موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

المبطلة أحد هذين الأمرين. ومن المعلوم عدم انطباق شي‌ء منهما على المقام.

أمّا الأوّل فظاهر ، إذ بعد فرض إحراز الصحّة وتبيّن الموافقة مع الواقع لم يبق مجال للشكّ كي تنتهي النوبة إلى قاعدة الاشتغال.

وكذا الثاني ، لوضوح أنّ الشكّ كالظنّ والقطع من أقسام الالتفات ومترتّب عليه ، فإنّها من الأُمور الوجدانية ، وليس للشكّ واقع يتعلّق به الالتفات تارة وعدمه اخرى ، بل هو متقوّم به في تحقّقه ، وعليه فمع الغفلة لا التفات فلا شكّ فلم يتحقّق المضيّ على الشكّ ممّن فرض غفلته عن شكّه كي يستوجب البطلان.

ومع الغضّ عن ذلك وتسليم وجود واقعي للشكّ مستلزم لصدق المضيّ عليه فإنّما يستوجب البطلان في خصوص الشكوك الباطلة التي ورد فيها المنع عن المضيّ على الشكّ كالشكّ في الأُوليين أو في الثنائية والثلاثية (١) التي هي من فرائض الله ، دون ما عداها ممّا لم يرد فيها ذلك كالشكّ بين الرابعة والخامسة حال الركوع ، فانّ مستند البطلان في مثل ذلك إنّما كان إطلاق صحيحة صفوان كما مرّ (٢). فلا دليل على البطلان في مثله بعد فرض تبيّن الصحّة.

وعلى الجملة : فشي‌ء من مستندي الفساد في الشكوك الباطلة غير منطبق على المقام. فالمتّجه هو الحكم بالصحّة كما عرفت.

هذا كلّه فيما لو شكّ وغفل وأتمّ ثمّ تبيّنت الموافقة للواقع كما هو مفروض المسألة ، وأمّا لو لم يتبيّن بل التفت بعد ما فرغ وشكّ فلا ينبغي الإشكال في البطلان عملاً بقاعدة الاشتغال ، لعدم كون المقام مجرى لقاعدة الفراغ إمّا لاختصاصها بالشكّ الحادث بعد الفراغ وهذا هو الشكّ السابق بعينه وقد عاد أو لاختصاصها بالشكّ في الصحّة الناشئ من احتمال الغفلة ، وفي المقام متيقّن

__________________

(١) [فيه ما تقدم آنفاً].

(٢) في ص ١٥١.

٢٦١

(٢٠٥٩) مسألة ٢٣ : إذا شكّ بين الواحدة والاثنتين مثلاً وهو في حال القيام أو الركوع أو في السجدة الأُولى مثلاً وعلم أنّه إذا انتقل إلى الحالة الأُخرى من ركوع أو سجود أو رفع الرأس من السجدة يتبيّن له الحال (١) فالظاهر الصحّة وجواز البقاء على الاشتغال (*) إلى أن يتبيّن الحال.

______________________________________________________

بالغفلة ، ولم يبق إلّا احتمال الصحّة لمجرّد الصدفة الواقعية ، والقاعدة لا تتكفّل الصحّة لأجل المصادفات الاتفاقية.

(١) فهل تبطل الصلاة حينئذ أو يجوز البقاء على الاشتغال إلى أن يتبيّن الحال أو يجب البقاء؟ وجوه :

قد يقال بالوجوب ، نظراً إلى انصراف دليل الشكّ المبطل عن مثل ذلك ، ومتى جاز البقاء وجب حذراً عن الإبطال المحرّم.

لكن الظاهر هو البطلان ، إذ لا قصور في إطلاق دليل المنع عن المضيّ على الشكّ عن الشمول لمثل المقام. ودعوى الانصراف غير مسموعة ، كيف ولو تمّ لزم جواز البناء على الاشتغال والمضيّ على الشكّ إلى تمام الصلاة فيما لو شكّ في الصلاة الثنائية مثلاً وهو يعلم بزوال الشكّ بعد الفراغ ، إذ لا فرق بين زواله في الأثناء أو بعد الفراغ في شمول الإطلاق وعدمه ، فلو تمّ الانصراف لتمّ في الموردين معاً بمناط واحد ، وهو كما ترى. فهذه الدعوى ساقطة ، وعهدتها على مدّعيها بل الأوفق بالقواعد عدم الجواز فضلاً عن الوجوب.

وربما يفصّل بين ما لو كانت الحالة الأُخرى جزءاً مستقلا كالركوع والسجود أو مقدّمة للجزء كرفع الرأس من السجدة ، فيبنى على الجواز في الثاني ، لعدم كونه من المضيّ على الشكّ.

__________________

(*) فيه إشكال بل منع.

٢٦٢

 

______________________________________________________

وفيه ما لا يخفى ، فانّ الممنوع هو المضيّ على الشكّ في الصلاة ، وهذا كما يصدق على الأجزاء يصدق على المقدّمات أيضاً من غير فرق بينهما بوجه.

هذا كلّه فيما إذا كان الشكّ الباطل ممّا ورد فيه المنع عن المضيّ على الشكّ كالأُوليين والثنائية والثلاثية.

