من وحي الثورة الحسينية

هاشم معروف الحسني

من وحي الثورة الحسينية

المؤلف:

هاشم معروف الحسني


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار القلم ـ بيروت
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٠٠

في كلامه ويتهمه بالاسراف والتبذير ، فقال عبدالله ليزيد : اني لأرفع نفسي عن جوابك ، ولو قالها صاحب السرير لأجبته ، فقال معاوية : كأنك تظن انك أشرف منه يا عبدالله ، فقال عبدالله : أي والله ومنك ومن ابيك وجدك يا معاوية ، فرد عليه معاوية بقوله : ما كانت أحسب ان احدا في عصر حرب بن أمية جدي أشرف منه ، فقال عبدالله : بلى والله ان أشرف منه من اكفاء عليه اناءه وأجاره بردائه ، فقال : صدقت يا ابا جعفر (١).

وكان يقول : كما جاء عنه : ان الله قد عودني ان يتفضل عليّ ، وعودته ان أتفضل على عباده ، وأضاف : ان يقطع عني اذا قطعت عن عباده (٢).

وقد تحدث المؤرخون وأكثروا عن كرمه وسخائه وايثاره الأيتام والمساكين وأبناء السبيل على نفسه وولده ، ولقد رأته العقيلة يصنع كل ذلك فلم تعارضه في شيء من عطائه وسخائه بل كانت تشاركه احيانا وتشجعه على البذل والعطاء وظلت العقيلة وفية لزوجها ساهرة على راحته وتربية اولادها وفي الوقت ذاته على صلة دائمة بأخويها الحسن والحسين وبقية اخوتها وتحملت من المحن والمصائب ما لا يقوى على حمله احد من الناس وثبتت لجميع تلك الأهوال وتحملت مرارتها وآلامها وبصبر وشجاعة قل نظيرهما في تاريخ الأبطال وعظماء العالم ، وقد نحدث المؤرخون والكتاب القدامى والمحدثون عن مواقفها وبطولاتها في معركة الطف وما تلاها من الأحداث في الكوفة والشام وعن تحدياتها لاولئك الطغاة والجلادين التي زعزعت فيها عروشهم وضعضعت كبرياءهم

__________________

١ ـ زينب الكبرى لجعفر نقدي ص ٨٩ طبع النجف.

٢ ـ العقد الفريد لابن عبد ربه.

١٠١

وأصبحوا لعنة على لسان الاجيال الى ان تقوم الساعة ، ولم يتحدثوا عن حياتها مع زوجها عبدالله لانها في تلك الفترة من تاريخها كانت منصرفة لبيتها وأولادها واعدادهم الاعداد السليم كما كان ابوها يعدها ويعد اخوتها وقد اكتفت بذكر الله وعبادته والتضرع اليه في ليلتها ونهارها والاستفادة من مدرسة امها وأبيها وأخويها الحسن والحسين عن ذكر الناس والقيل والقال والاشتراك في الفتن والاحداث.

وقد اعتاد المؤرخون والكتاب ان يتحدثوا عن المرأة من خلال نزعاتها واشتراكها في الفتن وأحداث عصرها وركوبها الحمال والبغال في ساحات الحروب والمعارك وعما ترويه من الاحادي المكذوبة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كالتي كانت تنسبها بعض زوجاته اليه زورا وافتراء كما يتحدثون احيانها عن ربات البيوت من خلال مظاهر البذخ والترف وعدد الجواري والعبيد ومجالس الغناء والشراب اما البيوت التي تكون لله وفي سبيل الله والتهجد والعبادة وللعلم والتعليم والارشاد فلا يعنيهم من امرها شيئاً.

لقد كان بيت العقيلة من تلك البيوت التي وصفها بعض الشعراء بقوله :

منازل كانـت للرشـاد وللتقـى

ولـلصـوم والتطهيـر والصلـوات

ووصفها ابو فراس الحمداني في قصيدته التي يعدد فيها فضائل العلويين ومساوئ الامويين والعباسيين بقوله وهو يخاطب العباسيين :

تنشي التلاوة فـي ابياتهـم سحـرا

وفـي بيوتكـم الاوتـار والنغـم

مـا في ديارهـم للخمر معتصـر

ولا بيـوتهم لـلسـوء مـعتصـم

ولا تبيت لهـم خنثـى تنـادمهـم

ولا يـرى لهـم قـرد لـه حشـم

الركـن والبيـت والاستـار منزلهم

وزمزم والصفا والخيـف والحـرم

١٠٢

لقد روى عنها أعيان الصحابة وكان عبدالله بن العباس عندما يروي عنها يقول : حدثتني زينب ابنة علي عليها‌السلام ، وولد لعبدالله من زوجته زينب اربعة ذكورا وأنثى واحدة وهم علي ومحمد وعباس وعون وأم كلثوم وكان قد خطبها معاوية لولده يزيد بن ميسون وحاول بكل وسائله ومغرياته اتمام هذه الصفقة ، ولكن خالها الحسين عليه‌السلام كان له بالمرصاد فزوجها من ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر (١) وقتل محمد وعون مع الحسين في كربلاء وقدمتهما العقيلة لينالا شرف الشهادة مع اخيها فبرز عون وهم يقول كما تروي كتب المقاتل :

