موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

وإن تذكّر قبل الدخول فيها رجع وأتى به وصحّت صلاته ، ويسجد سجدتي السهو لكلّ زيادة ، ولكنّ الأحوط مع ذلك إعادة الصلاة لو كان التذكّر بعد الدخول في السجدة الأُولى (١)

______________________________________________________

وعدمه ، لاستلزام زيادة السجدتين على الأوّل ، ونقص الركوع على الثاني كما مرّ. فالمتعيّن هو القول بالبطلان مطلقاً كما عليه المشهور.

(١) المقام الثاني : ما إذا كان التذكّر قبل الدخول في السجدة الثانية ، وقد ذهب جماعة كثيرون إلى البطلان هنا أيضاً ، بل نسب ذلك إلى المشهور ، واختار جمع آخرون منهم السيِّد الماتن (قدس سره) الصحّة ، فيرجع ويتدارك الركوع لبقاء المحلّ ، إذ لا يترتّب عليه عدا زيادة السجدة الواحدة سهواً ، الّتي هي ليست بقادحة نصّاً وفتوى كما مرّ (١).

ويستدلّ للبطلان بإطلاق رواية أبي بصير المتقدّمة (٢) فإنّه يشمل ما إذا كان التذكّر قبل الدخول في السجدة الثانية ، فلأجلها يحكم بالبطلان ، وإن كان مقتضى القاعدة الصحّة كما عرفت.

وفيه أوّلاً : أنّها ضعيفة السند بمحمّد بن سنان كما مرّ ، غير منجبرة بعمل المشهور ولو سلّمنا كبرى الانجبار ، إذ لا صغرى لها في المقام ، فإنّ القائلين بالصحّة أيضاً جماعة كثيرون ، وإن كان القول بالبطلان أكثر. فلا شهرة في البين بمثابة يكون القول الآخر شاذاً كي يتحقّق بها الجبر.

وثانياً : أنّها قاصرة الدلالة ، لعدم إطلاق لها بحيث يشمل المقام ، لوضوح أنّ المراد من نسيان الركوع التجاوز عنه والخروج عن المحلّ بمثابة لا يمكن

__________________

(١) في ص ٤٨.

(٢) في ص ٥٩.

٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

تداركه ووضع كلّ شي‌ء في موضعه ، وإلّا فمجرّد النسيان كيف ما كان ولو آناً ما غير مستوجب للبطلان قطعاً ، ولذا لو تذكّر عند الهوي إلى السجود وقبل أن يسجد رجع وأتى به وصحّت صلاته بلا إشكال.

فالمراد منه ما إذا لم يمكن معه الرجوع والتدارك كما عرفت ، وهو مختصّ بما إذا كان التذكّر بعد الدخول في السجدة الثانية ، للزوم زيادة الركن حينئذ كما مرّ ، وأمّا لو تذكّر قبل ذلك فيمكنه التدارك ، إذ لا يترتّب عليه عدا زيادة سجدة واحدة سهواً ، ولا ضير فيها بمقتضى النصوص الخاصّة على ما سبق.

وعلى الجملة : فبعد ملاحظة عدم قادحية الزيادة السهوية للسجدة الواحدة كما دلّت عليه تلك النصوص ، المقتضية للتوسعة في المحلّ الشرعي المقرّر للركوع كان تداركه ممكناً لبقاء المحلّ ، فلو تركه ولم يرجع استند الترك إلى العمد دون النسيان ، فيخرج عن موضوع الرواية بطبيعة الحال.

وثالثاً : سلّمنا الإطلاق لكنّه معارض بإطلاق صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : إذا نسيت شيئاً من الصلاة ركوعاً أو سجوداً أو تكبيراً ثمّ ذكرت فاصنع الذي فاتك سواء» (١) ، دلّت على وجوب تدارك المنسي الذي من جملته الركوع ، والإتيان به مساوياً لما فات ، وبذلك تصحّ الصلاة.

ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين ما إذا كان التذكّر قبل الدخول في السجدة الثانية أم بعده ، فهي معارضة لرواية أبي بصير الدالّة على البطلان مطلقاً بالتباين لكن الصحيحة مخصّصة بالنصوص المتقدّمة الدالّة على البطلان فيما لو كان التذكّر بعد الدخول في السجدة الثانية ، فهي محمولة بعد التخصيص على ما لو كان التذكّر قبل الدخول فيها.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣١٦ / أبواب الركوع ب ١٢ ح ٣.

٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وحينئذ تنقلب النسبة بينها وبين الرواية من التباين إلى العموم والخصوص المطلق ، فيقيد بها إطلاق الرواية ، بناءً على ما هو الصحيح من صحة انقلاب النسبة كما هو المحرّر في الأُصول (١) ، فتكون النتيجة اختصاص البطلان بما إذا كان التذكّر بعد الدخول في السجدة الثانية.

ورابعاً : مع الإغماض عن كلّ ما مرّ فإطلاق الرواية مقيّد بمفهوم رواية أُخرى لأبي بصير صحيحة وقد تقدّمت (٢) فانّ المراد بالركعة فيها هو الركوع الذي صرّح به فيما بعد ، دون الركعة التامّة كما لا يخفى ، وقد ذكرنا في الأُصول (٣) أنّ الجملة الشرطية لو تركّبت من أمرين أو أُمور فالشرط هو المجموع وعليه يترتّب الجزاء ، كما أنّه بانتفائه المتحقّق بانتفاء البعض ينتفي الجزاء.

