موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

البعديّةُ القريبة المساوقة للفورية العرفية في قبال الإتيان قبل التسليم ، لا ما يشمل البعيدة والفترة الطويلة كشهر مثلاً ، فإنّه مخالف للمتفاهم العرفي عند إطلاق هذا اللفظ كما لا يخفى.

وأوضح منها صحيحة أبي بصير : «إذا لم تدر خمساً صلّيت أم أربعاً فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك وأنت جالس ، ثمّ سلّم بعدهما» (١) ، ضرورة أنّ السجود لا يتحقّق حال الجلوس ، فإنّه هيئة خاصّة مباينة للجلوس وللقيام ونحوهما ، فالمراد المبادرة إليهما حال الجلوس بعد السلام وقبل أن يتحوّل من مكانه أو يشتغل بفعل آخر منافٍ للصلاة ، وهو كما ترى مساوق للفورية العرفية كما ذكرنا.

ونحوهما صحيحة القدّاح : «سجدتا السهو بعد التسليم وقبل الكلام» (٢) ، فانّ الظاهر من هذا التحديد بعد وضوح عدم خصوصية للكلام ، وإنّما ذكر من باب المثال لمطلق المنافيات التي أدناها التكلّم مع الغير ، إنّما هو إرادة التضييق المتّحد بحسب النتيجة مع الفورية العرفية.

وعلى الجملة : فظهور هذه النصوص في إرادة الفورية بالمعنى المزبور غير قابل للإنكار.

إلّا أنّه ربما يعارض بما ورد في ذيل موثّقة عمّار «... وعن الرجل يسهو في صلاته فلا يذكر حتّى يصلّي الفجر كيف يصنع؟ قال : لا يسجد سجدتي السهو حتّى تطلع الشمس ويذهب شعاعها ...» إلخ (٣) ، فإنّ التأخير إلى ما بعد طلوع الشمس ظاهر في عدم وجوب الفورية.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٣.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٠٨ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٥ ح ٣.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٥٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ٢.

٣٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

وناقش فيها في الحدائق (١) وكذا غيره بعدم القول بمضمونها من الأصحاب فكأنّ المانع عن التعويل عليها إعراض الأصحاب عنها المسقط لها عن الحجّية وإلّا فهي في نفسها صالحة للمعارضة مع ما تقدّم.

ولكنّ الظاهر أنّ الموثّقة أجنبية عن محلّ الكلام بالكلّية فضلاً عن صلوحها للمعارضة ، إذ ليست هي بصدد التعرّض لموطن سجود السهو بالإضافة إلى الصلاة التي سها فيها.

كيف وحكم ذلك مذكور في الفقرة المتقدّمة على هذه الفقرة ، التي ذكرها صاحب الوسائل بعد تقطيعه لهذا الحديث الطويل وذكر كلّ فقرة في الباب المناسب ، قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل صلّى ثلاث ركعات وهو يظنّ أنّها أربع فلمّا سلّم ذكر أنّها ثلاث ، قال : يبني على صلاته متى ما ذكر ويصلّي ركعة ويتشهّد ويسلِّم ويسجد سجدتي السهو ، وقد جازت صلاته» (٢) حيث يستفاد منها أنّ السجدتين يؤتى بهما بعد التسليم.

فهذا الحكم معلوم من نفس هذه الموثّقة ، فلا مجال بعدئذ للسؤال ثانياً بقوله : «وعن الرجل يسهو في صلاته ...» إلخ وأنّه كيف يصنع ، إذ قد علم حكمه ممّا مرّ.

إذن فهذه الفقرة ناظرة إلى السؤال عن فرض آخر ، وهو من سها في صلاة فنسي السجدتين بعدها ولم يذكرهما إلّا بعد الدخول في صلاة أُخرى ، كما لو سها في صلاة المغرب أو العشاء ولم يتذكّر حتّى صلّى الفجر ، فأجاب (عليه السلام) بعدم الإتيان بالسجدتين حتّى تطلع الشمس ويذهب شعاعها.

ولا مانع من الالتزام بذلك في خصوص موردها ، كما قد تساعده الروايات

__________________

(١) الحدائق ٩ : ٣٣٩.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٠٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٤.

٣٨٢

ولو نسيه أتى به إذا تذكّر وإن مضت أيّام (١)

______________________________________________________

المستفيضة الناهية عن الصلاة في هذا الوقت (١) لما فيها من التشبّه بعبدة الشمس حيث يسجدون لها في هذا الوقت ، وقد أُشير في بعض تلك الأخبار إلى هذه العلّة (٢) ، فيحمل النهي على ضرب من التنزيه والكراهة.

وعلى الجملة : هذه الفقرة من الموثّقة أجنبية سؤالاً وجواباً عن محلّ الكلام أعني تأخير سجدتي السهو اختياراً عن الصلاة الأصلية التي وقع السهو فيها فلا يحسن عدّها معارضاً لما سبق من النصوص الظاهرة في الفورية العرفية كما عرفت. فلا مناص من العمل بها بعد سلامتها عن المعارض.

إذن فالأقوى أنّ وجوب سجدتي السهو فوري بالمعنى المزبور ، الذي هو الظاهر من كلام المشهور أيضاً كما لا يخفى.

