موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

بل لكلّ زيادة ونقيصة لم يذكرها في محلّ التدارك (١).

______________________________________________________

الظاهرة في الوجوب ، ومقتضى الجمع هو الحمل على الاستحباب ، فيكون الحكم مبنيّاً على الاحتياط حذراً عن مخالفة المشهور.

(١) ذكر (قدس سره) أنّ من موجبات سجود السهو كلّ ما زاد في صلاته أو نقص سهواً ، ويشترط في النقيصة أن لا يذكرها في المحلّ ، وإلّا فمع التذكّر والتدارك لا يجب السجود من ناحية النقص بلا إشكال.

وكيف ما كان ، فعدّ ذلك من الموجبات لم يكن معروفاً بين القدماء من الأصحاب ، بل لم يعرف له قائل منهم وإن نسبه الشيخ (قدس سره) إلى بعض أصحابنا (١) ، ولذا اعترف الشهيد (قدس سره) في الدروس بعد نقل ذلك عنه بأنّه لم يظفر بقائله (٢) نعم ، ذكر ذلك جماعة من المتأخّرين كالعلّامة (٣) ومن تأخّر عنه ومنهم الشهيد (قدس سره) نفسه في كتاب الذكرى (٤).

وعلى أيّ حال فقد استدلّ له بما رواه ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن سفيان بن السمط عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : تسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان» (٥).

ونوقش في سندها تارة من حيث الإرسال ، وأُخرى من حيث جهالة سفيان.

وأُجيب عن الأوّل بعدم الضير فيه بعد أن كان المرسل مثل ابن أبي عمير

__________________

(١) الخلاف ١ : ٢٥٩ المسألة ٢٠٢.

(٢) الدروس ١ : ٢٠٧.

(٣) التذكرة ٣ : ٣٤٩ المسألة ٣٦٠.

(٤) الذكرى ٤ : ٩٠.

(٥) الوسائل ٨ : ٢٥١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ٣.

٣٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

الذي قيل في حقّه : إنّه لا يرسل ولا يروي إلّا عن ثقة وإنّ مراسيله كمسانيد غيره.

وعن الثاني : تارة بأنّ ابن أبي عمير قد روى في موضع آخر عن سفيان نفسه بلا واسطة ، وهو في كتاب الزيّ والتجمّل من الكافي (١) ، وحيث إنّه لا يروي إلّا عن ثقة كما عرفت فروايته عنه توثيق له.

وأُخرى بأنّه من أصحاب الإجماع الذي ادّعى الكشي الاتّفاق على تصحيح ما يصحّ عنهم (٢). فجهالته غير قادحة بعد اشتمال السند على مَن هو من أصحاب الإجماع المتّفق على العمل برواياتهم وعدم النظر في من بعدهم.

أقول : والكلّ كما ترى. أمّا الجواب الأوّل ودعوى أنّ ابن أبي عمير لا يرسل ولا يروي إلّا عن الثقة فالأصل في هذه الدعوى هو الشيخ في كتاب العدة حيث ادّعى تسوية الطائفة بين ما يرويه محمّد بن أبي عمير وصفوان وأحمد بن محمّد بن أبي نصر وأضرابهم ممّن عرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة ، وبين ما أسنده غيرهم (٣). وتبعه في ذلك من تبعه ممّن تأخّر عنه ، ولم يوجد من هذه الدعوى في كلمات المتقدّمين عليه عين ولا أثر.

والظاهر أنّ هذا اجتهاد منه استنبطه من دعوى الكشي الإجماع على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء ، فتخيّل أنّ هذا توثيق للرواة وأنّ منشأ الإجماع هو أنّ هؤلاء لا يروون إلّا عن ثقة ، وإلّا فلو كان أمراً ثابتاً في نفسه ومعروفاً متسالماً عليه بين الأصحاب لذكره غيره ، ولم يذكر كما مرّ.

ولكنّه بمراحل عن الواقع ، والإجماع يشير إلى معنى آخر كما ستعرف.

__________________

(١) الكافي ٦ : ٥٠٤ / ١.

(٢) رجال الكشي : ٥٥٦ / ١٠٥٠.

(٣) عدّة الأُصول ١ : ٥٨ السطر ٧.

٣٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ويكشف عمّا ذكرناه من الاجتهاد أنّه (قدس سره) عطف على الثلاثة المذكورين قوله : وأضرابهم ، فإلى من يشير بالإضراب غير أصحاب الإجماع؟ ولم يدّع أحد تلك الدعوى في حقّ غير هؤلاء الثلاثة ، والشيخ بنفسه أيضاً لم يدّع ذلك.

وممّا يدلّ على أنّه اجتهاد رجوعه عنه بنفسه ، حيث إنّه ناقش في رواية ابن أبي عمير في بعض الموارد (١) بقوله في كلا الكتابين : فأوّل ما فيه أنّه مرسل ، وما هذا سبيله لا يعارض به الأخبار المسندة. وكذا في رواية عبد الله بن المغيرة (٢) وغيره من أصحاب الإجماع. فلو تمّت تلك الدعوى وكانت من المتسالم عليها فكيف التوفيق بينها وبين هذه المناقشة.

