دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٧

الشيخ محمد حسن المظفر

دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمد حسن المظفر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ دمشق
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ دمشق
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-360-8
الصفحات: ٦٠٠

دينار بن دينار إليه فأخرجه من الحبس ، فأرسل الوليد إلى دينار فقتله (١).

وكان الوليد ينادم أبا زُبيد الطائي النصراني ، حتّى كان يمرّ إليه في المسجد الشريف ويسمُر عنده ويشرب معه الخمر ، ويرجع ويشُقّ المسجدَ سكران (٢).

وشرب الوليد مرّة الخمرَ وصلّى بالناس الصبح أربع ركعات ، فقال : أزيدكم؟ وتقيا في المحراب بعد أن قرأ في الصبح رافعاً صوته [من مجزوء الرَّمل] :

علِق القلبُ الرَّبابا

بعدما شابَتْ وشابا (٣)

فخرج رهطٌ من الكوفة إلى عثمان شاكين ، فأراد أن ينكّل بهم ، فاستجاروا بعائشة ، فرفعت نعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقالت : تركَ سنة صاحب هذا النعل!

فتسامع الناسُ واختلفوا وتضاربوا بالنعال.

ودخل رهطٌ من الصحابة على عثمان ، فقالوا له : اتّق الله ولا تُعطّل الحدود ، واعزل أخاك عنهم! ففعل (٤).

انتهى ملخّصاً.

وكيف يقال : إنّ عثمان يعزل من يظهرُ منه شيءٌ وهو لم يبال باتّضاح فسقهم لكلّ أحد ، وقد تحمّل الإهانة والسبّ ثمّ القتل في سبيل إمرتهم؟!

روى الطبريُّ في «تاريخه» (٥) ، أنّ «عثمان مرّ على جبلة بن عمرو

__________________

(١) انظر : شرح نهج البلاغة ١٧ / ٢٤٠ و ٢٤١ ، الأغاني ٥ / ١٥٥ ـ ١٥٦.

(٢) انظر : شرح نهج البلاغة ١٧ / ٢٣٥ ـ ٢٣٦ ، الأغاني ٥ / ١٤٨.

(٣) انظر : شرح نهج البلاغة ١٧ / ٢٣٠ ، الأغاني ٥ / ١٣٩.

(٤) انظر : شرح نهج البلاغة ١٧ / ٢٣٢ ـ ٢٣٣ ، الأغاني ٥ / ١٤٣.

(٥) ص ١١٤ ج ٥ [٢ / ٦٦١ حوادث سنة ٣٥ هـ]. منه (قدس سره).

٤٢١

الساعدي (١) وهو جالسٌ في نَدِيِّ (٢) قومِه وفي يد جبلة جامعةٌ ، فلمّا مرّ عثمانُ سلّم ، فردّ القومُ ، فقال جبلة : لم تردّون على رجل فعل كذا وكذا؟!

ثمّ أقبل على عثمان ، فقال : والله لأطرحنّ هذه الجامعة في عنقك أو لتتركنّ بطانتك هذه!

قال عثمان : أيُّ بطانة؟! فوالله إنّي لأَتخيّر (٣) الناس.

فقال : مروان تخيّرتَه ، ومعاوية تخيّرتَه ، وعبد الله بن عامر تخيّرتَه ، وعبد الله بن سعد تخيّرتَه ؛ منهم من نزل القرآن بذمّه ، وأباح رسول الله دمه.

فانصرف عثمان ، فما زال الناسُ مجترئين عليه إلى هذا اليوم».

وروى أيضاً (٤) حديثاً طويلا ، قيل لعثمان في آخره : «اعزل عنّا عمّالك الفسّاق ... واردد علينا مظالمنا!

قال عثمان : ما أراني في شيء إن كنتُ أستعمل من هويتم ، وأعزل من كرهتم».

وسيأتي أيضاً في المقام ما يدلّ على المطلوب.

__________________

(١) هو : جبلة بن عمرو الأنصاري الساعدي ، يقال : هو أخو أبي مسعود البدري ، كان فاضلا من فقهاء الصحابة ، وشهد صِفّين مع الإمام عليّ (عليه السلام) ، وسكن مصر.

انظر : الاستيعاب ١ / ٢٣٥ رقم ٣١٧ ، الإصابة ١ / ٤٥٧ رقم ١٠٨٢ ، التاريخ الكبير ـ للبخاري ـ ٢ / ٢١٨ رقم ٢٢٥٢.

(٢) النَّديُّ والنادي ـ والجمع : الأندية ـ : مجتمعُ القوم وأهل المجلس ، ولا يسمّى نادياً حتّى يكون أهله فيه ، فهو المجلس ما داموا مجتمعين فيه ، فإذا تفرّقوا فليس بِنَديّ ، وقيل : هو مجلس القوم نهاراً.

انظر : لسان العرب ١٤ / ٩٨ مادّة «ندي».

(٣) كان في الأصل : «لا أتخيّر» ، وهو تصحيف ما أثبتناه في المتن من المصدر.

(٤) ص ١١٦ ج ٥ [٢ / ٦٦٤ حوادث سنة ٣٥ هـ]. منه (قدس سره).

