دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٧

الشيخ محمد حسن المظفر

دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمد حسن المظفر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ دمشق
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ دمشق
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-360-8
الصفحات: ٦٠٠

وأقول :

مَن تصفّح أخبار القوم ، فضلا عن أخبارنا ، علم أنّه لا ناصر لعثمان من الصحابة إلا النادرُ ، وعرف أنّ الصحابة شركاء في قتله ، ولو بالرضا.

فيا هل ترى أنّ من استباح الصحابةُ قتله ، وباشره بعضُهم ، وشهدوا بجوره وفسقه ، وهم عدول جميعاً عند القوم ، كيف يكون حاله؟! وهل يصحّ عدّه من الأئمة؟!

ولنذكر شيئاً ممّا في «تاريخ الطبري» ، الذي أقرّ الخصمُ بصحّته (١) ؛ لتعرف صدق ما قلنا ..

فقد روى عن الواقدي (٢) ، أنّ «أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كتب بعضهم إلى بعض أن أقدموا ، فإنْ كنتم تريدون الجهاد فعندنا الجهاد ؛ وكثر الناس على عثمان ، ونالوا منه أقبح ما نيل من أحد ، وأصحاب رسول الله يرون ويسمعون ، ليس فيهم أحدٌ ينهى ولا يذبُّ إلاّ نفيْر ؛ زيد بن ثابت ، وأبو أُسَيد الساعدي ، وكعب بن مالك ، وحسّان بن ثابت».

وروى أيضاً (٣) ، بسنده عن عثمان بن الشريد ، قال : «مرّ عثمان على جبلة بن عمرو الساعدي (٤) ، وهو بفناء داره ومعه جامعةٌ ، فقال :

__________________

(١) انظر الصفحة ٥١٠ ، من هذا الجزء.

(٢) ص ٩٦ ج ٥ [٢ / ٦٤٤ حوادث سنة ٣٤ هـ]. منه (قدس سره).

(٣) ص ١١٤ ج ٥ [٢ / ٦٦١ حوادث سنة ٣٥ هـ]. منه (قدس سره).

(٤) هو : جَبَلَة بن عمرو الساعدي الأنصاري ، يعدّ في أهل المدينة ، وكان فاضلا من فقهاء الصحابة ، شهد صِفّين مع الإمام عليّ (عليه السلام) ، وكان في مَن غزا إفريقية سنة

٥٤١

يا نعثل! والله لأقتلنّك ولأحملنّك على قَلوص (١) جرباء ، ولأُخرجنّك إلى حرّة النار.

ثمّ جاءه مرّةً أُخرى وعثمان على المنبر ، فأنزله عنه».

ثمّ روى بسنده ، عن أبي حبيبة ، أنّ عثمان خطب ، فقام إليه جَهْجاه الغِفاري (٢) ، فصاح : يا عثمان! إنّ هذه شارفٌ قد جئنا بها ، عليها عباءةٌ وجامعةٌ ، فانزل ، فلنُدرِّعكَ العباءة ، ولنطرحك في الجامعة ، ولنحملك على الشارف ، ثمّ نطرحك في جبل الدخان.

فقال عثمان : قبّحك الله ، وقبّح ما جئتَ به!

قال أبو حبيبة : ولم يكن ذلك منه إلاّ عن ملإ من الناس ، وقام إلى عثمان خيرتُه وشيعته من بني أُميّة ، فحملوه وأدخلوه الدار (٣).

وروى ـ أيضاً ـ بسنده ، عن عبد الرحمن بن يسار ، أنّه قال : «لمّا رأى الناس ما صنع عثمانُ ، كتب مَن بالمدينة من أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى مَن بالآفاق منهم ـ وكانوا قد تفرّقوا في الثغور ـ : إنّكم إنّما خرجتم

__________________

خمسين مع معاوية بن خديج ، وسكن مصر.

انظر : تاريخ الصحابة ـ لابن حبّان ـ : ٦١ رقم ١٩٩ ، معرفة الصحابة ـ لأبي نعيم ـ ٢ / ٥٨٩ رقم ٤٨٠ ، الاستيعاب ١ / ٢٣٥ رقم ٣١٧ ، أُسد الغابة ١ / ٢٢٠ رقم ٦٨٦ ، الإصابة ١ / ٤٥٧ رقم ١٠٨١.

(١) القلُوصُ : الفتِيّةُ من الإبل ، سُمّيت قَلوصاً لطول قوائمها ولم تَجْسُم بَعدُ ؛ انظر : لسان العرب ١١ / ٢٨١ مادّة «قلص».

(٢) هو : جهجاه بن مسعود الغفاري ، ويقال : ابن سعيد بن سعد بن حرام بن غفار ، ويقال : جهجاه بن قيس ، مدني ؛ شهد مع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بيعة الرضوان وغزوة المريسيع إلى بني المصطلق ، توفّي قبل عثمان بسنة.

انظر : الاستيعاب ١ / ٢٦٨ رقم ٣٥٢ ، أُسد الغابة ١ / ٣٦٥ رقم ٨١٨ ، الإصابة ١ / ٥١٨ رقم ١٢٤٧.

(٣) تاريخ الطبري ٢ / ٦٦١ حوادث سنة ٣٥ هـ.

٥٤٢

أن تجاهدوا في سبيل الله ، تطلبون دين محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فإنّ دين محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أُفسِد مِن خلفكم وتُرِك ، فهلموا فأقيموا دين محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)!

فأقبلوا من كلّ أُفق حتّى قتلوه» (١).

