موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

الظهر ، وإتيانه بسجدتي السهو بعد أن ذكّره الأصحاب (١) ، ولكنّها بالرغم من صحّة سندها غير ثابتة عندنا ، لمنافاة مضمونها مع القواعد العقلية كما لا يخفى فهي غير قابلة للتصديق.

هذه هي حال الروايات الواردة في المقام ، وقد عرفت أنّ مقتضى إطلاق الطائفة الأُولى البطلان فيما إذا زاد ركعة سهواً ، كما أنّ مقتضى الثانية الصحّة فيما إذا جلس عقيب الرابعة بمقدار التشهّد ، والسند معتبر في كلتا الطائفتين.

وربما يجمع بينهما بحمل الجلوس في الطائفة الثانية على المعهود المتعارف المشتمل على التشهّد والتسليم ، فتكون الركعة الزائدة واقعة خارج الصلاة.

وفيه : أنّه جمع تبرّعي ، لا يكاد يساعده الفهم العرفي بوجه ، لما عرفت من أنّ حمل قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة : «إن كان قد جلس في الرابعة قدر التشهّد» (٢) على التشهّد نفسه بعيد جدّاً ، وعلى خلاف المتعارف في المحاورات فإنّه تطويل بلا طائل كما لا يخفى ، بل ظاهره أنّ الجلوس بهذا المقدار هو المصحّح للصلاة سواء قارنه التشهّد الخارجي أم لا ، إلّا أن يقال : إنّ الجلوس بهذا المقدار العاري عن التشهّد نادر التحقّق ، بل لعلّه لم يتّفق خارجاً ، فكيف يمكن إرادته من النصّ.

والتحقيق : أنّ مقتضى الصناعة في مقام الجمع ارتكاب التقييد ، بحمل الإطلاق في الطائفة الأُولى المانعة على ما إذا لم يجلس قدر التشهّد ، بقرينة الطائفة الثانية الدالّة على الصحّة فيما إذا جلس ، فيحكم بالصحّة مع الجلوس سواء تشهّد أم لا ، والندرة المزبورة غير مانعة عن ذلك.

وتوضيحه : أنّ ما يمكن وقوعه خارجاً صور ثلاث :

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ٩.

(٢) تقدمت في ص ٣٧.

٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

الاولى : أن لا يجلس في الرابعة أصلاً ، كما لو تخيّل بعد رفع رأسه من السجدتين أنّها الركعة الثالثة فقام إلى الرابعة ثمّ بان أنّها الخامسة ، وهذا فرض شائع.

الثانية : أن يجلس ويتشهّد ، كما لو تخيّل أنّها الركعة الثانية فقام إلى الثالثة ثمّ بان أنّها الخامسة ، وهذا أيضاً فرض شائع.

الثالثة : أن يجلس في الرابعة ولا يتشهّد ، كما لو كان الجلوس لا لغرض التشهّد لاعتقاده أنّها الركعة الثالثة مثلاً ، بل لغرض آخر من حكّ جلده أو قراءة دعاء ونحوهما ، ويستمرّ الجلوس مقدار التشهّد ، ثمّ يقوم إلى الركعة الرابعة فيستبين أنّها الخامسة. وهذا الفرض كما ترى نادر التحقّق ، وإنّما الشائع هما الفرضان الأوّلان كما عرفت.

وحينئذ نقول : دلّت الطائفة الثانية على الصحّة مع الجلوس في الرابعة بمقدار التشهّد ، ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين ما إذا اقترن الجلوس بنفس التشهّد كما في الصورة الثانية ، وما إذا لم يقترن كما في الصورة الثالثة ، في مقابل الصورة الأُولى العارية عن الجلوس رأساً ، المحكومة بالبطلان. ومجرّد كون الصورة الثالثة نادرة التحقّق لا يمنع عن شمول الإطلاق لها ، فانّ الممنوع إنّما هو حمل المطلق على الفرد النادر ، لا شمول الإطلاق له وللإفراد الشائعة.

فالطائفة الأُولى محمولة على الصورة الأُولى ، والثانية على الصورتين الأخيرتين لما بين الطائفتين من نسبة الإطلاق والتقييد. ونتيجة ذلك الحكم بالبطلان فيما إذا لم يجلس في الرابعة رأساً ، والصحّة فيما إذا جلس سواء تشهّد أم لم يتشهّد.

وممّا ذكرنا يظهر فساد ما قد يقال في وجه الجمع من حمل الطائفة الثانية على التقيّة لموافقتها لمذهب العامّة ، إذ فيه : أنّ الترجيح بالمرجّح الجهتي فرع استقرار المعارضة ، ولا معارضة مع وجود الجمع العرفي بحمل المطلق على المقيّد على النحو الذي عرفت ، فبعد إمكان الجمع الدلالي لا تصل النوبة إلى ملاحظة

٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

المرجّحات كما هو المقرّر في محلّه.

ومن الواضح أنّ مجرّد الموافقة مع مذهب العامّة أو لفتوى سفيان وأبي حنيفة لا يستدعي الحمل على التقية ما لم تستقرّ المعارضة ، وقد عرفت عدم وجود المعارضة بعد إمكان الجمع وارتكاب التقييد ، هذا.

ولكن الظاهر أنّ الجمع الذي ذكرناه لا يمكن المصير إليه ، لابتلاء المقيّد أعني الطائفة الثانية في نفسه بالمعارض ، وذلك لأنّ مورد هذه الروايات وإن كانت صلاة الظهر أربعاً وزيادة الخامسة سهواً ، إلّا أنّا لا نحتمل اختصاص الحكم بالظهر تماماً ، بل يجري في القصر أيضاً فيما إذا زاد ركعة أو ركعتين سهواً للقطع بعدم الفرق بين التمام والقصر من هذه الجهة ، وأنّ المستفاد من النصّ أنّ الموضوع للحكم هو صلاة الظهر كيف ما تحقّقت ، سواء صدرت من الحاضر أو المسافر.