٤٢٢

وأمّا قوله : «ولا طعن في الإمام إذا نصب من رآه عدلا أهلا للإمارة ...» إلى آخره ..

فصحيحٌ ، لكن لا يصحُّ في أكثر ولاة عثمان!

ليت شعري ، كيف كان الوليد عدلا عند عثمان وقد شهد الله سبحانه في كتابه العزيز بفسقه مرّتين (١)؟!

وكان من أشهر الناس في الفسق ، وأوضحهم حالا في سوء الأعمال ، حتّى قال له سعد بن أبي وقّاص لمّا عزله عثمان بالوليد : ما أدري ، أصَلَحتَ بعدنا أم فسدنا بعدك؟! كما في «شرح النهج» عن «الأغاني» (٢).

وذكر أيضاً أنّه قال له في رواية : ما أدري ، كِستَ (٣) بعدنا أم حَمُقْنا بعدك؟!

فقال : لا تجزعنّ! فإنّه المُلكُ ، يتغدّاه قومٌ ويتعشّاه آخرون.

فقال سعدٌ : أراكم والله ستجعلونه مُلكاً (٤).

ومثله في «الاستيعاب» بترجمة الوليد (٥) ، وفي «كامل» ابن الأثير (٦).

وقال له ابن مسعود ـ كما في هذين الكتابين ـ : ما أدري ، أصَلَحتَ بعدنا أم فسد الناس (٧)؟!

__________________

(١) راجع ما تقدّم في الصفحتين ٤١٠ و ٤١١ ، من هذا الجزء.

(٢) انظر : شرح نهج البلاغة ١٧ / ٢٢٨ ، الأغاني ٥ / ١٣٦.

(٣) الكَيس : الخِفّة والتوقد في الذهن والعقل والفطنة ، وهو خلاف الحُمْق.

انظر مادّة «كيس» في : لسان العرب ١٢ / ٢٠١ ، تاج العروس ٨ / ٤٥٣ ـ ٤٥٤.

(٤) انظر : شرح نهج البلاغة ١٧ / ٢٢٩ ، الأغاني ٥ / ١٣٧.

(٥) الاستيعاب ٤ / ١٥٥٤.

(٦) ص ٤٠ ج ٣ [٢ / ٤٧٧ حوادث سنة ٢٥ هـ]. منه (قدس سره).

(٧) الاستيعاب ٤ / ١٥٥٤ ، الكامل في التاريخ ٢ / ٤٧٧.

٤٢٣

وقال في «الاستيعاب» بترجمته أيضاً : «وله أخبارٌ فيها نكارةٌ وشناعةٌ تقطع على سوء حاله وقبح أفعاله».

وقال أيضاً : «أخباره في شرب الخمر ، ومنادمته أبا زبيد الطائي ، مشهورةٌ».

وقال : «خبرُ صلاته بهم وهو سكران ، وقوله : أزيدكم؟! بعد أن صلّى الصبح أربعاً ، مشهورٌ من رواية الثقات من نقلة أهل الحديث وأهل الأخبار».

ثمّ قال : «وقد روي في ما ذَكر الطبري : أنّه تعصّب عليه قومٌ من أهل الكوفة بغياً وحسداً ، وشهدوا عليه زوراً أنّه تقيا الخمر ؛ وذكر القصّة وفيها : إنّ عثمان قال له : يا أخي اصبر! فإنّ الله يؤجرك ويبوء القوم بإثمك (١).

وهذا الخبرُ من نقل أهل الأخبار ، لا يصحّ عند أهل الحديث ، ولا له عند أهل العلم أصلٌ» (٢).

وأنت إذا تلوْتَ تراجم عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح ، وسعيد بن العاص ، وعبد الله بن عامر ، وأمثالهم من ولاة عثمان ، عرفت أنّهم ليسوا بأقلّ ظهوراً في الفسق ، والطيش ، وعدم الخبرة بالولاية والسياسة ، من الوليد ؛ فكيف يزعم الخصم أنّ عثمان رآهم عدولا وأهلا للإمارة فنصبهم؟!

وأمّا ما نقله عن «الصحاح» ، من عزله الوليد عن الإمرة بعدما شرب الخمر ، فلم أجده فيها بعد التتبّع ، ولعلّه استفاد عزله من أمره بأن يجلد

__________________

(١) انظر : تاريخ الطبري ٢ / ٦١١ حوادث سنة ٣٠ هـ.

(٢) الاستيعاب ٤ / ١٥٥٤ ـ ١٥٥٦.

٤٢٤

الحدّ ، كما رواه البخاري (١) ، عن عروة بن الزبير : «أنّ عبيد الله بن عَدِيّ أخبره أنّ المِسْوَر بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث قالا له : ما يمنعك أن تكلّم خالك عثمان في أخيه الوليد بن عقبة؟! وكان أكثرَ الناسُ في ما فعل به.

قال عبيد الله : فانتصبت لعثمان حين خرج إلى الصلاة ، فقلت له : إنّ لي إليك حاجةً ، وهي نصيحةٌ.

