الشيخ محمد حسن المظفر
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ دمشق
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ دمشق
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-360-8
الصفحات: ٦٠٠
(أُولئك همُ الظالمون) (١).
فلمّا بلغ عثمان ما أنزل الله فيه ، أتى النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فأقرّ لعليّ بالحق» (٢).
__________________
(١) سورة النور ٢٤ : ٥٠.
(٢) انظر : الطرائف ـ لابن طاووس ـ : ٤٩٣ ـ ٤٩٤ عن السُدي ، تفسير عليّ بن إبراهيم ٢ / ٨٣.
وقال الفضل (١) :
هذه الكلمات والمفتريات من تفاسير الشيعة.
وأمّا المفسّرون من أهل السنة ، ذكروا أنّها نزلت في شأن المنافقين ، لمّا لم يرضوا بحكم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقالوا للزبير ـ عند المخاصمة والرفع إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وحكم النبيّ للزبير ـ : إنّه كان ابنَ عمّتك! فأنزل الله هذه الآيات.
وآثار الكذب والافتراء على هذه الكلمات لائحٌ لمن له أدنى درية في معرفة الحديث والأخبار.
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن «إحقاق الحقّ» ـ : ٥٨٦ الطبعة الحجرية.
وأقول :
لا محلّ لكلامه بعد كون السُدي من مشاهير مفسّريهم وقدمائهم ، كما ستعرف (١).
وأمّا ما نسبه إلى مفسّريهم ، فالظاهر أنّه كاذبٌ فيه ؛ لأنّ الرازي لم يذكره في تفسيره ، الذي هو أجمع كتبهم لأقوالهم ، ولا سيّما إذا تعلّقت بمكرمة أحد أوليائهم.
وإنّما نقل فيه ثلاثة أقوال ، عن مقاتل ، والضحّاك ، والحسن ، وليس هذا منها (٢).
كما لم يذكره السيوطي في «الدرّ المنثور» ، وهو أجمع تفاسيرهم للأخبار (٣).
ويقرِّب كذبَ الخصم اضطرابُ الأمر عليه ، فقال : «إنّه كان ابن عمتك».
ولو صحّ الحديث ، لقالوا للزبير : إنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان ابنَ خالك ، أو : كنتَ ابنَ عمته!
__________________
(١) سيأتي ذلك في الصفحة ٥٩٤ ، من هذا الجزء.
(٢) تفسير الفخر الرازي ٢٤ / ٢١.
(٣) انظر : الدرّ المنثور ٦ / ٢١٣.
أراد عثمان أن يتهود
قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ (١) :
ومنها : ما رواه السُدِّي في تفسير قوله تعالى : (يا أيّها الّذين آمنوا لا تّتخذوا اليهود والنصارى أولياءَ بعضهمُ أولياءُ بعض ...) (٢) الآية.
قال السُدِّي : «لمّا أُصيب النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بأُحد ، قال عثمان : لألحقنَّ بالشام ، فإنّ لي به صديقاً من اليهود ، فلآخذنّ منه أماناً ، فإنّي أخافُ أن يدالَ علينا اليهود.
وقال طلحة بن عبيد الله : لأخرجَنّ إلى الشام ، فإنّ لي به صديقاً من النصارى ، فلآخذنّ منه أماناً ، فإنّي أخاف أن يدال علينا النصارى.
قال السُدي : فأراد أحدُهما أن يتهود ، والآخر أن يتنصّر.
قال : فأقبل طلحة إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وعنده عليٌّ ، فاستأذنه طلحةُ في المسير إلى الشام ، وقال : إنّ لي بها مالا ، آخذه ثمّ أنصرف.
فقال له النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : عن مثلها مِن حال تخذلنا ، وتخرج وتدعنا؟!
فأكثر على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من الاستئذان ، فغضب عليٌ (عليه السلام) ، وقال : يا رسول الله! ائذن لابن الحضرميّة ؛ فوالله لا عزَّ مَن نصرَهُ ، ولا ذلَّ من خذله.
__________________
(١) نهج الحقّ : ٣٠٥ ـ ٣٠٦.
(٢) سورة المائدة ٥ : ٥١.
فكفّ طلحةُ عن الاستئذان عند ذلك ، فأنزل الله تعالى فيهم : (ويقول الّذين آمنوا أهؤلاء الّذين أقسموا بالله جَهد أيمانهم إنّهم لمعكم حبطت أعمالهم) (١) يعني : أُولئك (٢).
