موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

السهو قط؟ قال : لا ، ولا يسجدهما فقيه» (١). فلا بدّ من ارتكاب التأويل أو الحمل على التقية أو الضرب عرض الجدار.

وثانياً : على تقدير التسليم فهي حكاية فعل ، وهو مجمل من حيث الوجوب والاستحباب ، فإنّ غاية ما يثبت بفعل المعصوم (عليه السلام) هي المشروعية والرجحان ، ولا يكاد يدلّ على الوجوب بوجه ، إذ الحكاية في مقام التشريع لا تستدعي أكثر من ذلك.

وثالثاً : مع الغضّ عن كلّ ذلك فمن الجائز أن يكون سجوده (صلّى الله عليه وآله وسلم) للسهو من أجل السلام الزائد الواقع في غير محلّه الذي هو من موجباته بلا إشكال كما ستعرف (٢) ، لا من أجل التكلّم السهوي ، فإنّ صحيحة الأعرج وإن تضمّنت التصريح بذلك فلا بأس بالاستدلال بها ، إلّا أنّ بقية النصوص مهملة لم يتعرّض فيها أنّه للسلام أو للكلام ، فلا تصلح للاستدلال لها على المقام.

وعلى الجملة : فهذه الروايات غير صالحة للاستدلال ، والعمدة هي الروايات الثلاث المتقدّمة ، وعمدتها الصحيحتان كما عرفت.

ولكن بإزائها عدّة روايات قد يستدلّ بها على عدم الوجوب ، وبذلك يجمع بين الطائفتين بالحمل على الاستحباب.

منها : صحيحة الفضيل بن يسار قال «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : أكون في الصلاة فأجد غمزاً في بطني أو أذى أو ضرباناً ، فقال : انصرف ثمّ توضّأ وابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمّداً ، وإن تكلّمت

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٠٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٣.

(٢) في ص ٣٤٧.

٣٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

ناسياً فلا شي‌ء عليك ، وهو بمنزلة من تكلّم في صلاته ناسياً ...» إلخ (١).

وفيه : مضافاً إلى أنّها غير معمول بها في موردها كما لا يخفى ، أنّها قاصرة الدلالة على ما نحن فيه ، فانّ الظاهر من الشي‌ء المنفي هو الإعادة ، وأنّ التكلّم خارج الصلاة بمثابة التكلّم أثناءها ناسياً في أنّه لا يوجب البطلان ، وأمّا أنّه هل يوجب سجود السهو أم لا فالصحيحة غير متعرّضة لذلك رأساً.

ومنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) : «في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلّم ، فقال : يتمّ ما بقي من صلاته تكلّم أو لم يتكلّم ، ولا شي‌ء عليه» (٢).

ونحوها صحيح ابن مسلم : «في رجل صلّى ركعتين من المكتوبة فسلّم وهو يرى أنّه قد أتمّ الصلاة وتكلّم ، ثمّ ذكر أنّه لم يصلّ غير ركعتين ، فقال : يتمّ ما بقي من صلاته ولا شي‌ء عليه» (٣).

وقد ذكر في سند الصحيحة الثانية في الطبعة الجديدة من الوسائل القاسم بن القاسم بن بريد ، وهو غلط ، إذ لا وجود له في كتب الرجال ، والصحيح القاسم ابن بريد ، وهو الذي يروي عنه فضالة.

وكيف ما كان ، فقد صرّح غير واحد بظهور الصحيحتين في عدم وجوب سجود السهو للتكلّم ساهياً ، وعدّوهما معارضتين للنصوص المتقدّمة بتقريب أنّ المنفي في قوله (عليه السلام) : «ولا شي‌ء عليه» لا يحتمل أن يكون هو الإثم لعدم احتماله في مورد السهو ، ولا الإعادة ، لاستفادة عدمها من قوله (عليه السلام) :

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٢٣٥ / أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٩.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٠٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٥.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٠٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٩.

٣٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

«يتمّ ما بقي ...» إلخ ، إذ الأمر بالإتمام ملازم للصحّة فيلزم التكرار ، والحمل على التأكيد خلاف الأصل ، وليس ثمّة أثر يتوهّم ترتّبه كي يتصدّى لنفيه عدا سجدتي السهو.

وبعبارة اخرى : بعد وضوح عدم احتمال العقاب فيما يصدر سهواً يدور الأمر بين أن يكون المراد نفي الإعادة المستلزم للتأكيد ، أو نفي سجود السهو الملازم للتأسيس ، وكلّما دار الأمر بينهما فالتأسيس أولى ، هذا.

وللنظر في ذلك مجال واسع ، فانّ المنسبق إلى الذهن والمتفاهم العرفي من مثل هذه العبارة هو التأكيد ، كما لعلّه الدارج المتعارف في الاستعمالات في عصرنا الحاضر ، فنجيب عن نظير المسألة بأنّه يتمّ صلاته ولا شي‌ء عليه ، ونعني به نفي الإعادة تأكيداً لما ذكر أوّلاً.

وأولوية التأسيس من التأكيد ليست قاعدة مطّردة وضابطاً كلّياً ، بل يختلف ذلك حسب اختلاف الموارد وخصوصياتها ومناسبات الحكم والموضوع ، فربما يكون التأكيد هو الظاهر من الكلام كما في المقام.