وأمّا الجهة الثانية : أعني وجوب المبادرة فوراً ففوراً ، فهذا لا دليل عليه بوجه ، بل لا دليل على بقاء أصل الوجوب فضلاً عن كونه فوراً ففوراً ، فإنّ غاية ما دلّت عليه تلك النصوص هو لزوم الإتيان بهما وهو جالس وقبل أن يتكلّم ويرتكب المنافي ، الذي استفدنا منه الفورية العرفية حسبما مرّ ، وأنّ ظرف الإتيان موقّت ومقيّد بتلك الحالة ، وأمّا أنّه لو أخّر عامداً وعصى فهل التكليف باقٍ بعد ويجب الإتيان فوراً ففوراً أو أنّه ساقط ، فهي ساكتة ولا إشعار فيها فضلاً عن الدلالة ، فإن قام إجماع على هذا الحكم ، وإلّا فمقتضى الأصل البراءة عنه. إذن فالحكم المزبور مبنيّ على الاحتياط.

(١) لموثّقة عمّار المتقدّمة ، قال فيها : «... وعن الرجل إذا سها في الصلاة

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٣٤ / أبواب المواقيت ب ٣٨ ح ١ ، ٢ وغيرهما.

(٢) الوسائل ٤ : ٢٣٥ / أبواب المواقيت ب ٣٨ ح ٤ وغيره.

٣٨٣

ولا يجب إعادة الصلاة ، بل لو تركه أصلاً لم تبطل على الأقوى (١).

______________________________________________________

فينسى أن يسجد سجدتي السهو ، قال : يسجد متى ذكر ...» إلخ (١).

(١) وقع الكلام في أنّ وجوب السجدتين هل هو نفسيّ وتكليف مستقلّ فلو تركهما عامداً لم تبطل صلاته وإن كان آثماً ، أو أنّه غيريّ يوجب الإخلال بهما بطلان الصلاة؟

المشهور بين الأصحاب كما في الجواهر (٢) وغيره هو الأوّل ، وأنّ هذا حكم تكليفيّ مستقلّ وإن نشأ الوجوب عن خلل في الصلاة.

ولكن قد يقال بالثاني ، نظراً إلى ظواهر النصوص المستفاد منها الشرطية في أمثال المقام.

والصحيح ما عليه المشهور ، فانّ ظاهر الأمر عند الإطلاق هو الوجوب النفسي ، وهو الأصل الأوّلي الذي يعوّل عليه كلّما دار الأمر بينه وبين الغيري. نعم ، في باب المركّبات ينقلب هذا الظهور إلى ظهور ثانوي ، أعني الإرشاد إلى الجزئية أو الشرطية ، وفي النهي إلى المانعية كما هو محرّر في محلّه (٣).

ولكنّه مقصور على ما إذا تعلّق الأمر بما يرتبط بالمركّب ويعدّ من قيوده وخصوصياته ، فينتزع منه الجزئية أو الشرطية تارة والمانعية اخرى ، كما في قوله : صلّ مع السورة أو إلى القبلة أو مع الطهارة ، أو لا تصلّ في وبر ما لا يؤكل لحمه ونحو ذلك ممّا يتعلّق بنفس المركّب ويعدّ من كيفياته وملابساته ، دون مثل المقام ممّا هو عمل مستقلّ واقع خارج الصلاة قد شرّع بعد الانصراف عنها ، وإن كان موجب التشريع محقّقاً من ذي قبل وهو السهو الصادر في الأثناء ، لكن

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٥٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ٢.

(٢) الجواهر ١٢ : ٤٥٧.

(٣) محاضرات في أُصول الفقه ٤ : ١٥٦ ، ١٤٥.

٣٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

شأنه ليس إلّا الموجبية فحسب ، من غير ظهور له في الإناطة والارتباط بينهما بوجه. وعليه فيبقى الظهور الأوّلي في النفسية على حاله من غير معارض.

ويؤيِّد هذا ويؤكِّده إطلاق ما دلّ على تحقّق الانصراف بالتسليم ، وأنّ به يتحقّق الفراغ والخروج عن الصلاة. فإنّ هذا الإطلاق هو المحكّم ما لم يثبت خلافه بدليل قاطع كما ثبت في الركعات الاحتياطية وفي الأجزاء المنسيّة ، فيقيّد ويحكم بالجزئية في أمثال ذلك ، وأمّا فيما عداها كالمقام فالمرجع هو الإطلاق المزبور.

ويؤكِّده أيضاً تسميتهما بالمرغمتين في غير واحد من النصوص (١) ، فإنّها تكشف عن أنّ الوجوب إنّما نشأ عن مصلحة أُخرى مغايرة لمصلحة أصل الصلاة ، وهي إرغام أنف الشيطان المبغض للسجود ، مجازاة له على إلقاء المصلّي في السهو. وعلى الجملة : فظواهر النصوص تدلّنا بوضوح على نفسية الوجوب.

نعم ، ربما تستشعر الغيرية من رواية واحدة وهي موثّقة عمّار : «عن رجل صلّى ثلاث ركعات وهو يظنّ أنّها أربع فلمّا سلّم ذكر أنّها ثلاث ، قال : يبني على صلاته متى ما ذكر ، ويصلّي ركعة ويتشهّد ويسلّم ويسجد سجدتي السهو وقد جازت صلاته» (٢) ، حيث فرّع جواز الصلاة وصحّتها على مجموع ما سبق الذي منه الإتيان بسجدتي السهو.

ولكنّه مجرّد إشعار محض لا يمكن أن يعتمد عليه في مقابل الظهورات ، ولم يبلغ حدّ الدلالة ، فإنّ الإمام (عليه السلام) إنّما هو في مقام بيان الوظيفة الفعلية وأنّ الصلاة لا تبطل بمجرّد نقصها بركعة والتسليم في غير محلّه ، بل عليه أن يأتي بتلك المذكورات ، وأمّا أنّ جميعها دخيل في الصحّة فلا دلالة لها عليه بوجه.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٥٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ١ وغيره.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٠٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٤.