يقول : إنّه يحلف لكم أنّه مؤمنٌ معكم ، فقد حبط عمله بما دخل فيه من أمر الإسلام حتّى نافق فيه» (٣).
__________________
(١) سورة المائدة ٥ : ٥٣.
(٢) المراد من قوله تعالى ـ حكاية عن قول المؤمنين ـ : (أهؤلاء) ، أي أُولئك النفر الّذين نافقوا ، المذكورون في الرواية.
(٣) انظر : تفسير السُدي الكبير : ٢٣١ ، تفسير مقاتل ١ / ٣٠٥ ، تفسير الطبري ٤ / ٦١٦ ح ١٢١٦٥ ، تفسير ابن أبي حاتم ٤ / ١١٥٥ ـ ١١٥٦ ح ٦٥٠٧ ، تفسير الثعلبي ٤ / ٧٦ ، زاد المسير ٢ / ٢٢٣ ، تفسير القرطبي ٦ / ١٤٠ ، تفسير الخازن ١ / ٤٦٥ ، تفسير ابن كثير ٢ / ٦٥ ، الدرّ المنثور ٣ / ٩٩ ، الطرائف ـ لابن طاووس ـ : ٤٩٤.
وقال الفضل (١) :
اتّفق جميعُ أهل التفسير ، أنّ الآية نزلت في عبادة بن الصامت ، وعبد الله بن أُبَيّ بن سلول ، حين قال عبادة لعبد الله ـ وكان عبادةُ مؤمناً خالصاً ، وكان عبد الله منافقاً ـ : إنّي تركت كلّ مودّة وموالاة كانت لي مع اليهود ، ونبذت كلّ عهد لي كان معهم.
وقال عبد الله : لا أترك مودّة اليهود وموالاتهم وعهدهم ؛ فإنّي أخشى الدوار ، وينفعني موالاتهم.
فأنزل الله تعالى : (يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنصارى أولياءَ بعضُهم أولياءُ بعض ...) (٢) الآية (٣).
فأخذ الروافض هذا وجعلوه في حقّ كبار الصحابة ، وقد أنزله الله في شأن المنافقين ؛ كالخوارج الّذين جعلوا الآيات التي نزلت في شأن اليهود والنصارى ، حجّةً على الخروج على الإمام وأَوّلوه في أهل القِبلة.
وكلُّ ذلك خطأٌ.
وأمّا ما ذكره في شأن نزول الآية ، أنّها نزلت في عثمان وطلحة ،
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن «إحقاق الحقّ» ـ : ٥٨٧ الطبعة الحجرية.
(٢) سورة المائدة ٥ : ٥١.
(٣) انظر : تفسير الطبري ٤ / ٦١٥ ـ ٦١٦ ح ١٢١٦٢ ـ ١٢١٦٤ ، تفسير ابن أبي حاتم ٤ / ١١٥٥ ح ٦٥٠٦ ، تفسير الثعلبي ٤ / ٧٥ ـ ٧٦ ، زاد المسير ٢ / ٢٢٣ ، تفسير الفخر الرازي ١٢ / ١٧ ، تفسير القرطبي ٦ / ١٤٠ ، تفسير الخازن ١ / ٤٦٥ ، تفسير ابن كثير ٢ / ٦٥ ، الدرّ المنثور ٣ / ٩٨.
فكذبه ظاهرٌ في غاية الظهور ؛ لأنّ طلحة في غزوة أُحد ابتُلي بلاءً حسناً ، حتّى إنّ يده شُلّت لمّا جعلها فداءً لوجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين تفرّق الأصحاب ، فحمى طلحةُ وجهَ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من السيف بيده ، وقطعت يده.
ومن المقرَّرات أنّه ابتُلي يوم أُحد بما لم يبتل به أحدٌ من المسلمين.
ثمّ إنّه يذكر طلحةَ كان يريد الفرار إلى الشام ليتنصّر ، أُفّ له من كذّاب مفتر.
وأمّا عثمان ، فإنّه كان مزوَّجاً بابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، كان يترك بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد سوابق الإسلام ، ويريد التهوّد من إدالة اليهود على الحجاز؟!