ويزيدك وضوحاً في بطلان الدعوى من أصلها أنّ ابن أبي عمير روى عن عدّة أشخاص ضعّفهم الشيخ بنفسه وكذا النجاشي كعلي بن أبي حمزة البطائني والحسين بن أحمد المنقري وعلي بن حديد ويونس بن ظبيان ، وهكذا في صفوان وابن أبي نصر. وليت شعري مع تصريح الشيخ بضعف هؤلاء كيف يدّعي أنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة. فإذا ثبتت رواية ابن أبي عمير وغيره عن الضعيف ولو في مورد واحد أمّا عن المجهول فكثير جدّاً فمن الجائز عند روايته عن رجل مرسلاً أن يكون المراد به هو ذاك الضعيف ، ولا دافع لهذا الاحتمال ، فتكون الرواية من قبيل الشبهة المصداقية.

وبعين هذه المناقشة ناقش المحقّق في المعتبر في آداب الوضوء بالنسبة إلى مراسيل ابن أبي عمير (٣) ، ونعم ما تفطّن له.

__________________

(١) منها ما في التهذيب ٨ : ٢٥٧ ذيل ح ٩٣٢ والاستبصار ٤ : ٢٧ ذيل ح ٨٧.

(٢) التهذيب ١ : ٤١٥ ذيل ح ١٣٠٩ ، الاستبصار ١ : ٧ ذيل ح ٦.

(٣) المعتبر ١ : ١٦٥.

٣٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى الجملة : فهذه الدعوى ساقطة جزماً وغير قابلة للتصديق. فالمناقشة الاولى متينة وفي محلّها ، ولا مدفع عنها.

ومنه تعرف ما في الجواب الأوّل عن المناقشة الثانية ، فإنّه لم يثبت أنّ ابن أبي عمير لا يروي إلّا عن ثقة ، بل ثبت عدمه بشهادة الشيخ والنجاشي كما عرفت. إذن فروايته عن سفيان بلا واسطة لا تدلّ على توثيقه بوجه.

وأمّا الجواب الثاني : أعني كونه من أصحاب الإجماع الذي ادّعاه الكشي على تصحيح ما يصحّ عنهم ، ففيه : أنّه لم يثبت أنّ معقد الإجماع تصحيح الرواية عن المعصوم (عليه السلام) وتوثيق كلّ من وقع في السند كما صرح به غير واحد من علمائنا.

بل مرجع الإجماع إلى دعوى الاتّفاق على أنّ هؤلاء الجماعة البالغ عددهم ثمانية عشر ، بعضهم من أصحاب الباقر ، وبعضهم من أصحاب الصادقين ، وبعضهم من أصحاب من بعدهما ، وهم في طبقات ثلاث كلّ طبقة ستة لمكان جلالتهم وعظم شأنهم ومعلومية وثاقتهم بل عدالتهم مصدّقون فيما يخبرون ولا يغمزون فيما يدّعون ، وأنّ السند متى بلغ إليهم فلا يتأمّل في تصديقهم في الإخبار عن الراوي الذي ينقلون عنه ، لا في الإخبار عن المعصوم (عليه السلام).

فالرواية صحيحة عنهم لا عن المعصومين (عليهم السلام) بحيث لو رووا عن معلوم الكذب يؤخذ بالرواية ، إذ من الواضح أنّ روايتهم عن مثله لا تزيد على العلم الوجداني ، فلو سمعناها من نفس الكاذب مباشرة لا نأخذ بها ، أفهل ترى جواز الأخذ عنه بمجرّد توسط هؤلاء ، وهل يحتمل أن يكون التعبّد أعظم شأناً من العلم الوجداني.

وبالجملة : لا ينبغي التأمّل في عدم كون المراد من تصحيح ما يصحّ عن الجماعة تصحيح الرواية إلى الصادق (عليه السلام) ليدلّ على توثيق من وقع في

٣٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

السند أو عدم النظر إلى من بعدهم من ضعيف أو مجهول ، بل المراد تصديقهم بأنفسهم لرفعة شأنهم وعلوّ مقامهم ، وأين هذا من لزوم غضّ النظر عمّن يروون عنه.

وممّا يؤكِّد ذلك أنّه لم يوجد في كلام أي فقيه من القدماء أو المتأخّرين الحكم بصحّة الرواية لمجرّد أنّ في سندها ابن أبي عمير أو صفوان أو غيرهما من أصحاب الإجماع.

ويؤكِّده أيضاً أنّ هذه الرواية أعني رواية سفيان بن السمط لو كانت معتبرة من أجل اشتمال السند على ابن أبي عمير فلما ذا لم يوجد قائل بمضمونها من القدماء ، حتّى أنّ الشهيد نفى الظفر على القائل المجهول الذي حكى عنه الشيخ كما سمعت ، فلو كانت موصوفة بالصحّة بمقتضى تصحيح ما يصحّ عن جماعة لأفتى على طبقها ولو فقيه واحد من أصحابنا الأقدمين. فالرواية مهجورة غير معمول بها ، وليس السرّ إلّا ما عرفت من عدم وزن لها في سوق الاعتبار.

ومع الغضّ عن كلّ ذلك وتسليم تفسير الإجماع المدّعى في كلام الكشي على تصحيح ما يصحّ عن جماعة بإرادة التوثيق لمن يقع في السند وتصحيح الرواية نفسها حسبما يراه القوم ، فغايته أنّه إجماع منقول بخبر الواحد ، وليس بحجّة.

فالإنصاف : أنّ هذه الرواية محكومة بالضعف ، لقوّة المناقشتين ، وعدم المدفع عنهما. فلا تصلح للاستدلال.

وربما يستدلّ أيضاً بصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : إذا لم تدر أربعاً صلّيت أم خمساً ، أم نقصت أم زدت فتشهّد وسلم ، واسجد سجدتين بغير ركوع ...» إلخ (١) ، فانّ المراد تعلّق النقص أو الزيادة بالأفعال دون

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٤.

