دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٧

الشيخ محمد حسن المظفر

دلائل الصدق لنهج الحق - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمد حسن المظفر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ دمشق
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ دمشق
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-360-8
الصفحات: ٦٠٠

فإنّ الله سبحانه لا يُشرّع ديناً ناقصاً يستعين بخلقه على إكماله ، أو يكمله ويتركه بلا هاد إليه محفوظ لديه ، وإلاّ كان تشريعه لغواً.

لكنّ القوم نبذوا الثِّقلَين وراء ظهورهم ، فحرموا أنفسهم والأُمّة فوائد الدين الحقّ ، وسدّوا علينا باب العلم واليقين ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

٢٨١

تحريم عمر متعة النساء

قال المصنّف ـ أعلى الله مقامه ـ (١) :

ومنها : إنّه قال : «متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أنا أنهى عنهما وأُعاقب عليهما» (٢).

وهذا يقدح في عدالته حيث حرّم ما أباحه الله تعالى.

وكيف يسوغ له أن يُشرّع الأحكام وينسخها ، ويجعل اتّباعه أَوْلى من اتّباع الرسول الذي لا ينطق عن الهوى؟!

فإنّ حكم هاتين المتعتين إن كان من عند الرسول لا من قبل الله ، لزم تجويز كون كلّ الأحكام كذلك ، نعوذ بالله تعالى!

__________________

(١) نهج الحقّ : ٢٨١ ـ ٢٨٣.

(٢) سنن سعيد بن منصور ١ / ٢١٨ ـ ٢١٩ ح ٨٥٢ و ٨٥٣ ، مسند أبي عوانة ٢ / ٣٣٩ ح ٣٣٥٤ ، الحيوان ٢ / ١٠٠ ، البيان والتبيين ٢ / ٢٨٢ باب من الكلام المحذوف ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ١ / ٣٩٨ و ٤٠٠ وج ٢ / ٢١٦ ، الأوائل ـ للعسكري ـ : ١١٢ ، المحلّى ٧ / ١٠٧ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٧ / ٢٠٦ وقال : «أخرجه مسلم في الصحيح» ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ / ٢٧ ، محاضرات الأُدباء ٢ / ٢٣٥ ، زاد المعاد ٣ / ٣٩٩ ، تفسير الفخر الرازي ٥ / ١٦٦ في تفسير الآية ١٩٦ من سورة البقرة وج ١٠ / ٥٢ في تفسير الآية ٢٤ من سورة النساء ، تفسير القرطبي ٢ / ٢٦١ في تفسير الآية ١٩٦ من سورة البقرة ، شرح نهج البلاغة ١ / ١٨٢ وج ١٢ / ٢٥١ وج ١٦ / ٢٦٥ ، وفيات الأعيان ٦ / ١٥٠ ترجمة يحيى بن أكثم ، شرح تجريد الاعتقاد : ٤٨٤ ، تذكرة الحفّاظ ١ / ٣٦٦ رقم ٣٥٩ وقال : «قال النسائي : هذا حديث معضل» ، كنز العمّال ١٦ / ٥١٩ ح ٤٥٧١٥ وص ٥٢١ ح ٤٥٧٢٢ و ٤٥٧٢٥.

٢٨٢

وإن كان من عند الله ، فكيف يحكم بخلافه؟!

أجاب قاضي القضاة ، بأنّه قال ذلك كراهة للمتعة ، وأيضاً يجوز أن يكون ذلك برواية عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) (١).

واعترضه المرتضى : بأنّه أضاف النهي إلى نفسه وقال : «كانتا على عهد رسول الله» ، وهو يدلّ على أنّه كان في جميع زمانه حتّى مات عليهما.

ولو كان النهي من الرسول كان أبلغ في الانتهاء ، فلِمَ لم يقل ذلك على سبيل الرواية (٢)؟!

وقد رُوي عن ابنه عبد الله إباحتها ، فقيل له : إنّ أباك يحرّمها؟! فقال : إنّما ذلك عن رأي رآه (٣).

وقد روى السنة في «الجمع بين الصحيحين» ، عن جابر بن عبد الله ، قال : «تمتّعنا مع رسول الله ، فلمّا قام عمر ، قال : إنّ الله كان يُحلُّ لرسوله ما يشاء بما يشاء ، وإنّ القرآن قد نُزّل منازلَه ، فأتمّوا الحجّ والعمرة كما أمركم الله ، وإيّاكم (٤) ونكاح هذه النساء ، فلن أُوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلاّ رجمته بالحجارة» (٥).

__________________

(١) انظر : المغني ٢٠ ق ٢ / ١٩ ، شرح نهج البلاغة ١٢ / ٢٥٢.

(٢) انظر : الشافي في الإمامة ٤ / ١٩٦ ـ ١٩٧ ، شرح نهج البلاغة ١٢ / ٢٥٢.

(٣) انظر : سنن الترمذي ٣ / ١٨٥ ح ٨٢٤.

(٤) في المصدر : «وأَبِتّوا نكاح هذه النساء ...».

والبَتُّ : القطعُ المستأصِل ؛ والمراد : اقطعوا الأمر فيه وأحكِمُوا بشرائطه ، وهو تعريض بالنهي عن نكاح المتعة ؛ لأنّه نكاح غير مَبتوت ، مُقدَّرٌ بمدة.

انظر مادّة «بتت» في : النهاية في غريب الحديث والأثر ١ / ٩٢ ، لسان العرب ١ / ٣٠٧ ـ ٣٠٨.