ومع الغضّ عن ذلك فلا أقلّ من الإجمال المسقط للاستدلال ، ولا بدّ في رفع اليد عن ظهور تلك النصوص في الوجوب والحمل على الاستحباب من ظهور أقوى بحيث يصلح للقرينية كما لا يخفى.

والذي يكشف عمّا ذكرناه من استظهار التأكيد وكون المنفي هو الإعادة قوله (عليه السلام) في الصحيحة الاولى (١) : «تكلّم أو لم يتكلّم» ، إذ في فرض عدم التكلّم لا موجب لسجود السهو كي يتصدّى لنفيه ، فلا بدّ وأن يكون المنفي شيئاً يتّجه نفيه على التقديرين كي تصحّ التسوية بين الأمرين ، وليس هو إلّا الإعادة.

__________________

(١) من الصحيحتين الأخيرتين.

٣٤٣

بغير قرآن ودعاء وذكر (١) ، ويتحقّق بحرفين أو بحرف واحد مفهم (*) (٢) في أيّ لغة كان.

______________________________________________________

فتحصّل : أنّ الأظهر وجوب سجود السهو للتكلّم سهواً كما عليه المشهور عملاً بالنصوص المتقدّمة السليمة عمّا يصلح للمعارضة.

(١) لانصراف التكلّم المأخوذ موضوعاً للحكم في النصوص عن مثل ذلك بل لم يعهد إطلاقه عليها في لسان الأخبار وإن كانت من مصاديق التكلّم لغة هذا.

مضافاً إلى جواز الإتيان بها في الصلاة عامداً ، وظاهر نصوص المقام أنّ الكلام الموجب لسجود السهو هو الذي لا يجوز فعله عمداً ويكون مبطلاً ، فلا يعمّ تلك الأُمور كما لا يخفى.

(٢) كما هو المشهور والمعروف بين الفقهاء ، حيث إنّ كلّ من تعرّض للمسألة عنونها بالكلام سهواً ، المفسّر بما يشتمل على حرفين فصاعداً ولو تقديراً فيشمل الحرف الواحد المفهم كالأمر من (وقى) و (وعى) ، دون غير المفهم ، لعدم صدق الكلام عليه.

ولا يخفى أنّ الكلام بعنوانه لم يرد في شي‌ء من النصوص المعتمد عليها ، وإنّما الوارد عنوان التكلّم كما في الصحيحتين والموثّق حسبما مرّ ، ولا ريب في صدقه حتّى على الحرف الواحد وإن لم يكن مفهماً ، ولذا لو تلفّظ به الصبيّ أو الميّت يقال إنّه تكلّم ، من غير أيّة عناية. فيفرق بين الكلام والتكلّم ، فإنّ الأوّل وإن لم يصدق على الحرف الواحد غير المفهم لكن العبرة بالثاني ، وهو صادق كما عرفت ، ومن هنا كان الأحوط سجود السهو له أيضاً.

__________________

(*) بل مطلقاً على الأحوط.

٣٤٤

ولو تكلّم جاهلاً بكونه كلاماً بل بتخيّل أنّه قرآن أو ذكر أو دعاء لم يوجب سجدة السهو (*) ، لأنّه ليس بسهو (١). ولو تكلّم عامداً بزعم أنّه خارج عن الصلاة يكون موجباً ، لأنّه باعتبار السهو عن كونه في الصلاة يعدّ سهواً ، وأمّا سبق اللسان فلا يعدّ سهواً (**).

______________________________________________________

(١) فانّ معناه الغفلة إمّا عن الدخول في الصلاة كما هو مورد صحيح ابن الحجاج (١) ، أو عن عدم الخروج كما هو مورد صحيح ابن أبي يعفور (٢) وغيره. فمورد النصوص ما إذا تكلّم ساهياً أي غافلاً عن كونه في الأثناء ، والجاهل المزبور ملتفت إلى كونه في الأثناء غير أنّه يزعم جواز ذاك التكلّم ، لاعتقاده أنّه من القرآن فينكشف الخطأ في اعتقاده ، فالجهل هو الخطأ في الاعتقاد لا الغفلة عمّا يعتقد ، فليس هو من السهو في شي‌ء.

وكذا الحال في سبق اللسان ، فإنّه خارج عن الاختيار ، والسهو هو الفعل الاختياري الناشئ عن الغفلة في مبادئه.

أقول : ما أفاده (قدس سره) من منع الصغرى وعدم صدق السهو على شي‌ء من الجهل والسبق وجيه كما ذكرناه ، لكن الشأن في الكبرى أعني تخصيص الموجب بالتكلّم السهوي ، فإنّ التقييد بالسهو وإن ورد في بعض النصوص لكنّه مذكور في كلام السائل كما في صحيحتي ابن الحجاج وزرارة المتقدّمتين (٣) ، ومثله لا يدلّ على الاختصاص ، بل غايته عدم الدلالة على الإطلاق لا الدلالة على التخصيص ، لعدم كون المورد مخصّصاً.

__________________

(*) فيه إشكال بل منع.

(**) نعم ، إلّا أنّ الظاهر وجوب سجدة السهو معه.

(١) المتقدّمتين في ص ٣٣٨ ، ٣٣٩.

(٢) المتقدّمتين في ص ٣٣٨ ، ٣٣٩.

(٣) في ص ٣٣٨ ، ٣٤٢.