٣٨٥

[٢١٠٨] مسألة ٧ : كيفيته أن ينوي ويضع جبهته على الأرض أو غيرها ممّا يصحّ السجود عليه (١)

______________________________________________________

نعم ، لو كان الجواز مذكوراً بصيغة التفريع بأن كان العطف في قوله (عليه السلام) : «وقد جازت ...» بالفاء بدل الواو لتمّ ما أُفيد ، ولكنّه ليس كذلك.

فالصحيح ما عليه المشهور من نفسية الوجوب ، وأنّ سجدتي السهو عمل مستقلّ لا يوجب الإخلال بهما عمداً فضلاً عن السهو قدحاً في صحّة الصلاة.

(١) أمّا النيّة فلا إشكال في اعتبارها ، سواء فسّرت بقصد عنوان العمل أم بقصد التقرّب ، لاعتبار كلا الأمرين في المقام.

أمّا الأوّل : فلأنّ سجود السهو يمتاز في حقيقته عن بقيّة السجدات مثل السجود الصلاتي والقضائي وسجدتي الشكر والتلاوة ، ومباين معها في مقام الذات ، لتعنونه بعنوان خاصّ وتسميته باسم مخصوص ، فلا بدّ من تعلّق القصد به بخصوصه تحقيقاً لامتثال الأمر المتعلّق به لكي يمتاز عن غيره ، فلا يكفي من غير قصد.

وأمّا الثاني : فلأنه عبادة قطعاً فيعتبر فيه ما يعتبر في سائر العبادات من قصد التقرّب والإضافة إلى المولى نحو إضافة ، وهذا واضح.

وأمّا وضع الجبهة على الأرض فأصل الوضع ممّا لا ينبغي التأمّل فيه ، لتقوّم حقيقة السجود بوضع الجبهة كما مرّ في بحث السجود (١) ، بل قد مرّ ثمّة (٢) أنّه لا بدّ فيه من الإحداث ولا يكفي الإبقاء ، فلو كان في سجود التلاوة مثلاً وقصد

__________________

(١) شرح العروة ١٥ : ٨٤.

(٢) في ص ١١٤ ، ١٣١ من المصدر المتقدم.

٣٨٦

ويقول : «بسم الله وبالله (*) وصلّى الله على محمّد وآله» ، أو يقول : «بسم الله وبالله ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد» أو يقول : «بسم الله وبالله السلام عليك أيُّها النبيّ ورحمة الله وبركاته» (١).

______________________________________________________

ببقائه سجود السهو لم يكن مجزياً ، للزوم إحداث الوضع وإيجاده بعد أن لم يكن.

وأمّا اعتبار أن يكون الوضع على الأرض أو ما يصحّ السجود عليه فلأنه وإن لم يرد في نصوص المقام ما يدلّ عليه إلّا أنّه يكفينا الإطلاق في بعض النصوص الواردة في السجود مثل قوله (عليه السلام) : لا تسجد على القير أو على الزفت ونحو ذلك (١) ، فإنّ إطلاقه غير قاصر الشمول لمثل المقام ولكلّ سجود مأمور به ، ولا سيما بلحاظ التعليل الوارد في بعض النصوص المانعة عن السجود على المأكول والملبوس من أنّ الناس عبيد ما يأكلون ويلبسون (٢) الكاشف عن اطّراد ذلك في مطلق السجود.

(١) هل يعتبر الذكر في سجدتي السهو؟ وعلى تقديره فهل يعتبر فيه ذكر خاصّ؟

المشهور بين الأصحاب كما في الحدائق (٣) وغيره هو الوجوب ، وأن يكون بالكيفية الخاصّة المذكورة في المتن ، فلا يجزي مطلق الذكر.

ونسب إلى جماعة إنكار الوجوب رأساً فضلاً عن اعتبار ذكر خاصّ ، استناداً إلى أصالة البراءة أوّلاً ، وإلى إطلاق الأمر بالسجود في غير واحد من النصوص

__________________

(*) الأحوط الاقتصار على الصيغة الأخيرة.

(١) الوسائل ٥ : ٣٥٣ / أبواب ما يسجد عليه ب ٦ ح ١ وغيره.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٤٣ / أبواب ما يسجد عليه ب ١ ح ١.

(٣) الحدائق ٩ : ٣٣٣.

٣٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ثانياً كصحيحة عبد الله بن سنان : «إذا كنت لا تدري أربعاً صلّيت أم خمساً فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ، ثمّ سلّم بعدهما» (١) ، ونحوها صحاح زرارة وأبي بصير والحلبي (٢).

وعلى تقدير النقاش في انعقاد الإطلاق في هذه الروايات بدعوى كونها مسوقة لبيان حكم آخر ، وليست بصدد التعرّض لكيفية سجود السهو وما يعتبر فيه أو لا يعتبر كي ينعقد الإطلاق ، فيكفينا ما تقدّم من أصالة البراءة فإنّ الوجوب يحتاج إلى الدليل دون العدم. فلو كنّا نحن وهذه الروايات لقلنا بعدم الوجوب إمّا للإطلاق أو للأصل ، هذا.

ولكن بإزاء هذه الروايات صحيحة الحلبي الظاهرة في اعتبار ذكر خاصّ والمقيّدة لتلك المطلقات بمقتضى صناعة الإطلاق والتقييد على تقدير تحقّق الإطلاق فيها ، ومعلوم أنّه لا مجال للتمسك بالأصل بعد قيام الدليل ، وهي ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أنّه قال : تقول في سجدتي السهو : بسم الله وبالله ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد. قال : وسمعته مرّة أُخرى يقول : بسم الله وبالله ، السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته» (٣).