٣٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الركعات ، وإلّا فهي محكومة بأحكام الشكوك كما هو ظاهر.

وغير خفي أنّ الاستدلال بها يتوقّف على أحد أمرين :

أحدهما : أن تكون جملة «أم نقصت ...» إلخ عطفاً على فعل الشرط أعني «لم تدر» فيكون المعنى هكذا : إذا نقصت أم زدت ... إلخ ، وتكون النتيجة وجوب سجدتي السهو لكلّ زيادة ونقيصة.

ثانيهما : أن تكون الجملة عطفاً على المعمول أعني «أربعاً» ليرد عليها فعل الشرط ويكون طرف احتمال النقصان عدمه ، كما أنّ طرف الزيادة عدمها ، فيرجع المعنى إلى قولنا : إذا لم تدر نقصت أم لا ، أو لم تدر زدت أم لا ، فعليك سجدتا السهو.

فتكون الصحيحة حينئذ ناظرة إلى صورة الشكّ في كلّ من الزيادة والنقيصة فاذا ثبت وجوب السجدة في صورة الشكّ ثبت في صورة العلم بالسهو بطريق أولى. إذن فكلّ واحد من الأمرين كافٍ في إثبات المطلوب ، هذا.

ولكن في البين احتمالاً ثالثاً لعلّه الأظهر بحسب المتفاهم العرفي ، وهو أن تكون الجملة عطفاً على المعمول ، ويكون طرف احتمال النقصان هو الزيادة ، لا عدمه كما كان في الاحتمال الثاني ، فتكون الصحيحة ناظرة إلى فرض العلم الإجمالي والدوران بين الزيادة والنقيصة لا إلى صورة الشكّ ، وستعرف أنّ العلم بأحدهما إجمالاً من موجبات سجود السهو كما تضمّنته النصوص الآتية.

وحينئذ فلا موجب للتعدّي إلى صورة العلم التفصيلي الذي هو محلّ الكلام فإنّه قياس محض ، والأولوية ممنوعة هنا كما لا يخفى ، فتدبّر جيّداً.

وهذا الاحتمال هو الأظهر ، حيث إنّ لفظة «أم» لا تستعمل غالباً إلّا في موارد العلم الإجمالي كما مرّ سابقاً (١) ، ولا أقلّ من تكافئه مع الاحتمالين المتقدّمين

__________________

(١) لاحظ ما ذكره في ص ١٧٣.

٣٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فيورث الإجمال المسقط عن الاستدلال.

وقد يستدلّ أيضاً بقوله (عليه السلام) في موثّقة عمّار : «إذا أردت أن تقعد فقمت ، أو أردت أن تقوم فقعدت ، أو أردت أن تقرأ فسبّحت ، أو أردت أن تسبّح فقرأت فعليك سجدتا السهو ...» إلخ (١).

فإنّها وإن كانت بالإضافة إلى القراءة والتسبيح معارضة مع الذيل المتضمّن لعدم السجود ما لم يتكلّم ، فلم تكن خالية عن التشويش من هذه الناحية ، إلّا أنّها بالنسبة إلى القيام والقعود صريحة في المطلوب ، ويتمّ فيما عداهما من سائر الزيادات بعدم القول بالفصل.

وفيه : أنّه بعد تسليم الدلالة فهي كالصحيحة المتقدّمة ، معارضتان بما ورد في نسيان السجدة كصحيحة أبي بصير (٢) وفي نسيان التشهّد كصحيحتي الحلبي (٣) من أنّه يرجع ويتدارك المنسي لو كان التذكّر قبل الركوع وليس عليه سجود السهو ، مع أنّ لازم الرجوع زيادة القيام في موضع القعود سهواً.

وتعارضهما أيضاً عدّة من النصوص المتضمّنة أنّ من أتمّ سهوه فليس عليه سهو ، أي من تذكّر وتدارك النقص الناشئ من السهو فليس عليه سجدتا السهو مع أنّ التدارك لا ينفكّ عن الزيادة في القيام ، كقوله (عليه السلام) في موثّق عمّار : «وليس في شي‌ء ممّا يتمّ به الصلاة سهو» (٤) وصحيحة الفضيل بن يسار : «من حفظ سهوه فأتمّه فليس عليه سجدتا السهو ، وإنّما السهو على من لم يدر أزاد

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٥٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ٢.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٦٥ / أبواب السجود ب ١٤ ح ٤ ، وقد تقدمت في ص ٣٥٥.

(٣) الوسائل ٦ : ٤٠٦ / أبواب التشهد ب ٩ ح ٣ ، ٤ ، وقد تقدّمتا في ص ٣٥٩ ، ٣٦٠ [لكن الثانية منهما ضعيفة السند كما صرّح به هناك فلاحظ].

(٤) الوسائل ٨ : ٢٥٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ٢.

٣٦٧

وأمّا النقيصة مع التدارك فلا توجب (١). والزيادة أعمّ من أن تكون من الأجزاء الواجبة أو المستحبّة (٢) كما إذا قنت في الركعة الأُولى مثلاً أو في غير محلّه من الثانية ، ومثل قوله : «بحول الله» في غير محلّه ، لا مثل التكبير أو

______________________________________________________

في صلاته أم نقص منها» (١) ، ونحوها موثّقة سماعة (٢).

وقد دلّت الأخيرتان على وجوب السجدة على من علم إجمالاً بالزيادة أو النقيصة ، ومن هنا نلتزم بذلك في هذا المورد لصراحة النصّ ، دون العلم التفصيلي لعدم الدليل على التعدّي فإنّه قياس ، والأولوية ممنوعة كما مرّ.