نعم ، يتطرّق احتمال الاختصاص بالظهر وما يشاكلها من الرباعيات كالعصر والعشاء ، وعدم انسحاب الحكم إلى الثنائية بالأصل والثلاثية كالمغرب والفجر فيحكم بالبطلان إذا زيدت فيهما ركعة ولو سهواً ، لقصور النصّ عن الشمول لهما بعد أن كان الحكم على خلاف القاعدة المستفادة من إطلاق الطائفة الأُولى كما قيل بذلك ، إلّا أنّه لا مجال لاحتمال الاختصاص بالظهر تماماً ، لعدم قصور النصّ عن الشمول له وللقصر ، مضافاً إلى القطع بعدم الفرق كما عرفت.

وعليه فيعارض هذه الروايات ما ورد في من أتمّ في موضع القصر نسياناً من البطلان ووجوب الإعادة في الوقت وإن لم يجب القضاء فيما لو تذكّر بعد خروج الوقت ، فانّ الركعتين الزائدتين سهواً واقعتان بعد الجلوس والتشهّد بطبيعة الحال ، فالحكم بالبطلان في هذه النصوص ينافي الحكم بالصحّة التي تضمّنتها تلك الروايات. وإليك بعض هذه النصوص

٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

منها : صحيحة العيص بن القاسم : «عن رجل صلّى وهو مسافر فأتمّ الصلاة قال : إن كان في وقت فليعد ، وإن كان الوقت قد مضى فلا» (١) فانّ موردها الناسي قطعاً ، دون العامد ودون الجاهل ، لوجوب الإعادة على الأوّل في الوقت وخارجه ، وعدم وجوبها على الثاني لا في الوقت ولا في خارجه نصّاً وفتوى. فيختصّ موردها المشتمل على التفصيل بين الوقت وخارجه بالناسي لا محالة.

ومنها : موثق (٢) أبي بصير : «عن الرجل ينسى فيصلّي في السفر أربع ركعات قال : إن ذكر في ذلك اليوم فليعد ، وإن لم يذكر حتّى يمضي ذلك اليوم فلا إعادة عليه» (٣) وهي صريحة في الناسي. ومنها غير ذلك.

فتقع المعارضة بين هذه النصوص وتلك الروايات ، لما عرفت من أنّ زيادة الركعتين نسياناً في من يتمّ في موضع القصر واقعة غالباً عقيب الجلوس للتشهّد ، وقد دلّت هذه على البطلان وتلك على الصحّة ، فتستقرّ المعارضة بينهما ولا بدّ من العلاج. وبما أنّ تلك الروايات المتضمّنة للصحّة موافقة لمذهب العامّة كما عرفت ، فتطرح وتحمل على التقيّة ، فيكون الترجيح مع هذه النصوص الموافقة لإطلاق الطائفة الأُولى المتضمّنة للبطلان.

وعلى الجملة : فالطائفة الثانية من أجل ابتلائها بالمعارض غير صالحة لتقييد الطائفة الأُولى ، والترجيح بالجهة إنّما يتّجه لدى ملاحظتها مع النصوص المتقدّمة آنفاً ، لا مع الطائفة الأُولى ، إذ لا معارضة بينهما بعد كون النسبة نسبة الإطلاق والتقييد كما عرفت.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٥٠٥ / أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ١.

(٢) [لم يظهر وجه التسمية بالموثّق دون الصحيح ، فانّ سندها هكذا : الشيخ بإسناده عن سعد ، عن محمّد بن الحسين ، عن علي بن النعمان ، عن سويد القلاء ، عن أبي أيوب ، عن أبي بصير].

(٣) الوسائل ٨ : ٥٠٦ / أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٢.

٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّ الأقوى ما عليه المشهور من بطلان الصلاة بزيادة الركعة سهواً ، للإطلاقات السليمة عمّا يصلح للتقييد ، وإن كان مقتضى القاعدة الأوّلية المستفادة من حديث لا تعاد هي الصحّة كما مرّ.

ثمّ إنّه بناءً على القول بالصحّة لدى الجلوس عقيب الرابعة بقدر التشهّد فهل يحكم بها مع الشكّ في الجلوس أيضاً كما هو ظاهر عنوان صاحب الوسائل (١)؟ مقتضى صحيحة ابن مسلم المتقدّمة (٢) هو ذلك.

وناقش فيها صاحب الحدائق (قدس سره) (٣) تارة بأنّ ما تضمّنته من إلحاق الشكّ في الجلوس بالجلوس المحقّق في الحكم بالصحّة ممّا لا قائل به من الأصحاب عدا ما قد يستشعر من إيرادها الصدوق في الفقيه (٤) بناءً على قاعدته التي مهّدها في صدر كتابه من عمله بكلّ ما يرويه في الكتاب ، وأنّه حجّة بينه وبين الله تعالى ، وإن كان فيه تأمّل يظهر لمن راجع كتابه ولاحظ خروجه عن هذه القاعدة.

أقول : الإعراض لا يسقط الصحيح عن الحجّية ، وقد عرفت فتوى صاحب الوسائل بمضمونها. نعم ، مضمون الصحيحة مخالف للقاعدة ، فإن مقتضى الاستصحاب عدم تحقّق الجلوس عقيب الرابعة ، ونتيجته البطلان.

وما عن المحقق الهمداني (قدس سره) من تطبيقها على القواعد بدعوى أنّ مقتضى قاعدة الفراغ هو الصحّة ، فإنّ الزيادة القادحة هي الركعة العارية عن الجلوس عقيب الرابعة ، وهو مشكوك حسب الفرض ، ومقتضى القاعدة عدم الاعتناء بعد الصلاة باحتمال عروض المبطل في الأثناء (٥).