ولكن متن الصحيح مختلف في كتب الحديث ، ففي الكافي ما أثبتناه ، وكذا في الفقيه ، غير أنّ أغلب نسخ الفقيه وأصحّها بدل قوله : «اللهمّ صلّ ...» إلخ هكذا : «وصلّى الله على محمّد وآل محمّد». والشيخ أيضاً رواها مثل الفقيه ، لكن فيه «والسلام» بإضافة الواو. فالفقيه يطابق الكافي في ترك الواو ويخالفه في كيفية

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ١ ، ٢ ، ٣ ، ٤.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٢٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ١ ، ٢ ، ٣ ، ٤.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٣٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٠ ح ١ ، الكافي ٣ : ٣٥٦ / ٥ الفقيه ١ : ٢٢٦ / ٩٩٧ ، التهذيب ٢ : ١٩٦ / ٧٧٣.

٣٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الصلاة ، وبالإضافة إلى التهذيب على العكس من ذلك.

ومنه تعرف مدرك الصيغ الثلاث المذكورة في المتن ، غير أنّ الصيغة الأُولى مذكورة في روايتي الفقيه والتهذيب بصورة «بسم الله وبالله ، وصلّى الله على محمّد وآل محمّد» (١) ، والماتن ذكرها بصورة «بسم الله وبالله ، وصلّى الله على محمّد وآله» بإبدال الظاهر بالضمير ، ولم يعرف له مأخذ. والظاهر أنّه سهو من قلمه الشريف أو من النسّاخ ، وسنتعرّض لحكم هذه الصيغ من حيث التعيين أو التخيير.

وكيف ما كان ، فهذه الصحيحة ظاهرة في اعتبار الذكر الخاصّ. غير أنّه يعارضها موثّقة عمّار الظاهرة في عدم الاعتبار ، قال : «سألته عن سجدتي السهو هل فيهما تكبير أو تسبيح؟ فقال : لا ، إنّما هما سجدتان فقط ...» إلخ (٢).

ودعوى أنّ المنفي إنّما هو التسبيح فلا ينافي اعتبار الذكر الخاصّ الذي تضمّنه الصحيح بعيدة جدّاً ، لمخالفتها لقوله : «فقط» الظاهر في عدم اعتبار أيّ شي‌ء ما عدا ذات السجدتين كما لا يخفى.

وربما يتصدّى للجمع بالحمل على الاستحباب. وفيه ما لا يخفى ، لعدم كونه من الجمع العرفي في مثل المقام ، بل يعدّان من المتعارضين ، فإنّه لو كان مدلول الموثّقة نفي الوجوب لتمّ ما أُفيد ، كما هو الشائع المتعارف في كلّ دليلين تضمّن أحدهما الأمر بشي‌ء والآخر نفي البأس بتركه ، فيرفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب بنصوصية الآخر في العدم ويحمل على الاستحباب.

إلّا أنّ الموثّقة ظاهرة في عدم التشريع (٣) لا عدم الوجوب ، لقوله (عليه

__________________

(١) [الموجود في التهذيب : بسم الله وبالله وصلّى الله على محمّد وعلى آل محمّد].

(٢) الوسائل ٨ : ٢٣٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٠ ح ٣.

(٣) لما كان الظاهر من السؤال الاستعلام عن الوظيفة المقرّرة زائداً على نفس السجدتين كان النفي في الجواب المعتضد بقوله (عليه السلام) في الذيل : «وليس عليه أن يسبّح» ظاهراً في نفي التوظيف لا نفي التشريع.

٣٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

السلام) : «لا» في جواب قوله : «هل فيهما ...» إلخ ، أي ليس فيهما تسبيح ، الظاهر في أنّه ليس بمشروع ، لا أنّه لا يجب. وصحيحة الحلبي ظاهرة (١) في الوجوب ، ومن المعلوم أنّ الوجوب وعدم المشروعية من المتعارضين بحسب الفهم العرفي ، بحيث لا يتيسّر التوفيق ولا يمكن الجمع بينهما بوجه.

وعليه فان ثبت ما نسب إلى العامّة (٢) من عدم وجوب شي‌ء في سجدتي السهو حملت الموثّقة على التقية لموافقة العامّة ، وإلّا فلا ينبغي الشكّ في ترجيح الصحيحة عليها ، فإنّها من الروايات المشهورة المعروفة رواية وعملاً قديماً وحديثاً ، قد رواها المشايخ الثلاثة في الكتب الأربعة بأسانيد عديدة ، فلا تعارضها الموثّقة ، ولا سيما وفي روايات عمّار كلام ، حيث إنّه على ما قيل كثير الخطأ والاشتباه ، فتطرح ويردّ علمها إلى أهله. فيتعيّن العمل بالصحيحة.

وهل يقتصر على مضمونها من الذكر الخاصّ أو يتعدّى إلى مطلق الذكر كما عن جماعة؟ الظاهر هو الأوّل ، لعدم الدليل على الثاني ، إذ لم يثبت الاجتزاء بالمطلق ولا برواية ضعيفة ، ومقتضى ظهور الأمر الوارد في الصحيح هو التعيّن فرفع اليد عنه والتعدّي يحتاج إلى دليل مفقود ، فلا مناص من الاقتصار [عليه] جموداً على ظاهر النصّ.