نعم ، الحصر المستفاد منهما إضافي أي بالنسبة إلى مَن تذكّر وأتمّ سهوه وليس بحقيقي ، فلا ينافي وجوب السجود في مورد آخر كما في نسيان السلام أو التشهّد.

وكيف ما كان ، فهذه النصوص تعارض الموثّقة والصحيحة المتقدّمتين ، ومقتضى الجمع هو الحمل على الاستحباب. فما عليه المشهور من نفي وجوب السجدة لكلّ زيادة ونقيصة هو الأظهر ، وإن كان الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه.

(١) لا من ناحية النقص إذ لا موضوع له بعد حصول التدارك ، ولا من ناحية الزيادة الناشئة من قبل التدارك ، لما مرّ قريباً من دلالة جملة من النصوص على أنّه لا سهو على من أتمّ السهو ، الظاهرة في النفي المطلق ، مع وضوح عدم انفكاك الإتمام والتدارك عن نوع من الزيادة فلاحظ.

(٢) أفاد (قدس سره) أنّ الزيادة الموجبة لسجود السهو عامّة للأجزاء الواجبة والمستحبّة فيما إذا صدق على الجزء الاستحبابي عنوان الزيادة ، كما في القنوت وذكرِ «بحول الله» الواقعين في غير المحلّ ، دون مثل التكبير أو التسبيح

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣٨ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ٦ ، ٨.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٣٨ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ٦ ، ٨.

٣٦٨

التسبيح إلّا إذا صدق عليه الزيادة كما إذا كبّر بقصد تكبير الركوع في غير محلّه ، فانّ الظاهر صدق الزيادة عليه ، كما أنّ قوله : «سمع الله لمن حمده» كذلك. والحاصل : أنّ المدار على صدق الزيادة. وأمّا نقيصة المستحبّات فلا توجب حتّى مثل القنوت ، وإن كان الأحوط عدم الترك في مثله إذا كان من عادته الإتيان به دائماً

______________________________________________________

ونحوهما من مطلق الذكر ، إلّا إذا اقترن بخصوصية أوجبت صدق الزيادة كما لو كبّر بقصد تكبير الركوع في غير محلّه. وأفاد أخيراً أنّ نقيصة المستحبّات لا توجب شيئاً.

أقول : أمّا ما أفاده أخيراً في النقص فظاهر الوجه ، فانّ المستفاد من الأدلّة ولو بمناسبات الحكم والموضوع سيما بملاحظة ما دلّ على كون الحكمة في تشريع السجدة إرغام أنف الشيطان أنّ النقص السهوي إنّما يوجب السجود فيما إذا كان عمده مبطلاً ، فلا يشمل مثل المستحبّات التي يجوز تركها عامداً ، وهذا واضح.

وأمّا ما أفاده (قدس سره) من ناحية الزيادة فإنّما يتّجه بناءً على ما سلكه (قدس سره) من معقولية الجزء الاستحبابي كما يظهر من غير واحدة من كلماته إذ لو سلّمنا وجوب السجدة لكلّ زيادة ونقيصة استناداً إلى مرسلة سفيان بن السمط المتقدّمة (١) فلا قصور في شمول الإطلاق للأجزاء الواجبة والمستحبّة فإنّ زيادة الجزء الاستحبابي عمداً مبطلة حينئذ كالوجوبي ، أخذاً بإطلاق قوله (عليه السلام) : من زاد في صلاته متعمّداً فعليه الإعادة (٢) ، فاذا كان عمده مبطلاً كان سهوه موجباً للسجود.

__________________

(١) في ص ٣٦١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ٢.

٣٦٩

والأحوط عدم تركه في الشكّ (*) في الزيادة أو النقيصة (١).

______________________________________________________

وأمّا بناءً على عدم المعقولية ، لمنافاة الجزئية مع الاستحباب ، سواء أُريد به الجزء من الماهية أو من الفرد كما تكرّر منّا في مطاوي هذا الشرح (١) وفي المباحث الأُصولية (٢) وأنّ ما يتراءى منه ذلك فهو لدى التحليل مستحبّ ظرفه الواجب من دون علاقة بينهما وارتباط عدا علاقة الظرفية ، غايته أنّه يوجب فضيلة ومزيّة للطبيعة المشتملة عليه ، كما في الأدعية الواردة في نهار شهر رمضان فبناءً على هذا المبنى وهو الصحيح لا يصدق على ذاك المستحبّ عنوان الزيادة في الصلاة ، لاقتضاء هذا الوصف مشاركة الزائد مع المزيد عليه في الجزئية كما لا يخفى ، فلا يكون سهوه موجباً للسجود حتّى بناءً على وجوبه لكلّ زيادة ونقيصة ، لانتفاء الموضوع حسبما عرفت. كما أنّ عمده أيضاً لا يوجب البطلان إذا كان واقعاً في غير المحلّ ، غايته أن يكون حينئذ من التشريع المحرّم ، فلا يترتّب عليه إلّا الإثم.

(١) نسب إلى الصدوق في الفقيه (٣) والعلّامة في المختلف (٤) والشهيد في الروض (٥) وغيرهم وجوب سجدة السهو لمجرّد الشكّ في الزيادة أو الشكّ في النقيصة ، خلافاً للمشهور المنكرين للوجوب حيث لم يعدّوا ذلك من موجبات السجود.

__________________

(*) وإن كان الأظهر جوازه.

