موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها وهو العمدة ـ : دعوى الفحوى والأولويّة القطعية ممّا دلّ على حجّية الظن في الركعات ، فإنّ الركعة التامّة المؤلّفة من عدّة أجزاء لو كان الظنّ معتبراً فيها بأجمعها ، فاعتباره في البعض من تلك الأجزاء ثابت بطريق أولى فإنّ البعض لا يكون أعظم شأناً من الكلّ ولا يزيد عليه بشي‌ء. والظاهر أنّ معظم القائلين بالحجّية قد استندوا إلى هذا الوجه.

ولكنّه لا يتم ، فإنّه وجه استحساني اعتباري لا يصلح أن يكون مستنداً لحكم شرعي كي ترفع به اليد عن الإطلاقات المتقدّمة ، سيما بعد ما نشاهده من وجود الفارق بينهما ، فإنّ المضي على الشك في الركعات ممنوع في الفريضة ، ولا مناص من الاستناد إلى ما يؤمن معه من الزيادة والنقصان على ما نطقت به موثّقة عمار المتضمّنة لتعليم كيفية الاحتياط حسبما تقدّم ، فاعتبر الشارع لزوم تحصيل المؤمن عن الخلل في ركعات الصلاة ، إمّا بالبناء على الأكثر والتدارك بركعة الاحتياط أو بركعتيه ، أو على الأقل والتدارك بسجدتي السهو كما في الشكّ بين الأربع والخمس ، ومن ثمّ جعل الظن حجّة في باب الركعات ، لكونه بعد الاعتبار علماً تعبّدياً وطريقاً محرزاً للواقع فيؤمن معه عن الخلل.

وليس كذلك الأفعال ، لجواز المضي فيها على الشك بلا إشكال ، ضرورة أنّ احتمال الزيادة أو النقصان موجود فيها دائماً ، سواء اعتنى بالشك وتدارك المشكوك فيه أم لا ، من غير فرق بين الشك في المحل أم بعد التجاوز عنه ، فإنّه مع التدارك يحتمل الزيادة لجواز الإتيان به أوّلاً ، ومع عدم التدارك يحتمل النقيصة لجواز عدم الإتيان.

فهذا الشك لا ينفك عن أحد الاحتمالين المزبورين ، ومع ذلك لم يلزم الشارع بتحصيل المؤمن عن الخلل ، وبذلك تفترق الأفعال عن الركعات. فلا يستلزم اعتبار الظنّ في الثاني اعتباره في الأوّل ، ولا أولوية في البين فضلاً عن أن

١٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

تكون قطعية.

فلا يمكن الاستناد إلى هذا الوجه ليرتكب التقييد في الإطلاقات المتقدّمة ونعني به التقييد في مقام الثبوت ، وإلّا فهو حكومة في مقام الإثبات لو تمّ الوجه المزبور كما هو ظاهر.

ومن جميع ما ذكرناه تعرف أنّ الأظهر عدم حجّية الظنّ المتعلّق بالأفعال وأنّه ملحق بالشك ، للإطلاقات السليمة عما يصلح للتقييد.

ثمّ إنّ الماتن (قدس سره) بعد أن استشكل في المسألة ولم يجزم بأحد الطرفين بنى على الاحتياط ، وقد فصّل في موارده بين ما هو من قبيل الأقوال كالقراءة والذكر والدُّعاء ، وما هو من قبيل الأفعال كالركوع والسجود.

والأمر كما أفاده (قدس سره) فانّ الاحتياط يتحقّق في الأوّل بالإتيان بقصد القربة المطلقة الجامع بين ما ينطبق على الجزء وما ينطبق على الذكر المطلق. فلو شكّ في الفاتحة قبل أن يدخل في السورة وظنّ الإتيان ، أو بعد الدخول فيها قبل أن يركع وظنّ عدم الإتيان أمكنه الاحتياط على النحو المزبور ، من دون أن يقصد الجزئية بخصوصها.

وأمّا في الثاني فلا يمكن في عمل واحد ، لما مرّ غير مرّة من امتياز الركوع والسجود عن بقية الأجزاء في أنّ زيادتهما ولو بحسب الصورة ومن غير قصد الجزئية قادحة ، على ما استفدنا ذلك ممّا دلّ على المنع عن تلاوة آية العزيمة في الصلاة معلّلاً بأنّ السجود زيادة في المكتوبة (١) ، مع أنّ السجود المأتي به حينئذ هو سجود التلاوة لا السجود الصلاتي.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٠٥ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٠ ح ١.

١٠٢

وأمّا الظنّ المتعلّق بالشروط وتحقّقها فلا يكون معتبراً (١) إلّا في القبلة (٢)

______________________________________________________

فيعلم من ذلك قادحية الزيادة الصورية في مثل السجود ، ويتعدّى إلى الركوع بالأولوية القطعية. فلا يمكن الاحتياط فيهما إلّا في عملين بضمّ الإعادة.

وقد ذكر (قدس سره) لذلك وجهين :

أحدهما : أن يعمل بالظن ثمّ يعيد الصلاة. فلو شكّ في السجدة الثانية قبل الدخول في التشهّد وظنّ الإتيان ، أو بعد الدخول وظنّ العدم بنى على الإتيان في الأوّل وأتمّ الصلاة ثمّ أعادها ، رعاية لاحتمال الترك العمدي لو كانت وظيفته الاعتناء بالشكّ في المحل. ورجع في الثاني وأتى بأُخرى وأتمّ ثمّ أعاد الصلاة رعاية لاحتمال الزيادة العمدية لو كانت وظيفته عدم الاعتناء بمقتضى قاعدة التجاوز ، وهكذا الحال في سائر الأفعال.

