دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٧

الشيخ محمد حسن المظفر

دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمد حسن المظفر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ دمشق
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ دمشق
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-360-8
الصفحات: ٦٠٠

قال : كيف تصنع إذا أُخرجت منه؟!

قلت : آتي الشام الأرض المقدّسة المباركة.

قال : كيف تصنع إذا أُخرجت منه؟!

قلت : ما أصنع؟! اضرب بسيفي!

فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : ألا أدلّك على ما هو خيرٌ لك من ذلك وأقرب رشداً؟! تسمع وتطيع ، وتنساق لهم حيثُ ساقوك».

ونحوه في أوّل أحاديث أبي ذرّ (١).

وكذا عن أسماء بنت يزيد (٢) ، إلاّ أنّ في هذه الرواية أنّ أبا ذرّ لمّا قال : آخذ سيفي فأُقاتل ؛ كَشَرَ (٣) إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقال : «ألا أدلّك على خير من ذلك؟!

قال : بلى.

قال : تنقاد لهم حيث قادوك ، وتنساق لهم حيث ساقوك ، حتّى تلقاني وأنت على ذلك».

وهذه الأخبار التي حكيناها عن أحمد ، كما تدلّ على نفي أبي ذرّ وسوقه بغير اختياره من المدينة إلى الشام ، ومنه إليها ، ومنها إلى الربذة ، تدلّ على ظلم من نفاه ، واستحقاقه القتل ، كما فهمه أبو ذرّ ، وقال : «أضربُ بسيفي» ، ولم ينكر عليه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بل كشَرَ إليه.

لكنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لمّا علم أنّه لا يقدر على الدفع عن نفسه ، وأنّه

__________________

(١) ص ١٤٤ ج ٥. منه (قدس سره).

(٢) ص ٤٥٧ ج ٦. منه (قدس سره).

(٣) الكَشرُ : بُدوُّ الأسنان عند التبسّم والضحك وغيرهما ؛ انظر : لسان العرب ١٢ / ١٠٠ مادّة «كشر».

٥٢١

يُقتل لو امتنع من الانقياد لهم ، دلّه على ما هو خيرٌ له وأقربُ إلى الرشد ، وهو أن ينساق لهم حيث ساقوه ، حتّى يلقاه يومَ القيامة مظلوماً ، فيكون نفيهم له حجّةً دائميّةً ظاهرةً على ضلال الإمارة التي ناوأته وناوأها ، وأنكر عليها ..

ولو قاتلهم وحده وقتلوه ، لجعلوا قتله ـ هم وأتباعُهم ـ واجباً من باب دفع الصائل عن النفس.

ويدلّ ـ أيضاً ـ على تسيير أبي ذرّ إلى الربذة قهراً ، ما في «مستدرك الحاكم» (١) ، عن عبد الرحمن بن غنم ، قال : «كنتُ مع أبي الدرداء ، فجاء رجلٌ من قبل المدينة ، فسأله ، فأخبره أنّ أبا ذرّ مسيّرٌ إلى الربذة.

فقال أبو الدرداء : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، لو أنّ أبا ذرّ قطع لي عضواً أو يداً ما هجتُه (٢)» .. الحديث.

ونحوه في «الاستيعاب» ، بآخر ترجمة أبي ذرّ (٣).

وفي «المستدرك» ـ أيضاً (٤) ـ حديثٌ آخر يتعلّق بغزوة تبوك ، قال النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في آخره : رحم الله أبا ذرّ ، يمشي وحده ، ويموت وحده.

قال ابن مسعود : فضرب الدهرُ ضربةً ، فسُيّر أبو ذرّ إلى الربذة».

وهو دالُّ أيضاً على نفيه إلى الربذة.

كما يدلّ على نفيه من الشام إلى المدينة وتسييره قهراً ، ما في «مسند أحمد» (٥) ، أنّه لمّا بلغ أبا الدرداء تسييرُ أبي ذرّ من الشام إلى

__________________

(١) في محنة أبي ذرّ ، ص ٣٤٤ ج ٣ [٣ / ٣٨٧ ح ٥٤٦٧]. منه (قدس سره).

(٢) كذا في الأصل والاستيعاب ، وفي المستدرك : «هجنته».

(٣) الاستيعاب ١ / ٢٥٦.

(٤) ص ٥٠ ج ٣ [٣ / ٥٢ ـ ٥٣ ح ٤٣٧٣]. منه (قدس سره).

(٥) ص ١٩٧ ج ٥. منه (قدس سره).

٥٢٢

المدينة ، قال بعد أن استرجع قريباً من عشر مرّات : (ارتقبهم واصطبر) (١) ، كما قيل لأصحاب الناقة» .. الحديث.

وهو صريح في أنّ من نفاه إلى المدينة مستحقّ للعذاب ، كقوم صالح.