(٥) الجمع بين الصحيحين ـ للحميدي ـ ١ / ١٤٦ ح ٩٠ وج ٢ / ٣٤٠ ذ ح ١٥٤٧.

٢٨٣

وهذا نصٌّ في مخالفة كتاب الله والشريعة المحمّديّة ؛ لأنّا لو فرضنا تحريمها لكان فاعلها على شبهة ، والنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : «ادرأُوا الحدودَ بالشبهات» (١).

فهذه رواياتهم الصحيحة عندهم تدلّ على ما دلّت عليه ..

فلينظر العاقل ، وليخف الجاهل!

وفي الصحيحين ، عن جابر ـ من طريق آخر ـ ، قال : «كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيّام على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبي بكر ، حتّى نهى عمر بن الخطّاب ، لأجل عمرو بن حرَيث (٢) لمّا استمتع» (٣).

__________________

(١) أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ٣ / ٣٩٥ ، تاريخ بغداد ٩ / ٣٠٣ رقم ٤٨٤٤ ، معجم مفردات ألفاظ القرآن ـ للراغب الأصفهاني ـ : ١٦٨ ، تاريخ دمشق ٢٣ / ٣٤٧ ، شرح نهج البلاغة ١٢ / ٢٤١ ، تفسير القرطبي ١٣ / ١٩٧ ، المجموع ـ للنووي ـ ١٦ / ١٥٣ ، نصب الراية ٤ / ١٢٩ ، الجامع الصغير ١ / ٢٥ ح ٣١٤ ، الجامع الكبير ١ / ١٣٨ ح ٨١٩ ، كنز العمّال ٥ / ٣٠٥ ح ١٢٩٥٧ ، كشف الخفاء ١ / ٧١ ح ١٦٦.

(٢) هو : عمرو بن حريث بن عمرو بن عثمان القرشي المخزومي ، يكنّى أبا سعيد ، وهو أخو سعيد بن حريث ، كان مولده قبل الهجرة ، توفّي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعمره ١٢ عاماً ، وهو أوّل قرشي سكن الكوفة واتّخذ فيها داراً ، وكان من أغنى أهل الكوفة ، وتولّى الإمارة لبني أُميّة في الكوفة في عهدَي زياد بن أبيه وابنه عبيد الله ، بايع ضبّاً ـ مع جماعة منهم : الأشعث بن قيس وشبث بن ربعي ـ خارج الكوفة وسمّوه أمير المؤمنين ، توفّي سنة ٨٥ هـ في زمان عبد الملك بن مروان.

انظر : الطبقات الكبرى ـ لابن سعد ـ ٦ / ١٠٠ رقم ١٨٥٥ ، الطبقات ـ لخليفة بن خيّاط ـ : ٥٢ رقم ١٠٦ ، أنساب الأشراف ٦ / ٣٧٦ ، أُسد الغابة ٣ / ٧١٠ رقم ٣٨٩٦ ، الاستيعاب ٣ / ١١٧٢ رقم ١٩٠٦ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٤١٧ رقم ٧٠ ، الإصابة ٤ / ٦١٩ رقم ٥٨١٢ ، مناقب آل أبي طالب ٢ / ٢٩٥ ـ ٢٩٦.

(٣) صحيح مسلم ٤ / ١٣١ كتاب النكاح / باب نكاح المتعة ، وانظر : مصنّف عبد الرزّاق ٧ / ٥٠٠ ح ١٤٠٢٨ ، الجمع بين الصحيحين ٢ / ٣٩٨ ـ ٣٩٩ ح ١٦٧٢ ، زاد المعاد ٣ / ٣٩٩ فصل في تحريم متعة النساء ، كنز العمّال ١٦ / ٥٢٣ ح ٤٥٧٣٢.

٢٨٤

وفي «الجمع بين الصحيحين» ـ من عدة طرق ـ إباحتها أيام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأبي بكر ، وبعض أيام عمر (١).

روى أحمد بن حنبل في «مسنده» ، عن عمران بن حصين ، قال : «نزلت متعة النساء في كتاب الله تعالى ، وعملناها مع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولم ينزل القرآن بحرمتها ، ولم ينه عنها حتّى مات» (٢).

وفي «صحيح الترمذي» ، قال : سُئل ابن عمر عن متعة النساء فقال : هي حلال.

وكان السائل من أهل الشام ، فقال له : إنّ أباك قد نهى عنها؟!

فقال ابن عمر : إن كان أبي قد نهى عنها ، وصنعها رسول الله ، نترك السنة ونتّبع قول أبي؟! (٣).

قال محمّد بن حبيب البختري (٤) : «كان ستّة من الصحابة وستّة من التابعين يفتون بإباحة المتعة للنساء» (٥).

__________________

(١) الجمع بين الصحيحين ـ للحميدي ـ ٢ / ٣٤٠ ذ ح ١٥٤٧.

(٢) مسند أحمد ٤ / ٤٣٦ ، وانظر : ج ٣ / ٣٥٦.

(٣) انظر : سنن الترمذي ٣ / ١٨٥ ح ٨٢٤ وفيه : «التمتّع بالعمرة إلى الحجّ» بدل «متعة النساء».

(٤) كذا في الأصل ، وفي «الطرائف» : «النحوي» ؛ والظاهر أنّ ما في «الطرائف» هو الصحيح ؛ لأنّ ابن حبيب يُعد من أعلام اللغة والنحو والأدب.

انظر : الفهرست ـ للنديم ـ : ١٧١ ، معجم الأُدباء ٥ / ٢٨٦ ، البلغة في تراجم أئمّة النحو واللغة : ٢٥٩ ـ ٢٦٠ رقم ٣٠٩ ، بغية الوعاة ١ / ٧٣ رقم ١٢٦.