ثانيهما : أن لا يعمل بالظنّ ، بل يجري عليه حكم الشكّ من الاعتناء إن كان في المحل ، وعدمه إن كان بعده ويتم الصلاة ثمّ يعيدها ، رعاية لاحتمال حجّية الظن. هذا كلّه بناءً على مسلكه (قدس سره) من التشكيك في المسألة.

وأمّا بناءً على المختار من عدم الاعتبار وإلحاق الظنّ بالشك فسبيل الاحتياط ولو استحباباً منحصر في الثاني ، للزوم الزيادة أو النقيصة العمديّتين في الأوّل ، المستلزمين لإبطال الصلاة الّذي هو محرّم على المشهور.

(١) للزوم إحراز الشرط ، وعدم الدليل على كفاية الظنّ الّذي لا يغني عن الحقّ شيئا.

(٢) لقوله (عليه السلام) : «يجزي التحرِّي أبداً إذا لم يعلم أين وجه القبلة» (١).

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٣٠٧ / أبواب القبلة ب ٦ ح ١.

١٠٣

والوقت في الجملة (١) ، نعم لا يبعد اعتبار شهادة العدلين فيها ، وكذا في الأفعال والركعات ، وإن كانت الكلِّيّة لا تخلو عن إشكال (*) (٢).

[٢١٣٢] مسألة ١٧ : إذا حدث الشكّ بين الثلاث والأربع قبل السجدتين أو بينهما أو في السجدة الثانية يجوز له تأخير التروِّي إلى وقت العمل بالشك وهو ما بعد الرفع من السجدة الثانية (٣).

______________________________________________________

(١) أي فيما إذا كان اليوم غيوماً ، للنص الدال عليه كما تقدّم تفصيل ذلك كلّه في مباحثهما (١).

(٢) قدّمنا في كتاب الطهارة (٢) أنّ المستفاد من الأدلّة حجّية البيِّنة في الموضوعات على الإطلاق إلّا ما خرج بالنص كالدعوى على الميّت ، فإنّها تحتاج إلى ضمّ اليمين ، وكالشهادة على الزِّنا فإنّها تتوقّف على شهود أربعة وأمّا فيما عدا هذين الموردين فالمرجع إطلاق الدليل حسبما بيّنا تقريبه في محلّه. وعليه فيجوز التعويل على البيِّنة في إحراز شرائط الصلاة كأفعالها وركعاتها.

(٣) لعدم الفرق بين التقديم والتأخير بعد العلم بوجوب فعل السجدتين على كلّ حال ، سواء استقرّ شكّه بعد التروي أم انقلب إلى الظن ، هذا.

وقد عرفت في محلّه (٣) عدم وجوب التروي من أصله ، لعدم الدليل عليه فيجوز البناء على حكم الشك بمجرّد حدوثه لإطلاقات الأدلّة ، فلا حاجة إلى

__________________

(*) الإشكال ضعيف جدّاً ، بل لا يبعد ثبوتها بشهادة عدل ، بل ثقة واحد.

(١) شرح العروة ١١ : ٤٣٣ ، ٣٨٥.

(٢) شرح العروة ٢ : ٢٦٠ ، ٣ : ١٥٥.

(٣) شرح العروة ١٨ : ٢١١.

١٠٤

[٢١٣٣] مسألة ١٨ : يجب تعلّم ما يعمّ به البلوى من أحكام الشكّ والسهو (١) ، بل قد يقال ببطلان صلاة من لا يعرفها ، لكن الظاهر عدم الوجوب إذا كان مطمئنّاً بعدم عروضها له ، كما أنّ بطلان الصلاة إنّما يكون إذا كان متزلزلاً بحيث لا يمكنه قصد القربة أو اتّفق له الشك أو السهو ولم يعمل بمقتضى ما ورد من حكمه ، وأمّا لو بنى على أحد المحتملين أو المحتملات من حكمه وطابق الواقع مع فرض حصول قصد القربة منه صحّ ، مثلاً إذا شكّ في فعل شي‌ء وهو في محلّه ولم يعلم حكمه لكن بنى على عدم الإتيان فأتى به ، أو بعد التجاوز وبنى على الإتيان ومضى صحّ عمله إذا كان بانياً على أن يسأل بعد الفراغ عن حكمه والإعادة إذا خالف ، كما أنّ من كان عارفاً بحكمه ونسي في الأثناء أو اتّفق له شكّ أو سهو نادر الوقوع يجوز له أن يبني على أحد المحتملات في نظره بانياً على السؤال والإعادة مع المخالفة لفتوى مجتهده.

______________________________________________________

التروِّي رأساً فضلاً عن مثل المقام ممّا لا يترتّب عليه الأثر كما عرفت.

(١) تقدّم الكلام حول الفروع التي تتضمّنها هذه المسألة في مباحث الاجتهاد والتقليد (١) ، فلا حاجة إلى الإعادة. ومن شاء الإحاطة بها فليراجع ما قدّمناه في مطاوي تلك الأبحاث.

__________________

(١) شرح العروة ١ : ٢٥٠ ، ٣١٧.

١٠٥

ختام فيه مسائل متفرِّقة

[٢١٣٤] الأُولى : إذا شكّ في أنّ ما بيده ظهر أو عصر فان كان قد صلّى الظهر بطل ما بيده (*) ، وإن كان لم يصلّها أو شكّ في أنّه صلّاها أو لا عدل به إليها (١).

______________________________________________________

فروع العلم الإجمالي

(١) الشاك في أنّ ما بيده ظهر أو عصر قد يفرض علمه بإتيان الظهر وفراغ ذمّته عنها ، واخرى لا ، سواء أكان عالماً بعدم الإتيان أم كان شاكّاً فيه.

