موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

الخروج عن الصلاة وإن كان فوت السجدة أو التشهّد مقدّماً على موجب الاحتياط. فما قوّاه في المتن من التخيير في غير محلّه.

ومنه تعرف لزوم تأخير سجدة السهو عن ركعة الاحتياط ، لصراحة الأخبار في أنّ محلّ هذه السجدة إنّما هو بعد الانصراف والتسليم ، ولم يحرز الانصراف بعد الفراغ من الركعة البنائية ما لم تتعقّب بركعة الاحتياط.

وبعين هذا البيان يجب تأخير سجود السهو عن قضاء السجدة أو التشهّد لما عرفت من أنّ المقضي هو نفس الجزء قد تغيّر ظرفه ومحلّه وتبدّل بوقوعه بعد السلام ، فما لم يؤت به لم يتحقّق الفراغ عن تمام الأجزاء ، وقد عرفت أنّ موطن سجود السهو هو بعد الانصراف والانتهاء عن تمام الأجزاء ، هذا.

وقد يقال بأنّ المستفاد من بعض النصوص عكس ذلك وأنّه يجب تأخير قضاء التشهّد عن سجود السهو ، فامّا أن يقتصر على مورد النصّ أو يتعدّى عن التشهّد إلى السجدة المنسية بعدم القول بالفصل ، وهي رواية علي بن أبي حمزة الواردة في من نسي التشهّد ، قال : «... فاذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما ، ثمّ تشهّد التشهّد الذي فاتك» (١) ، فانّ المراد بسجدتين لا ركوع فيهما هو سجود السهو ، وقد أمر (عليه السلام) بالإتيان بالتشهّد الفائت مؤخّراً بمقتضى العطف بـ «ثمّ».

وفيه أوّلاً : أنّ الرواية ضعيفة السند ، فانّ الظاهر أنّ علي بن أبي حمزة الذي يروي عنه القاسم بن محمّد الجوهري هو البطائني ، ولم يوثق ، بل قد ضعّفه العلّامة صريحاً (٢) ، وقال ابن فضال : إنّه كذّاب متّهم (٣).

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٤٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٦ ح ٢.

(٢) الخلاصة : ٣٦٢ / ١٤٢٦.

(٣) معجم رجال الحديث ١٢ : ٢٣٧ / ٧٨٤٦.

٣٢١

[٢٠٩٣] مسألة ١٢ : إذا سها عن الذكر أو بعض ما يعتبر فيها ما عدا وضع الجبهة في سجدة القضاء فالظاهر عدم وجوب إعادتها ، وإن كان أحوط (١).

______________________________________________________

وثانياً : أنّ الرواية لا دلالة لها على قضاء التشهّد فضلاً عن تأخّره عن سجود السهو ، فانّ المراد بالتشهّد المذكور فيها هو التشهّد الذي تشتمل عليه سجدة السهو ، لا تشهّد آخر وراء ذلك يؤتى به بعنوان القضاء. وتوصيفه بقوله : «الذي فاتك» إشارة إلى الاجتزاء به عن ذاك الفائت ولو بقرينة الروايات الأُخرى الصريحة (١) في أنّه يجتزي عن المنسي بهذا التشهّد.

وعلى الجملة : لو كان التشهّد معطوفاً على سجدتي السهو بهذا العنوان أمكن أن يراد به تشهّد آخر ، لكنّه معطوف على ذات السجدتين ، وحينئذ فالمراد به نفس التشهّد الذي تشتمل عليه سجدتا السهو. فلا دلالة فيها بوجه على الإتيان بتشهّد آخر معنون بالقضاء وراء ذاك التشهّد.

ومن هنا أنكرنا وجوب قضاء التشهّد رأساً ، لقصور هذه الرواية وغيرها من الروايات عن الدلالة عليه وإن ذهب إليه المشهور ، وبنينا كما سبق في محلّه (٢) على أنّه لا أثر لنسيان التشهّد عدا سجدة السهو ، وأنّه يجتزي في قضائه بالتشهّد الذي تشتمل عليه السجدة كما نطقت به النصوص.

(١) تقدّم في المسألة الثامنة عشرة من فصل الخلل (٣) أنّه لو نسي بعض ما يجب في السجود كالذكر أو وضع اليدين أو الإبهامين ونحوها ما عدا وضع الجبهة الذي به قوام السجدة ، وتذكّر بعد رفع الرأس ، فمقتضى القاعدة حينئذ

__________________

(١) لاحظ الوسائل ٦ : ٤٠١ / أبواب التشهد ب ٧ ، ٩.

(٢) في ص ٩٤ وما بعدها.

(٣) في ص ١٠٤ ١٠٥.

٣٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وإن كان لزوم إعادة السجود ، لعدم تحقّق المأمور به على وجهه ، فلا مناص من التدارك الذي لا محذور فيه في حدّ نفسه بعد فرض بقاء المحلّ ، إلّا أنّا قد استفدنا من الروايات كصحيحة حماد وغيرها (١) أنّ تلك الأُمور لم تعتبر في مطلق السجود وطبيعيّه ، وإنّما هي واجبات في خصوص السجدة الأُولى بعنوان كونها اولى ، وكذا السجدة الثانية بعنوانها.