ففي مثل قوله : إن سافر زيد وكان سفره يوم الجمعة فتصدّق ، الشرط هو مجموع الأمرين من السفر ووقوعه يوم الجمعة ، ويدلّ المفهوم على انتفاء الجزاء بانتفاء واحد منهما ، فلكلّ من القيدين مفهوم.

نعم ، لو كان أحدهما مسوقاً لبيان تحقّق الموضوع اختصّ الآخر بالدلالة على المفهوم ، لأنّ نفي الحكم عند نفي الأوّل من باب السالبة بانتفاء الموضوع لا من باب الدلالة على المفهوم ، لتوقفها على إمكان ثبوت الجزاء لدى الانتفاء وعدم الثبوت كما هو ظاهر.

ففي مثل قولنا : إن سافر الأمير وكان سفره يوم الجمعة فخذ ركابه ، كان القيد الذي باعتباره يدلّ الشرط على المفهوم خصوص الثاني ، فمفهومه عدم وجوب الأخذ بالركاب لو سافر في غير يوم الجمعة ، لا عدم وجوب الأخذ به

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٤٠١.

(٢) في ص ٥٩.

(٣) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ٨٧.

٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

لو لم يسافر.

وحينئذ نقول : الجملة الشرطية في المقام مؤلّفة من قيدين لكلّ منهما مفهوم أحدهما اليقين بترك الركعة أعني الركوع كما عرفت والآخر كونه قد سجد السجدتين ، والجزاء أعني الاستئناف معلّق على استجماع الأمرين معاً ، فلا استئناف لدى انتفاء واحد منهما بمقتضى مفهوم الشرط.

فلو لم يتيقّن بالترك بل بقي شاكاً صحّت صلاته بمقتضى هذا المفهوم ، المطابق لأخبار قاعدة التجاوز المصرّحة بعدم الاعتناء بالشكّ في الركوع بعد ما سجد كما أنّه لو تيقّن ولكن لم يكن قد سجد السجدتين صحّت صلاته أيضاً ، ولم يجب الاستئناف.

فالصحيحة باعتبار القيد الثاني المأخوذ في الجملة الشرطية تدلّ بالمفهوم على نفي الإعادة لو كان التذكّر واستيقان الترك قبل الدخول في السجدة الثانية وبذلك يقيّد إطلاق الرواية الدالّة على البطلان بنسيان الركوع ، وتحمل على ما إذا كان التذكّر بعد الدخول فيها.

فاتضح ممّا مرّ أنّ هذه الرواية غير صالحة للاستدلال بها على البطلان في المقام.

وأمّا موثّقة إسحاق بن عمّار المتقدّمة (١) فعدم صلاحيتها للاستدلال أوضح فانّ الاستقبال المذكور فيها إن أُريد به الرجوع وتدارك الركوع كما احتمله بعض فهي على خلاف المطلوب أدلّ كما لا يخفى ، وإن أُريد به الاستئناف كما استظهرناه فالذيل أعني قوله : «حتّى يضع كل شي‌ء من ذلك موضعه» الذي هو بمنزلة التعليل موجب لتضييق الحكم واختصاصه بما إذا لم يمكن وضع كلّ شي‌ء موضعه إلّا بالاستئناف ، وهو ما لو كان التذكّر بعد الدخول في السجدة

__________________

(١) في ص ٥٩.

٦٤

(٢٠١٦) مسألة ١٥ : لو نسي السجدتين (١) ولم يتذكّر إلّا بعد الدخول في الركوع من الركعة التالية بطلت صلاته ، ولو تذكّر قبل ذلك رجع وأتى بهما وأعاد ما فعله سابقاً ممّا هو مرتّب عليهما بعدهما ، وكذا تبطل الصلاة لو نسيهما من الركعة الأخيرة حتّى سلّم وأتى بما يبطل الصلاة عمداً وسهواً كالحدث والاستدبار ، وإن تذكّر بعد السلام قبل الإتيان بالمبطل فالأقوى أيضاً البطلان (*) ، لكن الأحوط التدارك ثمّ الإتيان بما هو مترتّب عليهما ثمّ إعادة الصلاة ، وإن تذكّر قبل السلام أتى بهما وبما بعدهما من التشهّد والتسليم وصحّت صلاته ، وعليه سجدتا السهو لزيادة التشهّد أو بعضه وللتسليم المستحب.

______________________________________________________

الثانية ، إذ لو كان قبله فهو متمكّن من وضع كلّ شي‌ء موضعه من غير استئناف بعد ملاحظة ما دلّ على أنّ زيادة السجدة الواحدة ليست بقادحة.

فاحتفاف الكلام بهذا الذيل الذي هو بمثابة العلّة الموجبة لتقييد الحكم بموردها مانع عن انعقاد الإطلاق بحيث يشمل المقام كما هو ظاهر.

والمتحصّل من جميع ما ذكرناه : أنّ رواية أبي بصير كغيرها من النصوص المستدلّ بها في المقام الأوّل مختصّة به وغير شاملة للمقام. ومقتضى القاعدة هنا الصحّة ، فيرجع ويتدارك الركوع ولا شي‌ء عليه ، إذ أقصاه زيادة السجدة الواحدة سهواً التي لا ضير فيها بمقتضى النصوص المتقدّمة كما عرفت.

(١) أمّا لو كان التذكّر قبل الدخول في ركوع الركعة اللّاحقة فلا إشكال فيه ، فيرجع ويتدارك السجدتين ويمضي في صلاته ، ولا بأس بالزيادات الصادرة سهواً الواقعة في غير محلّها من القيام والقراءة أو التسبيح بعد كونها مشمولة

__________________

(*) بل الأقوى عدمه ، فيتداركهما ويأتي بما هو مترتّب عليهما ، نعم الإعادة بعد ذلك أحوط.

٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

لحديث لا تعاد.

وأمّا لو تذكّر بعد الدخول فيه فلا مناص من الحكم بالبطلان كما عليه المشهور بل قيل إنّه ممّا لا خلاف فيه ، للزوم زيادة الركوع لو تدارك ، ونقص السجدتين لو لم يتدارك ، فهي غير قابلة للعلاج ، لاستلزام الإخلال بالركن على أيّ حال فيشملها عقد الاستثناء في حديث لا تعاد ، الذي هو شامل للزيادة كالنقيصة كما سبق.

وربما يتصدّى للعلاج استناداً إلى حديث لا تعاد ، بدعوى أنّه لو تدارك السجدتين بعد الركوع وأتى بهما وبسجدتي الركعة التي بيده فلا خلل عندئذ إلّا من ناحية الترتيب ، والحديث يؤمّننا عن كلّ خلل ما عدا الخمس ، وليس الترتيب منها.

وبالجملة : تتألف الصلاة الرباعية مثلاً من ركوعات أربعة وثمان سجدات وعند تدارك السجدتين على النهج المزبور لم يكن ثمّة أيّ إخلال بشي‌ء منها ، لا زيادة ولا نقصاً ، غاية ما هناك فقد شرط الترتيب وإيقاع السجدتين اللّتين محلّهما قبل الركوع بعده ، ومثله مشمول لحديث لا تعاد.

لكنّه بمراحل عن الواقع ، بل في غاية الضعف والسقوط ، فإنّه لو صنع مثل ذلك أي أخّر السجدتين من الركعة السابقة عن ركوع الركعة اللّاحقة سهواً ثمّ تذكّر بعد الدخول في الجزء المترتّب أو بعد الفراغ من الصلاة كان لما ذكر من عدم الإخلال حينئذ إلّا بالترتيب وجه ، وأمكن أن يكون قابلاً للتصديق.

أمّا في مثل المقام المفروض فيه الالتفات إلى التأخير حين العمل فهو ساقط جزماً ، للزوم الإخلال بالترتيب عمداً ، ومثله غير مشمول للحديث قطعاً كما مرّ سابقاً.

٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ومن هنا ذكرنا في محلّه (١) أنّه لو نسي المغرب وتذكّر بعد الدخول في ركوع الركعة الرابعة من العشاء بطلت ، لفقد شرط الترتيب ، ولا يمكن تصحيحها بالحديث ، فإنّه عامد في الإخلال به بالإضافة إلى الركعة الرابعة وإن كان ساهياً في الركعات السابقة ، ولا ريب في اعتبار الترتيب في صلاة العشاء بتمام ركعاتها ويترتّب على ذلك فروع كثيرة مذكورة في محالّها.

على أنّه غير قابل للتصديق في الفرض السابق أيضاً ، ضرورة أنّ الترتيب سواء أكان شرطاً للصلاة أم لنفس الأجزاء لم يكن معتبراً في الصلاة بحياله كي يكون موضوعاً مستقلا في مشموليته للحديث ، وإنّما هو منتزع من الأمر بالأجزاء بكيفية خاصّة من التكبير ثمّ القراءة ثمّ الركوع وبعده السجود وهكذا فهو مقوّم لجزئية الجزء ، ومحصّص له بحصّة خاصّة.

فالقراءة المعدودة من الأجزاء هي المسبوقة بالتكبير والملحوقة بالركوع ، كما أنّ الركوع المتّصف بالجزئية حصّة خاصّة منه وهو المسبوق بالقراءة الملحوق بالسجود ، وهكذا الحال في سائر الأجزاء. فالعاري عن هذه الخصوصية غير متّصف بالجزئية ، والإخلال بها إخلال بالجزء نفسه حقيقة. وعليه فلو أخّر السجدتين من الركعة السابقة عن ركوع الركعة اللّاحقة فقد أخلّ بنفس السجدتين لدى التحليل ، لا بمجرّد الترتيب ، فيدخل في عقد الاستثناء من حديث لا تعاد المقتضي للبطلان. وكيف ما كان ، فهذه الدعوى ساقطة جزماً ، ولا مناص من الحكم بالبطلان في المقام كما عرفت.

هذا كلّه فيما إذا كانت السجدتان المنسيتان من غير الركعة الأخيرة ، وأمّا لو نسيهما منها فان تذكّر قبل السلام أتى بهما وبما بعدهما من التشهّد والتسليم

__________________

(١) شرح العروة ١١ : ٤٠٠.

٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وصحّت صلاته بلا إشكال ، لبقاء محلّ التدارك. نعم ، عليه سجدتا السهو لزيادة التشهّد أو بعضه وللتسليم المستحب بناءً على وجوبهما لكلّ زيادة ونقيصة وإلّا فلا. وسيجي‌ء الكلام حول ذلك في محلّه إن شاء الله تعالى (١).

وأمّا لو لم يتذكّر حتّى سلّم فلا ينبغي الإشكال في البطلان فيما لو كان قد أتى بما يبطل الصلاة عمداً وسهواً كالحدث والاستدبار ونحوهما ، لعدم إمكان التدارك عندئذ ، فانّ السلام إن كان واقعاً في محلّه وتحقّق معه الخروج عن الصلاة فقد نقص الركن ، وإلّا فلا يقبل الإلحاق والتدارك بعد حصول المبطل في الأثناء ، المانع عن صلاحية الانضمام كما هو واضح. فهذه الصلاة بمقتضى مفهوم لا تعاد محكومة بالفساد.