__________________

(١) كما تقدّم في ص ٣٥.

(٢) في ص ٤٠.

(٣) الحدائق ٩ : ١١٥.

(٤) الفقيه ١ : ٢٢٩ / ١٠١٧.

(٥) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٥٣٦ السطر ١.

٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

غير وجيه ، لاختصاص القاعدة بما إذا احتمل الإخلال زيادة أو نقصاً ، أمّا في المقام فهو متيقّن بزيادة الركعة كنقيصة التشهّد ، غير أنّ الشارع قد حكم باغتفارها لو صادف اقترانها بالجلوس ، وأنّه بمجرّده مصحّح لتلك الركعة الزائدة فغايته أنّه يحتمل مقارنة ذلك مع الجلوس عقيب الرابعة بمقدار التشهّد من باب الصدفة والاتّفاق ، فانّ هذا الجلوس بمجرّده غير واجب بالضرورة ، فلو تحقّق أحياناً فهو أمر اتّفاقي وإن ترتبت عليه الصحّة.

ومن المعلوم أنّ القاعدة لا تتكفّل الصحّة من باب الاتّفاق والصدفة كما يكشف عنه التعليل بالأذكرية (١) والأقربية إلى الحقّ (٢) في بعض نصوصها. وعليه فلا مسرح للقاعدة من هذه الجهة في مثل المقام ، بل مقتضى الاستصحاب عدم الجلوس الذي نتيجته البطلان كما مرّ.

وعلى الجملة : مضمون الصحيحة وإن كان على خلاف القواعد لكن لا ضير في الالتزام به بعد مساعدة الدليل ، فانّ غايته ارتكاب التخصيص والخروج عمّا تقتضيه القاعدة بالنصّ ، وهو غير عزيز في الأخبار.

إلّا أنّ الذي يهوّن الخطب أنّ الصحيحة في نفسها معارضة بصحيحة أُخرى لابن مسلم دلّت بمفهومها على اعتبار العلم بالجلوس في الحكم بالصحّة وعدم كفاية الشكّ ، قال (عليه السلام) فيها : «... إن كان علم أنّه جلس في الرابعة ...» إلخ (٣) ، فبعد معارضة المنطوق بالمفهوم تسقط الصحيحة عن درجة الاعتبار ، فلا يمكن التعويل عليها.

على أنّك عرفت فيما مرّ فساد المبنى من أصله ، وأنّ الأقوى بطلان الصلاة

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٧١ / أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٧.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٤٦ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٧ ح ٣.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٣٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ٥.

٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

بزيادة الركعة سهواً حتّى مع العلم بتحقّق الجلوس عقيب الرابعة بمقدار التشهّد كما عليه المشهور ، فضلاً عن الشكّ في ذلك.

وناقش (قدس سره) أُخرى بأنّ التشهّد المذكور في الصحيحة إمّا أن يكون للفريضة أو للنافلة ، فعلى الأوّل لا يكون إلّا على جهة القضاء ، مع أنّ التشهّد المشكوك فيه لا يقضى بعد تجاوز المحلّ ، وعلى الثاني فالأنسب ذكره بعد الركعتين من جلوس كما لا يخفى.

ويندفع بأنّ التشهّد متعلّق بالفريضة لا محالة ، ولا تعرّض في الصحيحة لاتصافه بالأداء أو القضاء ، فبعد البناء على صحّة الصلاة كما تضمّنته الصحيحة فليكن التشهّد قضاءً لما فات ، وهو حكم استحبابي ، لكون التشهّد المشكوك مورداً لقاعدة الفراغ بعد البناء المزبور كالحكم بالإتيان بركعتين من جلوس وضمّهما إلى الركعة الزائدة واحتسابهما نافلة ملفّقة من ركعة عن قيام وركعتين من جلوس.

وبالجملة : فهذا الإشكال لا يرجع إلى محصّل ، والعمدة هو الإشكال الأوّل وقد مرّ الجواب عنه. هذا كلّه في زيادة الركعة سهواً.

وأمّا زيادة الركوع السهوية : فالمعروف والمشهور بطلان الصلاة بها ، بل ادّعي عليه الإجماع في كلمات غير واحد ، فالحكم كأنه من المسلّمات ، إنّما الكلام في مدركه ، ويدلّنا عليه من الروايات الخاصّة :

صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل صلّى فذكر أنّه زاد سجدة ، قال : لا يعيد صلاة من سجدة ، ويعيدها من ركعة» (١).

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣١٩ / أبواب الركوع ب ١٤ ح ٢.

٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وصحيحة عبيد بن زرارة والمراد بأبي جعفر الواقع في السند هو أبو جعفر الأشعري أحمد بن محمّد بن عيسى قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل شكّ فلم يدر أسجد اثنتين أم واحدة فسجد اخرى ثمّ استيقن أنّه قد زاد سجدة ، فقال : لا والله لا تفسد الصلاة بزيادة سجدة. وقال : لا يعيد صلاته من سجدة ، ويعيدها من ركعة» (١).

فانّ مقابلة الركعة بالسجود تقضي بأن يكون المراد بها هو الركوع ، لا الركعة التامة المصطلحة ، وقد أُطلقت عليه في غير واحد من النصوص (٢) ويساعده المعنى اللغوي ، فإنّ الركعة كالركوع مصدر لـ (ركع) ، يقال : ركع يركع ركوعاً وركعة ، والتاء للوحدة كما في السجدة. فبقرينة المقابلة والموافقة للّغة والإطلاقات الكثيرة يستظهر إرادة الركوع من الركعة الواردة في هاتين الصحيحتين.