ان تنكـرونـي فأنـا ابن جعفـر

شهيد صـدق فـي الجنـان ازهـر

يطـير فيـهـا بجـنـاح اخضـر

كفـى بهذا شرفـاً فـي المحشـر

ومضى يقاتل حتى قتل ثلاثة فوارس وثمانية عشر رجلا ثم تكاثروا عليه وقتلوه وبرز بعده اخوه محمد بن عبدالله وهو يقول :

اشـكـو إلـى الله مـن العـدوان

فعال قـوم فـي الـردى عميـان

قـد بدلـوا مـعـالـم القـرآن

ومحكـم التنـزيـل والتبيـان

وقتل من أهل الكوفة عشرة من فرسانهم ثم حملوا عليه وقتلوه وكان الذي تولى قتله ابن نهشل التميمي كما ذكر ارباب المقاتل ولم يحدث التاريخ ولا أرباب المقاتل ان العقيلة زينب ندبت ولديها او تعلقت بهما كما كانت الامهات يصنعن حين خروج أولادهن ومصرعهم بل كان الحسين شاغلها الوحيد الذي أنساها كل شيء وهان عليها مصابها بهما

__________________

١ ـ انظر ص ١٩١ من أعيان الشيعة المجلد ٣٣ طبعة ١٩٥٠.

١٠٣

لانهما قتلا في سبيله ، وحتى ان زوجها عبدالله والدهما كان يقول بعد ان بلغته اخبار تلك المجزرة وما جرى لولديه : لقد هون عليّ مصابهما انهما قتلا مع اخي وابن عمي مواسين له صابرين معه واذا لم اكن قد واسيته بيدي فلقد واسيته بولدي. ودخل عليه احد غلمانه يبكيهما ويقول : ماذا لقينا من الحسين بن علي ، فغضب عبدالله وحذفه بنعله وقال له : يا ابن اللخناء اللحسين تقول هذا ، والله لو شهدته لما فارقته حتى أقتل دونه وأفديه بنفسي.

والسؤال الذي قد يعترض هو انه لماذا لم يخرج مع الحسين كما خرجت معه زوجته وأكثر الطالبيين ومن هو أولى من عبدالله بذلك ، وقد اعتذر عنه جماعة بأعذار لا تعدو ان تكون من نوع الحدس والتخمين ، والذي اراه ان عبدالله بن جعفر لم يتخلف عن الحسين عليه‌السلام الا برأيه وقد أمره بالبقاء في المدينة لاسباب تفرضها المصلحة كما أمر اخاه محمد بن الحنفية بذلك ، ولم يحدث التاريخ عن عبدالله بأنه كان يعصي للحسن والحسين امرا او يخالفهما في شيء ، وقد ذكرنا ان معاوية حينما خطب ابنته لولده يزيد ترك امرها الى الحسين بالرغم من العروض السخية التي عرضها عليه معاوية ، كما ترك امر زوجته زينب من حيث خروجها معه اليه واليها وهو الذي أمر ولديه بالخروج معه وكان مغتبطاً باستشهادهما معه ومواساتهما له ، وان سيرته ومواقفه بعد الحسين عليه‌السلام لأصدق شاهد على ايمانه واخلاصه في ولائه لعمه وأبناء عمه ولدينه وعقيدته.

١٠٤

افتراءات الأمويين عليه

وجاء في العيون والمجالس للبيهقي ان عبدالله بن عباس وعمرو بن العاص كانا في مجلس معاوية فتعرض عمرو بن العاص لعبدالله بن جعفر ونال منه ، فقال له ابن عباس رحمه‌الله : ان عبدالله ليس كما تذكر يا ابن العاس ، ولكنه لله ذكورا ولنعمائه شكوراً وعن الخني زجوراً جواد كريم وسيد حليم لا يدعى لدعي ولا يدنو لدني كمن اختصم فيه من قريش شرارها وغلب عليه جزارها فأصبح آلامها حسبا وأدناها نسباً ، ومضى يقول : وليت شعري بأي قدم تتعرض للرجال وبأي حسب تبارز عند النضال ، أبنفسك وأنت الوغد الزنيم ام بمن تنتمي اليه من اهل السفة الطيش والدناءة في قريش لا بشرف في الجاهلية اشتهروا ولا بقديم في الإسلام ذكروا وكان ابن عباس في قوله هذا يعرض بابن العاص لانه كان متهما في نسبه كما تؤكد ذلك اكثر المصادر التي تعرضت لتاريخه.

