موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

في ظرف العلم وعدم اعتبارها لدى النسيان ، وأمّا الاعتبار حالة الجهل القصوري فمشكوك حسب الفرض ، ومقتضى الأصل البراءة عن اعتبار الجزئية في هذه الحالة.

وقد أشرنا في مباحث القطع من الأُصول وفي مطاوي بعض الأبحاث الفقهية إلى أنّه لا مانع من اختصاص الحكم بحال العلم به لا ثبوتاً ولا إثباتاً ، لإمكان ذلك ولو بتعدّد الدليل (١) وقد ثبت نظيره في باب الجهر والإخفات ، لقوله (عليه السلام) في صحيح زرارة : «... فإن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شي‌ء عليه ، وقد تمّت صلاته» (٢) وأشرنا في مبحث القراءة (٣) عند التعرّض للرواية إلى أنّ ظاهر التمامية مطابقة المأتي به للمأمور به وعدم نقص فيه الملازم لعدم اعتبار الجزئية في حال الجهل.

فمن الجائز أن يكون المقام من هذا القبيل ، فلا تكون الجزئية ولا الشرطية معتبرة لما عدا الأركان في ظرف الجهل ، كالنسيان ، ومع الشك في ذلك كان المرجع أصالة البراءة دون الاشتغال كما عرفت.

الوجه الرابع : ما قيل من أنّ الحديث في نفسه وإن شمل مطلق المعذور حتّى الجاهل بالتقريب المتقدّم ، إلّا أنّ النصّ الخاصّ دلّ على الإعادة في خصوص الجاهل ، فيكون ذلك مخصصاً للقاعدة ومقيّداً لها بالناسي ، ويتمسّك في ذلك بروايتين :

إحداهما : صحيحة زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) : «إنّ الله تبارك وتعالى فرض الركوع والسجود ، والقراءة سنّة ، فمن ترك القراءة متعمّداً أعاد الصلاة

__________________

(١) [لاحظ مصباح الأُصول ٢ : ٤٤ ، ٥٩ ، فإنه ذكر خلافه].

(٢) الوسائل ٦ : ٨٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٦ ح ١.

(٣) [لم نعثر على ذلك ، لاحظ شرح العروة ١٤ : ٣٩١ ٣٩٢]

٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

ومن نسي فلا شي‌ء عليه» (١).

دلّت على افتراق الفريضة عن السنّة ، وأنّ ترك الاولى يوجب البطلان مطلقاً وأمّا الثانية التي منها القراءة فإنّما يوجب تركها البطلان في صورة العمد دون النسيان ، ولا شكّ أنّ الجاهل متعمّد ، لكونه مستنداً في تركه إلى العمد والقصد وإن كان معذوراً فيه من أجل الجهل ، فهو مندرج في العامد دون الناسي الذي لا قصد له. فجعل المقابلة بين العامد والناسي ووضوح اندراج الجاهل في الأوّل كاشف عن وجوب الإعادة عليه أيضاً ، واختصاص عدمها بالناسي.

الثانية : صحيحة منصور بن حازم قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : إنِّي صلّيت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلّها ، فقال : أليس قد أتممت الركوع والسجود؟ قلت : بلى ، قال : قد تمّت صلاتك إذا كان نسياناً» وفي نسخة «إذا كنت ناسياً» (٢). دلّت بمقتضى مفهوم الشرط على عدم الصحّة فيما عدا صورة النسيان ، هذا.

ولكنّ الظاهر أنّ الروايتين لا تدلان على ذلك.

أمّا صحيح زرارة : فلأنّ من الواضح أنّ ترك القراءة عن جهل بالحكم لعلّه لا يتّفق خارجاً ، إذ كلّ من يلتفت إلى وجوب الصلاة فهو يعلم بوجوب القراءة لا محالة ، فالتفكيك إمّا لا يتحقّق أو نادر التحقّق جدّاً كما لا يخفى.

فكيف يمكن أن يراد بالعامد في المقام ما يشمل الجاهل ، بل الظاهر أنّ المراد به من لا يكون معذوراً ، كما أنّ المراد بالناسي من كان تركه مستنداً إلى العذر من نسيان ونحوه ، وغرضه (عليه السلام) أنّ غير المعذور يعيد والمعذور لا يعيد ، فانّ للعمد إطلاقين.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٨٧ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٧ ح ١.

(٢) الوسائل ٦ : ٩٠ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٩ ح ٢.

٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أحدهما : ما يقابل النسيان ، ومعناه القصد ، وهو بهذا المعنى يشمل الجاهل فإنّه أيضاً قاصد وإن استند قصده إلى الجهل.

ثانيهما : ما يقابل الخطأ والعذر ، وهذا أيضاً شائع في الاستعمال ، كما يقال القتل العمدي ، في قبال الخطأي ، وهو بهذا المعنى غير صادق على الجاهل بالحكم ، فإنّه مخطئ في عمله إمّا بنفسه أو بمقلّده.

فاذا فعل أو ترك شيئاً جهلاً لم يصدر ذاك عنه عمداً ، بل هو مخطئ في ذلك كما لو تخيّل الجاهل أنّ هذا المائع ملكه فشربه ثمّ تبيّن أنّه لغيره ، فانّ الشرب وإن صدر عنه عن قصد لكن لا بعنوان أنّه ملك للغير ، بل بحسبان أنّه ملك له ، أو اعتمد في ذلك على أصل عملي كأصالة الإباحة مثلاً. وكيف ما كان فهو مخطئ في التطبيق ، معذور في الشرب ، وليس بعامد. فالعمد بهذا المعنى غير متحقّق في الجاهل.

