موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

وعليه فامّا أن يراد بنفيه إلغاء الشكّ وفرضه كالعدم ، أو يراد نفي ترتيب أحكام الشكّ كما ورد أنّه لا سهو في صلاة المغرب ولا سهو في الأولتين ، أي أنّ البناء على الأكثر الذي هو حكم الشكّ لا يجري ، ونتيجته البطلان.

والظاهر هو الأوّل ، لأنّ ظاهر النفي المتعلّق بشي‌ء هو نفي وجوده ولو في عالم التشريع لا نفي أحكامه ، كيف وهو مناف للسياق في هذه الصحيحة ، فإنّ الشكّ الصادر عن الإمام أو المأموم محكوم بالإلغاء لا البطلان. فنفيه بمعنى فرضه كالعدم. فبهذه القرينة يراد من نفيه في قوله (عليه السلام) : «وليس على السهو سهو» هو هذا المعنى أيضاً ، وأنّه ملغى لا يعتنى به.

بل إنّ هذا الاستظهار جارٍ أيضاً في مثل قوله : لا سهو في المغرب وفي الأولتين. فلو كنا نحن وهذا التعبير لحكمنا بالصحّة وإلغاء الشكّ ، لولا قيام القرينة الخارجية على البطلان.

ويؤيّده التعبير بكلمة «على» في الصحيحة ، أي لا كلفة عليك ، المساوق للإلغاء ، ونتيجته هو الحكم بالصحّة ، فيبني على الأكثر ، إلّا إذا كان الأكثر باطلاً كالشكّ بين الثنتين والثلاث فيبني على الأقل.

ثمّ لا يخفى أنّ المراد إنّما هو نفي السهو من حيث الركعات لا من حيث الأجزاء والأفعال ، فانّ المراد بالسهو الذي لا سهو فيه هو العمل الذي أوجبه الشكّ في الركعات ، فبقرينة السياق يكون المراد بالسهو المنفي هو الشكّ في الركعات ، ولا يكون له إطلاق للشكّ في الأجزاء. وعليه فلا بدّ من الاعتناء بالشكّ إذا كان قبل تجاوز محلّه.

٣٠١

[٢٠٧٨] مسألة ١٦ : لو زاد فيها فعلاً من غير الأركان أو نقص فهل عليه سجدتا السهو أو لا؟ وجهان (*) فالأحوط الإتيان بهما (١).

______________________________________________________

(١) وإن كان الأظهر عدم الوجوب ، لما أسلفناه (١) من أنّ الأمر بسجود السهو تكليف جديد متعلّق به بعد الصلاة ، وهو عمل مستقلّ لا يضرّ تركه بصحّة الصلاة حتّى عامداً وإن كان حينئذ آثماً. والحكمة فيه إرغام أنف الشيطان الذي يوسوس في صدر الإنسان.

ولا إطلاق في دليله كي يقتضي وجوبه في كلّ صلاة ، فإنّ دليله بين ما لا إطلاق له كرواية سفيان بن السمط المتقدّمة (٢) : تجب سجدة السهو لكلّ زيادة ونقيصة. حيث إنّها ناظرة إلى أصل الوجوب لا إلى محلّه ، وبين ما هو وارد في خصوص الفرائض اليومية. فوجوبه لغيرها من سائر الصلوات الواجبة فضلاً عن النافلة غير ثابت.

وعليه فلو أتى بأحد الموجبات في صلاة الاحتياط فحيث يحتمل أنّها نافلة لا جزء متمّم لاحتمال تمامية الصلاة واقعاً ، فيشك في تعلّق التكليف بسجود السهو ، ومقتضى الأصل البراءة عنه.

وممّا ذكرنا يظهر الفرق بين سجود السهو وبين قضاء السجدة المنسية أو التشهّد المنسي في صلاة الاحتياط على القول بالقضاء في التشهّد وأنّه لا يقاس أحدهما بالآخر ، فيجب القضاء في السجدة والتشهّد ، وذلك لأنّهما إنّما يجبان بنفس الأمر المتعلّق بالجزء الثابت في الصلاة ، فهما من متمّمات الصلاة

__________________

(*) أظهرهما العدم.

(١) في ص ٢٧٠.

(٢) في ص ١٠٠.

٣٠٢

[٢٠٧٩] مسألة ١٧ : لو شكّ في شرط أو جزء منها بعد السلام لم يلتفت (١).

______________________________________________________

وأجزائها ، غاية الأمر أنّ محلّهما وظرفهما قد تبدّل وانقلب إلى ما بعد السلام ولذا قلنا بأنّ المراد بالقضاء فيهما هو مطلق الإتيان دون القضاء بالمعنى المصطلح وعليه فيجب الإتيان بهما لو نسيهما بعد صلاة الاحتياط ، خروجاً عن عهدة الجزئية المحتملة على تقدير النقص.

وأمّا سجود السهو فهو غير دخيل في الصحّة ، وليس من شؤون الجزئية بل هو تكليف مستقلّ لا يضرّ تركه في الصحّة حتّى عامداً. وحيث لا دليل على وجوبه في المقام ويشكّ في ثبوته في جزء الصلاة لاحتمال التمامية واقعاً فمقتضى الأصل البراءة عنه حسبما عرفت.

هذا كلّه فيما عدا سجدة الركعة الأخيرة من صلاة الاحتياط لو كانت ركعتين وأمّا فيها فلو نسي السجدة وتذكّر بعد السلام وجب عليه الرجوع والإتيان بها ثمّ التشهّد والسلام ، ويكون التشهّد والسلام الواقعان قبل ذلك زيادة واقعة في غير محلّها ، كما هو الحال فيما لو نسي السجدة من الركعة الأخيرة في الصلاة الأصلية على ما بيّناه سابقاً.