(١) منها ما تقدّم في ص ٣.

(٢) مصباح الأُصول ٣ : ٣٠٠.

(٣) الفقيه ١ : ٢٢٥ ذيل ح ٩٩٣.

(٤) المختلف ٢ : ٤٢١ المسألة ٢٩٧.

(٥) الروض : ٣٥٤ السطر ١.

٣٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ويستدلّ للوجوب بطائفة من الأخبار فيها الصحيح والموثّق ، وقد تقدّمت هذه الروايات سابقاً ولا بأس بإعادتها.

فمنها : صحيحة زرارة «إذا شكّ أحدكم في صلاته فلم يدر أزاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو جالس ، وسمّاهما رسول الله (صلّى الله عليه وآله) المرغمتين» (١).

وصحيحة الحلبي : «إذا لم تدر أربعاً صلّيت أم خمساً ، أم نقصت أم زدت فتشهّد وسلم ، واسجد سجدتين بغير ركوع ...» إلخ (٢). وقد مرّ سابقاً (٣) أنّ الظاهر من الصحيحة أن يكون قوله : «أم نقصت» عطفاً على المعمول أعني أربعاً ، لا على فعل الشرط كي تكون أجنبية عمّا نحن فيه.

وصحيحة الفضيل بن يسار : «من حفظ سهوه فأتمّه فليس عليه سجدتا السهو ، وإنّما السهو على من لم يدر أزاد في صلاته أم نقص منها» (٤).

وموثّقة سماعة قال «قال : من حفظ سهوه فأتمّه فليس عليه سجدتا السهو إنّما السهو على من لم يدر أزاد أم نقص منها» (٥).

وهذه الأخبار المتّحدة في المفاد مطلقة من حيث تعلّق الشكّ بالأفعال أو بأعداد الركعات فقالوا : إنّها تدلّ على وجوب السجود لمجرّد الشكّ في أنّه زاد أم لا ، أو الشكّ في أنّه نقص أم لا.

أقول : إن أُريد دلالة هذه الأخبار على وجوب السجدة لمجرّد الشكّ البحت

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٢٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٢.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٢٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ٤.

(٣) في ص ٣٦٦.

(٤) الوسائل ٨ : ٢٣٨ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ٦.

(٥) الوسائل ٨ : ٢٣٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ٨.

٣٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

المتعلّق بأصل الزيادة أو المتعلّق بأصل النقيصة ، بحيث يكون طرف الشكّ في الزيادة عدمها كما في النقيصة ، من دون علم بأحد الأمرين.

ففيه : أنّ المقتضي في نفسه قاصر ، لقصور هذه الروايات عن الدلالة على ذلك ، فانّ ظاهرها التردّد بين الأمرين ، وفرض شكّ وحداني تعلّق أحد طرفيه بالزيادة والآخر بالنقيصة ، فهي ناظرة إلى صورة الشبهة المقترنة بالعلم الإجمالي لا الشبهة المحضة وفرض شكّين بدويين أحدهما في الزيادة وعدمها والآخر في النقص وعدمه كما هو مبنى الاستدلال هذا.

مضافاً إلى أنّ صحيحة الحلبي صريحة في نفي الوجوب ، قال : «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل سها فلم يدر سجدة سجد أم ثنتين ، قال : يسجد اخرى ، وليس عليه بعد انقضاء الصلاة سجدتا السهو» (١) ، فانّ موردها الشكّ في السجدة الثانية قبل تجاوز المحلّ ، وقد حكم (عليه السلام) بالتدارك والإتيان بسجدة أُخرى ، غير المنفكّ حينئذ عن احتمال الزيادة والشكّ فيها كما لا يخفى ، فإنّه إن لم يتدارك فهو شاكّ في النقيصة ، وإن تدارك فهو شاكّ في الزيادة ومع ذلك فقد صرّح (عليه السلام) بنفي سجود السهو بعد انقضاء الصلاة. فيكشف عن أنّ مجرّد الشكّ ليس من الموجبات.

ونحوها رواية محمّد بن منصور : «إذا خفت أن لا تكون وضعت وجهك إلّا مرّة واحدة فإذا سلّمت سجدت سجدة واحدة وتضع وجهك مرّة واحدة ، وليس عليك سهو» (٢) ، فانّ الخوف مرتبة راقية من الاحتمال ، ولا يخرج عن الشكّ ، وقد حكم (عليه السلام) بالقضاء المحمول على فرض عروض الشكّ بعد تجاوز المحلّ بالدخول في الركوع ، وإلّا فقبله يجب التدارك في المحلّ ، والمحمول أيضاً

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٦٨ / أبواب السجود ب ١٥ ح ١.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٦٦ / أبواب السجود ب ١٤ ح ٦.

٣٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

على الاستحباب ، وإلّا فلا يجب القضاء لدى الشكّ عملاً بقاعدة التجاوز.

وكيف ما كان ، فاقتصاره (عليه السلام) على القضاء نافياً لسجود السهو مع فرض الشكّ في النقص صريح في المطلوب ، هذا.

مع أنّ جميع الروايات الواردة في باب الشكّ في السجود المتضمّنة لعدم الاعتناء فيما إذا عرض الشكّ بعد التجاوز أو الفراغ دليل على المطلوب ، إذ هي في مقام البيان ، فلو كانت السجدة واجبة لزم التنبيه عليه ، فمن عدم التعرّض وإطلاق الحكم بعدم الاعتناء بالشكّ يستكشف عدم الوجوب ، هذا.