وإن أبيت عن ذلك وادّعيت الإجمال في المراد من اللفظ فتكفينا صحيحة أبي بصير : «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» (٣) دلّت بإطلاقها على البطلان في مطلق الزيادة ، عمدية كانت أم سهوية ، ركناً أم غير ركن ، ففي كلّ مورد ثبت التقييد نلتزم به ونخرج عن الإطلاق ، وقد ثبت في السجدة الواحدة بمقتضى الصحيحتين المتقدّمتين ، بل في مطلق الجزء غير الركني سهواً بمقتضى حديث لا تعاد ، فيبقى ما عدا ذلك ومنه زيادة الركوع تحت الإطلاق.

وليس بإزاء هذه الصحيحة ما يدلّ على الصحّة عدا ما يتوهّم من دلالة حديث لا تعاد عليها ، بدعوى أنّ المستثنى منه شامل لمطلق الإخلال سواء أكان من ناحية النقص أم الزيادة ، وأمّا عقد الاستثناء فهو ظاهر في اختصاصه

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣١٩ / أبواب الركوع ب ١٤ ح ٣.

(٢) منها صحيحة أبي بصير الآتية في ص ٥٩.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ٢.

٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

بالإخلال الناشئ من قبل النقص فقط ، فإنّه المنصرف من النصّ حسب المتفاهم العرفي.

فمفاد الحديث عدم الإعادة من أيّ خلل إلّا من ناحية النقص المتعلّق بأحد الخمسة ، وعليه فزيادة الركوع كالسجود داخلة في عقد المستثنى منه ، ومقتضاه الصحّة وعدم الإعادة ، وبما أنّه حاكم على الأدلّة الأوّلية فيقدّم على الصحيحة المتقدّمة.

وربما تؤكّد الدعوى بعدم تصوير الزيادة في بعض فقرأت الاستثناء كالوقت والقبلة والطهور ، فبمقتضى اتّحاد السياق يستكشف أنّ المراد في الجميع هو الإخلال من ناحية النقيصة خاصّة.

لكن المناقشة في هذه الدعوى لعلّها ظاهرة ، فانّ الاستثناء المذكور في الحديث من قبيل المفرّغ ، والمستثنى منه محذوف تقديره لا تعاد الصلاة من أيّ خلل إلّا من ناحية الخمسة ، ولفظة (من) نشوية في الموردين ، ومرجع الحديث إلى التنويع في مناشئ الخلل وأسبابه ، وأنّ الإخلال الناشئ من أحد الخمسة تعاد الصلاة من أجله دون ما نشأ ممّا عداها.

ومن المعلوم جدّاً أنّ مقتضى اتحاد السياق وحدة المراد من الإخلال في الموردين ، فإن أُريد من الإخلال في طرف المستثنى منه ما يعمّ النقص والزيادة كان كذلك في طرف الاستثناء ، وإن أُريد من الثاني خصوص النقص كان مثله الأوّل. فالتفكيك بين الطرفين والالتزام بتعدّد المراد من الإخلال في العقدين خروج عن المتفاهم العرفي ، وبعيد عن سياق الحديث جدّاً كما لا يخفى.

وبما أنّ عقد المستثنى منه شامل لمطلق الإخلال حتّى من ناحية الزيادة باعتراف الخصم ، وإلّا لم يكن الحديث مصادماً للصحيحة وحاكماً عليها ، ولا موجب أيضاً لتخصيصه بالنقص ، كان كذلك في عقد الاستثناء أيضاً.

٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ونتيجة ذلك لزوم الإعادة بالإخلال بالركوع من ناحية الزيادة كالنقيصة إذ الإخلال بالأركان من هذه الناحية داخل في عقد المستثنى دون المستثنى منه. وعليه فالحديث معاضد للصحيحة لا أنّه معارض لها وحاكم عليها.

وأمّا عدم تصوير الزيادة في بعض فقرأت الحديث فهو لا يكشف عن الاختصاص بالنقص ، بل اللفظ مستعمل في المعنى العام الشامل له وللزيادة غايته أنّه بحسب الوجود الخارجي لا مصداق للزيادة في بعض تلك الفقرات وهذا لا يمنع عن إرادة الإطلاق من اللفظ ، فلا ندّعي التفكيك في مقام الاستعمال كي يورد بمنافاته لاتحاد السياق ، بل اللفظ مستعمل في مطلق الخلل في جميع الخمسة ، غير أنّه بحسب الانطباق الخارجي تختصّ الزيادة ببعضها ، وهو لا ينافي إرادة الإطلاق من اللفظ عند الاستعمال كما لا يخفى.

وأمّا زيادة السجدتين فلم يرد فيها نصّ بالخصوص ، لكن يكفي في إثبات المطلوب إطلاق صحيحة أبي بصير المتقدّمة ، فإنّ الخارج عنه بمقتضى صحيحتي منصور وعبيد المتقدّمتين (١) زيادة السجدة الواحدة ، فتبقى زيادة السجدتين مشمولة للإطلاق المقتضي للبطلان. والكلام في معارضة الصحيحة بحديث لا تعاد قد مرّ آنفاً ، فانّ الكلام المتقدّم جارٍ هنا أيضاً حرفاً بحرف.

ومنه تعرف صحّة الاستدلال على المطلوب بعقد الاستثناء من الحديث بناءً على شموله للزيادة بالتقريب المذكور. نعم ، إطلاق الحديث يشمل السجدة الواحدة أيضاً ، لكنّه مقيّد بالسجدتين بمقتضى الصحيحتين المتقدّمتين ، كما أنّ الإخلال بها من ناحية النقص غير قادح أيضاً بالنصوص الخاصّة (٢).