وأيُّ ملك كان يهودياً في الشام ، حتّى يستولي على الحجاز؟!
ثمّ إنّه لِمَ لَم يرجع إلى أبي سفيان ويستأمن منه ، وهو ابن عمّه ، وكان كلُّ المخافة ـ التي يدّعيها ـ من أهل مكّة ، وكان أبو سفيان رئيس قريش ، وسيّد الوادي؟!
والغرض : إنّ هذا الجاهل بالأخبار وأضرابه ـ من السُدي ، وغيره من رفضَة حِلّة ـ لا يعلمون الوضع ، ولا يخافون الافتضاح عند العلماء.
والحمد لله الذي فضح ابن المطهّر في مطاعنه ، بما وفّقنا من ردّ ما ذكرَ من المطاعن ، بالدلائل العقليّة ، والبراهين النقليّة ، بحيث لا يرتاب أحدٌ ممّن ينظر في هذا الكتاب ، أنّه على الباطل ، وأنّنا على الحقِّ الأبلج ، وصار مطاعنه ملاعنه.
ونِعمَ ما قلتُ شعراً [من الوافر] :
أَجَبنا عن مطاعنِ رافضيّ |
|
على الأخلافِ والأصحابِ طاعنْ |
فَيَلْعَنُهُ الذَّكيُّ إذا رآهُ |
|
فصيّرْنا مطاعِنهُ ملاعنْ |
والحمد لله على هذا التوفيق.
وأقول :
عُبادةُ هذا : عَقَبيٌّ بدريٌّ أُحديٌّ شَجَريٌّ (١) ، شهد المشاهد كلّها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال في «أُسد الغابة» : شهد العقبة الأُولى والثانية ، وشهد بدراً ، وأُحداً ، والخندق ، والمشاهدَ كلّها.
وكان أحد نقباء الأنصار ، بايع رسولَ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على أن لا يخاف في الله لومة لائم» (٢).
وروى الحاكم ـ وصحّحه مع الذهبيِّ ـ على شرط الشيخين ، في مناقب عبادة (٣) ، عن عبادة ، قال : «بايعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على أن لا نخاف في الله لومة لائم».
وكأنّه لوفائه بهذه البيعة رُويت عنه القصّة التي ذكرها الخصمُ.
وأنكر على معاوية منكَراته ، في أيّام عمر وبعده ..
روى الحاكم (٤) ، عن قبيصة بن ذؤيب ، أنّ عبادة أنكر على معاوية
__________________
(١) أي من أصحاب بيعة الشجرة.
وهو : عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر الخزرجي ، كان عبادة رجلا طوالا جسيماً جميلا ، وهو أوّل من وليَ قضاء فلسطين ، توفّي سنة ٣٤ هـ ببيت المقدس ، ودُفن بها ، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة.
انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٧ / ٢٧١ رقم ٣٦٩٤ ، الاستيعاب ٢ / ٨٠٧ رقم ١٣٧٢ ، أُسد الغابة ٣ / ٥٦ رقم ٢٧٨٩.
(٢) أُسد الغابة ٣ / ٥٦ و ٥٧ رقم ٢٧٨٩.
(٣) ص ٣٥٦ ج ٣ [٣ / ٤٠١ ح ٥٥٢٦]. منه (قدس سره).
(٤) ص ٦٥٥ ج ٣ [٣ / ٤٠٠ ح ٥٥٢٣]. منه (قدس سره).
أشياء ، ثمّ قال له : لا أُساكنك بأرض ؛ فرحل إلى المدينة.
فقال له عمر : ما أقدمك إليّ؟! لا يفتح الله أرضاً لستَ فيها أنت وأمثالك ، انصرف لا إمرة لمعاوية عليك!
وروى أحمد في «مسنده» (١) ، أنّ عبادة قال لأبي هريرة : «يا أبا هريرة! إنّك لم تكن معنا إذ بايعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، إنّا بايعناه على السمع والطاعة ، في النشاط والكسل ... وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وعلى أن نقول في الله ولا نخاف لومة لائم فيه ، وأن ننصر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ... ، ولنا الجنّةُ.
فهذه بيعةُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) التي بايعنا عليها ، فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه ، ومن أوفى بما بايع عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وفّى الله بما بايع عليه نبيّه.