بقي الكلام حول هذه الأذكار نفسها وأنّه هل يجزي أحدها من باب التخيير أو يتعيّن الذكر الأخير مع الواو في «السلام عليك» أو بدونه فنقول : قد عرفت أنّ الحلبي رواها عن أبي عبد الله (عليه السلام) تارة بصيغة الصلاة وسمعه مرّة أُخرى يقولها بصيغة التسليم ، لا بمعنى مباشرته (عليه السلام) لها في سجود

__________________

(١) الظهور مبنيّ على ثبوت نسخة الفقيه بصورة «تقول» ، وهو غير واضح بعد اختلاف النسخ وعدم الجزم بالصحيح منها كما لا يخفى.

(٢) [ذهب إلى الوجوب بعض العامة ، لاحظ المجموع ٤ : ١٦١ ، فتح العزيز ٤ : ١٧٩ ، الفتاوى الهندية ١ : ١٢٥].

٣٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

السهو كي يخدش في صحّة الحديث بمنافاته مع ما استقرّت عليه أُصول المذهب من تنزّه المعصوم (عليه السلام) من السهو ، بل بمعنى سماع الفتوى منه وأنّه سمعه يقول في حكم المسألة كذا ، بشهادة صدر الحديث ، حيث قال : تقول في سجدتي السهو كذا ، وهذا استعمال دارج في لسان الأخبار وغيرها ، حيث يعبّر عند حكاية رأي أحد بالسماع عنه أنّه يقول كذا ، نظير ما ورد من أنّه سمعته يقول : في القتل مائة من الإبل ، كما مثّل به صاحب الوسائل (١). فهو من باب حكاية القول ، لا حكاية الفعل كما لا يخفى.

وعلى الجملة : فقد تضمّنت الصحيحة حكاية صيغتين للذكر. وعرفت أيضاً أنّ صورة الصيغة الأُولى مختلفة في كتب الحديث ، فرواها الكافي بصورة : «اللهمّ صلّ ...» إلخ ، والفقيه والتهذيب بصورة «وصلّى الله ...» إلخ.

ومن المعلوم عدم احتمال تعدّد الرواية بتعدّد الواقعة ، بأن سمعه عن الإمام (عليه السلام) تارة بهذه الصورة وأُخرى بتلك ، فرواها مرّتين وصلت إحداهما بطريق إلى الكليني والأُخرى بنفس الطريق إلى الصدوق ، فانّ هذا غير محتمل لبعد تعدّد الواقعة في صيغة واحدة ، كبعد تفرّد كلّ منهما برواية لا يرويها الآخر في موضوع واحد مع اتّحاد الطريق والراوي والمروي عنه كما لا يخفى.

وعليه فالصادر عن المعصوم (عليه السلام) بحسب الواقع إنّما هو إحدى صورتي الصيغة الأُولى ، وحيث لا يمكن تمييز الواقع وتشخيصه عن غيره ، لأنّ كلا من الكليني والصدوق معروف بدقّة الضبط والإتقان في النقل ، فهو من باب اشتباه الحجّة باللّاحجّة ، لا من باب تعارض الحجّتين ليجري عليه حكم تعارض الأخبار ، لاختصاصه بصورة تعدّد الرواية ، وقد عرفت اتّحادها في المقام وأنّ التعدّد إنّما نشأ من اختلاف النسخ.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٠ ذيل ح ١.

٣٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

وعليه فلا يمكن الاجتزاء بإحداهما والتخيير في مقام العمل كما هو ظاهر المتن ، لتردّد الصادر الواقعي بين النسختين من غير ترجيح في البين ، بل لا بدّ إمّا من الجمع بينهما أو تركهما واختيار الصيغة الأخيرة أعني التسليم لتطابق النسخ عليها ، واتفاق المشايخ الثلاثة على نقلها.

وأمّا الاختلاف الواقع في صورة الصيغة الأخيرة من حيث الاشتمال على الواو في «السلام عليك» الذي اختصّت به نسخة التهذيب وعدمه فلا ينبغي الإشكال في أنّ الترجيح مع رواية الكافي ، ولا سيما مع اعتضادها برواية الفقيه الموافقة لها في ترك الواو ، لقوّة ضبطهما ولا سيما الكليني.

فلا تقاومهما رواية التهذيب غير الخالي عن الاشتباه غالباً حتّى طعن فيه صاحب الحدائق (قدس سره) (١) بعدم خلوّ رواياته غالباً عن الخطأ والخدش في السند أو المتن ، لعدم محافظته على ضبط الأخبار ، الناشئ من كثرة الاشتغال والتسرّع في التأليف. وعليه فيطمأنّ بأنّ هذه زيادة من التهذيب أو من النسّاخ فلا يمكن الإتيان بالواو بقصد الأمر وبعنوان سجود السهو.

وهذا هو الوجه فيما ذكره بعض الأعاظم في تعليقته على نجاة العباد من أنّ الأحوط حذف الواو ، لما عرفت من أضبطيّة الكافي والفقيه بمثابة يطمأنّ بالزيادة في نسخة التهذيب ، ولأجله كان الحذف هو مقتضى الاحتياط وقاعدة الاشتغال.

ومن جميع ما ذكرنا تعرف أنّ من أراد الاقتصار على صيغة واحدة فالأحوط اختيار الصيغة الأخيرة أعني التسليم بدون ذكر الواو ، فانّ ظاهر الصحيحة وإن كان هو التخيير بين الصيغتين إلّا أنّ صورة الصيغة الاولى أعني الصلاة غير ثابتة بعد تعارض نسختي الكافي والفقيه ، وفقد التمييز وتشخيص ما نقله

__________________

(١) في الحدائق ٩ : ٣٣٤.

