الغيبة

الشيخ محمد رضا الجعفري

الغيبة

المؤلف:

الشيخ محمد رضا الجعفري


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
الطبعة: ٠
ISBN: 964-319-231-8
الصفحات: ٤٤
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

ناحية مادية ، أم كمالاً من ناحية معنوية ، فانها لم تكتسبه إلاّ في عصور حياتها الأخيرة ، لا حياتها البدائية ، سواء أقلنا : إن الحياة البشرية البدائية بدأت برسول من الله سبحانه وتعالى كما تقوله الأديان السماوية ، أو قلنا : إن الإنسان قد مرّ بأشواط وأشواط طويلة قد يؤرّخونها بملايين السنين ، وقد يؤرّخون أسلاف الإنسانية ، وأنا أستميحكم عذراً حينما أقول بأسلاف الإنسانية ، سواءاً أكانوا يشبهون مثلاً القردة أو نفس القردة أنفسهم أو موجودات أخر ، فقد مرّ على الإنسانية شوط طويل إن لخصناه بامكاننا أن نقول كل ما امتدّ بها الزمن تكاملت عندها خصائصها الخاصة بها.

فكما يقولون ـ لا أقول : بأن هذا صحيح مائة بالمائة ، ولكني أحكي ما يقولون ـ بأن الإنسانية بدأت على ظهر هذا الكواكب تعيش من حيث المأكل كما يعيش سائر الأحياء ، فقد كانت تشترك مع القردة أو الدببة التي كانت تأتي إلى الساحل المائي ، فكان الدبّ يستعين بمخالبه فيصيد سمكة ويأكل كما يقولون ، وأن الإنسان البدائي كان يأخذ حجراً فيقف راصداً سمكة تمر عليه فيرميها بحجر ويصطادها.

والآن حينما نأتي إلى أواخر عصور الإنسانية حتى في التاريخ المجمل المبهم لها ، نجد أن الإنسانية تستقبل الكمال ولا تستدبره.

فالتكامل يكون في مستقبل حياة الإنسانية ، والدين الذي يكون لمستقبل حياة الإنسانية وحتى الشوط الأخير من هذه الحياة التي لا ندري متى يأتي ذلك الشوط الأخير ومتى يكون ، ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلا مَن شَاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ

٢١

يَنظُرُونَ ) (١).

فالدين الذي جاء لتلبية حاجة الإنسانية في أكمل صورها وأوفى استكمالها لكمالها الانساني ، ولا أدعي بأن هذا الكمال يكون في سنين عديدة ويقابله نقص في ملايين من السنين ، إن هذا شيءٌ أنا شخصيّاً أستبعده ولا أطلب الان من غيري أن يؤمن به مائة بالمائة ، ولكن من البعيد جداً أن الحكمة الإلهية تجعل من الشوط الكامل للإنسانيّة أقصر أشواطها مدّة ، وكيفيةً ، وزمناً ، ولا يأتي في ذهنكم أنّ الروايات التي تقول بأن الإمام المهدي سلام الله عليه إذا خرج يملك سبعاً أو تسعاً ، لا أتكلم عن هذا ، فهذه كلها إن وردت لا يُقصد بها العدد الخاص من جهة ، والجهة الثانية أن رجعة الأئمة هي التي تكمل هذا الشوط من حياة الإنسانية ، وهو أعلى أشواطه كمالاً وإنسانيةً وتلالؤاً وامتلاءاً بأحب الصفات الإلهية التي يريدها الله سبحانه وتعالى أن تتمثل في خلقه كالرحمة والمحبة و ... ، ولا أقصد تلك الصفات التي يذكرها العارفون بالمعنى المصطلح للعرفان ، الذي يرجع إلى أن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق على هيأته وأن الله خلق آدم على صورته ، لا أقصد هذا.

وإنّما أقول : إنّ من البعيد جداً أن تكون الإنسانية لا تكتمل إلاّ في آخر لحظات حياتها ، وإذا أردتُ أن أشبّه فكرتي هذه فأقول : بأن الله سبحانه وتعالى إن وعد فرداً معيناً منّا بأني سوف استوفي لك كل حاجة تحتاجها في حياتك الدنيا هذه ، وفي هذا الكوكب ، وفي هذه الحياة التي تسبق الموت ، أستوفي لك كل حاجاتك وأؤمّن وألبّي كل رغباتك ، ولكن في ساعة

__________________

(١) سورة الزمر : ٦٨.