وعليه فلم يعلم المراد من العمد في الصحيحة وأنّه بمعنى القصد في مقابل النسيان كي يشمل الجاهل ، أو المراد به ما يقابل الخطأ كي لا يشمل. وكلا الأمرين محتمل في نفسه ، ولكن الثاني أظهر ، لما عرفت من أنّ ترك القراءة جهلاً ربما لا يتّفق خارجاً ، فمراده (عليه السلام) التفصيل بين المعذور وغيره وأنّ المعذور لا يعيد صلاته ، وإنّما خصّ النسيان بالذِّكر من أجل أنّه أكثر أفراد العذر وأظهرها.

ويؤيّد ذلك أنّ عدم الإعادة ثابت في غير موارد النسيان جزماً ، كما لو أخطأ فتخيّل أنّ الركعة التي بيده هي الثالثة فاختار التسبيح ثمّ تبيّن في الركوع أنّها الثانية ، أو دخل في الجماعة معتقداً أنّ الإمام في الركعة الأُولى أو الثانية فلم يقرأ ثمّ استبان أنّه كان في الثالثة ، فإنّه لا تجب عليه الإعادة في هذه الموارد ونحوها قطعاً ، مع أنّه تارك للقراءة عمداً ، أي عن قصد.

٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فيكشف ذلك عمّا ذكرناه من أنّ المراد من العمد ما يقابل العذر لا ما يقابل النسيان ، وأنّ المقابلة بينهما في النصّ من أجل أنّ النسيان هو الفرد البارز من العذر ، لا لخصوصية فيه ، وإلّا فالجهل بالقراءة لا يكاد يتحقّق أبداً كما عرفت.

والحاصل : أنّ الاستدلال بالصحيحة على ثبوت الإعادة للجاهل يتوقّف على إثبات أنّ المراد من المتعمّد هو القاصد ، كي يشمل الجاهل ، ولكنّه لم يثبت بل هو بعيد في نفسه ، فإنّ أكثر استعمال العمد في مقابل الخطأ ، لا بمعنى مجرّد القصد كما لا يخفى. فالصحيحة في نفسها غير ظاهرة في ذلك ، ولا أقلّ من الشكّ وإجمال المراد من العمد ، فتسقط عن الاستدلال ، فلا تصلح لتخصيص الحديث.

وأمّا صحيحة منصور : فالأمر فيها أوضح ، إذ لا مفهوم لها أبداً ، فانّ القضية شخصية ، والشرط مسوق لبيان تحقّق الموضوع الذي فرضه السائل وحاصل الجواب : أنّ الأمر إن كان كما ذكرت من فرض كونك ناسياً في مقابل العامد فقد تمّت صلاتك ، ولا إعادة عليك في هذا التقدير.

ولا دلالة فيها بوجه على أنّ كلّ من لم يكن ناسياً وإن كان معذوراً كالجاهل تجب عليه الإعادة ، لابتنائها على انعقاد المفهوم ، ولا مفهوم لها بعد كون القيد مسوقاً لبيان الأمر المتقدّم في كلام السائل ، ولتحقيق الموضوع الذي فرضه الراوي كما عرفت. وعليه فإطلاق لا تعاد الشامل للجاهل حسب الفرض سليم عمّا يصلح للتقييد.

وملخّص الكلام حول حديث لا تعاد : أنّا قد ذكرنا غير مرّة أنّ الأمر بالإعادة الوارد في غير واحد من الأخبار لدى الإخلال بشي‌ء وجوداً أو عدماً ليس أمراً نفسياً ، وإنّما هو إرشاد إلى الجزئية أو الشرطية أو المانعية ، إيعازاً إلى أنّ في العمل المأتي به خللاً ونقصاً يجب تداركه بالاستئناف. ففي مثل قوله

٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

(عليه السلام) : «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» (١) يفهم مانعية الزيادة وأنّها معتبرة عدماً ، وهكذا في سائر الموارد المتضمّنة للأمر بالإعادة.

وبمقتضى المقابلة يدل نفي الإعادة الوارد في مثل حديث لا تعاد على صحّة العمل وإن كان فاقداً لما عدا الخمسة ، وأنّ الجزئية أو الشرطية أو المانعية في غير الأركان لم تكن مجعولة على سبيل الإطلاق وإنّما هي مختصّة بحال دون حال.

ولا إشكال في عدم ثبوت الجزئية وأخويها في حال السهو ، فإنّها القدر المتيقّن من الحديث الذي هو حاكم على جميع الأدلّة الأولية ، ولذا يعبِّرون عنها بأنّها أجزاء أو شرائط ذكرية. فلا يحكم بالبطلان لدى الإخلال السهوي جزماً.

إنّما الكلام في أنّ الحديث كما يشمل السهو هل يشمل الجهل أيضاً أو لا وقد عرفت أنّه لا مانع من الشمول للجاهل القاصر ، لعدم قصور في الإطلاق بالإضافة إليه ، فمن أتى بالوظيفة وهو يرى أنّه أتى بها على ما هي عليه ثمّ انكشف له النقص لا تجب عليه الإعادة ، كما عرفت أنّ الحديث في نفسه قاصر الشمول بالنسبة إلى العامد ، بل لعلّه مناف لدليل الجزئية كما مرّ.

وأمّا الجاهل المقصّر فان كان ملتفتاً حين العمل فهو أيضاً غير مشمول لأنّ الظاهر من الحديث أنّه ناظر إلى ما إذا كانت الإعادة معلولة للتذكّر أو انكشاف الخلاف ، بحيث لم تكن ثمّة حاجة إليها لولاهما ، ومن المعلوم أنّ المقصر الملتفت محكوم بالإعادة مطلقاً ، سواء انكشف لديه الخلاف أم لا ، إذ لا يصحّ له الاجتزاء بعمله بعد أن كان الواقع منجّزاً عليه ولم يكن جهله معذّراً له ، فلا أثر لانكشاف الخلاف بالإضافة إليه. فالحديث قاصر الشمول بالنسبة إليه في حدّ نفسه ، لعدم كونه متكفّلاً لبيان من عمله محكوم بالبطلان من الأوّل كما هو واضح.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ٢.

٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا غير الملتفت الذي تمشّى منه قصد القربة معتقداً صحّة عمله فهو في نفسه لا مانع من شمول الحديث له ، إذ هو بحيث لو لم ينكشف له الخلاف لم يكن محكوماً بالإعادة لاعتقاده صحّة العمل حسب الفرض ، والواقع وإن كان منجّزاً عليه من أجل تقصيره في جهله إلّا أنّ الحديث الحاكم على الأدلّة الأوّلية متكفّل لنفي الإعادة وصحّة العمل ، فلا قصور في شموله لمثله في حدّ نفسه. إلّا أنّه لا يمكن الالتزام بذلك لوجهين :

أحدهما : الإجماع القطعي القائم على إلحاق المقصّر بالعامد ، المؤيّد بما ورد من أنّه يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقال له : «هلّا عملت ، فيقول : ما علمت ، فيقال : هلّا تعلمت» (١). فهو ملحق بالعامد بالإجماع والنصّ.

ثانيهما : أنّه قد ورد الأمر بالإعادة لدى الإخلال بشي‌ء وجوداً أو عدماً في غير واحد من الأخبار ، مثل قوله (عليه السلام) (٢) : «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» ونحو ذلك ممّا يستكشف منه الجزئية أو الشرطية أو المانعية كما مرّ وهي كثيرة واردة في أبواب التشهّد (٣) والقراءة (٤) والموانع (٥) وغيرها ، فلو كان الحديث شاملاً للمقصّر أيضاً كالقاصر فأيّ مورد يبقى بعدئذ لهذه الأخبار.

__________________

(١) [وهو مضمون ما رواه المفيد في أماليه : ٢٢٧ / ٦ عن مسعدة ، قال : «سمعت جعفر ابن محمّد (عليهما السلام) وقد سئل عن قوله تعالى (فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) فقال : إنّ الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة : عبدي أكنت عالماً؟ فإن قال : نعم ، قال له : أفلا عملت بما علمت. وإن قال : كنت جاهلاً ، قال له : أفلا تعلّمت حتّى تعمل ، فيخصمه وذلك الحجّة البالغة». وكذا نقله في البحار ٢ : ٢٩ عن الأمالي].

(٢) المتقدّم آنفاً.

(٣) الوسائل ٦ : ٤٠٣ / أبواب التشهد ب ٧ ح ٧ ، ٨ وغيرهما.

(٤) الوسائل ٦ : ٨٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٦ ح ١ ، ٨٧ / ب ٢٧ ح ١ وغيرهما.

(٥) الوسائل ٧ : ٢٣٤ / أبواب قواطع الصلاة ب ١ ح ٦ ، ٧ وغيرهما.

٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

أجل يبقى مورد العمد وما يلحق به من المقصّر الملتفت ، لكنّه نادر جدّاً ، بل لعلّ صورة العمد لم تتحقّق أبداً أو في غاية الندرة ، فإنّ ما يقع في الخارج من الإخلال مستند غالباً إلى الجهل ، كما أنّ الغالب فيه ما يكون عن تقصير ومن غير التفات من أجل عدم الفحص ، فلو كان المقصّر أيضاً مشمولاً للحديث لزم حمل هذه الأخبار على كثرتها على الفرد النادر ، وهو كما ترى. فبهذه القرينة والقرينة السابقة نلتزم بعدم الشمول ، وإن كان الحديث في نفسه غير قاصر الشمول كما عرفت.

نعم ، يستثني من ذلك موردان يحكم فيهما بالصحّة وإن كان الجاهل مقصّراً تعرّضنا لهما في الأُصول في باب الاشتغال (١) وهما الجهر والإخفات والقصر والإتمام ، فقد التزم الفقهاء فيهما بالصحّة من أجل النصّ الخاصّ (٢) لا لحديث لا تعاد كما التزموا بالعقاب أيضاً إمّا بدعوى الأمر بهما على نحو من الترتّب غير الترتّب الاصطلاحي ، أو بدعوى قيام المصلحة الكاملة بصلاة القصر أو الجهر مثلاً والمصلحة الناقصة بالإخفات أو الإتمام كما التزم به في الكفاية (٣).

وقد ذكرنا في محلّه عدم الدليل على شي‌ء من الدعويين ، بل الوجه في الصحّة لدى الجهل على ما يستفاد من النصّ المتضمّن لها كون العلم جزءاً من الموضوع فلو لم يفحص المكلّف ولو باختياره لا حاجة إلى الإعادة ، لأنّ الموضوع هو العالم بالحكم ، ولا مانع من أخذ العلم بالحكم جزءاً لموضوع نفسه ولو بدليل آخر كما بيّناه في الأُصول (٤). وأمّا العقاب فلم يثبت ، إذ لم يقم عليه إجماع.

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٥٠٦.

(٢) الوسائل ٦ : ٨٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٦ ح ١ ، ٨ : ٥٠٦ / أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٤ وغيره.

(٣) كفاية الأُصول : ٣٧٨.

(٤) [لاحظ مصباح الأُصول ٢ : ٤٤ ، ٥٩ ، فإنه ذكر خلافه].

٢٧

[٢٠٠٥] مسألة ٤ : لا فرق في البطلان بالزيادة العمدية بين أن يكون في ابتداء النيّة أو في الأثناء ، ولا بين الفعل والقول ، ولا بين الموافق لأجزاء الصلاة والمخالف لها (١)

______________________________________________________

وعلى الجملة : نلتزم بالصحّة في هذين الموردين لأجل النصّ وإن كان فاقداً لجزء أو شرط ، ولو دلّ النصّ على مورد آخر فكذلك ، إذ لا مانع ثبوتاً من أخذ العلم بالحكم جزءاً من الموضوع ، والمفروض قيام الدليل عليه إثباتاً. وقد عرفت عدم الدليل على العقاب وإن كان الجاهل مقصّراً ، نعم ينصرف النصّ إلى من يرى صحّة عمله ، فلا يشمل المتردّد كما لا يخفى.