إنّما الكلام فيما لو تذكّر قبل الإتيان بالمنافيات أو أتى بما لا ينافي إلّا عمداً كالتكلّم ، فقد ذهب جماعة منهم السيِّد الماتن (قدس سره) إلى البطلان ، بل نسب ذلك إلى المشهور. وعن جماعة آخرين الصحّة ، وهي الأقوى.

ويستدلّ للبطلان بنقصان الركن وعدم إمكان تداركه ، لخروجه عن الصلاة بالسلام ، فإنّه مخرج تعبّدي ومانع عن الانضمام وإن وقع في غير محلّه ، كما تشهد به جملة من النصوص عمدتها صحيحة الحلبي ، قال «قال أبو عبد الله (عليه السلام) : كلّ ما ذكرت الله عزّ وجلّ به والنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) فهو من الصلاة ، وإن قلت : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد انصرفت» (٢).

أقول : الظاهر هو الحكم بالصحّة لحديث لا تعاد ، فانّ المستفاد من النصوص أنّ للسلام حيثيتين لا ثالث لهما :

إحداهما : أنّه الجزء الوجوبي الأخير من الصلاة ، وبه يتحقّق التحليل عن

__________________

(١) في ص ٣٦١.

(٢) الوسائل ٦ : ٤٢٦ / أبواب التسليم ب ٤ ح ١.

٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

المنافيات كما نطقت به الروايات المتضمّنة أنّ افتتاحها التكبير وآخرها التسليم أو تحريمها التكبير وتحليلها التسليم (١).

ثانيتهما : حيثية القطع والخروج ، وأنّه متى ما تحقّق يوجب قطع الصلاة وزوال الهيئة الاتصالية ، بحيث يمنع عن انضمام باقي الأجزاء بسابقتها وصلوحها للالتحاق بها ، إمّا لكونه من كلام الآدمي أو لأنّه بنفسه مخرج تعبّدي.

ومن هنا ورد عن الصادق (عليه السلام) في مرسلة الصدوق أنّ ابن مسعود أفسد على الناس صلاتهم بقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، يعني في التشهّد الأوّل (٢). ومرجع هذا إلى اعتبار عدم السلام الواقع في غير محلّه في الصلاة ، وأنّه مانع أو قاطع. ولا نرى اعتباراً آخر للسّلام وراء هاتين الحيثيتين.

لكن اعتبار المانعية له كغيره من بقيّة الموانع مقيّد بحال الذكر بمقتضى حديث لا تعاد ، الحاكم على الأدلّة الأوّلية ، فإنّه غير قاصر الشمول له ، فيدلّ على أنّ السلام الواقع في غير محلّه الذي كان مانعاً في طبعه لا مانعية له لو تحقّق نسياناً كما في المقام ، وأنّ وجوده كالعدم ، فلا تأثير له في الخروج والقطع. ونتيجة ذلك بقاء محلّ تدارك السجدتين.

وبعبارة اخرى : نقصان الركن منوط بالخروج عن الصلاة بالسلام الواقع في غير محلّه سهواً ، والحديث يقضي بإلغاء هذا السلام ، المستتبع لعدم تأثيره في الخروج ، فلا مانع من التدارك.

ومع الإغماض عن حديث لا تعاد فيكفينا في الحكم بالصحّة ما ورد في نسيان الركعة ، وأنّ من نسي الرابعة مثلاً فسلّم على الثلاث ثمّ تذكّر قام وأتى بها ثمّ بسجدتي السهو للسلام الزائد ، فإنّه يظهر منه بوضوح أنّ زيادة السلام

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤١٥ / أبواب التسليم ب ١ ح ٢ ، ١.

(٢) الوسائل ٦ : ٤١٠ / أبواب التشهّد ب ١٢ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٢٦١ / ١١٩٠.

٦٩

[٢٠١٧] مسألة ١٦ : لو نسي النيّة أو تكبيرة الإحرام بطلت صلاته سواء تذكّر في الأثناء أو بعد الفراغ ، فيجب الاستئناف (١).

______________________________________________________

ووقوعه في غير محلّه لا يستوجب البطلان ، بل أقصاه الإتيان بسجدتي السهو وهذا منطبق على المقام بعينه كما هو ظاهر جدّاً.

فالأقوى هو الحكم بالصحّة في المقام ، وإن كان الاحتياط بالتدارك ثمّ الإتيان بما هو مرتّب عليهما ثمّ إعادة الصلاة ممّا لا ينبغي تركه ، لمصير جمع إلى البطلان ، بل نسب إلى المشهور كما عرفت.

(١) أمّا النيّة فلا إشكال كما لا خلاف في أنّ نسيانها يستوجب البطلان فإنّه إن أُريد بها قصد عنوان العمل من الظهرية والعصرية ونحوهما فلا شك أنّ هذه من العناوين الدخيلة في حقيقة الصلاة التي لا تكاد تتميّز عن غيرها إلّا بالقصد والنيّة ، فهي وإن تشاركت في الصورة لكنّها تختلف في الحقيقة بعناوينها المتقوّمة بالقصد.

فالإخلال بها إخلال بالعنوان ، الموجب لبطلان الصلاة ، فلو أراد العصر فنسيها وقصد الظهر أو القضاء أو النافلة لم تتحقّق منه صلاة العصر بالضرورة فتبطل بطبيعة الحال ، لما عرفت من أنّ العناوين القصدية لا مناص من تعلّق القصد بها بخصوصها.

وإن أُريد بها قصد القربة فكذلك ، فإنّ الصلاة عبادة ، ولا عبادة من دون قصد التقرّب والإضافة إلى المولى نحو إضافة ، فالإخلال به ولو سهواً إخلال بالعبادة.