٢٢

واحدة قبل موتك ، أنا واثق بأن أيّ واحد منّا لو أن الله سبحانه وتعالى خيّره بين هذه وبين أن يعيش عيشةً متواضعةً لا أمل فيها ولا ألم ، لاختار هذه العيشة المتواضعة دون أن يختار حياة مليئة بالآلام تزول آلامها في آخر ساعة من حياته هذه ، وأمّا أنها تعوض في الحياة الأخرى ، فذاك حديث آخر.

الانسانية أيضاً هكذا ، من غير المعقول لحكمة الله سبحانه وتعالى أن يقدّر لخلقه برحمته أن يخلقهم ، وبرأفته أن يهديهم ، وبحكمته وعلمه أن يفتح أمامهم مسلكاً يبلغون بسلوكه ما يريد الله سبحانه وتعالى منهم حينما خلقهم أن يجعل هذا في أقصر فترات حياتهم.

فأنا واثق من أن الحياة الكريمة التي تأتينا في دولة كريمة يُعزّ بها الإسلام وأهله ويضمحلّ فيها النفاق وأهله ، لا أنه يخذل ، بل يضمحل فيها النفاق وأهله ، وأن نكون سعداء كما أراد الله سبحانه وتعالى ، أن يكون دور الإنسانية هذا ، هي أقصر أدوار حياته على ظهر هذا الكوكب.

إذن فما وعد الله سبحانه وتعالى وَعْداً قاطعاً وهو أن يظهر دينه على الدين كله ، لابدّ وأن يكون على يد مهدي هذه الأمة ، لماذا ؟ لأن عدد الأئمة عندنا عدد معين ، اثنا عشر إماماً ، استوفى أحد عشر منهم مدّته.

ومع أسف الإنسانية وبؤسها وشقائها ومحنتها بل من أعظم محنها أن هذه المدّة لم تستوف كما أراد الله ، يعني بإرادة من الله سبحانه وتعالى أن تكون مدّة حياتهم الطبيعية وهم بين أظهر أمتهم يهدونهم ، فأمير المؤمنين عليه‌السلام لا نعلم بأن أشقى الآخرين لو لم يضربه على هامته كم كان يعيش ؟ وأن الإمام الحسن سلام الله عليه الذي لم تدم إمامته إلاّ عشر سنين أو أقل لو لم يُسم كم كان

٢٣

يعيش ؟ وأن سيد الشهداء سلام الله عليه لو لم يكن يُقتل تلك القتلة الفجيعة (١) كم كان يعيش ؟ هؤلاء لو لم يواجهوا من طاغية زمانهم بما جاء عليهم كم كانوا يعيشون ؟ ولكن مع هذا لا يصحّ لنا أن نقول بأن الله سبحانه وتعالى أظهر دينه على الدين كلّه ، فالوعد الإلهي لم يأت بعد.

ولو قلنا بأن الوعد الإلهي يكون على أيدي الهداة الإلهيين ، لماذا ؟ لأن الإنسانية جرّبت أحسن من يقودها إن لم يكن ممن أخذ الله العهد على نفسه بأن يرقبه بحيث لا يحيد ( وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي ) (٢) ، فالذين رحمهم الله سبحانه وتعالى لا يتجاوزون عمّا يريده الله سبحانه وتعالى منهم ، فالوعد الإلهي للإنسانيّة إن لم يكن من شخص يجري الوعد على يديه كفوءاً صحيحاً ، تقع الإنسانية في مآسي ويقع الوعد في مجافيات وفي تناقضات ، بحيث أن الوعد يفقد حكمته بل يفقد مصداقيّته.

فلا يكون الوعد إلاّ على يد معصوم ، يكون الله سبحانه وتعالى مراقباً له ، بحيث أن الله سبحانه وتعالى لو أراد أن يجري الوعد بنفسه لا يختلف عما يجريه وليّه.