٣٩٢

ثمّ يرفع رأسه ويسجد مرّة أُخرى (١) ويقول ما ذكر ويتشهّد ويسلِّم (٢) ويكفي في تسليمه «السلام عليكم».

______________________________________________________

الحلبي وصدر عن المعصوم (عليه السلام) ، فلا يحصل الفراغ اليقيني إلّا باختيار التسليم الذي اتّفق الكلّ على روايته.

(١) بلا إشكال ، لتقوّم مفهوم التعدّد المأمور به بذلك ، إذ لا تتحقّق الاثنينيّة والسجود مرّتين إلّا برفع الرأس والسجود ثانياً.

(٢) المعروف والمشهور وجوب التشهّد والتسليم في سجدتي السهو ، وذهب جماعة إلى استحبابهما ، والكلام في ذلك هو الكلام في الذكر بعينه ، إذ قد ورد الأمر بهما في بعض النصوص.

ففي صحيحة الحلبي الأمر بالتشهّد ، قال : «إذا لم تدر أربعاً صلّيت أم خمساً أم نقصت أم زدت فتشهّد وسلم ، واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة ، تتشهّد فيهما تشهّداً خفيفاً» (١).

وفي صحيح ابن سنان الأمر بالتسليم ، قال : «إذا كنت لا تدري أربعاً صلّيت أم خمساً فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ، ثمّ سلّم بعدهما» (٢) ونحوهما غيرهما. وظاهر الأمر فيهما هو الوجوب.

وليس بإزاء ذلك عدا موثّقة عمّار المتقدّمة المصرّحة بأنّه ليس فيهما إلّا السجدتان فقط (٣).

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٤ ، ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٢٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٤ ، ١.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٣٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٠ ح ٣ ، وقد تقدّمت في ص ٣٨٩.

٣٩٣

وأمّا التشهّد فمخيّر بين التشهّد المتعارف والتشهّد الخفيف وهو قوله : «أشهد أنّ لا إله إلّا الله ، أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد» والأحوط الاقتصار على الخفيف (*). كما أنّ في تشهّد الصلاة أيضاً مخيّر بين القسمين ، لكن الأحوط هناك التشهّد المتعارف كما مرّ سابقاً (١).

______________________________________________________

وقد عرفت امتناع الجمع بالحمل على الاستحباب ، لظهور تلك الأخبار في الوجوب ، وظهور الموثّقة في عدم المشروعية ، ولا سبيل للتصرّف في كلا الظهورين بحمل الأمر على الاستحباب وحمل نفي المشروعية على نفي الوجوب ، فانّ ذلك ليس من الجمع العرفي في شي‌ء كما لا يخفى ، فتستقرّ المعارضة بينهما لا محالة.

ولا ريب أنّ الترجيح مع تلك النصوص ، لكونها أشهر قديماً وحديثاً ، سيما وروايات عمّار لا تخلو عن نوع من الاشتباه كما مرّ ، فتطرح الموثّقة ويردّ علمها إلى أهله.

(١) تقدّم في محلّه (١) أنّ نسيان التشهّد موجب لسجود السهو وأنّه يتشهّد فيه ، ويكتفى به عن التشهّد الفائت للنصوص الدالّة عليه ، فلو كنّا نحن وتلك النصوص لحكمنا بعدم وجوب التشهّد فيما عدا سجود السهو المسبّب عن نسيان التشهّد ، لإطلاق الأمر بالسجدتين في غير واحد من نصوص الباب ، إلّا أنّ هناك روايات اخرى دلّتنا على وجوب التشهّد فيما عدا ذاك الموجب أيضاً كما مرّت آنفاً ، ولأجله حكمنا باعتباره في مطلق سجود السهو كما عرفت.

غير أنّ في بعض تلك النصوص التقييد بالتشهّد الخفيف كما في صحيحة الحلبي المتقدّمة وغيرها ، وقد جعله في المتن قبالاً للتشهّد المتعارف وفسّره بقول :

__________________

(*) بل الأحوط الإتيان بالتشهّد المتعارف كما كان هو الحال في أصل الصلاة.

(١) في ص ٣٥٧ ، ٩٨.

٣٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد. ولأجله حكم بالتخيير بينه وبين المتعارف ، جمعاً بين هذه الصحيحة وبين غيرها ممّا أُطلق فيه الأمر بالتشهّد المنزّل على المتعارف ، وذكر أخيراً أنّ الأحوط الاقتصار عليه حملاً على المقيّد ، هذا.

ولكنّه لم يثبت اصطلاح للشارع في الخفيف كي يفسّر بما ذكر ويحكم بمقابلته مع التشهّد المتعارف ، لعدم الشاهد عليه بوجه ، بل الظاهر أنّ المراد به هو ذلك بعينه ، وإنّما قيّده بالخفيف في مقابل التشهّد الطويل المشتمل على الأذكار المستحبّة المفصّلة ، إيعازاً إلى اختصاص تلك الأذكار بالتشهّد الصلاتي وعدم انسحابها إلى هذا التشهّد ، وإلّا فنفس التشهّد لا يراد به في كلا الموردين إلّا ما هو المتعارف الذي ينصرف إليه اللفظ عند الإطلاق.

ويكشف عمّا ذكرناه مضافاً إلى ما ذكر موثّقة أبي بصير ، قال : «سألته عن الرجل ينسى أن يتشهّد ، قال : يسجد سجدتين يتشهّد فيهما» (١) ، فانّ الظاهر منها بمقتضى اتّحاد السياق أنّ هذا التشهّد هو ذاك التشهّد المنسي ، ولا يراد به معنى آخر وراء ذلك.