فقال : أيّها المرءُ! أعوذ بالله منك.

فانصرفت ، فلمّا قُضِيَتِ [الصلاةُ] جلستُ إلى المِسْوَر ، وإلى ابن عبد يغوث ، فحدّثتهما بالذي قلتُ لعثمان وقال لي ، فقالا : قد قضيتَ الذي كان عليك.

فبينما أنا جالسٌ معهما إذ جاءني رسول عثمان ، فقالا لي : قد ابتلاك الله! فانطلقت حتّى دخلتُ عليه ، فقال : ما نصيحتك؟ ...

قال : فتشهّدت ، ثمّ قلت : إنّ الله بعث محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنزل عليه الكتاب ، وكنتَ ممّن استجاب لله ورسوله ، وآمنتَ به ، وهاجرتَ الهجرتين ، وصحبتَ رسول الله ، ورأيتَ هديه ، وقد أكثرَ الناسُ في شأن الوليد ، فحقٌّ عليك أن تقيم عليه الحدّ ...

إلى أن قال : فأمّا ما ذكرتَ من شأن الوليد ، فسنأخذ فيه بالحقِّ إن شاء الله.

فجلدَ الوليدَ أربعين جلدةً».

وهذا الحديث شاهدٌ بأنّ عثمان عطّل حدَّ الله في الوليد ، إلى أن أكثرَ

__________________

(١) في أواخر الجزء الثاني ، في باب هجرة الحبشة [٥ / ١٤٠ ح ٣٥٥] ، وروى نحوه أيضاً في مناقب عثمان [٥ / ٨١ ح ١٩٢]. منه (قدس سره).

٤٢٥

الناسُ عليه الإنكار ، وخاف عاقبة أمره.

وغيره من الأحاديث صريحٌ في ذلك (١).

كما إنّ هذا الحديث دليلٌ على صحّة إنكار ابن عبد البرّ في «الاستيعاب» على ما ذكره الطبريُّ ، وقد عرفتَه (٢).

ثمّ إنّ المصنّف (رحمه الله) نقل في طيّ كلامه ، أنّ سعيد بن العاص قال : «إنّما السواد بستانٌ لقريش» ، وهو قد رواه القومُ ..

منهم : ابن عبد البرّ في «الاستيعاب» ، بترجمة سعيد (٣) ..

ومنهم : الطبريُّ في «تأريخه» (٤) ..

وابن الأثير في «كامله» (٥).

وقد تعرّض المصنّف (رحمه الله) أيضاً لولاية ابن أبي سرح ـ وهو أخو عثمان من الرضاعة ـ ، وطلب المصريّين عزله مجملا (٦).

ولنذكر بعض تفاصيله ، وإنكار المسلمين تأميره ..

قال ابن الأثير في «الكامل» (٧) : «فكان أوّل ما تكلّم به محمّد بن أبي حذيفة ومحمّد بن أبي بكر ، في أمر عثمان ، في هذه الغزوة ، وأظهرا

__________________

(١) انظر أخبار الوليد ـ مثلا ـ في : أنساب الأشراف ٦ / ١٣٨ ـ ١٤٦ ، تاريخ الطبري ٢ / ٦٠٨ ـ ٦١١ حوادث سنة ٣٠ هـ ، الأغاني ٥ / ١٣٤ ـ ١٥٩ ، تاريخ دمشق ٦٣ / ٢١٨ رقم ٨٠٣٣ ، شرح نهج البلاغة ٣ / ١٩ ـ ٢٠.

(٢) راجع ما مرّ آنفاً في الصفحة ٤٢٤.

(٣) لم نجده في نسخة «الاستيعاب» التي بين أيدينا ؛ وقد تقدّم تخريج ذلك مفصلا في الصفحة ٤١٢ هـ ٢ ، من هذا الجزء ؛ فراجع!

(٤) ص ٨٨ ج ٥ [٢ / ٦٣٧ حوادث سنة ٣٣ هـ]. منه (قدس سره).

(٥) ص ٦٧ ج ٣ [٣ / ٣١ حوادث سنة ٣٣ هـ]. منه (قدس سره).

(٦) راجع ما تقدّم من ترجمته في الصفحة ٤١٣ هـ ٢ ، من هذا الجزء.

(٧) ص ٥٧ ج ٣ ، في حوادث سنة ٣١ [٣ / ١٤]. منه (قدس سره).

٤٢٦

عيبه وما غيّر وما خالف به أبا بكر وعمر ، ويقولان : استعملَ عبد الله بن سعد رجلا كان رسول الله قد أباح دمه ، ونزل القرآن بكفره ، وأخرج رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قوماً [و] (١) أدخلهم ، ونزع أصحابَ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، واستعمل سعيدَ بن العاص وابنَ عامر».

ومثله في «تاريخ الطبري» (٢).

وقال في «العقد الفريد» (٣) : «كان كثيراً ما يولّي بني أُميّة ممّن لم يكن له من رسول الله صحبة ، وكان يجيء من أُمرائه ما ينكره أصحاب محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فكان يُستعتبُ فيهم فلم يعزلهم.