فالآية الكريمة يكفي ورودها مرة واحدة ، مع أنها جاءت بهذا المضمون في ضمن ثلاث آيات كريمة :

__________________

(١) التي لم ترد في أي أمّة من الأمم بالنسبة إلى أقل من يمثل حقوقاً إيجابية في تلك الأمة ، فمن يملك أبسط الحقوق لاي فرد كان من أي أمة لم يواجه بجريمة كما واجهها سيد الشهداء وأصحابه سادة الشهداء من الأولين والآخرين.

(٢) سورة يوسف : ٥٣.

٢٤

الأولى : قوله في سورة البراءة أو التوبة : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَىٰ وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ ) (١).

ونفس هذه الآية بما بدأت به وبما انتهت به حتى من حيث الحرف ، لا الكلمة وحدها ، جاءت في سورة الصف : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَىٰ وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ ) (٢).

فالله سبحانه وتعالى ـ من باب التندر أقول ـ ليس كبعض شعرائنا الذي ينظم القصيدة فيجدها قصرت عما يريدها من عدد الأبيات فيأتي بأبيات قالها سابقاً في قصيدة أخرى يضمّنها ، يضمّن قصيدته هذه تلك الأبيات حتى تطول ، وهذا كثيراً ما يكون ، ولا يؤاخذه مؤاخذ بما فعل ، لأنه قول قاله ، ولكن الله سبحانه وتعالى لا يعيد الآية كي تطول السورة ، يجلّ عن ذلك ، يعيد الآية كي يؤكّد لنا بأن هذا وعدٌ قاطعٌ صريحٌ لا خلف له ، ولن يخلف الله وعده.

وبالإضافة إلى ذلك نفس المعنى يرد في آية كريمة أخرى ، تختلف من حيث الانتهاء ، وهي قوله تعالى في سورة الفتح : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَىٰ وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَىٰ بِاللهِ شَهِيداً ) (٣).

هذا المقطع : ( وَكَفَىٰ بِاللهِ شَهِيداً ) حسب فهمنا أقوى بالدلالة على قوله تعالى حينما ختم به آيتيه الكريمتين : ( وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ ) ، ف‍ : ( وَكَفَىٰ بِاللهِ شَهِيداً ) معناه : أن الله سبحانه وتعالى الذي وعد هو الذي يشهد ، لا أنه وعد

__________________

(١) سورة التوبة : ٣٣.

(٢) سورة الصف : ٩.

(٣) سورة الفتح : ٢٨.

٢٥

وغاب أو مات ، وكان الوعد وصية منه ينجزها غيره ، فيكون ذلك الذي ينجّز من الممكن أنْ يتساهل ويتكاسل أو يتغافل أو يغفل أو ينسى أو يجهل ، ( وَكَفَىٰ بِاللهِ شَهِيداً ) الله سبحانه وتعالى الذي يشهد الخلق ، فان وعد وعداً فهو الذي يجعل وعده لا خلف فيه.

فهذا الوعد القاطع الذي لا يصح لمسلم أن لا يؤمن به ولا يصح لغير مسلم أن يغفله في تأريخ الفكر الإسلامي ، يعني غير المسلم قد لا يؤمن بالقرآن الكريم ككتاب منزل من قبل الله سبحانه وتعالى ، بل قد لا يؤمن بأن لهذا الكون خالقاً ، أو يشرك الله بغيره من أنداد يجعلها لله سبحانه وتعالى ، ولكنه حينما يقرأ القرآن الكريم يجد هذا الوعد وعداً قاطعاً صريحاً لا لبس فيه ولا إبهام فيه.

فإذن هذا الوعد وعدٌ يؤمن به كل مسلم ووعدٌ يأخذ به كلّ من يؤرّخ الدين الإسلامي ، ولا يتحقق هذا الوعد إلاّ إذا قلنا بأن أئمة الهدى سوف يتحقق بهم في شوطهم الأخير أكمل أشواط الإنسانية في تأريخها الطويل ، وخاتمهم وهو مهديهم سلام الله عليهم أجمعين سوف يكون هو الذي يحقق الله سبحانه وتعالى على يديه هذا الوعد الذي وعد به وعداً صريحاً أكده في ثلاث آيات كريمة.

وأيضاً قوله تعالى : ( كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) (١).

( كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ) أي غلبة ؟ غلبة مادية ؟ الله سبحانه وتعالى لم يعد رسله ولا خلقه بأنه هو ورسله يغلبون غلبة ماديّة كما يعبر في هذا

__________________

(١) سورة المجادلة : ٢١.