ثمّ ذكر ابن يسار ، أنّ عثمان كتب إلى ابن أبي سرح عامله على مصر ـ حين تراجع الناس [عنه] ، وزعم أنّه تائبٌ ـ كتاباً يأمره فيه بقتل بعض الّذين شخصوا من مصر ، وعقوبة بعضهم في أنفسهم وأموالهم ، منهم نفرٌ من الصحابة ، ومنهم قومٌ من التابعين.

وقال في آخره : «فلمّا رأوا ذلك ، رجعوا إلى المدينة ، فبلغ الناس رجوعهم والذي كان من أمرهم ، فتراجعوا من الآفاق كلّها ، وثار أهلُ المدينة» (٢).

وروى ـ أيضاً ـ حديثاً ، عن الكلبيّ ، قال فيه : «فلمّا رأى عثمان ما نزل به ، وما قد انبعث عليه من الناس ، كتب إلى معاوية : أمّا بعد ، فإنّ أهل المدينة كفروا ، وخلعوا الطاعة ، ونكثوا البيعة ، فابعث إليّ مَن قِبَلك مِن مقاتلة أهل الشام ، على كلّ صَعب وذَلول.

فلمّا جاء معاوية الكتابُ ، تربّص به ، وكره إظهار مخالفة أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ وقد علم اجتماعهم ـ ، فلمّا أبطأ أمره على عثمان ، كتب إلى يزيد بن أسد بن كرْز (٣) ، وإلى أهل الشام ، يستنفرهم ـ إلى أن قال : ـ

__________________

(١) تاريخ الطبري ٢ / ٦٦٢ حوادث سنة ٣٥ هـ.

(٢) انظر : تاريخ الطبري ٢ / ٦٦٢ حوادث سنة ٣٥ هـ.

(٣) هو : يزيد بن أسد بن كرْز بن عامر القسري ، جَد خالد بن عبد الله القسري ، ولي مكّة للوليد بن عبد الملك ، وولي العراق لهشام بن عبد الملك.

٥٤٣

وكتب إلى عبد الله بن عامر ، أن اندُب إليّ أهلَ البصرة» (١) .. الحديث.

ثمّ روى بعده حديثاً ، أخرجه عن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، قال فيه : «وكتب أهل المدينة إلى عثمان يدعونه إلى التوبة ، ويحتجّون ويقسمون له بالله لا يُمسكون عنه أبداً حتّى يقتلوه ، أو يعطيهم ما يلزمه من حقّ الله تعالى» (٢).

إلى غير ذلك ممّا رواه الطبريُّ وغيره ، من الأخبار الدالّة على استباحة الصحابة لقتله ، ومشاركتهم فيه يداً أو لساناً أو بالرضا (٣) ، التي منها ما أشار إليه المصنّف (رحمه الله) من أنّهم تركوه بعد قتله ثلاثة أيام (٤).

أخرج الطبريُّ (٥) ، عن أبي بشير العابدي ، قال : «نُبذ عثمان ثلاثة أيام لا يدفن ، ثمّ إنّ حكيم بن حزام القرشيّ وجبير بن مطعم بن عديّ كلّما عليا في دفنه ، وطلبا إليه أن يأذن لأهله في ذلك ، ففعل ، وأذِن لهم عليٌّ.

فلمّا سمع الناس بذلك ، قعدوا له في الطريق بالحجارة ، وخرَج به ناسٌ يسيرٌ من أهله ، وهم يريدون به حائطاً بالمدينة يقال له : حشُّ كوكب (٦) ، كانت اليهود تدفن فيه موتاهم.

__________________

انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٧ / ٢٩٨ رقم ٣٧٧١ ، الاستيعاب ٤ / ١٥٧٠ رقم ٢٧٥٣ ، أُسد الغابة ٤ / ٦٩٩ رقم ٥٥١٦.

(١) تاريخ الطبري ٢ / ٦٦٢ ـ ٦٦٣.

(٢) تاريخ الطبري ٢ / ٦٦٣.

(٣) انظر مثلا : الكامل في التاريخ ٣ / ٥٨ وما بعدها.

(٤) راجع الصفحة ٥٣٥ ، من هذا الجزء.

(٥) ص ١٤٣ ج ٥. منه (قدس سره).

(٦) حشُّ كوْكَب ـ بضمّ أو فتح أوّله ، وتشديد ثانيه ـ : والحشّ ـ في اللغة ـ :

٥٤٤

فلمّا خُرِجَ به على الناس ، رجموا سريره ، وهمّوا بطرحه ، فبلغ ذلك عليا ، فأرسل إليهم يعزم عليهم لَيكفنَّ عنه ، فانطلقوا به حتّى دُفن في حشّ كوكب» (١).

وأخرج ـ أيضاً ـ ، عن أبي كريب (٢) ـ عامل بيت مال عثمان ـ ، قال : «دُفن عثمان بين المغرب والعتمة ، ولم يشهد جنازته إلاّ مروان وثلاثة من مواليه وابنته الخامسة ، فناحت ابنته ورفعت صوتها تندبه.

وأخذ الناس الحجارة وقالوا : نعثلٌ ، نعثلٌ ؛ وكادت تُرجم ، فقالوا : الحائط ، الحائط ؛ فدُفن في حائط خارجاً» (٣).

ثمّ أخرج (٤) عن عبد الله بن ساعدة ، قال : «لبث عثمان بعدما قتل ليلتين لا يستطيعون دفنه ، ثمّ حمله أربعةٌ» وذكرهم ، وقال : «فلمّا وضع ليُصلّى عليه ، جاء نفرٌ من الأنصار يمنعونهم الصلاة عليه ، فيهم أسلم ابن أوس وأبو حبّة المازني ، في عدة ، ومنعوهم أن يدفن بالبقيع ـ إلى أن قال : ـ فقالوا : لا والله ، لا يُدفن في مقابر المسلمين أبداً!