ثمّ إنّ الحاكم في «كتاب الفتن» من «المستدرك» (٢) ، روى طرفاً من أوّل حديثَي الواقدي ، اللذين نقلهما المرتضى (رحمه الله) (٣) ، وصحّحه هو والذهبيُّ على شرط مسلم ، عن حلاّم بن جندل الغفاري ، قال : «سمعت أبا ذرّ يقول : سمعت رسول الله يقول : إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا ، اتّخذوا مال الله دولا ، وعباد الله خولا ، ودين الله دغلا.

قال حلاّم : فأُنكر ذلك على أبي ذرّ ، فشهد عليُّ بن أبي طالب : إنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : ما أظلّت الخضراءُ ، ولا أقلّت الغبراء ، على ذي لهجة أصدق من أبي ذرّ».

وروى الحاكم ـ أيضاً ـ بعده حديثين نحوه ، عن أبي سعيد الخدري (٤).

وحكى في «كنز العمّال» ، في كتاب الفتن (٥) ، نحوه ، عن أبي يعلى وأحمد بن حنبل ، عن أبي سعيد.

__________________

(١) سورة القمر ٥٤ : ٢٧.

(٢) ص ٤٨٠ ج ٤ [٤ / ٥٢٦ ـ ٥٢٧ ح ٨٤٧٨]. منه (قدس سره).

(٣) تقدّما في الصفحات ٥٠٧ ـ ٥٠٩ ، من هذا الجزء.

(٤) المستدرك على الصحيحين ٤ / ٥٢٧ ح ٨٤٧٩ و ٨٤٨٠.

(٥) ص ٢٩ ج ٦ [١١ / ١١٧ ح ٣٠٨٤٦ وص ١٦٥ ح ٣١٠٥٧]. منه (قدس سره).

وانظر : مسند أبي يعلى ٢ / ٣٨٣ ـ ٣٨٤ ح ١١٥٢ ، مسند أحمد ٣ / ٨٠.

٥٢٣

وأيضاً (١) ، عن أبي يعلى وابن عساكر ، عن أبي هريرة.

ولا يخفى أنّ أبا العاص هو جدّ عثمان ، ووالد الحكم ، فلهذا استشهد أبو ذرّ بالحديث ، وأنكره عثمان ..

فيكون عثمان ممّن اتّخذ مال الله دولا ، ودينه دغلا ، وعباده خولا!

فلا يصحّ الاعتذار عنه بأنّه إمام ، وللإمام أن يؤدّب رعيّته ، كما سمعته من ابن حجر ، وابن الأثير (٢) ، واعتذر به القوشجيُّ عن ضرب عثمان لأبي ذرّ (٣).

وليت شعري ، كيف يكون الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر مسيئاً ، ويعد نفيه وضربه على نهيه عن المنكر تأديباً له؟!

والحال ، أنّ مجرّد جعل مال الله دولا مصحِّحٌ لقتال الجاعل ، فضلا عمّا لو اتّخذ دين الله دغلا ، وعباده خولا.

كما يدلّ عليه ما في «مسند أحمد» (٤) ، عن أبي ذرّ ، قال : «قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : كيف أنت وأئمةٌ من بعدي يستأثرون بهذا الفيء؟!

قال : قلتُ : إذاً والذي بعثك بالحقِّ أضعُ سيفي على عاتقي ، ثمّ أضرب به حتّى ألقاك ، أو ألحقَ بك.

__________________

(١) ص ٩٠ ج ٦ [١١ / ١٦٥ ح ٣١٠٥٥ وص ٣٥٩ ح ٣١٧٣٨]. منه (قدس سره).

وانظر : مسند أبي يعلى ١١ / ٤٠٢ ح ٦٥٢٣ ، تاريخ دمشق ٥٧ / ٢٥٣ ـ ٢٥٤.

(٢) راجع اعتذار ابن حجر وابن الأثير والقوشجي والقاضي عبد الجبّار بذلك في الصفحات : ٤٦٥ و ٤٦٦ و ٤٦٨ و ٤٨٣ و ٤٩٣ و ٥١٤ ، من هذا الجزء.

(٣) شرح تجريد الاعتقاد : ٤٨٥.

(٤) ص ١٨٠ ج ٥. منه (قدس سره).

٥٢٤

قال : أَوَلا أدلّك على ما هو خيرٌ لك من ذلك؟! تصبر حتّى تلقاني».

ورواه ـ أيضاً ـ بعده بطريق آخر ، عن أبي ذرّ ، بلفظ قريب منه (١).

فإنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لم ينكر عليه استحقاقهم للضرب بالسيف ، وإنّما أمره بالصبر ؛ لأنّه الأصلح.

ولذا سكت أميرُ المؤمنين (عليه السلام) ، وتولّى قتلَ عثمان غيرُه!