٣٤٥

وأمّا الحرف الخارج (*) من التنحنح والتأوّه والأنين الذي عمده لا يضرّ فسهوه أيضاً لا يوجب السجود (١)

______________________________________________________

إذن لا مانع من التمسّك بإطلاق قوله (عليه السلام) في صحيح ابن أبي يعفور : «وإن تكلّم فليسجد سجدتي السهو» (١) وقوله (عليه السلام) في موثّق عمّار : «حتّى يتكلّم بشي‌ء» (٢) المتقدّمين ، فانّ المستفاد منهما أنّ مطلق التكلّم موجب للسجدة ، خرج عن ذلك التكلّم العمدي الموجب للبطلان بمقتضى النصوص الدالّة على أنّ من تكلم في صلاته متعمّداً فعليه الإعادة (٣) فيبقى الباقي تحت الإطلاق.

ونتيجة ذلك أنّ الموضوع لوجوب سجدة السهو هو التكلّم غير العمدي الشامل بإطلاقه للسهو والجهل وسبق اللسان.

والتعبير عن هذه السجدة بسجود السهو لا يقتضي التخصيص به ، فإنّه من باب التسمية المبني على الغلبة ، وإلّا فلا يدور الوجوب مداره قطعاً ، ولذا يجب عند الشكّ بين الأربع والخمس مع أنّه لا سهو ثمّة أصلاً ، وإنّما هناك احتمال الزيادة. وبالجملة : فالسهو اسم لهذه السجدة كما في ركعة الاحتياط ، ومثله لا يدلّ على الاختصاص.

(١) إذ هو صوت محض لا يضرّ عمده فضلاً عن السهو ، وليس من التكلّم الذي هو الموضوع لوجوب السجود في شي‌ء.

__________________

(*) ما يخرج من التنحنح والتأوّه والأنين لا يعدّ حرفاً ، بل هو مجرّد صوت.

(١) الوسائل ٨ : ٢١٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٢.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٥٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ٢.

(٣) الوسائل ٧ : ٢٨١ / أبواب قواطع الصلاة ب ٢٥.

٣٤٦

الثاني : السلام في غير موقعه ساهياً (١)

______________________________________________________

(١) كما هو المشهور بين المتأخّرين ، بل ادّعي عليه إجماعهم ، وإن كانت المسألة خلافية عند القدماء ، ولعلّ الأشهر بينهم أيضاً هو الوجوب. وكيف ما كان ، فقد استدلّ للوجوب بأُمور :

أحدها : أنّ السلام من مصاديق الكلام ، ومن ثمّ قد ورد في بعض النصوص أنّ اختتام الصلاة بالكلام (١) ، فيشمله كلّ ما دلّ على وجوب السجود للتكلّم سهواً.

وفيه : أنّه وإن كان من مصاديقه لغة إلّا أنّ أدلّة وجوب السجود لعنوان الكلام منصرفة إلى ما عدا أجزاء الصلاة ، والسلام من الأجزاء ، فلا يكون مشمولاً لتلك الأدلّة.

الثاني : أنّ السلام في غير موقعه زيادة فيشمله ما دلّ على وجوب السجود لكلّ زيادة ونقيصة.

وفيه : أنّه مبنيّ على تسليم الكبرى ، وهي في حيّز المنع. بل قد ناقش بعضهم في الصغرى أيضاً بدعوى قيام النصّ على عدم وجوب السجود لخصوص السلام الزائد ، وبعد التخصيص لا يكون السلام في غير موقعه من صغرياتها. لكنّه في غير محلّه كما سيجي‌ء ، والعمدة منع الكبرى.

الثالث وهو العمدة ـ : الأخبار ، وعمدتها روايتان :

إحداهما : موثّقة عمّار : «عن رجل صلّى ثلاث ركعات وهو يظنّ أنّها أربع فلمّا سلّم ذكر أنّها ثلاث ، قال : يبني على صلاته متى ما ذكر ، ويصلّي ركعة

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤١٧ / أبواب التسليم ب ١ ح ١٠.

٣٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ويتشهّد ويسلّم ويسجد سجدتي السهو ، وقد جازت صلاته» (١).

ونوقش فيها بعدم وضوح كون السجدة لأجل السلام الزائد ، فلعلّه لأجل التشهّد أو القعود في موضع القيام الزائدين ، فقد صدرت منه زيادات ، ولم يعلم كون السجود لخصوص السلام.

ويدفعه : أنّ الأمر بالسجود للسهو ظاهر في الوجوب ، ولا مقتضي لرفع اليد عن هذا الظهور ، وحيث لم يثبت وجوب السجدة للتشهّد ولا للقعود في موضع القيام فيتعيّن أن يكون للسلام.

وبعبارة اخرى : قد صدرت عنه أفعال ثلاثة : التشهّد والقعود والسلام وحيث بنينا على عدم وجوب سجدة السهو للأوّلين والمفروض ظهور الأمر في الوجوب ، فضمّهما إلى السلام بعد عدم دخلهما في الوجوب كضمّ الحجر إلى جنب الإنسان ، فينحصر أن يكون الموجب للسجود هو السلام.

الثانية : صحيحة العيص : «عن رجل نسي ركعة من صلاته حتّى فرغ منها ثمّ ذكر أنّه لم يركع ، قال : يقوم فيركع ويسجد سجدتين» (٢).