اما ما جاء في بعض المجاميع عنه من انه في الشطر الاخير من حياته كان مولعا بالقيان والغناء واللهو والفساد وما الى ذلك من الافتراءات

١٠٥

فهو من وضع الأمويين الذين سخروا بعض الرواة والقصاصين للنيل من مقام امير المؤمنين عليه‌السلام ومن يتصل به بنسب قريب او بعيد وعبدالله بن جعفر هو بمنزلة اولاده والابن المفضل عنده من اولاد اخيه جعفر وزوج ابنته عقيلة بني هاشم وكان من ابرز الطالبيين بعد اولاده عمه امير المؤمنين عليه‌السلام في اكثر صفاته ومواهبه.

لقد شق على معاوية وحزبه ان يبرز حفيد ابي طالب على اقرانه من ابناء المهاجرين والأنصار بفضله وعبادته وجوده وكرمه وأن يسميه الناس بحر الجود ويتحدثون عنه في نواديهم ومجالسهم بأكرم الصفات والمزايا ولا يذكرون احدا من أحفاد أمية وفتيانهم الا بما هم عليه من ممارسة الفجور والفساد والغناء وانتهاك الحرمات فسخر رواته وقصاصيه لينسبوا اليه ممارسة الغناء والفساد والتلهي بالجواري والرقصات ، حتى لا يبقى الفساد والفجور من محتكرات ابنائهم وأحفادهم ووقفا على قصورهم ومنتجعاتهم وليصرف الانظار عما شاع وذاع عن ولده الخليع الفادر وليس ذلك بغريب على ابن هند وسليل أمية فلقد كان يعمل بكل ما لديه وبدون حياء وخشية هو ومن سخرهم من الرواة والقصاصين ويفتري على علي وولده الحسن سبط الرسول فوضعوا له عشرات الاحاديث التي تسيء اليهما وترفع من شأنه وشأن اسرته ، ويبذل الأموال بلا حساب في هذا السبيل ، وكان بذلك كأنه يأخذ بضبعيهما إلى السماء ، وكانوا بما رووه له في اسرته وذويه كأنما ينشرون جيف الحمير على حد تعبير الشعبي وعبدالله بن عروة بن الزبير.

لقد حاول ان يضع من شأن الحسن السبط فسخرهم لان يقولوا ان عليا عليه‌السلام كان اذا مر على حشد من النساء يقول لهن : من منكن تحب ان تكون زوجة لأمير المؤمنين فيقلن له : كلنا مطلقات ولدك الحسن ، وان الحسن عليه‌السلام تزوج بأكثر من مائتين وخمسين امرأة الى غير ذلك من

١٠٦

مفترياته ، ولم يعد غريبا عليه اذا سخر أذنابه ليلصقوا بحفيد ابي طالب عبدالله بن جعفر وبحر الجود كما كان يصفه الناس ، انه كان منصرفا الى القيان والغلمان والجواري الراقصات ليستر بذلك اسراف ولده وأسرته أحفاد أمية بالفجور والمنكرات.

وعلى ذلك مضى من جاء بعده من الأمويين فحيث كانت قصورهم تعج بالغلمان والندمان والراقصات ، وكانت بناتهم ونساؤهم يمارسن الفجور والرقص والغناء الى جانب الرجال والغلمان سخروا القصاصين والكذبة من الرواة لينسبوا الى سكينة بنت الحسين عليه‌السلام شقيقة الامام زين العابدين انها كانت تجتمع الى المغنين والمغنيات والشعراء والمخنثين وتبادلهم الشعر والغناء وعندما يستبد بها الطرب او الاعجاب بشعر احدهم تمد لهم يدها لينتزعوا الحلي من سواعدها ، وما الى ذلك من المنكرات ليستروا بذلك مفاسدهم وفجورهم واستهتارهم نساء ورجلا بالإسلام وتعاليمه وقيمه وآدابه.

١٠٧

لمحات عن المصائب التي اعترضت حياة زينب منذ طفولتها

لقد شاءت الاقدار والصدف ان تتعرض الحوراء زينب بنت علي وفاطمة لتلك الاحداث الجسام منذ طفولتها حتى النفس الاخير من حياتها وأصبحت حياتها محفوفة بسلسلة من الآلام منذ البداية وحتى النهاية.

صحيح ان كل الناس لا تخلو حياته من الهموم والمتاعب والآلام من غير فرق بين عامة الناس وبين ذوي الجاه والسلطان والثراء ، وقديما قيل : اذا انصفك الدهر فيوم لك ويوم عليك ، ومن الذي استطاع في حياته ان ينجو من البلاء والنكبات وأن يحقق جميع رغباته وما يطمح اليه في حياته ، ولم يبتلى اما بنفسه او بعزيز من أعزائه وأبنائه او بأشخاص من خارج اسرته ينغصون عليه حياته.