__________________

(١) مسند أحمد ٥ / ١٨٠.

٥٢٥

تعطيل عثمان لحدّ ابن عمر

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ (١) :

ومنها : إنّه عطّل الحدّ الواجبَ على عبيد الله بن عمر بن الخطّاب ، حيث قتل الهرمزان مسلماً ، فلم يَقدْه به (٢) ، وكان أميرُ المؤمنين يطلبه لذلك (٣).

قال القاضي : إنّ للإمام أن يعفو ، ولم يثبت أنّ أمير المؤمنين كان يطلبه ليقتله ، بل ليضع من قدره (٤).

أجاب المرتضى (رحمه الله) ، بأنّه ليس له أن يعفوَ ، وله جماعةٌ من فارس لم يقدموا خوفاً ، وكان الواجب أن يؤمِّنهم عثمان حتّى يقدموا ويطلبوا بدمه.

ثمّ لو لم يكن له وليُّ لم يكن لعثمان العفو.

أمّا أوّلا : فلأنّه قتل في أيّام عمر ، وكان هو وليّ الدم ، وقد أوصى

__________________

(١) نهج الحقّ : ٣٠١.

(٢) انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٥ / ١١ ـ ١٢ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٥٧ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٨ / ٦١ ـ ٦٢ ، المنتظم ٣ / ٢٣١ حوادث سنة ٢٤ هـ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٤٦٦ ـ ٤٦٧ حوادث سنة ٢٣ هـ ، شرح نهج البلاغة ٣ / ٥٩ الطعن العاشر.

(٣) انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٥ / ١٢ ، مروج الذهب ٢ / ٣٨٥ ، الاستيعاب ٣ / ١٠١٢ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٤٦٨ حوادث سنة ٢٣ هـ.

(٤) المغني ٢٠ ق ٢ / ٥٦.

٥٢٦

عمر بأن يُقتل عبيد الله إن لم تقم البيّنة العادلة على الهرمزان وجُفَينة أنّهما أمرا أبا لؤلؤة ـ غلام المغيرة بن شعبة ـ بقتله ، وكانت وصيّته إلى أهل الشورى (١).

فلمّا مات عمر ، طلب المسلمون قتل عبيد الله كما أوصى عمر ، فدافع وعلّلهم ، وحمله إلى الكوفة وأقطعه بها داراً وأرضاً ، فنقم المسلمون منه ذلك ، وأكثروا الكلام فيه (٢).

وأمّا ثانياً : فلأنّه حقٌّ لجميع المسلمين ، فلا يكون للإمام العفو عنه.

وأميرُ المؤمنين (عليه السلام) إنّما طلبه ليقتله ؛ لأنّه مرّ عليه يوماً ، فقال له أمير المؤمنين : أمَا والله لئن ظفرت بك يوماً من الدهر لأضربنّ عنقك!

فلهذا خرج مع معاوية [عليه] (٣).

__________________

(١) انظر : السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٨ / ٦١ ـ ٦٢.

(٢) انظر : تاريخ اليعقوبي ٢ / ٥٧.

(٣) انظر : الشافي ٤ / ٣٠٤ ـ ٣٠٥ ، شرح نهج البلاغة ٣ / ٦٠ ـ ٦١.

٥٢٧

وقال الفضل (١) :

قصة الهرمزان وعبيد الله قبل أن يصيب عمر بأيام ، أنّه مرّ على باب دار الهرمزان ، فرآه جالساً على باب داره ، وعنده العُلوج (٢) من الأعاجم ، ومنهم أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة.

فقام الهرمزان لعبيد الله ، فوقع من حجره المِغْول (٣) الذي قتل أبو لؤلؤة به عمر ، وكان مِغولا ذا رأسين ، فسأل عبيد الله الهرمزانَ عن ذلك المِغْول ، فقال : هو من سلاح الحبشة.

فلمّا قُتل عمر ، وجدوا ذلك المِغْول بيد أبي لؤلؤة ، وبه ضرب عمر.

فلمّا رجعوا من دفن عمر ، عاد عبيد الله إلى دار الهرمزان بالسيف فقتله ؛ لأنّه كان يتّهمه بالمشاركة في القتل.

هذا ما كان من أمر الهرمزان على ما ذكره أرباب صحاح التواريخ.

ونقله الطبريُّ وغيره ، واتّفقوا أنّ قتل عبيد الله الهرمزانَ كان بعد دفن عمر ، بلا خلاف بين أرباب التواريخ.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن «إحقاق الحقّ» ـ : ٥٧٧ الطبعة الحجرية.

(٢) العِلجُ : الرجل الشديد الغليظ ، والرجل من كفّار العجم قويا ضخماً أو غير قويّ ، والجمع : أَعْلاج وعلُوج.

