الجزئية ، لوضوح أنّها بأسرها ارتباطية. فلا يكون التكبير جزءاً من الصلاة إلّا إذا كان ملحوقاً بالقراءة والركوع والسجود إلى نهاية الجزء الأخير أعني التسليم وعندئذ يستكشف كونه جزءاً منها. وهكذا في سائر الأجزاء ، فإنّها بأجمعها مشروطة بالالتحاق والانضمام على سبيل الشرط المتأخِّر.

فعدم الانضمام خارجاً كاشف لا محالة عن عدم الجزئية ووقوعها لغواً من أوّل الأمر ، وإنّما كان هناك تخيّل الجزئية.

وحيث إنّ الانضمام غير ممكن في المقام حسب الفرض ، فوجود تلك الأجزاء وعدمها سيّان ، وكأنّه لم يأت بشي‌ء. فلا مانع من العدول ، إذ لا قصور حينئذ في دليله عن الشمول.

نعم ، إذا بنينا على جواز الإقحام وبنينا أيضاً على سقوط اشتراط الترتيب في مثل المقام كما يقول بكلّ منهما شيخنا الأُستاذ (قدس سره) (١) فعلى هذين

__________________

(١) كتاب الصلاة ٢ : ٢٧٤ ، ١ : ٧٢ ٧٣.

١٣١

[٢١٤١] المسألة الثامنة : إذا صلّى صلاتين ثمّ علم نقصان ركعة أو ركعتين من إحداهما من غير تعيين (١) فان كان قبل الإتيان بالمنافي ضمّ إلى الثانية ما يحتمل من النقص (*) ثمّ أعاد الأُولى فقط بعد الإتيان بسجدتي السهو لأجل السلام احتياطاً ، وإن كان بعد الإتيان بالمنافي فإن اختلفتا في العدد أعادهما وإلّا أتى بصلاة واحدة بقصد ما في الذمّة.

______________________________________________________

المبنيين يمكن تصحيح الظهر ، بأن يتم ما بيده عصراً ثمّ يأتي بما بقي من الظهر. لكن الشأن في صحّتهما ، فانّ كليهما محلّ إشكال ، بل منع كما مرّ غير مرّة.

وقد ظهر من جميع ما مرّ أنّ الأظهر العدول في كلا الفرضين ، بمعنى جعل ما بيده متمّماً للظهر في الفرض الأوّل ، والعدول بما في يده إليها في الفرض الثاني وأنّه لا حاجة إلى إعادة الصلاتين على التقديرين. كما ظهر فساد ما جزم به في المتن من القطع ، إذ لا وجه له بعد إمكان التتميم أو العدول ، هذا.

وجميع ما ذكرناه في الظهرين جارٍ في العشاءين حرفاً بحرف ، لعدم الفرق في مناط البحث كما هو ظاهر.

ثمّ إنّ من الواضح أنّ مفروض المسألة ما إذا لم يرتكب المنافي مطلقاً بين الصلاتين ، وإلّا فلا إشكال في بطلان الظهر ولزوم العدول إليها ثمّ الإتيان بالعصر بعد ذلك.

(١) قد يفرض حصول العلم بعد الإتيان بالمنافي عقيب الثانية ، وأُخرى قبل الإتيان.

__________________

(*) على الأحوط ، ولا يبعد جواز الإتيان بالمنافي ثمّ إعادة صلاة واحدة بقصد ما في الذمّة في المتجانستين وإعادة الصلاتين في المتخلفتين.

١٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا في الأوّل سواء أتى به عقيب الأُولى أيضاً أم لا ، فحيث يعلم إجمالاً ببطلان إحدى الصلاتين من غير مصحّح في البين ، لسقوط قاعدة الفراغ من الطرفين وعدم إمكان التدارك بوجه فلا مناص من إعادة الصلاتين ، عملاً بقاعدة الاشتغال بعد تنجيز العلم الإجمالي.

نعم ، في خصوص المتجانسين كالظهرين يكفيه الإتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمّة ، فإن كان النقص في العصر احتسب عصراً وإلّا فظهراً. والترتيب ساقط حينئذ بمقتضى حديث لا تعاد (١) بعد أن لم يكن عامداً في الإخلال.

هذا بناءً على المشهور من أنّ العصر المقدّم سهواً يحسب عصراً ويأتي بالظهر بعد ذلك ، لسقوط اشتراط الترتيب كما عرفت.