ولكن من غير المألوف ان يكون الإنسان مستهدفاً للمحن والأرزاء والمصائب منذ طفولته وحتى اخر لحظة من حياته وأن يعيش في خضم الاحداث والمصائب والأرزاء كما عاشت عقيلة الهاشميين التي احاطت بها الشدائد والنوائب من كل جهاتها وتوالت عليها الواحدة تلو الاخرى حتى وكأنها واياها على ميعاد وأصبحت تعرف بأم المصائب اكثر مما تعرف

١٠٨

باسمها.

فقد شاهدت جدها المصطفى وهو يصارع الموت وأمها وأبوها وخيار الصحابة يتلوون بين يديه مذهولين عن كل شيء إلا عن شخصه الكريم ومصير الإسلام من بعده ، وشاهدت وفاته وانتقاله الى الرفيق الأعلى وفجيعة المسلمين به وبخاصة ابيها وامها ، وسمعت اباها امير المؤمنين يقول يومذاك : لقد نزل بي من وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما لم اكن أظن الجبال لو حملته عنوة كانت تنهض به ، ورأيت الناس من اهل بيتي ما بين جازع لا يملكن جزعه ولا يضبط نفسه ولا يقوى على حمل ما نزل وحل به ، وبين من أذهب الجزع صبره وأذهل عقله وحال بينه وبين الفهم والافهام والقول والإسماع. وليس ذلك بغريب ولا مستهجن اذا أصيب اهل البيت بذلك وأكثر منه فان تأثير المصائب والاحداث انما يكون حسب جسامتها وما يرافقها ويحدث بعدها على ذوي الفقيد وعلى مجتمعه ، وأهل البيت عليه‌السلام من أعرف الناس بمقام النبي وأكثرهم انصهارا بمبادئه ورسالته وبما قدمه للبشرية في كل عصر وزمان ويدركون الاخطار التي ستحيط بالرسالة وبهم ممن لم يخالط الإسلام قلوبهم وممن كانوا ينتظرون وفاته بفارغ الصبر.

هذا بالإضافة الى انه كان قد حدث اهل بيته بكل ما سيجري عليهم من بعده وكرره على مسامعهم اكثر من مرة تصريحاً وتلويحاً ، وحتى ساعة وفاته كان ينظر اليهم ويبكي وقال لمن سأله عن بكائه : ابكي لذريتي وما يصنعه معهم شرار أمتي من بعدي.

لقد شاهدت زينب كل ذلك وكانت تتلوى وتتألم الى جانب امها وأبيها ، وشاهدت محنة امها الزهراء وبكائها المتواصل على ابيها في بيت الاحزان ، ودخول القوم الى بيتها وانتهاك حرمتها واغتصاب حقها وارثها واسقاط جنينها ، وهي تستغيث وتناشد القوم ان يراعوا وصية

١٠٩

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيها وفي اهل بيته فلا تغاث ، هذا وبلا شك فان العقيلة يومذاك كانت تتلوى وتصرخ الى جانب امها وتكاد صرختها تخرج من حشاها اللاهب الذي يقطعه الاسى والألم ، وبعد أيام معدودات من مواقف القوم واسقاط جنينها من آثار تلك الصدمة شاهدت امها جثة هامدة على المغتسل تجهزها اسماء بن عميس وجاريتها فضة الى مقرها الاخير بجوار ابيها الذي بشرها بالموت السريع وقال ها : انت اول بيتي لحوقاً بي فابتسمت للموت السريع الذي لا يبتسم له إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً ، ورأت اباها وهو يبكيها ويندبها بقوله : قل يا رسول الله عن صفيتك صبري ورق عن سيدة النساء تجلدي ، لقد استرجعت الوديعة وأخذت الرهينة وستنبئك بتضافر أمتك على هصما فاحفها السؤال واستخبرها الحال ، اما حزني فسرمد وأما ليلي فمسهد ، إلى اخر ما جاء عنه في وداعها وهي تتلوى لفقد امها وما حل بأبيها.

وظلت تتجرع آلام تلك الاحداث طيلة حياتها وشاهدت بعد ان اصبحت زوجة وأما لاسرة من أحفاد جدها ابي طالب مصرع ابيها امير المؤمنين وآثار تلك الضربة الغادرة بسيف البغي والعدوان في رأسه وسريان السم في جسده الشريف ودموعه تتحدر على خديه وهو يقلب طرفه بالنظر اليها تارة والى أخويها الحسن والحسين اخرى ويتلوى لما سيجري عليهم من بعده من مردة الأمويين وطواغيتهم.