انظر : لسان العرب ٩ / ٣٤٩ مادّة «علج».

(٣) المِغوَل : سيف دقيق له قفاً ، يكون غمده كالسوط ، أو شبه سيف قصير يشتمل به الرجلُ تحت ثيابه.

انظر : لسان العرب ١٠ / ١٤٨ ـ ١٤٩ مادّة «غول».

٥٢٨

فتمَّ جواب قاضي القضاة ، بأنّ للإمام أن يعفو (١) ، فعفا عثمان عن عبيد الله ؛ لأنّه كان وليَّ الدم.

وأمّا ما ذكر أنّ الواجب كان أن يؤمِّن أولياء دم الهرمزان حتّى يطلبوا دمه ، فإنّ من المعلوم أنّ الهرمزان لم يكن له وليٌّ ؛ لأنّه كان ملك الأهواز ، وكان غريباً بالمدينة كسائر العلوج.

وأمّا ما ذكر أنّ أمير المؤمنين كان يطلبه ليقتله ، فالجواب ما أجاب القاضي ، أنّه لم يثبت أنّ أمير المؤمنين كان يطلبه للقتل ، بل للإيذاء والتعزير والتعنيف.

وما ذكر المرتضى أنّ أمير المؤمنين كان يطلبه ، بدليل أنّه قال له : «لئن ظفرت بك يوماً لأضربنّ عنقك» ، فهذا كلامٌ يجوز أن يذكره أميرُ المؤمنين للتعنيف والزجر ـ الذي كان يطلبه لأجله ـ لئلاّ يعود على مثل ذلك الفعل.

وأمثال هذه الأُمور ناجزةٌ من زمان طويل ، والأصل حمله على الصحة ؛ لأنّ العلماء قالوا : الأصل أنّ ما جرى لم يجر إلاّ بحقّ.

__________________

(١) المغني ٢٠ ق ٢ / ٥٦.

٥٢٩

وأقول :

عجباً لهذا الرجل ، من عدم حيائه من الكذب وعدم مبالاته به ؛ فإنّه نسب ما ذكره في قصّة الهرمزان إلى الطبريّ وغيره!

وقد نظرتُ «تاريخ الطبريّ» ، وغيره ممّا حضرني من كتبهم ، فلم أجد بها أنّ عبيد الله مرّ بدار الهرمزان ، وقام له ، وأنّه شاهد مِغْولا عنده ، بل لم يُذكر فيها المِغْول أصلا ، وهو ـ أيضاً ـ غير الخنجر المذكور فيها!

فقد ذكر الطبريُّ (١) ما حاصله ، أنّ عبد الرحمن بن أبي بكر قال غداة طعن عمر : رأيتُ عشيّة أمس الهرمزانَ وأبا لؤلؤة وجُفينة وهم يتناجون ، فلمّا رأوني ثاروا ، وسقط منهم خنجر له رأسان ، نصابه في وسطه.

فسمع بذلك عبيد الله فأتى الهرمزان ، فقتله ، فلمّا عضّه السيفُ قال : لا إله إلاّ الله ؛ ثمّ مضى فقتل جُفينة.

ومثله في «كامل» ابن الأثير (٢).

وقال في «أُسد الغابة» ، بترجمة عبيد الله : «قيل لعبيد الله : قد رأينا أبا لؤلؤة والهرمزان نجيّاً ، والهرمزان يقلّب هذا الخنجر بيده ـ إلى أن قال : ـ فعدا عليهم بالسيف ، فقتل الهرمزان وابنته وجُفينة» (٣).

وأما دعواه اتّفاق أرباب التواريخ على أنّ قتل عبيد الله الهرمزانَ

__________________

(١) ص ٤٢ ج ٥ [٢ / ٥٨٧]. منه (قدس سره).

(٢) ص ٣٧ ج ٣ ، وفي طبعة أُخرى ص ٢٩ [٢ / ٤٦٦ ـ ٤٦٧]. منه (قدس سره).

(٣) أُسد الغابة ٣ / ٤٢٣ ـ ٤٢٤ رقم ٣٤٦٧.

٥٣٠

كان بعد دفن عمر ..

فغير معتمدة ؛ لِما علمنا من كذبه وجهله مراراً ، وخلوِّ ما رأيناه من كتب التاريخ عن ذلك (١) ، والسيّد المرتضى (رحمه الله) أحقُّ منه بالصدق والدراية.

وأما ما زعمه أنّه لا وليّ للهرمزان ..

فممنوعٌ ؛ لِما في «أُسد الغابة» ، بترجمة عبيد الله ، وفي «الكامل» و «تاريخ الطبري» ، من أنّ له ولداً يسمّى القماذبان (٢) ، كما ستسمع.