٢٦

العصر غلبة فيزيائية ، فالله سبحانه وتعالى يقول : ( أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ ) يخاطب اليهود ( بِمَا لا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ ) (١) ، أمن الصحيح لكم هذا الخُلُق الذي سرتم عليه أيها اليهود بأنكم تحبون أن يكون الله سبحانه وتعالى هو الذي يؤمّن رغباتكم ، لا أنه هو الذي يهيمن عليكم ، (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ ) يؤكدها في آية اخرى : ( كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَىٰ أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ ) (٢) ، ( قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) (٣) ، آيات كثيرة تؤكد أن الله سبحانه وتعالى أرسل رسلاً ، كُذِّبوا ، كُذِّب بعض وكُذِّب آخرون وقتلوا ، لا أنّ اليهود كانوا يقتلون الذين يصفونهم بالصدق من الأنبياء الصادقين الذين يؤمنون بصدقهم ، والذين يبقون على حياتهم كانوا يكذّبونهم.

إن الله سبحانه وتعالى يريد أن يقول لليهود بأنكم إن جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم أنتم تجدون أنفسكم أكبر من الله سبحانه وتعالى ، فإنكم تَرَوْن أنّ أنفسكم هي التي تفرض على الله سبحانه وتعالى أن يلبّي رغباتكم كما تشتهون ، لا أن الله سبحانه وتعالى يكون هو المهيمن عليكم كما يحب ويحكم به عدله وحكمته ، ففريقاً اكتفيتم بتكذيبهم لأنكم لم تتمكنوا من قتلهم أو لعوامل أخرى ، وفريقاً آخرين كذبتم وقتلتم.

__________________

(١) سورة البقرة : ٨٧.

(٢) سورة المائدة : ٧٠.

(٣) سورة البقرة : ٩١.

٢٧

الله سبحانه وتعالى لم يعد رسله ولا خلقه المؤمن منهم والكافر ، لم يعدهم بأنه يحمي رسله جسدياً بحيث لا تنالهم اليد الآثمة بأذى أو بقتل وهو أشد أنواع الأذى.

إذن ، فالله سبحانه وتعالى كتب ( لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) ، يعني أنّ الله إذا يعد لا يخلف ، لأن الخلف إما أن يكون لضعف والله سبحانه وتعالى قويّ لا ضعف له ، أو لأن هناك من هو أقوى منه تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

فهذا الوعد متى يأتي ؟ لابدّ وأن يكون هذا الوعد هو الذي يأتي على يد مهدي هذه الأمة في آخر حياة الإنسانية ، وهو أكمل أشواط حياتها بصورة قطعية ، وتملك هذه الحياة من الزمن والمدة ما تقرّ بها عين الإنسانية ، وإلاّ لكانت الإنسانية لا تكون إلاّ كمن يأتي الله سبحانه وتعالى بأمنيته بعدما عاش مائة سنة في آخر لحظة من لحظات حياته ، هذه الامنية سوف تكون عليه حسرة ولا تكون ممن يستمتع بها.

وأيضاً قوله تعالى : ( نَتْلُو عَلَيْكَ مِن نَبَإِ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ بِالحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ... وَنُرِيدُ أَن نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ) (١).

( نُرِيدُ أَن نَمُنَّ ) معنى ذلك أن هذه سيرة الله ، لا تختص بموسى وفرعون لأن الله سبحانه وتعالى يأتي ب‍ ( نُرِيدُ أَن نَمُنَّ ) لا : أردنا أن نمن ، كما قال عزّ مِنْ

__________________

(١) سورة القصص ٣ ـ ٥.

٢٨

قائل : ( وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ ) (١) ، أما هنا يقول : ( وَنُرِيدُ أَن نَمُنَّ ) ، يعني : أن الله سبحانه وتعالى جرت سنته أن الذين واجهوا طواغيت البشرية ، لا طواغيت الأمة فحسب ، والطواغيت غلبوهم على أمرهم ، فالله سبحانه وتعالى جرت إرادته التي لا خلف فيها والتي لا يمنع منها مانع أن يأتي دور يغلب هؤلاء على طواغيت زمانهم ( وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ ) إلى آخر الايات الكريمة.

