موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

ولو تكلّم سهواً فالأحوط الإتيان بسجدتي السهو (١).

______________________________________________________

فلو فرضنا أنّه انكشف له بعد الإتيان بها نقصان الصلاة الأصلية لم تجب عليه الإعادة ، وصحّت صلاته بلا إشكال ، لظواهر النصوص المعتضدة بظهور الاتفاق عليه ، وأنّ ما أتى به مجزٍ عمّا اشتغلت به الذمّة. وهذا كما ترى لا يكاد يجتمع مع المحافظة على الحكم الواقعي وأنّ البناء على الأكثر والإتيان بركعة مفصولة حكم ظاهري مقرّر في ظرف الشكّ يجتزى به في مرحلة الأداء والتفريغ.

وذلك لما هو المبيّن في محلّه (١) من أنّ إجزاء الحكم الظاهري عن الواقع منوط ومراعى بعدم انكشاف الخلاف. فالحكم بالإجزاء حتّى مع استبانة الخلاف لا يكاد يعقل إلّا مع الالتزام بالانقلاب في الحكم الواقعي ، وأنّ ما هو المجعول في نفس الأمر هو التخيير بين الإتيان بأربع ركعات أو بثلاث في ظرف الشكّ مع ركعة مفصولة.

ومرجع ذلك إلى ارتكاب التخصيص في دليل مخرجية السلام كدليل مبطلية التكبير الزائد ، وإلّا فلا يعقل الإجزاء مع عموم دليلي الخروج والإبطال. فلا مناص من الالتزام بالانقلاب الواقعي في هذين الحكمين ، وأنّ السلام والتكبير يفرضان كالعدم لدى نقص الصلاة واقعاً.

ونتيجة ذلك كون ركعة الاحتياط جزءاً حقيقياً من الصلاة الأصلية في متن الواقع ، لا أنها بمنزلة الجزء ظاهراً كما لا يخفى. وعليه فيحرم عليه وضعاً فعل المنافي الذي منه الفصل الطويل ، وبناءً على حرمة الإبطال يحرم عليه تكليفاً أيضاً ، ولو فعل ليس عليه إلّا الإعادة.

(١) يمكن أن يستدلّ له بقوله (عليه السلام) في ذيل صحيحة ابن أبي يعفور

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ٢٥١ وما بعدها.

٢٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

المتقدّمة : «وإن تكلّم فليسجد سجدتي السهو» (١) فانّ هذه الفقرة غير ناظرة إلى التكلّم أثناء الصلاة الأصلية عند عروض الشكّ ، ضرورة أنّ هذا من أحكام تلك الصلاة ، ولا مساس له بما هو بصدده من بيان وظيفة الشاكّ بين الثنتين والأربع بما هو كذلك. ومعلوم أنّ أحكام الصلاة كثيرة لا وجه لتخصيص هذا الحكم من بينها بالذكر ، كما أنّها غير ناظرة أيضاً إلى التكلّم أثناء صلاة الاحتياط لعدم دلالة بل ولا إشعار فيها على ذلك.

بل الظاهر بمقتضى مناسبة الحكم والموضوع كونها ناظرة إلى التكلّم فيما بين الصلاتين ، فانّ هذا هو الذي يحتاج إلى التنبيه عليه ، ويكون التعرّض له من شؤون التصدّي لبيان وظيفة الشاكّ المزبور.

وغرضه (عليه السلام) الإيعاز إلى عدم فراغ ذمّته عن الصلاة الأصلية بمجرّد التسليم على الركعة البنائية ، لجواز نقص الصلاة واقعاً المستلزم لكونه بعد في الصلاة ، ولأجله تجب عليه سجدتا السهو لو تكلّم لوقوعه حينئذ في أثناء الصلاة حقيقة. وهذا يؤكّد ما استظهرناه من كون ركعة الاحتياط جزءاً حقيقياً متمّماً على تقدير النقص ، هذا.

ومع التنزّل وتسليم عدم ظهور الصحيحة في التكلّم فيما بين الصلاتين خاصّة فلا أقلّ من الإطلاق الشامل له وللتكلّم أثناء كلّ من الصلاتين ، إذ لا يحتمل التخصيص بما عدا الأوّل كما لا يخفى. فيصحّ الاستدلال بها ويتمّ المطلوب على كلا التقديرين.

هذا كلّه في التكلّم السهوي ، وأمّا العمدي المعدود من المنافي فقد مرّ بطلان الصلاة به وأنّه لا يجوز وضعاً (٢) ، بل وتكليفاً أيضاً على القول بحرمة الإبطال.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٢.

(٢) شرح العروة ١٥ : ٤٣٧ وما بعدها.

٢٨٢

والأحوط ترك الاقتداء فيها (*) ولو بصلاة احتياط خصوصاً مع اختلاف سبب احتياط الإمام والمأموم ، وإن كان لا يبعد جواز الاقتداء مع اتّحاد السبب وكون المأموم مقتدياً بذلك الإمام في أصل الصلاة (١).

______________________________________________________

(١) المقتدي في صلاة الاحتياط قد يكون منفرداً في صلاته الأصلية وقد يكون مؤتماً فيها.

أمّا في الفرض الأوّل : فلا يجوز الاقتداء ، سواءً أكانت صلاة الإمام صلاة احتياط أيضاً أم صلاته الأصلية.

أمّا الأوّل : فلاحتمال أن تكون صلاة المأموم ناقصة واقعاً وصلاة الإمام تامّة إذ على هذا التقدير تحتسب الصلاة الصادرة من الإمام نافلة ، ولا يجوز ائتمام مصلّي الفرض بمصلّي النفل ، فلم تحرز صحّة صلاة الإمام واقعاً كي يقتدى به.