ولو سُلّم أن لا ولدَ له بالمدينة ، فمن المجزوم به عادةً أنّ له وليّاً معلوماً بالأهواز ؛ لأنّ مَن هو مثله من الملوك لا يخلو عادةً مِن وليّ معلوم.

فمن المضحك تعليلُ الفضل ـ للعِلم بعدم الوليّ له ـ بأنّه كان ملكاً وغريباً بالمدينة.

ولو سُلّم عدم الجزم بوجود وليّ له ، فلا أقلّ من احتماله ، فلا بُد من طلبه إلى أن يتحقّق اليأس ، لتثبت حينئذ ولايةُ عثمان.

ولو سُلّم أن لا وليّ له ليكون عثمان وليّ الدم ، فليس معنى ولايته إلاّ أنّ له ولاية المطالبة به ، لا أنّ له العفو عنه ؛ إذ لا دليلَ عليه ، ولا سيّما بعد كون الحقّ في الدم للمسلمين جميعاً ، ولم يسعهم مشورةً ، بل طلب كثيرٌ منهم قتله ..

ولذا كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يرى قتل عبيد الله ، كما هو معلوم ، حتّى إنّ ابن الأثير في «الكامل» ، بعدما ذكر رواية عفو عثمان ، ورواية

__________________

(١) فإنّ الطبري روى أنّ عبيد الله بن عمر أمسكَ حتّى مات عمر ، فأتى الهرمزان فقتله ؛ ولم يروِ أحدٌ أنّ قتلَ عبيد الله الهرمزانَ كان بعد دفن عمر ؛ فلاحظ!

(٢) انظر : أُسد الغابة ٣ / ٤٢٤ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٤٦٧ ، تاريخ الطبري ٢ / ٥٩٠.

٥٣١

أُخرى في عفو ابن الهرمزان ، قال : «والأوّل أصحّ ؛ لأنّ عليا لمّا ولي الخلافة أراد قتله ، فهرب إلى معاوية بالشام ، ولو كان إطلاقه بأمر وليّ الدم لم يتعرّض له عليٌّ» (١).

ونحوه في «أُسد الغابة» (٢).

وروى في «الاستيعاب» ، بترجمة عبيد الله ، عن الحسن : «أنّ عبيد الله بن عمر قتل الهرمزان بعد أن أسلم ، وعفا عنه عثمان ، فلمّا وليَ عليٌّ خشيَ على نفسه ، فهرب إلى معاوية ، فقُتل بصِفّين» (٣).

ولا يخفى أنّ طلب أمير المؤمنين (عليه السلام) لقتل عبيد الله ، ظاهرٌ في الطعن بعثمان وعفوه ، وكفى به حجّةً على من عذر عثمان ، فإنّ الحقّ مع عليّ ، يدور معه حيثُ دار (٤).

كما إنّه حجةٌ على كذب ما رواه السَّرِيّ ، من عفو ابن الهرمزان ، ولا سيّما مع كونه بالهزليات الملفّقة أشبه!

ففي «تاريخ الطبريّ» (٥) : «كتب إليَّ السَّرِيّ ، عن شعيب ، عن سيف ، عن أبي منصور ، قال : سمعت القماذبان يُحدّث عن قتل أبيه ، قال : كانت العجمُ بالمدينة يَستَرْوِح بعضُها إلى بعض ، فمرّ فيروز بأبي ومعه خنجر له رأسان ، فتناوله منه وقال : ما تصنع بهذا في هذه البلاد؟!

فقال : آنسُ به.

__________________

(١) الكامل ٢ / ٤٦٨ حوادث سنة ٢٣ هـ.

(٢) أُسد الغابة ٣ / ٤٢٤.

(٣) الاستيعاب ٣ / ١٠١٢.

(٤) راجع مبحث حديث : «الحق مع عليّ» في : ج ٦ / ٢٢٧ ـ ٢٣٤ ، من هذا الكتاب.

(٥) ص ٤٣ ج ٥ [٢ / ٥٩٠ حوادث سنة ٢٤ هـ]. منه (قدس سره).

٥٣٢

فرآه رجلٌ ، فلمّا أُصيب عمر قال : رأيتُ هذا مع الهرمزان ، دفعه إلى فيروز.

فأقبل عبيد الله ، فقتله ، فلمّا ولي عثمان دعاني ، فأمكنني منه ، ثمّ قال : يا بنيّ! هذا قاتل أبيك ، وأنت أَوْلى به منّا ، فاذهب فاقتله.

فخرجت به ، وما في الأرض أحدٌ إلاّ معي ، إلاّ أنّهم يطلبون إليّ فيه ، فقلت لهم : ألي قتلُه؟!

قالوا : نعم ؛ وسبوا عبيد الله.

فقلت : أفلكم أن تمنعوه؟!

قالوا : لا ؛ وسبوه.

