الشيخ محمد حسن المظفر
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ دمشق
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ دمشق
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-360-8
الصفحات: ٦٠٠
شاء الله.
فكيف يجتمع حبُّ اللهِ لقاتل عثمان ، مع القول بإمامته وظلم قاتليه؟!
وقال ابن الأثير في «كامله» ، في حوادث سنة ٣٢ (١) : «وفيها مات أبو ذرّ ، وكان قال لابنته : استشرفي هل تريْنَ أحداً؟ قالت : لا ؛ قال : فما جاءت ساعتي بعد ـ إلى أن قال : ـ إنّه سيشهدني قومٌ صالحون.
ونحوه في «تاريخ الطبري» (٢).
ثمّ قال ابنُ الأثير : «وكان الّذين شهدوه : ابن مسعود ... وعلقمة بن قيس ومالك الأشتر ، النخعيّين» ، وعَد جماعة (٣).
وروى أحمد في «مسنده» (٤) ، والحاكم في إحدى روايتيه ـ المشار إليهما ـ ، وابن عبد البرّ في «الاستيعاب» ، أنّ أبا ذرّ قال : «إنّي سمعتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لنفر أنا منهم : ليموتنَّ رجلٌ منكم بفلاة من الأرض ، يشهده عصابةٌ من المؤمنين».
ومثله في «كنز العمّال» (٥) ، عن ابن سعد ، وابن حبّان في «صحيحه» ، والضياء في «المختارة».
__________________
(١) ص ٦٥ ج ٣ [٣ / ٢٧]. منه (قدس سره).
(٢) ص ٨٠ ج ٥ [٢ / ٦٢٩ ـ ٦٣٠ حوادث سنة ٣٢ هـ]. منه (قدس سره).
(٣) الكامل في التاريخ ٣ / ٢٨.
(٤) ص ١٥٥ و ١٦٦ ج ٥. منه (قدس سره).
وانظر : المستدرك على الصحيحين ٣ / ٣٨٨ ح ٥٤٧٠ ، الاستيعاب ١ / ٢٥٤.
(٥) في فضائل أبي ذرّ ، ص ١٧٠ ج ٦ [١١ / ٦٦٨ ح ٣٣٢٣٣]. منه (قدس سره).
وانظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٤ / ١٧٦ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٨ / ٢٣٤ ح ٦٦٣٥.
وروى في «الاستيعاب» من حديث آخر ، أنّه «صلّى عليه عبد الله بن مسعود ، صادفه وهو مقبلٌ من الكوفة مع نفر فضلاء من الصحابة ، منهم : حُجر بن الأدبر ، ومالك بن الحارث الأشتر» (١).
قال ابن أبي الحديد (٢) ـ بعد نقل الحديثين المذكورين عن «الاستيعاب» ـ : «قلت : حُجر بن الأدْبَر ، [هو حُجْر بن عَدِيّ] الذي قتله معاوية ، وهو من أعلام الشيعة وعظمائها.
وأمّا الأشتر ، فهو أشهر في الشيعة من أبي الهُذَيل في المعتزلة.
قُرئ كتاب (الاستيعاب) على شيخنا عبد الوهّاب بن سُكَينة (٣) المحدِّث ـ وأنا حاضرٌ ـ ، فلمّا انتهى القارئ إلى هذا الخبر ، قال أُستاذي عمرُ بن عبد الله الدبّاس ـ وكنت أحضرُ معه سماع الحديث ـ : «لِتقُل الشيعة بعد هذا ما شاءت ، فما قال المرتضى والمفيد إلاّ بعض ما كان حُجر والأشتر يعتقدانه في عثمان ومَن تقدّمه!
فأشار الشيخ إليه بالسكوت ، فسكت» ؛ انتهى.
ومن العجب أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يشهد للأشتر ، بالإيمان والصلاح وحبّ
__________________
(١) الاستيعاب ١ / ٢٥٣.
(٢) ص ٤١٦ مجلّد ٣ [١٥ / ٩٩ ـ ١٠١]. منه (قدس سره).
(٣) هو : أبو أحمد عبد الوهّاب بن عليّ بن عليّ بن عبيد الله الأمين ، المعروف بابن سُكينة ـ وهي جدته لأبيه ـ ، الصوفي ، الشافعي ، البغدادي ، شيخ وقته في الحفظ والقراءات والرواية ، سمع الكثير ، ولقي المشايخ ، وحدّث ببغداد والحجاز والشام ، وغيرها من البلاد.
وُلد ببغداد سنة ٥١٩ هـ ، وتوفّي بها ودُفن فيها سنة ٦٠٧ هـ.
انظر : تتمة جامع الأُصول ـ لابن الأثير ـ ٢ / ٦٨٨ ، ذيل تاريخ بغداد ـ لابن النجّار ـ ١ / ٣٥٤ رقم ٢٢٠ ، سير أعلام النبلاء ٢١ / ٥٠٢ رقم ٢٦٢ ، مرآة الجنان ٤ / ١٣ ، شذرات الذهب ٥ / ٢٥.
الله له ، وكذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) ، بما ليس فوقه غاية ، وابن حجر في «الصواعق» عبّر عنه بالمارق ، عند الجواب عن الطعن على عثمان بأنّه انتهك حرمة الأشتر ، قال : «وما فعله بالأشتر معذورٌ فيه ؛ فإنّه رأسُ فتنة في زمان عثمان ، بل هو السبب في قتله ، بل جاء أنّه هو الذي باشر قتله بيده.