فلمّا كان في الحِجج الآخرة استأثر ببني عمّه فولاّهم ... وولّى عبد الله بن أبي سرح مصر ، فمكث عليها سنين ، فجاء أهلُ مصر يشكونه ويتظلّمون منه ـ إلى أن قال : ـ فكتب إليه عثمان يتهدّده ، فأبى ابنُ أبي سرح أن يقبل ما نهاه عنه عثمان ، وضرب رجلا ممّن أتى عثمانَ ، فقتله.

فخرج من أهل مصر سبعمئة رجل إلى المدينة ، فنزلوا المسجد ، وشكوا إلى أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما صنع ابن أبي سرح ..

فقام طلحة بن عبيد الله فكلّم عثمان بكلام شديد ..

وأرسلت إليه عائشة : قد تقدّمَتْ إليك أصحابُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسألوك عزل هذا الرجل فأبيتَ أن تعزله ، فهذا قد قتل منهم رجلا فأنصِفهم مِن عاملك.

__________________

(١) أثبتناه من «تاريخ الطبري».

(٢) ص ٧١ ج ٥ [٢ / ٦٢٠ حوادث سنة ٣١]. منه (قدس سره).

(٣) ص ٧٩ ج ٣ [٣ / ٢٩٤ ـ ٢٩٥]. منه (قدس سره).

٤٢٧

ودخل عليه عليٌّ ـ وكان متكلّم القوم ـ ، وقال : إنّما سألوك رجلا مكانَ رجل ، وقد ادّعوا قبَله دماً ، فاعزله عنهم ، واقضِ بينهم ، [وإنْ وجَبَ عليه حقٌّ فأنصِفهم منه]».

ثمّ ذكر ما حاصله ، أنّه أرسل محمّد بن أبي بكر عاملا ومعه جمع من الصحابة ، فلمّا كانوا على مسيرة ثلاثة أيّام من المدينة إذا هم بغلام أسود على بعير ، ففتّشوه وأخرجوا منه كتاباً من عثمان إلى ابن أبي سرح يأمره فيه بقتلهم ، فرجعوا به إلى المدينة.

فاغتمّ أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من ذلك ، ودخل عليٌّ وجماعة على عثمان ومعهم الكتاب والغلام والبعير.

ثمّ قال ما لفظه : «قال له عليٌّ : هذا الغلام غلامكُ؟ قال : نعم ؛ والبعير بعيرك؟ قال : نعم ؛ والخاتم خاتمك؟ قال : نعم ، قال : فأنت كتبتَ الكتابَ؟! قال : لا.

إلى أن قال : فعرفوا أنّه خطّ مروان ... وسألوه أن يدفع إليهم مروان ، فأبى».

وقال الطبريّ في «تاريخه» (١) ، في حوادث سنة ٣٥ : «قدم المصريّون القدْمة الأُولى ، فكلّم عثمانُ محمّد بن مَسلمة ، فخرج في خمسين راكباً من الأنصار ... فردّهم.

ورجع القومُ حتّى إذا كانوا بالبُوَيْب (٢) وجدوا غلاماً لعثمان معه كتاب إلى عبد الله بن سعد ، فكرّوا ، فانتهوا إلى المدينة ، وقد تخلّف بها

__________________

(١) ص ١٢٠ ج ٥ [٢ / ٦٦٦ ـ ٦٦٧]. منه (قدس سره).

(٢) البُوَيْبُ : نقبٌ بين جبلين ، والبويب مدخل أهل الحجاز إلى مصر.

انظر : معجم البلدان ١ / ٦٠٧ رقم ٢٢٥٧.

٤٢٨

من الناس الأشتر وحكيم بن جبلة ، فأتوا بالكتاب ، فأنكر عثمان أن يكون كتبه ... قالوا : فالكتاب كتابُ كاتبك؟!

قال : أجل ، ولكنّه كتبه بغير أمري.

قالوا : فإنّ الرسول الذي وجدنا معه الكتابَ غلامُك؟!

قال : أجل ، ولكنّه خرج بغير إذني.

قالوا : فالجمل جملك؟!

قال ، أجل ، ولكنّه أُخذ بغير علمي.

قالوا : ما أنت إلاّ صادقٌ أو كاذبٌ ، فإن كنتَ كاذباً فقد استحققتَ الخلع ؛ لِما أمرتَ به من سفك دمائنا بغير حقّها ، وإن كنتَ صادقاً فقد استحققت أن تُخلع ؛ لضعفك وغفلتك وخبث بطانتك ؛ لأنّه لا ينبغي لنا أن نترك على رقابنا مَن يُقتطَع مثلُ هذا الأمر دونه لضعفه وغفلته.

وقالوا له : إنّك ضربتَ رجالا من أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وغيرهم حين يعظونك ويأمرونك بمراجعة الحقّ عندما يستنكرون من أعمالك ، فأَقدْ مِن نفسك مَن ضربته وأنت له ظالمٌ.

فقال : الإمام يخطئُ ويصيبُ ، فلا أَقيدُ من نفسي ؛ لأنّي لو أَقدتُ كلّ مَن أصبته بخطأ آتي على نفسي.