وأمّا تكبيرة الإحرام فالبطلان بزيادتها السهوية هو المعروف والمشهور

__________________

(١) في ص ٤٧ ، ٤٨.

(٢) الآتية في ص ٨٦ وما بعدها.

٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

عند الأصحاب ، لكنه لا دليل عليه أصلاً كما أشرنا إليه في مبحث التكبير (١) بل مقتضى حديث لا تعاد هو الصحّة ، غير أنّ الفقهاء عدّوها من الأركان بعد تفسيرهم للرّكن بأنّه ما أوجب الإخلال به البطلان عمداً وسهواً ، زيادة ونقصاً.

فان ثبت الإجماع المدّعى على هذا التفسير وأنّ هناك ملازمة في البطلان بين طرفي النقيصة والزيادة ، وكلّ ما أوجب نقصه البطلان عمداً وسهواً فزيادته كذلك ، فلا كلام ، وإلّا كان مقتضى القاعدة عدم البطلان كما عرفت.

لكن الظاهر عدم الثبوت ، فإنّ الإجماع منقول لا يعبأ به ، ولم يرد لفظ الركن في شي‌ء من الروايات ، وإنّما هو اصطلاح دارج في ألسنة الأصحاب بعد تفسيرهم له بما عرفت ، من غير أيّ شاهد عليه ، بل الظاهر من لفظ الركن ما يوجب الإخلال به البطلان من ناحية النقص فقط ، كما يساعده المعنى اللغوي ، فإنّه لغة بمعنى ما يعتمد عليه الشي‌ء بحيث يزول ذلك الشي‌ء بزواله ، وهو لا يقتضي أكثر ممّا ذكرناه ، إذ من المعلوم أنّ زيادة العمود لو لم تكن مؤكّدة فهي ليست بقادحة.

ولا ريب أنّ التكبير ركن بهذا المعنى ، إذ أنّ تركه موجب للبطلان ولو سهواً بالنصوص الخاصّة كما سبق في محلّه (٢) ، ولا يقدح عدم التعرّض له في حديث لا تعاد ، فانّ غايته ارتكاب التقييد ، ولعلّ النكتة في إهماله أنّه افتتاح الصلاة وبه يتحقّق الدخول ، وبدونه لم يشرع بعد في الصلاة ، والحديث ناظر إلى الإخلال بالأجزاء أو الشرائط بعد تحقّق الصلاة ، وفرض التلبّس بها خارجاً.

وكيف ما كان فلا دليل على البطلان بزيادة التكبيرة ، لقصور المقتضي ، بل قد عرفت قيام الدليل على العدم ، لاندراجها في عقد المستثنى منه من حديث لا تعاد. وهذا هو الأقوى وإن كان المشهور خلافه.

__________________

(١) شرح العروة ١٤ : ٩٥.

(٢) شرح العروة ١٤ : ٩٠.

٥١

وأمّا إذا زاد ما عدا هذه من الأجزاء غير الأركان (١) كسجدة واحدة أو

______________________________________________________

وأمّا النيّة فلا ينبغي التأمّل في عدم الإخلال بزيادتها ، فإنّها إن فسّرت بالداعي كما هو الصحيح فلا يكاد يتصوّر فيها الزيادة ، فإنّ الداعي واحد وهو مستمرّ إلى الجزء الأخير ، فلا يعقل فيه التكرّر. وإن فسّرت بالإخطار فلا يضرُّ التكرار ، فانّ الإخطارات العديدة مؤكّدة للنيّة ، لا أنّها مخلّة. فالزيادة فيها غير متصوّرة بمعنى ، وغير قادحة بالمعنى الآخر.

وأمّا القيام : فالمتّصل منه بالركوع مقوّم له ومحقّق لمفهومه ، وليس واجباً آخر بحياله ، إذ ليس الركوع مجرّد التقوّس كيف ما اتفق ، بل هو الانحناء عن قيام ، فلا تتصوّر زيادته ولا نقيصته إلّا بزيادة الركوع ونقيصته.

وأمّا القيام حال تكبيرة الإحرام فهو وإن كان واجباً مستقلا إلّا أنّ زيادته لا تتحقّق إلّا بزيادة التكبيرة ، فإن قلنا بأنّ زيادتها السهوية مبطلة كان البطلان مستنداً إليها لا إلى القيام الزائد ، فإنّها تغني عنه ، وإلّا كما هو الأقوى على ما مرّ فلا بطلان رأساً كما لا يخفى.

نعم ، نقيصته ولو سهواً توجب البطلان ، فلو كبّر جالساً ناسياً بطلت صلاته للنصّ الخاص الدالّ عليه (١) كما سبق في محلّه (٢) الموجب لتقييد حديث لا تعاد. ومن هنا كان القيام حال تكبيرة الإحرام ركناً بالمعنى المختار في تفسير الركن لا على مسلك القوم كما أشرنا إليه سابقاً.

(١) تقدّم الكلام حول زيادة الأركان وحول زيادة السجدة الواحدة ، وأنّ الاولى مبطلة دون الثانية ، وأمّا ما عداها من سائر الأجزاء غير الركنية كالتشهّد والقراءة ونحوهما فالمشهور عدم البطلان بزيادتها السهوية.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٥٠٣ / أبواب القيام ب ١٣ ح ١.

(٢) شرح العروة ١٤ : ١١٢.

٥٢

تشهّد أو نحو ذلك ممّا ليس بركن فلا تبطل ، بل عليه سجدتا السهو (*). وأمّا زيادة القيام الركني فلا تتحقق إلّا بزيادة الركوع أو بزيادة تكبيرة الإحرام ، كما أنّه لا تتصوّر زيادة النيّة بناءً على أنّها الداعي ، بل على القول بالإخطار لا تضرّ زيادتها.