وأمّا الثاني : فلأنّ صلاة المأموم مردّدة بين أن تكون نافلة أو جزءاً متمّماً ولا يصحّ الاقتداء على التقديرين. أمّا الأوّل فلعدم مشروعية الجماعة في النافلة وأمّا الثاني فلعدم جواز الائتمام في الأثناء ، فهو بمثابة ما لو صلّى ثلاث ركعات من الظهر مثلاً منفرداً وأراد الاقتداء في الركعة الرابعة ، فإنّه غير جائز بلا إشكال.

وأمّا الفرض الثاني : أعني ما لو كان مؤتماً في صلاته الأصلية فعرض الشكّ لكلّ من الإمام والمأموم وأراد الاقتداء به في صلاة الاحتياط أيضاً وكلاهما في صلاة واحدة ، فقد يكون ذلك مع الاختلاف في الشكّ الموجب للاحتياط ، وأُخرى مع اتحاد السبب.

أمّا في صورة الاختلاف كما لو شكّ أحدهما بين الثلاث والأربع والآخر بين الثنتين والأربع بحيث لم يجز رجوع أحدهما إلى الآخر لتباين الشكّين ، ففي

__________________

(*) بل الأظهر عدم الجواز في بعض الصور.

٢٨٣

[٢٠٦٥] مسألة ٣ : إذا أتى بالمنافي قبل صلاة الاحتياط ثمّ تبيّن له تمامية الصلاة لا تجب إعادتها (١).

______________________________________________________

مثله لا يجوز الائتمام ، لعلم المأموم إجمالاً بأنّ إحدى صلاتي الاحتياط الصادرتين منه ومن الإمام لا أمر بها في الواقع ، إذ المفروض تساويهما في الصلاة ومتابعته إيّاه في الركعات. فلا تحتمل الصحّة في كلا الشكّين بحيث يحكم بالجزئية لكلتا الصلاتين ، بل إحداهما نافلة وليست بجزء قطعاً ، ولا جماعة في النافلة.

وأمّا في صورة اتّحاد السبب كما لو شكّ كلّ منهما بين الثلاث والأربع فقد يتخيّل جواز الائتمام حينئذ ، نظراً إلى أنّ صلاة الاحتياط متمّمة للصلاة الأصلية فلا مانع عن الائتمام فيها ، كالائتمام في الركعة الأخيرة من نفس الصلاة الأصلية ، فيحصل بها الجبر على تقدير النقص.

ولكن الظاهر عدم الجواز أيضاً كما في الصور السابقة ، لعدم الدليل على مشروعية الجماعة في مثل هذه الصلاة ، إذ المفروض تردّدها بين الجزئية والنافلة ولم يرد دليل على مشروعية الجماعة فيما يحتمل فيه النافلة.

وبعبارة اخرى : المتمّم هو ما جعله الشارع تداركاً ، ومورده خاصّ بما إذا أتى بعمل يحكم بصحّته على التقديرين ، أي تقدير كونه نافلة أو غير نافلة وأنّه مشروع على أيّ حال ، وهذا غير متحقّق في المقام ، لجواز أن تكون نافلة ولا تشرع الجماعة في النافلة.

فتحصّل : أنّ الأظهر عدم جواز الائتمام في جميع الصور ، وإن كان مناط المنع مختلفاً ، لاختصاص كلّ منها بوجه دون الآخر حسبما عرفت ، وإن كان الوجه الأخير يجري في الجميع ويشترك فيه الكلّ كما لا يخفى فلاحظ.

(١) بلا إشكال ، لصحّة الصلاة واقعاً ، فإنّ ركعة الاحتياط إنّما وجبت على

٢٨٤

[٢٠٦٦] مسألة ٤ : إذا تبيّن قبل صلاة الاحتياط تمامية الصلاة لا يجب الإتيان بالاحتياط.

[٢٠٦٧] مسألة ٥ : إذا تبيّن بعد الإتيان بصلاة الاحتياط تمامية الصلاة تحسب صلاة الاحتياط نافلة ، وإن تبيّن التمامية في أثناء صلاة الاحتياط جاز قطعها ، ويجوز إتمامها نافلة ، وإن كانت ركعة واحدة ضمّ إليها ركعة أُخرى (١).

______________________________________________________

تقدير الحاجة ، المتقوّمة باحتمال النقص وكونها متمّمة حينئذ كما نطقت به النصوص من صحيحتي الحلبي وابن أبي يعفور (١) ونحوهما ، فاذا انكشف عدم الحاجة إلى التتميم فلا مانع من وجود المنافي قبل ذلك ، إذ لا مقتضي للإتيان بركعة الاحتياط حينئذ كما هو ظاهر جدّاً.

ومنه يظهر حال المسألة الآتية وأنّه لو تبيّن التمامية قبل صلاة الاحتياط لا يجب الإتيان بها ، لعدم المقتضي لها بعد انكشاف عدم الحاجة إليها.

(١) أمّا إذا كان التبيّن المزبور بعد صلاة الاحتياط فلا إشكال في احتسابها نافلة كما هو صريح النصوص ، وأمّا إذا كان أثناءها فلا إشكال أيضاً في جواز قطعها ورفع اليد عنها ، إذ بعد انكشاف عدم الحاجة وكونها نافلة في هذا التقدير كما نطقت به النصوص يجري عليها حكم مطلق النوافل الذي منه جواز القطع.

وهل يجوز له إتمامها نافلة أم يتعيّن القطع؟ وعلى الأوّل فهل يتعيّن إتمامها ركعتين أم تكفي ركعة واحدة؟

الظاهر جواز الإتمام ، فإنّ الدليل كما دلّ على أنّ مجموع الركعة نافلة دلّ على

__________________

(١) وقد تقدّم نصّ الاولى ومصدر الثانية في ص ١٩٠.