وشاهدت اخاها الحسن السبط أصفر اللون يجود بنفسه ويلفظ كبده قطعاً من آثار السم الذي دسه اليه ابن هند وكان من في البيت قد وضعوا طشتا بين يديه وهو يقذف كبده فيه ، ولما أحس بدخولها عليه كالمذهولة امرهم باخراج الطشت من امامه اشفاقا عليها ، وحينما حمل المسلمون نعشه لمواراته الى جانب مرقد جده كما كان يتمنى رأت عائشة المسماة بأم المؤمنين على بغلة وحولها طواغيت بني أمية وهي

١١٠

تصيح بأعلى صوتها : والله لا يدفن الحسن مع جده او تجز هذه مشيرة الى ناصيتها وتقول لمن كان محيطا بنعشه من الهاشميين : يا بني هاشم لا تدخلوا بيتي من لا احب وهي لا تملك من البيت غير الثمن من التسع ورأت أخاها الحسين عليه‌السلام حينما واراه في قبره يبكيه بلوعة وأسف ويقول :

سـأبكيك ما ناحت حمـامة ايكـة

وما اخضر في دوح الحجاز قضيب

أأدهن رأسـي ام تـطيب مجالسـي

وخـدك معفـور وأنـت سليـب

غريب وأكناف الحجـاز تحوطـه

الاكل من تـحت التراب غريـب

فلا يفـرح الباقي ببعد الذي مضـى

فكل فتـى للمـوت فيـه نصيـب

بكائي طويـل والـدموع غزيـرة

وأنـت بعيـد والمـزار قـريـب

ولـيس حريبـاً مـن أصيب بمالـه

ولكن مـن وارى اخـاه حريـب

وكانت العقيلة شريكته في كل ما كان يعانيه لفقد اخيه وما رافق ذلك من أحداث تلت وفاته واستمرت طيلة حياتها في سلسلة من المصائب والأحزان بين الحين والاخر طيلة تلك الأعوام حتى كانت مصيبتها الكبرى بأخوتها وسراة قومها على صعيد كربلاء واشتركت بأكثر فصولها ، ولم يبق غيرها لتلك القافلة من النساء والايتام والاسرى بعد تلك المجزرة الرهيبة وخلال مسيرتها من كربلاء الى الكوفة ومنها الى الشام عاصمة الجلادين.

هكذا كانت حياة السيدة زينب من حين طفولتها الى الشطر الاخير من حياتها حياة مشبعة بالأحزان متخمة بالمصائب والآلام وبعد هذه الاشارة الموجزة الى جميع مراحل حياتها يحق لنا ان نتساءل عن مواقفها من تلك الاحداث ، هل أصيبت بما تصاب به النساء وحتى الرجال من الاضطراب ، وهل هيمنت عليها العاطفة العمياء التي لا يبقى معها اثر لعقل

١١١

ودين وخرجت عن حدود الاحتشام والاتزان كما يخرج عامة الناس في مثل هذه الحالات والاحداث الجسام. لقد كانت ابنة محمد وعلي وفاطمة وأخت الحسنين وحفيدة أبي طالب أثبت من الجبال الرواسي وأقوى من جميع تلك الاحداث والخطوب التي لا يقوى على مواجهتها احد من الناس ، لقد وقفت في مجلس ابن زياد في الكوفة متحدية لسلطانه وجبروته تنقض عليه كالصاعقة غير هيابة لوعيده ولا لسياط جلاديه ، كما وقفت نفس الموقف في مجلس بن ميسون وأثارت عليه الرأي العام الإسلامي بحجتها ومنطقها مما جعله يتباكى على الحسين ويكيل الشتائم لابن مرجانة كما ذكرنا.

لقد تحولت تلك المحن والمصائب بكاملها الى عقل وصبر وثقة بالله ، وكشفت كل نازلة نزلت بها عن اسمى معاني الكمال والجلال في نفسها وعقلها وعن اسمى درجات الايمان والصبر الجميل ولم يكن اعتصامها بالله وثقتها به الا صورة صادقة لاعتصام جدها وأبيها وثقتهما به في أحلك الساعات وأشد الازمات ، وأي شيء أدل على ذلك من قيامها بين يدي الله سبحانه للصلاة ليلة الحادي عشر من المحرم وأخيها الحسين وبنيها واخوتها وأبناء عمومتها وأصحاب اخيها جثث على ثرى الطف تسفى عليهم الرياح ، ومن حولها عشرات النساء والأطفال في صياح وعويل يملأ صحراء كربلاء وجيش ابن زياد وابن سعد يحيط بها من كل جانب.

ان صلاتها في تلك الليلة وفي ذلك الجو الذي يذهل فيه الإنسان عن نفسه مهما بلغ من رباطة الجأش وقوة الارادة كصلاة جدها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المسجد الحرام في مطلع الدعوة والمشركون يومذاك على شراستهم يحيطون به من كل جانب ومكان يرشقونه بالحجارة وبما أعدوه لإهانته من الأوساخ والنافيات ويتوعدونه بكل انواع الاساءة ،

١١٢

وكصلاة ابيها امير المؤمنين في وسط المعركة في صفين والقتلى تتساقط عن يمينه وشماله. ومعاوية يحرض جيشه على مواصلة القتال واغتياله بكل الوسائل وكصلاة اخيها سيدة الشهداء في وسط المعركة يوم العاشر من المحرم وسهام اهل الكوفة تنهال عليه من كل جانب ومكان. وان لم يكن لها الا قولها حين مروا بموكب السبايا في طريقهم على مصارع القتلى ورأت أخاها الحسين وبنيها واخوتها وأبناء عمومتها وأنصارهم أشلاء مبعثرة هنا وهناك ان لم يكن لها إلا قولها حين نظرت الى تلك الاشلاء اللهم تقبل منا هذا القربان يكفها لان تكون فوق مستوى الإنسان مهما بلغ من العلم والمعرفة والصبر وقوة الإيمان.