وكيف ما كان ، فالكبرى الكلّية المستفادة من حديث لا تعاد هي اختصاص الجزئية وأخويها بغير السهو وبغير الجهل العذري ، فإن قام دليل في مورد على الإعادة حتّى في الناسي أو الجاهل يعتمد عليه ، مثل ما ورد في من كبّر جالساً ناسياً من أنّه يعيد (١) ولذا قالوا : إنّ القيام حال التكبير ركن. ومثل ما ورد من البطلان في من صلّى في النجس ناسياً (٢). فكلّما ورد نصّ على خلاف هذه الكبرى يؤخذ به ويلتزم بالتخصيص ، وإلّا كانت الكبرى هي المتّبع.

والمتحصّل : أنّ الإخلال بما عدا الأركان نسياناً أو جهلاً قصورياً محكوم بالصحّة. ومنه تعرف حكم تبدّل الرأي والعدول ، فلا حاجة إلى الإعادة لو تعلّق بغير الأركان كما مرّ. وقد عرفت أنّ الظاهر أنّ مراد الماتن (قدس سره) من الجاهل إنّما هو القاصر دون المقصّر.

(١) بعد الفراغ عن بطلان الصلاة بالزيادة العمدية يقع الكلام في أنّه هل

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٥٠٣ / أبواب القيام ب ١٣ ح ١.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٧٩ / أبواب النجاسات ب ٤٢ ح ٢.

٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

يعتبر في الزائد أن يكون من جنس المزيد عليه ومسانخاً للأجزاء الصلاتية أو لا ، بل تصدق الزيادة حتّى على ما يخالف الأجزاء ويباينها إذا أتى بالزائد بعنوان أنّه من الصلاة. ذهب بعضهم إلى الأوّل ، والمشهور الثاني ، وهو الأقوى.

ويستدلّ للاعتبار بأنّ صدق مفهوم الزيادة متقوّم بالموافقة والاتّحاد في الجنس بين الزائد والمزيد عليه ، فلو أمر المولى بطبخ طعام ، أو تركيب معجون أو بناء عمارة ، أو صنع سرير ونحو ذلك من المركّبات المؤلّفة من عدّة أجزاء فلا تتحقّق الزيادة على المأمور به إلّا إذا زاد عليه ممّا يسانخ أجزاءه ويوافقها في الجنس ، كما لو أمره ببناء عمارة ذات أربع غرف فبنى خمساً ، أو صنع سرير طوله متران فزاد عليه بنصف متر مثلاً ، أو طبخ طعام خال عن الملح فأدخله فيه ، وهكذا.

وأمّا لو زاد فيه من غير الجنس كما لو قرأ سورة من القرآن حين البناء ولو بقصد كونها منه فانّ ذلك لا يعدّ زيادة في المأمور به ، لمباينتها مع أجزائه وعدم كون السورة من جنسها. وعليه فلا يعدّ شي‌ء زيادة في الصلاة إلّا إذا كان الزائد من جنس الأجزاء الصلاتية ، دون المخالف لها وإن جي‌ء به بقصد كونه من الصلاة.

وفيه ما لا يخفى ، فإنّه خلط بين المركّبات الخارجية والمركّبات الاعتبارية فإنّ المركّب الخارجي أمر تكويني مؤلّف من أجزاء محسوسة خارجية غير منوطة بالاعتبار والقصد ، فلا يتّصف شي‌ء بعنوان الزيادة بمجرّد قصد كونه منه ما لم يكن من جنس المزيد عليه.

وهذا بخلاف المركّب الاعتباري ، فانّ الوحدة الملحوظة بين أجزائه متقوّمة بالاعتبار والقصد ، كيف وربما تكون الأجزاء غير مرتبطة بعضها ببعض وأجنبية بعضها عن الآخر لكونه مؤلّفاً من ماهيات متشتّتة ومقولات متباينة كالصلاة فالحافظ للوحدة والمحقّق للتركيب ليس إلّا الاعتبار والقصد.

٢٩

ولا بين قصد الوجوب بها والندب (*) (١).

______________________________________________________

وعليه فقصد كون شي‌ء منه سواء أكان من جنس الأجزاء أم لا يوجب جزئيته للمأمور به ، فيكون زيادة فيه بطبيعة الحال. فلا يناط الصدق بالاتّحاد في السنخ في باب الاعتباريات التي يدور التركيب مدارها ، ولا واقع له وراءها بل مجرّد الإتيان بشي‌ء بقصد الجزئية وبعنوان كونه ممّا يتألف منه المركّب كافٍ في صدق الزيادة وإن كان ممّا يخالفه في الجنس.

ويؤكّد ذلك ما ورد في باب التكفير في الصلاة من النهي عنه معلّلاً بأنّه عمل ولا عمل في الصلاة (١) ، إذ ليس المراد من العمل المنفي في الصلاة مطلق العمل وإن لم يقصد به الجزئية ، ضرورة جواز ذلك ما لم يكن ماحياً للصورة كحكّ رأسه أو جسده ، أو رفع رجله أو تحريك يده ونحو ذلك ، بل المراد كما أشرنا إليه عند التعرّض للرواية في باب التكفير (٢) العمل المقصود به الجزئية والمأتي به بعنوان كونه من الصلاة ، مثل التكفير على ما يصنعه العامّة.

فتطبيق الإمام (عليه السلام) هذا العنوان على التكفير غير المسانخ للأجزاء الصلاتية كاشف عمّا ذكرناه من صدق الزيادة على ما قصد به الجزئية ، وإن لم يكن الزائد من جنس المزيد عليه.