وأمّا بناءً على احتسابه ظهراً وجواز العدول حتّى بعد العمل وأنّه يأتي بالعصر بعد ذلك كما أفتى به الماتن في بحث الأوقات (٢) للنص الصحيح المتضمِّن لقوله (عليه السلام) : «إنّما هي أربع مكان أربع» (٣) وإن أعرض عنه الأصحاب فاللّازم حينئذ الإتيان بالأربع ركعات بنيّة العصر ، فان كان النقص في العصر فقد أتى بها ، وإن كان في الظهر فالعصر المأتي بها أوّلاً تحسب ظهراً حسب الفرض وقد أتى بالعصر بعد ذلك.

وكيف ما كان ، فلا حاجة إلى إعادة الصلاتين ، لحصول البراءة بالإتيان بأربع ركعات إمّا بقصد ما في الذمّة أو بقصد العصر بخصوصها ، وإنّما تجب إعادتهما في المتخالفين كالعشاءين دون المتجانسين.

وأمّا في الثاني أعني ما إذا حصل العلم قبل ارتكاب المنافي عقيب الثانية :

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٧١ / أبواب الوضوء ب ٣ ح ٨.

(٢) في المسألة [١١٨٢].

(٣) الوسائل ٤ : ٢٩٠ / أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١.

١٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فاذا بنينا على أنّ العصر المقدّم سهواً يحسب ظهراً كما عليه الماتن (قدس سره) فحينئذ لو أتى بالمنافي ثمّ أتى بأربع ركعات بعنوان العصر فقد برئت ذمّته يقيناً ، لأنّ النقص إن كان في العصر فقد أتى به ، وإن كان في الظهر فالعصر المأتي به أوّلاً يحسب ظهراً وقد أتى بالعصر بعده فعلاً ، كما مرّ مثل ذلك في الصورة السابقة. فلا حاجة إلى ضمّ ما يحتمل النقص إلى الثانية ثمّ إعادة الأُولى كما لا يخفى.

وبعبارة أُخرى : على هذا المبنى نقطع بوقوع ظهر صحيحة مردّدة بين الاولى والثانية ، فالذمّة بريئة منها قطعاً ، فليس عليه إلّا الإتيان بصلاة العصر. فلا حاجة إلى الضم. كما أنّه لا يجوز الاقتصار عليه ، فإنّه إنّما ينفع في تفريغ الذمّة عن العصر لو كان النقص في الثانية ، ومن الجائز كونه في الأُولى ، وبما أنّ الاشتغال اليقيني يستدعي فراغاً مثله فلا بدّ من الإتيان بالعصر كما ذكرناه.

كما أنّا إذا بنينا على جواز الإقحام كان عليه الاقتصار على ضمّ ما يحتمل النقص بالإتيان به بقصد ما في الذمّة وعلى ما هو عليه واقعاً من كونه متمّماً للعصر أو للظهر ، ومعه لا حاجة إلى إعادة الصلاة أصلاً ، فإنّ الناقص إن كان هو العصر فقد التحق به المتمّم ، وكذا إن كان هو الظهر ، غايته تخلّل العصر حينئذ في البين ووقوعها في الوسط ، والمفروض جواز إقحام الصلاة في الصلاة. نعم ، يختصّ هذا بما إذا لم يرتكب المنافي بين الصلاتين كما هو ظاهر.

وأمّا إذا لم نقل بشي‌ء من الأمرين ، ولم نلتزم لا بالعدول بعد العمل ولا بالإقحام ، فقد ذكر في المتن أنّه يضم إلى الثانية ما يحتمل النقص ويأتي بسجدتي السهو لأجل السلام احتياطاً ، ثمّ يعيد الاولى فقط.

فان كان المستند في ذلك هو العلم الإجمالي بدعوى أنّ النقص إن كان في الأُولى وجبت إعادتها ، وإن كان في الثانية حرم قطعها ، لكونه بعدُ في الصلاة ووقوع السلام في غير محلّه كمن سلّم على النقص ، فيجب ضمّ الناقص كما

١٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

يجب سجود السهو للسلام الزائد. فهو يعلم إجمالاً إمّا بوجوب إعادة الأُولى أو بحرمة قطع الثانية المستتبعة لضمّ النقص وسجود السهو.

ففيه : أنّه غير منجّز في مثل المقام ممّا لا تتعارض الأُصول الجارية في الأطراف ، لكون بعضها مثبتاً للتكليف والبعض الآخر نافياً.