والحاصل : أنّ حكم ركعة الاحتياط من هذه الجهة حكم الصلاة الأصلية نفسها ، فيجب قضاء السجدة وكذا التشهّد على القول به فيما إذا كانت ممّا عدا الركعة الأخيرة ، وأمّا فيها فيرجع ويتدارك لا أنّه يقضي. وممّا ذكرنا يظهر الحال في المسألة التاسعة عشرة الآتية فلاحظ.

(١) لعموم قاعدة الفراغ الشامل لكافّة الصلوات.

٣٠٣

(٢٠٨٠) مسألة ١٨ : إذا نسيها وشرع في نافلة أو قضاء فريضة أو نحو ذلك فتذكّر في أثنائها قطعها وأتى بها (*) ثمّ أعاد الصلاة على الأحوط. وأمّا إذا شرع في صلاة فريضة مرتّبة على الصلاة التي شكّ فيها كما إذا شرع في العصر فتذكّر أنّ عليه صلاة الاحتياط للظهر فان جاز عن محلّ العدول قطعها (**) كما إذا دخل في ركوع الثانية مع كون احتياطه ركعة أو ركوع الثالثة مع كونها ركعتين ، وإن لم يجز عن محلّ العدول فيحتمل العدول إليها (***) لكن الأحوط القطع والإتيان بها ثمّ إعادة الصلاة (١).

______________________________________________________

(١) قسّم (قدس سره) مفروض المسألة إلى قسمين ، فانّ التذكّر قد يكون بعد الدخول في صلاة أُخرى مستقلّة غير مرتبطة بالصلاة الأصلية ، كما لو كان التذكّر بعد الدخول في نافلة أو قضاء فريضة ونحوهما ، وقد يكون بعد الدخول في صلاة مترتّبة عليها كما لو تذكّر بعد الدخول في صلاة العصر أنّ عليه صلاة الاحتياط للظهر.

أمّا في القسم الأوّل : فقد حكم بالقطع والإتيان بركعة الاحتياط ثمّ إعادة أصل الصلاة احتياطاً ، لاحتمال قادحية الفصل المتخلّل.

أقول : لا وجه للجمع بين القطع والإعادة ، بل إمّا أن يتعيّن القطع أو يتعيّن الإعادة.

__________________

(*) الظاهر أنّ التذكّر إذا كان بعد الدخول في الركوع فلا حاجة معه إلى القطع بل يتمّ ما بيده ويعيد أصل الصلاة ، وإن كان التذكّر قبله فلا حاجة إلى الإعادة.

(**) بل يعدل بها إلى الصلاة السابقة.

(***) هذا الاحتمال هو الأظهر.

٣٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فإنّ التذكّر إن كان بعد الدخول في الركن أعني الركوع من الصلاة الثانية تعيّنت الإعادة ولا مجال للقطع ، لامتناع تدارك الصلاة الأصلية وتصحيحها وتتميمها حينئذ ، ضرورة أنّ زيادة الركوع مانعة عن صلاحية الالتحاق وانضمام ركعة الاحتياط بالصلاة الأصلية ، فتلك الصلاة أي الأصلية محكومة بالبطلان لعدم إحراز الخروج عن عهدتها ، فلا مناص من الإعادة ، ولا موجب للقطع بوجه.

وإن كان قبل الدخول في الركوع فلا موجب للإعادة ، بل يتعيّن عليه القطع والإتيان بصلاة الاحتياط بناءً على حرمة قطع الفريضة كما هو المشهور ، وإلّا جاز له ذلك لإمكان التتميم حينئذ من غير محذور ، لعدم لزوم زيادة الركن. وزيادة التكبير أيضاً غير قادحة حتّى على القول بركنيتها وقدح زيادتها السهوية ، لعدم صدق الزيادة في مثل المقام ، لما مرّ غير مرّة من تقوّمها بالإتيان بشي‌ء بقصد الجزئية للعمل المزيد فيه ، وفي المقام إنّما قصد بالتكبير الافتتاح للصلاة الأُخرى ، لا للصلاة الأصلية كي تتحقّق الزيادة فيها.

وبالجملة : ففي هذه الصورة يتعيّن القطع ولا موجب للإعادة ، وفي الصورة السابقة تتعيّن الإعادة ولا موجب للقطع. فالجمع بينهما كما صنعه في المتن ممّا لا وجه له إلّا على سبيل الاحتياط الاستحبابي كما لا يخفى.

وأمّا في القسم الثاني : فقد فصّل في المتن بين ما إذا جاوز محلّ العدول كما إذا دخل في ركوع الثانية مع كون احتياطه ركعة أو ركوع الثالثة مع كونها ركعتين وبين ما إذا لم يتجاوز. ففي الأوّل حكم بالقطع ، ولم يذكر أنّه ماذا يصنع بعد ذلك. والظاهر أنّ مراده (قدس سره) الإتيان بصلاة الاحتياط حينئذ ثمّ إعادة الصلاة احتياطاً كما ذكره قبل ذلك. وفي الثاني احتمل العدول إلى صلاة الاحتياط وذكر أنّ الأحوط القطع أيضاً والإتيان بها ثمّ إعادة الصلاة.

٣٠٥

[٢٠٨١] مسألة ١٩ : إذا نسي سجدة واحدة أو تشهّداً فيها قضاهما بعدها على الأحوط (١).