فأعمى الله بصائرهم ، كيف لم يذمّوا فعل هذا المارق ، وذمّوا فعل من شهد له الصادق أنّه الإمام الحقُّ ، وأنّه يُقتل مظلوماً ، وأنّه من أهل الجنّة؟!» (١) ؛ انتهى.
ولعمري ، إنّ أعمى البصيرة من لا يتبصّر في أفعال عثمان الخارجة عن قانون الشريعة ، ولا يبصر فضل الأشتر وغيره من الآمرين بالمعروف ، الناهين عن المنكر.
وأعمى البصيرة مَن لا يعرف أنّ أخبار أصحابه في فضل أوليائهم ، لا تكون حجّةً لهم على خصومهم ، وأنّ المتّفَق على رواية فضله ليس بمنزلة المختلَف فيه ، مع كثرة الأدلّة على كذب ما رواه في فضل عثمان ، وضعف رواتها.
وكيف يصفُ الأشتر بالمارق ، وهو سيف أمير المؤمنين (عليه السلام) على البغاة الّذين قاتلهم على تأويل القرآن ، وقال في حقّه : «كان لي كما كنتُ لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)» (٢)؟!
وما بال ابن حجر لم يصف عائشةَ وطلحة والزبير وابن العاص بالمروق ، وهم مثلُ الأشتر أو أعظم منه في التأليب على عثمان؟!
__________________
(١) الصواعق المحرقة : ١٧٧.
(٢) شرح نهج البلاغة ١٥ / ٩٨.
نعم ، يفترقان عند ابن حجر بأنّ مالكاً ناصرٌ للإمام الحقِّ وشيعةٌ له ، وهؤلاء محاربوه وأعداؤه ، فنِعم الحكمُ الله ، والزعيمُ محمّد ، وعند الساعة يخسرُ المبطلون.
وأما إنكار الخصم رواية حضور ابن مسعود لدفن أبي ذرّ ..
فقد ظهر لك أمره من الأخبار المتقدّمة (١) ، مضافاً إلى ما رواه الحاكم في «المستدرك» (٢) ، عن خليفة بن خياط ، قال : «مات أبو ذرّ [بالربذة] سنة ٣٢ ، وصلّى عليه عبد الله بن مسعود».
ثمّ روى الحاكم رواية أُخرى في ذلك أشرنا إليها سابقاً (٣).
وقال في «الاستيعاب» ـ مع ما نقلناه عنه سابقاً بترجمة أبي ذرّ ، بعنوان «جندب بن جنادة» ـ ، قال : «وفي خبر غيره ، أنّ ابن مسعود لمّا دُعي إليه وذُكر له بكى بكاءً طويلا» ..
ثمّ قال : «وقد قيل : إنّ ابن مسعود كان مقبلا من المدينة إلى الكوفة فَدُعي للصلاة عليه ـ إلى أن قال : ـ وكانت وفاته بالربذة سنة ٣٢ ، وصلّى عليه ابن مسعود» (٤).
وقال فى «الاستيعاب» أيضاً ، بترجمة أبي ذرّ ، في «باب الكنى» : «توفّي أبو ذرّ سنة ٣١ أو سنة ٣٢ ، وصلّى عليه ابن مسعود» (٥).
ثمّ روى عن الحَلْحَال ، قال : «خرجنا حجّاجاً مع ابن مسعود سنة
__________________
(١) راجع الصفحتين ٤٦٧ و ٤٧٤ ، من هذا الجزء.
(٢) ص ٣٤٤ ج ٣ [٣ / ٣٨٧ ح ٥٤٦٩]. منه (قدس سره).
وانظر : الطبقات ـ لابن خيّاط ـ : ٧١ رقم ١٨٨.
(٣) راجع الصفحة ٤٨٠ ، من هذا الجزء.
(٤) الاستيعاب ١ / ٢٥٣.
(٥) الاستيعاب ٤ / ١٦٥٥.
أربع وعشرين ، ونحن أربعة عشر راكباً ، حتّى انتهينا إلى الربذة ، فشهدنا أبا ذرّ ، فغسّلناه وكفنّاه ودفنّاه هناك» (١).
وروى الطبريّ في «تاريخه» (٢) ، في حوادث سنة ٣٢ ، خبرين يشتملان على حضور ابن مسعود دفن أبي ذرّ.
.. إلى غير ذلك من أخبارهم التي يطول ذِكرها (٣).
وبهذا تعلم حال هذا الخصم في نفيه وإثباته ومكابراته!
__________________
(١) الاستيعاب ٤ / ١٦٥٦.
(٢) ص ٨٠ ج ٥ [٢ / ٦٢٩]. منه (قدس سره).
(٣) راجع الصفحة ٤٧٤ هـ ٣ ، من هذا الجزء.
ضربه لعمار بن ياسر
قال المصنّف ـ رفع الله منزلته ـ (١) :
ومنها : إنّه أقدم على عمّار بن ياسر بالضرب ، حتّى حدث به فتقٌ.
وكان أحدَ مَن ظاهرَ المتظلّمين من أهل الأمصار على قتله ، وكان يقول : قتلناه كافراً.