أمّا في الفرض الأوّل فقد حكم (قدس سره) ببطلان ما بيده ، والوجه في ذلك عدم إحراز النيّة التي هي من مقوّمات الصلاة الدخيلة في حقيقتها.

فانّا قد ذكرنا في مطاوي بعض الأبحاث السابقة ولا سيما في مباحث العدول (١) أنّ الصلوات بأسرها حقائق متباينة في حدّ ذاتها وإن اشترك بعضها مع بعض في الأجزاء صورة ، بل وفي تمام الصلاة أحياناً كما في الظهرين أو الأداء والقضاء ، فيمتاز كلّ منها عن الأُخرى بالعنوان المأخوذ فيها كعنوان الظهر والعصر ، والفريضة والنافلة ، والأداء والقضاء ونحوها.

__________________

(*) إلّا إذا رأى نفسه فعلاً في صلاة العصر وشكّ في نيّته لها من الأوّل ، وبذلك يظهر الحال في المسألة الثانية.

(١) شرح العروة ١١ : ٢١٨ ، ١٤ : ٦٣.

١٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذه الجهة الفارقة أعني العنوان المزبور المنطبق على تمام الصلاة ملحوظة في مقام الذات ، فهي في المركّبات الاعتبارية بمثابة الفصول المنوّعة بالإضافة إلى الماهيّات المتأصّلة ، فلا بدّ في تحقّقها من تعلّق القصد بها بخصوصها.

فلو نوى ذات الركعتين من غير قصد الفجر أو نافلته لم يقع شي‌ء منهما لامتناع تحقّق الجنس عارياً عن الفصل ، ومن ثمّ لا يغني قصد إحداها عن الأُخرى ما لم يقم عليه دليل بالخصوص كما في موارد العدول.

وعليه فمع الشك في اتِّصاف ما بيده بعنوان الظهر أو العصر فهو غير محرز لما تتقوّم به ماهيّة الصلاة ، فلا تقع لا ظهراً لأنّه قد صلّاها حسب الفرض ، ولا عصراً لعدم إحراز العنوان. فلا مناص من البطلان.

إذ لا سبيل إلى التصحيح (١) والبناء على وقوعها عصراً عدا ما يتوهّم من الاستناد إلى قاعدة التجاوز ، بدعوى أنّ نيّة الخلاف لدى القيام إلى الصلاة مشكوك فيها ، ومقتضى قاعدة التجاوز البناء على وقوعها بنيّة صحيحة وهي العصر ، فيتمّها بهذا القصد.

ولكنّه كما ترى ، ضرورة عدم كون النيّة من الأجزاء التي لها محلّ معيّن لتجري فيها القاعدة بالتقريب المتقدّم على حدّ جريانها في سائر الأجزاء المشكوكة لدى التجاوز عن محالّها ، بل هي من أجل كونها ممّا به الامتياز ومن قبيل الفصول المنوّعة للماهية كما عرفت منطبقة على تمام الأجزاء بالأسر

__________________

(١) وما في بعض الكلمات من التصدِّي للتصحيح بالتمسّك بظاهر الحال كما ترى ، ضرورة عدم الدليل على اعتباره في غير الموارد الخاصّة ، ما لم يرجع إلى قاعدتي الفراغ أو التجاوز ، لعدم خروجه عن حدود الظنّ الّذي لا يغني عن الحق. ألا ترى أنّ من كان معتاد الاستبراء أو مواظباً على الصلاة أوّل الوقت ليس له البناء على الإتيان لدى الشك ، اعتماداً على ظاهر الحال.

١٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

انطباق العنوان على المعنون والطبيعي على الفرد ، فمحلّها مجموع الأجزاء ، لا خصوص الابتداء وحالة الشروع في الصلاة كي يصدق التجاوز عنه.

نعم ، يتّجه الحكم بالصحّة استناداً إلى القاعدة المذكورة في صورة خاصّة وهي ما لو رأى نفسه فعلاً في صلاة العصر وشكّ في نيّته لها من الأوّل ، فكان محرزاً لعنوان الجزء الّذي بيده وشاكّاً في عنوان الأجزاء السابقة ، فإنّه يبني على وقوعها عصراً بمقتضى قاعدة التجاوز.

إذ مرجع ذلك إلى الشكّ في اتِّصاف ما وقع بعنوان الجزئية وعدمها ، فإنّه لو كان ناوياً للعصر فقد وقعت جزءاً وإلّا وقعت لغواً وأجنبيّة عن هذه الصلاة سواء كان ناوياً للظهر أم لغيرها ، لما عرفت من تقوّم الجزئية بالنيّة وقصد العنوان الّذي يتقوّم به المركّب ، فيرجع بالأخرة إلى الشكّ في وقوع ذات الجزء وحيث قد تجاوز عن محلّه بالدخول في الجزء المترتّب وهو الّذي بيده فيبني ببركة القاعدة على الوقوع.

وبعبارة اخرى : الشك في اتِّصاف الأجزاء السابقة بنيّة العصر لا ينقص عن الشكّ في أصل الإتيان الّذي هو مورد لقاعدة التجاوز.

وممّا ذكرنا تعرف أنّ المقام ليس من قبيل الشك في الصحّة ليتمسّك بقاعدة الفراغ ، لأنّ موردها ما إذا علمنا بوجود ذات الجزء المتقوّم باتِّصافه بعنوان العصر مثلاً وشككنا في صحّته وفساده ، والمفروض هنا الشكّ في ذلك.