فكتب معاوية إلى عثمان : إنّ عبادة بن الصامت قد أفسد علَيَّ الشام وأهله ، فإمّا تكنّ إليك عبادة ، وإمّا أُخلّي بينه وبين الشام.
فكتب إليه أن رحل عبادة ـ إلى أن قال : ـ فلم يفجأ عثمانُ إلاّ وهو قاعدٌ في جنب الدار ، فالتفت إليه ، فقال : يا عبادة بن الصامت! ما لنا ولك؟!
فقام عبادةُ بين ظهريّ الناس ، فقال : سمعتُ رسول الله أبا القاسم محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : إنّه سيلي أموركم بعدي رجالٌ يُعرِّفونكم ما تنكرون ، وينكرون عليكم ما تعرفون ، فلا طاعة لمن عصى الله ، فلا تعتلوا بربّكم».
__________________
(١) ص ٣٢٥ ج ٥. منه (قدس سره).
وروى الحاكم ، عن عبادة ، نحو هذا الخبر الذي أخبر به عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بين ظهريّ الناس (١).
فيا رحمَ الله عبادة ، ولقّاه رحمةً ورضواناً ، كأنّه أبو ذرّ في إنكاره المنكَر ، وابتلائه ببني أُميّة.
لكنّه نال في الجملة من عمر أن لا إمرة لمعاوية عليه ، وإن لم يعزل معاوية عن سلطانه الذي تسلّط به على المنكَرات ، وعزّ على عبادة مساكنته معها ، وكان حقاً على عمر أن يعزل معاوية لأجلها.
وقد أراد عبادةُ بروايته المذكورة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أنّ عثمان ومعاوية من الولاة الذي يأمرون بالمنكَر ، وينكرون المعروف ، وأنّهم عصاة لله لا طاعة لهم ؛ وهذا من أكبر الطعن بعثمان.
كما أنّ قول عثمان : «ما لنا ولك؟!» ، دالٌّ على أنّ إنكار عبادة للمنكَر مناف لسلطانه ، ومضرٌّ بشؤونه!
ثمّ إنّ دعوى الخصم اتّفاق جميع المفسّرين على نزول الآية في عبادة وابن سلول ..
كاذبةٌ ؛ لِما في «الدرّ المنثور» ، عن ابن جرير ، وابن المنذر ، عن عكرمة ـ الذي هو من أكبر مفسّريهم ـ أنّه قال في جملة كلام له في تفسير الآية : «كان طلحة والزبير يكاتبان النصارى وأهل الشام» (٢).
وفيه ـ أيضاً ـ ، عن ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن السُدِّي ، نحو ما ذكره المصنّف (رحمه الله) ، إلاّ أنّه لم يسمّ الرجلين اللذين خافا أن يدال اليهود
__________________
(١) المستدرك على الصحيحين ٣ / ٤٠١ ح ٥٥٢٨.
(٢) الدرّ المنثور ٣ / ٩٩.
والنصارى ، وأراد أحدهما التهود ، والآخر التنصر (١).
والظاهر أنّه من إرادة الراوي عن السُدِّي السترَ على الرجلين ، وإلاّ فقد نقل المصنّف (رحمه الله) ، أنّه سمّاهما.
وبالجملة : طلحةُ في قول عكرمة والسُدِّي ممّن نزلت فيه الآية ، واختلفا في الآخر ، فقال عكرمة : هو الزبير ، وقال السُدِّي : هو عثمان ، على ما حكاه المصنّف (رحمه الله) عنه.
وأمّا ما استدلّ به الخصم على كذب نزولها في طلحة ، من أنّه ابتُلي بلاءً حسناً حتّى شُلّت يده ..
فباطلٌ ؛ لِما عرفت في مطلب جهاد أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّ كثيراً من أخبارهم دالّةٌ على فرار طلحة ، فأيُّ ابتلاء له لولا دعواه؟!
وعرفتَ أنّ الشلل ـ وما هو أعظم منه ـ قد يقع حال الهزيمة (٢).
ومن المضحك أنّه مرّة يقول : «شُلّت يده» ، وأُخرى يستحقر ذلك فيقول : «قُطعت يده» ، مع عدم وروده في شيء من أخبارهم ، وقد ورد فيها أنّه شُلّ إصبعه (٣).
وزعم أيضاً : أنّه وقى وجه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من السيف ؛ ليكون أمكن في مدح طلحة وشجاعته.