______________________________________________________

أقول : أمّا في فرض التجاوز عن محلّ العدول فالظاهر أنّه لا موجب للقطع بل يعدل بها إلى الصلاة الأصلية ، إذ بعد فرض عدم إمكان تتميمها وتصحيحها من أجل لزوم زيادة الركن فهي باطلة ، فيكون المقام من صغريات ما لو دخل في الصلاة المترتّبة وتذكّر أثناءها عدم الإتيان بالصلاة السابقة أو بطلانها المحكوم بلزوم العدول إلى تلك الصلاة.

فلا مجال حينئذ للقطع ، بل لا وجه له ، إذ معه كيف تعالج زيادة الركن المتخلّل بين الصلاة الأصلية وصلاة الاحتياط ، فإنّ زيادة الركوع ولو صورة وبغير قصد الجزئية موجب للبطلان ، فلا يمكن التدارك إلّا بالعدول كما ذكرناه.

وأمّا في فرض عدم التجاوز فالظاهر لزوم العدول حينئذ إلى صلاة الاحتياط فانّ الواجب الإتيان بها رعاية للجزئية المحتملة على تقدير النقص ، ولا مانع من الإتيان بها بالعدول ، لكون المقام حينئذ من صغريات ما لو دخل في العصر وقبل الدخول في الركوع تذكّر النقص في صلاة الظهر بركعة وأنّه سلّم على الثلاث ، فإنّه يجب عليه العدول تتميماً لتلك الصلاة ، ولا فرق في دليل العدول من اللّاحقة إلى السابقة بين العدول إلى مجموعها أو إلى أبعاضها بمقتضى إطلاق الدليل ، والله سبحانه أعلم.

(١) تقدّم الكلام حولها في ذيل المسألة السادسة عشرة المتقدّمة فلاحظ.

٣٠٦

فصل

في حكم قضاء الأجزاء المنسيّة

(٢٠٨٢) مسألة ١ : قد عرفت سابقاً (١) أنّه إذا ترك سجدة واحدة ولم يتذكّر إلّا بعد الوصول إلى حدّ الركوع يجب قضاؤها بعد الصلاة ، بل وكذا إذا نسي السجدة الواحدة من الركعة الأخيرة ولم يتذكّر إلّا بعد السلام على الأقوى ، وكذا إذا نسي (*) التشهّد أو أبعاضها ولم يتذكّر إلّا بعد الدخول في الركوع ، بل أو التشهّد الأخير ولم يتذكّر إلّا بعد السلام على الأقوى ، ويجب مضافاً إلى القضاء سجدتا السهو أيضاً لنسيان كلّ من السجدة والتشهّد.

(٢٠٨٣) مسألة ٢ : يشترط فيهما جميع ما يشترط في سجود الصلاة وتشهّدها من الطهارة والاستقبال وستر العورة ونحوها وكذا الذكر والشهادتان والصلاة على محمّد وآل محمّد ، ولو نسي بعض أجزاء التشهّد وجب قضاؤه فقط (**) نعم لو نسي الصلاة على آل محمّد فالأحوط إعادة الصلاة على محمّد بأن يقول : «اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد» ولا يقصر على قوله :

______________________________________________________

(١) ذكر (قدس سره) في مطاوي هذه المسألة وما بعدها إلى نهاية المسألة

__________________

(*) مرّ الكلام في نسيان السجدة والتشهّد من الركعة الأخيرة ، وكذا في نسيان التشهّد الأوّل ، وكذا في وجوب سجدتي السهو في نسيان السجدة الواحدة.

(**) على الأحوط.

٣٠٧

«وآل محمّد» وإن كان هو المنسي فقط. ويجب فيهما نيّة البدلية عن المنسي ولا يجوز الفصل بينهما وبين الصلاة بالمنافي كالأجزاء في الصلاة. أمّا الدعاء والذكر والفعل القليل ونحو ذلك ممّا كان جائزاً في أثناء الصلاة فالأقوى جوازه ، والأحوط تركه. ويجب المبادرة إليهما بعد السلام ، ولا يجوز تأخيرهما عن التعقيب ونحوه.

(٢٠٨٤) مسألة ٣ : لو فصل بينهما وبين الصلاة بالمنافي عمداً وسهواً كالحدث والاستدبار فالأحوط استئناف الصلاة بعد إتيانهما ، وإن كان الأقوى جواز الاكتفاء (*) باتيانهما ، وكذا لو تخلّل ما ينافي عمداً لا سهواً إذا كان عمداً ، أمّا إذا وقع سهواً فلا بأس.

(٢٠٨٥) مسألة ٤ : لو أتى بما يوجب سجود السهو قبل الإتيان بهما أو في أثنائهما فالأحوط فعله بعدهما.

______________________________________________________

الرابعة ما حاصله : أنّه إذا نسي سجدة واحدة أو التشهّد الأوّل ولم يتذكّر إلّا بعد الوصول إلى حدّ الركوع ، أو نسي السجدة الواحدة من الركعة الأخيرة أو التشهّد الأخير ولم يتذكّر إلّا بعد السلام وجب قضاؤهما ، وكذا سجدة السهو لنسيان كلّ منهما.

ثمّ ذكر أنّه يشترط فيهما جميع ما يشترط في سجود الصلاة وتشهّدها من الطهارة الحدثية والخبثية ولاستقبال والستر ونحوها.

وذكر أيضاً أنّه تجب المبادرة إليهما بعد السلام تكليفاً ، فلا يجوز الفصل بينهما

__________________

(*) فيه إشكال بل منع ، وكذا فيما بعده.