وبعبارة اخرى : مناط تنجيز العلم الإجمالي معارضة الأُصول ، المتوقّفة على لزوم المخالفة العملية من جريانها ، وأمّا إذا لم تلزم المخالفة كما لو كان بعضها مثبتاً والآخر نافياً فلا معارضة ، بل تجري الأُصول ، وبذلك ينحلّ العلم الإجمالي.

والمقام من هذا القبيل ، فانّ إعادة الاولى مجرى لقاعدة الاشتغال ، التي موضوعها مجرّد الشك في الامتثال ، المتحقّق في المقام. وهذا الأصل مثبت للتكليف.

وأمّا بالنسبة إلى الثانية فحرمة القطع مشكوكة ، لأنّ موضوعها التلبّس بالصلاة وكونه في الأثناء ، وهو غير محرز ، لجواز صحّتها والخروج عنها ، فتدفع الحرمة المستتبعة لوجوب الضمّ بأصالة البراءة ، كوجوب سجدتي السهو للتشهّد والسلام الزائد ، للشكّ في الزيادة بعد احتمال وقوعهما في محلّهما.

نعم ، حيث لا مؤمّن عن صحّتها لجواز نقصها وسقوط قاعدة الفراغ بالمعارضة ، فلو لم يأت بمحتمل النقص حتّى انقضى محلّ الضم كانت هي أيضاً مجرى لقاعدة الاشتغال كالأُولى ، وكان عليه إعادتهما في المختلفتين ، أو الإتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمّة في المتجانستين. والحاصل أنّه لا ملزم للضمّ بعد كونه مجرى للبراءة كما عرفت.

وإن كان المستند هو الاستصحاب فتقريره من وجهين :

أحدهما : استصحاب بقائه في الصلاة وعدم الخروج عنها ، ونتيجة ذلك

١٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

لزوم ضمّ ما يحتمل النقص ، وإلّا لزم القطع المحرّم. وأمّا الاولى فحيث إنّها مشكوكة الصحّة من غير مؤمّن فلا مناص من إعادتها بمقتضى قاعدة الاشتغال.

ثانيهما : استصحاب عدم الإتيان بمحتمل النقص ، الجاري في كلّ من الصلاتين. ونتيجته تتميم الثانية وإعادة الاولى. ولا معارضة بين الاستصحابين كما لا يخفى ، هذا.

وكلا الوجهين منظور فيه.

أمّا التقرير الأوّل ففيه : أنّ استصحاب البقاء لا يثبت عنوان القطع ليحرم فيجب الضمّ حذراً عنه.

نعم ، لو كان المحرّم نفس ما يتحقّق به القطع أعني ذات القاطع كما في باب الصوم ، حيث إنّ المحرّم وما هو موضوع للقضاء والكفّارة هو ذات الأكل والشرب ونحوهما من المفطرات لتمّ ما أُفيد ، إذ كما يترتّب على استصحاب البقاء على الصوم لدى الشكّ فيه حرمة تلك الذوات ، كذلك يترتّب على استصحابه في المقام حرمة المنافيات.

لكن معقد الإجماع هو حرمة القطع بعنوانه ، ومن المعلوم أنّه لا يثبت بالاستصحاب المزبور إلّا على القول بالأُصول المثبتة.

وعلى الجملة : لازم البقاء في الصلاة اتِّصاف ما يرتكبه من المنافيات من التكلّم العمدي والقهقهة والحدث ونحوها بعنوان القطع المحكوم عليه بالحرمة. والاستصحاب الجاري في البقاء لا يتكفّل بإثبات هذا العنوان كي يجب الضمّ حذراً عن القطع المحرّم ، إلّا على القول بالأصل المثبت.

وممّا ذكرنا يظهر الجواب عن التقرير الثاني للاستصحاب ، ضرورة أنّ أصالة عدم الإتيان بالركعة المشكوكة في الصلاة الثانية لا يثبت أنّ ما يأتي به من المنافيات مصداق للقطع المحرّم ليجب الضم.

١٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى الجملة : إن كان الأثر المرغوب من إعمال الاستصحابين في الصلاتين جواز الجمع بين الأمرين ، أعني إعادة الاولى وضمّ ما يحتمل النقص إلى الثانية ، وأنّه بذلك يحرز الامتثال ويقطع بفراغ الذمّة على كلّ حال. فهذا أمر وجداني ، ولا حاجة معه إلى الاستصحاب ، بل هو ثابت جزماً حتّى ولو لم يكن الاستصحاب حجّة من أصله ، للقطع الوجداني بأنّ هذه الكيفية وافية لإحراز الامتثال بلا إشكال ، إذ النقص إن كان في الأُولى فقد تداركه بالإعادة وإن كان في الثانية فبما أنّها تقبل التتميم لفرض عدم الإتيان بالمنافي فقد تدورك بالضمّ ، من غير حاجة إلى الاستصحاب رأساً.