(١) لما عرفت من أنّ العبرة في صدق الزيادة بقصد الجزئية ، المشترك بين الإتيان بعنوان الوجوب أو الندب ، فلا أثر لنيّة الوجه في ذلك. فلو أتى بالقنوت في غير محلّه كما في الركعة الثالثة أو الثانية بعد الركوع بقصد كونه من الصلاة

__________________

(*) البطلان بزيادة ما قصد به الندب محلّ إشكال ، بل منع.

(١) الوسائل ٧ : ٢٦٦ / أبواب قواطع الصلاة ب ١٥ ح ٤.

(٢) شرح العروة ١٥ : ٤٢٥.

٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

كان زيادة فيها وإن أتى به بنيّة الاستحباب.

لكنّ هذا مبني على تصوير الجزء المستحب كي يمكن الإتيان به بقصد الجزئية المحقّق لعنوان الزيادة. وقد أشرنا غير مرّة (١) إلى عدم معقولية ذلك للمنافاة الظاهرة بين الجزئية والاستحباب ، فانّ مقتضى الأوّل الدخل في الماهية وتقوّمها به ، ومقتضى الثاني عدم الدخل وجواز الترك.

وهذا من غير فرق بين أن يراد به الجزء للطبيعة أو الجزء للفرد ، إذ الفرد لا يزيد على الطبيعة بشي‌ء عدا إضافة الوجود إليه ، ففرض كون شي‌ء جزءاً للفرد من الطبيعة دون الطبيعة نفسها غير معقول كما لا يخفى. فاستحباب الجزء مسامحة في التعبير ، والمراد أنّه مستحبّ نفسيّ ظرفه الصلاة كالقنوت والأذكار المستحبّة ، وأنّ الصلاة المشتملة عليه تتضمّن مزيّة زائدة ، وأنّها أفضل من العارية عنه.

وعليه فالإتيان بالقنوت الزائد ونحوه لا يستوجب البطلان من ناحية الزيادة لتقوّمها بقصد الجزئية المتعذّر في أمثال المقام كما عرفت. فغاية ما هناك أنّه تشريع محرّم ، فإن أوجب ذلك السراية إلى نفس العمل أوجب البطلان بهذا العنوان لا بعنوان الزيادة ، وإلّا فلا.

وقد ذكرنا في محلّه أنّ الذكر المحرم من القنوت ونحوه بمجرّده لا يستوجب البطلان ، فانّ المبطل إنّما هو كلام الآدمي ، والذكر المحرم لا يخرج عن كونه ذكراً وإن كان محرّماً ، ولا يندرج في كلام الآدميين كي تبطل معه الصلاة من هذه الجهة (٢).

__________________

(١) منها ما تقدّم في ص ٣.

(٢) شرح العروة ١٥ : ٤٤٦ ، ٣٩٢.

٣١

نعم ، لا بأس بما يأتي به من القراءة والذكر في الأثناء لا بعنوان أنّه منها ما لم يحصل به المحو (*) للصورة ، وكذا لا بأس بإتيان غير المبطلات من الأفعال الخارجية المباحة كحكّ الجسد ونحوه إذا لم يكن ماحياً للصورة (١).

______________________________________________________

(١) أفاد (قدس سره) أنّ الإتيان بالقراءة أو الذكر في الأثناء لا بقصد الجزئية لا مانع منه ما لم يكن ماحياً للصورة الصلاتية ، لعدم كون ذلك مصداقاً للزيادة بعد عدم القصد المزبور ، ثمّ ذكر (قدس سره) أخيراً مثل ذلك في الأفعال الخارجية المباحة كحكّ الجسد ونحوه ، وأنّه لا بأس بالإتيان بها أيضاً لا بعنوان الصلاة ما لم تكن ماحية للصورة.

أقول : أمّا التفصيل بين الماحي وغيره في الأفعال فوجيه ، فلا مانع من غير الماحي من الأفعال المباحة ، بل قد ورد النصّ الخاصّ في بعضها (١) دون ما كان ماحياً كما لو حكّ رأسه مقدار نصف ساعة مثلاً ، أو اشتغل بالمطالعة كذلك.

وأمّا التفصيل بين الماحي وغيره في الأذكار والقراءة فغير وجيه ، إذ لا مصداق للماحي للصورة الصلاتية من بينها وإن طالت مدّة الاشتغال بالذكر أو القراءة بعد ملاحظة ما ورد من قوله (عليه السلام) : «كلّ ما ذكرت الله (عزّ وجلّ) به والنبيّ فهو من الصلاة» (٢) ، فانّ من المعلوم أن ليس المراد من قوله : «فهو من الصلاة» أنّه جزء من الصلاة ، لمنافاة الجزئية مع فرض الاستحباب كما مرّ ، بل هو مبنيّ على ضرب من الادّعاء والتنزيل ، والمراد أنّه محسوب من الصلاة وكأنّه من أجزائها ، ولم يكن خارجاً عنها ما دام متشاغلاً بها.

__________________

(*) ولا يحصل ، لأنّ كل ما ذكر الله به فهو من الصلاة.

(١) الوسائل ٧ : ٢٥٤ / أبواب قواطع الصلاة ب ٩ ح ٢ ، ٢٧٩ / ب ٢٣ ح ١ ، وغيرهما.

(٢) الوسائل ٧ : ٢٦٣ / أبواب قواطع الصلاة ب ١٣ ح ٢.

٣٢

[٢٠٠٦] مسألة ٥ : إذا أخلّ بالطهارة الحدثية ساهياً بأن ترك الوضوء أو الغسل أو التيمّم بطلت صلاته وإن تذكّر في الأثناء ، وكذا لو تبيّن بطلان أحد هذه من جهة ترك جزء أو شرط (١).

[٢٠٠٧] مسألة ٦ : إذا صلّى قبل دخول الوقت ساهياً بطلت ، وكذا لو صلّى إلى اليمين أو اليسار أو مستدبراً فيجب عليه الإعادة أو القضاء (*).