فتركته لله ولهم ، فاحتملوني ، فوالله ما بلغت المنزل إلاّ على رؤوس الرجال وأكفّهم».

ونحوه في «كامل» ابن الأثير (١).

وليت شعري ، أهذه الأقاصيصُ الكاذبة ، والخيالاتُ المخالفة للضرورة ، ممّا يحسن أن يُسوّد بها العاقلُ شيئاً من كتابه الذي يطلب اعتماد الأجيال اللاحقة عليه؟!

وكلُّ أخبار السَّرِيّ من هذا القبيل!

وأمّا دعوى الفضل ـ تبعاً للقاضي ـ أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يطلبه للإيذاء والتعزير ..

فباطلةٌ ؛ لأنّه إذا فرض أنّ لعثمان الولاية ، وأنّ عفوهَ وحده كاف ، فليس لأحد سبيلٌ على عبيد الله ، بالتعزير وغيره ؛ إذ لم يجعل الله عليه من

__________________

(١) الكامل ٢ / ٤٦٧ ـ ٤٦٨ حوادث سنة ٢٣ هـ.

٥٣٣

الحقّ سوى القصاص ، وقد سقط بالعفو فرضاً.

وتأويله لقول أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ مع عدم مناسبته له ـ لا يجامع طلبَ أمير المؤمنين (عليه السلام) قتله بعد ولايته ، كما سبق في رواية ابن الأثير (١).

بل ولا خشية عبيد الله منه ، كما عرفت في رواية «الاستيعاب» (٢).

وأمّا قوله : «وأمثال هذه الأمور ناجزةٌ من زمان طويل ، والأصل حمله على الصحة ؛ لأنّ العلماء ...» إلى آخره ..

ففيه :

أوّلا : إنّا لسنا أوّل من طعن على عثمان بذلك ، بل طعن عليه الصحابة ، حتّى قال زياد بن لبيد الأنصاري مخاطباً لعثمان ـ كما رواه الطبريُّ وابن الأثير (٣) ـ [من الوافر] :

أبا عمرو! عبيد الله رَهْنٌ

فلا تَشْكُكْ بقتلِ الهُرمزانِ

فإنّك إنْ عفوتَ الجرمَ منه

وأسبابُ الخَطا فرَسا رهانِ

أتعفو إذ عفوتَ بغير حقّ؟!

فما لكَ بالذي تَحكي يَدانِ

وثانياً : إنّه لا محلّ للحمل على الصحّة مع اتّضاح الحال ومخالفة العفو لقواعد الشريعة ؛ ولذا أراد أميرُ المؤمنين (عليه السلام) قتله (٤).

وكان العفوُ عنه أوّلَ أمر طعن به الصحابةُ والمسلمون على عثمان (٥).

__________________

(١) تقدّم آنفاً في الصفحتين ٥٣١ ـ ٥٣٢.

(٢) تقدّمت انفاً في الصفحة ٥٣٢.

(٣) تاريخ الطبري ٢ / ٥٨٧ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٤٦٧.

(٤) انظر : الشافي ٤ / ٣٠٥ ـ ٣٠٦ ، شرح نهج البلاغة ٣ / ٦٢.

(٥) إذ إنّ ذلك كان في أوّل زمان حكومة عثمان ، وكانت الحادثة أُولى مخالفات عثمان للشريعة.

٥٣٤

براءة الصحابة من عثمان يوم الدار

قال المصنّف ـ طاب ثراه ـ (١) :

ومنها : إنّ الصحابة تبرّأوا منه ؛ فإنّهم تركوه بعد قتله ثلاثة أيّام لم يدفنوه (٢) ..

ولا أنكروا على من أجلب عليه من أهل الأمصار ، بل أسلموه ..

ولم يدافعوا عنه ، بل أعانوا عليه ..

ولم يمنعوا من حصره ، ولا من منع الماء عنه ، ولا من قتله ، مع تمكّنهم مِن ذلك كلّه (٣).

(وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال : «الله قتله ، وأنا معه» (٤) ، أي : أنا مع الله ، أحكم بما حكم به الله) (٥).

__________________

(١) نهج الحقّ : ٣٠٢.

(٢) انظر : تاريخ اليعقوبي ٢ / ٧٣ ، تاريخ الطبري ٢ / ٦٨٧ ، الاستيعاب ٣ / ١٠٤٧ ، المنتظم ٣ / ٣٠٩ ، الكامل في التاريخ ٣ / ٦٩ ـ ٧٠ ، شرح نهج البلاغة ٣ / ٦٢ الطعن الحادي عشر ، الرياض النضرة ٣ / ٧٤ ، البداية والنهاية ٧ / ١٥٣ ، تاريخ الخميس ٢ / ٢٦٥.

(٣) شرح نهج البلاغة ٣ / ٦٢ الطعن الحادي عشر.