فدفنوه في حشّ كوكب».

وأخرج ـ أيضاً ـ ، عن عبد الله بن موسى المخزومي ، قال : «لمّا قُتل عثمان أرادوا حزّ رأسه ، فوقعت عليه نائلة وأُمّ البنين فمنعنهم ،

__________________

البستان ، وكوكب اسم رجل من الأنصار ، وهو عند بقيع الغرقد.

انظر : معجم البلدان ٢ / ٣٠٢ رقم ٣٧٤٧.

(١) تاريخ الطبري ٢ / ٦٨٧.

(٢) في المصدر : «كرب».

(٣) تاريخ الطبري ٢ / ٦٨٧ ـ ٦٨٨.

(٤) ص ١٤٤ ج ٥ [٢ / ٦٨٨]. منه (قدس سره).

٥٤٥

وصِحن ، وضربن الوجوه ، فقال ابن عُديس (١) : اتركوه! فأُخرج عثمان ـ ولم يغسَّل ـ إلى البقيع ، وأرادوا أن يصلّوا عليه في موضع الجنازة ، فأبت الأنصار» (٢).

وأخرج ـ أيضاً ـ ، عن أبي عامر ، قال : «كنتُ أحدَ حملة عثمان حين قتل ، حملناه على باب وإنّ رأسه ليقرع الباب لإسراعنا به ، وإنّ بنا من الخوف لأمراً عظيماً ، حتّى واريناه في قبره في حشّ كوكب» (٣).

ثمّ نقل الطبريُّ روايتين ـ في ما كتبه إليه السَّرِيُّ ـ أنّه صلّى عليه مروان (٤).

وروى في «الاستيعاب» ، بترجمة عثمان ، أنّه لمّا قُتل أُلقيَ على المزبلة ثلاثة أيّام ، فلمّا كان من الليل أتاه اثنا عشر رجلا ، فاحتملوه.

فلمّا صاروا به إلى المقبرة ليدفنوه ، ناداهم قومٌ من بني مازن : والله لئن دفنتموه ها هنا لنخبرنّ الناس غداً.

__________________

(١) هو : عبد الرحمن بن عُديس بن عمرو ، أبو محمّد البَلَوي ، من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وممّن بايع بيعة الرضوان تحت الشجرة ، وشهد فتح مصر واختطّ بها ، كان أحد فرسان بَلي المعدودين ، وأمير الجيش الّذين قدموا من مصر إلى عثمان ، أخذه معاوية من مصر في الرهن وحبسه ببعلبك ، فهرب ، فأدركه فارس بجبل لبنان ، فقال له : ويحك! اتّق الله في دمي ، فإنّي من أصحاب الشجرة! قال : الشجر بالجبل كثير! فقتله ، وكان ذلك سنة ٣٦ هـ.

انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٧ / ٣٥٢ رقم ٤٠٣٦ ، الجرح والتعديل ٥ / ٢٤٨ رقم ١١٨٢ ، معرفة الصحابة ـ لأبي نعيم ـ ٤ / ١٨٥٢ رقم ١٨٧١ ، الاستيعاب ٢ / ٨٤٠ رقم ١٤٣٧ ، تاريخ دمشق ٣٥ / ١٠٧ رقم ٣٨٩٠ ، أُسد الغابة ٣ / ٣٧٠ رقم ٣٣٥٢.

(٢) تاريخ الطبري ٢ / ٦٨٨.

(٣) تاريخ الطبري ٢ / ٦٨٨.

(٤) انظر : تاريخ الطبري ٢ / ٦٨٨ ـ ٦٨٩.

٥٤٦

فاحتملوه ، وكان على باب ، وإنّ رأسه على الباب ليقولنّ : طق .. طق .. حتّى صاروا به إلى حشّ كوكب ، فاحتفروا له (١).

فهذه الأخبار ـ ونحوها ـ دالّةٌ على أنّ الصحابة تبرّأوا منه ، وأرادوا قتله ، وأعانوا عليه.

بل جملةٌ منها دالّةٌ على قول كثير منهم بكفره ، وأنّه مفسِد لدين النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فيجبُ قتاله ؛ ولذا باشر بعضهم قتله ، ومنعوا من الصلاة عليه ، ومنعت الأنصار من دفنه في مقابر المسلمين ، حتّى دُفن في مقبرة اليهود «حشّ كوكب».

وحتّى خرجوا ـ كما في إحدى روايتَي السَّرِيّ ـ بجيفتَي عبديْن له قتلا في الدار ، وجرّوا بأرجلهما ، ورُمي بهما على البلاط ، فأكلتهما الكلاب (٢).

وأما ما زعمه الخصمُ ، من اتّفاق المؤرّخين على أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) بعثَ الحسن والحسين وابن الحنفيّة وأولاد جعفر ..

فمِن كذباته الواضحة!

وغاية ما ذكره الطبريُّ وابنُ الأثير وابنُ عبد البرّ ، دفاع الحسن (عليه السلام) عنه (٣).

وزاد ابن حجر في «الصواعق» : الحسين (عليه السلام) ، وأنّ الحسن خضب بالدماء ، وأنّه لمّا بلغ أمير المؤمنين والزبير وطلحة وسعداً قتل عثمان خرجوا وقد ذهبت عقولهم ، وأنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال للحسنين (عليهما السلام) :

__________________

(١) الاستيعاب ٣ / ١٠٤٧.

(٢) انظر : تاريخ الطبري ٢ / ٦٨٩ حوادث سنة ٣٥ هـ.

(٣) انظر : تاريخ الطبري ٢ / ٦٧٤ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٦٣ ، الاستيعاب ٣ / ١٠٤٦.