ولم أجد في أخبارهم ذِكر السيف ، وإنّما رووا عنه أنّه وقاه من
__________________
(١) الدرّ المنثور ٣ / ٩٩ ، وانظر : تفسير السُدي الكبير : ٢٣١ ، تفسير ابن أبي حاتم ٤ / ١١٥٥ ـ ١١٥٦ ح ٦٥٠٧.
(٢) راجع : ج ٦ / ٤١٠ ـ ٤١٣ ، من هذا الكتاب.
(٣) الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ١٦٢ ، الاستيعاب ٢ / ٧٦٥ ، أُسد الغابة ٢ / ٤٦٨.
السهم (١).
وأما ما استدلّ به على عدم نزولها بعثمان ..
فليس في محلّه أيضاً ؛ لأنّ تزويجه ببنت النبيّ أو ربيبته ، لا يمنعه من التوسّل إلى حفظ نفسه العزيزة جبناً ؛ ولذا فرّ ، ولم يعد إلاّ بعد ثلاثة أيام وحصول الأمان (٢).
وقوله : «أيُّ يهودي كان ملِكاً بالشام؟!» ..
خطأٌ نشأ من عدم فهم الرواية ، فإنّ معناها : أنّه أراد أن يأخذ أماناً من صديقه اليهودي ؛ ليتّخذه وسيلة عند يهود الحجاز ، وذلك لا يستدعي كونه ملِكاً ، بل يكفي أن يكون وجيهاً مرعيَّ الجانب عند يهود الحجاز ، الّذين خاف عثمان أن تكون لهم الدولة.
وطلب ابن سلول ـ مع شرفه ـ مودّتهم خشية الدوار ، كما ذكره الخصمُ.
وأما قوله : «لِمَ لم يرجع إلى أبي سفيان ...» إلى آخره ..
ففيه : إنّ الرجوع إليه لا يمكن إلاّ بالمجاهرة بعداوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ إذ لا علّة له في الذهاب إلى مكّة ، كما يتعلّل بالمال والتجارة لو ذهب إلى الشام ، كما تعلّل به طلحة.
ولو جاهر بعداوة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، خاف أن تكون له الدولة فتناله العقوبة!
__________________
(١) انظر : الاستيعاب ٢ / ٧٦٥ ، أُسد الغابة ٢ / ٤٦٨.
(٢) انظر : السير والمغازي ـ لابن إسحاق ـ : ٣٣٢ ، تاريخ الطبري ٢ / ٦٩ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٥٢ ، البداية والنهاية ٤ / ٢٣ ، السيرة الحلبية ٢ / ٥٠٤.
وراجع : ج ٦ / ٤٠٠ ، من هذا الكتاب.
على أنّه يجوز أن يكون عثمان يعلم أنّ أبا سفيان لم يقبله بأوّل وهلة ، فيناله التحقيرُ الكثير ، فاختار أيسر الطريقين.
وأما ما نسبه إلى السُدي من الرفض ..
ففيه : أنّ السُدِّي ، وهو : إسماعيل بن عبد الرحمن ، من قدماء مفسِّريهم ومشاهيرهم (١) ، ولا تخلو تفاسيرهم من أقواله ، إلاّ ما يضرُّ بشؤون خلفائهم.
وقد روى عنه جميع أرباب صحاحهم الستّة ، إلاّ البخاريّ.
وقال ابنُ حجر في «التقريب» : صدوق (٢).
وقال في «تهذيب التهذيب» : قال العجليُّ : ثقةٌ ، عالمٌ بالتفسير ، راويةٌ له.
وقال أحمد : ثقة.
وقال يحيى بن سعيد القطّان : ما رأيت أحداً يذكره إلاّ بخير ، وما تركه أحد.
وقال ابنُ عديِّ : هو عندي مستقيم الحديث ، صدوق (٣).
وذكر أكثر هذا في «ميزان الاعتدال» ، وقال : رُميَ بالتشيّع (٤).
__________________
(١) انظر : التاريخ الكبير ـ للبخاري ـ ١ / ٣٦١ رقم ١١٤٥ ، الجرح والتعديل ٢ / ١٨٤ رقم ٦٢٥ ، سير أعلام النبلاء ٥ / ٢٦٤ رقم ١٢٤ ، تهذيب التهذيب ١ / ٣٢٤ رقم ٤٩٩.