(٥) انظر : المحبّر : ٢٨٩ ، الطرائف : ٤٦٠.

وذكر ابن حزم في المحلّى ٩ / ٥١٩ المسألة ١٨٥٤ أسماء جملة من الصحابة والتابعين الثابتين على تحليل متعة النساء ، منهم : جابر بن عبد الله ، ابن عبّاس ، ابن مسعود ، أبو سعيد الخدري ، أسماء بنت أبي بكر ، عمرو بن حريث ، طاووس

٢٨٥

وقد روى الحميدي ومسلم في «صحيحيهما» ، والبخاري أيضاً ، من عدّة طرق ، جواز متعة النساء ، وأنّ عمر هو الذي أبطلها بعد أن فعلها جميع المسلمين بأمر النبيّ إلى حين وفاته وأيام أبي بكر (١).

__________________

اليماني ، عطاء ، سعيد بن جبير ، وسائر فقهاء مكة المكرّمة.

وراجع في تفصيل واستقصاء أسماء من ثبت عليها بعد تحريم عمر لها : الغدير ٦ / ٣١١ ـ ٣٣٨ ، النصّ والاجتهاد : هوامش الصفحات ٢٠٧ ـ ٢١٨ ، الفصول المهمّة في تأليف الأُمة : ١١٢ ـ ١١٦.

(١) الجمع بين الصحيحين ١ / ٣٤٩ ح ٥٤٨ ، صحيح مسلم ٤ / ١٣١ كتاب النكاح ، باب نكاح المتعة ، صحيح البخاري ٦ / ٥٩ ح ٤٣ كتاب التفسير / تفسير سورة البقرة.

٢٨٦

وقال الفضل (١) :

قال الشافعي : «ما علمتُ شيئاً حُرّم مرّتين وأُبيح مرّتين إلاّ متعةَ النساء» (٢).

هذا كلامه.

والسرّ في ذلك أنّ العرب كانوا لا يصبرون على ترك النكاح إذا طال العهد ، وكانوا يرخّصون في المتعة في الغزوات لطول العهد من الأزواج ، ثمّ تقرّر الأمر إلى الحرمة ، ولا خلاف في هذا بين أكثر العلماء.

وأيضاً : نصُّ الكتاب يقتضي حرمة المتعة ؛ لأنّه تعالى يقول : (والّذين هم لفروجهم حافظون * إلاّ على أزواجهم أو ما ملكت أيمانُهم فإنّهم غيرُ ملومين) (٣).

[والمتعة ليست بالمملوكة ولا بالزوجة ، فالمتمتّع ملوم فيها.

وأمّا أنّها ليست بمملوكة ، فظاهر] (٤).

وأما أنّها ليست بزوجة ؛ لأنّها ليست وارثة ولا موروثة للمتمتّع بها ، وقد قال تعالى : (ولكم نصف ما ترك أزواجُكم ... ولهنّ الربع ممّا تركتم) (٥).

__________________

(١) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن «إحقاق الحقّ» ـ : ٥٤٧ الطبعة الحجرية.

(٢) انظر : البداية والنهاية ٤ / ١٥٦.

ومؤدّاه في : الحاوي الكبير ١١ / ٤٥٢ الجواب الثاني.

(٣) سورة المؤمنون ٢٣ : ٥ و ٦.

(٤) إضافة من «إبطال نهج الباطل» المطبوع مع «إحقاق الحقّ».

(٥) سورة النساء ٤ : ١٢.

٢٨٧

وأمّا ما ذكر من الأحاديث ، فهي مرويّة عن جماعة لم يعلموا أنّ الأمر تقرّر على الحرمة في آخر الأمر.

ونحن نقول : لو كان الأمر على ما يذكره الشيعة ، وإنّ تحريم المتعة كان من قِبَل عمر ، فَلِمَ لم يُحلّلهُ أمير المؤمنين في أيّام خلافته ، وهو كان الإمام المتبوع؟!

ولِمَ لَمْ يعترض علماء الصحابة على عمر؟!

والشافعي كان أعلم الناس بالناسخ والمنسوخ ؛ لأنّه كان قرشياً حجازياً عالماً بجميع الناسخ والمنسوخ ، ولو كان كذلك (١) لم يختر حرمته.

وكذا مالك ، كان عالم المدينة ، ولو كان مِن قِبَل عمر ، وكان تلميذ ابن عمر ، وكان ابن عمر يقول بالحلّية ، فلِمَ لَمْ يختره؟!

وكذا أبو حنيفة هو تلميذ عبد الله بن مسعود ، ولو كان النهي من عمر [فلِمَ] (٢) لَمْ يختر الحلّية؟!

وإجماعُ أكثرِ علماء الإسلام على الحرمة يدلُّ على أنّ الأمر تقرّر على الحرمة.

وأمّا ما ذكر أنّ عمر قال : «أنا أنهى عنهما» ، فالمراد أنا أُخبركم بالنهي وأُوافق رسولَ الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وأمّا قوله : «كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)» لا يلزم أن يكون دائماً ، والمفهوم لا يخالف هذا ، كما ادّعاه المرتضى (٣).

__________________

(١) أي أنّ التحريم كان من قبَل عمر.

(٢) إضافة يقتضيها السياق.

(٣) انظر : الشافي ٤ / ١٩٦ ـ ١٩٧.

٢٨٨

وأقول :

لا ريب في أصل شرعيّة المتعتين ؛ للكتاب (١) ، والسنة (٢) ، والإجماع (٣).