إذن ، المسلك الأول الوعد الإلهي في القرآن الكريم ، هذا الوعد الإلهي إما أن نقول : بأن الله سبحانه وتعالى حينما وعد به أراد أن يقوّي قلوبنا وأن يملأ نفوسنا أملاً وأن يرينا في أسوء التعابير سراباً يتخيّله الضمآن ماءاً ، فالله سبحانه وتعالى أجل من هذا ، حينما وعد ، وعد وعداً قاطعاً وهو أصدق القائلين ولن يخلف الله وعده وهو أصدق من قال.

فالمسلك الأول أنّ وعد الله سبحانه في قرآنه الكريم ، هذا الوعد الذي جاء ضمن وعود مختلفة في صيغها ، متّفقة في معناها ، ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) (٢) ، ( كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ) (٣) ، ( وَنُرِيدُ أَن نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ ) (٤).

هذا الوعد جاء في صيغ مختلفة تختلف في التعبير وتتفق في المغزى

__________________

(١) يوسف : ٢١.

(٢) سورة التوبة : ٣٣.

(٣) سورة المجادلة : ٢١.

(٤) سورة القصص : ٥.

٢٩

والهدف ، هذا الوعد لا يمكن أن يتحقّق إلاّ على يد آخر حجج الله ، وهذا الآخر الذي ولد قبل ألف وحدود المائة أو يقرب من المائتين ، هذا الوعد لا بد أن يتحقق على يد هذا ، لأنه آخر الحجج ، ولن يرسل الله رسولاً ، لأن نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاتم النبيين ، ولن يأتي بإمام يعيش عيشته الأولى في هذه الأرض ، لا العيشة بعد الرجعة لمن آمن بالرجعة ، يعيش عيشته الأولى في هذه الأرض لن يأتي به ، لماذا ؟ لأن عدد الأئمة عنده اثنا عشر إمام ، ومهدي هذه الأمة آخر الأئمة ، فهذا الوعد لا يمكن أن يكون وعداً صادقاً ، وهو مما نقطع بصدقه ، إلاّ أن يكون لمهدي هذه الأمة غيبة تفصل بين مولده وبين ظهوره وإنجاز وعد الله سبحانه وتعالى على يده ، سواء في ذلك طالت الغيبة أم قصرت ، كوعد الله سبحانه وتعالى : ( قَالَ مَن يُحْيِي العِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ) (١) ، أما بعد مضي كم فترة ؟ قد تكون مليون سنة ، نحن لا ندري الفاصل بين أول نسل للانسانية وبين آخر عصور الإنسانية وبين حشرها بعد موتها وهو حشر تحشر فيه الإنسانية كلها ، كم مدّة من الزمن ؟ ألف سنة ؟ مائة ألف سنة ؟ مليون سنة ؟ لا ندري ، ولكن وعد الله صادق ( لَن يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ ).

إذن فغيبة مهدي هذه الأمة غيبة لابدّ منها ، لأنه مهدي هذه الأمة ، ولأن وعد الله سبحانه وتعالى صادقٌ صريحٌ قاطع ، الذي أكده في آيات كريمة مختلفة وبألفاظ وتعابير مختلفة قد تختلف باللفظ وتتّفق في المغزى ، هذا الوعد لن يكون وعداً منجزاً إلاّ إذا كان لمهدي هذه الأمة غيبةٌ تفصل بين ولادته وبين ظهوره بما وعد الله سبحانه وتعالى به.

__________________

(١) سورة يس : ٧٨ ـ ٧٩.

٣٠

المسلك الثاني

الأئمة اثنا عشر

هذا المسلك أيضاً خاصٌ بالإمامية الاثني عشرية ، يعني من لا يقول بالإمامة الإلهية لا أقول إن هذا المسلك يلزمه ، ومن يقول بأن الأئمة لا يحصرون في عدد معين (١).