[٢٠٠٨] مسألة ٧ : إذا أخلّ بالطهارة الخبثية في البدن أو اللباس ساهياً بطلت ، وكذا إن كان جاهلاً بالحكم (**) أو كان جاهلاً بالموضوع وعلم في الأثناء مع سعة الوقت ، وإن علم بعد الفراغ صحّت ، وقد مرّ التفصيل سابقا.

[٢٠٠٩] مسألة ٨ : إذا أخلّ بستر العورة سهواً فالأقوى عدم البطلان وإن كان هو الأحوط ، وكذا لو أخلّ بشرائط الساتر عدا الطهارة من المأكولية وعدم كونه حريراً أو ذهباً ونحو ذلك.

______________________________________________________

وعليه فلو اشتغل بعد الركوع أو بعد التشهّد بقراءة القرآن أو الذكر من غير قصد الجزئية فكلّ ذلك محسوب من الصلاة ، وليس خارجاً عنها وإن طالت المدّة كثيراً جدّاً ، كما لو اشتغل بدعاء كميل أو أبي حمزة ونحوهما ، ولا يكون شي‌ء من ذلك ماحياً للصورة. فكبرى مبطليّة الماحي وإن كانت مسلّمة لكنّه لا صغرى لها في باب الأذكار ، بل يختصّ ذلك بباب الأفعال كما عرفت.

(١) تعرّض (قدس سره) في هذه المسألة وما بعدها إلى نهاية المسألة العاشرة لعدّة فروع تتعلّق بالإخلال بالأركان وغيرها سهواً من الطهارة الحدثية (١)

__________________

(*) مرّ أنّ عدم وجوبه في غير الجاهل بالحكم غير بعيد.

(**) هذا إذا كان جهله عن تقصير.

(١) ذكر ذلك في موارد منها ما تقدم في شرح العروة ٦ : ٨٢ ، ١١١.

٣٣

[٢٠١٠] مسألة ٩ : إذا أخلّ بشرائط المكان سهواً فالأقوى عدم البطلان وإن كان أحوط فيما عدا الإباحة ، بل فيها أيضاً إذا كان هو الغاصب (*).

[٢٠١١] مسألة ١٠ : إذا سجد على ما لا يصحّ السجود عليه سهواً إمّا لنجاسته أو كونه من المأكول أو الملبوس لم تبطل الصلاة ، وإن كان هو الأحوط (**). وقد مرّت هذه المسائل في مطاوي الفصول السابقة.

[٢٠١٢] مسألة ١١ : إذا زاد ركعة (١) أو ركوعاً أو سجدتين من ركعة أو تكبيرة الإحرام سهواً (***) بطلت الصلاة ، نعم يستثني من ذلك زيادة الركوع أو السجدتين في الجماعة.

______________________________________________________

والخبثية (١) والوقت (٢) والقبلة (٣) والستر (٤) وشرائط المكان (٥) ونحوها (٦). وقد مرّ الكلام حول كلّ من ذلك في محالّها مستقصى عند التعرّض لها في مطاوي الفصول السابقة فلا نعيد.

(١) المعروف والمشهور أنّ زيادة الركعة سهواً تستوجب البطلان مطلقاً

__________________

(*) الظاهر هو البطلان فيما إذا كان الناسي هو الغاصب.

(**) قد مرّ تفصيل الكلام في ذلك [في المسألة ١٦١٨].

(***) الظاهر أنّ زيادتها سهواً لا تبطل الصلاة.

(١) تقدّم البحث عنه في شرح العروة ٣ : ٣١٦ وما بعدها.

(٢) تقدّم البحث عنه في شرح العروة ١١ : ٣٨٠.

(٣) تقدّم البحث عنه في شرح العروة ١٢ : ٤٠ وما بعدها.

(٤) تقدّم البحث عنه في شرح العروة ١٢ : ١٢٠ ١٢١ ، ٣ : ٣٤٠ ، ١٢ : ٢٩٧ ، ٣٢٣ ، ٣٧٤.

(٥) تقدّم البحث عنه في شرح العروة ١٣ : ١٦.

(٦) [كالسجود على ما لا يصحّ السجود عليه ، وقد تقدّم في شرح العروة ١٥ : ١٣٦].

٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ونسب الخلاف إلى ابن الجنيد (١) والشيخ في التهذيب والاستبصار (٢) والمحقّق في المعتبر (٣) والعلّامة في بعض كتبه (٤) وجملة من المتأخّرين فذهبوا إلى الصحّة فيما إذا جلس عقيب الرابعة بمقدار التشهّد ، وأنّ البطلان خاصّ بما إذا لم يجلس هذا المقدار. ويظهر من صاحب الوسائل اختياره مع زيادة صورة الشكّ في الجلوس والحكم بالصحّة فيها أيضاً كما صرح به في عنوان الباب التاسع عشر من الخلل (٥). وحكي هذا التفصيل عن أبي حنيفة (٦) وسفيان الثوري (٧) ، بل نسب القول بالصحّة مطلقاً إلى جمهور العامّة.

وكيف ما كان ، فيقع الكلام أوّلاً فيما تقتضيه القاعدة ، وأُخرى بالنظر إلى النصوص الخاصّة الواردة في المقام.

أمّا بحسب القواعد فمقتضاها الصحّة ، سواء أجلس عقيب الرابعة بمقدار التشهّد أم لم يجلس ، وسواء أتشهّد أم لم يتشهّد ، بل حتّى لو نسي السجدة الأخيرة أيضاً فزاد ركعة سهواً قبل الإتيان بها وبالتشهّد والسلام.