__________________

(١) لقوله سبحانه وتعالى : (فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ أُجورهنّ فريضة) سورة النساء ٤ : ٢٤.

(٢) انظر : صحيح البخاري ٢ / ٢٨٢ ح ١٦٤ ، صحيح مسلم ٤ / ١٣٠ ـ ١٣١ ، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ ٣ / ٣٢٦ ح ٥٥٣٨ ـ ٥٥٤٠ ، مسند أحمد ٤ / ٤٣٦ ، خلاصة الإيجاز في المتعة : ٢٤ ـ ٢٥ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٧ / ٢٠٠ ـ ٢٠٧ ، كنز العمّال ١٦ / ٥١٨ ـ ٥٢٧ ح ٤٥٧١٢ ـ ٤٥٧٥١.

(٣) قال السرخسي : «ولأنّا اتّفقنا على أنّه كان مباحاً ، والحكم الثابت يبقى حتّى يظهر نسخه».

انظر : المبسوط ٥ / ١٥٢.

وقال الشيخ المفيد (قدس سره) : «وأما الإجماع : فأما من الطائفة فظاهر ؛ وأما بين الكلّ فبالاتّفاق على شرعيّتها وأصالة عدم النسخ ؛ إذ ليس الحديثُ متواتراً قطعاً ، وخبر الواحد لا يُنسخ به الكتاب».

انظر : خلاصة الإيجاز في المتعة : ٢٧.

وبيانه : أنّ المسلمين كافة ـ حتّى القائلين بالنسخ ـ أطبقوا على القول بأصالة حلّية المتعة والعمل بها مدّة من الزمن ، وإنّما وقع الاختلاف في النسخ ، وهو متأخر زمناً عن التشريع.

ومن الطريف أنّ القائلين بالنسخ اضطربوا في رواية أخبار زمن النسخ والتحريم ، فقالوا مرّة : إنّ النسخ كان عام خيبر ، وأُخرى عند فتح مكة ، وثالثة في حجة الوداع ، ورابعة أنّ عمر هو أوّل من حرّمها بحادثة مشهورة في زمان حكمه!

فالمتحصّل : أنّ المتعة حلال إلى حجّة الوداع في أقلّ تقدير ـ بحسب قولهم ـ ؛ وأنّ الإجماع على نسخها غير متحقّق ضرورة ؛ لإجماع أهل البيت (عليهم السلام) على

٢٨٩

وإنّما الكلام في نسخ حلّية متعة النساء ..

فذهب إليه أكثرُ القوم (١).

والحقّ عدم النسخ ، وأنّ التحريم للمتعتين من عمر لا من الله ورسوله ، كما تواترت به أخبارنا (٢) ، وكذا أخبارهم (٣).

أمّا متعةُ الحجِّ ، فستعرف إن شاء الله تعالى أخبارهم المصرّحة بحلّيّتها إلى الأبد ، فلا بُد أن يكون تحريمها من عمر ، وكذا متعة النساء ؛ لأنّ تحريمه لهما بلفظ واحد ، ويدلّ عليه ـ أيضاً ـ ما لا يحصى من أخبارهم ..

منها : ما رواه البخاري (٤) ، عن عبد الله ، قال : «كنّا نغزو مع

__________________

حلّيتها وعدم نسخها ، وإجماعهم حجة ، مضافٌ إليه قول كثير من الصحابة والتابعين بحلّيتها والعمل بها ؛ كما تقدّم وسيأتي بيانه في متن الكتاب.

(١) انظر : الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه : ٢٢٢ ـ ٢٢٥ ، تفسير الفخر الرزاي ١٠ / ٥١ ـ ٥٦ ، تفسير القرطبي ٥ / ٨٨.

(٢) الكافي ٥ / ٤٤٨ ـ ٤٤٩ ح ٢ و ٤ ، خلاصة الإيجاز في المتعة : ٢٤ ـ ٣٣ ، التهذيب ٧ / ٢٥٠ ح ١٠٨٠ و ١٠٨١ ، الاستبصار ٣ / ١٤١ ح ٥٠٨ ، تفسير العيّاشي ١ / ٢٥٩ ح ٨٥ ، نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى : ٨٢ ح ١٨٣ ، تفصيل وسائل الشيعة ٢١ / ٥ ح ٢٦٣٥٧ وص ٦ ح ٢٦٣٥٩ وص ١٠ ح ٢٦٣٧٥ وص ١١ ح ٢٦٣٧٩ و ٢٦٣٨٠ وص ١٢ ح ٢٦٣٨٦.

(٣) انظر : صحيح البخاري ٦ / ٥٩ ح ٤٣ ، مسند أحمد ٤ / ٤٣٦ ، بداية المجتهد ٤ / ٣٣٤ ، تفسير الفخر الرازي ١٠ / ٥٢ ، تفسير القرطبي ٥ / ٨٦ ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ٢ / ٢١٠ ، كنز العمّال ١٦ / ٥١٩ ح ٤٥٧١٣ و ٤٥٧١٥ وص ٥٢٠ ح ٤٥٧١٧ ـ ٤٥٧٢٠ وص ٥٢١ ح ٤٥٧٢٢ و ٤٥٧٢٤ و ٤٥٧٢٥ وص ٥٢٢ ح ٤٥٧٢٦ و ٤٥٧٢٨ وص ٥٢٣ ح ٤٥٧٣٠ و ٤٥٧٣٢.

وراجع ما مرّ مفصلا في الصفحة ٢٨٢ هـ ٢ من هذا الجزء.