وعلى الجملة : فنسيان النيّة بكلا معنييها يستتبع البطلان بمقتضى القاعدة مضافاً إلى التسالم والإجماع المدّعى عليه في كلمات غير واحد.

ولا مجال للحكم بالصحّة استناداً إلى حديث لا تعاد ، الخالي عن ذكر النيّة

٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

لوضوح أنّها لم تكن في عرض سائر الأجزاء والشرائط ، وإنّما هي في طولها فإنّ النيّة هي الداعي والباعث على العمل ، والداعي خارج عن نفس العمل وإن كان العمل مقيّداً بصدوره عنه. ولا ريب أنّ الحديث ناظر إلى العمل نفسه ومتعرّض للإخلال المتعلّق بذات الصلاة ، ولا نظر فيه إلى ما تنبعث عنه كما لا يخفى.

وأمّا تكبيرة الإحرام فلا خلاف أيضاً في بطلان الصلاة بنسيانها ، بل عليه إجماع الأصحاب كما عن غير واحد ، وتشهد له جملة من النصوص المعتبرة.

منها : صحيحة زرارة المرويّة بعدّة طرق ، قال : «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح ، قال : يعيد» (١).

وصحيحة ابن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) : «في الذي يذكر أنّه لم يكبّر في أوّل صلاته ، فقال : إذا استيقن أنّه لم يكبّر فليعد ، ولكن كيف يستيقن» (٢).

وموثّقة عبيد بن زرارة : «عن رجل أقام الصلاة فنسي أن يكبّر حتّى افتتح الصلاة ، قال : يعيد الصلاة» (٣) ، ونحوها غيرها. وظاهرها بطلان الصلاة بنسيان التكبير مطلقاً.

ولكن بإزائها روايات أُخرى أيضاً معتبرة دلّت على التفصيل بين التذكّر قبل الدخول في الركوع وبعده ، وأنّ البطلان مختصّ بالأوّل :

كصحيحة زرارة : «الرجل ينسى أوّل تكبيرة من الافتتاح ، فقال : إن ذكرها قبل الركوع كبّر ثمّ قرأ ثمّ ركع ، وإن ذكرها في الصلاة كبّرها في قيامه في موضع التكبير قبل القراءة وبعد القراءة ، قلت : فان ذكرها بعد الصلاة ، قال : فليقضها

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٢ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢ ح ١.

(٢) الوسائل ٦ : ١٣ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢ ح ٢.

(٣) الوسائل ٦ : ١٣ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢ ح ٣.

٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا شي‌ء عليه» (١).

قال الشيخ : قوله : «فليقضها» يعني الصلاة (٢). ولكنّه كما ترى بعيد جدّاً ، سيما بملاحظة قوله : «ولا شي‌ء عليه» ، بل الظاهر عود الضمير إلى التكبيرة ، فيقضي التكبير فقط.

وموثّقة أبي بصير : «عن رجل قام في الصلاة فنسي أن يكبّر فبدأ بالقراءة فقال : إن ذكرها وهو قائم قبل أن يركع فليكبّر ، وإن ركع فليمض في صلاته» (٣).

ونحوها صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر : «رجل نسي أن يكبّر تكبيرة الافتتاح حتّى كبّر للركوع ، فقال : أجزأه» (٤).

ومقتضى الصناعة : لو كنّا نحن وهذه الأخبار جعل الطائفة الثانية المصرّحة بالتفصيل مقيّدة للطائفة الأُولى الدالّة على البطلان مطلقاً ، فتحمل على ما لو تذكّر قبل الدخول في الركوع.

إلّا أنّ هذه الطائفة المقيّدة في نفسها مبتلاة بالمعارض ، لوجود روايات اخرى دلّت على البطلان فيما لو لم يتذكّر حتّى ركع ، وهي :

صحيحة علي بن يقطين : «عن الرجل ينسى أن يفتتح الصلاة حتّى يركع قال : يعيد الصلاة» (٥).

وموثّقة الفضل بن عبد الملك أو ابن أبي يعفور : «في الرجل يصلّي فلم يفتتح بالتكبير هل تجزيه تكبيرة الركوع؟ قال : لا ، بل يعيد صلاته إذا حفظ أنّه لم

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٤ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢ ح ٨.

(٢) التهذيب ٢ : ١٤٥ ذيل ح ٥٦٧.

(٣) الوسائل ٦ : ١٥ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢ ح ١٠.

(٤) الوسائل ٦ : ١٦ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٣ ح ٢.

(٥) الوسائل ٦ : ١٣ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢ ح ٥.

٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

يكبّر» (١) ، فبعد التعارض والتساقط تبقى الطائفة الأُولى سليمة عمّا يصلح للتقييد.

وهناك تفصيل آخر ربما يظهر من بعض النصوص ، وهو أنّه إن كان من نيّته أن يكبّر صحّت صلاته وإلّا بطلت ، دلّت عليه صحيحة الحلبي «عن رجل نسي أن يكبّر حتّى دخل في الصلاة ، فقال : أليس كان من نيّته أن يكبّر؟ قلت : نعم ، قال : فليمض في صلاته» (٢).

ولكن الصحيحة وإن كانت في بادئ النظر أخصّ مطلقاً من الطائفة الأُولى الدالّة على البطلان ، إلّا أنّه لا يمكن ارتكاب التخصيص في تلك الأخبار بمثل هذه الصحيحة ، لاستلزامه تنزيل تلك الأخبار على الفرد النادر ، بل غير الواقع في الخارج ، ضرورة أنّ كلّ من يتصدّى للصلاة فهو من نيّته أن يكبّر ، وإن كان قد يذهل عنه أحياناً.