وعليه فالسجدة الصادرة الفاقدة لتلك الأُمور يستحيل تداركها ، لامتناع إعادة المعدوم ، والشي‌ء لا ينقلب عمّا هو عليه ولا يتغيّر عمّا وقع. فلو أتى بسجدة أُخرى فهي سجدة ثانية لا اولى ، ولو كان الخلل في الثانية وكرّرها فهي سجدة ثالثة لا ثانية ، والمفروض اعتبار تلك الأُمور في خصوص الأُولى أو الثانية بعنوانهما لا في طبيعي السجود ، فلا يعقل التدارك إلّا بإعادة الصلاة واستئنافها المنفية بحديث لا تعاد بعد كون المنسي ممّا عدا الخمسة.

فبما أنّ محلّ التدارك لم يكن باقياً ولم تجب إعادة الصلاة يحكم بالصحّة وعدم إعادة السجدة.

وهذا البيان بعينه جار فيما نحن فيه بناءً على ما عرفت من أنّ السجدة المقضية جزء متمّم ، وهي نفس السجدة الصلاتية بعينها قد تأخّر ظرفها وتبدّل محلّها فيلحقها حكم السجدة المنسية بعينه.

وأمّا بناءً على المسلك الآخر من كونها واجباً مستقلا قد تعلّق بها تكليف جديد فيشكل الحال حينئذ ، بل مقتضى القاعدة المتقدّمة لزوم إعادتها بعد عدم وقوعها على وجهها. وعنوان الاولى والثانية إنّما اعتبر في السجود الصلاتي الأدائي دون القضائي. ومعلوم أنّ فسادها لا يستوجب إعادة الصلاة كي تنفى بحديث لا تعاد.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٥٩ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١ وغيره.

٣٢٣

[٢٠٩٤] مسألة ١٣ : لا يجب الإتيان بالسلام في التشهّد القضائي ، وإن كان الأحوط في نسيان التشهّد الأخير إتيانه بقصد القربة من غير نيّة الأداء والقضاء مع الإتيان بالسلام بعده ، كما أنّ الأحوط في نسيان السجدة من الركعة الأخيرة أيضاً الإتيان بها بقصد القربة مع الإتيان بالتشهّد والتسليم لاحتمال كون السلام في غير محلّه (*) ووجوب تداركهما بعنوان الجزئية للصلاة وحينئذ فالأحوط سجود السهو أيضاً في الصورتين لأجل السلام في غير محلّه (١).

______________________________________________________

ودعوى ظهور دليل القضاء في مشاركة المقضي مع الفائت في جميع الخصوصيات غير مسموعة إلّا بالإضافة إلى الخصوصيات التي تتقوّم بها ذات العمل من الأجزاء والشرائط دون الأحكام كما في المقام ، فانّ محكومية السجدة المنسية بالصحّة من أجل حديث لا تعاد لا تستوجب الحكم بالصحّة في السجدة المقضية كما لا يخفى. فلا مناص من الإعادة.

(١) أمّا إذا كان المنسي التشهّد الأخير فقد عرفت (١) أنّ اللّازم على ما تقتضيه القاعدة الأوّلية السليمة عن المعارض هو الرجوع والتدارك بعنوان الجزئية للصلاة ثمّ التسليم بعده ، لوقوع السلام الأوّل في غير محلّه ، ويسجد سجدتي السهو لزيادته. وكذا الحال في السجدة المنسيّة من الركعة الأخيرة ، لعين ما ذكر ، فيتداركها مع التشهّد والتسليم ، ويأتي بسجود السهو لزيادة السلام.

__________________

(*) هذا الاحتمال هو المتعيّن ، وعليه فاللّازم الإتيان بسجود السهو في الصورتين.

(١) في ص ٩٨ ، ٣٠٩.

٣٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا التشهّد المنسي غير الأخير فقد عرفت (١) أنّ الأقوى عدم وجوب قضائه وأنّه لا أثر لنسيانه عدا سجدة السهو ، وعلى تقدير تسليم القضاء فغايته قضاء نفس التشهّد المشتمل على الشهادتين وما يلحق بهما من الصلاة على محمّد وآله (صلوات الله عليهم أجمعين) ، وأمّا التسليم فلا يجب الإتيان به ، لخروجه عن حقيقة التشهّد ، والمفروض الإتيان به في محلّه.

وأمّا السجدة المنسيّة من سائر الركعات فلا إشكال في وجوب قضائها ، لكن عرفت (٢) أنّ إطلاق القضاء إنّما هو باعتبار وقوعها في غير ظرفها الأصلي ، وإلّا فهي نفس الجزء المنسي وواجب بالأمر الصلاتي ، وليست من القضاء المصطلح في شي‌ء.

نعم ، لو كان التذكّر بعد ارتكاب المنافي بحيث لا تصلح للالتحاق والانضمام والاتصاف بالجزئية وجب تداركها حينئذ أيضاً بمقتضى إطلاق بعض النصوص المعتبرة (٣)، وكان ذلك من القضاء المصطلح لا محالة ، لوجوبها عندئذ بوجوب مستقلّ كما في قضاء الفوائت ، لامتناع بقاء الأمر الصلاتي الضمني بعد فرض تخلّل المنافي كما عرفت. فتداركها قضاء بالمعنى الاصطلاحي في صورة ، وبالمعنى الآخر في صورة أُخرى ، ويلحقها حكم الجزء في الصورة الثانية دون الاولى. ولا مانع من التفكيك بعد مساعدة الدليل كما لا يخفى.

__________________

(١) في ص ٩٩ وما بعدها ، ٣١٠.