وخلال حديثي عن ثورة الحسين عليه‌السلام لقد عرضت بعض الجوانب من مواقف العقيلة في كربلاء خلال المعركة وبعدها وفي الكوفة مع اهالي الكوفة الذي خرجوا يبكون ويندبون الحسين ومن قتل معه ، ومع ابن مرجانة في قصر الخضراء حينما رأت الابتسامة تملأ شدقيه ورأس اخيها سيد الشهداء بين يديه ينكث ثناياه بمخصرته ويتمنى حضور اشياخه الذين صرعهم علي بن ابي طالب والد الحسين في معركة بدر الى غير ذلك من مواقفها الكريمة التي ضربت فيها اروع الأمثلة في البطولات والشمم والمثل العليا ، وبينت بمواقفها للعالم في كل عصر وجيل ان المرأة المسلمة باستطاعتها ان تزعزع عروش الطغاة وفراعنة العصور وأن تقلب الدنيا على رؤوسهم كما فعلت ابنة علي والزهراء.

١١٣

مرقد العقيلة زينب بنت علي عليه‌السلام

وأرى بعد هذا العرض السريع للمراحل التي مرت بها العقيلة في بيت ابيها وزوجها ومع اخيها في رحلته الى الشهادة ان أتحدث ولو بأقصى ما يمكن من الايجاز عن مرقدها الذي ادعته الاقطار الثلاثة المدينة المنورة في الحجاز ، ومحلّة الفسطاط من القاهرة في مصر ، ومحلة الغوطة في القرب من دمشق الشام لها مرقدان حتى يومنا هذا في القاهرة ودمشق الشام تقصدها مئات الالوف كل عام من المسلمين لزيارتها والتبرك بمرقدها والتوسل الى الله بجدها المصطفى وأبيها المرتضى وأمها الزهراء لقضاء حوائجهم ، اما قبرها في المدينة فلقد كان في البقيع الى جانب غيره من قبور اهل البيت وصلحاء المسلمين من صحابة الرسول وغيرهم ، ولما انتقلت السلطة الى الوهابيين وحكموا الحجاز هدموا قبور اهل البيت وغيرهم من المسلمين وحاولوا هدم قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بحجة ان بناء القبور وزيارتها من انواع الشرك بالله لولا الضجة العالمية من جميع المسلمين في جميع انحاء العالم التي اعترضت تصميمهم على هدمه.

انهم يرون زيارة البناء الذي يضم رفات الانبياء والصديقين والائمة

١١٤

الطاهرين شركا والحادا ، اما القصور التي تجمع بين جدرانها آلاف الجواري والراقصات ومئات الاطنان من الخمور فلا تتنافى مع الإسلام ولا مع تعاليمه ومقدساته عند أدعياء الإسلام وحكام العصور ان تقديس المسلمين لقبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقبور الأئمة الطاهرين وزيارتهم الذي ضحوا بأنفسهم وبكل ما يملكون في سبيل الإسلام ومقدساته ومن اجل الإنسان وكرامته التي داسها الامويون وفراعنة العصور بأقدامهم ، ليست الا احتجاجا صارخاً على الباطل وأهله وتعبيراً صادقاً عن الاخلاص للحق والنقمة على الجور وصواعق تنهال على رؤوس الطغاة والظالمين في كل زمان ومكان.

١١٥

مع الوهابيين بمناسبة الحديث عن مرقد العقيلة

بهذه المناسبة وقبل الخوض في تفاصيل ما قيل حول مرقدها ونظرا لان الوهابيين يرون تشييد قبور الاولياء وزيارتها من انواع الشرك ولا يزالون يواصلون حملاتهم المسعورة على الشيعة رأيت نفسي مدفوعا الى هذه الوقفة القصيرة معهم لأعود بعدها الى مواصلة الحديث عن مرقدها الذي تضاربت الآراء حوله ، لان السكوت الذي التزمناه عن اولئك المسعورين حرصا منا على وحدة الصف لم يضع حدا لعدوانهم بل زادهم امعانا في البغي والعدوان والتعامل مع الشيعة بأسوأ من معاملتهم لغير المسلمين كما سنقدم بعض الارقام على ذلك.