(٤) انظر : المعجم الكبير ١ / ٨٠ ح ١١٢ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٨ / ٦٨٥ ح ٢٦ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ١ / ٣٩١ ذ ح ٥٧٤ ، تاريخ المدينة ـ لابن شبّة ـ ٤ / ١٢٥٩ و ١٢٦٠ و ١٢٦٨ ، تاريخ دمشق ٣٩ / ٤٥٧ ـ ٤٥٨ ، شرح نهج البلاغة ٢ / ١٢٨ وج ٣ / ٦٢ و ٦٤ و ٦٦ وج ٧ / ٧٤ ، مجمع الزوائد ٩ / ٩٨ ، كنز العمّال ١٣ / ٩٧ ح ٣٦٣٢٩.

(٥) ما بين القوسين ليس في «نهج الحقّ» المطبوع.

٥٣٥

وروى الواقدي ، أنّ أهل المدينة مَنعوا من الصلاة عليه ، حتّى حُمل بين المغرب والعتمة ، ولم يشهد جنازته غيرُ مروانَ وثلاثة من مواليه ، ولمّا أحسّوا بذلك رموه بالحجارة ، وذكروه بأسوأ الذِكر.

ولم يقع التمكّن من دفنه إلاّ بعد أن أنكر أمير المؤمنين (عليه السلام) المنعَ من دفنه (١).

__________________

(١) انظر : الشافي ٤ / ٣٠٦ ، شرح نهج البلاغة ٣ / ٦٤.

٥٣٦

وقال الفضل (١) :

أمّا قوله : «إنّ الصحابة تبرّأوا منه» ، فهذا أمرٌ غيرُ ثابت ؛ لأنّ أكبر الصحابة كان أمير المؤمنين ، وقد اتّفق جميع أرباب التواريخ أنّ أمير المؤمنين ـ حين حاصروا عثمان ـ بعث إليه بالحسن والحسين ومحمّد ابن الحنفيّة وأولاد جعفر شاكِين بالسلاح (٢) ، ليعينوه ، فطلبهم عثمان وأنشدهم بالله أن يرجعوا ، وقال لهم : إنّ النبيّ عهد إليّ أنّي أدخل الجنّة على بلوىً أُصيبها ، وأنا أصبرُ وأحتسب (٣) ، فارجعوا.

كما روي في «الصحاح» ، عن أبي سهلة ، قال : «قال لي عثمان يوم الدار : إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد عهد إليّ عهداً ، وأنا صابرٌ عليه» (٤).

فكيف يقال : إنّ الصحابة أسلموه إلى مَن جلب عليه مِن أهل الأمصار ، ولم يدفعوا عنه؟!

وقد ثبت أنّ أمير المؤمنين أعانه بأولاده وأفلاذ كبده ، وهذا ممّا اتّفق عليه الرواة.

ولا شكّ أنّ عثمان كان إماماً مظلوماً شهيداً ، وهو كان على الحقّ وأعداؤه على الباطل.

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن «إحقاق الحقّ» ـ : ٥٧٩ الطبعة الحجرية.

(٢) انظر : أنساب الأشراف ٦ / ١٨٥ ، البداية والنهاية ٧ / ١٤٢ و ١٤٦ ، ولم يرد فيهما ذِكر محمّد بن الحنفية ولا أولاد جعفر.

(٣) انظر : تاريخ دمشق ٣٩ / ٢٨٤ ـ ٢٩٠.

(٤) سنن الترمذي ٥ / ٥٩٠ ح ٣٧١١ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٢ ح ١١٣ ، مسند أحمد ١ / ٥٨ ، مصابيح السنة ٤ / ١٦٨ ـ ١٦٩ ح ٤٧٥٨.

٥٣٧

كما روي في «الصحاح» ، عن مرّة بن كعب ، قال : «سمعتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وذكر الفتن فقرّبها ، فمرّ رجلٌ متقنّع في ثوب ، فقال : هذا يومئذ على الحقّ ؛ فقمت إليه فإذا هو عثمان بن عفّان.

قال : فأقبلتُ عليه بوجهه فقلتُ : هذا؟!

قال : نعم» (١).

وروي في «الصحاح» ، عن ثمامة بن حزن القشيري ، قال : شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان ، فقال : أنشدكم الله والإسلام! هل تعلمون أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة ، فقال : من يشتري بئر رومة ويجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير منها في الجنّة؟

فاشتريتها من صلب مالي ، فأنتم اليوم تمنعوني أن أشرب منها حتّى أشرب من ماء البحر؟!

قالوا : اللّهمّ نعم.

قال : أنشدكم الله والإسلام! هل تعلمون أنّ المسجد ضاق بأهله ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : من يشتري بقعة فلان فيزيدها في المسجد بخير منها في الجنّة؟

فاشتريتها من صلب مالي ، فأنتم اليوم تمنعوني أن أُصلّي فيه ركعتين؟!