٥٤٧

كيف قُتل وأنتما على الباب؟! ورفع يده ولطم الحسن (عليه السلام) ، وضرب صدر الحسين (عليه السلام) ، وشتم محمّد بن طلحة وعبد الله بن الزبير ، ناقلا ذلك كلّه عن ابن عساكر (١).

وهو من الكذب الصريح ؛ لأنّ الحسن (عليه السلام) إذا دافع حتّى خُضب بالدم ـ كما ذكره ابن عبد البرّ أيضاً (٢) ـ ، لم يستحقّ ـ بأبي وأُمّي ـ من أبيه اللطمة.

ولأنّ طلحة أعظم المجلِبين على عثمان ، حتّى قتله به مروان يومَ الجمل (٣) ، فكيف يذهب عقله بسماع خبر قتله؟!

وكيف يبعث ابنه للدفاع عنه ، وهو ـ أيضاً ـ ممّن جدّ في منعه الماء (٤)؟!

ولو كانت عقولهم تذهبُ بمجرّد سماع خبر قتله ، فما بالُهم لم يدافعوا عنه وتركوه على المزبلة ثلاثة أيّام ، وما صلّوا عليه ، ولا أمروا بالصلاة عليه ودفنه؟!

أتراهم لو اتّفقوا ـ وهم وجوه المسلمين ـ على الدفاع عنه ، أو على دفنه والصلاة عليه ، يقدرُ أحدٌ مخالفتهم ومنعهم؟!

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ١٨١ ـ ١٨٢ ب ٨ ، وانظر : تاريخ دمشق ٣٩ / ٤١٨ ـ ٤١٩.

(٢) انظر : الاستيعاب ٣ / ١٠٤٦.

(٣) انظر : المعجم الكبير ١ / ١١٣ ح ٢٠١ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ١٦٧ ، تاريخ خليفة بن خيّاط : ١٣٩ ، أنساب الأشراف ٦ / ٢٥٧ و ٢٦٧ ، العقد الفريد ٣ / ٣٢٠ ، مروج الذهب ٢ / ٣٦٥ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٤١٧ ـ ٤١٨ ح ٥٥٨٩ ـ ٥٥٩١ ، الاستيعاب ٢ / ٧٦٨ ـ ٧٦٩ ، تاريخ دمشق ٢٥ / ١١٢ ـ ١١٣ وج ٥٧ / ٢٥٨ ـ ٢٥٩.

(٤) انظر : أنساب الأشراف ٦ / ١٨٨.

٥٤٨

وقد روى في «العقد الفريد» (١) ، عن العتبي ، قال : «قال رجلٌ من بني ليث : قدمت المدينة ، فلقيت سعد بن أبي وقّاص ، فقلت : يا أبا إسحاق! من قتل عثمان؟

قال : قتله سيفٌ سلّته عائشةُ ، وشحذه طلحة ، وسمّه عليٌّ.

قلت : فما حالُ الزبير؟

قال : أشار بيده ، وصمت بلسانه».

وحكى في «كنز العمّال» (٢) ، في فضائل عثمان ، عند بيان حصره وقتله ، عن ابن أبي شيبة ، عن عليّ (عليه السلام) ، قال : «مَن كان سائلا عن دم عثمان ، فإنّ الله قتله وأنا معه».

ورواه ونحوه ابنُ أبي الحديد (٣) ، في شرح قوله (عليه السلام) : «لو أمرتُ به لكنتُ قاتلا ، أو نهيتُ عنه لكنتُ ناصراً ، غير إنّ مَن نصره لا يستطيع أن يقول : خذله مَن أنا خيرٌ منه ، ومَن خذله لا يستطيع أن يقول : نصره مَن هو خيرٌ منّي» (٤).

وفسّر ابنُ أبي الحديد كلامه الأخير ، فقال : «معناه أنّ خاذليه كانوا خيراً من ناصريه ؛ لأنّ الّذين نصروه كان أكثرهم فسّاقاً ، كمروان وأضرابه ، وخذله المهاجرون والأنصار» (٥).

__________________

(١) ص ٨٤ ج ٣ [٣ / ٢٩٩]. منه (قدس سره).

(٢) ص ٣٨٨ ج ٦ [١٣ / ٩٧ ح ٣٦٣٢٩]. منه (قدس سره).

وانظر : مصنّف ابن أبي شيبة ٨ / ٦٨٥ ح ٢٦.

(٣) ص ١٥٧ مجلّد ١ [٢ / ١٢٨]. منه (قدس سره).

(٤) شرح نهج البلاغة ٢ / ١٢٦.

(٥) شرح نهج البلاغة ٢ / ١٢٨.

٥٤٩

أقول :

بل معناه فوق ذلك ؛ لإرادته له ـ مع بيان كونه واضحاً ظاهراً ـ بحيث لا يستطيع الناصرُ والخاذلُ القول بخلافه.

ثمّ إنّا لا ندّعي مشاركة أمير المؤمنين (عليه السلام) في قتل عثمان ، ولا قاله المصنّف (رحمه الله) كما زعم الخصمُ ..

ولكن نقول : إنّه لم يره معصومَ الدم محرّمَ القتل ، وإلاّ لنهى ودافع عنه ؛ قياماً بواجب النهي عن المنكر ، بل قال (عليه السلام) : «الله قتله وأنا معه».

ومعناه ـ كما ذكره المصنّف (رحمه الله) ـ : «الله حكم بقتله ، وأنا أحكم بحكمه».

ونحو هذا كثيرٌ في كلامه (عليه السلام).

وإنّما لم يتظاهر بالإعانة عليه لموانع كثيرة.

وكان (عليه السلام) يصدر منه الكلام الكثير في عدم تخطئة قاتليه (١).