٣٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وبين الصلاة بالمنافي كما في أجزاء الصلاة ، دون غيره كالدعاء والذكر والفعل القليل ممّا كان جائزاً في أثناء الصلاة ، نعم لو حصل الفصل بالمنافي عمداً وسهواً كالحدث والاستدبار ، أو عمداً فقط كالتكلّم جاز الاكتفاء باتيانهما على الأقوى ، وإن كان الأحوط الاستئناف. فالمبادرة إليهما واجبة تكليفاً لا وضعاً.

ثمّ ذكر أنّه لو أتى بما يوجب سجود السهو قبل الإتيان بهما أو في أثنائهما فالأحوط فعله بعدهما.

أقول : يقع الكلام تارة في السجدة المنسية من الركعة الأخيرة أو نسيان التشهّد الأخير ، وأُخرى في نسيانها من بقية الركعات أو التشهّد الأوّل.

أمّا في الأوّل : فقد مرّ في مبحثي التشهّد (١) والسجود (٢) أنّ مقتضى القاعدة حينئذ هو الرجوع والتدارك ثمّ الإتمام دون القضاء ، وذلك لانكشاف وقوع السلام في غير محلّه ، فانّ السلام المأمور به هو المسبوق بالتشهّد والسجدتين ولم يتحقّق ، فهو عمل زائد لم يحصل به الخروج والفراغ ، بل المصلّي بعد في الصلاة والمحلّ باق فيجب عليه التدارك لا محالة.

وليس في أدلّة القضاء ما ينافي هذه القاعدة ، فإنّها ناظرة أو منصرفة إلى السجدة المنسية من بقيّة الركعات أو التشهّد الأوّل حسبما بيّناه في محلّه.

وعليه فيجب الإتيان بهما بنفس دليل الجزئية ، وتجري عليهما الأحكام المذكورة من اشتراط ما يشترط في سجود الصلاة وتشهّدها ، والإتيان بسجود السهو لو تحقّق موجبه قبلهما أو أثناءهما ، وعدم جواز التأخير والفصل بالمنافي وضعاً ، ولو قلنا بحرمة القطع فتكليفاً أيضاً.

__________________

(١) [لم يمر ذلك في المبحث المذكور ، نعم أُشير إليه في ص ٩٨ من هذا المجلّد].

(٢) شرح العروة ١٥ : ١٦٥.

٣٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، لا تجب سجدة السهو من أجلهما ، لعدم تعلّق النسيان بهما بعد بقاء المحلّ وحصول التدارك فيه ، وإنّما تجب من أجل السلام الزائد الواقع في غير محلّه كما عرفت (١). وعلى الجملة : لم يتحقّق الترك في هذه الصورة كي يحتاج إلى القضاء بل المأتي به هو نفس الجزء حقيقة ، فتترتّب عليه كافّة الأحكام المترتّبة على الجزء.

وأمّا في الثاني : فقد مرّ (٢) أيضاً أنّ التشهّد المنسي لا يجب قضاؤه ، ولا أثر لنسيانه عدا سجدتي السهو ، وأنّه يكتفي فيه بالتشهّد الذي تشتمل عليه سجدتا السهو كما في بعض النصوص. وعرفت أنّ صحيح ابن مسلم «في الرجل يفرغ من صلاته وقد نسي التشهّد حتّى ينصرف ، فقال : إن كان قريباً رجع إلى مكانه فتشهّد ، وإلّا طلب مكاناً نظيفاً فتشهّد فيه ...» إلخ (٣) ظاهر بقرينة قوله : «حتّى ينصرف» أي يسلّم ، في التشهّد الأخير كما استظهره أيضاً في الحدائق (٤).

وكيف ما كان ، فالمستفاد من الأدلّة عدم وجوب القضاء في نسيان التشهّد وإنّما الواجب فيه سجدتا السهو ، على عكس السجدة المنسية فانّ الواجب فيها القضاء دون سجدتي السهو كما مرّ كل ذلك في محلّه (٥) مستقصى.

وعلى تقدير تسليم وجوب القضاء في التشهّد المنسي فحكمه حكم السجدة المنسيّة التي يجب فيها القضاء بلا إشكال فنقول : هل المستفاد من الدليل المتكفّل للأمر بالقضاء فيهما أنّ ذاك واجب مستقلّ وتكليف جديد حادث بعد الصلاة ، نظير الأمر المتعلّق بسجدة السهو التي هي عمل مستقلّ غير مرتبط

__________________

(١) في المصدر المتقدم آنفاً ، وفي ص ١٠٣ من هذا المجلّد.

(٢) في ص ٩٩ وما بعدها.

(٣) الوسائل ٦ : ٤٠١ / أبواب التشهّد ب ٧ ح ٢.

(٤) الحدائق ٩ : ١٥٤.

(٥) في ص ٨٦ ١٠١.

٣١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

بأصل الصلاة ، أو أنّ المستفاد منه أنّ المأتي به بعد الصلاة هو نفس الجزء الذي كان واجباً في الأثناء وواجب بعين ذلك الوجوب الضمني ، غاية الأمر أنّ ظرفه ومحلّه قد تغيّر وتبدّل؟

فعلى الأوّل : وإن كان يعتبر في كلّ من السجدة والتشهّد المقضيّين كلّ ما يشترط في السجود والتشهّد الصلاتي كما هو الحال في الأمر بالقضاء خارج الوقت من الدلالة على مشاركة القضاء مع الفائت فيما له من الأحكام إلّا أنّه لا دليل على وجوب المبادرة إليهما حينئذ لا تكليفاً ولا وضعاً ، فانّ ذاك واجب مستقلّ غير مرتبط بالصلاة الأصلية حسب الفرض ، فيجوز التأخير ، ولا يقدح ذلك في صحّة الصلاة وإن ارتكب المنافي ، كما هو الحال في سجدة السهو.