مع أنّ جميع الروايات الواردة في باب قاعدتي الفراغ والتجاوز دليل آخر على المطلوب ، بناءً على ما هو الصحيح من كون القاعدتين من الأمارات ، إذ عليه يكون الشاكّ المزبور عالماً في نظر الشارع ومأموراً بإلغاء احتمال الخلاف فلا موضوع للشكّ بعدئذ كي يكون موجباً للسجدة.

وإن أُريد دلالة هذه الأخبار على الوجوب في مورد الشكّ المقرون بالعلم الإجمالي كما لا يبعد أن يكون مراد القائلين بالوجوب هو ذلك فحقّ لا محيص عنه حسبما عرفت ، غير أنّه لا بدّ من تقييد الأخبار حينئذ بما إذا لم يكن الشكّ متعلّقاً بالأعداد ولا بالأركان ، لبطلان الصلاة حينئذ ، من جهة العلم الإجمالي بزيادة ركعة أو ركن أو نقيصتهما.

ومن المعلوم أنّ سجدة السهو المجعولة لإرغام الشيطان إنّما تشرع في صلاة محكومة بالصحّة دون البطلان ، فهي محمولة على ما إذا كان الشكّ متعلّقاً بزيادة جزء غير ركني أو نقيصته كالسجدة الواحدة ، أو زيادة جزء ركني أو نقص غير الركن أو العكس ، كما لو علم إجمالاً أنّه إمّا زاد ركوعاً أو نقص قراءة ونحو ذلك ، بحيث تكون الصلاة محكومة بالصحّة بمقتضى قاعدة الفراغ.

وعلى الجملة : فهذه الروايات بعد التقييد المزبور ظاهرة الدلالة على الوجوب

٣٧٣

[٢١٠٣] مسألة ٢ : يجب تكرّره بتكرر الموجب سواء كان من نوع واحد أو أنواع. والكلام الواحد موجب واحد وإن طال ، نعم إن تذكّر ثمّ عاد تكرّر. والصيغ الثلاث للسّلام موجب واحد ، وإن كان الأحوط التعدّد. ونقصان التسبيحات الأربع موجب واحد ، بل وكذلك زيادتها وإن أتى بها ثلاث مرّات (١).

______________________________________________________

في الفرض المذكور ، قويّة السند كما عرفت ، فلا مانع من الأخذ بها والحكم بوجوب سجدة السهو لدى العلم الإجمالي بالزيادة أو النقص ، عدا إعراض المشهور عنها.

فان بنينا على أنّ الإعراض مسقط للصحيح عن الاعتبار كما هو المعروف عند القوم اتّجه القول بعدم الوجوب الذي عليه المشهور ، وإلّا كان العمل بها متعيّناً. وحيث إنّ المختار هو الثاني كما بيّناه في الأُصول (١) فالأقوى وجوب سجدة السهو لذلك.

(١) لا ينبغي الإشكال في أنّ مقتضى القاعدة تكرار السجود بتكرار الموجب سواء أكان من نوع واحد كما لو تكلّم ساهياً في الركعة الاولى ثمّ تكلّم ساهياً أيضاً في الركعة الثانية أو من نوعين كما لو سلّم سهواً في غير محلّه وشكّ أيضاً بين الأربع والخمس.

وذلك لأصالة عدم التداخل المستفادة من إطلاق دليل السبب ، إلّا أن يقوم دليل من الخارج على جواز التداخل كما ثبت في باب الأغسال ، وإلّا فمقتضى القاعدة الأوّلية عدم التداخل ، المستلزم لتكرار السجدة في المقام بتكرار أسبابه كما عرفت.

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٢٠٣.

٣٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذا في الجملة ممّا لا إشكال فيه ، وإنّما الكلام في بعض خصوصيات المطلب وتطبيقاته فنقول :

لا ريب في تعدّد الموجب إذا كان فردين من نوعين كالكلام والسلام ، أو فردين من نوع واحد كما لو سلّم سهواً في الركعة الأُولى وفي الركعة الثالثة كما مرّ.

وأمّا إذا كان فرداً واحداً من نوع واحد مع تعدّد السهو بأن سها ثانياً بعد الالتفات فأتمّ كلامه السابق على نحو يعدّ المجموع كلاماً واحداً كما لو قال : زيد ، فأتى بالمبتدإ ساهياً وتذكّر ، ثمّ سها ثانياً وأتى بخبره فقال : قائم ، وهكذا في الفعل ومعموله ، بحيث يعدّ المجموع فرداً واحداً من الكلام ، فهل هو من تعدّد الموجب نظراً إلى تعدّد السهو فيتكرّر السجود ، أم من وحدته باعتبار وحدة الكلام الذي تعلّق به السهو فلا يتكرّر؟ ظاهر عبارة المتن بل صريحه هو الأوّل.

وهذا هو الصحيح ، فانّ المستفاد من الأدلّة أنّ العبرة في وجوب السجدة بنفس السهو ، أو فقل التكلّم ساهياً ، فإنّه المأخوذ في لسان الأخبار ، ولا اعتبار بما تعلّق به السهو أعني ذات التكلّم ، لعدم كونه موضوعاً للحكم.

فمتى تكرّر السهو تكرّر الموجب وإن اتّحد المتعلّق ، لصدق التكلّم ساهياً مرّتين ، فلا بدّ لكلّ منهما من سجدتين ، بحيث لو لوحظ كلّ منهما مستقلا وكان وحده مجرّداً عن الآخر لكان سبباً مستقلا للسجود ، فلدى انضمام السهوين وجب السجود مرّتين لا محالة.