٢٨٥

[٢٠٦٨] مسألة ٦ : إذا تبيّن بعد إتمام الصلاة قبل الاحتياط أو بعدها أو في أثنائها زيادة ركعة (١) كما إذا شكّ بين الثلاث والأربع والخمس (*) فبنى على الأربع ثمّ تبيّن كونها خمساً يجب إعادتها مطلقاً.

______________________________________________________

أنّ البعض منها أيضاً كذلك ، فهي من أوّل الأمر وحين انعقادها اتّصفت بالنفل. فلا قصور في شمول الدليل المتضمّن لكون هذه الصلاة نافلة على تقدير التمام لأبعاضها والأجزاء الصادرة منها قبل التبيّن ، فله الاسترسال فيها وإتمامها نافلة.

نعم ، ليس له الإتمام على الركعة ، لقصور الدليل من هذه الجهة ، فإنّه إنّما دلّ على الإتيان بها ركعة واحدة لمكان التدارك ورعاية للنقص المحتمل كي تكون جزءاً متمّماً على هذا التقدير ، والمفروض انتفاء هذا التقدير وعدم احتمال النقص فذاك الدليل لا يشمل المقام لعدم احتمال التدارك بها.

إذن فجواز التسليم في الركعة الأُولى يحتاج إلى الدليل ، وحيث لا دليل فيرجع إلى إطلاق ما دلّ على أنّ النافلة إنّما يؤتى بها ركعتين ركعتين (١) إلّا ما ثبت خروجه بدليل خاصّ نقصاً كصلاة الوتر أو زيادة كصلاة الأعرابي إن ثبتت.

وبالجملة : فتلك المطلقات غير قاصرة الشمول للمقام بعد ما عرفت من قصور دليل ركعة الاحتياط المتضمّن للتسليم على الركعة عن الشمول لما نحن فيه. إذن لا مناص من ضمّ ركعة أُخرى والتسليم على الركعتين.

(١) كما لو شكّ بين الثلاث والأربع ، وبعد الإتمام قبل الاحتياط أو بعدها أو أثناءها انكشف أنّه سلّم على الخمس ، فإنّه يحكم ببطلانها مطلقاً ، لوضوح أنّ زيادة الركعة ولو سهواً تستوجب البطلان. وركعة الاحتياط إنّما شرّعت تداركاً

__________________

(*) هذه الكلمة من سهو القلم أو من غلط النسّاخ.

(١) الوسائل ٤ : ٦٣ / أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب ١٥ ح ٢.

٢٨٦

[٢٠٦٩] مسألة ٧ : إذا تبيّن بعد صلاة الاحتياط نقصان الصلاة فالظاهر عدم وجوب إعادتها (١) وكون صلاة الاحتياط جابرة ، مثلاً إذا شكّ بين الثلاث والأربع فبنى على الأربع ثمّ بعد صلاة الاحتياط تبيّن كونها ثلاثاً صحّت وكانت الركعة عن قيام أو الركعتان من جلوس عوضاً عن الركعة الناقصة.

______________________________________________________

للنقص دون الزيادة ، هذا.

وفي عبارة العروة بعد بيان الكبرى زيدت في جميع الطبعات كلمة (الخمس) بعد الأربع. والظاهر أنّ هذا سهو من قلمه الشريف أو من النسّاخ كما أشرنا إليه في التعليقة.

والصحيح فرض الشكّ بين الثلاث والأربع كما ذكرنا ، لا بإضافة الخمس ، إذ لا ربط له بمحلّ الكلام ، فانّ موضع البحث والذي يدور عليه الأمر انكشاف الزيادة بعد الصلاة ، ففرض كون الخمس طرفاً للشكّ أجنبي عن هذه الجهة بالكلّية.

بل ربما يوجب البطلان في بعض الصور كما لو كان الشكّ المزبور في غير حال القيام ، ولو فرض الشكّ في حال القيام وجب عليه الهدم فيرجع إلى الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع ، فيزول احتمال الخمس. وفرض انكشاف خمس لم يكن محتملاً حال الشكّ تكلّف في تكلّف كما لا يخفى.

(١) بلا خلاف معتدّ به ، وتقتضيه ظواهر النصوص المتضمّنة لكون الركعة جابرة على تقدير النقص كصحيحتي الحلبي وابن أبي يعفور (١) وغيرهما ، فانّ مقتضى الإطلاق فيها عدم الفرق في تحقّق الجبر بين صورتي انكشاف النقص

__________________

(١) وقد تقدّم نصّ الاولى ومصدر الثانية في ص ١٩٠.

٢٨٧

[٢٠٧٠] مسألة ٨ : لو تبيّن بعد صلاة الاحتياط نقص الصلاة أزيد ممّا كان محتملاً كما إذا شكّ بين الثلاث والأربع فبنى على الأربع وصلّى صلاة الاحتياط فتبيّن كونها ركعتين وأنّ الناقص ركعتان فالظاهر عدم كفاية صلاة الاحتياط ، بل يجب عليه إعادة الصلاة (*) ، وكذا لو تبيّنت الزيادة عمّا كان محتملاً كما إذا شكّ بين الاثنتين والأربع فبنى على الأربع وأتى بركعتين للاحتياط فتبيّن كون صلاته ثلاث ركعات. والحاصل : أنّ صلاة الاحتياط إنّما تكون جابرة للنقص الذي كان أحد طرفي شكّه ، وأمّا إذا تبيّن كون الواقع بخلاف كلّ من طرفي شكّه فلا تكون جابرة (١).

______________________________________________________

وعدمه ، بل صريح قوله (عليه السلام) في رواية عمّار : «وإن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت» (١) تحقّق الجبر لدى تبيّن النقص وتذكّره أيضاً. فلا إشكال في المسألة.