وذلك لأنّ مقتضى حديث لا تعاد الحاكم على الأدلّة الأولية نفي جزئية هذه الأُمور في ظرف النسيان ، فزيادة الركعة سهواً قبل الإتيان بشي‌ء منها زيادة واقعة خارج الصلاة ، لا في أثنائها كي تستوجب البطلان ، لأنّ وقوعها في

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٣٩٢ المسألة ٢٧٨.

(٢) التهذيب ٢ : ١٩٤ ذيل ح ٧٦٦ ، الاستبصار ١ : ٣٧٧ ذيل ح ١٤٣١.

(٣) المعتبر ٢ : ٣٨٠.

(٤) المختلف ٢ : ٣٩٢ المسألة ٢٧٨.

(٥) الوسائل ٨ : ٢٣١.

(٦) المجموع ٤ : ١٦٣ ، المغني ١ : ٧٢١ ، الشرح الكبير ١ : ٧٠٢.

(٧) [لم نعثر عليه ، نعم حكاه في الحدائق ٩ : ١١٧].

٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الأثناء موقوف على جزئية هذه الأُمور في ظرف النسيان ، والحديث ناف للجزئية عندئذ ، لعدم قصور في شموله لها بعد أن لم تكن من الأركان.

وقد ذكرنا في مبحث السلام (١) أنّ من نسي السلام فتذكّر بعد أن أحدث أو أتى ببعض المنافيات عمداً وسهواً كالاستدبار أو الفصل الطويل ، أو زيادة الركعة كما في المقام ، بل الركن وحده كالركوع ، بحيث لم يمكن تدارك السلام بعدئذ صحّت صلاته ، وكذا لو كان ذلك بعد نسيان التشهّد أيضاً ، أو نسيانهما مع السجدة الأخيرة ، لما عرفت من أنّ الحديث ينفي جزئيتها في هذه الحالة فيكون المنافي كالركعة الزائدة واقع خارج الصلاة. فالمقام من مصاديق هذه الكبرى ، ولأجله كان مقتضى القاعدة هو الحكم بالصحّة مطلقاً.

وممّا ذكرنا تعرف ما في استدلال المحقّق في المعتبر على عدم مبطلية الزيادة بعد الجلوس بقدر أن يتشهّد بأنّ الجلوس بهذا المقدار فاصل بين الفرض والزيادة ، فلا تتحقّق الزيادة في الأثناء.

إذ فيه : أنّ هذا المقدار من الفصل غير مانع عن صدق اسم الزيادة في الصلاة ولذا لو تذكّر قبل الإتيان بالزائد وتدارك التشهّد لحق بالأجزاء السابقة وانضمّ معها. فان بنينا على جزئية السلام المنسي وكذا التشهّد أو السجدة الثانية كانت الزيادة واقعة في الأثناء لا محالة ، وأوجبت بطلان الصلاة. وإن بنينا على سقوطها عن الجزئية بمقتضى حديث لا تعاد كما عرفت صحّت ، لوقوعها حينئذ خارج الصلاة. فالاعتبار في الصحّة والبطلان على جريان الحديث وعدمه وجزئية السلام ونفيها ، ولا أثر لما ادّعاه (قدس سره) من الفصل.

وأمّا بالنظر إلى الروايات الخاصّة الواردة في المقام فمقتضى إطلاق غير

__________________

(١) شرح العروة ١٥ : ٣١٩.

٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

واحد من النصوص وقد تقدّمت (١) هو البطلان ، كموثّقة أبي بصير : «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» (٢) وصحيحة زرارة : «إذا استيقن أنّه زاد في صلاته المكتوبة ركعة لم يعتد بها واستقبل صلاته استقبالاً» (٣).

فإنّ الصحيحة موردها السهو بقرينة التعبير بالاستيقان ، وذكرنا سابقاً أنّها رويت في الكافي تارة مشتملة على كلمة (ركعة) وأُخرى خالية عنها ، وعلى التقديرين يصحّ الاستدلال بها في المقام ، فإنّ زيادة الركعة هي القدر المتيقّن منها وإن لم تذكر فيها. ونحوهما غيرهما ممّا هو معتبر سنداً ودلالة.

وبإزائها روايات أُخرى أيضاً معتبرة دلّت على الصحّة فيما إذا جلس عقيب الرابعة بمقدار التشهّد ، وفي بعضها أنّه يقوم ويضيف إلى الركعة الزائدة ركعة أُخرى ويجعلهما نافلة ولا شي‌ء عليه.

فمنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل صلّى خمساً ، قال : إن كان قد جلس في الرابعة قدر التشهّد فقد تمّت صلاته» (٤) وظاهرها أنّ الاعتبار بمجرّد الجلوس قدر التشهّد ، لا بالتشهّد الخارجي.

وحمل الجلوس على نفس التشهّد بعيد جدّاً ، فإنّه تعبير على خلاف المتعارف كيف ولو أُريد ذلك كان الأولى أن يقول (عليه السلام) : إن كان قد تشهّد فقد تمّت صلاته ، فإنّه ألخص وأظهر ، ولم تكن حاجة إلى ذاك التعبير الذي هو تطويل بلا طائل. فالظاهر من العبارة هو ما ذكرناه كما فهمه المحقّق والشيخ وصاحب الوسائل وغيرهم ، والعامّة أيضاً يعتبرون الجلوس لا نفس التشهّد.

__________________

(١) في ص ٥ وما بعدها.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ٢.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ١.

(٤) الوسائل ٨ : ٢٣٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ٤.

٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

فحمله عليه بعيد عن الفهم العرفي غايته.

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم قال : «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل استيقن بعد ما صلّى الظهر أنّه صلّى خمساً ، قال : وكيف استيقن؟ قلت : علم ، قال : إن كان علم أنّه كان جلس في الرابعة فصلاة الظهر تامّة ، فليقم فليضف إلى الركعة الخامسة ركعة وسجدتين فتكونان ركعتين نافلة ، ولا شي‌ء عليه» (١).