كما أنّه مع اتّحاد السهو لم يكن ثمّة عدا وجوب واحد ، وإن تكرّر أفراد متعلّقه كما في الكلام الطويل الذي تعلّق به سهو واحد مستمرّ من غير تخلّل ذكر في البين ، فانّ مجموعة يعدّ موجباً واحداً ، لصدوره عن منشأ واحد.

٣٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ويرشدك إلى ما ذكرناه إضافة السجدتين إلى السهو ، وتوصيفهما بالمرغمتين في غير واحد من الأخبار باعتبار إرغام أنف الشيطان الكاره للسجود ، مجازاة له على فعل السهو وإلقاء المصلّي فيه ، فإنّها تكشف عن أنّ السببية إنّما تناط بنفس السهو ، وأنّه المدار في مراعاة وحدة السجود وتعدّده ، فلا اعتبار باتّحاد متعلّقه وعدمه.

ومنه تعرف أنّ الصيغ الثلاث للسلام موجب واحد ، لصدور الكلّ عن سهو واحد وإن تعدّد المتعلّق وتكثّرت الأفراد ، فلا يقسّط السبب عليها.

على أنّ النصوص الدالّة على سجود السهو للسلام الزائد (١) ظاهرة في ذلك حيث إنّ الواقع منه في غير محلّه إنّما يقع على حدّ وقوعه في المحلّ ، الذي هو مشتمل حينئذ على الصيغ الثلاث غالباً ، بل ومع التشهّد أحياناً كما لو سلّم ساهياً في الركعة الأُولى أو الثالثة من الرباعية ، فيكتفى عن الكلّ بسجود واحد بمقتضى إطلاق تلك النصوص.

كما تعرف أيضاً أنّ نقصان التسبيحات الأربع موجب واحد ، كما أنّ زيادتها كذلك وإن أتى بها ثلاث مرّات ، فإنّه سهو واحد تعلّق بالنقص أو بالزيادة وإن كانت أفراد المتعلّق متعددة بل مؤلفاً من عناوين متباينة كالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير ، فلا يعدّ ذلك زيادات عديدة بعد وحدة السهو المتعلّق بها الذي هو مناط الحكم كما مرّ.

وممّا ذكرنا يظهر النظر فيما أفاده (قدس سره) في المسألة اللّاحقة من أنّه إذا سها عن سجدة واحدة من الركعة الأُولى مثلاً ، وقام وقرأ الحمد والسورة وقنت وكبّر للركوع فتذكّر قبل أن يدخل في الركوع وجب العود للتدارك ، وعليه سجود السهو ست مرّات لتلك الزيادات حسبما فصّله في المتن.

__________________

(١) وقد تقدم بعضها في ص ٣٤٧.

٣٧٦

[٢١٠٤] مسألة ٣ : إذا سها عن سجدة واحدة من الركعة الأُولى مثلاً وقام وقرأ الحمد والسورة وقنت وكبّر للركوع فتذكّر قبل أن يدخل في الركوع وجب العود للتدارك ، وعليه سجود السهو ستّ مرّات (*) (١) ، مرّة لقوله : بحول الله ، ومرّة للقيام ، ومرّة للحمد ، ومرّة للسورة ، ومرّة للقنوت ، ومرّة

______________________________________________________

فانّ مقتضى ما ذكرناه من كون المعيار وحدة السهو وتعدّده وجوب السجدتين مرّة واحدة ، لأنّ الكلّ قد نشأ عن سهو واحد ، وإلّا فلو كان المدار على لحاظ المتعلّق وتقسيط السبب حسب تعدّده وجب لحاظ تعدّد السبب حينئذ بعدد الآيات ، بل الكلمات ، بل الحروف على المختار أو كلّ حرفين على المعروف من اعتبار الاشتمال عليهما في صدق التكلّم السهوي الموجب للسجدة على الخلاف المتقدّم في محلّه (١) والكلّ كما ترى.

وعلى الجملة : إن كان المدار على ملاحظة السهو نفسه لم يجب في البين عدا السجدتين مرّة واحدة ، لنشئ المجموع عن سهو واحد ، فلم يكن ثمّة إلّا زيادة واحدة ، وهذا هو الصحيح. وإن كان المدار على ملاحظة المتعلّق لزم التقسيط حسب التفصيل المتقدّم. فالتفكيك الذي صنعه في المتن غير ظاهر الوجه.

هذا كلّه بناءً على تسليم وجوب السجود لكلّ زيادة ونقيصة ، وإلّا فالأمر أوضح ، فإنّه لا يجب عليه حينئذ إلّا مرّة واحدة لأجل القيام في موضع القعود الذي هو بنفسه سبب مستقلّ على القول به ، ولا يجب لما عداه على كلّ تقدير.

(١) قد مرّ ما فيه آنفاً فلاحظ.

__________________

(*) على الأحوط فيه وفيما بعده كما مرّ.

(١) في ص ٣٤٤.

٣٧٧

لتكبير الركوع ، وهكذا يتكرّر خمس مرّات لو ترك التشهّد وقام وأتى بالتسبيحات والاستغفار بعدها وكبّر للركوع فتذكّر.

[٢١٠٥] مسألة ٤ : لا يجب فيه تعيين السبب ولو مع التعدّد (١) ، كما أنّه لا يجب الترتيب فيه بترتيب أسبابه على الأقوى ، أمّا بينه وبين الأجزاء المنسية والركعات الاحتياطية فهو مؤخّر عنها كما مرّ.