(١) قد ينكشف بعد الصلاة تماميتها ، وأُخرى زيادتها بركعة ، وثالثة نقصانها. أمّا التمامية فقد مرّ الكلام حولها في المسألة الخامسة وما قبلها ، وأمّا الزيادة فقد مرّ في المسألة السادسة. وأمّا النقصان فقد ينكشف بعد صلاة الاحتياط ، وأُخرى قبلها ، وثالثة أثناءها. وقد مرّ الأوّل في المسألة السابقة ، وسيجي‌ء الثاني في المسألة الآتية ، والثالث فيما بعدها.

ثمّ إنّ النقص المنكشف قد يكون مطابقاً لأحد طرفي الشكّ وقد مرّ حكمه

__________________

(*) إذا كان المأتي به ركعة واحدة وانكشف بعد الإتيان بها قبل الإتيان بالمنافي النقص بركعتين فالظاهر جواز ضمّ ركعة أُخرى إليها بلا حاجة إلى إعادة الصلاة ، نعم لا بدّ من سجدتي السهو مرّتين لزيادة السلام كذلك.

(١) الوسائل ٨ : ٢١٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ٣.

٢٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

واخرى مخالفاً أمّا بالزيادة عمّا كان محتملاً أو بالنقيصة عنه ، وهذه المسألة متعرّضة لحكم هاتين الصورتين اللّتين هما من متمّمات المسألة السابقة وملحقاتها. فنقول :

قد ينكشف نقصان الصلاة أزيد ممّا كان محتملاً ، كما لو شكّ بين الثلاث والأربع فبنى على الأربع وصلّى صلاة الاحتياط فتبيّن كونها ركعتين وأنّ الناقص ركعتان ، فكان النقص المنكشف أزيد من صلاة الاحتياط.

وقد ينعكس الأمر فيتبيّن أنّ النقص أقل ممّا كان محتملاً ، كما إذا شكّ بين الاثنتين والأربع فبنى على الأربع وأتى بركعتي الاحتياط فتبيّن كون صلاته ثلاث ركعات ، فكان يحتمل النقص بركعتين فانكشف أنّ الناقص ركعة واحدة.

والحاصل : أنّ النقص المنكشف قد يكون بمقدار صلاة الاحتياط المأتي بها وأُخرى أزيد منها ، وثالثة أقل. أمّا الأوّل فلا إشكال في الصحّة كما مرّ ، وأمّا في الأخير فالظاهر البطلان كما أفاده في المتن ، لزيادة الركعة المانعة عن حصول التدارك ، فلا يمكن تدارك الركعة الواحدة التي اشتغلت بها الذمّة بهاتين الركعتين.

واحتمال إلغائهما والإتيان بركعة أُخرى ممّا لا وجه له ، لاشتمالهما على الركوع والسجود المتخلّلين في البين الموجبين للبطلان ، وقد ذكرنا مراراً أنّ البطلان بزيادة الركوع والسجود لا يتوقّف على قصد الجزئية ، بل تكفي الزيادة الصورية فضلاً عن مثل صلاة الاحتياط المتضمّنة للقصد على تقدير النقص كما هو معنى الاحتياط على ما سبق والمفروض تحقّق التقدير.

وكيف ما كان ، فلا ينبغي الإشكال في البطلان في هذه الصورة ، لعدم انطباق الناقص على المأتي به ، وعدم إمكان التدارك بعدئذ كما عرفت.

إنّما الكلام في عكس ذلك أعني الصورة الثانية ، وهي ما إذا كان النقص أزيد من صلاة الاحتياط ، كما لو احتاط بركعة فتبيّن أنّ الناقص ركعتان ، فقد

٢٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

حكم في المتن بالبطلان في هذه الصورة أيضاً ، نظراً إلى أنّ ركعة الاحتياط إنّما تكون جابرة للنقص الذي كان أحد طرفي الشكّ بحيث يحتمل الانطباق عليه أمّا مع انكشاف كونها على خلاف كلّ من طرفي الشكّ كما هو المفروض فلا يجبر بها النقص. ولا مجال للتدارك بعدئذ ، لمكان الفصل.

وفيما أفاده (قدس سره) نظر ظاهر ، إذ لا مانع من اتصاف المأتي به بالجزئية وانضمام ركعة أُخرى إليها إلّا من حيث تخلّل التكبير والتسليم ، وإلّا فتلك الركعة في نفسها غير قاصرة عن صلاحية الجزئية ، إذ المفروض الإتيان بها بعنوان جامع بين النافلة والجزئية كما هو معنى الاحتياط ، فلا إشكال من ناحية القصد والنيّة بناءً على ما هو الصحيح من أنّ ركعة الاحتياط جزء حقيقي على تقدير النقص ، وقد تحقّق التقدير حسب الفرض.

فليس في البين ما يوهم القدح عدا زيادة التكبير والتسليم كما عرفت. وشي‌ء منهما غير قادح في المقام.

فإنّ زيادة التكبير لم تكن عمدية بعد أن كانت بإذن من الشارع الآمر بالإتيان بركعة مفصولة رعاية لعدم اختلاط المشكوك فيها بالصلاة الأصلية. فمثل هذه الزيادة لا دليل على كونها مبطلة.

وأمّا التسليم فهو غير مخرج قطعاً ، لوقوعه في غير محلّه سهواً ، من غير فرق بين التسليم الواقع في الصلاة الأصلية والواقع في ركعة الاحتياط ، فإنّ الأوّل إنّما صدر بعد البناء بحكم الشارع على أنّها رابعة ، والثاني صدر باعتقاد الأمر بركعة الاحتياط ، وقد تبيّن الخلاف في كلّ منهما وانكشف أنّه بعد في الصلاة فكلاهما قد وقعا في غير محلّهما سهواً.