وعلى الثاني : فحيث إنّ المقضي حينئذ جزء متمّم من العمل لحقه حكم الجزء ، فلا يجوز تخلّل المنافي وضعاً ، كما هو الحال في سائر الأجزاء ، وعلى القول بحرمة القطع لا يجوز ذلك تكليفاً أيضاً ، ولو أتى بموجب السهو وجب السجود له ، بخلاف الأوّل.

وعليه فما صنعه في المتن من التفكيك والتفصيل بين الحكم التكليفي والوضعي حيث جمع بين وجوب المبادرة وعدم جواز الفصل وبين الاكتفاء باتيانهما لو تخلّل المنافي في غير محلّه ، بل لا بدّ إمّا من الحكم بالجواز وضعاً وتكليفاً أو المنع كذلك كما عرفت ، هذا.

وحيث إنّ الظاهر هو الثاني كما مرّ سابقاً (١) حيث قلنا إنّ القضاء المأمور به هنا ليس بمعناه الاصطلاحي ، بل بمعنى الإتيان به بعد السلام ، فالمأتي به هو نفس ذاك الجزء قد تغيّر ظرفه ومحلّه.

وبعبارة اخرى : مقتضى الارتكاز ومناسبة الحكم والموضوع وخصوصية

__________________

(١) في ص ٩٥ ، ٢٧١.

٣١١

.................................................................................................

______________________________________________________

السؤال والجواب أنّ المقضي هو نفس الجزء المنسي الفائت في ظرفه ، وأنّه واجب بنفس الأمر الصلاتي ، لا بتكليف جديد حادث بعد الصلاة كما في سجدة السهو.

وعليه فيلحقه حكم الجزء من عدم جواز تخلّل المنافي وضعاً ، وكذا تكليفاً على القول بحرمة القطع ، ولو أتى بموجب السهو أتى بسجدتي السهو لوقوعه في الأثناء ، إذ بعد وجوب الإتيان بجزء من الصلاة لم يكن بعد فارغاً عنها وإن صدر عنه السلام ، ونتيجة ذلك ارتكاب التخصيص في دليل مخرجية التسليم في خصوص ما نحن فيه.

ثمّ إنّا أشرنا فيما مرّ إلى أنّ التشهّد المنسي ممّا عدا الركعة الأخيرة لا يجب قضاؤه وإن ذهب إليه المشهور ، لعدم الدليل عليه ، بل يقتصر فيه على سجدتي السهو ، ويجتزئ بالتشهّد الذي تشتمل عليه السجدتان. وذكرنا أنّ صحيحة ابن مسلم (١) منصرفة إلى التشهّد الأخير كما استظهره في الحدائق.

وتوضيحه : أنّ السائل فرض نسيان التشهّد بمثابة لا يمكن التدارك ، ولذا قيّده بقوله : «حتّى ينصرف» بزعم أنّ الانصراف وهو التسليم مانع عن التدارك. وهذا إنّما يستقيم لو كان المراد التشهّد الأخير ، إذ لو أُريد به الأوّل كان المتعيّن أن يقول : حتّى يركع ، بدل قوله : «حتّى ينصرف» ، إذ المانع عن إمكان التدارك حينئذ هو مجرّد الدخول في الركوع ، سواء تحقّق الانصراف وفرغ عن الصلاة أم لا. فالصحيحة بلحاظ هذه القرينة ظاهرة في التشهّد الأخير ، ولا وجه لاستظهار الإطلاق منها وإن ادّعاه المحقّق الهمداني (قدس سره) (٢) ، هذا.

وربما يستدلّ للإطلاق بصحيحة حكم بن حكيم : «عن رجل ينسى من صلاته ركعة أو سجدة أو الشي‌ء منها ثمّ يذكر بعد ذلك ، فقال : يقضي ذلك

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٠١ / أبواب التشهد ب ٧ ح ٢.

(٢) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٥٥١ السطر ٣٢.

٣١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

بعينه ، فقلت : أيعيد الصلاة؟ فقال ، لا» (١) بدعوى أنّ مقتضى إطلاق الشي‌ء وجوب قضاء كلّ جزء منسي ، خرج ما خرج بالدليل ، لقيام الإجماع على عدم وجوب قضاء ما عدا التشهّد والسجدة الواحدة كالقراءة وأبعاضها والتسبيحة ونحوها ، فيبقى الباقي تحت الإطلاق الشامل للتشهّد الأوّل والأخير.

وقد تعرّضنا للجواب عن هذه الصحيحة سابقاً (٢) وقلنا : إنّ المراد بالركعة بقرينة المقابلة مع السجدة إنّما هو الركوع ، كما تطلق عليه كثيراً في لسان الأخبار وقد صرّح به في صحيحة ابن سنان المتّحدة مع هذه الصحيحة في المضمون «قال : إذا نسيت شيئاً من الصلاة ركوعاً أو سجوداً أو تكبيراً ثمّ ذكرت فاصنع الذي فاتك سواء» (٣).

وعليه فالصحيحة أجنبية عمّا نحن فيه ، وناظرة إلى ما إذا نسي جزءاً وتذكّر قبل فوات محلّه الذكري ، كما لو نسي الركوع وتذكّر قبل الدخول في السجدة الثانية ، أو السجود وتذكّر قبل الدخول في ركوع الركعة اللّاحقة وهكذا ، وأنّه يقضيه أي يأتي بذلك الجزء بعينه لفرض بقاء محلّه ، لا إلى ما إذا كان التذكّر بعد السلام الذي هو محلّ الكلام ، كيف ونسيان الركوع حينئذ موجب للبطلان دون القضاء.

والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّ التشهّد المنسي لا يجب قضاؤه ، ويختصّ القضاء بالسجدة الواحدة المنسيّة ، وأنّها واجبة بنفس الأمر الصلاتي لا بتكليف جديد ، فلا يجوز تخلّل المنافي بينهما كما في نفس الأجزاء ، ولو تخلّل بطلت الصلاة. ومعلوم أنّه لا مجال حينئذ للتمسّك بحديث لا تعاد ، لاختصاصه بما إذا لم يكن ملتفتاً إلى الترك حال صدور المنافي كما هو ظاهر.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٠٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٣ ح ٦.

(٢) في ص ٩٦.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٤٤ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٦ ح ١.

٣١٣

[٢٠٨٦] مسألة ٥ : إذا نسي الذكر أو غيره ممّا يجب ما عدا وضع الجبهة في سجود الصلاة لا يجب قضاؤه (١).

[٢٠٨٧] مسألة ٦ : إذا نسي بعض أجزاء التشهّد القضائي وأمكن تداركه فعله ، وأمّا إذا لم يمكن كما إذا تذكّره بعد تخلّل المنافي عمداً وسهواً فالأحوط إعادته ثمّ إعادة الصلاة ، وإن كان الأقوى كفاية إعادته (٢).

______________________________________________________

(١) لعدم تقوّم السجدة بما عدا وضع الجبهة ، وإنّما هي واجبات حالها واختصاص دليل القضاء بنسيان السجدة نفسها لا ما يجب حالها.

(٢) قد عرفت عدم وجوب قضاء التشهّد المنسي وأنّه مبنيّ على الاحتياط فلو بنينا على الوجوب وبنينا على شموله لأبعاض التشهّد المنسية كما اختاره الماتن ، الذي هو احتياط في احتياط ، لعدم مساعدة الدليل على التعميم كما لا يخفى وبنينا أيضاً على انسحاب الحكم إلى التشهّد القضائي إلحاقاً للقضاء بالأداء ، وهو أيضاً لا دليل عليه ، فحينئذ لو نسي بعض أجزاء التشهّد القضائي فقد ذكر الماتن أنّه لو أمكن التدارك فعله ، وإلّا كما إذا تذكّره بعد فعل المنافي عمداً وسهواً فالأحوط إعادته ثمّ إعادة الصلاة.

أقول : لم يظهر وجه للاحتياط بإعادة الصلاة ، فإنّ التذكّر لو كان قبل حصول المنافي ثمّ أحدث مثلاً فالاحتياط المزبور حسن وفي محلّه بدعوى إلحاق القضاء بالأداء ، بل الإعادة حينئذ هي الأقوى بناءً على الجزئية.

وأمّا لو كان التذكّر بعد حصول المنافي كما هو مفروض كلامه (قدس سره) فلا مقتضي حينئذ للإعادة حتّى فيما إذا كان ذلك في نفس التشهّد المنسي فضلاً عن التشهّد المقضي ، وذلك لجريان حديث لا تعاد حينئذ ، النافي للإعادة عمّا عدا الخمسة ومنها التشهّد.

٣١٤

[٢٠٨٨] مسألة ٧ : لو تعدّد نسيان السجدة أو التشهّد (*) أتى بهما واحدة بعد واحدة ، ولا يشترط التعيين على الأقوى ، وإن كان أحوط ، والأحوط ملاحظة الترتيب معه (١).

______________________________________________________

ولا يقاس ذلك بالفرض المتقدّم ، لحصول المنافي هناك بعد التذكّر والالتفات المانع عن جريان الحديث ثمّة ، بخلاف ما نحن فيه كما هو ظاهر ، نعم الاحتياط لمجرّد إدراك الواقع وإن لم تساعده الصناعة لا بأس به.

(١) قد يكون المنسي جزءاً واحداً كسجدة واحدة أو تشهّد كذلك ، وأُخرى جزأين. وعلى الثاني فقد يكونان من سنخ واحد كسجدتين من ركعتين ، واخرى من سنخين كسجدة وتشهّد. فالصور ثلاث :

أمّا الاولى : فلا موضوع للبحث فيها عن اعتبار التعيين أو الترتيب ، فإنّه فرع التعدّد المنفي حسب الفرض ، وإنّما المعتبر حينئذ نيّة البدلية عن المنسي كما تقدّم التصريح به في كلام الماتن في مطاوي المسألة الثانية.

على أنّ هذا الاعتبار إنّما يتّجه بناءً على أن يكون القضاء بأمر جديد حادث بعد الصلاة متعلّق بعنوان القضاء كما في قضاء الفوائت ، إذ عليه لا مناص من مراعاة هذا العنوان في مرحلة الامتثال المتقوّم بنيّة البدلية عن الفائت.

وأمّا بناءً على ما هو الصحيح كما مرّ (١) من أنّ المأتي به هو نفس الجزء قد تغيّر ظرفه وتأخّر ، وأنّ إطلاق اسم القضاء عليه ليس بمعناه المصطلح في شي‌ء ، وأنّه واجب بنفس الوجوب السابق المتحقّق أثناء الصلاة لا بأمر آخر

__________________

(*) لا يتصوّر التعدّد فيه بناءً على ما ذكرناه من لزوم الرجوع وتدارك التشهّد إذا كان المنسي التشهّد الأخير.

(١) في ص ٩٥ ٢٧١.