(٢) في ص ٩٥ ، ٢٧١.

(٣) الوسائل ٦ : ٣٦٤ / أبواب السجود ب ١٤ ح ٢.

٣٢٥

[٢٠٩٥] مسألة ١٤ : لا فرق في وجوب قضاء السجدة وكفايته عن إعادة الصلاة بين كونها من الركعتين الأوّلتين والأخيرتين ، لكن الأحوط إذا كانت من الأوّلتين إعادة الصلاة أيضاً ، كما أنّ في نسيان سائر الأجزاء الواجبة منهما أيضاً الأحوط استحباباً بعد إتمام الصلاة إعادتها وإن لم يكن ذلك الجزء من الأركان ، لاحتمال اختصاص اغتفار السهو عمّا عدا الأركان بالركعتين الأخيرتين كما هو مذهب بعض العلماء (١) وإن كان الأقوى كما عرفت عدم الفرق.

______________________________________________________

(١) نسب ذلك إلى المفيد (١) والشيخ (٢) وابن أبي عقيل (٣) استناداً إلى ما ورد في بعض النصوص كصحيحة زرارة وغيرها (٤) من أنّه لا سهو في الأولتين.

لكن المراد به هو الشكّ ، لقرائن في نفس النصوص دلّت على لزوم سلامة الأولتين لكونهما فرض الله عن الشكّ في عدد الركعات ، وأنّ حكم الشكّ فيها خاصّ بالأخيرتين ، وقد أُطلق السهو على الشكّ كثيراً كما مرّ التعرّض لذلك في أحكام الخلل (٥).

وعليه فإطلاق دليل القضاء الشامل للأولتين كالأخيرتين كالإطلاق في حديث لا تعاد هو المحكّم.

__________________

(١) المقنعة : ١٤٥ [لكن لاحظ ص ١٣٨ ، ١٤٧ منها].

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٤ ذيل ح ٦٠٤.

(٣) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٣٧٢ المسألة ٢٦٢ [لكن المحكي عنه تعميم البطلان لترك السجدة الواحدة حتّى من الأخيرتين كما صرّح في ص ٨٦ من هذا المجلّد].

(٤) الوسائل ٨ : ١٨٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١.

(٥) [بل أشير إلى ذلك في بحث الشك ص ٢٢٣ ، راجع المصدر المتقدم آنفاً أيضاً].

٣٢٦

[٢٠٩٦] مسألة ١٥ : لو اعتقد نسيان السجدة أو التشهّد مع فوت محلّ تداركهما ثمّ بعد الفراغ من الصلاة انقلب اعتقاده شكّاً فالظاهر عدم وجوب القضاء (١).

______________________________________________________

على أنّ في جملة من نصوص القضاء التصريح بأنّه نسي السجدة حتّى ركع (١) ومن الواضح أنّ هذا غير شامل للركعة الأخيرة ، إذ لا ركوع بعدها ، فلو بني على عدم الشمول للأولتين لزم تخصيصه بالركعة الثالثة من الصلوات الرباعية وهو كما ترى ، إذ مضافاً إلى أنّه من حمل المطلق على الفرد النادر لا وجه لتقييدها بالصلوات الرباعية بعد إطلاقها الشامل لها وللثنائية والثلاثية كما لا يخفى.

فما عليه المشهور من إطلاق الحكم لكافّة الركعات هو الصحيح ، وإن كان الأحوط استحباباً لو نسي السجدة أو غيرها من الأجزاء الواجبة من الأولتين إعادة الصلاة ، خروجاً عن شبهة الخلاف.

(١) فانّ الاعتقاد المزبور إنّما يؤثّر ببقائه لا بمجرّد الحدوث ، ولذا لو زال أثناء الصلاة وتبدّل شكّاً أو تذكّراً لم يؤثّر في القضاء جزماً ، فإنّ العبرة بوجوده حدوثاً وبقاءً ، والمدار على الحالة الفعلية لا السابقة ، والمفروض زوال ذاك الاعتقاد بعد الصلاة. وأمّا الشكّ المنقلب إليه فهو شكّ حادث بعد تجاوز المحلّ فلا يعتنى به ، لقاعدة التجاوز.

وأمّا قاعدة الفراغ فلا مسرح لها في المقام ، لا لأنّ المعتبر فيها الفراغ البنائي وهو غير حاصل فيما نحن فيه كما قيل ، إذ لا أساس لاعتبار الفراغ البنائي في

__________________

(١) منها ما في الوسائل ٦ : ٣٦٤ / أبواب السجود ب ١٤ ح ١.

٣٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

جريان القاعدة على ما حقّقناه في محلّه (١) ، وإنّما العبرة بالفراغ الواقعي والمضيّ الحقيقي المتعلّق بنفس الشي‌ء الأعم من أن يكون ما مضى صحيحاً أو فاسداً بحيث لا يكون قابلاً للتدارك إلّا بالإعادة ، وهو حاصل فيما نحن فيه بالضرورة لصدق المضيّ الحقيقي على وجه لا يمكن التدارك في المحلّ إلّا بالإعادة.

بل الوجه في عدم الجريان أنّ مورد القاعدة هو الشكّ في الصحّة والفساد ، لما عرفت من أنّ المضيّ حينئذ مستند إلى نفس الشي‌ء حقيقة ، لكون الفراغ عنه محرزاً واقعاً ، فلا محالة يكون الشكّ في صحّته وفساده ، بخلاف قاعدة التجاوز فانّ الشكّ فيها متعلّق بأصل وجود الشي‌ء ، ومن ثمّ كان إطلاق التجاوز عنه باعتبار التجاوز عن محلّه المبني على ضرب من المسامحة والعناية التي لا مناص منها بعد تعذّر المعنى الحقيقي.