فليس في البين عدا الزيادة في السلامين ، فيأتي بسجدتي السهو مرّتين بعد انضمام الركعة الأُخرى ويتمّ صلاته ولا شي‌ء عليه ، إذ ليس ثمّة ما يستوجب البطلان بوجه.

٢٩٠

[٢٠٧١] مسألة ٩ : إذا تبين قبل الشروع في صلاة الاحتياط نقصان صلاته لا تكفي صلاة الاحتياط (١) ، بل اللّازم حينئذ إتمام ما نقص وسجدتا السهو للسلام في غير محلّه إذا لم يأت بالمنافي ، وإلّا فاللّازم إعادة الصلاة. فحكمه حكم من نقص من صلاته ركعة أو ركعتين على ما مرّ سابقاً.

[٢٠٧٢] مسألة ١٠ : إذا تبيّن نقصان الصلاة في أثناء صلاة الاحتياط (٢)

______________________________________________________

نعم ، لو كان احتياطه بركعتين جالساً بطلت صلاته ، إذ لا دليل على البدلية وقيامها مقام الركعة الناقصة إلّا فيما إذا احتمل انطباق الناقص عليهما ، أمّا مع العلم بعدم الانطباق وانكشاف الخلاف كما هو المفروض فلا دليل على البدلية فالركعتان زائدتان ، وتخلّلهما يمنع عن إمكان التدارك.

(١) فانّ مورد تشريعها ما إذا كان الشكّ باقياً إلى ما بعد الصلاة ، بحيث تكون مردّدة بين الجبر على تقدير والنفل على التقدير الآخر ، فلا تشمل الأدلّة صورة العلم بالنقيصة.

وعليه فاللّازم إتمام ما نقص ، لكون المقام في حكم من تذكّر النقص ، فانّ التسليم الصادر إنّما يكون مفرغاً بحسب الواقع إذا كان واقعاً في محلّه ، والمفروض انكشاف الخلاف ، فهو غير متّصف بالمفرغية ، وإن كان معذوراً في الإتيان به بمقتضى الوظيفة الشرعية ، فهو في حكم السهو فيسجد سجدتي السهو للسّلام الزائد الواقع في غير محلّه إذا لم يكن مرتكباً للمنافي ، وإلّا فاللّازم إعادة الصلاة كما أفاده في المتن.

(٢) قسّم (قدس سره) مفروض المسألة إلى صور أربع ، إذ ما بيده من ركعة الاحتياط قد يكون موافقاً لما نقص من الصلاة كمّاً وكيفاً ، وأُخرى مخالفاً له فيهما ، وثالثة موافقاً له في الكيف دون الكم ، ورابعة عكس ذلك ، وأمثلة الكلّ

٢٩١

فإمّا أن يكون ما بيده من صلاة الاحتياط موافقاً لما نقص من الصلاة في الكمّ والكيف كما في الشكّ بين الثلاث والأربع إذا اشتغل بركعة قائماً وتذكّر في أثنائها كون صلاته ثلاثاً ، وإمّا أن يكون مخالفاً له في الكمّ والكيف كما إذا اشتغل في الفرض المذكور بركعتين جالساً فتذكّر كونها ثلاثاً ، وإمّا أن يكون موافقاً له في الكيف دون الكمّ ، كما في الشكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع إذا تذكر كون صلاته ثلاثاً في أثناء الاشتغال بركعتين قائماً ، وإمّا أن يكون بالعكس كما إذا اشتغل في الشكّ المفروض بركعتين جالساً بناءً على جواز تقديمهما وتذكّر كون صلاته ركعتين ، فيحتمل إلغاء صلاة الاحتياط في جميع الصور والرجوع إلى حكم تذكّر نقص الركعة ، ويحتمل الاكتفاء بإتمام صلاة الاحتياط في جميعها ، ويحتمل وجوب إعادة الصلاة في الجميع ويحتمل التفصيل بين الصور المذكورة (*). والمسألة محلّ إشكال ، فالأحوط

______________________________________________________

مذكورة في المتن.

وقد احتمل (قدس سره) في المسألة وجوهاً أربعة : إلغاء صلاة الاحتياط والإدراج تحت كبرى تذكّر النقص. والاكتفاء بها بإتمام صلاة الاحتياط في جميع تلك الصور ، تمسّكاً بعموم أدلّتها المقتضي لكفاية مجرّد حدوث الشكّ. وعدم شمول كلا الأمرين فيخرج المقام عن كلتا الكبريين ، ونتيجته وجوب الإعادة

__________________

(*) هذا هو الأظهر ، ففي كلّ مورد أمكن فيه إتمام الصلاة ولو بضمّ ما أتى به من صلاة الاحتياط إلى أصل الصلاة أتمّها ، فإذا شكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع فانكشف كونها ثلاثاً قبل الدخول في ركوع الركعة الثانية من صلاة الاحتياط ألغى الزائد وأتمّ ما نقص ، وكذلك إذا شكّ بين الثلاث والأربع فانكشف كونها ثلاثاً قبل الدخول في ركوع الركعة الاولى من الركعتين عن جلوس ، فإنّه يلغي ما أتى به ويأتي قائماً بركعة متّصلة ، وأمّا ما لا يمكن فيه إتمام الصلاة فالأظهر فيه وجوب الإعادة.

٢٩٢

الجمع بين المذكورات بإتمام ما نقص ثمّ الإتيان بصلاة الاحتياط ثمّ إعادة الصلاة ، نعم إذا تذكّر النقص بين صلاتي الاحتياط في صورة تعدّدها مع فرض كون ما أتى به موافقاً لما نقص في الكمّ والكيف لا يبعد الاكتفاء به كما إذا شكّ بين الاثنتين والثلاث والأربع وبعد الإتيان بركعتين قائماً تبيّن كون صلاته ركعتين.