ففرض الدخول في الصلاة المؤلّفة ممّا يشتمل على التكبير من دون أن يكون من نيّته ذلك إمّا غير واقع خارجاً أو نادر التحقّق جدّاً ، فكيف يمكن حمل تلك الأخبار عليه. على أنّ هذا المعنى مشروب في مفهوم النسيان الذي فرضه السائل ، فإنّ الناسي هو الذي من نيّته أن يفعل فينسى كما لا يخفى.

وعليه فهذه الصحيحة لدى التدبّر معارضة مع تلك النصوص الدالّة على البطلان بالتباين ، فلا بدّ من الترجيح ، ولا شكّ أنّ تلك النصوص أرجح ، فإنّها أكثر وأشهر ، وهذه رواية شاذّة لم يعهد القول بها من أحد ، بل الإجماع قائم على البطلان كما تقدّم. على أنّ الصحيحة مطابقة لفتوى بعض العامّة ، حيث حكي عنهم الاكتفاء في الصحّة بمجرّد النيّة (٣) ، فهي محمولة على التقيّة.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٦ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٣ ح ١.

(٢) الوسائل ٦ : ١٥ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢ ح ٩.

(٣) حلية العلماء ٢ : ٨٩ ، المجموع ٣ : ٢٩٠ [حكي ذلك عن الزهري وغيره].

٧٣

وكذا لو نسي القيام حال تكبيرة الإحرام (١)

______________________________________________________

ومع الغضّ عن كلّ ذلك وتسليم استقرار المعارضة فغايته التساقط ، فيرجع حينئذ إلى ما تقتضيه القاعدة ، ومقتضاها البطلان ، لانتفاء المركّب بانتفاء جزئه بعد وضوح الإطلاق في دليل جزئية التكبير الشامل لحالتي الذكر والنسيان.

ولا مجال للتمسّك بحديث لا تعاد ، لقرب دعوى قصر النظر فيه على الإخلال بالأجزاء بعد التلبّس بالصلاة والدخول فيها الذي لا يتحقّق إلّا بالتكبير ، فلا نظر فيه إلى التكبير نفسه ، إذ لا صلاة بدونه كما يكشف عنه قوله (عليه السلام) في ذيل موثّقة عمّار : «... ولا صلاة بغير افتتاح» (١).

وعلى الجملة : دعوى انصراف الحديث عن التكبير غير بعيدة. على أنّه يكفينا مجرّد الشكّ في ذلك ، للزوم الاستناد في الخروج عمّا تقتضيه القاعدة التي قدّمناها إلى دليل قاطع كما لا يخفى.

(١) فإنّه ركن كنفس التكبير بالمعنى المختار في تفسير الركن ، أعني ما يوجب نقصه البطلان ولو سهواً كما سبق (٢) ، وهو مورد لاتفاق الأصحاب وتسالمهم فلو كبّر من وظيفته القيام جالساً نسياناً بطلت صلاته. كما أنّ الجلوس حال التكبير ممّن وظيفته الصلاة جالساً ركن ، فلو كبّر قائماً نسياناً أعاد صلاته وقد دلّت موثقة عمّار على كلا الحكمين صريحاً (٣)

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٤ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ٢ ح ٧.

(٢) في ص ٥١.

(٣) الوسائل ٥ : ٥٠٣ / أبواب القيام ب ١٣ ح ١.

٧٤

وكذا لو نسي القيام المتّصل بالرّكوع بأن ركع لا عن قيام (*) (١).

[٢٠١٨] مسألة ١٧ : لو نسي الركعة الأخيرة فذكرها بعد التشهّد قبل التسليم قام وأتى بها ، ولو ذكرها بعد التسليم الواجب قبل فعل ما يبطل الصلاة عمداً وسهواً قام وأتمّ ، ولو ذكرها بعده استأنف الصلاة من رأس (٢).

______________________________________________________

(١) ذكرنا في محلّه (١) أنّ القيام المتّصل بالركوع ليس ركناً آخر في قباله ، بل ليس واجباً مستقلا بحياله ، وإنّما اعتبر من أجل أنّ الركوع متقوّم به ولا يتحقّق بدونه ، إذ هو ليس مطلق التقوّس كيف ما كان ، بل الانحناء الخاص ، وهو ما كان عن قيام ومترتّباً عليه ، فالقيام المتصل مأخوذ في مفهوم الركوع.

وعليه فالإخلال به إخلال بالركوع نفسه لدى التحليل ولا يزيد عليه بشي‌ء فيلحقه حكم نسيان الركوع ، وقد عرفت أنّه لا يستوجب البطلان إلّا إذا استمرّ النسيان إلى ما بعد الدخول في السجدة الثانية ، لامتناع التدارك عندئذ ، فلا بطلان لو تذكّر قبله ، لإمكان التدارك ، إذ لا يترتّب عليه عدا زيادة سجدة واحدة سهواً ، وهي ليست بقادحة نصّاً وفتوى كما سبق.

(٢) قد يكون التذكّر بعد التشهّد وقبل التسليم ، وأُخرى بعد التسليم وقبل الإتيان بشي‌ء من المنافيات ، وثالثة بعد الإتيان بما لا ينافي إلّا عمداً كالتكلّم ورابعة بعد الإتيان بما ينافي عمداً وسهواً كالحدث والاستدبار. فصور المسألة أربع :

أمّا الصورة الاولى : فلا إشكال كما لا خلاف في عدم البطلان ، فيتدارك

__________________

(*) هذا إذا لم يمكن التدارك ، بأن كان التذكّر بعد السجدتين ، وإلّا فالحكم بالبطلان لا يخلو من إشكال بل منع.

(١) في شرح العروة ١٤ : ١٦٨.

٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الركعة ولا شي‌ء عليه ، فانّ زيادة التشهّد الواقع في غير محلّه سهواً غير قادحة بمقتضى حديث لا تعاد ، غايته الإتيان بسجدتي السهو للتشهّد الزائد بناءً على وجوبهما لكلّ زيادة ونقيصة.

وأمّا الصورة الثانية : فلا إشكال كما لا خلاف أيضاً في عدم البطلان. ويدلّ عليه مضافاً إلى مطابقته لمقتضى القاعدة بناءً على ما عرفت في المسألة السابقة من أنّ السلام الواقع في غير محلّه سهواً مشمول لحديث لا تعاد بالتقريب الذي سبق (١) جملة وافرة من النصوص التي منها موثّقة عمّار : «عن رجل صلّى ثلاث ركعات وهو يظنّ أنّها أربع ، فلمّا سلّم ذكر أنّها ثلاث ، قال : يبني على صلاته متى ما ذكر ويصلّي ركعة ، ويتشهّد ويسلّم ويسجد سجدتي السهو ، وقد جازت صلاته» (٢). نعم ، عليه سجدتا السهو للسّلام الزائد كما تضمّنه ذيل الموثّقة.

وأمّا الصورة الثالثة : فالمعروف والمشهور عدم البطلان أيضاً ، لكن جماعة منهم الشيخ في النهاية (٣) حكموا بالبطلان ، بل عن الغنية دعوى الإجماع عليه (٤).

ويستدلّ له بعد الإجماع المزبور بأنّه من الكلام عمداً ولذا يصحّ لو كان عقداً أو إيقاعاً فيشمله ما دلّ على بطلان الصلاة بالكلام العمدي مثل ما ورد من أنّ : «من تكلّم في صلاته متعمّداً فعليه الإعادة» (٥).

ويردّه بعد وهن الإجماع المزبور بمصير المشهور إلى خلافه كما عرفت أنّه إن أُريد بالعمد القصد إلى ذات الكلام في مقابل الغفلة فحقّ لا سترة عليه

__________________

(١) في ص ٦٩.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٠٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٤.

(٣) النهاية : ٩٠.

(٤) الغنية : ١١١.

(٥) الوسائل ٧ : ٢٨١ / أبواب قواطع الصلاة ب ٢٥ ح ٢.

٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ولذا يتحقّق به العقد أو الإيقاع كما ذكر ، ولا يكون بمثابة الصادر عن السكران أو الساهي. إلّا أنّ العمد بهذا المعنى لم يكن موضوعاً للبطلان ، بل المبطل هو العمد إلى الكلام بوصف كونه في الصلاة ، بأن يكون هذا الوصف العنواني أيضاً مقصوداً كما هو ظاهر الرواية المتقدّمة ، وهذا المعنى غير متحقّق في المقام بعد فرض اعتقاد الخروج عن الصلاة بالضرورة. وإن أُريد به العمد بالمعنى القادح في الصلاة فهو ممنوع كما عرفت.

وبالجملة : ليس المبطل العمد المتعلّق بذات الكلام ، بل بوصف كونه واقعاً في الصلاة ، فلو تكلّم عامداً إلى الكلام ناسياً كونه في الصلاة كما في المقام لم يوجب البطلان كما يكشف عنه صحيحة ابن الحجاج : «عن الرجل يتكلّم ناسياً في الصلاة يقول : أقيموا صفوفكم ، فقال : يتمّ صلاته ثمّ يسجد سجدتين» (١). فانّ التكلّم بقوله : «أقيموا صفوفكم» صادر عن عمد وقصد ، غير أنّه ناسٍ كونه في الصلاة ، هذا.

مضافاً إلى النصوص الدالّة على الصحّة في خصوص المقام ، التي منها صحيحة ابن مسلم : «في رجل صلّى ركعتين من المكتوبة فسلّم وهو يرى أنّه قد أتمّ الصلاة وتكلّم ، ثمّ ذكر أنّه لم يصلّ غير ركعتين ، فقال : يتمّ ما بقي من صلاته ولا شي‌ء عليه» (٢).

والرواية صحيحة بلا إشكال كما وصفها بها في الحدائق (٣) ، غير أنّ المذكور في السند في الطبعة الجديدة من الوسائل (القاسم بن قاسم بن بريد) وهو مجهول والموثّق هو القاسم بن بريد ، ولا شك أنّ في النسخة تصحيفاً وأحد اللّفظين

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٠٦ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٤ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٠٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٩.

(٣) الحدائق ٩ : ٢٣.

٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

مكرّر ، والموجود في التهذيبين القاسم بن بريد (١) ، وكذلك في الوسائل في الطبعة المعروفة بطبعة عين الدولة. وكيف ما كان ، ففيما عداها غنى وكفاية.

وأمّا الصورة الرابعة : فالمشهور فيها هو البطلان ، خلافاً للصدوق في المقنع فحكم بالصحّة وأنّه يأتي بالفائت متى تذكّر ولو بلغ الصين كما في الخبر (٢) للنصوص الدالّة عليه كما ستعرف. وببالي أنّ بعض المتأخّرين استجود هذا القول قائلاً : إنّ النصوص الدالّة عليه كثيرة صحيحة السند قويّة الدلالة. وإعراض المشهور لا يسقطها عن الحجّية ، وليس البطلان لدى الإتيان بالمنافيات حكماً عقلياً غير قابل للتخصيص ، فليلتزم بالصحّة في خصوص المقام بعد مساعدة الدليل. وكيف ما كان ، فلا بدّ من النظر إلى الروايات الواردة في المقام وهي على طائفتين ، وكثيرة من الطرفين. ولنقدّم الروايات الدالّة على الصحّة.