وعلى الجملة : فمورد قاعدة الفراغ هو الشكّ في الصحّة والفساد ، وهذا غير منطبق على المقام ، إذ لا شكّ في صحّة الصلاة ، ولم يتطرّق احتمال الفساد ، وإنّما الترديد في تحقّق النسيان وحصول موجب القضاء وعدمه ، فيجب القضاء على تقدير ولا يجب على تقدير آخر ، والصلاة صحيحة على التقديرين. ومعه لا موضوع لإجراء تلك القاعدة.

فالمرجع الوحيد في نفي القضاء إنّما هي قاعدة التجاوز لا غير ، إذ يشكّ حينئذ في تحقّق السجدة أو التشهّد في ظرفهما وقد تجاوز محلّهما بالدخول في الجزء المترتّب ، فيبني على التحقّق بهذه القاعدة.

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٢٩٣.

٣٢٨

(٢٠٩٧) مسألة ١٦ : لو كان عليه قضاء أحدهما وشكّ في إتيانه وعدمه وجب عليه الإتيان (*) به ما دام في وقت الصلاة ، بل الأحوط استحباباً ذلك بعد خروج الوقت أيضاً (١).

______________________________________________________

(١) فصّل (قدس سره) في مفروض المسألة بين ما إذا كان الشكّ حادثاً في الوقت أو في خارجه ، فعلى الأوّل يجب الإتيان ، لأصالة عدمه المطابقة لقاعدة الاشتغال. وعلى الثاني لا يجب ، لقاعدة الحيلولة الحاكمة على القاعدة المزبورة وكذا الأصل ، وإن كان الأحوط استحباباً الإتيان حينئذ أيضاً ، لاحتمال اختصاص القاعدة بالشكّ في أصل الصلاة.

أقول : للنظر فيما أفاده (قدس سره) من التفصيل مجال واسع ، فانّا إذا بنينا على أنّ السجدة المقضية وكذا التشهّد على القول بوجوب قضائه هو نفس الجزء المنسي قد تأخّر ظرفه وتبدّل محلّه ، وأنّه واجب بالأمر الصلاتي لا بتكليف آخر مستقلّ كما هو الصحيح على ما عرفت ، فحكمه حكم الشكّ في الجزء الأخير من العمل ، فانّ الجزء الأخير في الصلاة المتعارفة هو السلام ، وفي هذه الصلاة هو السجود أو التشهّد.

وحكمه أنّه إن كان الشكّ قبل ارتكاب المنافي بحيث يصلح المشكوك للانضمام والالتحاق بالصلاة وجب الاعتناء بمقتضى قاعدة الشكّ في المحلّ ، وإن كان بعده بحيث لا يمكن التدارك إلّا بالإعادة لم يجب بمقتضى قاعدة الفراغ ، وهذا من غير فرق بين عروض الشكّ في الوقت أو في خارجه كما لا يخفى.

وأمّا إذا بنينا على أنّ المقضي عمل مستقل غير مرتبط بالصلاة وقد سقط أمرها وتعلّق تكليف جديد بالقضاء كما في قضاء الفوائت ، فالظاهر وجوب

__________________

(*) هذا فيما إذا أمكن الالتحاق ، وإلّا فلا يجب الإتيان به بلا فرق بين الوقت وخارجه.

٣٢٩

[٢٠٩٨] مسألة ١٧ : لو شكّ في أنّ الفائت منه سجدة واحدة أو سجدتان من ركعتين بنى على الاتّحاد (١).

______________________________________________________

الاعتناء بالشكّ وإن كان حاصلاً في خارج الوقت ، لعدم كون هذا التكليف موقّتاً بوقت خاصّ كما كان كذلك في أصل الصلاة. فلا يقاس أحدهما بالآخر بل المرجع حينئذ قاعدة الاشتغال ، للشكّ في الامتثال بعد العلم بالتكليف.

وبعبارة اخرى : فرق واضح بين الأمر بنفس الصلاة وبين الأمر بقضائها أو قضاء الجزء المنسي ، فإنّ الأمر بالصلاة ساقط عند خروج الوقت جزماً إمّا بالامتثال أو بانتهاء أمده ، غاية الأمر عند فوت الفريضة في وقتها يتعلّق أمر آخر بالقضاء موضوعه الفوت.

فلو شكّ فيه بعد الوقت لا يعتني به ، لقاعدة الحيلولة المطابقة لمقتضى القاعدة الأوّلية ، حيث إنّ القضاء موضوعه الفوت كما عرفت ، وهو غير محرز حسب الفرض ، وأصالة عدم الإتيان في الوقت لا يثبته كما مرّ مراراً ، فمرجع الشكّ إلى الشكّ في حدوث تكليف جديد متعلّق بالقضاء ، ومقتضى الأصل البراءة عنه.

وهذا بخلاف قضاء الجزء المنسي أو قضاء نفس الصلاة ، فإنّ الأمر المتعلّق به غير محدود بحدّ ولا موقّت بوقت. وإن قلنا بوجوب المبادرة إليه فإنّ ذلك لا يجعله من الموقّتات كما لا يخفى.