______________________________________________________

في الجميع. والتفصيل بين الصور المذكورة بالاكتفاء في الموافق في الكم والكيف دون المخالف. ولم يرجّح شيئاً من هذه الوجوه.

نعم ، فيما لو وجبت عليه صلاتان للاحتياط كما في موارد الشكّ بين الثنتين والثلاث والأربع وقد تذكّر النقص بينهما الذي هو أيضاً من تذكّر النقص أثناء صلاة الاحتياط ، أي طبيعيها لم يستبعد (قدس سره) الاكتفاء لدى الموافقة في الكم والكيف ، كما لو تبيّن بعد الإتيان بركعتين قائماً كون صلاته ركعتين.

أقول : أمّا ما ذكره (قدس سره) في الصورة الأخيرة فهو الأظهر ، بل احتمال خلافه بعيد جدّاً ، لدلالة الأخبار على أنّ صلاة الاحتياط جابرة للنقص المحتمل وبما أنّ لاحتماله هنا طرفين من ركعة أو ركعتين ، فلو كان الناقص في الواقع ركعتين فقد تداركهما الشارع بهاتين الركعتين المفصولتين وجعلهما مكان الموصولتين ومعه لا حاجة للإتيان بركعة أُخرى للاحتياط إلّا احتمال كون الناقص ركعة واحدة ، فإذا انتفى هذا الاحتمال بالعلم الوجداني بكون الناقص ركعتين كما هو المفروض فلا مقتضي للإتيان بها أبداً. واحتمال كون مجموع الاحتياطين تداركاً للنقص المحتمل لعلّه مقطوع العدم.

وبعبارة اخرى : الشكّ المزبور من الشكّ المركّب من الثنتين والأربع والثلاث والأربع ، وقد رتّب حكم الأوّل وانكشف بعد ذلك أنّها ناقصة بركعتين فقد حصل التدارك. وأمّا الشكّ الثاني فقد ارتفع موضوعه وزال ، ومعه لا مجال

٢٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

للإتيان بركعة الاحتياط.

وأمّا ما ذكره (قدس سره) في الصورة الاولى من الوجوه الأربعة المتقدّمة فالظاهر أنّ هنا وجهاً خامساً وهو التفصيل بغير ما ذكر.

فانّ احتمال الإلغاء لا يمكن الالتزام به (١) ، إذ لا موجب لرفع اليد عمّا اتي به من الركوع والسجود ، وكيف يمكن الحكم بإلغاء مثل ذلك ليرجع بعدئذ إلى حكم تذكّر النقص.

وأمّا التمسّك بعموم أدلّة الاحتياط فهو أيضاً ساقط ، لوضوح أنّها وظيفة الشاكّ بحيث تكون الركعة مردّدة بين الفريضة والنافلة. وهذا لا موضوع له بعد فرض انكشاف الخلاف. ومع ذلك كلّه لا يحكم بالبطلان ، بناءً على ما هو الصحيح من أنّ الركعة على تقدير الحاجة جزء حقيقي من الفريضة وليست بصلاة مستقلّة ، وإن تخلّل السلام والتكبير في البين ، فانّ زيادتهما غير قادحة حسبما سبق.

إذن فمع فرض النقص قد حصل التقدير واستبان الاحتياج فتقع جزءاً لا محالة ، وحينئذ فإن أمكن التتميم ولو بضم شي‌ء آخر حكم بالصحّة ، وإلّا فبالبطلان.

فلو كان شاكّاً بين الثلاث والأربع ، فبنى على الأربع وأتى بركعة قائماً ، وفي الأثناء تذكّر أنّها ثلاث ركعات وقعت هذه رابعة ، فيتمم الصلاة ولا شي‌ء عليه.

ولو كان شاكاً بين الثنتين والثلاث والأربع وفي أثناء الإتيان بركعتين قائماً من صلاة الاحتياط تذكّر أنّها ثلاث ركعات ، فان كان ذلك بعد الدخول في ركوع الركعة الثانية بطلت صلاته لزيادة الركن ، وإن كان قبله صحّت ، فيلغي

__________________

(١) وما في تقريرات الآملي (قدس سره) [لأبحاث الميرزا النائيني في كتاب الصلاة] ٣ : ٢٠١ من الالتزام به بناءً على جواز إقحام صلاة في صلاة كما ترى.

٢٩٤

[٢٠٧٣] مسألة ١١ : لو شكّ في إتيان صلاة الاحتياط بعد العلم بوجوبها عليه (١) فان كان بعد الوقت لا يلتفت إليه ويبني على الإتيان ، وإن كان جالساً في مكان الصلاة ولم يأت بالمنافي ولم يدخل في فعل آخر بنى على عدم الإتيان وإن دخل في فعل آخر أو أتى بالمنافي أو حصل الفصل الطويل مع بقاء الوقت

______________________________________________________

الزائد ويتمّ الناقص ويستكمل صلاته ولا شي‌ء عليه.

هذا مع الموافقة في الكيف ، وأمّا مع المخالفة فيه كما لو شكّ بين الثلاث والأربع وفي أثناء الإتيان بركعتين عن جلوس انكشف كونها ثلاثاً ، فقد يكون التذكّر قبل الدخول [في ركوع الاولى] وأُخرى بعده.

فعلى الأوّل يلغي ما أتى به ويأتي بركعة متّصلة قائماً ويتمّ صلاته ، إذ التسليم غير مخرج والتكبير غير مبطل ، فصلاته هذه قابلة للعلاج وصالحة للاجتزاء بها.