[٢١٠٦] مسألة ٥ : لو سجد للكلام فبان أنّ الموجب غيره فان كان على

______________________________________________________

(١) لخروجه عن ماهية السجود المأمور به ، إذ الفعل الخاصّ الواقع في حيّز الطلب عند تحقّق السبب لا يتقيّد بسببه كي يعتبر قصده ، ويكفي في حصول الطاعة إيجاده بداعي الأمر المتعلّق بالطبيعة.

ومنه تعرف أنّ في فرض تعدّد السبب قد تعلّقت أوامر عديدة بأفراد من تلك الطبيعة من غير تقيد أيّ فرد بأيّ سبب ، فلا مقتضي لاعتبار قصد التعيين ومنه يظهر عدم وجوب الترتيب بترتيب حدوث الأسباب ، فله تقديم ما تسبّب عن موجب متأخّر.

نعم ، يعتبر الترتيب بينه وبين الأجزاء المنسية والركعات الاحتياطية ، فيجب تأخير سجدتي السهو عنها ، لما عرفت سابقاً من أنّ ظرف السجدتين إنّما هو بعد الفراغ والانتهاء عن الصلاة بجميع أجزائها ومتعلّقاتها على ما دلّت عليه النصوص حسبما مرّ (١).

__________________

(١) في ص ٣٢١.

٣٧٨

وجه التقييد وجبت الإعادة (*) وإن كان من باب الاشتباه في التطبيق أجزأ (١).

______________________________________________________

(١) قد سبق الكلام حول نظائر المقام ، وقلنا إنّه لا أثر للتقييد في أمثال هذه الموارد ، فإنّه إنّما يؤثّر فيما إذا كان ثمّة كلّي منقسم إلى قسمين قد تعلّق الأمر بحصّة خاصّة فنوى في مرحلة الامتثال الحصّة الأُخرى بخصوصها ، كما لو كان مأموراً بالأداء ولم يدر فقصد القضاء ، أو بالظهر فنوى العصر بخصوصه وهكذا فإنّه للحكم حينئذ بالبطلان إذا كان بنحو التقييد مجال ، بمناط أنّ ما قصد لم يقع وما هو الواقع غير مقصود.

وأمّا إذا تعلّق الأمر بالطبيعي لأجل قيام سبب خاصّ من غير تقييده بذلك السبب كما في المقام حسبما مرّ آنفاً فلا أثر للتقييد في مثل ذلك ، إذ قد تحقّق المأمور به على وجهه فحصل الامتثال بطبيعة الحال وإن نوى خصوص ما تسبّب عن السبب الخاصّ بزعم تحقّقه فانكشف خلافه ، وأنّ هناك موجباً آخر لتعلّق الأمر بالطبيعة وهو جاهل به.

وهذا نظير ما لو اغتسل للجنابة بزعم حصولها عن الاحتلام فبان أنّ موجبها المجامعة ، أو توضّأ المحدث بتخيّل أنّ سببه البول فانكشف أنّه النوم وهكذا فانّ جميع ذلك إنّما هو من باب الاشتباه والخطأ في التطبيق ، سواء كان قاصداً للأمر الفعلي على واقعة أم قصد خصوص السبب الخاصّ على نحو التقييد ، فانّ التقييد في مثل ذلك لغو محض ، وهو في حكم الحجر في جنب الإنسان.

نعم ، لو كان مشرّعاً في قصد السبب الخاصّ الذي لا واقع له بطل من ناحية التشريع ، وهو أمر آخر أجنبي عمّا نحن بصدده كما لا يخفى.

__________________

(*) الظاهر أنّها لا تجب ، ولا أثر للتقييد هنا.

٣٧٩

[٢١٠٧] مسألة ٦ : يجب الإتيان به فوراً فإن أخّر عمداً عصى ولم يسقط ، بل وجبت المبادرة إليه (*) وهكذا (١).

______________________________________________________

(١) المشهور بين الأصحاب كما في الحدائق (١) وغيره أنّ وجوب سجدة السهو فوري ، فلو أخّر عامداً عصى ولم يسقط ، بل تجب المبادرة فوراً ففوراً ، نظير صلاة الآيات في غير الموقّتات كالزلزلة التي يجب الإتيان بها ما دام العمر وتقع أداءً. فإن تمّ إجماع على ذلك فهو ، وإلّا فإثباته بحسب الصناعة مشكل جدّاً.

ويقع الكلام تارة في أصل ثبوت الفورية ، وأُخرى في أنّه على تقدير الثبوت لو أخّر عمداً هل تجب المبادرة والإتيان فوراً ففوراً ، أم أنّ التكليف ساقط حينئذ رأساً.

أمّا الجهة الأُولى : فإن أريد بالفورية الفورية الحقيقية أي الإتيان بعد التسليم بلا فصل فهذا لا دليل عليه بعد وضوح عدم اقتضاء الأمر للفور كما حقّق في الأُصول (٢) ، ومقتضى الأصل البراءة عنه.

وإن أُريد بها الفورية العرفية أي الإتيان بعد التسليم وقبل ارتكاب المنافيات حتّى مثل الفصل الطويل الماحي للصورة ، فهذا يمكن أن يستدلّ له بجملة من النصوص :

منها : صحيحة عبد الله بن سنان : «إذا كنت لا تدري أربعاً صلّيت أم خمساً فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ...» إلخ (٣) ، فانّ المنسبق إلى الذهن من البعديّةِ

__________________

(*) على الأحوط.

(١) الحدائق ٩ : ٣٤٤.

(٢) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ٢١٣.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٢٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٤ ح ١.

٣٨٠