وأصرح منها رواية علي بن أبي حمزة قال «قال أبو عبد الله (عليه السلام) : إذا قمت في الركعتين الأولتين ولم تتشهّد فذكرت قبل أن تركع فاقعد فتشهّد وإن لم تذكر حتّى تركع فامض في صلاتك كما أنت ، فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما ، ثمّ تشهّد التشهّد الذي فاتك» (٢) ، فإنّها وإن لم تصلح للاستدلال لضعف علي بن أبي حمزة البطائني إلّا أنّها صالحة للتأييد.

وعلى الجملة : فلم يثبت الاكتفاء بالخفيف بالمعنى الذي ذكره ، لعدم ثبوت اصطلاح خاصّ لهذا اللفظ كما عرفت. فالأقوى هو الإتيان بالتشهّد المتعارف

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٠٣ / أبواب التشهد ب ٧ ح ٦.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٤٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٦ ح ٢.

٣٩٥

ولا يجب التكبير للسجود وإن كان أحوط (١) ، كما أنّ الأحوط مراعاة جميع ما يعتبر في سجود الصلاة (*) فيه من الطهارة من الحدث والخبث والستر والاستقبال وغيرها من الشرائط والموانع التي للصلاة كالكلام والضحك في الأثناء وغيرهما فضلاً عمّا يجب في خصوص السجود من الطمأنينة ووضع

______________________________________________________

كما كان هو الحال في أصل الصلاة.

(١) نسب إلى الشيخ في المبسوط القول بوجوب التكبير (١) ، ولعلّ المشهور هو الاستحباب. والظاهر عدم ثبوت شي‌ء منهما ، لاحتياج كلّ منهما إلى الدليل ولا دليل ، فانّ مدرك المسألة روايتان :

إحداهما : قوله (عليه السلام) في موثّقة عمّار المتقدّمة : «فإن كان الذي سها هو الإمام كبّر إذا سجد ...» إلخ (٢) ، حيث أمر (عليه السلام) بتكبير الإمام ليعلم من خلفه.

وفيه : أمّا بناءً على إلغاء الموثّقة وحملها على التقيّة أو ردّ علمها إلى أهله لتضمّنها عدم اعتبار شي‌ء عدا ذات السجدتين فقط ، المنافية للنصوص الكثيرة المشهورة الدالّة على اعتبار الذكر وغيره كما سبق ، فلا كلام.

وأمّا بناءً على الأخذ بها في هذه الفقرة أعني التكبير فهي لا تدلّ على الاستحباب فضلاً عن الوجوب إلّا بالإضافة إلى الإمام لغرض الإعلام ، ولم يعلم الغاية منه إلّا على القول بوجوب سجدة السهو للمأموم أيضاً عند سهو

__________________

(*) بل الأظهر ذلك في اعتبار وضع سائر المساجد وفي وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه.

(١) المبسوط ١ : ١٢٥.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٣٥ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٠ ح ٣.

٣٩٦

سائر المساجد ووضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه والانتصاب مطمئناً بينهما ، وإن كان في وجوب ما عدا ما يتوقّف عليه اسم السجود وتعدّده نظر (١).

______________________________________________________

الإمام كما ورد ذلك في بعض الأخبار (١) ، فيتّجه التكبير للإعلام حينئذ.

وكيف ما كان ، فهي لا تدلّ على الاستحباب ولا الوجوب في المنفرد ولا في المأموم عند سهوه نفسه ، وقد صرّح في صدرها بأنّه لا تكبيرة في سجدتي السهو.

الثانية : موثّقة زيد بن علي الواردة في سهو النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) في صلاة الظهر والإتيان بها خمس ركعات ، وفيها «... فاستقبل القبلة وكبّر وهو جالس ، ثمّ سجد سجدتين ...» إلخ (٢).

وفيه أوّلاً : معارضتها بما ورد في غير واحد من الأخبار من تكذيب نسبة السهو إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأنّه لم يسهُ في صلاته قط ، ولم يسجد سجدتي السهو قط (٣). فهي محمولة على التقية لا محالة.

وثانياً : أنّها مقطوعة البطلان في نفسها ، ضرورة أنّ زيادة الركعة في الصلاة تستوجب البطلان لا سجود السهو ليحكم بصحّتها. فلا يمكن الاعتماد عليها.

وعلى الجملة : فلا دليل على استحباب التكبير فضلاً عن الوجوب ، ولكن حيث إنّ الشيخ (قدس سره) ذهب إلى الوجوب فلا بأس بالإتيان به احتياطاً وبقصد الرجاء دون الأمر.

(١) هل يعتبر في سجدتي السهو جميع ما يعتبر في سجود الصلاة ، أو لا يعتبر شي‌ء منها؟

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٤١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٤ ح ٧.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٣٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ٩.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٠٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٣ وغيره.

٣٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الظاهر هو التفصيل بين ما اعتبر فيه بما أنّه جزء من الصلاة كالاستقبال والستر والطهارة عن الحدث والخبث وطهارة المسجد ونحو ذلك ، وبين ما اعتبر في نفس السجود بما أنّه سجود كالسجود على سبعة أعظم وعلى ما يصحّ السجود عليه.

فلا يعتبر الأوّل ، لما عرفت من خروج سجدتي السهو عن حقيقة الصلاة وعدم كونهما من الأجزاء ، بل هما عمل مستقلّ شرّع خارج الصلاة لإرغام الشيطان ، وتركهما عمداً لا يوجب البطلان فضلاً عن السهو ، فلا تعمّهما الشرائط المعتبرة في نفس الصلاة ، لوضوح عدم شمولها لما هو أجنبي عنها.