وعلى الثاني بطلت ، إذ لا يمكن احتساب هذا الركوع من الصلاة ، لأنّه مأمور بالركوع القيامي وهذا ركوع جلوسي ، ولا فرق في البطلان بزيادة الركوع بين القيامي والجلوسي.

وملخّص الكلام : أنّه بعد البناء على أنّ السلام غير مخرج على تقدير النقص فهو بعد في الصلاة ، وعليه ففي كلّ مورد أمكن إتمام الصلاة ولو بضمّ ما أتى به من صلاة الاحتياط إلى أصل الصلاة من غير استلزام أيّ محذور أتمّها ، وإلّا بطلت صلاته حسبما عرفت.

(١) قد يفرض عروض الشكّ بعد خروج الوقت وأُخرى قبله ، وعلى الثاني فامّا أن يشكّ وهو جالس في مكانه ولم يرتكب المنافي ولم يشتغل بفعل آخر من كتابة أو مطالعة ونحو ذلك ، وأُخرى بعد دخوله في فعل آخر أو ارتكاب المنافي.

٢٩٥

فللبناء على الإتيان بها وجه (*) ، والأحوط البناء على العدم والإتيان بها ثمّ إعادة الصلاة.

______________________________________________________

أمّا في الصورة الاولى : فلا ينبغي الإشكال في عدم الاعتناء بالشكّ ، لقاعدة التجاوز ، فانّ محلّ الركعة كأصل الصلاة مقيّد بالوقوع في الوقت ، فلو شكّ بعده فقد مضى محلّه ، فيشمله قوله (عليه السلام) : كلّ شي‌ء جاوزته ممّا قد مضى فأمضه كما هو (١).

ويمكن الاستدلال أيضاً بقاعدة الحيلولة المستفادة من قوله (عليه السلام) : «وقد دخل حائل» (٢) ، لأنّ هذا إذا جرى في مجموع الصلاة جرى في جزئها أيضاً ، فإنّ ركعة الاحتياط تابعة لأصل الصلاة وملحقة بها حسبما عرفت.

وكيف ما كان ، فلا ينبغي التأمّل في البناء على الإتيان وعدم الالتفات إلى الشكّ كما ذكره في المتن.

ولكن محلّ كلامه على ما هو المنسبق من ظاهر عبارته (قدس سره) ما لو كان مأموراً بالإتيان بصلاة الاحتياط في الوقت ، وأمّا لو كان مكلّفاً بالإتيان بها خارج الوقت كما لو لم يدرك من الوقت إلّا ركعة أو ركعتين وقد شكّ مثلاً بين الثلاث والأربع ، المستلزم لوقوع ركعة الاحتياط خارج الوقت بطبيعة الحال فلو شكّ حينئذ في الإتيان بها لزمه الاعتناء ، لعدم جريان قاعدة التجاوز ولا قاعدة الحيلولة عندئذ كما هو ظاهر.

__________________

(*) وهو الأظهر فيما إذا كان الشكّ بعد الإتيان بالمنافي أو حصول الفصل الطويل ، وإلّا لزم البناء على العدم.

(١) الوسائل ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ٣ ، (نقل بالمضمون).

(٢) الوسائل ٤ : ٢٨٢ / أبواب المواقيت ب ٦٠ ح ١.

٢٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا الصورة الثانية : أعني الشكّ العارض في الوقت ، فان عرض وهو جالس في مكانه ولم يأت بالمنافي ولم يدخل في فعل آخر فلا ينبغي الإشكال أيضاً في لزوم الاعتناء بعد عدم إمكان إحرازها بأصل أو أمارة ، فيرجع إلى قاعدة الاشتغال أو الاستصحاب من غير معارض.

وأمّا لو عرض بعد الدخول في فعل آخر ولكن لم يرتكب المنافي الذي منه الفصل الطويل الماحي للصورة ، كما لو رأى نفسه جالساً يطالع وشكّ في الإتيان بركعة الاحتياط ، فهل تجري في حقّه قاعدة التجاوز والفراغ؟

يبتني ذلك على أنّ هذه القاعدة هل تجري في موارد الفراغ البنائي الاعتقادي أم يختصّ مجراها بالفراغ الحقيقي؟ فعلى الأوّل جرت القاعدة وحكم بالصحّة دون الثاني لعدم إحراز المضيّ الحقيقي بعد فرض الشكّ وعدم تجاوز المحلّ ، وحيث إنّ التحقيق هو الثاني كما هو موضح في محلّه (١) فلا مناص من الاعتناء والإتيان بصلاة الاحتياط.

نعم ، لو فرض الشكّ المزبور بعد ارتكاب المنافي فالظاهر جريان القاعدة لصدق المضيّ حينئذ حقيقة ، فإنّ محلّ صلاة الاحتياط إنّما هو قبل الإتيان بالمنافي ولا يمكن تداركها بعده إلّا بإعادة الصلاة من أصلها ، فقد مضى محلّها حقيقة وتجاوز عنه ، فيشمله قوله (عليه السلام) : كلّ شي‌ء ممّا قد مضى فأمضه كما هو (٢).

ويمكن تقريبه بوجه آخر : وهو أنّ صلاة الاحتياط بما أنّها جزء متمّم فعلى تقدير النقص كانت الفريضة فاسدة من أصلها ، فمرجع هذا إلى الشكّ في الصحّة والفساد في الصلاة الأصلية ، وإن كان بحسب الظاهر شكّاً في الوجود أي

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٢٩٣.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٣ ح ٣ ، (نقل بالمضمون).

٢٩٧

[٢٠٧٤] مسألة ١٢ : لو زاد فيها ركعة أو ركناً ولو سهواً بطلت ووجب عليه إعادتها (*) ثمّ إعادة الصلاة (١).

______________________________________________________

بالنسبة إلى صلاة الاحتياط فتجري قاعدة الفراغ في تلك الصلاة ، إذ هي قد مضت بنفسها لا بمحلّها.