فمنها صحيحة عبيد بن زرارة : «عن رجل صلّى ركعة من الغداة ثمّ انصرف وخرج في حوائجه ثمّ ذكر أنّه صلّى ركعة ، قال : فليتمّ ما بقي» (٣).

ومعتبرته «عن الرجل يصلّي الغداة ركعة ويتشهّد ثمّ ينصرف ويذهب ويجي‌ء ثمّ يذكر بعد أنّه إنّما صلّى ركعة ، قال : يضيف إليها ركعة» (٤) ، فانّ الخروج إلى الحوائج كما في الأُولى ، ولا سيّما الذهاب والمجي‌ء كما في الثانية الملازم للحركة نحو نقطتين متقابلتين يستلزم الاستدبار لا محالة.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٩١ / ٧٥٧ ، الاستبصار ١ : ٣٧٩ / ١٤٣٦.

(٢) [هذا ما حكاه عنه العلّامة في المختلف ٢ : ٣٩٦ والشهيد في الذكرى ٤ : ٣٤ ، لكن الموجود في المقنع : ١٠٥ ما لفظه : وإن صليت ركعتين ثمّ قمت فذهبت في حاجة لك فأعد الصلاة ولا تبن على ركعتين].

(٣) الوسائل ٨ : ٢١٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٦ ح ٣.

(٤) الوسائل ٨ : ٢١٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٦ ح ٤.

٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «سئل عن رجل دخل مع الإمام في صلاته وقد سبقه بركعة ، فلما فرغ الإمام خرج مع الناس ، ثمّ ذكر بعد ذلك أنّه فاتته ركعة ، فقال : يعيدها ركعة واحدة» (١) ورواها في الحدائق عن الشيخ عن أحدهما (عليهما السلام) مع زيادة قوله (عليه السلام) : «يجوز له ذلك إذا لم يحوّل وجهه عن القبلة ، فإذا حوّل وجهه عن القبلة فعليه أن يستقبل الصلاة استقبالاً» (٢).

قال صاحب الوسائل بعد نقل الرواية من دون الزيادة : أقول : حمله الشيخ والصدوق وغيرهما على من لم يستدبر القبلة ، لما مضى ويأتي. وقد استظهر بعضهم من عبارة الوسائل هذه أنّ تلك الزيادة من كلام الشيخ ، وأنّها بيان منه (قدس سره) لمحمل الرواية ، وأنّ صاحب الحدائق غفل وتوهّم أنّها من متمّماتها.

أقول : الاستظهار المزبور في غير محلّه ، وليست تلك الزيادة من كلام الشيخ وإلّا لأوعز إليها بذكر الفاصل مثل كلمة (أقول) أو (قلت) ونحو ذلك كما هو دأبه وديدنه عند ذكر المحامل ، إذ ليس دأبه دأب الصدوق الجاري على ضمّ كلامه بالرواية والخلط بينهما.

والحقيقة أنّ الرواية المشتملة على تلك الزيادة رواية أُخرى مرويّة بطريق آخر ، قد ذكرها في الوسائل (٣) ، وهي من أدلّة القول المشهور ، ومعارضة لهذه الرواية ، نعم هي ضعيفة السّند فلا تنهض لمقاومة الصحيحة.

وبالجملة : أنّ للشيخ روايتين مرويتين بطريقين ، في أحدهما ضعف ، وقد

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٠٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٢.

(٢) الحدائق ٩ : ١٢٩.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٠٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٦ ح ٢.

٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

اشتملت إحداهما على الزيادة المزبورة دون الأُخرى ، ذكرهما في التهذيب (١) وأشار إليهما في الوسائل والحدائق. وعند ما تعرّض الشيخ للرواية الخالية عن الزيادة حملها على من لم يستدبر القبلة كما نقله عنه في الوسائل ، وليست تلك الزيادة من كلام الشيخ كما توهّمه المستظهر. وكيف ما كان ، فهذا الحمل الذي ذكره الشيخ (قدس سره) للصحيحة بعيد جدّاً ، فانّ الخروج مع الناس عن المسجد ملازم للاستدبار عادة ، إلّا أن يفرض أنّ باب المسجد على جهة القبلة ويرجع القهقرى ، لكنّه فرض نادر كما لا يخفى.

ومنها : صحيحة زرارة «عن رجل صلّى بالكوفة ركعتين ثمّ ذكر وهو بمكّة أو بالمدينة أو بالبصرة أو ببلدة من البلدان أنّه صلّى ركعتين ، قال : يصلِّي ركعتين» (٢).

وموثّقة عمّار في حديث «والرجل يذكر بعد ما قام وتكلّم ومضى في حوائجه أنّه إنّما صلّى ركعتين في الظهر والعصر والعتمة والمغرب ، قال : يبني على صلاته فيتمّها ولو بلغ الصين ، ولا يعيد الصلاة» (٣). وهما صريحتان في المطلوب.

وبإزاء هذه الأخبار روايات أُخرى كثيرة أيضاً فيها الصحيح والموثّق قد دلّت على البطلان :

فمنها : صحيحة جميل «عن رجل صلّى ركعتين ثمّ قام ، قال : يستقبل ، قلت : فما يروي الناس ، فذكر حديث ذي الشمالين ، فقال : إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) لم يبرح من مكانه ، ولو برح استقبل» (٤). ونحوها موثّقة أبي

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٨٤ / ٧٣٢ ، ٣٤٦ / ١٤٣٦.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٠٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٩.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٠٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٢٠.

(٤) الوسائل ٨ : ٢٠٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٧.

٨٠