وعليه فمع الشكّ في الإتيان لا مناص من الاعتناء عملاً بقاعدة الاشتغال إذ لا موضوع حينئذ لقاعدة الحيلولة ، ولا لأصل البراءة بعد كون الشكّ في الخروج عن عهدة التكليف المعلوم.

فتحصّل : أنّ المتعيّن هو التفصيل حسب اختلاف المباني ، ولا فرق في ذلك بين الوقت وخارجه.

(١) إذ الأمر دائر حينئذ بين الأقلّ والأكثر الاستقلاليين ، ومعه كان الشكّ

٣٣٠

[٢٠٩٩] مسألة ١٨ : لو شكّ في أنّ الفائت منه سجدة أو غيرها من الأجزاء الواجبة التي لا يجب قضاؤها وليست ركناً أيضاً لم يجب عليه القضاء بل يكفيه سجود السهو (*) (١).

______________________________________________________

بالإضافة إلى الزائد بمثابة الشكّ في أصل تحقّق الفوت ، وقد عرفت (١) أنّ المرجع في مثله قاعدة التجاوز.

(١) ما أفاده (قدس سره) مبنيّ على أمرين قد التزم (قدس سره) بكلّ منهما : أحدهما : أنّ السجدة المنسيّة يجب قضاؤها وسجود السهو لها. ثانيهما : أنّ سجدة السهو تجب لكلّ زيادة ونقيصة ، فحينئذ يتمّ ما أفاده (قدس سره) ، فإنّ سجدة السهو واجبة على التقديرين فلا مجال لنفيها بالأصل ، وأمّا القضاء فهو منفي بقاعدة التجاوز السليمة عن المعارض من هذه الجهة ، فلا أثر للعلم الإجمالي بفوات أحدهما من ناحية القضاء بعد عدم كون التكليف منجّزاً على كلّ تقدير.

وأمّا لو أنكرنا الأمر الثاني وقلنا بعدم وجوب سجدة السهو إلّا في موارد خاصّة كما هو الصحيح على ما سيجي‌ء إن شاء الله تعالى (٢) ، فلو كان طرف العلم الإجمالي من غير تلك الموارد كالقراءة مثلاً لم يجب عليه حينئذ لا القضاء ولا سجود السهو ، لجريان قاعدة التجاوز بالإضافة إلى السجود (٣) ، النافية لكلا الأثرين ، السليمة عن المعارض ، إذ لا أثر لنسيان الطرف الآخر رأساً حسب الفرض. وهذا لا يفرق فيه بين ما إذا التزمنا بالأمر الأوّل أو أنكرناه أيضاً كما هو المختار.

__________________

(*) على الأحوط.

(١) في ص ٣٢٧ ٣٢٨.

(٢) في ص ٣٦١.

(٣) [أي السجدة].

٣٣١

[٢١٠٠] مسألة ١٩ : لو نسي قضاء السجدة أو التشهّد وتذكّر (١) بعد الدخول في نافلة جاز له قطعها (*) والإتيان به ، بل هو الأحوط ، بل وكذا لو دخل في فريضة.

______________________________________________________

ولو أنكرنا الأمر الأوّل فقط دون الثاني ، وبنينا على أنّ نسيان السجدة لا أثر له إلّا القضاء ، ولا يوجب سجود السهو كما هو الصحيح على ما نطقت به النصوص الصريحة في نفي السهو على ما سبق (١) ، فحينئذ ينعكس الأمر فيجب الجمع بين القضاء وسجدة السهو ، عملاً بالعلم الإجمالي بأحد التكليفين بعد تعارض القاعدة وتساقطها من الجانبين.

فما أفاده (قدس سره) وجيه على مسلكه في الأمرين المتقدّمين ، ولا يتمّ بانتفاء واحد منهما ، بل يختلف الحكم حينئذ باختلاف المباني حسبما عرفت. وقد عرفت أنّ الأظهر عدم وجوب القضاء ولا سجدة السهو.

(١) قد يكون التذكّر بعد الدخول في النافلة ، وأُخرى بعد الدخول في الفريضة.

أمّا في الأوّل : فلا ينبغي الإشكال في جواز القطع ، لجواز قطع النافلة حتّى اختياراً فضلاً عن قطعها لتدارك سجدة واجبة ، وإنّما الكلام في أنّه هل يتعيّن عليه القطع أو يجوز له الإتمام بعد تدارك الجزء المنسي ، فنقول :

قد يكون التذكّر بعد الدخول في ركوع الركعة الاولى من النافلة ، وأُخرى قبل الدخول فيه.

أمّا بعد الدخول فحيث إنّ الركوع حينئذ مانع عن صلاحية التحاق السجدة المنسية بالصلاة الأصلية وانضمامها إليها فتلك السجدة ساقطة عندئذ عن الجزئية

__________________

(*) بل هو المتعيّن فيه وفيما بعده.

(١) في ص ١٠١ [حيث تقدمت صحيحة أبي بصير ، وستأتي أيضاً في ص ٣٥٥].

٣٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وإنّما يجب قضاؤها حينئذ بالمعنى المصطلح بمقتضى قوله (عليه السلام) في الموثّق : «يقضي ما فاته إذا ذكره» (١) ، لا بمعنى تأخّر الجزء عن ظرفه والتبدّل في محلّه كما كان كذلك لو كان التذكّر في وقت صالح للانضمام على ما سبق. فهو عمل مستقلّ غير مرتبط بالصلاة يجب قضاؤه في نفسه.