ولو خطأهم ، لجفاهم ولم يجعلهم أخصّ أصحابه وأقربهم منه ، كعمّار بن ياسر ، ومالك الأشتر ، ومحمّد بن أبي بكر ، وعمرو بن الحَمِق الخزاعي ، الذي هو أحدٌ الأربعة الّذين دخلوا على عثمان الدار ، كما في ترجمة عمرو من «الاستيعاب» (٢) و «أُسد الغابة» (٣).

وهو الذي وثب عليه ، وجلس على صدره ، وطعنه تسع طعنات ،

__________________

(١) انظر : العقد الفريد ٣ / ٣٣٢ ، شرح نهج البلاغة ١٥ / ٧٨.

(٢) الاستيعاب ٣ / ١١٧٤ رقم ١٩٠٩.

(٣) أُسد الغابة ٣ / ٧١٤ رقم ٣٩٠٦.

٥٥٠

وقال ـ كما في «تاريخ الطبريّ» (١) و «كامل» ابن الأثير (٢) ـ : «أمّا ثلاثٌ منهنّ فإنّي طعنتُهنّ إيّاه لله ، وأمّا ستٌّ فلِما في صدري عليه».

وأمّا ما نقله عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال : «لو أنّي أعلمُ أنّه يذهبُ من صدور بني أُميّة ...» إلى آخره ..

فظاهر البهتان ؛ لأنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) يعلم أنّ بني أُميّة يعلمون عدم مشاركته في دم عثمان ، ويعلمُ أنّ الوهج في صدورهم ليس لقتله ؛ بل للعداوة الدينيّة ، وطلبهم الدنيا بنسبة المشاركة له.

هذا ، وممّا ذكرناه من الأخبار يُعلم أنّ مروان كان حاضراً دفن عثمان ، وبعضها مصرّحٌ بأنّه صلّى عليه ـ كروايتَي السَّرِيّ اللتين أشرنا إليهما (٣) ـ ، فلا كذب من المصنّف (رحمه الله) ، كما رماه به الخصمُ.

على أنّ المصنّف لم يروِ صلاة مروان ، بل حضوره لجنازته ..

ومن الجهل إحالتُه لصلاة مروان وحضوره ، بدعوى أنّه جُرح جراحة عظيمة فهرب إلى الشام ؛ فإنّ هذا لو منع من حضوره وصلاته ، لمنعه من الهرب إلى الشام بطريق أَوْلى.

على أنّه لم يهرب ، بل بقيَ بالمدينه وبايع أمير المؤمنين (عليه السلام) ، ثمّ ذهب إلى مكّة ونكث مع مَن نكث يومَ البصرة ، ثمّ ولّى إلى الشام (٤).

وأما اعتذاره عن عدم صلاة الصحابة على عثمان ..

فواه جدّاً ؛ لأنّ الأخبار السابقة ونحوها ، صرّحت بأنّ الأنصار منعوا

__________________

(١) ص ١٣٢ ج ٥ [٢ / ٦٧٧ حوادث سنة ٣٥ هـ]. منه (قدس سره).

(٢) ص ٨٩ ج ٣ ، وفي طبعة أُخرى ص ٧٠ [٣ / ٦٨ حوادث سنة ٣٥ هـ]. منه (قدس سره).

(٣) تقدّمت الإشارة إليهما في الصفحة ٥٤٦ ، من هذا الجزء.

(٤) انظر : تاريخ اليعقوبي ٢ / ٧٦.

٥٥١

من الصلاة عليه ، بل يُستفاد منها اتّفاق عامّة الصحابة على المنع منها ولو بالرضا.

وكيف يتركون الصلاة والدفن الواجبين خوفاً من أهل الأمصار ، وهم أكثرُ منهم وأعزّ شأناً؟!

وما ذكره من هرب أمير المؤمنين (عليه السلام) خوفاً منهم ..

فمن الكذب المضحك ، وقد تركتُ القول فيه لقارئه!

بقيَ شيءٌ ، وهو ما يتعلّق بالأخبار التي استدلّ بها الخصم لإثبات مظلوميّة عثمان وحسن حاله ..

أمّا أوّلا ؛ فلأنّها من أخبارهم ، وقد عرفت مراراً أنّ ذِكرها في مقام المحاجة معنا عبثٌ ؛ لأنّها ليست حجةً علينا (١).

وأما ثانيا ؛ فلأنّ الرواية الأُولى ، الدالّة على صبر عثمان وعهد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إليه (٢) ، كاذبةٌ جزماً ، وإلاّ لأعلم النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) الصحابةَ بمظلوميّته ؛ لئلاّ يقترفوا فيه الأُمور العظام ، وليدفعوا عنه شرّ الأنام ، فإنّهم أعدل العدول عند القوم.

مع أنّها معارضة بما يدلّ على عدم صبره ، وأنّه لو كان له ناصرٌ لفعل الأفاعيل ..

كالرواية المتقدّمة المصرّحة بكتابته إلى معاوية وابن عامر ويزيد بن أسد وأهل الشام ، يستفزّهم لحرب أهل المدينة ، وقال : إنّهم كفروا ، وأخلفوا الطاعة ، ونكثوا البيعة (٣).

__________________

(١) راجع الصفحتين ٦٤ و ٢٠٣ ، من هذا الجزء.

(٢) تقدّمت في الصفحة ٥٣٧ ، من هذا الجزء.

(٣) تقدّمت في الصفحة ٥٤٣ ، من هذا الجزء.

٥٥٢

وكالرواية التي رواها الطبريُّ ، عن الزبير (١) ـ ومرّ طرفٌ منها (٢) ـ ، قال ـ بعدما ذكر مسير المصريّين وكتابهم إليه ـ : «وكتب أهلُ المدينة إلى عثمان يدعونه إلى التوبة ، ويحتجّون ويقسمون له بالله لا يُمسكون عنه أبداً حتّى يقتلوه ، أو يعطيهم ما يلزمه من حقّ الله.