(٤) في أوّل ورقة من كتاب النكاح / في باب ما يكره من التبتّل والخصاء [٧ / ٦ ح

٢٩٠

النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وليس معنا نساء ، فقلنا : ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك ، فرخّص لنا بعد ذلك أن نتزوّج المرأة بالثوب ، ثمّ قرأ علينا : (يا أيّها الّذين آمنوا لا تُحرّموا طيّبات ما أحلّ الله لكم) (١).

ورواه مسلم (٢) من عدّة طرق عن عبد الله ، وقال فيه : «ثمّ رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل».

فإنّ استشهاد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بالآية ظاهر في أنّ الامتناع من المتعة من تحريم طيّبات ما أحلّ الله ، فلا يصلح لتعلّق النسخ به ، فيكون التحريم من عمر.

ومنها : ما رواه مسلم (٣) ، عن جابر بن عبد الله ، قال : «كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيّامَ على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبي بكر ، حتّى نهى عنه عمر في شأن عمرِو بن حرَيث».

فإنّه صريحٌ في استمرار الحلّية أيّام النبيّ وأبي بكر ، بل وأيّام عمر ، إلى أن نهى من عند نفسه لقضيّة ابن حرَيث.

ومنها : ما رواه مسلم (٤) ، عن أبي نضرة ، قال : «كنت عند جابر بن عبد الله ، فأتاه آت ، فقال : ابن عبّاس وابن الزبير اختلفا في المتعتين! فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ثمّ نهانا عنهما عمر فلم نعدْ لهما».

__________________

١٣] ، وفي تفسير سورة المائدة / في باب قوله تعالى : (يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ الله ...) [٦ / ١٠٤ ح ١٣٧]. منه (قدس سره).

(١) سورة المائدة ٥ : ٨٧.

(٢) في باب نكاح المتعة من كتاب النكاح [٤ / ١٣٠]. منه (قدس سره).

(٣) في الباب المذكور [٤ / ١٣١]. منه (قدس سره).

(٤) في الباب المتقدّم [٤ / ١٣١]. منه (قدس سره).

٢٩١

وهو صريحٌ في أنّ النهي إنّما هو من عمر بعدما استمرّت الحلّية إلى زمانه ، وأنّهم تركوهما اتّقاءً من عمر ؛ بشهادة أنّ متعة الحجِّ مما اتّفقت كلمةُ المسلمين على حلّيتها ، فلولا التقيّة لم يمتنعوا عنها.

ومنها : ما رواه مسلم أيضاً (١) ، عن عطاء ، قال : «قدم جابر بن عبد الله معتمراً ، فجئناه في منزله ، فسأله القوم عن أشياء ، ثمّ ذكروا المتعة ، فقال : نعم ، استمتعنا على عهد رسول الله ، وأبي بكر ، وعمر».

ومثله في «مسند أحمد» (٢) ، بسند حديث مسلم ، وزاد فيه : «حتّى إذا كان في آخر خلافة عمر».

وهو صريح في بنائهم على الحلّية في هذه الأوقات ، وليس بجائز أن يخفى النسخُ على المسلمين إلى أن ينهى عمر!

ومنها : ما رواه مسلم (٣) ، عن عروة بن الزبير : «أنّ عبد الله بن الزبير قام بمكّة ، فقال : إنّ ناساً أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يُفتون بالمتعة ؛ يعرّض برجل.

فناداه ، فقال : إنّك لَجِلفٌ جاف ، فلعمري لقد كانت المتعة تُفعل على عهد إمام المتّقين ؛ يريدُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

فقال له ابن الزبير : فجرّب بنفسك ، فوالله لئن فعلتها لأرجمنّك بأحجارك».

فإنّ قوله «تُفعل على عهد إمام المتّقين» ظاهرٌ في الاستمرار إلى حين وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وإلاّ لم يكن ردّاً لابن الزبير.

__________________

(١) في الباب المذكور أيضاً [٤ / ١٣١]. منه (قدس سره).

(٢) ص ٣٨٠ ج ٣. منه (قدس سره).

(٣) في الباب السابق أيضاً [٤ / ١٣٣]. منه (قدس سره).

٢٩٢

والمراد بالرجل : هو ابن عبّاس ، ولا يخفى لطفُ قوله : «إمام المتّقين» ، فإنّ فيه إشارةً إلى أنّ من لم يُفتِ بالحلّية ليس من المتّقين ، وخارجٌ عن اتّباع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).

ومنها : ما رواه مسلم أيضاً (١) ، عن أبي نضرة ، قال : «كان ابنُ عبّاس يأمر بالمتعة ، وكان ابنُ الزبير ينهى عنها ، قال : فذكرت ذلك لجابر ابن عبد الله ، فقال : على يديَّ دار الحديث ، تمتّعنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فلمّا قام عمر قال : إنّ الله كان يحلّ لرسوله ما شاء بما شاء ، وإنّ القرآن قد نزَلَ منازله ، فأتمّوا الحجّ والعمرة لله كما أمركم الله ، وأبتُّوا نكاحَ هذه النساء ، فلن أُوتى برجل نكح امرأةً إلى أجل إلاّ رجمته بالحجارة».

وقريب منه في «مسند أحمد» (٢).

وكذا في صحيح مسلم ، وقال فيه : «فافصلوا حجَّكم من عُمرتكم ؛ فإنّه أتمُّ لحجكم وأتمُّ لعُمرتكم» (٣).

وهو صريح في أنّ الله تعالى أحلّ لرسوله المتعة بإقرار عمر ، لكنّ عمر أمر من نفسه ببتِّ النكاح ؛ استبداداً برأيه.