فالمقام نظير ما لو شكّ وهو في السورة مثلاً في أنّ ما قرأ هل كان فاتحة أم دعاءً ، أو أنّه هل كان فاتحة أم كلاماً آدمياً ، الّذي لا شك في أنّ المرجع حينئذ إنّما هو قاعدة التجاوز دون الفراغ.

وعليه فينبغي التفصيل في المسألة بين ما لو كان يرى نفسه فعلاً في صلاة العصر وما إذا كان شاكّاً في حالته الفعلية أيضاً ، فيلتزم بالصحّة في الأوّل ولا

١٠٨

[٢١٣٥] المسألة الثانية : إذا شكّ في أنّ ما بيده مغرب أو عشاء فمع علمه بإتيان المغرب بطل ، ومع علمه بعدم الإتيان بها أو الشك فيه عدل بنيّته إليها إن لم يدخل في ركوع الرابعة ، وإلّا بطل أيضاً (١).

______________________________________________________

مناص من البطلان في الثاني (١) حسبما عرفت ، بعد وضوح عدم كون المقام من موارد العدول إلى العصر ولو رجاءً ، لعدم جواز العدول من السابقة إلى اللّاحقة.

وأمّا في الفرض الثاني أعني ما إذا كان عالماً بعدم الإتيان بالظهر أو شاكّاً فيه ، الّذي هو بمنزلة العلم ولو تعبّداً بمقتضى استصحاب العدم ، فلا ينبغي الشكّ في صحّة الصلاة حينئذ وأنّه يعدل بها إلى الظهر كما أفاده في المتن.

فانّ العدول بمعناه الحقيقي وإن لم يكن محرزاً في المقام ، لتوقّفه على الجزم بعنوان المعدول عنه ، والمفروض الشك في ذلك ، إلّا أنّ المراد به العدول التقديري ، فيجعل ما بيده ظهراً ويأتي ببقية الأجزاء بهذا العنوان ، لعلمه بوجوب ذلك على كلّ حال. وأمّا الأجزاء السابقة فإن كان ناوياً للظهر من أوّل الأمر فهو ، وإلّا فحكمه العدول بها إلى الظهر وقد فعل ، فيحرز معه الإتيان بظهر صحيحة ويأتي بالعصر بعد ذلك.

(١) ممّا ذكرناه في المسألة السابقة يظهر الحال في هذه المسألة ، فإنّ الكلام فيها هو الكلام فيما مرّ بعينه ، فيجري هنا أيضاً التفصيل المتقدّم بين الصورتين أعني صورة العلم بإتيان المغرب وصورة عدم العلم ، سواء كان شاكّاً أم عالماً بالعدم.

__________________

(١) إلّا إذا أحرز أنّ قصد الظهر لو كان فهو من باب الخطأ في التطبيق كما لعلّه الغالب.

١٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

فيحكم في الصورة الأُولى بالبطلان ، لعدم إحراز العنوان ، إلّا إذا كان محرزاً لحالته الفعلية وأنّ الجزء الّذي بيده قد أتى به بعنوان العشاء ، وشكّ في الأجزاء السابقة وأنّها هل كانت كذلك أيضاً أم أنّه أتى بها بعنوان المغرب ، فيحكم حينئذ بالصحّة ، استناداً إلى قاعدة التجاوز ، من غير فرق بين حدوث الشك المزبور بعد الدخول في ركوع الركعة الرابعة أم قبل ذلك.

وأمّا في الصورة الثانية : فيحكم بالصحّة والعدول عمّا بيده إلى المغرب بالمعنى المتقدّم للعدول المراد به في المقام.

نعم ، تفترق هذه الصورة عن مثلها في المسألة السابقة فيما لو كان الشك عارضاً بعد الدخول في ركوع الركعة الرابعة ، لامتناع العدول حينئذ بعد فوات محلّه بالدخول في الركن ، وحيث لا يمكن تصحيحها لا مغرباً لما عرفت ، ولا عشاءً لعدم إحراز النيّة ، فلا مناص من رفع اليد والإتيان بالعشاءين.

نعم ، في خصوص ما إذا كان محرزاً لحالته الفعلية يمكن تتميمها عشاءً والإتيان بالمغرب بعد ذلك بناءً على مسلك شيخنا الأُستاذ (قدس سره) (١) الّذي تقدّم التعرّض له في مبحث الأوقات (٢) في من تذكّر عدم الإتيان بالمغرب بعد ما دخل في ركوع الركعة الرابعة من صلاة العشاء ، من جواز تتميم العشاء حينئذ والإتيان بالمغرب بعد ذلك ، بدعوى عدم المحذور في ذلك عدا مخالفة الترتيب ، وحيث إنّ الإخلال به سهوي فهو مشمول لحديث لا تعاد (٣) الدال على سقوط شرطيّة الترتيب بعد عدم كونه من الخمسة المستثناة في الحديث.

فعلى ضوء ما ذكره (قدس سره) هناك يحكم بالصحّة هنا أيضاً وإتمامها

__________________

(١) كتاب الصلاة ١ : ٧٢ ٧٣.

(٢) شرح العروة ١١ : ٢٠٧.

(٣) الوسائل ١ : ٣٧١ / أبواب الوضوء ب ٣ ح ٨.

١١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

عشاءً بعد إحراز اتِّصاف الأجزاء السابقة بعنوان العشاء بمقتضى قاعدة التجاوز كما مرّ ، ويأتي بالمغرب بعد ذلك ، فانّ غايته الإخلال بالترتيب ، والمفروض سقوط شرطيّته بمقتضى حديث لا تعاد كما عرفت.