فلمّا خاف القتل ، شاور نصحاءه وأهل بيته ، فقال لهم : قد صنع القوم ما رأيتم ، فما المَخرج؟

فأشاروا عليه أن يُرسل إلى عليّ بن أبي طالب ، فيطلب إليه أن يردّهم عنه ، ويعطيهم ما يرضيهم ، ليطاولهم ، حتّى يأتيه إمداده».

إلى أن قال : «وكتب بينهم كتاباً ... ثمّ أخذ عليه في الكتاب أعظمَ ما أخذ الله على أحد من خلقه من عهد وميثاق ، وأشهد عليه ناساً من وجوه المهاجرين والأنصار ، فكفّ عنه المسلمون ورجعوا ... ، فجعل يتأهّبُ للقتال ، ويستعدّ بالسلاح ، وقد كان اتّخذ جنداً عظيماً من رقيق الخُمسِ ، فلمّا مضت الأيّام الثلاثة ـ وهو على حاله لم يغيّر شيئاً ممّا كرهوه ، ولم يعزل عاملا ـ ، ثار به الناس» .. الحديث.

ونحوه في «كامل» ابن الأثير (٣).

.. إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة (٤).

هذا ، مع ضعف تلك الرواية ؛ فإنّ الترمذي أخرجها بجماعة (٥) ،

__________________

(١) ص ١١٦ ج ٥ [٢ / ٦٦٣ ـ ٦٦٤ حوادث سنة ٣٥ هـ]. منه (قدس سره).

(٢) تقدّم في الصفحة ٥٤٤ ، من هذا الجزء.

(٣) ص ٨٤ ج ٣ ، وفي طبعة أُخرى ص ٦٦ [٣ / ٦١ ـ ٦٢ حوادث سنة ٣٥ هـ]. منه (قدس سره).

(٤) راجع الصفحات ٤٢٨ ـ ٤٣٠ وما بعدها ، من هذا الجزء.

(٥) سنن الترمذي ٥ / ٥٩٠ ح ٣٧١١.

٥٥٣

منهم سفيان بن وكيع ، الذي سبق بعض ما قيل فيه في مقدّمة الكتاب (١).

وأما الرواية الثانية ـ وهي رواية مرّة بن كعب ، ورواها الترمذيُّ أيضاً (٢) ـ ، فهي مع ضعف سندها بجماعة ـ منهم : محمّد بن بشّار ، الذي سبق بعض ترجمته في المقدّمة (٣) ـ ، قد روى الترمذيُّ عن مرّة أنّه رواها عندما قامت الخطباء بالشام (٤).

وأنت تعلم أنّ هناك محلّ الكذب والتهمة!

مع أنّه يمتنع عادة أن يجتاز عثمانُ على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه ولا يسلّم عليهم وهو بقربهم ؛ إذ لو سَلّم عليهم لعرفه مُرّة ، ولم يحتجْ إلى أن يقوم إليه ليعرفه ؛ ولو كان بعيداً ، لَما جرى التخاطب بين النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ومرّة.

وأثرُ التصنّع من الراوي باد على ذلك التقنّع.

وأمّا الثالثة ـ وهي رواية ثمامة ، ورواها الترمذي أيضاً (٥) ـ ، فيرِدُ عليها : إنّها ضعيفة السند بجماعة ، منهم : يحيى بن أبي الحجّاج المنقري ، الذي قال فيه ابنُ معين : ليس بشيء (٦).

وثانياً : إنّ الترمذي ذكر في صدر الرواية ، أنّ عثمان أشرف يومَ الدار وقال : ائتوني بصاحبيكم اللذين ألّباكم علَيَّ!

__________________

(١) راجع : ج ١ / ١٣٤ رقم ١٢١ ، من هذا الكتاب.

(٢) تقدّمت في الصفحة ٥٣٨ ، من هذا الجزء.

(٣) راجع : ج ١ / ٢٣٤ رقم ٢٧٨ ، من هذا الكتاب.

(٤) سنن الترمذي ٥ / ٥٨٦ رقم ٣٧٠٤.

(٥) تقدّمت في الصفحة ٥٣٨ ، من هذا الجزء.

(٦) الضعفاء والمتروكين ـ لابن الجوزي ـ ٣ / ١٩٢ رقم ٣٧٠١ ، ميزان الاعتدال ٧ / ١٦٧ رقم ٩٤٨٧ ، تهذيب التهذيب ٩ / ٢١٥ رقم ٧٨٠٩.

٥٥٤

قال : فجيء بهما كأنّهما جملان ، أو كأنّهما حماران ، فقال : أنشدكم الله ... (١) .. الحديث.

وظاهره : أنّ المنشود هو الصاحبان ، ولا بُد أن يكونا صحابيّين ، ومن قدماء الصحابة ، لتصحّ مناشدتهما بهذه الأُمور.

ولا ريب أنّ أحدهما طلحة ؛ لأنّه أظهرُ مَن ألّب على عثمان من الصحابة (٢).

فحينئذ ، إن جاز عند القوم أن يكون طلحةُ ـ مع شهادته بهذه الأُمور العظيمة ـ يسعى بقتل عثمان ومنعه الماء ، كان مِن أفسق الفاسقين ، وهم لا يقولونه.

وإن لم يجز ذلك عندهم ، كذبت الرواية.

ولو فرض أنّ المنشود هو عموم الصحابة ، فالرواية أَوْلى بالكذب ، وإلاّ كان الأمر أشنعَ وأفظع!