______________________________________________________

ويدل عليه حديث لا تعاد ، بناءً على شموله للزيادة كما هو الصحيح على ما مرّ (١). نعم ، يشكل الأمر بناءً على اختصاصه في عقدي الاستثناء والمستثنى منه بالنقيصة ، فإنّ مقتضى صحيحة أبي بصير المتقدّمة (٢) الدالّة على عموم قدح الزيادة المفروض سلامتها عن حكومة الحديث عليها هو البطلان ، إذ لم يخرج عنها عدا زيادة السجدة الواحدة بمقتضى صحيحتي منصور وعبيد المتقدّمتين (٣) فيبقى ما عداها من سائر الأجزاء غير الركنية مشمولة للإطلاق.

ولا يمكن معارضتها بمرسلة سفيان بن السمط عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : تسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان» (٤) بدعوى أنّ إيجاب سجدتي السهو كاشف عن الصحّة ودالّ عليها بالالتزام ، فإنّها ضعيفة السند بالإرسال ، غير منجبرة بالعمل حتّى لو سلمنا كبرى الانجبار ، إذ المشهور لم يلتزموا بمضمونها من وجوب سجدتي السهو لكلّ زيادة ونقيصة ، فلا تنهض لمقاومة الصحيحة الدالّة على البطلان.

__________________

(*) على الأحوط الأولى فيها وفيما بعدها من المسائل.

(١) في ص ٤٨ ٥٠.

(٢) في ص ٤٨.

(٣) في ص ٤٧ ، ٤٨.

(٤) الوسائل ٨ : ٢٥١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ٣.

٥٣

[٢٠١٣] مسألة ١٢ : يستثني من بطلان الصلاة بزيادة الركعة ما إذا نسي المسافر سفره أو نسي أنّ حكمه القصر (١) فإنّه لا يجب القضاء إذا تذكّر خارج الوقت ، ولكن يجب الإعادة إذا تذكر في الوقت كما سيأتي إن شاء الله.

______________________________________________________

إلّا أن يقال : زيادة السجدة الواحدة إذا لم تستوجب البطلان كما دلّت عليه الصحيحتان المتقدّمتان مع كون السجود من الأجزاء الرئيسية ذات الأهمّية الدخيلة في مسمّى الصلاة على ما يكشف عنه حديث التثليث «الصلاة ثلاثة أثلاث : ثلث طهور ، وثلث ركوع ، وثلث سجود» (١) فزيادة ما عداها من الأجزاء غير الركنية التي هي دونها في الأهمية ولم تكن من المقوّمات ولا تعتبر إلّا في المأمور به ، لا تكاد تستوجبه بالأولوية القطعية ، أو يتمّم الحكم فيها بعدم القول بالفصل.

وكيف ما كان ، فلا ينبغي التأمّل في عدم البطلان بزيادتها السهوية ، إمّا لحديث لا تعاد ، أو للتعدّي من السجدة الواحدة أمّا بالفحوى أو بعدم القول بالفصل ، إذ لم ينقل عن أحد التفكيك بين السجدة الواحدة وبين ما عداها من غير الأركان.

(١) فكان ناسياً للحكم أو الموضوع ، وكذا إذا كان جاهلاً ببعض خصوصيات الحكم ، فإنّه لا يجب عليه القضاء إذا كان التذكّر خارج الوقت وإن وجبت الإعادة لو تذكّر في الوقت ، وأمّا لو كان جاهلاً بأصل الحكم فلا تجب عليه الإعادة أيضاً ، كلّ ذلك للنصوص الخاصّة المخصّصة لما دلّ على بطلان الصلاة بزيادة الركعة ولو سهواً (٢) ، وسيجي‌ء تفصيل الكلام حول ذلك مستقصى في

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣١٠ / أبواب الركوع ب ٩ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ١ ، ٢ وغيرهما.

٥٤

[٢٠١٤] مسألة ١٣ : لا فرق في بطلان الصلاة بزيادة ركعة بين أن يكون قد تشهّد في الرابعة ثمّ قام إلى الخامسة أو جلس بمقدارها كذلك أو لا (١) وإن كان الأحوط في هاتين الصورتين إتمام الصلاة لو تذكّر قبل الفراغ ثمّ إعادتها.

[٢٠١٥] مسألة ١٤ : إذا سها عن الركوع حتّى دخل في السجدة الثانية بطلت صلاته (٢).

______________________________________________________

بحث صلاة المسافر إن شاء الله تعالى (١).

(١) كما مرّ في المسألة الحادية عشرة.

(٢) الكلام في ناسي الركوع يقع تارة فيما إذا كان التذكّر بعد الدخول في السجدة الثانية أو بعد رفع الرأس عنها ، وأُخرى فيما لو تذكّر قبل الدخول فيها ، سواء أكان بعد الدخول في السجدة الأُولى أم قبله. فهنا مقامان :

أمّا المقام الأوّل : فالمعروف والمشهور بين الأصحاب من القدماء والمتأخّرين هو البطلان ، للزوم زيادة الركن وهو السجدتان لو تدارك الركوع ، ونقيصته وهو الركوع لو لم يتدارك. فلا يمكن تصحيح الصلاة على كلّ حال.

وهناك أقوال أُخر :

منها : ما عن الشيخ في المبسوط من التفصيل بين الركعتين الأُوليين وثالثة المغرب وبين الأخيرتين من الرباعية ، فاختار البطلان في الأوّل والصحّة في الثاني بإسقاط السجدتين وإتمام الصلاة بعد تدارك الركوع (٢). وحكي عنه اختيار

__________________

(١) شرح العروة ٢٠ : ٣٦٠ وما بعدها.

(٢) المبسوط ١ : ١٠٩ ، ١١٩.

٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

هذا التفصيل أيضاً في كتابي الحديث التهذيب والاستبصار (١).

ومنها : ما حكاه في المبسوط عن بعض الأصحاب من الحكم بالصحّة مطلقاً وإسقاط الزائد ، من غير فرق بين الأُوليين والأخيرتين (٢). وعن العلّامة إسناد هذا القول إلى الشيخ نفسه أيضاً (٣).

ومنها : ما عن علي بن بابويه وابن الجنيد من التفصيل بين الركعة الأُولى فتبطل دون ما عداها من بقيّة الركعات. قال الأوّل فيما حكي عنه : وإن نسيت الركوع بعد ما سجدت من الركعة الأُولى فأعد صلاتك ، لأنّه إذا لم تثبت لك الاولى لم تثبت لك صلاتك ، وإن كان الركوع من الركعة الثانية أو الثالثة فاحذف السجدتين ، واجعل الثالثة ثانية ، والرابعة ثالثة (٤). وقريب منه العبارة المحكيّة عن ابن الجنيد (٥). فالأقوال في المسألة أربعة :

أمّا القول الأخير فلا مستند له عدا الفقه الرضوي المشتمل على مثل العبارة المزبورة على النهج الذي قدّمناه (٦). وقد تقدّم مراراً عدم جواز الاعتماد عليه إذ لم يثبت كونه رواية ، فضلاً عن أن تكون معتبرة.

وأمّا التفصيل المحكي عن الشيخ فليس له مستند أصلاً ، إذ لم يرد ذلك حتّى في رواية ضعيفة ، وإنّما اعتمد (قدس سره) في ذلك على ما ارتئاه في كيفية

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٤٩ ذيل ح ٥٨٤ ، الاستبصار ١ : ٣٥٦ ذيل ح ١٣٤٨ [لكن خصّ التفصيل بين الأُوليين والأخيرتين من الرباعية].

(٢) المبسوط ١ : ١١٩.

(٣) المنتهي : ٤٠٨ السطر ٣٢.

(٤) حكاه عنهما في المختلف ٢ : ٣٦٥ المسألة ٢٥٨.

(٥) حكاه عنهما في المختلف ٢ : ٣٦٥ المسألة ٢٥٨.

(٦) فقه الرضا : ١١٦.

٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الجمع بين الأخبار من حمل الدالّة على البطلان على الأُوليين ، وما دلّ على الصحّة على الأخيرتين ، وهو جمع تبرّعي لا شاهد عليه كما اعترف به غير واحد.

ومن هنا اعتذر عنه بابتنائه على مذهبه من وجوب سلامة الأُوليين عن السهو ، للروايات الدالّة عليه (١) التي هي الشاهدة لهذا الجمع. وفيه : ما لا يخفى. وكيف ما كان ، فهذا القول يتلو سابقه في الضعف.

وأمّا القول الثالث : أعني إسقاط الزائد والحكم بالصحّة مطلقاً فتدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) : «في رجل شكّ بعد ما سجد أنّه لم يركع ، قال : فان استيقن فليلق السجدتين اللتين لا ركعة لهما فيبني على صلاته على التمام ، وإن كان لم يستيقن إلّا بعد ما فرغ وانصرف فليقم فليصلّ ركعة وسجدتين ولا شي‌ء عليه» (٢).

وقد رواها في الوسائل والحدائق عن التهذيب والفقيه عن أبي جعفر (عليه السلام) (٣) لكن صاحب المدارك على ما حكاه عنه المحقّق الهمداني رواها عن أبي عبد الله (عليه السلام) (٤). والظاهر أنّه اشتباه ، والصحيح أنّها مروية عن أبي جعفر (عليه السلام) كما ذكرنا.

وكيف ما كان ، فمتن الصحيحة على النحو الذي قدّمناه المذكور في الوسائل والتهذيب غير خال من التشويش ، لكون السؤال عن حكم الشكّ ، فلا يرتبط

__________________

(١) الوسائل ٨ : ١٨٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١.

(٢) الوسائل ٦ : ٣١٤ / أبواب الركوع ب ١١ ح ٢.

(٣) الحدائق ٩ : ١٠٨ ، التهذيب ٢ : ١٤٩ / ٥٨٥ ، الفقيه ١ : ٢٢٨ / ١٠٠٦.

(٤) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٥٣٢ السطر ٢٨ [لاحظ المدارك ٤ : ٢١٩].

٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

به الجواب المتعرّض لحكم اليقين. والظاهر أنّ في العبارة سقطاً ، وقد نقلها في الفقيه بمتن أوضح وأمتن ، قال : «في رجل شكّ بعد ما سجد أنّه لم يركع ، فقال : يمضي في صلاته حتّى يستيقن أنّه لم يركع ، فان استيقن أنّه لم يركع فليلق السجدتين اللتين لا ركوع لهما ويبني على صلاته التي على التمام».

وكيف ما كان ، فقد دلّت الصحيحة بوضوح على عدم البطلان مع الاستيقان وأنّه يلقي السجدتين ويأتي بالركوع المنسي ويمضي في صلاته ، من غير فرق بين الأُوليين والأخيرتين ، ولا بين الاولى وبقيّة الركعات ، بمقتضى الإطلاق.

وأمّا ما تضمّنه ذيل الصحيحة من قوله (عليه السلام) : «وإن كان لم يستيقن إلّا بعد ما فرغ وانصرف ...» إلخ فهو حكم مطابق للقاعدة ، إذ بعد البناء على الإلقاء وإسقاط الزائد كما دلّ عليه الصدر فالاستيقان المزبور بمثابة ما لو التفت بعد الفراغ والتسليم إلى نقصان ركعة ، المحكوم حينئذ بالتدارك والإتيان بها ما لم يصدر المنافي ، فغايته تنزيل الإطلاق على هذا الفرض أي عدم صدور المنافي بل لعلّه منصرف النصّ ، فانّ المراد من الانصراف هو التسليم ، الذي أُطلق عليه في لسان الأخبار كثيراً (١) ، فلا يوجب ذلك طعناً في الصحيحة كما توهّم.