وسبب قتله : أنّه كان في بيت المال بالمدينة سفط (٢) فيه حليٌ وجوْهَرٌ (٣) ، فأخذ منه عثمان ما حلّى به أهله ، فأظهر الناسُ الطعن عليه في ذلك ، وكلّموه بالرديء حتّى أغضبوه ، فقال : لنأخذنّ حاجتنا من هذا الفيء وإن رغمت أُنوف أقوام.
فقال أمير المؤمنين : إذاً تُمنع من ذلك ، ويُحال بينك وبينه.
فقال عمّار : أُشهد اللهَ أنّ أنفي أوّل راغم من ذلك.
فقال عثمان : أعلَيَّ يا ابن سميّة تجترئ؟! خذوه!
ودخل عثمان ، فدعا به ، وضربه حتّى غُشي عليه ، ثمّ أُخرج ، فحُمل
__________________
(١) نهج الحقّ : ٢٩٦ ـ ٢٩٨.
(٢) السّفطُ : هو الذي يُعَبّى فيه الطِّيب وما أشبهه من أدوات النساء ؛ انظر : لسان العرب ٦ / ٢٨٠ مادّة «سفط».
(٣) الجوْهَرُ : معروف ، الواحدة جوْهَرةٌ ؛ وكلّ حجر يُستخرج منه شيء يُنتفع به فهو جوْهَر.
انظر : لسان العرب ٢ / ٣٩٩ مادّة «جهر».
حتّى أُدخل بيت أُمّ سلمة ، فلم يصلِّ الظهر والعصر والمغرب ، فلمّا أفاق توضأ وصلّى ...
وكان المقداد وعمار وطلحة والزبير ، وجماعة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، كتبوا كتاباً عدّدوا فيه أحداث عثمان ، وخوّفوه ، وأعلموه أنّهم مواثبوه إن لم يُقلع ، فجاء عمّار به ، فقرأ منه صدراً.
وقال : أعلَيَّ تقدِم مِن بينهم؟!
ثمّ أمر غلمانه فمدّوا يديه ورجليه ، ثمّ ضربه عثمان على مذاكيره ، فأصابه فتقٌ ، وكان ضعيفاً كبيراً فغُشي عليه (١).
وكان عمّار يقول : ثلاثةٌ يشهدون على عثمان بالكفر وأنا الرابع ، (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأُولئك هم الكافرون) (٢) (٣).
وقيل لزيد بن أرقم : بأيّ شىء أكفرتم عثمان؟
فقال : بثلاث ؛ جعل المال دولةً بين الأغنياء ، وجعل المهاجرين من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمنزلة من حارب الله ورسوله ، وعمل بغير كتاب الله (٤).
وكان حذيفة يقول : ما في عثمان بحمد الله أشكّ ، لكنّي أشكّ في قاتله ، لا أدري أكافر قتل كافراً ، أو مؤمن (خلص إليه النية) (٥) حتّى قتله ،
__________________
(١) انظر : أنساب الأشراف ٦ / ١٦١ ـ ١٦٣ ، الإمامة والسياسة ١ / ٥١ ، شرح نهج البلاغة ٣ / ٤٩ ـ ٥٠ ، الرياض النضرة ٣ / ٨٥ ، الشافي ٤ / ٢٨٩ ـ ٢٩١.
(٢) سورة المائدة ٥ : ٤٤.
(٣) شرح نهج البلاغة ٣ / ٥٠ ـ ٥١ ، وانظر : الشافي ٤ / ٢٩١.
(٤) شرح نهج البلاغة ٣ / ٥١ ، وانظر : الشافي ٤ / ٢٩١.
(٥) كذا في الأصل ، وفي المصدر : «خاض إليه الفتنةَ».
هو أفضل المؤمنين إيماناً (١)؟!
مع أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقول : عمار جلدة ما بين العين والأنف (٢).
وقال : ما لهم ولعمّار؟! يدعوهم إلى الجنّة ويدعونه إلى النار (٣).
وقال : من عادى عمّاراً عاداه الله ، ومن أبغض عمّاراً أبغضه الله (٤).
وأيُّ ذنب صدر من عمّار ، وأيُّ كلام غليظ وقع منه استوجب به هذا الفعل؟! وقد كان الواجب إقلاع عثمان عمّا كان يؤخذ عليه فيه أو يعتذر بما يُزيل الشبهة عنه!
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ٣ / ٥١ ، وانظر : الشافي ٤ / ٢٩١ ـ ٢٩٢.
(٢) انظر : السيرة النبوية ـ لابن هشام ـ ٣ / ٢٦ ، العقد الفريد ٣ / ٣٣٧ ، الروض الأُنف ٢ / ٣٣٩ ، شرح نهج البلاغة ٣ / ٥٢.
(٣) انظر : مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٢٣ ب ٢٩ ح ٥ ، السيرة النبوية ـ لابن هشام ـ ٣ / ٢٦ ، تاريخ دمشق ٤٣ / ٤٠٢ ـ ٤٠٣ ، البداية والنهاية ٧ / ٢١٥ حوادث سنة ٣٧ ، كنز العمّال ١١ / ٧٢٤ ح ٣٣٥٤٥ و ٣٣٥٤٦.