ولا أدري ما وجه قوله : «حتّى أشرب من ماء البحر» (٣) ، ولا بحر عنده؟! إلاّ أن يريد به ماءً مالحاً في بئر بداره ، فيكون مجازاً ، وهو تكلّفٌ!

__________________

(١) سنن الترمذي ٥ / ٥٨٥ ـ ٥٨٦ ح ٣٧٠٣.

(٢) انظر : أنساب الأشراف ٦ / ١٨٤ و ١٨٨ و ١٩٦ ، تاريخ اليقوبي ٢ / ٧٢ ، تاريخ الطبري ٢ / ٦٦٨ ، العقد الفريد ٣ / ٣٠٣ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٦٤ ، شرح نهج البلاغة ٢ / ١٥٥.

(٣) سنن الترمذي ٥ / ٥٨٦ ذ ح ٣٧٠٣.

٥٥٥

مخالفات عثمان للشريعة

قال المصنّف ـ طيّب الله رمسه ـ (١) :

ومنها : إنّه كان يستهزئ بالشرائع ، ويتجرّأ على المخالفة لها (٢) ..

في «صحيح مسلم» ، أنّ أمرأةً دخلت على زوجها ، فولدت لستّة أشهر ، فذُكر ذلك لعثمان بن عفّان ، فأمر بها أن تُرجَم ، فدخل عليه عليٌّ فقال : إنّ الله عزّ وجلّ يقول : (وحملُه وفصالُه ثلاثون شهراً) (٣) ، وقال أيضاً : (وفصالُه في عامين) (٤).

__________________

(١) نهج الحقّ : ٣٠٢ ـ ٣٠٤.

(٢) وممّا أُنكِر من أفعال عثمان ومخالفاته للشريعة :

١ ـ أخذه الزكاةَ من الخيل ، وقد عفا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن صدقة الخيل والرقيق.

انظر : أنساب الأشراف ٦ / ١٣٥ ، مصنّف عبد الرزّاق ٤ / ٣٥ ـ ٣٦ ح ٦٨٨٨ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٣ / ٤٣ ب ٤٤ ح ٧ ، المحلّى ٥ / ٢٢٧.

٢ ـ أمره بالنداء الثالث يوم الجمعة في السنة السابعة من خلافته ، فعاب الناسُ ذلك وقالوا : بدعة!

انظر : صحيح البخاري ٢ / ٣٩ ح ٣٥ و ٣٦ ، أنساب الأشراف ٦ / ١٥٠ ، صحيح ابن خزيمة ٣ / ١٣٦ ـ ١٣٧ ح ١٧٧٣ و ١٧٧٤ ، الأوسط في السنن ـ لابن المنذر ـ ٤ / ٥٥ ب ٣٦ ، فتح الباري ٢ / ٤٩٩ ـ ٥٠٢ ح ٩١٢ و ٩١٣ ، عمدة القاري ٦ / ٢١٠ ـ ٢١٢ ح ٣٥ و ٣٦ ، مسند الشافعي ٩ / ٣٧٨.

٣ ـ ترك التكبير في كلّ خفض ورفع في الصلاة ، مع أنّه سنة ثابتة ، وفعله أبو بكر وعمر من بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

انظر : مسند أحمد ٤ / ٤٣٢ ، فتح الباري ٢ / ٣٤٣.

(٣) سورة الأحقاف ٤٦ : ١٥.

(٤) سورة لقمان ٣١ : ١٤.

٥٥٦

قال : فوالله ما كان عند عثمان إلاّ أن بعث إليها ، فرُجمَت (١).

كيف استجاز أن يقول هذا القول ، ويُقدِم على قتل امرأة مسلمة عمداً من غير ذنب ، وقد قال الله تعالى : (ومن يقتل مؤمناً متعمّداً فجزاؤه جهنّم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيماً) (٢)؟!

وقال تعالى : (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأُولئك هم الكافرون) (٣) ، (ومَن لم يحكم بما أنزل الله فأُولئك هم الظالمون) (٤) ، (ومَن لم يحكم بما أنزل الله فأُولئك هم الفاسقون) (٥).

وفي «الجمع بين الصحيحين» ، أنّ عثمان وعليا حجّا ، ونهى عثمانُ عن المتعة ، وفعلها أمير المؤمنين ، وأتى بعمرة التمتّع.

فقال عثمان : أنهى الناسَ وأنت تفعله؟!

فقال أمير المؤمنين : ما كنت لأدع سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقول أحد (٦).

__________________

(١) لم نجده في صحيح مسلم ، وانظر : الموطأ : ٧١٩ ح ١١ ، تفسير ابن أبي حاتم ١٠ / ٣٢٩٣ ح ١٨٥٦٦ ، أحكام القرآن ـ للجصاص ـ ٣ / ٥٧٩ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٧ / ٤٤٢ ، تفسير ابن كثير ٤ / ١٦٠ ، عمدة القاري ٢١ / ١٨.

وأخرجه ابن البطريق في عمدة عيون صحاح الأخبار : ٣١٩ ح ٤٢٢ مصرّحاً بأنّه عن «صحيح مسلم» ، الجزء الخامس ، في أوّله ، على حدّ كرّاسَين ، في تفسير سورة الزخرف ؛ فلاحظ!

(٢) سورة النساء ٤ : ٩٣.

(٣) سورة المائدة ٥ : ٤٤.

(٤) سورة المائدة ٥ : ٤٥.

(٥) سورة المائدة ٥ : ٤٧.

(٦) الجمع بين الصحيحين ـ للحميدي ـ ١ / ١٥٩ ح ١٢٢ ، وانظر : صحيح البخاري ٢ / ٢٨٠ ح ١٥٦.