٣١٥

(٢٠٨٩) مسألة ٨ : لو كان عليه قضاء سجدة وقضاء تشهّد فالأحوط تقديم السابق منهما (*) في الفوات على اللّاحق (١). ولو قدّم أحدهما بتخيّل أنّه

______________________________________________________

حادث ، فيكفي حينئذ في مرحلة الامتثال مجرّد الإتيان بقصد الأمر الصلاتي كما في سائر الأجزاء ، ولا حاجة معه إلى نيّة البدلية.

وأمّا في الصورة الثانية : أعني تعدّد المنسي مع الاتّحاد في السنخ ، فالظاهر عدم اعتبار الترتيب ، لعدم نهوض دليل يدلّ عليه فيما نحن فيه ، وإنّما الثابت اعتباره بين الأجزاء المأتي بها في محالّها الأصلية من أجل ترتّب الأجزاء بعضها على بعض بحسب الطبع وتقرّر كلّ منها في محلّ مختص ، وأمّا المأتي منها في خارج المحلّ الأصلي تداركاً للمنسي في ظرفه فيحتاج اعتبار الترتيب بينها إلى دليل آخر ، لقصور الدليل الأوّل عن التعرّض لذلك ، وحيث إنّه مفقود فالمرجع أصالة البراءة.

كما لا يعتبر التعيين أيضاً ، بل لا مقتضي له بعد عدم الميز وفقد التعيّن الواقعي الذي هو لازم فرض الاتّحاد في الماهية والسنخ كما لا يخفى ، هذا.

ولو بنينا على وجوب القضاء بالأمر الجديد وسقوط الأمر الأوّل فعدم اعتبار الأمرين حينئذ أوضح ، إذ لم يتقيّد الأمر الجديد بشي‌ء من التعيين والترتيب فيدفع احتمال الاعتبار بأصالة الإطلاق.

وأمّا الصورة الثالثة : فسيأتي الحال فيها في المسألة الآتية.

(١) كأنّ الوجه فيه سبق الأمر بالقضاء بالنسبة إلى السابق فواتاً ، فيتعيّن السبق ومراعاة الترتيب في مرحلة الامتثال تبعاً للترتيب الحاصل في مرحلة حدوث الأمر وتعلّقه بالقضاء.

__________________

(*) وإن كان الأظهر عدم وجوبه.

٣١٦

السابق فظهر كونه لاحقاً فالأحوط الإعادة على ما يحصل معه الترتيب (١) ولا يجب إعادة الصلاة معه وإن كان أحوط (٢).

(٢٠٩٠) مسألة ٩ : لو كان عليه قضاؤهما وشكّ في السابق واللّاحق (٣) احتاط بالتكرار (*) فيأتي بما قدّمه مؤخّراً أيضاً ، ولا يجب معه إعادة الصلاة وإن كان أحوط ، وكذا الحال لو علم نسيان أحدهما ولم يعلم المعيّن منهما.

______________________________________________________

لكن الظاهر عدم اعتبار الترتيب سواء قلنا بأنّ القضاء بأمر جديد أم بنفس الأمر السابق ، لما عرفت من عدم الدليل. واعتباره في المحلّ لا يستلزم الاعتبار في خارجه. ومجرّد سبق الأمر بأحد القضاءين حدوثاً لا يستدعي أن يكون كذلك امتثالاً كما هو ظاهر جدّاً.

(١) رعاية لاحتمال اعتباره المتقدّم وجهه آنفاً.

(٢) لم يظهر وجه لهذا الاحتياط ، فإنّ الإخلال بالترتيب سهواً غير قادح حتّى في نفس الأجزاء الأصلية بمقتضى حديث لا تعاد ، فضلاً عن قضائها خارج الصلاة.

(٣) احتاط (قدس سره) في هذا الفرض بالتكرار بأن يأتي بما قدّمه مؤخّراً أيضاً ، فلو قضى التشهّد مثلاً ثمّ السجدة أعاد قضاء التشهّد ، لاحتمال أن يكون السجود هو السابق في الفوت ، وكذا الحال لو علم نسيان أحدهما ولم يعلم المعيّن منهما فإنّه يحتاط في القضاء بالجمع بينهما.

أقول : أمّا في الصورة الأخيرة فالاحتياط في محلّه ، بل لا مناص منه

__________________

(*) لا حاجة إليه على ما مرّ ، وعلى تقدير وجوب تقديم السابق فالأحوط تقديم التشهّد ثمّ الإتيان به بعد قضاء السجدة ، ومنه يظهر الحال فيما إذا علم نسيان أحدهما من غير تعيين.

٣١٧

[٢٠٩١] مسألة ١٠ : إذا شكّ في أنّه نسي أحدهما أم لا لم يلتفت (١) ولا

______________________________________________________

خروجاً عن عهدة التكليف المعلوم الدائر بين المتباينين ، فانّ الاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية ، المتوقّفة في المقام على الجمع بين قضاءي التشهّد والسجود اللّذين هما طرفان للعلم الإجمالي كما هو ظاهر.

وأمّا في الصورة الاولى فلا حاجة إلى التكرار بناءً على ما عرفت من عدم اعتبار الترتيب ، نعم بناءً على الاعتبار لا مناص منه ، إذ لم تحرز مراعاة الترتيب إلّا بذلك كما عرفت.