(٤) انظر : السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٧٣ ح ٨٢٦٩ ، مسند أحمد ٤ / ٨٩ ، المعجم الكبير ٤ / ١١٣ ـ ١١٤ ح ٣٨٣٥ ، تاريخ دمشق ٤٣ / ٣٩٩ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٢٣ ح ١٠ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٤٤١ ح ٥٦٧٤ ، أُسد الغابة ٣ / ٦٢٩ ، مشكاة المصابيح ٣ / ٣٩٤ ح ٦٢٥٦ ، مجمع الزوائد ٩ / ٢٩٣ ، كنز العمّال ١١ / ٧٢٦ ح ٣٣٥٥٤.
وقال الفضل (١) :
ذكر في هذا الفصل من المزخرفات ما يشهد السماءُ والأرضُ على كذبه ، وضربُ عمّار بن ياسر ممّا لا رواية به في كتاب من الكتب.
ونحنُ نقول في جملته : أنّ هذه الأخبار وقائع عظيمةٌ يتوفّر الدواعي على نقلها وروايتها.
أترى جميع أرباب الروايات سكتوا عنه إلاّ شرذمةٌ يسيرةٌ من الروافض؟!
ولقد صدق مأمون الخليفة حيث قال : «أربعةٌ في أربعة ، الزهد في المعتزلة ، والمروّة في أصحاب الحديث ، وحبُّ الرياسة في أصحاب الرأي ، والكذب في الروافض» (٢).
وكَذِب ما ذكره بَيّنٌ!
ولِمَ لَم ينسب هذه المزخرفات ـ التي لا يجري فيها تأويل ألبتّة ـ إلى صحاحنا ، مع أنّه يدّعي أنّه يروي كلَّ شيء من صحاحنا؟!
ثمّ ما ذكر من كلام حذيفة وزيد بن أرقم في تكفير عثمان بعد قتله ، فنقول :
اتّفق جميع أرباب التواريخ ، أنّ عثمان في الليلة التي قُتل في صبيحتها ختم القرآن في الركعتين.
__________________
(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن «إحقاق الحقّ» ـ : ٥٧٢ الطبعة الحجرية.
(٢) لم نعثر على مصدر لهذا القول ، ولعلّه من تلفيقات ووضع الفضل نفسه!
فلمّا فرغ من صلاة الصبح أخذ يقرأ من المصحف ، فلمّا قتلوه وقع قطرةٌ من دمه على قوله تعالى : (فسيكفيكهمُ الله وهو السميع العليم) (١).
أترى حذيفة وزيد بن أرقم يُكفّران مَن هذه عبادته؟!
ثمّ إنّهم سمعوا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على المنبر مراراً : «ما على عثمان ما فعل بعد اليوم» (٢) ، فعُلم أنّ كلّ ما ذكره في تكفيره كذبٌ صراحٌ.
عاقبه الله بكذبه على الخلفاء!
__________________
(١) سورة البقرة ٢ : ١٣٧.
(٢) راجع الصفحة ٣٦٨ ، من هذا الجزء.
وأقول :
روى ابن قتيبة في كتاب «الإمامة والسياسة» بعنوان : «ما أنكر الناس على عثمان» : «أنّه اجتمع ناسٌ من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، كتبوا كتاباً ذكروا فيه ما خالف فيه عثمان من سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ...
إلى أن قال : وكان ممّن حضر الكتاب عمّار بن ياسر والمقداد بن الأسود ، وكانوا عشرة ... والكتاب في يد عمّار ...
إلى أن قال : فدخل عليه وعنده مروان وأهله من بني أُميّة ، فدفع له الكتاب ، فقرأه ...
إلى أن قال : قال عثمان : اضربوه!
فضربوه ، وضربه عثمان معهم ، حتّى فتقوا بطنه ، فغُشيَ عليه ، فجرّوه حتّى طرحوه على باب الدار» (١).
وذكر في «السيرة الحلبيّة» من مطاعن عثمان ، أنّه ضرب عمّاراً ، كما سبق (٢).
وأقرّ القوشجي في «شرح التجريد» بضربه له (٣) ، وأجاب بما سيأتي.
وقال في «العقد الفريد» (٤) تحت عنوان «ما نقم الناس على عثمان» :
__________________
(١) الإمامة والسياسة ١ / ٥٠ ـ ٥١.
(٢) راجع الصفحة ٤٥٢ ، من هذا الجزء.
(٣) شرح تجريد الاعتقاد : ٤٨٤.
(٤) ص ٩١ ج ٣ [٣ / ٣٠٨ ـ ٣٠٩]. منه (قدس سره).
«كتب أصحاب عثمان عيبه وما ينقم الناس عليه في صحيفة ، فقالوا : من يذهب بها إليه؟.
قال عمّار : أنا.
فذهب بها إليه ـ إلى أن قال : ـ فقام إليه فوطأه ، حتّى غُشيَ عليه».
وعدَّ ابنُ حجَر في «الصواعق» ، بآخر كلامه بخلافة عثمان ، ضرب عثمان لعمّار في ما نُقِمَ عليه ، وإن أجاب بأنّه لم يضربه وإنّما ضربه عبيده (١).
وقال في «الاستيعاب» ، بترجمة عمّار رضوان الله عليه : «كان اجتماع بني مخزوم إلى عثمان ، حين نال من عمّار غلمانُ عثمان ما نالوا من الضرب ، حتّى انفتق له فتقٌ في بطنه ، وكسروا ضلعاً من أضلاعه.