أيضاً هؤلاء أنا لا ألزمهم بهذا ، وأنا لا أتكلّم مع الذين قالوا بالإمامة وأنّ الإمامة منصب الهي على الله سبحانه وتعالى ألزم نفسه بأن يكون هو الذي يعيّن الإمام ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ ) لكنّ الله سبحانه وتعالى لم يلزم نفسه بعدد معيّن كعدد الاثني عشر (٢) ، وأيضاً أنا لا

__________________

(١) كما ينسب إلى بعض إخواننا الزيديّة : أن الله سبحانه وتعالى أخبر على لسان رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإمامة ثلاثة ، أمير المؤمنين عليه‌السلام والحسن عليه‌السلام والحسين عليه‌السلام ، وباقي الأئمة أخبرهم بالوصل ولا يحصرون في عدد ، بل من كان فاطمياً وقام بالسيف ودعا الى الجهاد وإحياء دين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو إمام علينا أن نبايعه وأن نطيعه.

(٢) كما يقال مثلاً : إن الإسماعيلية يشتركون معنا في أئمة ستة ، ولهذا قد يعبر عنهم بأنهم الذين يلتزمون بإمامة الستة ، وهذا خطأ ، لانهم يلتزمون بامامة عدد طويل جداً ، ستة من أئمتهم هم

٣١

أتكلم مع الذين قالوا بأن الإمام السابع سلام الله عليه غاب ولم يمت بالسمّ في سجنه.

وإنما أتكلّم مع الذين يقولون بأن الأئمة اثنا عشر لا يزيدونهم واحداً ولا ينقصونهم ، وهم نحن أعني من آمن ، ومن أقرّ على نفسه والتزم بأنه إمامي اثنا عشري.

وهذا لا يمكنه إلاّ أن يقرّ بغيبة الثاني عشر وظهوره بعد غيبته ، والأبواق التي تنعق بما لا تعقل ـ وإن كان هذا التعبير فيه لذعة ، ولكني مع الأسف الشديد قد أجد نفسي ملجأً إلى أن أقول قولاً لاذعاً ، لأن الذين يعارضون ، لا يعارضون بما تسنّه الإنسانية من أصول وقواعد للمعارضات الفكريّة ، ينعقون كالذي ينعق بما لا يسمع كما يقول القرآن الكريم ـ فهم يأتون بأقوالٍ قالتها فرقٌ أخرى غير الشيعة وبأقوال قالها غير الاثني عشريّة من الشيعة ، فيردّون بها على الشيعة ويجعلونها مأخذاً عليهم ومطعناً فيهم ، هذا أقل ما يقال فيه أنه ليس من الإنصاف ولا من العقل في البحث ولا من حسن النيّة في النقاش الفكري ، فمن يلتزم بأنه إمامي إثنا عشري لا يسعه إلاّ أن يؤمن بأن

__________________

نفس أئمتنا الاثني عشرية ، لا أنهم يلتزمون بامامة الستة مع قطع النظر عن فرقهم بين البهرة الداودية والنزارية أتباع جماعة آغا خان ، أولئك يقولون بأن الإمام مستور وأن الداعية داعية مطلق لإمام غائب لا يتصل به إلاّ الداعية نفسه ، وأن الاغا خانية وهم الاسماعيلية النزارية أي الاسماعيلية الشرقية ، هؤلاء يقولون : بأن هؤلاء الذين نراهم ولو كانوا في حجم آغا خان ـ الذي مات ـ جد كريم خان ، ولو كان في حجم آغا خان في شحمه ولحمه وإلى آخر وثقته في ميزان العيارات المادية ، كلهم أئمة.

٣٢

هذا العدد قد اكتمل ، لأن الأئمة متناسلون إمامٌ من إمام ، وأن الثاني عشر هو الذي يكون إدامةً بحياته للإمامة الإلهية ومنجزاً ما وعد الله به خلقه ونبيّه ، وعن طريق نبيه وعدنا نحن أمته ـ ونفتخر بذلك ـ وعداً قاطعاً بأن يظهر دينه ، وأن يعلي كلمته ، وأن يحقّق الحكم الإلهي العادل الذي لا يميل والرحيم الرؤوف الذي لا يتجاوز الرأفة والرحمة على الخلق.

فحصر عدد الأئمة بالاثني عشر حصر يلزمه لزوماً قطعياً واضحاً صريحاً أن يكون الثاني عشر له ظهور ، وأن هذا الظهور قطعاً يكون بعد الغيبة ، لأنه لم يكن له ظهور قبل الغيبة.