وقد تقدّمت ترجمته المفصّلة ووثاقته عند الجمهور في : ج ٦ / ٢٦٥ هـ ٤ ، من هذا الكتاب ؛ فراجع!
(٢) تقريب التهذيب ١ / ٩٧ رقم ٤٦٤.
(٣) تهذيب التهذيب ١ / ٣٢٤ رقم ٤٩٩ ، وانظر : الكامل في ضعفاء الرجال ـ لابن عديّ ـ ١ / ٢٧٨ رقم ١١٦.
(٤) ميزان الاعتدال ١ / ٣٩٥ رقم ٩٠٨.
أقول :
لا يبعد أنّ المنشأ في هذا الرمي ، روايتُه لبعض تلك المطالب في خلفائهم ، وبعض فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) ، كما رموا الحاكم والنسائيّ وغيرهما بالتشيّع (١) ؛ لأنّهم يجدون لهم إنصافاً في الجملة ، وهو خلاف طريقتهم ؛ إذ لا يقنعهم من الرجل إلاّ أن يروا عليه أثر النصب في جميع أقواله وأفعاله ، وأن لا يتعرّض لرواية شيء من مساوئ خلفائهم وأوليائهم ، حتّى لو وقعت منه صدفةً ، وكان ما رواه مشهوراً.
ولو فُرضَ أنّ السُّدِّي من الشيعة ، فما ضرّه بعدما احتجّ به أهلُ صحاحهم ، ووثّقه علماؤهم ، كما عرفت.
وأما قوله : «لا يعلمون الوضع» ..
فصحيحٌ ؛ فإنّا بحمد الله لا نستحلّه ولا نألفه ، ولا ننقل شيئاً عنهم إلاّ بعد أن نراه ، وقد أوقفناك على محالِّ النقل من كتبهم ، فإنْ صدقوا في روايتها ، فهو المطلوب ، وإنْ كذبوا ، فالذنب منهم وعليهم ، ولسنا مثلهم نختلقُ ما لا أصلَ له ، كما عرفته من هذا الخصم مراراً.
وما زالوا يكذبون على الشيعة ، وينسبون إليهم ما لا أثر له في كتبهم ، ولا يمرُّ على بال أحد منهم (٢)!
__________________
(١) انظر : سير أعلام النبلاء ١٤ / ١٣٢ ـ ١٣٣ رقم ٦٧ ترجمة النسائي وج ١٧ / ١٦٥ و ١٦٨ رقم ١٠٠ ترجمة الحاكم النيسابوري.
وراجع : ج ١ / ٢٣ ـ ٢٤ ، من هذا الكتاب.
(٢) جاء في النسخة المخطوطة ـ هنا ـ ما نصه :
وأما ما زعمه من ردّ ما ذكره المصنّف ، فقد وكلناه إلى إنصاف الحكم.
وما قاله من الشعر غلط على سفالته ؛ لأنّه أراد بالأخلاف : الخلفاء ، وقد
__________________
ذكر في «القاموس» [٣ / ١٤١ مادّة «خلف»] أنّ الأخلاف هم العبيد أو الأولاد ، المختلفون بالطول والقصر ، أو البياض والسواد.
وينبغي أن نعرض عن معارضة شعره بمثله ، بل نمدح المصنّف بما هو حقيق فيه ، ونقول :
أحاميةَ الهدى! ما زِلتَ تُصْمي |
|
بمزْبَرِكَ العُداةَ ولا تُداهِنْ |
بـ «نهجِ الحقّ» سِرْتَ لهم دليلا |
|
وجُزْتَ مَخاوفاً في قلبِ آمنْ |
لقد شَكرَ الإلهُ لكَ المَساعي |
|
فما شُكري وسخطُ ذَوي الضغائنْ؟! |
منه (قدس سره).
نقول :
يقال : أَصْمَيْتَ الصيدَ إذا رميتَه فقتَلتَه وأنت تراه ، وأَصْمى الرَّمِيّة : أَنفذَها ؛ انظر : لسان العرب ٧ / ٤١٥ مادّة «صما».
والمزْبَرُ : القلم ؛ انظر : لسان العرب ٦ / ١١ مادّة «زبر».