فاجتمعت بنو مخزوم وقالوا : والله لئن مات لا قتلنا به أحداً غير عثمان» (٢).
إلى غير ذلك من رواياتهم وكلماتهم ، التي أُرسل فيها ضربُ عمّار إرسال المسلّمات ، وإنْ زعم بعضُهم ـ تقليلا للطعن ـ أنّ الضارب له غلمانه خاصّة ، وترقّى بعضهم فقال : إنّه بغير إذنه (٣).
وهو باطلٌ بالضرورة ، وإلاّ لانتقم منهم لعمّار ، وقاده منهم.
بل الحقّ أنّه بأمره ومشاركته ، كما سبق في بعض ما سمعت ،
__________________
(١) الصواعق المحرقة : ١٧٧ ب ٧ ف ٣.
(٢) الاستيعاب ٣ / ١١٣٦.
(٣) انظر : الصواعق المحرقة : ١٧٧ ، شرح نهج البلاغة ٣ / ٥٠ ، الرياض النضرة ٣ / ٩٨.
وصرّحت به أخبار أُخر ذكرها في «شرح النهج» (١).
وأجاب القوشجيُّ عنه بقوله : «وضربُ عمّار كان لِما روي أنّه دخل عليه وأساء له الأدب ، وأغلظ له في القول ، ممّا لا يجوز الاجتراء بمثله على الأئمة.
وللإمام التأديب لمن أساء الأدب إليه ، وإن أفضى ذلك إلى هلاكه ، [فلا إثم عليه] ؛ لأنّه وقع من ضرورةِ فعلِ ما هو جائز له.
كيف؟! وأنّ ما ذكره لازمٌ على الشيعة ، حيث رووا أنّ عليا قتل أكثر الصحابة في حربه ، فإذا جاز القتلُ لمفسدة ، جاز التأديب بالطريق الأَوْلى» (٢).
وفيه :
إنّ التأديب إنّما يجوز إذا كانت الإساءة بغير حقّ.
وأما الإساءة التي أوجبها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا يجوز التأديب لأجلها ، وإلاّ لَما جاز معارضة الملوك بكلِّ منكَر فعلوه ؛ وهو كما ترى.
على أنّه لا إساءة من عمّار إلاّ كونه رسولا من جماعة من أكابر الصحابة عدّوا على عثمان أحداثه.
فإن كانت واقعة ، كان الواجب على عثمان الإقلاع عنها ، وإلاّ لزمه الاعتذار منها ، لا أنّه يصنع معه صنيع الجبّارين المتهوّرين ، حتّى أنكر عليه
__________________
(١) ص ٢٣٨ مجلّد ١ [٣ / ٤٩ ـ ٥٠]. منه (قدس سره).
وانظر : الشافي ٤ / ٢٨٩ ـ ٢٩١.
(٢) شرح تجريد الاعتقاد : ٤٨٥.
الصحابة ولم يعذروه.
وإنّما عذره مَن جاؤوا بعد حين ـ كالقوشجي وأشباهه ـ زاعمين ضلال مَن أنكروا عليه ، ومنهم الصحابة!
ولا يقاس بقتل أمير المؤمنين (عليه السلام) للصحابة ؛ لأنّهم من البغاة الخارجين على إمام زمانهم.
مع أنّ رسول الله قد عهد إليه أن يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين (١).
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله» (٢) يعني عليا (عليه السلام).
__________________
(١) انظر : مسند البزّار ٢ / ٢١٥ ح ٦٠٤ وج ٣ / ٢٦ ـ ٢٧ ح ٧٧٤ ، مسند أبي يعلى ١ / ٣٩٧ ح ٥١٩ ، المعجم الكبير ١٠ / ٩١ ـ ٩٢ ح ١٠٠٥٣ و ١٠٠٥٤ ، المعجم الأوسط ٨ / ٢٥٣ ـ ٢٥٤ ح ٨٤٣٣ وج ٩ / ٢٧٥ ـ ٢٧٦ ح ٩٤٣٤ ، المعيار والموازنة : ٣٧ ، السنة ـ لابن أبي عاصم ـ : ٤٢٥ ح ٩٠٧ ، مسند الشاشي ١ / ٣٤٢ ح ٣٢٢ ، الكامل ـ لابن عديّ ـ ٢ / ١٨٨ بترجمة الحارث بن حصيرة الأزدي الكوفي ، العلل الواردة في الأحاديث ـ للدارقطني ـ ٥ / ١٤٨ رقم ٧٨٠ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٥٠ ح ٤٦٧٤ و ٤٦٧٥ ، الاستيعاب ٣ / ١١١٧ ، موضّح أوهام الجمع والتفريق ١ / ٣٩٣ بترجمة إبراهيم بن هراسة الكوفي ، تاريخ بغداد ٨ / ٣٤٠ ـ ٣٤١ وج ١٣ / ١٨٧ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٠ / ١٢٤ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٤٦٨ ـ ٤٧٣.