٣٣
٣٤

المسلك الثالث

أحاديث الثقلين

كلكم سمعتم بها ، وهذه الأحاديث أيضاً متواترة.

ولا أتكلم عن قول القائل الذي قال بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وسنتي » (١) ، إن صح أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال وسنتي فهو أراد أن يلقم من قال : حسبنا كتاب الله (٢) حجراً لا يقول به بعده ، ولكن مع ذلك قال ما قال ومنع الأمة من كتاب نبيها الذي يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو أصدق قائل بعد الله سبحانه وتعالى : « لن تضلوا بعده أبداً » وإلاّ إيماننا بالإمامة والأئمة واتّباعنا للأئمة واهتداؤنا بهديهم واقتداؤنا بسنتهم من العمل بسنته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكتاب ربّه ، قال عزّ من قائل : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ ) (٣) ، آمنّا وصدّقنا وإن شاء الله نحن ممّن يتولّى الله ( وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الغَالِبُونَ ) (٤) ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاث أحرف بين أن يكون ثاني الثقلين أهل بيته

__________________

(١) المستدرك للحاكم ١ : ٩٣.

(٢) صحيح البخاري ٦ : ٣١٨ ح٨٧٢ مرض النبي ، وأيضاً ١ : ١٢٠ ح١١٢ باب كتابة العلم.

(٣) سورة المائدة : ٥٥.

(٤) سورة المائدة : ٥٦.

٣٥

سلام الله عليهم أجمعين ، أو تكون سنّته ، نعم لو ورد سنّته ، فهو لكي يلقم من قال : حسبنا كتاب الله ، حجراً لا يقوله ، ولكن مع الأسف الشديد قالها في أسوء الظروف وأنكاها : حسبنا كتاب الله.

فحديث الثقلين يقول : « إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ألا وإنه قد نبّأني اللّطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ».

هذه جملة ما معناها ؟

الذي انطبعت عليه نفوسنا أننا نقول بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوصي كل فرد من أفراد أمته بأنّ من أخذ بالكتاب العزيز عليه أن يأخذ بعدل الكتاب العزيز وهو الأئمة الذين ذكرهم وعيّنهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فالأمة اختلفت ، وقد يقول قائل بأن البعض أخذ بالعترة وترك الكتاب والبعض الآخر أخذ بالكتاب وترك العترة ، لكن رسول الله لا يقول هذا ، لا يقول لا تفرّقوا بينهما فتأخذوا بأحدهما وتتركوا الآخر ، « لن يفترقا » يعني القرآن مع العترة والعترة مع القرآن ، لا يفترقان حتّى يردا عليّ الحوض ، لا أنه لا تفرقوا بينهما حتّى يرد على أحدكم الموت ، يعني : لا تفرقوا بينهما حتّى يأتيكم الموت ، يقول : « لن يفترقا » ، معنى ذلك : أن من أخذ بالكتاب أخذاً كما يريده الله لا يمكن أن لا يأخذ بأهل البيت ، ومن أخذ بأهل البيت عليهم‌السلام كما أرادوه له أخذ بالكتاب كما أراد الله سبحانه وتعالى.

فالقضية ليست قضية اختيار منّا حتّى يكون الأمر الإلهي بأن نجمع بين العدلين ، لا أن نأخذ بواحدة سواء أكان الكتاب العزيز أم العترة الطاهرة ، وأن نترك الآخر سواءً أكان الكتاب العزيز ام العترة الطاهرة لا ، أنهما لن يفترقا ، وذلك كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « علي مع الحق والحق مع علي لن يفترقا حتى يردا عليّ

٣٦

الحوض » (١) ، يعني أن عليّاً سلام الله عليه لا يمكن أن يكون في جانب ويكون الحق في الجانب الآخر ، فإن رأيتم علياً يسير سيراً خاصّاً فاعلموا أن الحقّ يسير معه.

إذن فحديث الثقلين لا مورد له إلاّ أن يكون للآخذ بالقرآن من قبل الأمة المسلمة ولو كانت بعد ألف وأربعمائة وعشرين سنة من هجرته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وألف وأربعمائة وعشر سنين من رحلته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فالآن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنسبة لنا كلنا نحن الاخوة المجتمعون هنا يوصينا : « إني تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي الا وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما » (٢).