وبعبارة اخرى : تخلّل الركوع من مصاديق المنافي بالإضافة إلى الصلاة الأصلية المانع من صلاحية انضمام السجدة بها ، لأنّه مصداق للزيادة القادحة ، فإنّه وإن لم يقصد به الجزئية لتلك الصلاة بل قصد به الجزئية للنافلة ، إلّا أنّه يكفي في صدق الزيادة القادحة في باب الركوع والسجود الزيادة الصورية كما استفيد ممّا دلّ على المنع عن قراءة سور العزائم في الصلاة معلّلاً بأنّ السجدة زيادة في المكتوبة (٢) كما مرّ في محلّه (٣).

فتذكّر النسيان بعد الدخول في الركوع بمثابة التذكّر بعد ارتكاب المنافي من حدث أو استدبار ونحوهما ، وقد عرفت أنّ الإتيان بالسجدة حينئذ قضاء بالمعنى الاصطلاحي وليس جزءاً متأخّراً ، بل قد سقط الأمر بالصلاة وحدث تكليف جديد بالقضاء ، وحينئذ فكما يجوز له قطع النافلة يجوز له الإتيان بالسجدة أثناءها ثمّ إتمام النافلة ، ولا مانع من زيادة السجدة في هذه الصلاة فإنّ الممنوع من زيادتها ولو صورة إنّما هو في أثناء الفريضة المكتوبة كما في النص (٤) لا في النافلة ، ولذا لو أصغى إلى آية العزيمة وهو في النافلة سجد في تلك الحالة بلا إشكال.

وأمّا لو تذكّر قبل الدخول في الركوع ، فحيث إنّ السجدة حينئذ صالحة

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٦٤ / أبواب السجود ب ١٤ ح ٢.

(٢) الوسائل ٦ : ١٠٥ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٠ ح ١ ، ٤.

(٣) شرح العروة ١٥ : ١٣٢.

(٤) تقدّم مصدره آنفاً.

٣٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

للانضمام فهي باقية على الجزئية ، ولم يتحقّق الفراغ عن الصلاة الأُولى ، لبقاء جزئها الأخير فهو بعد في الأثناء وقد شرع في النافلة ناسياً تدارك السجدة وحينئذ فان قلنا بجواز إقحام الصلاة في الصلاة جاز له الإتيان بالسجدة أثناء النافلة ثمّ إتمامها ، لعدم كون السجدة الزائدة قادحة في النافلة كما عرفت ، وإلّا تعيّن عليه القطع لتدارك السجدة ثمّ يستأنف النافلة إن شاء.

وأمّا في الثاني : أعني ما لو تذكّر بعد ما دخل في الفريضة فليس له الإتيان بالسجدة أثناءها ، سواء كان التذكّر قبل الدخول في الركوع أم بعده ، فإنّه زيادة في المكتوبة حسبما عرفت. فيدور الأمر بين قطع الفريضة الذي هو محرّم على المشهور أو أنّه مخالف للاحتياط ، وبين تأخير السجدة.

أمّا إذا كان التذكّر قبل الدخول في الركوع فحيث إنّ السجدة حينئذ صالحة للانضمام وباقية على الجزئية تعيّن عليه الإتيان بها ورفع اليد عن الصلاة الثانية لكونه بعد غير فارغ عن الاولى ، وما لم يفرغ عنها بتمام أجزائها ليس له الدخول في الثانية ، لعدم الأمر بها حينئذ ، ولأجله لم يكن المقام مشمولاً لدليل حرمة القطع جزماً.

وأمّا لو تذكّر بعد الدخول في الركوع فالسجدة حينئذ قضاء بالمعنى الاصطلاحي كما مرّ ، وليست جزءاً من الصلاة الأصلية ، فلا مانع من تأخير الإتيان بها بعد الصلاة الثانية.

نعم ، بناءً على وجوب المبادرة إليها كما اختاره في المتن وهو الظاهر من قوله (عليه السلام) في موثّق عمّار : «يقضي ما فاته إذا ذكره» (١) تعيّن القطع والإتيان بها ثمّ استئناف الصلاة. ودليل حرمة القطع لا يشمل صورة المزاحمة مع واجب فوري كما لا يخفى.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٦٤ / أبواب السجود ب ١٤ ح ٢.

٣٣٤

[٢١٠١] مسألة ٢٠ : لو كان عليه قضاء أحدهما في صلاة الظهر وضاق وقت العصر فإن أدرك منها ركعة وجب تقديمهما وإلّا وجب تقديم العصر ويقضي الجزء بعدها ، ولا يجب عليه إعادة الصلاة وإن كان أحوط (*) (١)

______________________________________________________

(١) ذكر (قدس سره) في مفروض المسألة أنّه إن تمكّن من إدراك العصر ولو ركعة منها وجب تقديم الجزء المنسي رعاية للترتيب ، لعدم المزاحمة بعد توسعة الوقت بدليل من أدرك ، وإن لم يتمكّن من ذلك أيضاً وجب تقديم العصر لأهميتها أو لاختصاص الوقت حينئذ بالعصر ، بمعنى عدم مزاحمة الظهر معها في هذا الوقت.