قالوا : إنّك أحدثتَ أحداثاً عظاماً فاستحققتَ بها الخلع ، فإذا كُلّمتَ فيها أعطيتَ التوبة ثمّ عدتَ إليها وإلى مثلها.

ثمّ قدمنا عليك فأعطيتنا التوبة والرجوع إلى الحقّ ، ولامنا فيك محمّد بن مسلمة ، وضمن لنا ما حدث من أمر ، فأخفرته (١) ، فتبرّأ منك

__________________

(١) أَخفرَه : نَقضَ عهده وخاسَ به وخانه وغَدره ونكثَه وأخلَفَه ، ولم يَفِ بذمة ؛ انظر : لسان العرب ٤ / ١٥٢ مادّة «خفر» وص ٢٦٠ مادّة «خيس».

٤٢٩

وقال : لا أدخل في أمره.

فرجعنا أوّل مرّة لنقطع حجّتك ونبلغ أقصى الإعذار إليك ، نستظهر بالله عزّ وجل عليك ، فلحقنا كتاب منك إلى عاملك علينا تأمره فينا بالقتل والقطع والصلب ، وزعمت أنّه كُتبَ بغير علمك وهو مع غلامك وعلى جملك وبخطّ كاتبك وعليه خاتَمك!

فقد وقعت عليك بذلك التهمةُ القبيحة ، مع ما بلونا منك قبل ذلك من الجور في الحكم ، والأثرة في القَسْم ، والعقوبة للأمر بالتبسُّط من الناس والإظهار للتوبة ، ثمّ الرجوع إلى الخطيئة.

ولقد رجعنا عنك ، وما كان لنا أن نرجع حتّى نخلعك ونستبدل بك مِن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مَن لم يُحدِث مثل ما جرّبنا منك.

إلى أن قال : وأرسل إلى محمّد بن مسلمة أن يردّهم ، فقال : والله لا أكذبُ في سنة مرّتين».

وقريب منه في «كامل» ابن الأثير (١).

ولعمري ، لو كان عثمان بريئاً من أمر الكتاب ، لأظهر الاهتمام الكبير بالبحث عمّن زوّره ، وضيّق على الرسول ليعرّفه به ، وتنمّر لمروان وأشباهه.

كما إنّ حجج القوم عليه لأثبات استحقاقه للخلع وعدم أهليّته للخلافة واضحةٌ قويّةٌ ، ولا سيّما ما يتعلّقُ بأمر الكتاب ؛ لاستلزامه ضعفه الشديد أو فسقه العظيم ؛ لأَِمْره بسفك دماء المسلمين بغير حقّها ، الّذين ما طلبوا منه إلاّ عزلَ عامله الجائر.

__________________

(١) ص ٨٣ ج ٣ [٣ / ٥٩ ـ ٦١ حوادث سنة ٣٥ هـ]. منه (قدس سره).

٤٣٠

ولو فُرض أنّه غيرُ جائر ، لكان حقاً عليه أن يعزله ؛ تأليفاً لهم ، ودفعاً للفتنة ، وحقناً لدمه.

فالعجب ممّن يروي هذا الحديث ويتّخذه إماماً!

وأعجبُ منه أنّهم يرونَه خليفة حقّ ، وأفضل من أخي النبيّ ونفسه! وهو بمقتضى أخبارهم لا يجد رائحة الجنّة ..

روى البخاريُّ (١) ، أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : «ما من عبد استرعاه اللهُ رعيّةً ، فلم يَحُطْها بنصيحة ، إلاّ لم يجد رائحةَ الجنّةِ».

ونحوه في «صحيح مسلم» (٢).

وبالضرورة أنّ عثمان لم يحط المسلمين نصحاً بعزل أصحاب النبيّ واستبدالهم بالوليد الفاسق وابن عامر ، ولا بنصب ابن أبي سرح وسعيد ابن العاص وأشباههما.

وفي ما ذكرناه كفايةٌ لمن اعتبر!

__________________

(١) في كتاب الأحكام ، في باب من استُرعيَ رعيةً فلم ينصح [٩ / ١١٥ ح ١٤]. منه (قدس سره).

(٢) في كتاب الإمارة ، في باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر [٦ / ٩]. منه (قدس سره).

٤٣١

إيواؤه الحكم بن أبي العاص

قال المصنّف ـ أعلى الله درجته ـ (١) :

ومنها : إنّه ردّ الحكم بن أبي العاص إلى المدينة ، وهو طريد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، كان قد طرده وأبعده عن المدينة ، وامتنع أبو بكر من ردّه (٢) ، فصار عثمان بذلك مخالفاً للسنة ، ولسيرة من تقدّمه ، مدّعياً على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، عاملا بدعواه من غير بيّنة!

أجاب قاضي القضاة ، بأنّه قد نُقل أنّ عثمان لمّا عوتب على ذلك ذكر أنّه استأذن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (٣).

اعترضه المرتضى ، بأنّ هذا قول قاضي القضاة لم يُسمع من أحد ، ولا نُقل في كتاب ، ولا نعلم من أين نقله القاضي ، أو في أيِّ كتاب وجده؟! فإنّ الناس كلّهم رووا خلافه.