ويعتبر الثاني ، إذ لا قصور في أدلّتها عن الشمول للمقام ، بل ولكلّ سجود مأمور به ، فانّ ما دلّ على المنع عن السجود على المأكول والملبوس أو على القير ، أو الأمر بالسجود على المساجد السبعة ظاهر في اعتبار ذلك في طبيعي السجود. ولا دليل على انصراف مثل قوله (عليه السلام) : إنّما السجود على سبعة أعظم (١) إلى خصوص السجود الصلاتي ، بل هو عام بمقتضى الإطلاق لكلّ سجدة واجبة.

فالصحيح هو هذا التفصيل الذي هو حدّ وسط بين إطلاق القول بعدم اعتبار ما عدا ما يتوقّف عليه اسم السجود وتعدّده الذي مال إليه الماتن ، وبين إطلاق القول باعتبار جميع ما يعتبر فيه في سجود الصلاة ، لعدم نهوض الدليل على شي‌ء من الإطلاقين ، بل يلتزم باعتبار شرائط السجود نفسه دون شرائط الصلاة كما عرفت.

نعم ، لا مناص من اعتبار فعلهما قبل ارتكاب منافيات الصلاة من التكلّم

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٤٣ / أبواب السجود ب ٤ ح ٢.

٣٩٨

[٢١٠٩] مسألة ٨ : لو شكّ في تحقّق موجبه وعدمه لم يجب عليه (١) ، نعم لو شكّ في الزيادة أو النقيصة فالأحوط إتيانه كما مرّ (*) (٢).

______________________________________________________

ونحوه ، لما مرّ من النصوص الدالّة على أنّ سجدتي السهو بعد السلام وقبل الكلام ، وقد عرفت (١) عدم خصوصية للكلام ، وإنّما ذكر من باب المثال لمطلق المنافيات.

ويستفاد من ذلك اعتبار خلوّهما نفسهما أيضاً عن المنافيات وعدم تخلّلها بينهما ، فانّ ما دلّ على لزوم فعل السجدتين قبل المنافي (٢) ظاهر في ذلك ، وإلّا فمع التخلّل لم يصدق وقوع السجدتين بما هما سجدتان قبل المنافي كما لا يخفى.

ومنه تعرف أنّ سجود السهو مشترك مع الصلاة في موانعها دون شرائطها.

(١) لأصالة عدم التحقّق ، المطابقة لأصالة البراءة عن الوجوب بناءً على ما عرفت من كونه وجوباً نفسياً مستقلا ، فيدفع بالأصل لدى الشكّ.

(٢) وقد مرّ (٣) أنّ الأقوى عدمه ، لما عرفت من أنّ مجرّد الشكّ في أحدهما ليس من الموجبات إلّا إذا كان مقروناً بالعلم الإجمالي ، بأن علم إجمالاً إمّا بالزيادة أو النقيصة ، فانّ الأحوط لزوماً (٤) حينئذ الإتيان بالسجدتين ، لدلالة النصوص عليه كما سبق.

__________________

(*) لا بأس بتركه كما مرّ.

(١) في ص ٣٨١.

(٢) الوسائل ٦ : ٤٠٢ / أبواب التشهد ب ٧ ح ٤ ، ٨ : ٢٠٨ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٥ ح ٣ وغيرهما.

(٣) في ص ٣٧١ ٣٧٢.

(٤) [تقدّم في ص ٣٧٤ أنّه الأقوى].

٣٩٩

[٢١١٠] مسألة ٩ : لو شكّ في إتيانه بعد العلم بوجوبه وجب (١) وإن طالت المدّة ، نعم لا يبعد البناء (*) على إتيانه بعد خروج وقت الصلاة (٢) وإن كان الأحوط عدم تركه خارج الوقت أيضاً.

______________________________________________________

(١) عملاً بقاعدة الاشتغال أو استصحاب عدم الامتثال.

(٢) إلحاقاً للسجدة بنفس الصلاة ، نظراً إلى كونها من توابعها ومتعلّقاتها فيشملها حكمها من عدم الاعتناء ، استناداً إلى قاعدة الحيلولة. فكأنه (قدس سره) فصّل بين عروض الشكّ في الوقت أو في خارجه ، فيعتني به في الأوّل دون الثاني.

ولكنّه كما ترى ، فانّا إذا بنينا على أنّ سجود السهو من الموقّتات ، وأنّه محدود بما أسميناه بالفورية العرفية كما استفدناه من النصوص الدالّة على أنّه بعد السلام وقبل الكلام ، وفي حال الجلوس ونحو ذلك ممّا هو ظاهر في التوقيت فالشكّ العارض بعد مضيّ هذا الوقت محكوم بعدم الاعتناء بمقتضى الإطلاق في قوله (عليه السلام) : «كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو» (١) من غير فرق بين عروض الشكّ المزبور في وقت الصلاة أم في خارجه.

بل قد عرفت (٢) عدم الدليل على لزوم الإتيان حتّى مع العلم بتركه في ظرفه عصياناً فضلاً عن الشكّ ، لاختصاص الدليل بتلك الحالة ، وعدم نهوض ما يصلح لبقاء الوجوب فيما بعدها ، فلا أثر عندئذ للشكّ المذكور.

وإذا بنينا على عدم التوقيت وأنّ وجوبه ثابت ما دام العمر كما في صلاة

__________________

(*) بل هو بعيد.

(١) الوسائل ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ٣.

(٢) في ص ٣٨٣.

٤٠٠