ونوقش فيها أيضاً بمثل ما مرّ ، ومرّ جوابه. وتزيد هذه بمناقشة اخرى وهي أنّه لم يعلم أنّ المراد بالسجدتين سجدتا السهو ، ومن الجائز أن يراد بهما سجدتا الركعة الأخيرة المتداركة بعد ركوعها.

وتندفع : بأنّ الصحيحة قد وردت بسندين ومتنين ، أحدهما ما عرفت والثاني ما أثبته في الوسائل (٣) ، وقد صرّح هناك بسجدتي السهو ، فيكون ذلك قرينة على أنّ المراد بالسجدتين في هذه الصحيحة أيضاً هو ذلك ، ويرتفع بها

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٠٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٤.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٠٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٨.

(٣) الوسائل ٦ : ٣١٥ / أبواب الركوع ب ١١ ح ٣.

٣٤٨

سواء كان بقصد الخروج كما إذا سلّم بتخيّل تمامية صلاته أو لا بقصده (١).

______________________________________________________

الإجمال (١) ، هذا.

وقد يعارض الصحيح والموثّق بصحيحة ابن مسلم المتقدّمة الواردة في من سلّم ساهياً وتكلّم ، حيث قال (عليه السلام) : «يتمّ ما بقي من صلاته ولا شي‌ء عليه» (٢). لكنّك عرفت أنّ المنفي في قوله (عليه السلام) : «ولا شي‌ء عليه» هي الإعادة لا سجدة السهو ، وأنّ أولوية التأسيس من التأكيد لا أساس لها كما مرّ ، فلا تصلح للمعارضة.

نعم ، يعارضهما صحيح الأعرج المصرّح فيه بقول الصادق (عليه السلام) : «وسجد سجدتين لمكان الكلام» (٣) الظاهر في عدم كون السلام الزائد الصادر منه (صلّى الله عليه وآله) موجباً لسجدتي السهو.

ولكنّك عرفت (٤) أنّ الصحيحة غير قابلة للتصديق في نفسها. على أنّها معارضة في موردها بموثّق زرارة المتضمّن لعدم سجود النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) للسهو قط ، فلا تنهض للمقاومة مع الروايتين. فالأقوى ما عليه المشهور من الوجوب للسلام الزائد.

(١) فإنّ مورد النصّ وهو الموثّق والصحيح وإن كان هو التسليم بقصد الخروج لكنّ مناسبة الحكم والموضوع تقتضي التعميم له ولغيره ، أعني ما لو

__________________

(١) لا يبعد القول بأنّ الروايتين بعد اشتراكهما سنداً في الراوي والمروي عنه ، والاتّحاد في المتن ما عدا كلمة واحدة ، وعدم احتمال تعدّد الواقعة ، يكونان من قبيل المتباينين لا المجمل والمبيّن.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٠٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٩ ، وقد تقدّمت في ص ٣٤٢.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٠٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٦.

(٤) في ص ٣٤٠.

٣٤٩

والمدار على إحدى الصيغتين الأخيرتين ، وأمّا «السلام عليك أيّها النبيّ ...» إلخ فلا يوجب شيئاً من حيث إنّه سلام (١) ، نعم يوجبه (*) من حيث إنّه زيادة

______________________________________________________

سلّم غافلاً عن الخروج أو لغاية أُخرى سهواً ، إذ أنّ مقتضى المناسبة المزبورة أنّ كلّ سلام يكون عمده مبطلاً فسهوه لا يوجب إلّا سجدة السهو إرغاماً لأنف الشيطان ، ولا فرق في السلام العمدي المبطل بين قصد الخروج به وعدمه فكذا في حالة السهو. فلا موجب للاختصاص.

(١) لاختصاص النصّ بالسلام المخرج المنحصر في الصيغتين الأخيرتين. وأمّا الأُولى فهي من توابع التشهّد ، ولا يتحقّق به الخروج ، فلا يوجب شيئاً من حيث إنّه سلام ، بل ولا من حيث إنّه زيادة سهوية ، وإن اختار الماتن الوجوب من هذه الناحية.

إذ فيه أوّلاً : أنّ المبنى غير تامّ ، ولا نقول بوجوب سجدة السهو لكلّ زيادة ونقيصة كما ستعرف (١).

وثانياً : مع التسليم فهو مخصّص بالسلام على النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) بمقتضى ما ورد من أنّه «كلّ ما ذكرت الله عزّ وجلّ به والنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) فهو من الصلاة» (٢) إذ المراد من ذكر النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) ليس خصوص الدعاء أو الصلاة عليه ، لعدم اختصاص ذلك به (صلّى الله عليه وآله وسلم) ضرورة جواز الدعاء لكافّة المؤمنين ، وكذا الصلاة على جميع الأوصياء والمرسلين ، بل يجوز الدعاء لنفسه ولكلّ شي‌ء ، فلا يبقى امتياز له (صلّى الله عليه وآله وسلم) عن غيره ، فلا بدّ وأن يراد به ما يعمّ السلام

__________________

(*) على الأحوط ، والأظهر عدم الوجوب.

(١) في ص ٣٦١.

(٢) الوسائل ٧ : ٢٦٣ / أبواب قواطع الصلاة ب ١٣ ح ٢.

٣٥٠

سهوية ، كما أنّ بعض إحدى الصيغتين كذلك (١) وإن كان يمكن دعوى إيجاب لفظ السلام للصدق ، بل قيل (*) إن حرفين منه موجب ، لكنّه مشكل إلّا من حيث الزيادة.