ان حماة الحرمين يحافظون على معابد السنة ومقابرهم ويبذلون لتشييدها وترميمها الملايين من الدولارات ونحن نبارك عملهم هذا لو كانوا لا يميزون بين مسجد ومسجد ولا بين مقبرة ومقبرة ولكنهم ومع الأسف الشديد لا يبذلون قرشاً واحداً على مساجد الشيعة ومعابدهم ويتتبعون قبور صلحائهم وأوليائهم بالهدم والتخريب ويدعون بأن تشييد قبور الانبياء والائمة من ذرية الرسول كفر وشرك بالله مع العلم

١١٦

بأن الشيعة انما يحترمون قبور الانبياء والائمة باعتبارها رمزا لمن حل بها من اولئك الذين ضحوا بأنفسهم وبكل ما يملكون في سبيل الله والإسلام والمستضعفين في الأرض وكانوا ثورة على الشرك والظلم والعدوان ومن اجل الانسان وكرامة الانسان.

ولم يكتف الوهابيون بذلك بل يعاملون الشيعة بأسوأ مما يعاملون به الكفار والمشركين بالله كما ذكرنا فلا يقبلون شهادة الشيعي على غيره مهما بلغ من الدين والتقوى ويقبلون شهادة السني والبدوي عليه ولو خرجا من نوادي القمار وموائد الخمور ومن بين أحضان البغايا والمومسات في حين ان الشيعة يقبلون شهادة البدوي والقروي والنجدي على الشيعي وغيره اذا كان الشاهد عادلا ملتزما بفعل ما أمر الله به وترك ما نهى عنه ، هذا مع العلم بأن الحنابلة الذين يعمل الوهابيون بفقههم لا يقبلون شهادة البدوي على القروي ويقبلها الوهابيون اذا كان البدوي نجديا والقروي من خارج نجد (١).

ان الوهابيين يفرقون بين الشيعي وغيره في اكثر الاحكام الشرعية ويحاربون جميع الآثار الشيعية ويبذلون ملايين الدولارات للدس والكذب على الشيعة وأئمة الشيعة الذين بذلوا حياتهم وجميع ما يملكون في سبيل الإسلام والمسلمين ولم يفرقوا بين فئة وفئة ولا فريق وفريق ما دام الجميع يشهدون لله بالوحدانية ولمحمد بالنبوة والرسالة.

انهم يتعاملون مع الشيعة بنفس الروح التي كان يتعامل بها معهم الامويون والعباسيون ويراقبون جميع تحركاتهم وتصرفاتهم حتى وكأنهم من ألد اعداء العرب والإسلام ولم يأخذوا بأي أثر من آثار اهل البيت التي

__________________

١ ـ ميزان الشعراني في باب الشهادات.

١١٧

تجسد اسلام محمد بن عبدالله ويمنعون جميع الكتب الشيعية القديم منها والحديث من الدخول للبلاد التي يحكمونها في شبه الجزيرة العربية ويحظرون على بائعي الكتب استيراد جميع المؤلفات الشيعية التي تتحدث عن الدين والاخلاق الاسلامية والادب والفلسفة والتاريخ وما الى ذلك من المواضيع الاسلامية مع العلم بأن اصحاب تلك المؤلفات يحملون روحا اسلامية صادقة تدافع وتناضل عن كل من ينتسب الى الإسلام حتى ولو لم يكن شيعيا ، ولا يتعرضون في مؤلفاتهم للعائلة الحاكمة ولا لسياستهم وسيرتهم واسرافهم في اللهو والمنكرات كما تتحدث عنهم الصحف ووكالات الانباء العالمية والاجنبية ولا ذنب للشيعة الا انهم يوالون اهل بيت نبيهم محمد بن عبدالله صلى‌الله‌عليه‌وآله الذين أمر الله بمودتهم كما جاء في الآية لا اسألكم عليه أجرا الا المودة في القربى وأكدته عشرات النصوص التي روتها مجاميع الحديث السنية وصحاحهم.

انهم يمنعون الكتب الشيعية ومؤلفات الشيعة القديم منها والجديد من الدخول لبلادهم ويعاقبون من يستوردها ويقتنيها ويقتنون ويستوردون كتب الفسوق والفجور والخلاعة والمستشرقين من اعداء الاسلام والكتب التي تعلم الناس الفوضى والفساد والكفر والالحاد ، والتي تعود بالحياة مئات السنين والاعوام الى الوراء ، ويحاربون الكتب التي تدعو الى الاسلام وتدافع عنه وتحث على العمل بكتاب الله وسنة نبيه رسول الرحمة والحرية والكرامة.

ان شيوخ الوهابية في اواخر القرن العشرين يحكمون بعدم صحة زواج السنية من الشيعي الموالي لعلي وآل بيت نبيهم محمد بن عبدالله رسول الرحمة والعدالة والمحبة كما يحكمون بعدم صحة زواجها من المشركين.