وهذا الحديث قد ذكره المصنّف (رحمه الله) (٤) ، واعترض عليه ـ أيضاً ـ بما تغافل الخصمُ عن جوابه ؛ وهو أنّه لو فُرض حرمةُ المتعة لكان فاعلها على شبهة ، والنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : «ادرأُوا الحدودَ بالشُبهات» (٥) ..

إذ لو فُرض روايةُ عمر للتحريم عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فهو مختصٌّ بهذه

__________________

(١) في باب المتعة بالحجّ والعمرة من كتاب الحجّ [٤ / ٣٨]. منه (قدس سره).

(٢) ص ١٧ و ٥٢ ج ١. منه (قدس سره).

(٣) صحيح مسلم ٤ / ٣٨.

(٤) تقدّم في الصفحة ٢٨٣ ، من هذا الجزء.

(٥) تقدّم تخريجه مفصلا في الصفحة ٢٨٤ هـ ١ ، من هذا الجزء.

٢٩٣

الرواية ، وعملُ المسلمين على خلاف رأيه وروايته إلى حين خطبته ، فلا محالة تحصل الشبهة للعامل ، ولا أقلّ من احتمالها في حقه ، فبِمَ يستحقّ الرجم؟!

ومنها : ما رواه البخاري (١) ، عن عمران بن حصين ، قال : «أُنزلت آية المتعة في كتاب الله ، ففعلناها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولم ينزل قرآن يُحرّمها ، ولم ينه عنها حتّى مات ، قالٌ رجلٌ برأيه ما شاء».

ونحوه في «مسند أحمد» (٢) ، لكنّه لم يذكر قوله : «قال رجلٌ برأيه ما شاء».

وهو كما تراه نصٌّ في عدم نسخ الحلّية بالكتاب والسنة ، وأنّ عمر حرّمها برأيه ، ونسخ إباحتها بإشاءته.

ولكن يُحتمل أن يُراد هنا بالمتعة : متعةُ الحجِّ (٣) ، إلاّ أنّه عليه ـ أيضاً ـ يتمّ المطلوب ؛ لأنّ المتعتين من باب واحد ، وقد حرّمهما عمر بلفظ واحد.

ومنها : ما رواه مسلم (٤) ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، قال : «قال أبو ذرّ : لا تصلح المتعتان إلاّ لنا خاصة.

يعني : متعة النساء ومتعة الحجّ».

فإنّه دالٌّ على أنّ المتعتين من خواصّ المسلمين ؛ وذلك لأنّ متعة

__________________

(١) في تفسير سورة البقرة ، في باب قوله تعالى : (فمن تمتّع بالعُمرة إلى الحجّ) [٦ / ٥٩ ح ٤٣]. منه (قدس سره).

وانظر : صحيح مسلم ٤ / ٤٨ ـ ٤٩.

(٢) ص ٤٣٦ ج ٤. منه (قدس سره).

(٣) انظر : مسند أحمد ٤ / ٤٢٨ وذكر قوله : «قال رجل فيها برأيه ما شاء».

(٤) في باب جواز التمتّع من كتاب الحجّ [٤ / ٤٦]. منه (قدس سره).

٢٩٤

النساء كانت محرّمة قبل الإسلام (١) ، ومتعة الحجِّ كانت من أفجر الفجور في أشهر الحجّ إلى أن ينسلخ صفر ، كما رواه مسلم (٢) والبخاري (٣).

بَيْد أنّ عمر أراد إعادة تلك السنة القديمة ، فحرّم المتعتين!

ولا يتّجه أن يريد أبو ذرّ بقوله : «لنا خاصّة» خصوص الصحابة ؛ للإجماع على صلاح متعة الحجّ لمطلق المسلمين.

ومنها : ما رواه أحمد في «مسنده» (٤) من طرق صحيحة ، عن عبد الرحمن الأعرجي ، قال : سأل رجلٌ ابنَ عمر عن المتعة ـ وأنا عنده ـ متعة النساء ، فقال : والله ما كنّا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) زانين ولا مسافحين ؛ ثمّ قال : والله لقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : «ليكوننّ قبل يوم القيامة المسيحُ الدجّالُ وكذّابون ثلاثون أو أكثر».

وهو صريحٌ في إباحة متعة النساء طولَ عهد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأنّ مَن حرّمها أحدُ الكذّابين المذكورين!

ولا يُستبعد ذلك من ابن عمر لمّا خالف التحريمَ عملُه ورأيُه ، ورأى فشوّ البدعة وتغيير حكم الله ورسوله علناً ، ولا سيّما قد صدر منه ذلك حال الغضب ، كما صُرّح به في بعض هذه الأخبار (٥) ، فأبدى

__________________

(١) مراد الشيخ المظفّر (قدس سره) من عبارته هذه أنّ متعة النساء لم تكن مشرّعة قبل الإسلام ، فجاء بتشريعها ، ورخّص بها النكاح إلى أجل ، وبشروط مذكورة في مظانّها ؛ فجعل عدم العمل بها بمنزلة التحريم ، والتشريع بمنزلة التحليل ، فكأنّه بهذا حلّلها بعد تحريم ؛ فلاحظ!

(٢) في باب جواز العمرة في أشهر الحجّ [٤ / ٥٦]. منه (قدس سره).

(٣) في باب التمتّع والإقران والإفراد بالحجّ [٢ / ٢٨٠ ح ١٥٧]. منه (قدس سره).

(٤) من طريقين ص ٩٥ ج ٢ ، وطريق ص ١٠٤. منه (قدس سره).