لكن الشأن في صحّة هذا المسلك ، فقد أشرنا في ذاك المبحث إلى ضعفه وسقوط الدعوى المزبورة ، نظراً إلى أنّ الترتيب معتبر بين الصلاتين في تمام أجزائهما بالأسر من البدو إلى الختم كما هو ظاهر الأدلّة ، فإنّ المستفاد من مثل قوله (عليه السلام) : «إلّا أنّ هذه قبل هذه» (١) أنّ تمام هذه الأجزاء التي يتركّب منها اسم الصلاة بعد تمام تلك ، لا أنّ البعض من هذه بعد هذه كما لا يخفى.

وعليه فالترتيب كما هو معتبر في الأجزاء السابقة معتبر في الأجزاء اللّاحقة أيضاً ، وحديث لا تعاد الجاري في المقام لا يتكفّل إلّا لسقوط الترتيب بالإضافة إلى الأجزاء السابقة التي وقعت قبل المغرب سهواً ، دون ما لم يؤت به بعدُ من الأجزاء اللّاحقة ، ضرورة أنّ الإخلال به حينئذ عمدي ، ومن المعلوم عدم شمول الحديث لمثل ذلك.

فالصحيح عدم جريان الحديث في كلا الموردين ، فلا يمكن تتميم ما بيده عشاءً ، للزوم الإخلال بالترتيب عامداً ، اللهمّ إلّا على القول بجواز إقحام صلاة في صلاة وأنّه مطابق للقاعدة حتّى اختياراً كما يقول به هو (قدس سره) أيضاً (٢) ، إذ عليه يمكنه أن يدع هذه الأجزاء التي أتى بها على حالها ويأتي بالمغرب ثمّ يأتي ببقية إجزاء العشاء ، وبذلك يراعي شرطية الترتيب بالإضافة إلى الأجزاء اللّاحقة ، وأمّا السابقة فقد عرفت سقوطها فيها بمقتضى الحديث بعد كون الإخلال بالنسبة إليها سهويّاً.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ١٢٦ / أبواب المواقيت ب ٤ ح ٥ ، ٢٠.

(٢) لاحظ كتاب الصلاة ٢ : ٢٧٤ ، ٣ : ٢٠١.

١١١

[٢١٣٦] المسألة الثالثة : إذا علم بعد الصلاة أو في أثنائها أنّه ترك سجدتين من ركعتين سواء كانتا من الأولتين أو الأخيرتين (*) صحّت صلاته وعليه قضاؤهما وسجدتا السهو مرّتين (**) وكذا إن لم يدر (***) أنّهما من أيّ الركعات بعد العلم بأنّهما من الركعتين (١).

______________________________________________________

إلّا أنّ هذا القول أيضاً ضعيف ، ولا يمكن الالتزام بالإقحام في غير مورد النص ، لكونه على خلاف القاعدة كما تقدّم في محلّه (١). وعليه فلا مناص من الحكم بالبطلان ولزوم الإتيان بالعشاءين كما ذكرناه.

(١) إذا علم بعد الصلاة أو في أثنائها أنّه ترك سجدتين من ركعتين سواء كانتا من الأولتين أو الأخيرتين أو بالاختلاف ، أو لم يدر أنّهما من أيّ الركعات بعد العلم بعدم كونهما من ركعة واحدة المستلزم للبطلان ، فقد حكم (قدس سره) حينئذ بصحّة الصلاة ووجوب قضائهما مع سجدتي السهو مرّتين.

وما ذكره (قدس سره) ظاهر في الجملة ولا سترة عليه ، ضرورة أنّ ما دلّ

__________________

(*) إذا كان المنسي سجدتين منهما وعلم المصلّي بذلك قبل الفراغ أو بعده قبل الإتيان بالمنافي وجب عليه تدارك إحداهما وقضاء الأُخرى.

(**) على الأحوط كما مرّ ، وقد تقدّم حكم نقصان السجدة من الركعة الأخيرة [في المسألة ٢٠١٩].

(***) إذا علم إجمالاً نقصان سجدتين من ركعتين واحتمل أن تكون إحداهما من الركعة التي لم يفت محلّ تداركها فيها وجب عليه تداركها وقضاء سجدتين أُخريين بعد الصلاة على الأظهر ، نعم إذا كان الشك بعد الفراغ وقبل الإتيان بالمنافي رجع وتدارك إحداهما ثمّ يقضي سجدة أُخرى.

(١) شرح العروة ١٦ : ٥٥.

١١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

على وجوب قضاء السجدة المنسية وعدم بطلان الصلاة بذلك لا يفرق فيه بمقتضى الإطلاق بين ما إذا كان المنسي سجدة واحدة أو ثنتين ، بل الثلاث ما لم تكن من ركعة واحدة ، وإلّا استوجب البطلان حينئذ من أجل نقصان الركن.

نعم ، ضم سجدتي السهو إلى القضاء مبني على ما اختاره من كون نسيان السجدة من موجبات سجود السهو ، وقد عرفت (١) منعه ، فلا يجب عليه غير القضاء إلّا إذا قلنا بوجوب سجدتي السهو لكلّ زيادة ونقيصة. وهذا في الجملة واضح كما عرفت.

إلّا أنّ تفصيل الكلام في المقام يستدعي التكلّم في موردين :

أحدهما : ما إذا حصل العلم المزبور بعد الفراغ من الصلاة.

ثانيهما : ما إذا حصل في الأثناء وقبل أن يسلّم.

أمّا المورد الأوّل : فتارة يعلم بعدم كون شي‌ء من السجدتين المنسيّتين من الركعة الأخيرة ، وأُخرى يعلم بأنّ إحداهما منها ، وثالثة يشكّ في ذلك فيحتمل أن تكون إحدى المنسيّتين من الأخيرة.

لا إشكال في الصورة الأُولى ، وأنّه ليس عليه إلّا قضاؤهما إمّا مع ضمّ سجدتي السهو أو بدون ذلك على الخلاف المتقدّم.