وتفصيل الكلام في المقام أنّ التذكّر إن كان قبل فوات الموالاة بحيث يصلح المنسي للالتحاق وتتّصف السجدة بالجزئية لدى الانضمام ، فلا ينبغي الإشكال في لزوم تقديمها على العصر ، للزوم تقديم الظهر بتمام أجزائها على العصر والمفروض أنّه لم يفرغ بعد عن الظهر ، لبقاء جزئها الأخير وهي السجدة ويسع الوقت له وللعصر بمقتضى التوسعة التعبدية الثابتة بدليل من أدرك (١) ، ولذا لو بقي من الوقت مقدار خمس ركعات وجب صرف أربع منها للظهر والركعة الباقية للعصر ، وهذا ظاهر.

وإن كان التذكّر بعد فوات الموالاة بحيث سقط المنسي عن الجزئية وتمحّض في القضاء المصطلح ، فحيث إنّ هذا القضاء فوري تجب المبادرة إليه كما أشرنا إليه آنفاً وجب تقديمها أيضاً على العصر ، إذ لا فرق في وجوب تقديم ما يجب

__________________

(*) لا يترك الاحتياط.

(١) الوسائل ٤ : ٢١٧ / أبواب المواقيت ب ٣٠.

٣٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

على المكلّف إتيانه فعلاً بين الأداء والقضاء ، بعد عدم المزاحمة وإمكان الجمع بينه وبين العصر ولو ببركة التوسعة المستفادة من حديث من أدرك.

هذا كلّه مع بقاء وقت العصر ولو بمقدار ركعة ، وأمّا لو لزم من التقديم فوات وقت العصر رأساً فالمتعيّن حينئذ تقديم العصر ، سواء كانت الموالاة باقية أم فائتة ، لاختصاص الوقت حينئذ بها بمعنى عدم جواز مزاحمة الغير معها ، بل لو تذكّر في هذه الحالة عدم الإتيان بالظهر رأساً وجب تقديم العصر فضلاً عن نسيان جزئها أو وجوب قضائه عليه ، لما عرفت من الاختصاص وعدم جواز المزاحمة ، هذا.

وقد ذكر الماتن (قدس سره) أنّه يقضي الجزء بعد ذلك ، واحتاط استحباباً بإعادة الظهر أيضاً.

والصحيح هو التفصيل في الإعادة بين ما إذا كان التذكّر قبل فوات الموالاة وما إذا كان بعده.

ففي الأوّل حيث إنّه ترك الجزء عالماً عامداً وإن كان معذوراً فيه من أجل ضيق وقت العصر ، فهو بمثابة ترك الظهر رأساً ، إذ الإخلال بالجزء إخلال بالكلّ فيجب عليه إعادة الظهر بعد العصر. ولا مجال حينئذ للتمسّك بحديث لا تعاد لكونه تاركاً للجزء عن عمد والتفات وإن كان معذوراً فيه ، ومثله غير مشمول للحديث.

وفي الثاني لا يجب إلّا قضاء الجزء المنسي ، ولا وجه للاحتياط بإعادة الظهر ولو استحباباً ، لصحّتها في ظرفها وسقوط أمرها بعد عدم إمكان التحاق المنسي بها وكونه من القضاء المصطلح كما عرفت.

٣٣٦

وكذا الحال لو كان عليه صلاة الاحتياط للظهر وضاق وقت العصر ، لكن مع تقديم العصر يحتاط بإعادة الظهر أيضاً (*) بعد الإتيان باحتياطها (١).

______________________________________________________

(١) الاحتياط المذكور وهو الجمع بين إعادة الظهر وبين الإتيان بركعة الاحتياط مبنيّ على الترديد في أنّ صلاة الاحتياط هل هي جزء متمّم على تقدير النقص أو أنّها صلاة مستقلّة.

إذ على الأوّل تجب الإعادة ، لعدم إحراز براءة الذمّة عن الظهر بعد احتمال نقصها بركعة. ولا تكفي صلاة الاحتياط حينئذ ، لعدم صلاحيتها للانضمام على تقدير النقص بعد تخلّل العصر بينها وبين الصلاة الأصلية.

وعلى الثاني لا موجب للإعادة ، لسقوط الأمر بالظهر وحصول امتثالها وصحّتها على كلّ تقدير ، وإنّما الواجب حينئذ الإتيان بصلاة الاحتياط فحسب. فرعاية لكلا المبنيين حكم بالاحتياط بالجمع بين الأمرين.

وحيث قد عرفت (١) أنّ الأظهر كون الركعة جزءاً متمّماً فالأقوى جواز الاكتفاء بإعادة الظهر ، ولا حاجة إلى ضمّ ركعة الاحتياط.

__________________

(*) الظاهر جواز الاكتفاء بإعادتها.

(١) في ص ٢٨٠.

٣٣٧

فصل

في موجبات سجود السهو وكيفيته وأحكامه

[٢١٠٢] مسألة ١ : يجب سجود السهو لأُمور :

الأوّل : الكلام سهواً (١)

______________________________________________________

(١) المعروف والمشهور وجوب سجود السهو لمن تكلّم في صلاته ساهياً ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه ، ولم ينسب الخلاف إلّا إلى الصدوق (١) ووالده (٢) ومال إليه السبزواري في الذخيرة (٣) ، بل قد ناقش صاحب الحدائق في صحّة النسبة إلى الصدوق (٤).