______________________________________________________

ليحصل الامتياز ويحسن تخصيصه (صلّى الله عليه وآله وسلم) بالذكر ، فانّ السلام غير جائز على غيره في الصلاة ، ومن هنا يشكل التسليم على سائر الأنبياء أثناءها كما سبق في محلّه (١).

فاذا جاز السلام عليه (صلّى الله عليه وآله وسلم) حتّى عمداً جاز سهواً أيضاً بطريق أولى ، فلا يوجب سجدة السهو ، وبذلك يخرج عن تلك الكلّية لو سلّمت.

(١) فلا يوجب شيئاً من حيث السلام ، ويوجبه من حيث الزيادة. ثمّ احتمل أن يكون لفظ السلام بمجرّده موجباً للسجود ، لصدق عنوان السلام عليه فتجب له سجدة السهو من حيث إنّه سلام ، بل حكى عن بعض وجوبها من هذه الناحية لما اشتمل على حرفين منه كقولنا (الس) وإن استشكل فيه إلّا من حيث الزيادة.

أقول : إنّ بعض إحدى الصيغتين فضلاً عمّا اشتمل على لفظ السلام فكيف بما اشتمل على حرفين منه ليس من السلام المخرج في شي‌ء ، لانحصاره في الصيغة الكاملة ، ولا دليل على وجوب السجدة لمطلق السلام وإن لم يكن مخرجاً فأبعاضها بعد عدم تحقّق الخروج بها في حكم العدم من هذه الناحية. كما أنّها لا توجب السجدة من حيث الزيادة أيضاً ، لما أشرنا إليه من عدم الدليل على وجوبها لكلّ زيادة ونقيصة.

__________________

(*) لا يبعد ذلك ، لأنّه كلام بغير ذكر ودعاء وقرآن.

(١) [لم نعثر عليه في مظان وجوده].

٣٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، تجب سجدتا السهو لحرفين فضلاً عن بعض إحدى الصيغتين من ناحية أُخرى ، وهي عنوان التكلّم سهواً ، فإنّه بنفسه من الموجبات ، ولا ريب في صدقه على ذلك كلّه ، فانّ الخارج عنه إنّما هو عنوان الذكر أو الدعاء أو القرآن ، وشي‌ء منها غير صادق على المقام ، وعليه فلا يبعد وجوب السجدة لصدق التكلّم سهواً على المذكورات.

فإن قلت : أليس قد ذكرتم فيما مرّ (١) انصراف الكلام عن الأجزاء ، ولأجله منعتم عن الاستدلال لوجوب سجدة السهو للسّلام بكونه من مصاديق الكلام.

قلت : نعم ، ولكنّه منصرف عن نفس الجزء ، لا عن جزء الجزء الذي هو ليس بجزء حقيقة.

وبعبارة اخرى : مورد الانصراف هو ما يكون بالفعل قابلاً للاتّصاف بالجزئية وإن لم يكن جزءاً فعلياً باعتبار عدم وقوعه في محلّه ، وليس هو إلّا التسليمة الكاملة الواقعة في غير محلّها ، فإنّها بنفسها مصداق لذات الجزء بحيث لو وقعت في محلّها لاتّصفت بالجزئية الفعلية ، ولأجله قلنا بانصراف الدليل عنه ، وأين هذا من جزء الجزء الفاقد فعلاً لهذه القابلية رأساً كما لا يخفى. فلا مانع من شمول إطلاق الدليل لمثله.

وإن شئت فقل : لو أتى ببعض إحدى الصيغتين أو بحرفين من السلام في غير محلّه عامداً فإنّه لا يوجب البطلان والخروج عن الصلاة بعنوان السلام لحصر المخرج في الصيغة الكاملة وعدم كون بعض الصيغة مخرجاً ، ولكنّه مع ذلك موجب للبطلان ، لكونه من مصاديق التكلّم المشمول لحديث : «من تكلّم في صلاته متعمّداً فعليه الإعادة» (٢). فهذا التكلّم الذي يكون عمده مبطلاً فسهوه

__________________

(١) في ص ٣٤٧.

(٢) الوسائل ٧ : ٢٨١ / أبواب قواطع الصلاة ب ٢٥ ح ٢.

٣٥٢

الثالث : نسيان السجدة الواحدة (*) إذا فات محلّ تداركها (١) كما إذا لم يتذكّر إلّا بعد الركوع أو بعد السلام (**) ، وأمّا نسيان الذكر فيها أو بعض واجباتها الأُخر ما عدا وضع الجبهة فلا يوجب إلّا من حيث وجوبه لكلّ نقيصة.

______________________________________________________

موجب لسجدة السهو بمقتضى الإطلاق في دليل موجبية التكلّم لها.

فالظاهر وجوب سجدة السهو في المقام ، لا لكونه من السلام الزائد ، بل لكونه من الكلام الزائد سهواً.

(١) على المشهور شهرة كادت تكون إجماعاً كما في الجواهر (١) ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع على أنّ نسيان السجدة كما يوجب القضاء يوجب سجود السهو أيضاً. أمّا القضاء فلا إشكال فيه كما سبق في محلّه (٢) ، وأما سجود السهو فيستدلّ له بوجوه :

منها : مرسلة سفيان بن السمط عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «تسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان» (٣).