(٥) انظر : مسند أحمد ٢ / ١٠٤.

٢٩٥

الحقيقة من دون التفات لأبيه ، لا سيّما مع عدم ذِكره في كلامه وكلام السائل (١).

ومنها : ما رواه أحمد أيضاً (٢) ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : «كنّا نتمتّع على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالثوب».

وهو دالٌّ على أنّه كان سيرةَ المسلمين على عهد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كلّه.

ومنها : ما رواه أحمد ـ أيضاً (٣) ـ ، عن جابر بن عبد الله ، قال : «كنّا نتمتّع على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبي بكر وعمر حتّى نهانا عمر أخيراً ؛ يعني النساء».

وهذا من أصرح الأخبار في المدّعى.

ومنها : ما رواه أحمد ـ أيضاً (٤) ـ ، عن جابر ، قال : «متعتان كانتا على عهد النبيّ ، فنهانا عنهما عمر فانتهينا».

وهو صريح الدلالة على أنّ النهي من عمر ، لكنّهم انتهوا خوفاً وتقيّة ؛ لِما عرفتَ من أنّ متعة الحجِّ حلالٌ بلا ريب حتّى عند القوم ، فليس النهيُ فيها إلاّ من عمر ، وليس الانتهاءُ عنها إلاّ تقيّة!

ومنها : ما رواه أحمد ـ أيضاً (٥) ـ ، عن عمران بن حصين ، قال : «تمتّعنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فلم ينهنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد ذلك عنها ،

__________________

(١) وقد أبانَ عن رأيه ـ كذلك ـ مع ذِكر أبيه ؛ فانظر : سنن الترمذي ٣ / ١٨٥ ح ٨٢٤ ، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ ٥ / ٢١ ، تفسير القرطبي ٢ / ٢٥٨ وقال : «أخرجه الدارقطني».

(٢) ص ٢٢ ج ٣. منه (قدس سره).

(٣) ص ٣٠٤ ج ٣. منه (قدس سره).

(٤) ص ٣٢٥ و ٣٥٦ و ٣٦٣ ج ٣. منه (قدس سره).

(٥) ص ٤٣٨ ج ٤. منه (قدس سره).

٢٩٦

ولم ينزل من الله فيها نهيٌ».

ومنها : ما رواه ابن جرير الطبريُّ في «تفسيره» بسند صحيح ، عن شعبة ، عن الحكم ، قال : «سألته عن هذه الآية (والمحصنات من النساء إلاّ ما ملكت أيمانكم) إلى هذا الموضع : (فما استمتعتم به منهنّ) (١) أمنسوخة هي؟

قال : لا.

قال الحكم : وقال عليٌّ : لولا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلاّ شقيّ» (٢).

ونقله السيوطي في «الدرّ المنثور» ، في تفسير آية المتعة من سورة النساء ، عن ابن جرير ، وعبد الرزّاق ، وأبي داود في «ناسخه» (٣).

وقال أيضاً : أخرج عبد الرزّاق وابنُ المنذر ، من طريق عطاء ، عن ابن عبّاس ، قال : «يرحم الله عمر ، ما كانت المتعة إلاّ رحمة من الله رحم بها أُمة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولولا نهيُه عنها ما احتاج [إلى] الزنا إلاّ شَفىً» (٤).

ونحوه في «نهاية» ابن الأثير ، في مادّة «شفا» بالفاء (٥).

__________________

(١) سورة النساء ٤ : ٢٤.

(٢) تفسير الطبري ٤ / ١٥ ح ٩٠٤٣.

(٣) الدرّ المنثور ٢ / ٤٨٦ ، وانظر : تفسير الطبري ٤ / ١٥ ح ٩٠٤٣ ، مصنّف عبد الرزّاق ٧ / ٥٠٠ ح ١٤٠٢٩.

(٤) الدرّ المنثور ٢ / ٤٨٧ ؛ وانظر : مصنّف عبد الرزّاق ٧ / ٤٩٧ ح ١٤٠٢١ ، تفسير القرآن ـ لابن المنذر ـ ٢ / ٦٤٢ ح ١٥٩٠ ، نيل الأوطار ٦ / ١٤٣.

(٥) النهاية في غريب الحديث والأثر ٢ / ٤٨٨ مادّة «شفا» وقال : «أي إلاّ قليلٌ من الناس ... وقال الأزهري : قوله : (إلاّ شَفىً) أي إلاّ أن يُشْفِيَ ، يعني يُشْرِف على الزنا ولا يُواقعه».

٢٩٧

وحكى في «كنز العمّال» (١) ، عن عبد الرزّاق ، وابن جرير في «تهذيب الآثار» ، وأبي داود في «ناسخه» ، عن عليّ (عليه السلام) ، قال : «لولا ما سبق من رأي عمر بن الخطّاب لأمرتُ بالمتعة ، ثمّ ما زنى إلاّ شقيٌّ».

وأنت ترى أنّ هذه الأخبار الأخيرة ، نسبت النهي إلى عمر وإلى رأيه ، لا إلى روايته ، فيكون النهي منه ، لا من الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولا سيّما أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال في الرواية الأخيرة : «لولا ما سبق من رأيه لأمرتُ بالمتعة» ؛ فإنّه (عليه السلام) لا يأمر بها إلاّ وهي حلالٌ من الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وهذا دليلٌ على أنّ المانع لأمير المؤمنين (عليه السلام) عن الأمر بها هو التقيّة ، وكراهة إظهار مخالفة عمر ؛ لئلا يتّخذها أعداؤه سبيلا للخلاف عليه.