٥٥٧

وفي «الجمع بين الصحيحين» ، أنّ النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) صلّى صلاة المسافر بمنى وغيرها ركعتين ، وكذا أبو بكر ، وعمر ، وعثمان في صدر خلافته ، ثمّ أتمّها أربعاً (١).

وفيه : عن عبد الله بن عمر ، قال : «صلّى بنا رسول الله بمنى ركعتين ، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان صدراً من خلافته ، ثمّ إنّ عثمان صلّى بعد أربعاً» (٢).

وروى الحميدي في «الجمع بين الصحيحين» ، من عدّة طرق ، أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) صلّى في السفر دائماً ركعتين (٣).

فكيف جاز لعثمان تغييرُ الشرع وتبديله؟!

وفي تفسير الثعلبي ، في قوله تعالى : (إنْ هذان لَساحران) (٤) ، قال عثمان : إنّ في المصحف لحناً ، واستسقمه (٥) العربُ بألسنتهم.

فقيل له : ألا تُغيّره؟!

فقال : دعوه! لا يُحلّلُ حراماً ولا يُحرِّمُ حلالا (٦)!

وفي «صحيح مسلم» ، أنّ رجلا مدح عثمان ، فجثا المِقداد على

__________________

(١) الجمع بين الصحيحين ـ للحميدي ـ ٢ / ١٩٤ ذ ح ١٢٩٩ ، وانظر : صحيح مسلم ٢ / ١٤٦.

(٢) الجمع بين الصحيحين ـ للحميدي ـ ٢ / ١٩٤ ، وانظر : صحيح البخاري ٢ / ١٠٢ ـ ١٠٣ ح ١١٧ وص ٣١٢ ح ٢٤٠ ، صحيح مسلم ٢ / ١٤٥ ـ ١٤٦ ، أمالي ابن سمعون : ١٩٥ ح ١٧٧.

(٣) الجمع بين الصحيحين ـ للحميدي ـ ٢ / ١٩٣ ـ ١٩٥ ح ١٢٩٩.

(٤) سورة طه ٢٠ : ٦٣.

(٥) كذا في الأصل ، وفي «نهج الحقّ» : «وستقوّمه» ، وفي تفسيرَي الثعلبي والقرطبي : «وستقيمه».

(٦) تفسير الثعلبي ٦ / ٢٥٠ ، وانظر : تفسير القرطبي ١١ / ١٤٥.

٥٥٨

ركبتيه ـ وكان رجلا ضخماً ـ فجعل يحثو في وجهه الحصى (١).

مع أنّ المِقداد كان عظيم الشأن ، كبير المنزلة ، حسن الرأي (٢) ، قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «قدَّ مِنّي قدّاً» (٣).

__________________

(١) انظر : صحيح مسلم ٨ / ٢٢٨ ، معرفة الصحابة ـ لأبي نعيم ـ ٥ / ٢٥٥٤ رقم ٦١٧٠.

(٢) والذي يدلّ على عظيم شأنه ، وسموّ منزلته ، ورجاحة عقله ، وحسن رأيه ، رضوان الله عليه ، بعد سبقه إلى الإسلام ، إذ كان سابع من أسلم ، وحضوره مع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مشاهده كلّها ، ذا كعب عال في الجهاد ، إذ كان فارس المسلمين يوم بدر :

قوله لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم بدر ـ بعدما قال الشيخان من أقوال مثبّطة لعزائم المسلمين ـ : إنّا والله لا نقول لك كما قال أصحاب موسى لموسى : (إذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا ها هنا قاعدون) ، ولكن اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون ، فوالذي بعثك بالحقّ نبيا لو سرت بنا إلى بِرك الغُِماد ، لجالدنا معك من دونه ، حتّى نبلغه.

فضلا عن فضائله الباهرة التي امتاز بها عن بقيّة الصحابة ، كقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إنّ الله أمرني بحبّ أربعة ، وأخبرني أنّه يحبّهم».

قيل : يا رسول الله! سَمِّهم لنا؟

قال : «عليٌّ منهم ـ يقول ذلك ثلاثاً ـ ، وأبو ذرّ ، والمِقداد ، وسلمان ؛ أمرني بحبّهم ، وأخبرني أنّه يحبّهم».

وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إنّ الجنّة تشتاق إلى أربعة : عليّ ، وعمّار ، وسلمان ، والمِقداد».

انظر : صحيح البخاري ٥ / ١٨٠ ح ٤ ، سنن الترمذي ٥ / ٥٩٤ ح ٣٧١٨ ، سنن ابن ماجة ١ / ٥٣ ح ١٤٩ ، مسند الروياني ١ / ٢٠ ـ ٢١ ح ٢٨ و ٢٩ ، المعجم الكبير ٦ / ٢١٥ ح ٦٠٤٥ ، الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٣ / ١١٩ رقم ٤٢ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٣٩١ ـ ٣٩٣ ح ٥٤٧٩ ـ ٥٤٨٨ ، حلية الأولياء ١ / ١٧٢ رقم ٢٨ وص ١٩٠ ، الاستيعاب ٤ / ١٤٨١ ـ ١٤٨٢ ، أُسد الغابة ٤ / ٤٧٦ ـ ٤٧٧ ، مجمع الزوائد ٩ / ١١٧ و ٣٠٧ ، كنز العمّال ١١ / ٧٥٤ ح ٣٣٦٧١ و ٣٣٦٧٣ و ٣٣٦٧٥.

(٣) نهج الإيمان ـ لابن جبر ـ : ٥٨٨.

٥٥٩

وهذا يدلُّ على سقوط مرتبة عثمان عنده ، وأنّه لا يستحقّ المدحَ ، مع أنّ الصحابة قد كان يمدح بعضُهم بعضاً من غير نكير.

٥٦٠