قال الواقدي ـ من طرق مختلفة ـ ، وغيره : إنّ الحكم بن أبي العاص

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٩١ ـ ٢٩٣.

(٢) انظر : المعارف ـ لابن قتيبة ـ : ١١٢ ، أنساب الأشراف ٦ / ١٣٥ ـ ١٣٦ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ٥٨ ، العقد الفريد ٣ / ٣٠٨ ، المعجم الكبير ٣ / ٢١٤ ح ٣١٦٨ ، معرفة الصحابة ـ لأبي نُعيم ـ ٢ / ٧١١ ح ٥٨٢ ، الاستيعاب ١ / ٣٥٩ رقم ٥٢٩ ، أُسد الغابة ١ / ٥١٤ رقم ١٢١٧ ، الإصابة ٢ / ١٠٤ رقم ١٧٨٣ ، الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ١٥ ، تاريخ الإسلام ٢ / ١٣٠ رقم ١٦٩ ، مرآة الجنان ١ / ٧٢ ، السيرة الحلبية ٢ / ٢٧٠.

(٣) انظر : المغني ٢٠ ق ٢ / ٥٠.

٤٣٢

لما قدم المدينة بعد الفتح أخرجه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الطائف ، وقال : لا يساكنني في بلد أبداً ؛ لأنّه كان يتظاهر بعداوة رسول الله والوقيعة فيه ، حتّى بلغ به الأمر إلى أنّه كان يعيب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في مشيه ، فطرده النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأبعده ولعنه ، ولم يبق أحد يعرفه إلاّ بأنّه طريد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

فجاء عثمان إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وكلّمه فيه فأبى ، ثمّ جاء إلى أبي بكر وعمر في زمن ولايتهما فكلّمهما فيه ، فأغلظا عليه القول وزبراه ؛ وقال له عمر : يخرجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتأمرني أن أُدخله؟! واللهِ لو أدخلته لم آمن من قول قائل : غيّر عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)! وكيف أُخالف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟! فإيّاك يا ابن عفّان أن تعاودني فيه بعد اليوم!

فكيف يحسن من القاضي هذا العذر؟!

وهلاّ اعتذر به عثمان عند أبي بكر وعمر وسلِم من تهجينهما إيّاه ، وخلص من عتابهما عليه؟!

مع أنّه لمّا ردّه جاءه عليٌّ (عليه السلام) وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن ابن عوف وعمار بن ياسر ، فقالوا : إنّك أدخلت الحكم ومن معه ، وقد كان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أخرجهم ، وإنّا نذكّرك اللهَ والإسلامَ ومعادَكَ ، فإنّ لك معاداً ومنقلباً ، وقد أبت ذلك الولاة قبلك ، ولم يطمع أحدٌ أن يكلِّمهما فيهم ، وهذا شيء نخاف الله فيه عليك.

فقال عثمان : إنّ قرابتهم منّي ما تعلمون ، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أخرجه لكلمة بلغته عن الحكم ، ولن يضرّكم مكانهم شيئاً ، وفي الناس من هو شرٌّ منهم.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : لا أحد شرٌّ منه ولا منهم.

٤٣٣

ثمّ قال : هل تعلم عمر يقول : والله ليحملنّ بني أبي مُعَيط على رقاب الناس ، والله لئن فعل ليقتلنّه؟!

فقال عثمان : ما كان منكم أحدٌ ليكون بينه وبينه من القرابة ما بيني وبينه ، وينال في المقدرة ما نلتُ ، إلاّ كان سيدخله ، وفي الناس من هو شرٌّ منه.

فغضب عليٌّ وقال : والله لتأتينا بشرّ من هذا إن سَلمتَ ، وسترى يا عثمان غِبّ (١) ما تفعل (٢).

فهلاّ اعتذر عند عليّ ومَن معه بما اعتذر به القاضي؟!

__________________

(١) غِبُّ الأمرِ ومغبّتُه : عاقبتُه وآخِرُه ؛ انظر : لسان العرب ١٠ / ٥ مادّة «غبب».

(٢) انظر : الشافي ٤ / ٢٦٩ ـ ٢٧١ ، شرح نهج البلاغة ٣ / ٢٩ ـ ٣١.

٤٣٤

وقال الفضل (١) :

روى أرباب «الصحاح» ، أنّ عثمان لمّا قيل له : لِمَ أدخلت الحكم بن أبي العاص؟!

قال : استأذنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في إدخاله فأذن لي ، وذكرتُ ذلك لأبي بكر وعمر فلم يصدّقاني ، فلمّا صرت والياً عملتُ بعلمي في إعادتهم إلى المدينة (٢).

وهذا مذكور في «الصحاح».

وإنكار هذا النقل من قاضي القضاة (٣) ، إنكارٌ باطلٌ لا يوافقه نقلُ «الصحاح».