قالوا : اللّهمّ نعم.

__________________

(١) انظر : سنن الترمذي ٥ / ٥٨٦ ح ٣٧٠٤ ، مسند أحمد ٤ / ٢٣٥ ، مصابيح السنة ٤ / ١٦٧ ـ ١٦٨ ح ٤٧٥٥ ، كنز العمّال ١٣ / ٣٨ ح ٣٦١٩٠ و ٣٦١٩١.

٥٣٨

قال : أنشدكم الله والإسلام! هل تعلمون أنّي جهّزت جيش العسرة من مالي؟!

قالوا : اللّهمّ نعم.

قال : أنشدكم الله والإسلام! هل تعلمون أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان بثَبير (١) مكّة ومعه أبو بكر وعمر وأنا ، فتحرّك الجبلُ حتّى تساقطت حجارته بالحضيض ، فركضه برجله ، قال : أسكن ثبيرُ! فإنّما عليك نبيٌّ وصديقٌ وشهيدان؟!

قالوا : اللّهمّ نعم.

قال : الله أكبر! شَهِدوا ، وإنّي شهيدٌ وربّ الكعبة ؛ ثلاثاً» (٢).

هذا روايات «الصحاح» ..

وقد ثبت من نصوص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ عثمان شهيد (٣) ، ثمّ جاء البوّال الذي استوى قوله وبوله ، فيجعله كالكفّار ، ولا يقبل دفنه مع المسلمين ، أُفّ له وتُفّ ، والصفع على رقبته بكلّ كفّ.

وأعجب من هذا أنّه يتّهم على أمير المؤمنين ، أنّه شارك في قتل عثمان ، وقد ذكر صاحب كتاب «نهج البلاغة» في مواضع من كلامه أنّه كان يتبرّأُ من قتل عثمان غاية التبرّي (٤).

وكان أشدّ الأشياء على أمير المؤمنين أن يشركه أحدٌ في قتل عثمان ،

__________________

(١) ثَبِيرٌ : من أعظم جبال مكّة ، بينها وبين عرفة ، سُمّي ثبيراً برجل من هُذيل مات في ذلك الجبل فعُرف به ؛ انظر : معجم البلدان ٢ / ٨٥ رقم ٢٧٦٩.

(٢) انظر : سنن الترمذي ٥ / ٥٨٥ ـ ٥٨٦ ح ٣٧٠٣ ، سنن النسائي ٦ / ٢٣٥ ـ ٢٣٦ كتاب الأحباس باب وقف المساجد ، كنز العمّال ١٣ / ٧٣ ـ ٧٤ ح ٣٦٢٨٠.

(٣) انظر : كنز العمّال ١٣ / ٦٥ ح ٣٦٢٦٥ وص ٩٥ ـ ٩٦ ح ٣٦٣٢٤.

(٤) انظر : شرح نهج البلاغة ٣ / ١٦ و ٦٣.

٥٣٩

حتّى إنّه قال : «لو أنّي أعلم أنّه يذهب من صدور بني أُميّة الوهج من مشاركتي في قتل عثمان ، لحلفت لهم بين الركن والمقام خمسين حلفة أنّي ما شاركت في قتل عثمان ، ولا رضيتُ به ، ولا أمرتُ به» (١).

وهذا كان من مبالغة أمير المؤمنين في عدم مشاركته في قتل عثمان ، وهو ينسبه إلى المشاركة ، فأمير المؤمنين وسائر الأنبياء والمرسلين خصوم ذلك الرجل في ما ادّعاه.

وأمّا ما ذكر أنّه لم يصلّ عليه أحدٌ إلاّ مروان وبعض الموالي ، فإنّه كاذبٌ في هذا الكلام ؛ فإنّ كلّهم اتّفقوا على أنّ مروان جرح يوم الدار جراحةً عظيمة ، حتّى خاف انقطاع رقبته ، فهرب إلى الشام وهو مجروح (٢) ، فكيف حضر في جنازة عثمان؟!

وأما عدمُ صلاة الصحابة على عثمان ، فإنّه كان في أيّام الهرج ، وأجلاف الأمصار استولوا على المدينة ، وهم قتلوا عثمان ، وكان الصحابة يخافون منهم أن يحضروا جنازة عثمان ، حتّى إنّ أمير المؤمنين هرب منهم والتجأ إلى حائط من حوائط المدينة ، كما هو مذكور في التواريخ.

__________________

(١) انظر : أنساب الأشراف ٦ / ٢٠٠.

(٢) انظر : الكامل في التاريخ ٣ / ٦٦ ، البداية والنهاية ٧ / ١٥١ ، ولم يرد فيهما أنّه هرب إلى الشام.

٥٤٠