وفيه : مضافاً إلى ضعف الخبر بالإرسال المسقط عن الاستدلال ، أنّه لو تمّ لعمّ كلّ نقيصة ، فلا يحسن تخصيص السجدة بالذكر وعدّ نسيانها بعنوانها من أحد الموجبات.

__________________

(*) على الأحوط.

(**) مرّ الكلام فيه في نسيان السجدة الأخيرة [في المسألة ٢٠١٩].

(١) الجواهر ١٢ : ٣٠٠.

(٢) في ص ٨٦.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٥١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ٣.

٣٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

على أنّ مقتضى ذلك عدم الفرق بين نسيان وضع الجبهة ونسيان غيره ممّا يجب في السجدة كالذكر أو وضع اليدين أو الركبتين والإبهامين ، فانّ كلّ ذلك من مصاديق النقيصة المشمولة للرواية ، فلا يتّجه التفكيك بينهما كما صنعه في المتن تبعاً لغيره. فهذا الاستدلال ساقط جزماً.

ومنها : صحيحة جعفر بن بشير قال : «سئل أحدهم عن رجل ذكر أنّه لم يسجد في الركعتين الأولتين إلّا سجدة وهو في التشهّد الأوّل ، قال : فليسجدها ثمّ لينهض ، وإذا ذكره وهو في التشهّد الثاني قبل أن يسلّم فليسجدها ثمّ يسلّم ثمّ يسجد سجدتي السهو» (١). رواها البرقي في المحاسن بطريقين في أحدهما رفع والطريق الآخر صحيح (٢).

وفيه : أنّ هذه الصحيحة لا بدّ من ردّ علمها إلى أهله ، إذ لا يمكن الالتزام بمفادها ، وذلك فإنّه فرض فيها أنّه لم يسجد في الركعتين الأولتين إلّا سجدة وتذكّر ذلك في التشهّد الأوّل أو في التشهّد الثاني ، فإن كان التذكّر في التشهّد الأوّل فاللّازم عليه الإتيان بالسجدة الثانية من تلك الركعة وقضاء السجدة الثانية من الركعة الأُولى ، وإن كان التذكّر في التشهّد الثاني فاللّازم قضاء السجدتين بعد الصلاة ، وهذا مخالف لما في الصحيحة. فالرواية ساقطة ولا يمكن الاستدلال بها على شي‌ء.

ومنها : مرسلة معلّى بن خنيس قال : «سألت أبا الحسن الماضي (عليه السلام) في الرجل ينسى السجدة من صلاته ، قال : إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها وبنى على صلاته ثمّ يسجد سجدتي السهو بعد انصرافه ، وإن ذكرها بعد ركوعه أعاد

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٦٧ / أبواب السجود ب ١٤ ح ٧.

(٢) المحاسن ٢ : ٥٠ / ١١٥٠.

٣٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الصلاة ، ونسيان السجدة في الأولتين والأخيرتين سواء» (١).

ولكنّها ضعيفة من جهات : أوّلاً من حيث الإرسال.

وثانياً : أنّ سندها غير قابل للتصديق ، فانّ معلى بن خنيس قتل في زمن الصادق وترحّم (عليه السلام) عليه ، فكيف يمكن أن يروي عن أبي الحسن الماضي وهو الكاظم (عليه السلام) سيما بعد توصيفه بالماضي ، الظاهر في صدور الرواية عنه (عليه السلام) بعد مضيّه ووفاته.

وثالثاً : أنّ المفروض تذكّر السجدة قبل الركوع وحصول التدارك في المحلّ فلم تترك السجدة في ظرفها ، ولم يتعلّق النسيان بها كي يستوجب سجدة السهو فلو وجبت لكانت من أجل القيام الزائد أو القراءة الزائدة بناءً على القول بوجوبها لكلّ زيادة ونقيصة ، فيكون خارجاً عن محلّ الكلام.

ورابعاً : أنّ ذيلها غير قابل للتصديق أيضاً ، لوضوح أنّ تذكّر النسيان بعد الركوع لا يستوجب إلّا القضاء ، دون البطلان والإعادة.

وعلى الجملة : فليس في البين دليل يعتمد عليه في الحكم بوجوب سجدة السهو لنسيان السجدة الواحدة ، فيرجع حينئذ إلى أصالة البراءة عن تعلّق الوجوب بها ، لكونه شكّاً في تكليف مستقلّ غير مرتبط بالصلاة ، فيدفع بالأصل.

بل لا تصل النوبة إلى الأصل ، لقيام الدليل على العدم ، وهي صحيحة أبي بصير قال : «سألته عمّن نسي أن يسجد سجدة واحدة فذكرها وهو قائم قال : يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع ، فان كان قد ركع فليمض على صلاته فاذا انصرف قضاها ، وليس عليه سهو» (٢).

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٦٦ / أبواب السجود ب ١٤ ح ٥.

(٢) الوسائل ٦ : ٣٦٥ / أبواب السجود ب ١٤ ح ٤.

٣٥٥

الرابع : نسيان التشهّد مع فوت محلّ تداركه (١).

______________________________________________________

فإنّها رويت بطريقين ، وأحدهما وإن كان ضعيفاً من أجل محمّد بن سنان (١) لكنّ الطريق الآخر وهو طريق الصدوق إلى ابن مسكان (٢) صحيح ، وقد دلّت بوضوح على نفي سجود السهو.