ويؤيّد هذا ما ذكر في «الصحاح» ، أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر يوم الفتح بقتل عبد الله بن أبي سرح ، فجاء عثمان واستأمن منه فلم يؤمّنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فأتى من اليمين واليسار والقدّام والخلف ، وفي كلّ هذه المرّات كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يقبل منه ، وهو يبالغ ، حتّى قبل في آخر الأمر (٤).

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن «إحقاق الحقّ» ـ : ٥٦٥ الطبعة الحجرية.

(٢) انظر : أنساب الأشراف ٦ / ١٣٥ ـ ١٣٦ ، أُسد الغابة ١ / ٥١٥ ، الإصابة ٢ / ١٠٦ ، وفيها كلّها أنّ عثمان ادّعى أنّه استأذن من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذلك ، فوعده بالإذن لا غير ؛ فلاحظ!

(٣) مراد الفضل هو إنكار المرتضى لنقل قاضي القضاة ، كما مرّ آنفاً.

(٤) انظر : سنن أبي داود ٣ / ٥٩ ح ٢٦٨٣ وج ٤ / ١٢٦ ح ٤٣٥٩ ، سنن النسائي

٤٣٥

وكان هذا من حرص عثمان على صلة الرحم.

فإذا صحّ الخبرُ أنّه استأذن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في إدخال الحكم بن أبي العاص ، وأدخله بعلمه بإذن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فلا مخالفة ولا طعن.

__________________

٧ / ١٠٥ ـ ١٠٦ ، شرح معاني الآثار ـ للطحاوي ـ ٣ / ٣٣٠.

وراجع ما مرّ في ترجمة ابن أبي سرح ، في الصفحة ٤١٣ هـ ٢ ، من هذا الجزء.

٤٣٦

وأقول :

لا أثر لهذا الخبر في «صحاحهم» بحسب التتبّع ، ولم أجد من نقله عنها.

ولو كان موجوداً فيها فلِمَ لَم يعيّن الكتابَ ومحلَّ ذِكره منه بعد إنكار المرتضى (رحمه الله) ، حتّى لا يحتاج إلى التأييد بذِكر الخبر المتعلّق بابن أبي سرح (١).

ولو سُلّم وجوده فيها أو في غيرها ، فعلى القوم أن يكذّبوا عثمان تبعاً للشيخين ؛ لأنّهما أعرفُ به ، أو يكذّبوا الخبر ؛ لأنّ عثمان عدلٌ عند الشيخين ، فكيف لا يصدّقانه؟!

ولأنّه يلزم منه الطعنُ على عمر ، حيثُ لم يصدّق عثمان في هذا الأمر اليسير ويؤهّله في الشورى للأمر الخطير!

على أنّه كيف يُتصوّر أن ياذن النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لعثمان في إدخاله ، ولا يدخله ولا يخبر أحداً بإذنه له إلى أن يتوفّى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقد كان عثمان بذلك الحرص على إدخاله؟!

فإن قلتَ : لعلّ إذن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في حال شدّة مرضه بحيثُ لا يسعُ الوقتُ إدخاله ، ولا يتحمّل المجال الإخبار بالإذن ؛ إذ لا هَمّ للناس إلاّ تعرُّف حال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ لشدّة مرضه والوجل عليه.

قلتُ : لو اتّجه هذا الاحتمالُ ، فللمعارض أن يجيب بما قال عمر :

__________________

(١) مرّ آنفاً في الصفحة ٤٣٥.

٤٣٧

«إنّ النبيّ ـ وحاشاه ـ يهجرُ» (١)!

ولو أعرضنا عن هذا كلّه ، فتلك الروايةُ على تقدير وجودها معارَضةٌ بالروايات التي ذكرها المصنّف (رحمه الله) ، الدالّة على عدم استئذانه من النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وعدم إذنه أصلا ، وهي أكثر.

وقال في «العقد الفريد» (٢) : «لمّا ردّ عثمان الحكم بن أبي العاص طريدَ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وطريدَ أبي بكر وعمر إلى المدينة ، تكلّم الناس في ذلك ، فقال عثمان : ما ينقم الناس منّي؟! إنّي وصلت رحماً ، وأقررتُ عيناً!».

فإنّه لو كان عذرُ عثمان إذنَ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) له لَذَكرَه!

وبالجملة : إنّا رأينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) طرد الحكم وحرّم دخوله المدينة ، فكلّ مَن خالفه مطعونٌ فيه حتّى يقيم العذر والحجّة ، ولا حجّة لعثمان بالضرورة ؛ ولذا فشا الطعن عليه بين الصحابة من حين إدخاله إلى المدينة إلى أن قُتل عثمان.

وهو بإدخاله له قد خالف سيرة الشيخين قبله ، فينبغي أن يقول أهل السنة بسقوطه عن الخلافة ؛ لمخالفته ـ بذلك ـ لشرط عبد الرحمن ؛ فإنّه بايعه على أن يسير بسيرتهما (٣).

ولو سُلّم إذن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) له وتحقّق العذر له ، فلا ريب أنّ الحَكَم من أعداء الله وأعداء رسوله ، حتّى لعنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومَن يخرج مِن

__________________

(١) قد تقدّم تخريجه في ج ٤ / ٩٣ هـ ٢ من هذا الكتاب ؛ ومرّ تفصيل ذلك في الصفحة ١٨٣ وما بعدها من هذا الجزء ؛ فراجع!