فنحن أيضاً القرآن الكريم ماثل أمامنا لا في طبعته الحاضرة ، وإنما بصورته الأصلية التي تمثلها طبعات القرآن الكريم إن شاء الله كاملةً غير منقوصة ولا مزادة ، فأين العترة التي نأخذهم ؟ الذين ماتوا ؟ فهم عليهم‌السلام قد انتهت أيام إمامتهم ، فلابد وأن يكون للثقل الآخر وجودٌ حي كوجود القرآن الكريم ، فعلينا نحن الأمة المسلمة أن نأخذ به كما نأخذ بالقرآن الكريم.

__________________

(١) تاريخ بغداد ١٤ : ٣٢١ ، المستدرك للحاكم ٣ : ١١٩.

(٢) انظر : صحيح الترمذي ٥ : ٦٦٣ ح ٣٧٨٨ ، مسند أحمد ٣ : ١٧ ح ١٠٧٤٧ ، نوادر الأصول ١ : ٢٥٨.

٣٧
٣٨

المسلك الرابع

فيما يرويه غير الإمامية

وهنا أستعين بما يرويه إخواننا غير الإمامية.

قلت بأن أحاديث المهدي كما هي متواترة عند الإمامية متواترة عند غيرهم ، بحيث أنهم يرون أن الإيمان بالمهدي وظهوره ايمان بما أخبر الله به خبراً قاطعاً صريحاً جاءت به الرواية أو السنة المتواترة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا أجدني بحاجة إلى أن أحكي نصوصهم بتواتر الحديث وأنّ من أنكره فقد أنكر أمراً ثبت ثبوتاً قاطعاً عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه أخبر به ، وإنما أحكي نصوصاً مختارة من نصوصهم ، هذه النصوص تدلّ على أن المهدي سلام الله عليه خليفة من نوع آخر ، لا من نوع خلفائهم الذين التزموا بصحة خلافتهم وصحة إمامتهم وأنهم خلفاء هدى وسمّوهم الخلفاء الراشدين واختصّوا بثلاثة منهم تقدّموا على مولانا أمير المؤمنين سلام الله عليه.

أنا أحكي النصوص ثم آتي بالجهة التي أريد أن أستدلّ بها ، طبعاً المجموعة طويلة ، وأنا حذفتُ الأسانيد وحذفت المصادر المتكثرة واكتفيت بمصدر واحد أو مصدرين :

عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً منّي أو

٣٩

من أهل بيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً » (١).

أيضاً بمثله : عن عبد الله بن مسعود بلفظ يقرب من هذا ، وعن علي بن أبي طالب ، وعن حذيفة بن اليمان ، وعن قرة بن أياس المزني ، وعن عبد الرحمن بن عوف.

كل هؤلاء اتّفقوا في بعض ما ورد من لفظ الحديث عندهم ، وبعضهم اكتفى بذلك اللفظ وحده ، نعم عبد الله بن مسعود جاء الحديث عنه بألفاظ مختلفة وفيها نوع من التناقض أو المجافأة أو عدم الملائمة بين الفاظها ، وهذا أيضاً أتركه إلى مجال آخر.

المهم هذه الكلمة : « حتى يبعث الله » ، معنى ذلك : أن قيام المهدي سلام الله عليه وظهوره بإرادة مباشرة من الله سبحانه وتعالى ، فالله سبحانه وتعالى حينما يريد أن يخبر عن رسالة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيف يقول ؟ ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ ) (٢) إلى آخر الايات الكريمة ، فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هنا يأتي بكلمة : « يبعث » كما قال الله سبحانه وتعالى عن رسالته ونفسه ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ ) ، وكلمة بعث جاءت للتعبير عن إرسال الرسول في آي كثيرة من آي الذكر الحكيم ، لا للدّلالة على أن المهدي سلام الله عليه رسول بعد رسول الله ، بل للدّلالة على أن العمل عملٌ مباشر قام به الله سبحانه وتعالى.

وقد يقول قائل : بأن حق الاختيار للامّة يشمل حق اختيار خليفة

__________________

(١) سنن أبي داود : ٤ / ١٠٦ ـ ١٠٧ ح ٤٢٨٢.

(٢) الجمعة : ٢.

٤٠