وعلى الجملة : فلو كنّا نحن والصحيحة كان اللّازم الأخذ بمقتضاها من الحكم بالصحّة مطلقاً ، لقوتها سنداً ودلالة.

ولكن بإزائها روايات أُخرى معتبرة قد دلّت على البطلان ، وهي ما رواه الشيخ في الصحيح عن رفاعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل ينسى أن يركع حتّى يسجد ويقوم ، قال : يستقبل» (٢).

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٢١ / أبواب التسليم ب ٢ ح ١٠ وغيره.

(٢) الوسائل ٦ : ٣١٢ / أبواب الركوع ب ١٠ ح ١ ، التهذيب ٢ : ١٤٨ / ٥٨١.

٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وموثّقة إسحاق بن عمّار : «عن الرجل ينسى أن يركع ، قال : يستقبل حتّى يضع كلّ شي‌ء من ذلك موضعه» (١) فانّ الاستقبال ظاهر في الاستئناف ، إذ معناه جعل الصلاة قبالة ، المعبّر عنه بالفارسية بـ (از سر گرفتن) ، وهو مساوق للبطلان والإعادة.

وأصرح منهما صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : إذا أيقن الرجل أنّه ترك ركعة من الصلاة وقد سجد سجدتين وترك الركوع استأنف الصلاة» (٢) ، لمكان التصريح بالاستئناف ، المؤيّدة بروايته الأُخرى قال : «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل نسي أن يركع ، قال : عليه الإعادة» وإن كانت ضعيفة من أجل محمّد بن سنان (٣).

وقد جمع بينهما الشيخ (قدس سره) كما مرّ (٤) بحمل الاولى على الركعتين الأخيرتين وهذه على الأولتين ، وقد عرفت أنّه جمع تبرّعي لا شاهد عليه.

ومثله في الضعف ما عن صاحب الوسائل من حمل هذه على الفريضة والأولى على النافلة (٥) ، فإنّه أيضاً جمع تبرّعي عارٍ عن الشاهد كما لا يخفى.

وهناك جمع ثالث ذكره صاحب المدارك (٦) واستجوده المحقّق الهمداني (قدس سره) (٧) وهو الالتزام بالوجوب التخييري وأفضلية الاستئناف ، فانّ

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣١٣ / أبواب الركوع ب ١٠ ح ٢ ، التهذيب ٢ : ١٤٩ / ٥٨٣.

(٢) الوسائل ٦ : ٣١٣ / أبواب الركوع ب ١٠ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ١٤٨ / ٥٨٠.

(٣) الوسائل ٦ : ٣١٣ / أبواب الركوع ب ١٠ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ١٤٩ / ٥٨٤.

(٤) في ص ٥٥ ، ٥٧.

(٥) الوسائل ٦ : ٣١٤ / أبواب الركوع ذيل ب ١٠.

(٦) المدارك ٤ : ٢١٩.

(٧) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٥٣٣ السطر ١١.

٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الأمر بالمضيّ في الصحيحة وبالاستئناف في هذه الروايات كلّ منهما ظاهر بمقتضى الإطلاق في الوجوب التعييني ، فيرفع اليد عن هذا الظهور في كلّ منهما ويحمل على التخيير بقرينة الأُخرى ، وإن كان الاستئناف أفضل الفردين.

وللمناقشة فيه مجال واسع ، فانّ مثل هذا الجمع إنّما يتّجه في الأحكام النفسية المولوية بعد إحراز وحدة التكليف ، كما لو دلّ دليل على وجوب القصر في مورد ودليل آخر على وجوب التمام ، أو أحدهما على الظهر والآخر على الجمعة ، فانّ كلّاً منهما متكفّل لحكم تكليفي مولوي ، وظاهر الأمر التعيين وحيث لا يحتمل تعدّد التكليف فترفع اليد عنه ويحمل على التخيير.

أمّا في مثل المقام ونحوه فلا يمكن المصير إلى هذا الجمع ، ضرورة أنّ الأمر الوارد في الدليلين إرشاديّ محض ، فإنّ الأمر بالإلقاء والمضيّ الوارد في الصحيحة إرشاد إلى الصحّة ، وليس حكماً تكليفياً ، إذ يسوغ له رفع اليد بناءً على جواز قطع الفريضة. كما أنّ الأمر بالاستيناف الوارد في هذه الأخبار إرشاد إلى البطلان.

ومن الواضح أنّه لا معنى للتخيير بين الصحّة والبطلان ، فإنّهما وصفان للعمل منتزعان من مطابقته للمأمور به وعدمها ، وليسا من أفعال المكلّف كي يكون مخيّراً بينهما. ومنه تعرف أنّه لا معنى لحمل الأمر بالاستيناف على الاستحباب ، إذ مرجعه إلى استحباب الفساد ، ولا محصّل له.

وبالجملة : فهذه الوجوه المذكورة للجمع كلّها ساقطة ، ولا يمكن المساعدة على شي‌ء منها ، فالمعارضة بين الطائفتين مستقرّة ، وحينئذ فامّا أن ترجّح الطائفة الثانية ، حيث إنّها أشهر نصّاً وفتوى وأوضح دلالة وأحوط ، وإلّا فيتساقطان ويرجع إلى ما تقتضيه القاعدة ، ومقتضى حديث لا تعاد حينئذ هو البطلان أيضاً ، للزوم الإخلال بالركن زيادة أو نقيصة على تقديري التدارك

٦٠