أمّا من حيث السند فظاهر عبارة الحدائق أنّها صحيحة ، حيث قال : وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ، ثمّ قال : وعن محمّد بن مسلم ... إلخ (٢) ، فإنّ ظاهر العطف اشتراكهما في الصحّة. والرواية وإن كانت صحيحة بناءً على مسلكنا من الاعتماد على من وقع في أسانيد كامل الزيارات كما وصفناها بها لكنّها غير صحيحة على مسلك القوم ومنهم صاحب الحدائق ، لأنّ في السند محمّد بن عبد الله بن هلال ، ولم يوثّق صريحاً في كتب الرجال.

وأمّا من حيث الدلالة فيحتمل أن يراد بالجلوس نفسه فيتّحد مضمونها مع الصحيحة السابقة ، ويحتمل أن يكون كناية عن التشهّد الخارجي ، كما عبّر عنه بالجلوس في بعض الروايات الواردة في نسيان التشهّد كصحيح سليمان بن خالد : «عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأولتين ، فقال : إن ذكر قبل أن يركع فليجلس» (٣) وصحيح ابن أبي يعفور : «عن الرجل يصلّي الركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما حتّى يركع ، فقال : يتمّ صلاته ...» إلخ (٤) وغيرهما.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ٥.

(٢) الحدائق ٩ : ١١٤.

(٣) الوسائل ٦ : ٤٠٢ / أبواب التشهد ب ٧ ح ٣.

(٤) الوسائل ٦ : ٤٠٢ / أبواب التشهد ب ٧ ح ٤.

٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

فانّ المراد من نسيان الجلوس نسيان التشهّد المعتبر حال الجلوس ، فكنّي به عن التشهّد لأجل كونه مقدّمة له ومعتبراً فيه ، وإلّا فالجلوس بنفسه غير واجب فلا أثر لنسيانه. والشيخ (قدس سره) في التهذيب قد فهم هذا المعنى ولذا علّل الصحّة بأن هذا داخل في نسيان السلام ، الذي ليس هو من الأركان قال (قدس سره) : إنّه لا تنافي بين هذه الأخبار ، فإنّ موردها ما إذا تشهّد وبعده زاد ركعة سهواً ، ونسيان السلام غير مبطل (١).

وكيف ما كان ، فارادة التشهّد من الجلوس محتمل في هذه الصحيحة ، بخلاف الصحيحة السابقة التي لا يكاد يتطرّق إليها هذا الاحتمال كما سبق.

ومنها : ما رواه الصدوق بإسناده عن جميل بن درّاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «أنّه قال في رجل صلّى خمساً : إنّه إن كان جلس في الرابعة بقدر التشهّد فعبادته جائزة» (٢).

ودلالتها كدلالة الصحيحة الأُولى ، لاتّحاد المضمون. وأمّا سندها فقد صحّح العلّامة طريق الصدوق إلى جميل (٣) ، وأقرّه على ذلك الأردبيلي في جامع الرواة (٤). ولكنّه محل تأمّل بل منع ، فانّ الطريق الذي ذكره الصدوق في المشيخة طريق إلى جميل بن درّاج ومحمّد بن حمران معاً ، اللذين لهما كتاب مشترك ، وطريقه إلى الكتاب صحيح ، ولم يذكر طريقه إلى جميل وحده كما في هذه الرواية.

ولا ملازمة بين صحّة الطريق إليهما منضمّاً وبين صحّته إلى كلّ واحد منهما

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٩٤ / ذيل ح ٧٦٦ ، [والمنقول هنا مضمون ما ذكره الشيخ].

(٢) الوسائل ٨ : ٢٣٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ٦ ، الفقيه ١ : ٢٢٩ / ١٠١٦.

(٣) الخلاصة : ٤٣٧ ضمن الفائدة الثامنة.

(٤) جامع الرواة ٢ : ٥٣٢.

٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

مستقلا ، لجواز تعدّد الطريق ، إذ كثيراً ما يذكر في المشيخة طريقه إلى شخص ثمّ يذكر طريقاً آخر إلى شخصين أو جماعة يشتمل على ذاك الشخص أيضاً. فطريقه إلى جميل وحده مجهول.

وهو (قدس سره) مع التزامه في صدر الكتاب على ذكر طرقه إلى المشايخ وأرباب الكتب في المشيخة قد غفل عن ذكر غير واحد منهم ربما يتجاوز عددهم المائة ، فليكن طريقه إلى جميل من هذا القبيل وإن أكثر من الرواية عنه ، فإنّه ربما يذكر الطريق في المشيخة إلى شخص ولم يرو عنه في الفقيه إلّا رواية واحدة ، ويغفل عن ذكر طريقه إلى آخر مع روايته عنه كثيراً كجميل بن درّاج وغيره ، وإنّما العصمة لأهلها.

وكيف ما كان ، فطريقه إلى جميل وحده غير مذكور في المشيخة ، فهو مجهول فالرواية إذن غير نقيّة السند. لكن الخطب هيّن ، إذ تكفينا الصحيحة الأُولى المتّحدة مع هذه الرواية بحسب المضمون ، وفيها غنى وكفاية.

ومنها : صحيحة ابن مسلم : «عن رجل صلّى الظهر خمساً ، قال : إن كان لا يدري جلس في الرابعة أم لم يجلس فليجعل أربع ركعات منها الظهر ويجلس ويتشهّد ، ثمّ يصلّي وهو جالس ركعتين وأربع سجدات ويضيفها إلى الخامسة فتكون نافلة» (١).

وهذه الصحيحة هي مستند صاحب الوسائل في إلحاق الشك في الجلوس بالعلم به في الحكم بالصحّة كما تقدّمت الإشارة إليه.

ومنها : ما روى عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليه السلام) المشتمل على حكاية سهو النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) وزيادته الخامسة في صلاة

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣٣ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ٧.

٤٠