(٢) انظر : السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ١٥٤ ح ٨٥٤١ ، مسند أحمد ٣ / ٣١ و ٣٣ و ٨٢ ، مسند أبي يعلى ٢ / ٣٤١ ح ١٠٨٦ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٤٩٧ ـ ٤٩٨ ب ١٨ ح ١٩ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩ / ٤٦ ح ٦٨٩٨ ، الكامل ـ لابن عديّ ـ ٣ / ٣٣٧ بترجمة سلمة بن تمّام الشقري وج ٧ / ٢٠٩ بترجمة يحيى بن عبد الملك ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٢ ح ٤٦٢١ ، حلية الأولياء ١ / ٦٧ ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٦ / ٤٣٥ و ٤٣٦ ، فردوس الأخبار ١ / ٤٤ ح ١١٨ ، شرح السنة ـ للبغوي ـ ٦ / ١٦٧ ح ٢٥٥٧ ، تاريخ دمشق ٤٢ / ٤٥١ ـ ٤٥٥ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٣٣.
فكيف يقاس به عثمان إذ ضرب عمّاراً ؛ لنهيه له عن المنكر بأمر أجلاّء الصحابة؟! ..
وقد ورد في حقه عند أهل السنة ، أنّه قد أجاره الله من الشيطان ، وأنّه مُلِئ إيماناً إلى مُشاشه (١) ، وأنّه ما خُيّر بين أمرين إلاّ اختار أرشدهما ؛ إلى غير ذلك من فضائله ..
فقد روى البخاري (٢) ، عن أبي الدرداء : «أنّ عمّاراً أجاره الله على لسان رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الشيطان».
ورواه الحاكم ـ أيضاً ـ في «المستدرك» ، في مناقب عمّار (٣) ، وصحّحه هو والذهبي.
وروى الحاكم ـ أيضاً ـ ، أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : «مُلِئ عمار إيماناً إلى مُشاشه» (٤) ، وصحّحه مع الذهبي على شرط الشيخين.
__________________
(١) المُشاش : هي رؤوس العظام الليّنة التي يمكن مضغها ، وقيل : كلّ عظم لا مخّ فيه ، أو رؤوس العظام مثل الركبتين والمرفقين والمنكبين.
انظر : لسان العرب ١٣ / ١١٣ مادّة «مشش».
(٢) في باب صفة إبليس وجنوده من كتاب بدء الخلق [٤ / ٢٥٣ ـ ٢٥٤ ح ٩٤ و ٩٥] ، وفي باب مَن أُلقي له وسادة من كتاب الاستئذان [٨ / ١١٢ ح ٥١]. منه (قدس سره).
وانظر : صحيح البخاري ٥ / ٩٩ ح ٢٣١ باب مناقب عمّار وحذيفة من كتاب المناقب ، سنن الترمذي ٥ / ٦٣٣ ح ٣٨١١ ، مسند أحمد ٦ / ٤٤٩ و ٤٥١.
(٣) ص ٣٩٢ ج ٣ [٣ / ٤٤٣ ح ٥٦٧٩]. منه (قدس سره).
(٤) المستدرك على الصحيحين ٣ / ٤٤٣ ح ٥٦٨٠ ؛ وانظر : سنن ابن ماجة ١ / ٥٢ ح ١٤٧ ، سنن النسائي ٨ / ١١١ ، مسند البزّار ٢ / ٣١٣ ـ ٣١٤ ح ٧٤١ ، مسند أبي يعلى ١ / ٣٢٤ ـ ٣٢٥ ح ٤٠٤ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٢٢ ـ ٥٢٤ ب ٢٩ ح ٢ و ٩ و ١٣ ، تهذيب الآثار ٤ / ١٥٧ ح ٢٥٨ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان
وروى ـ أيضاً ـ ، عن ابن مسعود ، أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : «ما عُرض عليه أمران قطُّ إلاّ أخذ بالأرشد منهما» (١).
وعن عائشة ، أنّه قال : «ما خُيّر عمّارُ بين أمرين إلاّ اختار أرشدهما» (٢).
ومثل الأخير في مناقب عمّار من «جامع الترمذي» (٣) ، وفي «مسند أحمد» (٤).
ونقله باللفظين في «كنز العمّال» ، عن أحمد في «مسنده» ، عن ابن مسعود (٥).
وروى الحاكم ـ أيضاً ـ ، عن عليّ (عليه السلام) ، أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعمّار : مرحباً بالطيّب المطيَّب (٦).
__________________
٩ / ١٠٤ ـ ١٠٥ ح ٧٠٣٥ ، حلية الأولياء ١ / ١٣٩ ، الاستيعاب ٣ / ١١٣٧ ، تاريخ دمشق ٤٣ / ٣٩١ ـ ٣٩٣.
(١) المستدرك على الصحيحين ٣ / ٤٣٨ ح ٥٦٦٤ ؛ وانظر : سنن ابن ماجة ١ / ٥٢ ح ١٤٨ ، تاريخ دمشق ٤٣ / ٤٠٤ ـ ٤٠٧.
(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ / ٤٣٨ ح ٥٦٦٥ ؛ وانظر : السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٧٥ ح ٨٢٧٦ ، تاريخ بغداد ١١ / ٢٨٨ رقم ٦٠٥٥ ، مصابيح السنة ٤ / ٢٢٠ ح ٤٨٩٥ ،.
(٣) سنن الترمذي ٥ / ٦٢٧ ح ٣٧٩٩ وفيه : «أشدّهما» بدل «أرشدهما» ؛ وهو تصحيف.
(٤) ص ١١٣ ج ٦. منه (قدس سره).