وقد حملها الشيخ على أنّ المراد أنّ هذا خارج عن حدّ السهو ، لأنّه قد ذكر السجدة الفائتة وقضاها ، فلا ينافي الحكم بوجوب سجدة السهو (٣).

وهو كما ترى ، ضرورة أنّ كلمة «على» في قوله (عليه السلام) : «وليس عليه سهو» ظاهرة في التكليف ، فيكون مفادها أنّه ليس على عهدته شي‌ء ، ومقتضاه نفي سجود السهو ، فكيف يجتمع مع وجوبه. فلا ينبغي التأمّل في صراحة الصحيحة في المطلوب.

ويؤيّدها رواية محمّد بن منصور : «سألته عن الذي ينسى السجدة الثانية من الركعة الثانية أو شكّ فيها ، فقال : إذا خفت أن لا تكون وضعت وجهك إلّا مرّة واحدة فإذا سلّمت سجدت سجدة واحدة وتضع وجهك مرّة واحدة ، وليس عليك سهو» (٤).

فتحصّل : أنّ الأقوى عدم وجوب سجدة السهو في نسيان السجدة ولا يجب إلّا القضاء للأصل ، مضافاً إلى النصّ ، وإن كان الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه.

(١) على المشهور والمعروف ، حيث رتّبوا على نسيان التشهّد حكمين :

__________________

(١) وهو طريق الشيخ في التهذيب ٢ : ١٥٢ / ٥٩٨.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٨ / ١٠٠٨.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٥ ذيل ح ٦٠٨.

(٤) الوسائل ٦ : ٣٦٦ / أبواب السجود ب ١٤ ح ٦.

٣٥٦

والظاهر أنّ نسيان بعض أجزائه أيضاً كذلك (*) (١) كما أنّه موجب للقضاء أيضاً كما مرّ.

______________________________________________________

القضاء وسجدتي السهو. أمّا القضاء فقد عرفت فيما مرّ (١) عدم الدليل على وجوبه ، بل يكتفى بالتشهّد الذي تشتمل عليه سجدتا السهو كما نطق به النصّ ولا نعيد.

وأمّا سجدة السهو فتدلّ عليها جملة من النصوص التي منها صحيحة سليمان ابن خالد : «عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأولتين ، فقال : إن ذكر قبل أن يركع فليجلس ، وإن لم يذكر حتّى يركع فليتمّ الصلاة حتّى إذا فرغ فليسلّم وليسجد سجدتي السهو» (٢) ، ونحوها صحيحة ابن أبي يعفور (٣) ، فانّ المراد بالجلوس المنسي الجلوس للتشهّد كما لا يخفى ، وهما صريحتان في الوجوب فيما إذا كان التذكّر بعد الدخول في الركوع ، الذي يفوت معه محلّ التدارك.

(١) فانّ بعض النصوص وإن كان قاصر الشمول لذلك كالصحيحتين المتقدّمتين حيث إنّ ظاهرهما نسيان الجلوس من أصله الملازم لنسيان التشهّد رأساً ، فلا يعمّ نسيان الأبعاض ، إلّا أنّ بعضها الآخر غير قاصر الشمول ، لتضمّنها الإطلاق كما في موثّقة أبي بصير قال : «سألته عن الرجل ينسى أن يتشهّد ، قال : يسجد سجدتين يتشهّد فيهما» (٤) ونحوها صحيحة الحلبي (٥).

فانّ التشهّد اسم للمجموع المركّب من الشهادتين أو مع الصلاة على النبيّ

__________________

(*) على الأحوط فيه وفي إيجابه القضاء.

(١) في ص ٩٩ ، ٣١٠.

(٢) الوسائل ٦ : ٤٠٢ / أبواب التشهد ب ٧ ح ٣ ، ٤.

(٣) الوسائل ٦ : ٤٠٢ / أبواب التشهد ب ٧ ح ٣ ، ٤.

(٤) الوسائل ٦ : ٤٠٣ / أبواب التشهّد ب ٧ ح ٦.

(٥) الوسائل ٦ : ٤٠٦ / أبواب التشهّد ب ٩ ح ٣.

٣٥٧

الخامس : الشكّ بين الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين كما مرّ سابقاً (١).

السادس : للقيام في موضع القعود أو العكس (*) (٢)

______________________________________________________

(صلّى الله عليه وآله وسلم) ، ومن المعلوم أنّ المركّب ينتفي بانتفاء بعض أجزائه فعند نسيان البعض يصدق حقيقة أنّه نسي التشهّد ، كما في نسيان الكلّ ، ولذا لو نسي ركناً من صلاته وتذكّر بعد خروج الوقت يصح أن يقال إنّه نسي الصلاة فيشمله إطلاق النصّ المتضمّن لترتّب الحكم على نسيان التشهّد ، الصادق في كلتا الصورتين. اللهمّ إلّا أن يدّعى الانصراف كما لا يبعد ، ومن ثمّ كان الحكم مبنياً على الاحتياط.

(١) فيسجد سجدتي السهو للزيادة المحتملة ، للنصوص الدالّة عليه كما مرّ التعرّض لذلك مستقصى في بحث الشكوك (١) فلاحظ.