وأمّا في الصورة الثانية : فلا إشكال أيضاً في وجوب قضاء السجدة الفائتة من غير الركعة الأخيرة ، وأمّا المنسية من الأخيرة فحيث إنّ السلام حينئذ واقع في غير محلّه ومثله لا يكون مخرجاً ، فهو بعدُ في الصلاة ، فيجب عليه الرجوع وتدارك السجدة المنسية والإتيان بسجدتي السهو لأجل السلام الزائد الواقع في غير محلّه سهواً ، بل للتشهّد أيضاً إن قلنا بوجوبهما لكلّ زيادة ونقيصة.

__________________

(١) في شرح العروة ١٨ : ٣٥٣.

١١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

هذا فيما إذا كان محلّ التدارك باقياً ، بأن لم يكن مرتكباً بعد السلام لأحد المنافيات العمدية والسهوية كالحدث والاستدبار ، وإلّا فلا رجوع لفوات المحل.

وحيث إنّ نسيان السجدة الواحدة لا يستوجب البطلان بمقتضى حديث لا تعاد ، بل لصريح قوله (عليه السلام) : لا تعاد الصلاة من سجدة واحدة وإنّما تعاد من ركعة (١) فيعلم من ذلك أنّ السلام الواقع آن ذاك كان مخرجاً ، بمعنى أنّ ارتكاب المنافي كاشف عن اتِّصاف السلام في ظرفه بالمخرجية ، وإلّا لزم إعادة الصلاة ، والمفروض أنّها لا تعاد ممّا عدا الخمسة كما عرفت.

وعليه فيجب قضاء هذه السجدة كالسجدة الأُخرى المنسية ممّا عدا الركعة الأخيرة كما مرّ. فحال ذلك حينئذ حال ما لو علم بفوات كلتا السجدتين ممّا عدا الركعة الأخيرة ، الّذي تقدّم في الصورة الأُولى.

وأمّا في الصورة الثالثة : ففيما إذا كان ذلك بعد ارتكاب المنافي يجب قضاؤهما كما علم ممّا مرّ آنفاً ، وأمّا إذا كان قبل ذلك والمفروض أنّ التذكّر بعد السلام فلا إشكال في وجوب قضاء إحدى السجدتين المعلوم عدم كونها من الركعة الأخيرة.

وأمّا الأُخرى المردّدة بين كونها منها أو ممّا عداها من سائر الركعات فحيث إنّ قاعدة التجاوز في الركعة الأخيرة معارضة بمثلها في سائر الركعات فنبقى نحن واستصحاب عدم الإتيان بها في كلّ منهما ، أعني الركعة الأخيرة والركعة الأُخرى التي هي طرف لهذا الشك ، ومقتضى العمل بالاستصحابين وجوب الرجوع وتدارك السجدة وإعادة التشهّد والسلام ثمّ قضائها ، مضافاً إلى قضاء السجدة الأُولى كما مرّ. فبالنتيجة يأتي بثلاث سجدات ، إحداها رجوعاً وثنتان قضاء.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣١٩ / أبواب الركوع ب ١٤ ح ٢ ، ٣ ، (نقل بالمضمون).

١١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، يجوز له الاقتصار على سجدتين ، بأن يسجد أوّلاً بقصد ما في الذمّة الجامع بين الرجوع والقضاء ، حيث إنّ الظاهر أنّ المأمور به هو الإتيان بذات السجدة من دون أن تكون معنونة بعنوان الرجوع وعدمه ، ثمّ يتشهّد ويسلّم احتياطاً ويأتي بعد ذلك بسجدة اخرى قضاءً ، وبذلك يقطع ببراءة الذمّة ، فإنّ وظيفته إن كانت الرجوع لكون الفائتة من الأخيرة فقد فعل ، وإلّا فقد قضى. ولا يضرّه التشهّد والتسليم عندئذ بعد وقوعهما خارج الصلاة كما هو ظاهر.

فلا حاجة إلى سجدة ثالثة ، كما لا يجب عليه سجود السهو من أجل السلام الأوّل ، لعدم الجزم بزيادته بعد احتمال أن تكون السجدتان المنسيتان كلتاهما ممّا عدا الركعة الأخيرة.

ومعلوم أنّ استصحاب عدم الإتيان بسجدة الركعة الأخيرة لا يثبت اتِّصاف السلام بعنوان الزيادة ليجب سجود السهو من أجله.

نعم ، بناءً على ما قدّمناه في محلّه (١) من أنّ السجدة المقضية جزء حقيقة قد تغيّر ظرفه وتبدّل محلّه فتأخّر عن موطنه إلى ما بعد السلام ، وما لم يأت بها لم يتحقّق الخروج عن الصلاة ، ولذا قلنا إنّه لو أخلّ بها عمداً بطلت صلاته ، فعليه يعلم في المقام إجمالاً بزيادة السلام ، فإنّ السجدة المنسية إن كانت من الركعة الأخيرة فالسلام الأوّل زائد ، وإلّا فالسلام الثاني المأتي به احتياطاً ، لما عرفت من أنّ السجدة المقضية جزء حقيقي ، فما لم يفرغ عن قضاء السجدتين لم يتحقّق الخروج عن الصلاة ، فلا محالة يكون السلام الثاني واقعاً في الأثناء ومتّصفاً بالزيادة. إذن يجب عليه سجود السهو لأحد السلامين المعلوم زيادته إجمالاً ، بل وكذا للتشهّد بناءً على وجوبه لكلّ زيادة ونقيصة.