لكن عليه ينبغي تقديم التشهّد ثمّ الإتيان به بعد قضاء السجدة ، إذ معه يقطع بالفراغ ولا عكس ، لأنّه لو قدّم السجود فمن الجائز أن يكون السابق في الفوات هو التشهّد ، وعليه فتكون السجدة المتقدّمة زيادة في المكتوبة قادحة بصحّة الصلاة وإن كانت الزيادة صورية وأتى بعنوان الرجاء دون الجزئية ، إذ مجرّد ذلك كافٍ في البطلان في مثل الركوع والسجود ، ولأجل ذلك يمنع من سجدتي الشكر والتلاوة أثناء الصلاة وإن لم يقصد بهما الجزئية. وحيث إنّه لم يفرغ بعدُ عن الصلاة لما عرفت من أنّ المقضي جزء متمّم على الأصح ، لا أنّه واجب مستقل فتقع الزيادة العمدية في الأثناء الموجب للفساد.

وهذا بخلاف ما لو قدّم التشهّد ، فانّ زيادته لا تقدح لو كان السابق هو السجود ، فإنّه ذكر وتهليل لا مانع من الإتيان به رجاءً بعد أن لم يقصد به الجزئية كما هو المفروض ، ولا مجال للرجاء في مثل السجود كما عرفت.

وهكذا الحال في الصورة السابقة أعني ما لو علم نسيان أحدهما من غير تعيين ، فانّ اللّازم حينئذ تقديم التشهّد على السجود أيضاً ، لعين ما عرفت.

(١) لقاعدة الفراغ فيما لو كان الشكّ بعد الفراغ من الصلاة ، أو قاعدة التجاوز فيما لو طرأ الشكّ في الأثناء بعد تجاوز المحلّ ، وهذا ظاهر.

٣١٨

شي‌ء عليه ، أمّا إذا علم أنّه نسي أحدهما وشكّ في أنّه هل تذكّر قبل الدخول في الركوع أو قبل السلام وتداركه أم لا (١) فالأحوط (*) القضاء.

______________________________________________________

(١) للمسألة صورتان :

إحداهما : أن يعلم بالتذكّر قبل تجاوز المحلّ الذكري ويشكّ في حصول التدارك فله علمان علم بالنسيان وعلم بالتذكّر ، وشكّ في الإتيان بالوظيفة بعد ما تذكّر لاحتمال غفلته عن العمل بها.

ولا ينبغي الإشكال في جريان قاعدة الفراغ أو التجاوز في هذه الصورة فلا يعتني بالشكّ. والظاهر أنّ كلام الماتن منصرف عن هذه الصورة وناظر إلى الصورة الآتية ، بل لا ينبغي التأمّل فيه.

الصورة الثانية : ما لو شكّ في أصل التذكّر فأحتمل استمرار النسيان إلى أن دخل في الركوع وتجاوز عن محلّ التدارك ، كما أنّه يحتمل التذكّر وحصول التدارك بعده.

والظاهر عدم جريان القاعدة حينئذ ، وذلك لما هو المقرّر في محلّه (١) من أنّ هذه ليست قاعدة تعبّدية ، وإنّما هي إمضاء لما استقرّ عليه بناء العقلاء من عدم الالتفات بالشكّ الحادث بعد الانتهاء من العمل ، ولا سيما بملاحظة التعليل الوارد في بعض نصوص الباب من قوله (عليه السلام) : «هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشك» (٢) وقوله (عليه السلام) : «وكان حين انصرف أقرب إلى الحق» (٣).

__________________

(*) بل الأظهر ذلك.

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٣٢١ ، ٣٦٢ ٣٦٣.

(٢) الوسائل ١ : ٤٧١ / أبواب الوضوء ب ٤٢ ح ٧.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٤٦ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٧ ح ٣.

٣١٩

(٢٠٩٢) مسألة ١١ : لو كان عليه صلاة الاحتياط وقضاء السجدة أو التشهّد فالأحوط تقديم الاحتياط (*) (١) وإن كان فوتهما مقدّماً على موجبه لكن الأقوى التخيير ، وأمّا مع سجود السهو فالأقوى تأخيره عن قضائهما كما يجب تأخيره عن الاحتياط أيضاً.

______________________________________________________

فإنّ الخلل المحتمل إمّا أن يستند إلى العمد وهو خلاف فرض كون المكلّف بصدد الامتثال ، أو يستند إلى الغفلة وهي مدفوعة بالأصل محكومة بعدم الالتفات ، فانّ كلّ عامل حينما يعمل ملتفت غالباً إلى خصوصيات عمله ويراعي ما يعتبر فيه ، وإن كان قد يذهل عمّا فعل فيما بعد ، فهو آن ذاك أذكر منه حينما يشكّ ، وأقرب إلى الحقّ كما في النصّ. والتعليل المزبور يشير إلى هذا المعنى الارتكازي.

وعليه فمورد القاعدة ما إذا احتمل الخطأ والغفلة وأنّه لا يعتني بهذا الاحتمال أمّا إذا كان عالماً بخطئه وغفلته وتحقّق النسيان منه كما هو المفروض في المقام فلا تكاد تجري القاعدة لعلاج غفلته المحقّقة وتصحيحها بالبناء على التذكّر والتدارك ، بل مقتضى الاستصحاب استمرار النسيان وعدم عروض الذكر.

وبعبارة اخرى : إنّما تجري القاعدة مع احتمال طروء الغفلة لا مع احتمال طروء الالتفات بعد العلم بالغفلة.

(١) بل هو الأقوى ، لما استفيد من الأخبار من أنّ المقضي إنّما يؤتى به خارج الصلاة وبعد استكمالها والانتهاء منها بما لها من الأجزاء ، وحيث يحتمل النقص وأن تكون ركعة الاحتياط جزءاً متمّماً فلم يحرز معه الاستكمال والفراغ عن الصلاة ، فلا مناص من تأخير القضاء عن صلاة الاحتياط رعاية لإحراز

__________________

(*) بل الأظهر ذلك.

٣٢٠