وإن كان الأثر المرغوب وجوب الجمع ولزوم هذه الكيفية وأنّه لا يجوز له الإتيان بالمنافي ما لم يضمّ الركعة المشكوكة ، فهو في حيّز المنع ، لتوقّفه على إحراز أنّ ما يأتي به من المنافي مصداق للقطع المحرّم ليجب الضمّ ، وهو غير محرز لا وجداناً لجواز كون النقص في الأُولى كما هو واضح ، ولا تعبّداً لما عرفت من عدم ثبوت عنوان القطع بأصالة عدم الإتيان بالركعة إلّا على القول بالأُصول المثبتة.

وعليه فهو مخيّر بين الكيفية المزبورة وبين أن يأتي بالمنافي ثمّ يعيد صلاة واحدة بقصد ما في الذمّة في المتجانستين ، ويعيد الصلاتين في المختلفتين ، لإحراز الامتثال بهذه الكيفية أيضاً.

والمتحصّل من جميع ما ذكرناه : أنّه لا ملزم لضمّ الركعة المحتملة لا من ناحية العلم الإجمالي ، ولا من ناحية الاستصحاب بتقريريه. ونتيجة ذلك هو التخيير بين الكيفيتين كما ذكرناه.

هذا كلّه في علاج الركعة ، وأمّا سجود السهو لأجل السلام فغير لازم على

١٣٧

[٢١٤٢] المسألة التاسعة : إذا شكّ بين الثنتين والثلاث أو غيره من الشكوك الصحيحة ثمّ شكّ في أنّ الركعة التي بيده آخر صلاته أو أُولى صلاة الاحتياط جعلها آخر صلاته وأتمّ ، ثمّ أعاد الصلاة احتياطاً (*) بعد الإتيان بصلاة الاحتياط (١).

______________________________________________________

كلّ حال ، لعدم العلم بزيادته لا من ناحية العلم الإجمالي لانحلاله بالأصل المثبت والنافي كما عرفت ، ولا من ناحية الاستصحاب لعدم إثباته للزيادة وحيث إنّها مشكوكة فيدفع احتمال تعلّق الوجوب بأصل البراءة.

(١) لا ينبغي التأمّل في أنّ مقتضى قاعدة الاشتغال هو ما أفاده (قدس سره) من جعل ما بيده آخر صلاته بمعنى احتسابه منها ، ثمّ الإتيان بصلاة الاحتياط تحقيقاً للخروج عن عهدة الأجزاء الأصلية ، ضرورة أنّ الأجزاء الارتباطية لها أوامر انحلالية ، فلكلّ جزء أمر ضمني يخصّه ، فمع الشك في امتثال الأمر المتعلّق بالرابعة البنائية لا مناص من الاعتناء بعد عدم إحراز التجاوز والدخول في الغير ، ومقتضاه ما عرفت من الاحتساب ثمّ الإتيان بصلاة الاحتياط.

إنّما الكلام فيما ذكره (قدس سره) أخيراً من إعادة أصل الصلاة بعد ذلك احتياطاً ، فإنّه لم يظهر وجه صحيح لهذا الاحتياط ، إذ لا قصور في وفاء ما فعله بإحراز الامتثال على كلّ تقدير ، فانّ صور المسألة ثلاث :

إحداها : أن يكون ما عليه من صلاة الاحتياط ركعة واحدة ، كما لو كان الشك بين الثنتين والثلاث فشكّ في أنّ ما بيده هل هي تلك الركعة أم أنّه آخر الصلاة ، فإنّه يبني حينئذ على الثاني ويأتي بالركعة بعد ذلك كما عرفت ، فإن

__________________

(*) هذا الاحتياط ضعيف جدّاً.

١٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

أصاب الواقع فهو ، وإلّا فغايته وقوع الركعة المأتي بها ثانياً لغواً ، ولا ضير فيه كما لا ضير من ناحية النيّة على هذا التقدير ، فإنّه وإن أتى بالركعة بقصد آخر الصلاة والمفروض أنّها من صلاة الاحتياط إلّا أنّ الاعتبار في النيّة بما افتتحت عليه الصلاة وما نواه أوّلاً ، ولا يضرّه نيّة الخلاف للنصوص (١) الدالّة عليه (٢).