الفهرس المحتويات
المطلب الأوّل
في المطاعن التي رواها السُنّة في أبي بكر
١ ـ تسمية أبي بكر بخليفة رسول الله............................................. ٧
ردّ الفضل بن روزبهان...................................................... ٩
ردّ الشيخ المظفّر.......................................................... ١٠
٢ ـ أبو بكر في جيش أُسامة................................................... ١٥
ردّ الفضل بن روزبهان..................................................... ١٦
ردّ الشيخ المظفّر.......................................................... ١٧
٣ ـ قول أبي بكر : إنّ لي شيطاناً يعتريني........................................ ٢٣
ردّ الفضل بن روزبهان..................................................... ٢٤
ردّ الشيخ المظفّر.......................................................... ٢٥
٤ ـ قول عمر : بيعة أبي بكر فلتة.............................................. ٣٢
ردّ الفضل بن روزبهان..................................................... ٣٣
ردّ الشيخ المظفّر.......................................................... ٣٥
٥ ـ قول أبي بكر : أقيلوني..................................................... ٤٣
ردّ الفضل بن روزبهان..................................................... ٤٤
ردّ الشيخ المظفّر.......................................................... ٤٥
٦ ـ تشكيك أبي بكر في حقّ الأنصار بالخلافة................................... ٥١
ردّ الفضل بن روزبهان..................................................... ٥٢
ردّ الشيخ المظفّر.......................................................... ٥٣
٧ ـ تمنّيات أبي بكر........................................................... ٥٦
ردّ الفضل بن روزبهان..................................................... ٥٧
ردّ الشيخ المظفّر.......................................................... ٥٨
٨ ـ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يُوَلِّ أبا بكر شيئاً من الأعمال.............. ٦٠
ردّ الفضل بن روزبهان..................................................... ٦١
ردّ الشيخ المظفّر.......................................................... ٦٤
٩ ـ منع فاطمة (عليها السلام) إرثها............................................ ٧٢
ردّ الفضل بن روزبهان..................................................... ٧٦
ردّ الشيخ المظفّر.......................................................... ٨٢
١٠ ـ طلب إحراق بيت الإمام عليّ (عليه السلام).............................. ١٣٢
ردّ الفضل بن روزبهان................................................... ١٣٧
ردّ الشيخ المظفّر........................................................ ١٤٨
المطلب الثاني
في المطاعن التي نقلها السنة عن عمر بن الخطّاب
١ ـ قصة الدواة والكتف..................................................... ١٧٩
ردّ الفضل بن روزبهان................................................... ١٨١
ردّ الشيخ المظفّر........................................................ ١٨٣
٢ ـ إيجابه بيعة أبي بكر بالقوّة ، وقصد بيت النبوّة بالإحراق..................... ٢٠٠
ردّ الفضل بن روزبهان................................................... ٢٠٢
ردّ الشيخ المظفّر........................................................ ٢٠٣
٣ ـ إنكار موت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)............................... ٢٠٦
ردّ الفضل بن روزبهان................................................... ٢٠٧
ردّ الشيخ المظفّر........................................................ ٢٠٩
٤ ـ قول عمر : لولا عليٌّ لهلك عمر.......................................... ٢١٤
ردّ الفضل بن روزبهان................................................... ٢١٥
ردّ الشيخ المظفّر........................................................ ٢١٦
٥ ـ عمر يمنع من المغالاة في المهور............................................. ٢٢٠
ردّ الفضل بن روزبهان................................................... ٢٢٢
ردّ الشيخ المظفّر........................................................ ٢٢٤
٦ ـ قصة تسوّر عمر على جماعة.............................................. ٢٣٠
ردّ الفضل بن روزبهان................................................... ٢٣٢
ردّ الشيخ المظفّر........................................................ ٢٣٤
٧ ـ أُعطيات عمر من بيت المال.............................................. ٢٤١
ردّ الفضل بن روزبهان................................................... ٢٤٣
ردّ الشيخ المظفّر........................................................ ٢٤٥
٨ ـ تعطيل حد المغيرة بن شعبة................................................ ٢٥٠
ردّ الفضل بن روزبهان................................................... ٢٥٢
ردّ الشيخ المظفّر........................................................ ٢٥٤
٩ ـ مفارقات عمر في الأحكام................................................ ٢٧٠
ردّ الفضل بن روزبهان................................................... ٢٧١
ردّ الشيخ المظفّر........................................................ ٢٧٢