وأمّا المورد الثاني : أعني ما إذا كان العلم حاصلاً أثناء الصلاة ، فلا إشكال

__________________

(١) شرح العروة ١٨ : ٩٥ ، ٢٧١ ، ٣١١.

١١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

في وجوب قضاء السجدتين فيما إذا كان التذكّر بعد الدخول في ركن لاحق بحيث لا يمكن معه التدارك ، كما لو علم وهو في ركوع الثالثة بفوات السجدتين من الأولتين ، أو علم وهو في ركوع الرابعة بتركهما من الركعات السابقة.

كما لا إشكال في قضائهما أيضاً فيما إذا لم يكن داخلاً في ركن ، ولكنّه لم يحتمل فوت السجدة من الركعة التي هو فيها أو قام عنها ، كما لو قام إلى الرابعة فعلم حينئذ بفوت سجدتين من الأوليين ، أو رفع رأسه من السجدة الأخيرة وعلم بترك سجدتين من الركعات السابقة.

وأمّا إذا لم يكن داخلاً في ركن مع احتمال أن تكون إحدى المنسيّتين من الركعة التي هو فيها أو قام عنها ، فوجوب قضاء سجدة واحدة معلوم تفصيلاً.

وأمّا السجدة الأُخرى المردّدة بين كونها ممّا بيده أو من ركعة أُخرى قد فات محلّ تداركها ، فان لم يكن داخلاً في جزء مترتّب كما لو رفع رأسه من سجود الركعة الأخيرة مثلاً ، وقبل أن يتشهّد علم بترك سجدتين إحداهما من الركعات السابقة يقيناً والأُخرى مردّدة بين كونها منها أيضاً أو من نفس هذه الركعة ، عمل بقاعدة الشكّ في المحل بالنسبة إلى هذه الركعة ، وبقاعدة التجاوز بالإضافة إلى الركعة السابقة التي هي طرف للترديد ، فيسجد للركعة التي هي بيده ، ولا شي‌ء عليه إلّا قضاء السجدة المعلوم فواتها.

وإن كان داخلاً في جزء مترتّب كما لو كان داخلاً في التشهّد في المثال المزبور أو قام إلى الرابعة فعلم بتردّد الفائتة بين كونها من هذه الركعة التي قام عنها أو من ركعة أُخرى ، فقاعدة التجاوز لكونها متعارضة من الطرفين ساقطة. فلا مناص من الرجوع إلى أصل آخر. والأُصول المتصوّرة في المقام ثلاثة : الاستصحاب ، وقاعدة الاشتغال ، وأصل البراءة.

فإن قلنا بعدم جريان الاستصحاب في أمثال المقام ممّا علم معه بالمخالفة

١١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

للمعلوم بالإجمال كما عليه شيخنا الأنصاري (قدس سره) (١) كان المرجع حينئذ قاعدة الاشتغال بالإضافة إلى الركعة التي قام عنها ، للشك في الخروج عن عهدة الأمر بالسجود مع إمكان التدارك ، لبقاء محلّه الذكري ، إذ المفروض عدم الدخول في الركن. وأصالة البراءة بالإضافة إلى الركعة السابقة التي هي طرف للترديد ، فإنّ الأمر بالسجدة المحتمل فواتها من تلك الركعة ساقط قطعاً بعد عدم إمكان التدارك ، فلا يحتمل بقاؤها على الجزئية.

نعم ، على تقدير تركها في موطنها يتعلّق أمر جديد بالجزئية بعد الصلاة ويكون التبدّل حينئذ في ظرفها ومحلّها ، وحيث نشكّ في حدوث هذا الأمر لجواز الإتيان بالسجدة في موطنها فيرجع في نفيه إلى أصالة البراءة.

فبهذين الأصلين أصالة الاشتغال وأصالة البراءة اللّذين أحدهما مثبت والآخر ناف ينحلّ العلم الإجمالي ، فيرجع ويتدارك السجدة من الركعة التي هو فيها أو قام عنها ، ولا شي‌ء عليه إلّا قضاء السجدة الواحدة المعلوم فواتها.

وإن قلنا بجريان الاستصحاب كما هو الصحيح ، لعدم كون المخالفة بمجرّدها مانعة ما لم تكن عملية ، فلا تصل النوبة إلى الأُصول المتأخّرة الطولية ، بل يبنى حينئذ على عدم الإتيان بالسجدة من كلّ من الركعتين اللّتين هما طرفا الترديد عملاً بالاستصحاب في كلّ منهما ، فيرجع ويتدارك السجدة من هذه الركعة ويقضي سجدتين بعد الصلاة إحداهما عمّا فات يقيناً والأُخرى عمّا فات بحكم الاستصحاب.

فانّ الظاهر أنّ الموضوع للقضاء ليس هو الترك السهوي ليورد بعدم ثبوت هذا العنوان باستصحاب عدم الإتيان ، بل المستفاد من الأدلّة أنّ السجدة

__________________

(١) فرائد الأُصول ٢ : ٧٤٤ ٧٤٥.

١١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

المتروكة في محلّها محكومة بالتدارك مع الإمكان وإلّا فبالقضاء.

نعم ، الترك العمدي موجب للبطلان ، وهذا لا يستوجب تقيّد موضوع القضاء بعنوان الترك السهوي كما لا يخفى.

وعلى الجملة : فاللّازم الإتيان بسجدات ثلاث : إحداها في المحلّ ، وثنتان قضاءً ، ولا يمكن الاقتصار هنا على سجدتين بأن يأتي بإحداهما بقصد ما في الذمّة الجامع بين ما هو تدارك في المحل وما يكون قضاءً عن الركعة التي هي طرف للترديد كما هو ظاهر. وبذلك تفترق هذه الصورة عن الصورة السابقة أعني ما إذا كان التذكّر بعد السلام ، التي عرفت فيها جواز الاقتصار على السجدتين.