(٥) كنز العمال ١١ / ٧٢٣ ح ٣٣٥٣٥ و ٣٣٥٣٦ ، وانظر : مسند أحمد ١ / ٣٨٩ و ٤٤٥.
(٦) المستدرك على الصحيحين ٣ / ٤٣٧ ح ٥٦٦٢ ؛ وانظر : سنن الترمذي ٥ / ٦٢٦ ح ٣٧٩٨ ، سنن ابن ماجة ١ / ٥٢ ح ١٤٦ ، مسند أحمد ١ / ١٠٠ و ١٢٣ و ١٢٥ ـ ١٢٦ و ١٣٠ و ١٣٨ ، مسند البزّار ٢ / ٣١٢ ـ ٣١٤ ح ٧٣٩ ـ ٧٤١ ، مسند أبي يعلى
وروى ـ أيضاً ـ ، عن خالد بن الوليد ، أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : «مَن يسب عمّاراً يسبه الله ، ومَن يعادِ عمّاراً يعاده الله» (١).
وفي رواية أُخرى له ، عن خالد ، أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : «مَن يسابّ عمّاراً يسبّه الله ، ومَن يعاد عمّاراً يعاده الله ، ومَن يحقّر عمّاراً يحقّره الله» (٢).
وفي رواية أُخرى له عنه ، أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : «مَن يسبّ عمّاراً يسبّه الله ، ومَن يبغض عمّاراً يبغضه الله ، ومَن يسفّه عمّاراً يسفّهه الله» (٣).
.. إلى نحو ذلك ممّا رواه الحاكم ، من طرق صحّحها هو والذهبيُّ (٤).
__________________
١ / ٣٢٤ ـ ٣٢٥ ح ٤٠٣ و ٤٠٤ وص ٣٨١ ـ ٣٨٢ ح ٤٩٢ و ٤٩٣ ، المعجم الأوسط ٥ / ١٩٠ ح ٤٧٩٤ ، المعجم الصغير ١ / ٨٧ ، مسند الطيالسي : ١٨ ح ١١٧ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ / ٥٢٢ ب ٢٩ ح ١ ، التاريخ الكبير ـ للبخاري ـ ٨ / ٢٢٩ رقم ٢٨٢١ ، تهذيب الآثار ٤ / ١٥٥ ـ ١٥٦ ح ١٤ ـ ١٧ وصحّحه ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبّان ٩ / ١٠٤ ح ٧٠٣٤ ، العلل الواردة في الأحاديث ـ للدارقطني ـ ٤ / ١٥٠ سؤال رقم ٤٧٩ ، حلية الأولياء ١ / ١٤٠ وج ٧ / ١٣٥ ، الاستيعاب ٣ / ١١٣٨ ، تاريخ بغداد ١ / ١٥١ وج ٦ / ١٥٥ رقم ٣١٩٧ وج ١٣ / ٣١٥ رقم ٧٢٨٧ ، مصابيح السنة ٤ / ٢٢٠ ح ٤٨٩٤ ، تاريخ دمشق ٤٣ / ٣٨٦ ـ ٣٩١.
(١) المستدرك على الصحيحين ٣ / ٤٣٩ ح ٥٦٦٧ ؛ وانظر : السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٧٤ ح ٨٢٧٠.
(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ / ٤٤٠ ـ ٤٤١ ح ٥٦٧٣.
(٣) المستدرك على الصحيحين ٣ / ٤٣٩ ـ ٤٤٠ ح ٥٦٧٠ ؛ وانظر : السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٥ / ٧٤ ح ٨٢٧٢ ، المعجم الكبير ٤ / ١١٢ ـ ١١٣ ح ٣٨٣٠ ـ ٣٨٣٤ ، المعجم الأوسط ٥ / ١٩٠ ح ٤٧٩٦.
(٤) انظر : المستدرك على الصحيحين ٣ / ٤٣٧ ـ ٤٤٥ ح ٥٦٦١ ـ ٥٦٨٧.
وروى أكثرها في «الاستيعاب» بترجمة عمّار (١) ، وزاد أنّه نزل فيه : (أَوَمَن كان ميْتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس) (٢) (٣).
وأنّه أحد من اشتاقت إليهم الجنّة (٤) ، كما رواه الحاكم ـ أيضاً ـ في مناقب عليّ (عليه السلام) (٥).
ونقل في «كنز العمّال» (٦) ، عن ابن مسعود : «إذا اختلف الناس كان ابن سُميّة على (٧) الحقِّ».
وعن ابن عساكر ، عنه : «عمّارُ يزول مع الحقّ حيثُ يزول» (٨).
ونقل ـ أيضاً ـ ، عن عليّ (عليه السلام) : «عمّار خُلِطَ الإيمانُ بلحمه ودمه ، يزول مع الحقِّ حيثُ زال» (٩).
وأخبار فضائله كثيرةٌ عند السنة ، فهل ترى أن الطيّب المطيّب ، الذي أجاره الله تعالى من الشيطان ، ولا يختار إلاّ الأرشد ، ويزول مع الحقِّ حيث زال ، وجعل الله له نوراً يمشي به في الناس ، يقول في عثمان ما ليس
__________________
(١) انظر : الاستيعاب ٣ / ١١٣٥ ـ ١١٤١ رقم ١٨٦٣.
(٢) سورة الأنعام ٦ : ١٢٢.