فتحصّل من جميع ما مرّ : أنّ الأظهر هو التفصيل بين عروض الشكّ بعد ارتكاب المنافي أو الفصل الطويل فلا يعتنى ، لقاعدة التجاوز بل الفراغ ، وبين عروضه بعد الدخول في فعل آخر فيجب الاعتناء.

(١) إن أراد (قدس سره) الاحتياط بالجمع بين الإعادتين فلا كلام ، وإن أراد الفتوى بالجمع كما هو ظاهر العبارة فلا وجه له.

لأنّا إن بنينا على أنّ ركعة الاحتياط صلاة مستقلّة فزيادة الركن أو الركعة وإن أوجبت بطلانها إلّا أنّ اللّازم حينئذ إعادتها فقط ، ولا حاجة إلى إعادة الصلاة الأصلية ، إذ تخلّل المنافي لا يضرّ على هذا المبنى ، كما لا تجب المبادرة إليها.

وإن بنينا على أنّها جزء متمّم كما هو الظاهر حسبما مرّ (١) فليس عليه إلّا أعاده أصل الصلاة ، ولا موجب لإعادة صلاة الاحتياط ، لتخلّل ركعة الاحتياط الفاسدة المانعة عن صلاحية الانضمام. فالجمع لا وجه له ، والاحتياط بالجمع لأجل التردّد في المبنى حسن لا بأس به.

__________________

(*) الأظهر جواز الاكتفاء بإعادة أصل الصلاة.

(١) في ص ٢٧٩ وما بعدها.

٢٩٨

[٢٠٧٥] مسألة ١٣ : لو شكّ في فعل من أفعالها فإن كان في محلّه أتى به ، وإن دخل في فعل مترتّب بعده بنى على أنّه أتى به كأصل الصلاة (١).

[٢٠٧٦] مسألة ١٤ : لو شكّ في أنّه هل شكّ شكّاً يوجب صلاة الاحتياط أم لا بنى على عدمه (٢).

______________________________________________________

(١) والوجه فيه أنّ صلاة الاحتياط سواء أكانت جزءاً متمّماً أم صلاة مستقلّة فهي بالأخرة من الصلاة ، فتشملها عمومات قاعدة التجاوز والفراغ وكذا في المسألة السابقة من البطلان بزيادة الركن أو الركعة. فكلتا المسألتين مشمولتان لإطلاق الأدلّة.

(٢) لا بدّ وأن يكون مراده الشكّ بعد السلام ، إذ لو كان قبله فشكّه في أنّه هل شكّ قبل هذا بين الثنتين والثلاث مثلاً يرجع إلى شكّه الفعلي بين الثلاث والأربع ، والاعتبار في مثل ذلك بالحالة الفعلية ، ولا أثر للشكّ السابق كما مرّ (١) ولا معنى للشكّ في حالته الفعلية النفسانية التي هي أمر وجداني. فمراده (قدس سره) الشك بعد السلام في أنّه هل شكّ أثناء الصلاة بما يوجب صلاة الاحتياط أم لا؟

وحينئذ فان كان فعلاً قاطعاً بالأربع أو بالثلاث بنى على قطعه وعمل على طبقه ، إذ لا أثر للشكّ السابق المنقلب على تقدير وجوده إلى القطع الذي هو المعوّل فعلاً في مقام العمل.

__________________

(١) في موارد منها ما في ص ٢٣٥ ، ٢٢٨.

٢٩٩

[٢٠٧٧] مسألة ١٥ : لو شكّ في عدد ركعاتها فهل يبني على الأكثر إلّا أن يكون مبطلاً فيبني على الأقل ، أو يبني على الأقل مطلقاً؟ وجهان (*) (١) والأحوط البناء على أحد الوجهين ثمّ إعادتها ثمّ إعادة أصل الصلاة.

______________________________________________________

وإن كان شاكّاً أيضاً كما هو محلّ كلام الماتن (قدس سره) بأن شكّ بعد السلام في أنّه هل شكّ سابقاً أم لا ومع ذلك كان شاكّاً فعلاً بين الثلاث والأربع ، فشكّه هذا ينحلّ في الحقيقة إلى شكّين : شكّ في أنّه هل شكّ أثناء الصلاة أم لا ، وشكّ في أنّه هل صلّى ثلاثاً أم أربعاً. أمّا من حيث الشكّ الثاني فلا يعتنى به ، للنصوص الدالّة على إلغاء الشكّ بعد السلام كصحيحة ابن مسلم وغيرها (١). وأمّا من حيث الأوّل فيبنى على أصالة عدمه.

(١) والمشهور هو الأوّل ، ويستدلّ له بما ورد من أنّه لا سهو في السهو ، أو ليس على السهو سهو ، الوارد في الروايات ، وبعضها معتبرة كصحيحة حفص : «ليس على الإمام سهو ، ولا على من خلف الإمام سهو ، وليس على السهو سهو ، ولا على الإعادة إعادة» (٢).

فانّ المراد من السهو في هذه الأخبار هو الشكّ كما أُطلق عليه في كثير من الروايات (٣) ، ولا سيما في المقام بقرينة السياق ، فإنّ الإمام أو المأموم لو سها جرى عليه حكم السهو ، فلو تذكّر نقص التشهّد مثلاً رجع للتدارك بلا إشكال. فالمراد به الشكّ جزماً.

__________________

(*) أوجههما الأوّل.

(١) الوسائل ٨ : ٢٤٦ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٧ ح ١ وغيره.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٤٠ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٤ ح ٣ ، ٢٤٣ / ب ٢٥ ح ١.

(٣) منها ما في الوسائل ٨ : ٢٤٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٢٥ ح ١.

٣٠٠