وأمّا سجود السهو من أجل القيام إلى الركعة التي بيده فغير لازم ، لعدم العلم بزيادته بعد احتمال الإتيان بكلتا السجدتين في الركعة التي قام عنها. ومن المعلوم أنّ أصالة عدم الإتيان لا تثبت الزيادة ، نعم بعد ما رجع وتدارك بمقتضى الاستصحاب كما عرفت يعلم حينئذ إجمالاً إمّا بزيادته أو بزيادة الجلوس من جهة تدارك السجدة ، فيجب السجود للعلم الإجمالي بتحقّق موجبه وهو القيام في موضع القعود أو عكسه ، الّذي هو بنفسه من الموجبات كما تقدّم (١).

فتحصّل : أنّ الصلاة محكومة بالصحّة في جميع صور المسألة ، إلّا أنّ حكمها يختلف باختلاف الموارد حسبما فصّلناه.

__________________

(١) شرح العروة ١٨ : ٣٥٨.

١١٨

[٢١٣٧] المسألة الرابعة : إذا كان في الركعة الرابعة مثلاً وشكّ في أنّ شكّه السابق بين الاثنتين والثلاث كان قبل إكمال السجدتين أو بعدهما بنى على الثاني ، كما أنّه كذلك إذا شكّ بعد الصلاة (١).

______________________________________________________

(١) تقدّم الكلام حول هذه المسألة في المسألة العاشرة من فصل الشكّ في الركعات (١) وأعادها في المقام ، ونحن أيضاً نعيدها ، لعدم خلوّها عن الإفادة فنقول :

إذا كان في الركعة الرابعة البنائية وعلم أنّه شكّ قبل ذلك بين الثنتين والثلاث ولم يدر أنّ شكّه السابق هل كان قبل إكمال السجدتين لتبطل صلاته أم كان بعد الإكمال وقد بنى على الثلاث فطبعاً يكون ما بيده رابعة بنائيّة.

ذكر في المتن أنّه يبني على الثاني ، فتصحّ صلاته ويأتي بركعة الاحتياط بعد ذلك ، وذكر (قدس سره) أنّ الأمر كذلك فيما إذا كان الشك بعد الصلاة.

أقول : ما أفاده (قدس سره) هو الصحيح فيما إذا كان الشك في الأثناء ، فإنّ الروايات ومنها موثّقة عمار (٢) قد دلّت على أنّ الشاكّ في عدد الركعات يبني على الأكثر ويتدارك النقص المحتمل بركعة الاحتياط. وزيادة السلام المحتملة مغتفرة تخصيصاً في دليل المخرجية. فمقتضى هذه الروايات أنّ كلّ شكّ محكوم بهذا الحكم.

إلّا أنّ هناك طائفة أُخرى من الروايات دلّت على لزوم حفظ الأُوليين وسلامتهما عن الشك ، وأنّه لا يدخلهما الوهم كما نطقت به صحيحة الوشّاء :

__________________

(١) شرح العروة ١٨ : ٢٣٧.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ١ وغيره.

١١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

«الإعادة في الركعتين الأُوليين ، والسهو في الركعتين الأخيرتين» (١) ونحوها غيرها من الأخبار المصرّحة بلزوم إحراز الأُوليين واليقين بهما.

فالمتلخّص من هاتين الطائفتين بعد ضمّ بعضها إلى بعض أنّ الموضوع للصحّة والبناء على الأكثر هو الشاك في الركعات ولم يكن شكّه في الأُوليين وهذا يمكن إحرازه في المقام بضميمة الوجدان إلى الأصل.

فإنّ المكلّف شاكّ فعلاً بين الثلاث والأربع وجداناً ، ولأجله يكون ما بيده رابعة بنائيّة كما ذكرنا ، كما أنّه حافظ فعلاً للأُوليين وجداناً أيضاً ، فإنّه محرز لهما بالفعل ، ولا شكّ فيهما بوجه ، وليس في البين عدا احتمال عروض المبطل سابقاً أعني حدوث الشك السابق بين الثنتين والثلاث قبل الإكمال المستلزم لعدم حفظ الأُوليين آن ذاك وكونه ماضياً على الشك ، وهو مدفوع ببركة الأصل.

ونتيجة ذلك هو الحكم بالصحّة ، فإنّ شكّه الفعلي فيما عدا الأُوليين وكونه حافظاً لهما وجداني ، ومضيّه سابقاً مع الشك فيهما الّذي هو المبطل منفي بالأصل.

ولكن قد يقال : إنّ الشك الّذي يحكم معه بالصحّة والتدارك بركعة الاحتياط هو خصوص الشك الحادث في الأخيرتين وبعد إكمال السجدتين ، فهذه الحصّة الخاصّة من الشك المتّصفة بعنوان الحدوث والبعدية هي الموضوع للصحّة. ومن المعلوم أنّ أصالة عدم حدوث الشك قبل الإكمال لا يجدي في إثبات هذا العنوان ، فلا يمكن إحرازه إلّا على القول بالأُصول المثبتة.

وربما يؤيّد ذلك بناءً على اختلاف حكم الشكّ بين الثنتين والثلاث مع الثلاث والأربع كما مرّ (٢) بأنّ الشكّ الأوّل يلازم الثاني بعد الإتيان بركعة فهو يرجع إليه دائماً ، فلا يكون قسماً آخر ، ومعه كيف يمكن الالتزام باختلاف

__________________

(١) الوسائل ٨ : ١٩٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١ ح ١٠.

(٢) شرح العروة ١٨ : ١٨٥.

١٢٠