(٢) على المشهور ، بل ادّعي عليه الإجماع في بعض الكلمات. وتدلّ عليه صريحاً صحيحة معاوية بن عمّار : «عن الرجل يسهو فيقوم في حال قعود أو يقعد في حال قيام ، قال : يسجد سجدتين بعد التسليم ، وهما المرغمتان ، ترغمان الشيطان» (٢). سمّيتا بالمرغمتين لأنّ السهو من الشيطان ، وحيث إنّه امتنع من السجود فيسجد رغماً لأنفه. وكيف ما كان ، فهي صريحة في المطلوب.

وربما يستدلّ أيضاً بموثّقة عمّار : «عن السهو ما تجب فيه سجدتا السهو؟ قال : إذا أردت أن تقعد فقمت ، أو أردت أن تقوم فقعدت ، أو أردت أن تقرأ

__________________

(*) على الأحوط ، والأظهر عدم الوجوب لكلّ زيادة ونقيصة ، ورعاية الاحتياط أولى.

(١) في ص ١٩٨.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٥٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ١.

٣٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

فسبّحت ، أو أردت أن تسبّح فقرأت فعليك سجدتا السهو ...» إلخ (١).

وهي في نفسها وإن كانت صريحة في المدّعى لكن يعارضها قوله في الذيل : «وعن الرجل إذا أراد أن يقعد فقام ، ثمّ ذكر من قبل أن يقدم شيئاً أو يحدث شيئاً ، فقال : ليس عليه سجدتا السهو حتّى يتكلّم بشي‌ء ...» إلخ ، حيث دلّت على أنّ القيام في موضع القعود بمجرّده لا يوجب السجود إلّا أن يتكلّم ، سواء أُريد به الكلام الخارجي كما استظهرناه سابقاً (٢) أو القراءة والتسبيح كما قيل فيتنافى مع الصدر الدالّ على أنّ ذلك بمجرّده من الموجبات. فهي لا تخلو عن التشويش الموجب للإجمال ، فتسقط عن صلاحية الاستدلال.

والعمدة هي الصحيحة. إلّا أنّه تعارضها روايات اخرى ظاهرة في عدم الوجوب كصحيحة الحلبي : «إذا قمت في الركعتين من ظهر أو غيرها فلم تتشهّد فيهما فذكرت ذلك في الركعة الثالثة قبل أن تركع فاجلس وتشهّد وقم فأتمّ صلاتك ، وإن أنت لم تذكر حتّى تركع فامض في صلاتك حتّى تفرغ ، فاذا فرغت فاسجد سجدتي السهو بعد التسليم قبل أن تتكلّم» (٣) ، وبمضمونها صحيحة الفضيل (٤).

فقد فصّل (عليه السلام) بين التذكّر قبل الركوع والتذكّر بعده ، وحكم في الشقّ الثاني بوجوب سجدة السهو ، ومن المعلوم أنّ التفصيل قاطع للشركة فيظهر من ذلك عدم الوجوب في الشقّ الأوّل ، مع أنّ المفروض هناك القيام في موضع القعود سهواً ، فلو كان ذلك من الموجبات وكان السجود واجباً عليه

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٥٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ٢.

(٢) في ص ٣٣٩.

(٣) الوسائل ٦ : ٤٠٦ / أبواب التشهد ب ٩ ح ٣.

(٤) الوسائل ٦ : ٤٠٥ / أبواب التشهد ب ٩ ح ١.

٣٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أيضاً لما اتّجه التفصيل بينهما كما لا يخفى.

وأوضح منهما رواية أُخرى للحلبي وإن كانت ضعيفة السند بطرقها الثلاثة من أجل محمّد بن سنان قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يسهو في الصلاة فينسى التشهّد ، قال : يرجع فيتشهّد ، قلت : أيسجد سجدتي السهو ، فقال : لا ، ليس في هذا سجدتا السهو» (١).

وقد تضمّنت التصريح بنفي السجدة ، مع أنّ إطلاقها يشمل ما لو كان المنسي التشهّد الأوّل وقد قام إلى الركعة الثالثة. فحكمه (عليه السلام) بالرجوع نافياً للسجدة يدلّ على عدم كون القيام في موضع القعود من الموجبات ، نعم لا بدّ من تقييد الإطلاق بما إذا لم يكن التذكّر بعد الدخول في الركوع ، وإلّا فلا رجوع حينئذ ، بل يسجد السجدتين بعد الصلاة بمقتضى النصوص المتقدّمة وغيرها.

وأوضح منها صحيحة أبي بصير المتقدّمة سابقاً (٢) التي عرفت أنّها مرويّة بطريقين أحدهما صحيح فتصلح للاستدلال وإن كان طريقها الآخر ضعيفاً بمحمّد بن سنان قال : «سألته عمّن نسي أن يسجد سجدة واحدة فذكرها وهو قائم ، قال : يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع ، فان كان قد ركع فليمض على صلاته فاذا انصرف قضاها ، وليس عليه سهو» (٣) ، فانّ المفروض فيها القيام في موضع القعود ، وقد حكم (عليه السلام) صريحاً بنفي سجدة السهو ، وإن وجب عليه القضاء في إحدى الصورتين.

وعلى الجملة : فهذه النصوص ظاهرة بل صريحة في نفي سجدة السهو لمجرّد القيام في موضع القعود ، فتكون معارضة لصحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٠٦ / أبواب التشهد ب ٩ ح ٤.

(٢) في ص ٣٥٥.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٦٥ / أبواب السجود ب ١٤ ح ٤.

٣٦٠