(٣) الاستيعاب ٣ / ١١٣٧.
(٤) الاستيعاب ٣ / ١١٣٨.
(٥) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٤٨ ح ٤٦٦٦ ، وانظر : سنن الترمذي ٥ / ٦٢٦ ح ٣٧٩٧ ، المعجم الكبير ٦ / ٢١٥ ح ٦٠٤٥.
(٦) ص ١٨٤ ج ٦ [١١ / ٧٢١ ح ٣٣٥٢٥]. منه (قدس سره).
وانظر : المعجم الكبير ١٠ / ٩٥ ـ ٩٦ ح ١٠٠٧١ و ١٠٠٧٢ ، دلائل النبوّة ـ للبيهقي ـ ٦ / ٤٢٢ ، تاريخ دمشق ٤٣ / ٤٠٤ و ٤٠٦.
(٧) كذا في الأصل ، وفي المصادر : «مع».
(٨) كنز العمّال ١١ / ٧٢١ ح ٣٣٥٢٦ ، وانظر : تاريخ دمشق ٤٣ / ٤٠٦.
(٩) كنز العمّال ١١ / ٧٢٠ ح ٣٣٥٢٠ ، وانظر : تاريخ دمشق ٤٣ / ٣٩٣.
بحقّ ، ويأتي إليه ما لا يرضاه الله تعالى ، حتّى يستحقّ به من عثمان ذلك الفعل الشنيع؟!
وهل ترى أنّ الله سبحانه إذا سب من سب عمّاراً ، وعادى من عاداه ، وحقّر من حقّره ، كيف يفعل بمن فعل به تلك الأفعال الفظيعة لمجرّد أنّه نهاه عن إحداثه ، وأراد منه أن يتّبع سبيلَ الرشاد؟!
ولو أعرضنا عن هذا كلّه ، وسوّغنا لعثمان تأديب عمّار وتعزيره ، فقد سبق في مآخذ عمر أنّه لا عقوبة فوق عشر ضربات في غير حدّ من حدود الله تعالى (١) ، فكيف جاز لعثمان كسر ضلع عمّار ، وفتق بطنه ، وضربه الضرب المبرِّح؟!
ولا أقّل من إغضائه على هذا العمل الوحشي الخاسر ..
وليس هو بأعظم من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقد سمع نسبة الهجر إليه بأُذنيه (٢) ، وقيل له : اعدل (٣)! فلم ينتصف لنفسه.
ولا أعظم من أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وقد سمع من الخوارج الكلمات القارصة (٤) ، فأغضى عنها.
وأما ما حكاه الخصمُ عن المأمون ـ ولا أظنُّ الخصم صادقاً في النقل ـ ، ففيه :
__________________
(١) راجع الصفحتين ٣٩٧ ـ ٣٩٨ ، من هذا الجزء.
(٢) قد تقدّم تخريجه في ج ٤ / ٩٣ هـ ٢ من هذا الكتاب ؛ وراجع تفصيل ذلك في الصفحة ١٨٣ وما بعدها من هذا الجزء.
(٣) القائل هو : ذو الخويصرة رأس الخوارج عند توزيع غنائم حنين ؛ انظر : صحيح البخاري ٤ / ٢٠٤ ح ٥٧ ، صحيح مسلم ٣ / ١٠٩ ـ ١١٢.
(٤) كاتهامه بالكفر ، وأنّه حكّم الرجال ، ومطالبته بالتوبة ؛ انظر مثلا : تاريخ الطبري ٣ / ١٠٩ وما بعدها.
إنّ المأمون إن لم يكن من الشيعة ، فلا عبرة بتكذيبه لهم ؛ لأنّ قول العدوّ بعدوّه غيرُ مقبول من دون حجة.
وإن كان منهم ، فالرواية عنه كاذبةٌ ؛ إذ يمتنع أن يكذب الشخصُ في نقص أهل مذهبه من دون ضرورة.
نعم ، إذا أراد المأمون بالروافض من رفض الحقّ ، وهم السنة ، كان صواباً ؛ فإنّ الموضوعاتِ جلُّ أخبارِهم ، والكذبةَ أكثرُ رواتِهم ، كما عرفته في مقدّمة الكتاب من أحوال خير رجالهم ، وهم رجال صحاحهم الستّة (١).
وقد قالوا : «إنّ الحديث الصادق في الحديث الكاذب ، كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود» (٢).
ويكفيك في معرفة كذبهم ، مشاهدة كذبات هذا الرجل سابقاً ولاحقاً وفعلا.
وقد اتّضح ممّا ذكرناه في جميع المباحث ، أنّ المصنّف (رحمه الله) إنّما ينقل مثالب أئمتهم من كتبهم ، فإن كان المنقول كذباً فهو منهم وعليهم ، وإن كان صدقاً ، ثبت المطلوب!
ومجرّد كونه لا يقبل التأويل لا يقتضي كذبه ، بل هو ألزم لهم وأَوْلى بتقريعهم!
ثمّ إنّ المصنّف (رحمه الله) لم يدّع أنّه لا ينقل إلاّ عن صحاحهم ، حتّى يطالبه الخصم به.
__________________
(١) راجع : ج ١ / ٤١ ـ ٢٨٦ ، من هذا الكتاب.
(٢) انظر : شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ٩ / ١٠٥.