وكيف يصحُّ نسخُ إباحتها وهي رحمة من الله للأُمّة ، كما قاله ابن عبّاس (٢)؟! إذ لا أقلّ في مصلحتها أنّها سببٌ لتقليل الزنا!

ومنها : ما نقله في «الكنز» (٣) ، عن ابن جرير في «تهذيب الآثار» ، عن أُمّ عبد الله ابنة أبي خيثمة ، أنّ رجلا قدم من الشام فنزل عليها ، فقال :

__________________

(١) ص ٢٩٤ ج ٨ [١٦ / ٥٢٢ ح ٤٥٧٢٨]. منه (قدس سره).

وانظر : مصنّف عبد الرزّاق ٧ / ٥٠٠ ح ١٤٠٢٩ ، ولم نجده في «تهذيب الآثار» المطبوع.

(٢) انظر : أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ٢ / ٢١٠ ، الفائق في غريب الحديث ٢ / ٢٥٥ مادّة «شفا» ، بداية المجتهد ٤ / ٣٣٤ ، تفسير القرطبي ٥ / ٨٦ ، لسان العرب ١٣ / ١٥ مادّة «متع».

(٣) ص ٢٩٤ ج ٨ [١٦ / ٥٢٢ ح ٤٥٧٢٦]. منه (قدس سره).

٢٩٨

إنّ العزْبة (١) قد اشتدّت علَيَّ فابغيني امرأةً أتمتّع معها.

قالت : فَدلَلتُهُ على امرأة ، فشارطها ، وأشهدوا على ذلك عدولا ، فمكث معها ما شاء الله أن يمكث ، ثمّ إنّه خرج ، فأُخبر عن ذلك عمر بن الخطّاب ، فأرسل إليّ فسألني : أحقٌّ ما حُدثت؟!

قلت ، نعم.

قال : فإذا قدم فآذنيني به.

فلمّا قدم أخبرته ، فأرسل إليه ، فقال : ما حملك على الذي فعلته؟!

قال : فعلتُه مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ثمّ لم ينهنا عنه حتّى قبضه الله ، ثمّ مع أبي بكر ، فلم ينهنا عنه حتّى قبضه الله ، ثمّ معك ، فلم تُحْدِث لنا فيه نهيا.

فقال عمر : أمَا والذي نفسي بيده ، لو كنتُ تقدّمتُ في نهي لرجمتُك ، بيِّنوا حتّى يُعرف النكاح من السفاح».

وهو صريحٌ في أنّ النهي إحداثٌ من عمر بلا سبق من الله ورسوله ، وأنّها حلالٌ في عهد صاحب الشرع إلى حين نهي عمر.

ولا أدري ، ما يطلب عمر بقوله : «بيِّنوا حتّى يعرف النكاح من السفاح»؟!

فإنّها إذا كانت حلالا من صاحب الشريعة ، كانت حلالا بيّناً ، وامتازت عن السفاح ، وأيُّ بيان يطلب فوق معرفتها موضوعاً وحكما؟!

__________________

(١) العزْبة : رجلٌ عزَبٌ : لا أهل له ، وجمعه عزّاب وأَعزاب ، وهم الّذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء ؛ انظر : لسان العرب ٩ / ١٨٢ مادّة «عزب».

٢٩٩

ومنها : ما حكاه في «الكنز» (١) ، عن الطحاوي وكاتب الليث ، عن عمر ، قال : «متعتان كانتا على عهد رسول الله ، أنهى عنهما وأُعاقب عليهما ؛ متعة النساء ؛ ومتعة الحجّ».

وقد ذكره الرازي في «تفسيره» محتجاً به على حرمة المتعة (٢).

وحكى في «الكنز» ـ أيضاً (٣) ـ ، عن ابن جرير في «تهذيب الآثار» وابن عساكر ، عن أبي قلابة ، أنّ عمر قال : «متعتان كانتا على عهد رسول الله ، أنا أنهى عنهما وأضرب فيهما».

وروى القوشجي في «شرح التجريد» ، آخر «مبحث الإمامة» ، أنّ عمر صعد المنبر وقال : «أيّها الناس! ثلاثٌ كنّ على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنا أنهى عنهنَّ وأُحرِّمهُنَّ وأُعاقب عليهنَّ ؛ وهي : متعةُ النساء ، ومتعةُ الحجِّ ، وحيَّ على خير العمل» (٤).

وهو من أصرح الأخبار في المطلوب ؛ لأُمور :

الأوّل : إنّه نسب النهي إلى نفسه ، ولو كان روايةً عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لكان اللازم أنّ ينسبه إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ لأنّه أبلغ في الانتهاء ، كما ذكره المرتضى (٥).

الثاني : إنّ الرواية لا تناسب قوله : «كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)» ؛ فإنّه ظاهرٌ في جوازه الواقعي على عهده ، فلا يصلح

__________________

(١) ص ٢٩٣ ج ٨ [١٦ / ٥١٩ ح ٤٥٧١٥]. منه (قدس سره).

وانظر : شرح معاني الآثار ٢ / ١٤٤ و ١٤٦.

(٢) تفسير الفخر الرازي ١٠ / ٥٢ في تفسير الآية ٢٤ من سورة النساء.

(٣) ص ٢٩٤ ج ٨ [١٦ / ٥٢١ ح ٤٥٧٢٢]. منه (قدس سره).

(٤) شرح تجريد الاعتقاد : ٤٨٤.

(٥) الشافي ٤ / ١٩٦ ـ ١٩٧.

٣٠٠