فقد جاء في جريدة الجزيرة السعودية عدد ٣١٠٥ تاريخ ١٤ شباط

١١٨

سنة ١٩٨١ ـ ١٠ ربيع الثاني ١٤٠١ جاء فيها سؤال موجه الى احد شيوخ الوهابية من شخص يدعى حسين حاجي في الرياض يسأل فيه ما حكم زواج السنية من الشيعي. ويقول الشيخ الوهابي في جوابه كما جاء في الجريدة المذكورة : لا يجوز زواج السنية من الشيعي ولا يقبل هذا الزواج ويفسخ اذا حصل ويعاقب من يفعل ذلك لان اهل السنة والجماعة طريقهم معروف في القول والعمل والاعتقاد والشيعة طريقهم معروف ولا مقاربة بينهما لا في الاصول ولا في الفروع.

بهذه الصلافة والوقاحة والجرأة على الله ورسوله يتكلم احد شيوخ الوهابية ويحكم بفساد عقد النكاح اذا وقع بين سنية مسلمة وشيعي ومسلم وبفسخه ومعاقبة من يفعل ذلك ، وينطلق شيخ الوهابيين لجوابه هذا وهو في اواخر القرن العشرين من ان الشيعة لا يلتقون ولو من بعيد مع اهل السنة لا في أصول الاسلام ولا في فروعه.

وهذا الجواب وان كان من نوع اللغو والهذيان ولا يستحق غير السخرية ، ولكني ارى لزاما علي ان اقول لهذا الشيخ ولغيره من شيوخ السوء الحاقدين على اهل البيت وشيعتهم والذين يتكلمون بلغه الامويين وابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب ، ان أصول الاسلام عند الشيعة هي توحيد الله الواحد الاحد وعدله ونبوة محمد بن عبدالله والمعاد ، وفروع الاسلام هي الصلاة والصيام والحج والزكاة وجهاد الكافرين والظالمين المستهترين بأحكام الله وحقوق الناس وكرامتهم وهذه الاصول والفروع يجب الالتزام بها على كل بالغ عاقل قولا وعملا والشيعة يعتقدون بأنهم يلتقون مع اخوانهم اهل السنة في أصول هذه المبادئ والاعتراف بها وعلى اساس ذلك فهم يزوجون اهل السنة من بناتهم ويتزوجون بنات اهل السنة.

واذا كان المذهب الوهابي الذي قيل عنه في جميع الاوساط

١١٩

السنية بأنه بدعة ولا يزال هذا الوصف شائعا عنه بين أهل السنة إلى جانب قولهم بأنه لا يمت إلى الإسلام بسبب ، إذا كان المذهب الوهابي لا يعترف بهذه الفروع والاصول أو ببعضها فلا مقاربة بين الشيعة والوهابية كما يدعي فضيلة الشيخ الوهابي ، والشيعة بناء لذلك لا بد وأن يلتزموا بأنه لا يصح زواج الشيعية من الوهابي وإذا وقع بينهما زواج يفسخ الزواج ويعاقب من يفعل ذلك ، ويجب أن يعلم فضيلة الشيخ الوهابي الذي يكفر الشيعة لأنهم يوالون اهل البيت عليهم‌السلام انه لولا المليارات التي تتدفق على البلاد الإسلامية من السعودية لكان المذهب الوهابي بدعة بنظر اكثر علماء السنة ومفكريهم ، وقد سبق لعلماء السنة قبل ان يظهر البترول في تلك البلاد وفي عهد ابراهيم باشا بالذات الذي ملك بلادهم ودخل عاصمتهم الدرعية ان حكموا على المذهب الوهابي بذلك وعلى اساسه قتل ابراهيم باشا نحوا من خمسمائة من علمائهم وفقهائهم.

فقد جاء في كتاب ابراهيم باشا للمستشرق ( بيير كربيس ) ص ٤٠ طبعة سنة ١٩٣٧ جاء فيه انه لما تغلب ابراهيم باشا على السعوديين وملك بلادهم ودخل عاصمتهم الدرعية وخضع له جميع أمراء البيت السعودي استدعى رجال الدين والفقهاء السعوديين وكان عددهم خمسمائة وقال لهم : لقد احضرت معي من القاهرة جماعة من اكابر العلماء السنيين أريد أن تجتمعوا بهم وتبحثوا اسباب الخلاف المستحكم بين عقائدكم وعقائد اهل السنة من المسلمين ، فاجتمع الفريقان نزولا عند امره وظل خطباؤهم ثلاثة ايام كاملة يتناقشون في الفروق الدقيقة بين المذهبين وابراهيم باشا معهم يستمع لأقوال الفريقين ولما لم يتوصلوا الى نتيجة حاسمة أقفل باب الجدل وتوجه بالسؤال الى كبير مشايخ الوهابيين وقال له :

هل تؤمن بأن الله واحد وان الدين الصحيح هو دينكم وحده فقال له الشيخ : اني أؤمن بذلك ، فقال له ابراهيم باشا : ما رأيك في الجنة

١٢٠