(٢) ص ٩١ ج ٣ [٣ / ٣٠٨]. منه (قدس سره).

(٣) راجع الصفحة ٣٣٨ ، من هذا الجزء.

٤٣٨

صلبه إلى يوم القيامة ، كما استفاض في أخبار الفريقين (١) ، حتّى روى في «الاستيعاب» لَعْنَ النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) له من طريقين (٢) ، وذكر أنّ عبد الرحمن ابن حسّان بن ثابت (٣) قال في عبد الرحمن بن الحكم يهجوه [من الكامل] :

إنّ اللعينَ أبوك فارمِ عظامَه

إنْ تَرْمِ تَرْمِ مُخَلَّجاً (٤) مجنونا

يُمسي خميصَ البطنِ من عمل التُقى

ويظلُّ من عمل الخبيثِ بطينا (٥)

فكان اللازم على عثمان أن يعاديه بعداوة الله ورسوله ، وأن يعادي ابن أبي سرح ولا يؤويه يوم الفتح بعدما أهدر النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) دمه ، إذ

__________________

(١) انظر : أنساب الأشراف ٦ / ٩٦ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٦ / ٤٥٨ ـ ٤٥٩ ح ١١٤٩١ ، تفسير ابن أبي حاتم ١٠ / ٣٢٩٥ ح ١٨٥٧٢ ، تفسير ابن كثير ٤ / ١٦١ و ١٦٢ ، المعجم الكبير ٣ / ٨٥ ح ٢٧٤٠ ، مسند أبي يعلى ١٢ / ١٣٥ ح ٦٧٦٤ ، المستدرك على الصحيحين ٤ / ٥٢٦ ح ٨٤٧٧ وص ٥٢٨ ح ٨٤٨٣ ـ ٨٤٨٥ ، تاريخ دمشق ٥٧ / ٢٤٤ ـ ٢٤٥ ، أُسد الغابة ١ / ٥١٥ ، سير أعلام النبلاء ٢ / ١٠٨ رقم ١٤ وج ٣ / ٤٧٨ ، الإصابة ٢ / ١٠٥ ـ ١٠٦ ، الشافي ٤ / ٢٧١ ، الاحتجاج ٢ / ٤٤.

(٢) الاستيعاب ١ / ٣٦٠.

(٣) هو : عبد الرحمن بن حسّان بن ثابت بن المنذر الأنصاري الخزرجي المدني ، الشاعر ابن الشاعر ، وأُمّه سيرين القبطية أُخت أُمّ إبراهيم ماريّة زوج النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، كان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وهبها لأبيه ، أدرك النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقيل إنّه من التابعين ، توفّي سنة ١٠٤ هـ.

انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٥ / ٢٠٤ رقم ٨٤٦ ، أُسد الغابة ٣ / ٣٣٠ رقم ٣٢٨٢.

(٤) الخلج : الجذب ، وتخلّج المجنون في مشيته تجاذب وتمايل يميناً وشمالا ؛ انظر : لسان العرب ٤ / ١٦٨ مادّة «خلج».

(٥) الاستيعاب ١ / ٣٦٠ ، وانظر : أُسد الغابة ١ / ٥١٥.

٤٣٩

(لا تجدُ قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسولَه ولو كانوا آباءهم) (١) ، لا أنّه يحرص على أمان ابن أبي سرح ، وعلى الإذن للحكم ، ثمّ يدخله المدينة ، ويعزّه ويفضّله في الإكرام والعطاء على وجوه المهاجرين والأنصار ..

فقد كان لا يجلسُ معه على سريره إلاّ أربعةٌ ، أحدُهم الحَكمُ ، كما ذكرناه في البحث السابق (٢).

وأعطاه مئة ألف ..

قال في «العقد الفريد» (٣) : «وممّا نقمَ الناسُ على عثمانَ أنّه آوى طريد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الحكمَ بن أبي العاص ، ولم يُؤوه أبو بكر و [لا] عمر ، وأعطاه مئة ألف».

ومثله في «شرح النهج» (٤).

ثمّ جعل بطانته وخاصّته الخصيصة ابنه مروان ، اللعين في صلب أبيه ، وولاّه زمام أمر المسلمين ، ووهبه ما لا يُعَد من أموالهم ، وقدّمه على وجوه الصحابة (٥).

__________________

(١) سورة المجادلة ٥٨ : ٢٢.

(٢) راجع الصفحة ٤١٧ ، من هذا الجزء.

(٣) ص ٧٧ ج ٣ [٣ / ٢٩١]. منه (قدس سره).

وانظر : المعارف ـ لابن قتيبة ـ : ١١٢.

(٤) ص ٦٦ مجلّد ١ [١ / ١٩٨]. منه (قدس سره).

(٥) انظر : المعارف ـ لابن قتيبة ـ : ١١٢ ، أنساب الأشراف ٦ / ٢٠٨ ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ ١ / ١٩٩.

٤٤٠