والحاصل : أنّ احتساب الركعة من الصلاة الأصلية (٣) وتتميمها بهذه النيّة غير قادح في الصحّة ، فإنّها إن كانت منها فهو ، وإن كانت من صلاة الاحتياط فقصده الخلاف سهواً غير قادح بعد أن كان المدار في النيّة على ابتداء الصلاة وافتتاحها.

نعم ، قد يتوهّم القدح من ناحية التسليم ، بدعوى أنّ اللّازم وقوعه في الركعة الرابعة ، ومن المعلوم أنّ قاعدة الاشتغال أو أصالة عدم الإتيان لا تثبت أنّ ما بيده هي الركعة الرابعة كي يسلّم عليها. ولكنّه في غاية الضعف وإن صدر عن بعض الأعاظم.

إذ فيه أوّلاً : عدم الدليل على لزوم إيقاع التسليم في الركعة الرابعة بعنوانها وإنّما هو مقتضى طبع الترتيب المعتبر بين الأجزاء ولحاظ كون التسليم هو الجزء الأخير منها.

وثانياً : لو سلّمنا ذلك فبالإمكان إحراز العنوان بالاستصحاب ، فإنّ المصلّي كان في زمان في الركعة الرابعة يقيناً ، المردّد بين الآن والزمان السابق ، ويشكّ

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٦ / أبواب النيّة ب ٢.

(٢) فانّ تلك النصوص وإن كانت واردة في غير المقام إلّا أنّه تستفاد منها ضابطة كلِّيّة تنطبق عليه كما لا يخفى.

(٣) ربّما يتراءى التنافي بين حقيقة صلاة الاحتياط وبين قصد الجزئيّة للصلاة الأصلية ، ولعلّ الأولى الإتيان بالركعة بقصد ما في الذمّة ، لسلامتها حينئذ عن أي إشكال.

١٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

في خروجه عنها فيبني على ما كان.

وعلى الجملة : فلم نجد ما يستوجب التأمّل في الصحّة في هذه الصورة لنحتاج إلى الاحتياط بالإعادة.

ونحوها الصورة الثانية : وهي ما إذا كانت صلاة الاحتياط ذات ركعتين كما في الشكّ بين الثنتين والأربع وشكّ في أنّ ما بيده هل هي الركعة الأخيرة من الصلاة الأصلية أم الركعة الثانية من صلاة الاحتياط؟ فإنّه يجري فيه ما مرّ حرفاً بحرف ، إذ لا يلزم من البناء على الأوّل زيادة شي‌ء أصلاً.

نعم ، في الصورة الثالثة : وهي ما لو شكّ في المثال المزبور في أنّ ما بيده هل هي الركعة الأخيرة من الأصلية أم أنّها الاولى من ركعتي الاحتياط لو بنى على الأوّل فسلّم ثمّ أتى بركعتي الاحتياط وكان في الواقع هي الركعة الأُولى منهما فقد زاد في صلاة الاحتياط ركعة كما زاد تكبيرة فتفسد ، ولا تصلح للجبر على تقدير النقص.

فيعلم إجمالاً حينما بنى وسلم إمّا بوجوب ركعتي الاحتياط أو بوجوب إعادة الصلاة ، لكون الركعة فاصلة بين الصلاة الأصلية وبين صلاة الاحتياط المانعة عن صلاحية الانضمام. فلأجل احتمال الزيادة يحكم بإعادة أصل الصلاة أيضاً احتياطاً ، هكذا قيل. وهو لو تمّ خاص بالصورة الأخيرة (١) ولا يجري في الصورتين السابقتين كما عرفت.

ولكنّه لا يتم ، لوضوح أنّ احتمال الزيادة مدفوع بأصالة العدم ، فإنّه بعد أن بنى على أنّ ما بيده هي الرابعة البنائية بمقتضى قاعدة الاشتغال ، ودفع احتمال

__________________

(١) وما في بعض الكلمات من استظهار اختصاص المسألة بهذه الصورة لقول الماتن (قدس سره) : أو أُولى صلاة الاحتياط. يدفعه المنافاة مع مفروض المسألة من كون الشك بين الثنتين والثلاث. ولعلّ التعبير بـ (أُولى) في مقابل كون الركعة آخر الصلاة.

١٤٠