وكيف ما كان ، فالمتبع هو الدليل. ويدلنا على الوجوب طائفة من الروايات :

منها : صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يتكلّم ناسياً في الصلاة يقول : أقيموا صفوفكم ، فقال : يتمّ صلاته ثمّ

__________________

(١) [الفقيه ١ : ٢٢٥ ذيل ح ٩٩٣ ، حيث قال : ولا تجب سجدتا السهو إلّا على من قعد في حال قيامه ، أو قام في حال قعوده ، أو ترك التشهد ، أو لم يدر زاد أو نقص. لكنه ذكر في ص ٢٣١ ذيل ح ١٠٢٨ ما لفظه : وإن تكلمت في صلاتك ناسياً فقلت : أقيموا صفوفكم. فأتم صلاتك واسجد سجدتي السهو. وهكذا قال في المقنع : ١٠٦].

(٢) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٤١٨ المسألة ٢٩٧.

(٣) الذخيرة : ٣٧٩ السطر ٣٢.

(٤) الحدائق ٩ : ٣١٤.

٣٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

يسجد سجدتين ...» إلخ (١) ، فإنّها ظاهرة في أنّ الموجب للسجود إنّما هو التكلّم ناسياً ، وأنّ قول : «أقيموا صفوفكم» إنّما ذكر من باب المثال.

ومنها : صحيحة ابن أبي يعفور : «عن الرجل لا يدري ركعتين صلّى أم أربعاً إلى أن قال (عليه السلام) في ذيلها : وإن تكلّم فليسجد سجدتي السهو» (٢) دلّت بمقتضى الإطلاق على أنّ التكلّم السهوي متى ما تحقّق سواء أكان في الصلاة الأصلية أم في ركعتي الاحتياط أم ما بينهما فهو موجب لسجود السهو.

ومنها : موثّقة عمّار قال : «... وعن الرجل إذا أراد أن يقعد فقام ثمّ ذكر من قبل أن يقدّم شيئاً أو يحدث شيئاً ، فقال : ليس عليه سجدتا السهو حتّى يتكلّم بشي‌ء ...» إلخ (٣).

وناقش فيها غير واحد بأنّ المراد بالتكلّم هو القراءة أو التسبيح الواقعان في غير محلّهما ، المشار إليهما في كلام السائل بقوله : «من قبل أن يقدّم شيئاً ...» إلخ أي من قبل أن يقرأ ، كما لو كان في الثانية وكانت وظيفته القعود للتشهّد فتخيّل أنّها الاولى وقام إلى الثانية ، أو من قبل أن يسبّح كما لو تخيّل في الفرض أنّه في الثالثة وقام إلى الرابعة. فالتكلّم إشارة إلى هذين الجزأين الزائدين.

وعليه فالموثّق من أدلّة وجوب سجود السهو لكلّ زيادة ونقيصة ، لا للتكلّم السهوي بما هو تكلّم الذي هو محلّ الكلام.

ولكن الظاهر أنّ المراد بالتكلّم هو الكلام العادي.

أمّا أوّلاً : فلأنّ القراءة والتسبيح وإن كانا من مصاديق التكلّم إلّا أنّه لم يعهد إطلاقه عليهما في شي‌ء من الأخبار ، بل لم نجد لذلك ولا مورداً واحداً

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٠٦ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٤ ح ١.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٢.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٥٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣٢ ح ٢.

٣٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

فلو كان المراد ذلك كان حقّ العبارة هكذا : حتّى يقرأ أو يسبّح ، أو حتّى يقول شيئاً ، لا حتّى يتكلّم كما لا يخفى.

وثانياً : أنّه لو أُريد ذلك لزم اللغوية والخروج عن مفروض كلام السائل لأنّه فرض التذكّر قبل أن يقدم [شيئاً] أي قبل أن يقرأ أو يسبّح ، فحكمه (عليه السلام) بوجوب سجدة السهو للقراءة أو التسبيح غير منطبق على السؤال كما لا يخفى.

وهذا بخلاف ما لو كان المراد التكلّم العادي ، فإنّ الاستثناء حينئذ بقوله : «حتّى يتكلّم» في محلّه ، ويكون حاصل الجواب : أنّ في مفروض السؤال لا شي‌ء عليه إلّا أن يتكلّم سهواً بكلام الآدميين.

فالإنصاف : ظهور الموثّق فيما نحن فيه وصحّة الاستدلال به. وعلى أيّ حال ففي الصحيحتين المتقدّمتين غنى وكفاية لصراحتهما في المطلوب ، هذا.

وربما يستدلّ أيضاً بجملة من الروايات الواردة في سهو النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في صلاة الظهر وتسليمه على الركعتين المشتملة على قصة ذي الشمالين وأنّه (صلّى الله عليه وآله وسلم) بعد أن سأل القوم وتثبّت من سهوه تدارك الركعتين ثمّ سجد سجدتين للسهو (١) ، وفي بعضها كصحيح الأعرج التصريح بأنّه (صلّى الله عليه وآله وسلم) سجد سجدتين لمكان الكلام (٢).

وفيه أوّلاً : أنّ هذه الروايات في أنفسها غير قابلة للتصديق وإن صحّت أسانيدها ، لمخالفتها لأُصول المذهب. على أنّها معارضة في موردها بموثّقة زرارة المصرّحة بأنّه (صلّى الله عليه وآله وسلم) لم يسجد للسهو ، قال : «سألت أبا جعفر (عليه السلام) هل سجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) سجدتي

__________________

(١) الوسائل ٨ : ١٩٨ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٠٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ١٦.

٣٤٠