١٠ ـ تحريم عمر متعة النساء................................................. ٢٨٢
ردّ الفضل بن روزبهان................................................... ٢٨٧
ردّ الشيخ المظفّر........................................................ ٢٨٩
١١ ـ تحريم عمر متعة الحجّ................................................... ٣١٦
ردّ الفضل بن روزبهان................................................... ٣١٧
ردّ الشيخ المظفّر........................................................ ٣١٨
١٢ ـ قصة الشورى......................................................... ٣٢٩
ردّ الفضل بن روزبهان................................................... ٣٣٣
ردّ الشيخ المظفّر........................................................ ٣٣٧
١٣ ـ مخترعات عمر........................................................ ٣٥٨
ردّ الفضل بن روزبهان................................................... ٣٦٢
ردّ الشيخ المظفّر........................................................ ٣٦٩
المطلب الثالث
في المطاعن التي رواها الجمهور عن عثمان
١ ـ ما رواه الجمهور في حقّ عثمان........................................... ٤٠٩
ردّ الفضل بن روزبهان................................................... ٤١٤
ردّ الشيخ المظفّر........................................................ ٤١٥
٢ ـ إيواؤه الحكم بن أبي العاص............................................... ٤٣٢
ردّ الفضل بن روزبهان................................................... ٤٣٥
ردّ الشيخ المظفّر........................................................ ٤٣٧
٣ ـ إيثار عثمان لأهل بيته بالأموال العظيمة.................................... ٤٤١
ردّ الفضل بن روزبهان................................................... ٤٤٣
ردّ الشيخ المظفّر........................................................ ٤٤٥
٤ ـ ما حماه عن المسلمين من الماء والكلأ....................................... ٤٥٤
ردّ الفضل بن روزبهان................................................... ٤٥٥
ردّ الشيخ المظفّر........................................................ ٤٥٦
٥ ـ صرفه للصدقة في غير وجهها............................................. ٤٥٨
ردّ الفضل بن روزبهان................................................... ٤٥٩
ردّ الشيخ المظفّر........................................................ ٤٦٠
٦ ـ ضربُه لعبد الله بن مسعود................................................ ٤٦٣
ردّ الفضل بن روزبهان................................................... ٤٦٤
ردّ الشيخ المظفّر........................................................ ٤٦٥
٧ ـ ضربُه لابن مسعود على دفنه لأبي ذرّ...................................... ٤٧٤
ردّ الفضل بن روزبهان................................................... ٤٧٥
ردّ الشيخ المظفّر........................................................ ٤٧٧
٨ ـ ضربُه لعمار بن ياسر.................................................... ٤٨٦
ردّ الفضل بن روزبهان................................................... ٤٨٩
ردّ الشيخ المظفّر........................................................ ٤٩١
٩ ـ نفيُه لأبي ذرّ............................................................ ٥٠٥
ردّ الفضل بن روزبهان................................................... ٥١٠
ردّ الشيخ المظفّر........................................................ ٥١٢
١٠ ـ تعطيل عثمان لحدّ ابن عمر............................................. ٥٢٦
ردّ الفضل بن روزبهان................................................... ٥٢٨
ردّ الشيخ المظفّر........................................................ ٥٣٠
١١ ـ براءة الصحابة من عثمان يوم الدار...................................... ٥٣٥
ردّ الفضل بن روزبهان................................................... ٥٣٧
ردّ الشيخ المظفّر........................................................ ٥٤١
١٢ ـ مخالفات عثمان للشريعة................................................ ٥٥٦
ردّ الفضل بن روزبهان................................................... ٥٦١
ردّ الشيخ المظفّر........................................................ ٥٦٣
١٣ ـ جرأة عثمان على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)................... ٥٧٣
ردّ الفضل بن روزبهان................................................... ٥٧٥
ردّ الشيخ المظفّر........................................................ ٥٧٦
١٤ ـ إنّ عثمان مطعون في القرآن............................................ ٥٨٠
ردّ الفضل بن روزبهان................................................... ٥٨٢
ردّ الشيخ المظفّر........................................................ ٥٨٣
١٥ ـ أراد عثمان أن يتهود.................................................. ٥٨٤
ردّ الفضل بن روزبهان................................................... ٥٨٦
ردّ الشيخ المظفّر........................................................ ٥٨٩
الفهرس المحتويات............................................................. ٥٩٧