وأمّا فيما عدا ذلك كالشكّ بين الأربع والستّ مطلقاً ، أو الأربع والخمس حال الركوع ، ونحو ذلك ممّا كان المستند في البطلان إطلاق صحيح صفوان كما مرّ (١) فهو وإن كان يفترق عن سابقه من حيث إنّ البطلان هناك عارض على نفس الشكّ ، وأمّا المشكوك فيه وما هو طرف الاحتمال فهو صحيح على كلّ تقدير. ففي الشكّ بين الواحدة والثنتين مثلاً الصلاة صحيحة بحسب الواقع سواء أكانت الركعة المشكوكة فيها هي الأُولى أم الثانية ، وإنّما نشأ البطلان من نفس الشكّ.

وأمّا في المقام فالبطلان هو طرف الاحتمال وبنفسه متعلّق للشكّ ، لاحتمال كونه في الركعة السادسة مثلاً واشتمال الصلاة على الزيادة القادحة. فلا يقاس أحدهما بالآخر.

إلّا أنّ الظاهر مع ذلك عدم جواز المضيّ على الشك وإن علم بتبيّن الحال فيما بعد ، إذ ليس له الاسترسال والإتيان ببقية الأجزاء بنيّة جزمية ، فإنّه بعد احتمال الفساد كما هو المفروض تشريع محرّم ، اللهمّ إلّا أن يأتي بها رجاءً.

لكنّ صحيحة صفوان تمنع بإطلاقها عن هذا أيضاً ، وتدلّ على الإعادة لدى عروض الشكّ ، سواء أتى بالباقي بقصد الرجاء أم لا ، وإلّا فلو جاز الإتيان كذلك لجاز حتّى فيما لو علم بتبيّن الحال وزوال الشكّ بعد الصلاة ، وهو كما ترى

__________________

(١) في ص ١٥١ ، ١٧٦.

٢٦٣

[٢٠٦٠] مسألة ٢٤ : قد مرّ سابقاً أنّه إذا عرض له الشكّ يجب عليه التروّي (١) حتّى يستقرّ (*) أو يحصل له ترجيح أحد الطرفين ، لكن الظاهر أنّه إذا كان في السجدة مثلاً وعلم أنّه إذا رفع رأسه لا يفوت عنه الأمارات الدالّة على أحد الطرفين جاز له التأخير إلى رفع الرأس ، بل وكذا إذا كان في السجدة الأُولى مثلاً يجوز له التأخير إلى رفع الرأس من السجدة الثانية وإن كان الشكّ بين الواحدة والاثنتين (**) ونحوه من الشكوك الباطلة. نعم لو كان بحيث لو أخّر التروّي يفوت عنه الأمارات يشكل جوازه (***) خصوصاً في الشكوك الباطلة.

______________________________________________________

لا يمكن المصير إليه ، ولم يلتزم به أحد ، ولا فرق بين الزوال في الأثناء أو بعد الصلاة من هذه الجهة كما لا يخفى.

فاتّضح أنّ الأقوى هو البطلان وعدم جواز المضيّ على الشكّ في جميع موارد الشكوك الباطلة.

(١) قد عرفت سابقاً (١) عدم الدليل على وجوب التروّي ، فيرتّب الأثر من البطلان أو البناء على الأكثر بمجرّد عروض الشكّ ، وأمّا بناءً على الوجوب كما عليه الماتن فقد ذكر (قدس سره) أنّه لو عرض الشكّ وهو في السجدة مثلاً وعلم بعدم فوت الأمارات الدالّة على أحد الطرفين لو رفع الرأس جاز له تأخير

__________________

(*) مرّ أنّه لا يبعد عدم وجوبه.

(**) مرّ المنع فيه آنفاً.

(***) الظاهر جوازه في غير الشكوك الباطلة.

(١) في ص ٢١١ وما بعدها.

٢٦٤

(٢٠٦١) مسألة ٢٥ : لو كان المسافر في أحد مواطن التخيير فنوى بصلاته القصر وشكّ في الركعات (١) بطلت وليس له العدول (*) إلى التمام والبناء على الأكثر ، مثلاً إذا كان بعد إتمام السجدتين وشكّ بين الاثنتين والثلاث لا يجوز له العدول إلى التمام والبناء على الثلاث على الأقوى ، نعم لو عدل إلى التمام ثمّ شكّ صحّ البناء.

______________________________________________________

التروّي إلى رفع الرأس ، وكذا يجوز التأخير من السجدة الاولى إلى رفع الرأس من السجدة الثانية ، من غير فرق في ذلك بين الشكوك الصحيحة والباطلة واستثنى من ذلك ما لو استوجب التأخير فوات الأمارات ، لإخلاله حينئذ بالتروّي الواجب عليه.

أقول : أمّا في الشكوك الباطلة فقد ظهر الحال ممّا قدّمناه في المسألة السابقة فإنّ المقام من فروع تلك المسألة ومترتّب عليها ، وحيث عرفت هناك عدم جواز المضيّ على الشكّ والبقاء على الاشتغال فيما لو علم بزوال الشكّ لدى الانتقال إلى حالة اخرى ، فكذا في المقام ، بل الحكم هنا بطريق أولى كما لا يخفى.

وأمّا في الشكوك الصحيحة فالظاهر جواز التأخير ما لم تفت عنه الأمارات لعدم المنافاة بين المضيّ والتروِّي ، نعم مع فواتها قطعاً أو احتمالاً لا يجوز التأخير لاستلزامه الإخلال بالتروّي ، وحيث عرفت أنّ الأقوى عدم وجوبه فلا مانع من التأخير مطلقاً في غير الشكوك الباطلة كما ظهر وجهه ممّا مرّ فلاحظ.

(١) كالشكّ بين الثنتين والثلاث بعد الإكمال ففي جواز العدول إلى التمام والبناء على الأكثر ، أو وجوبه فراراً عن لزوم الإبطال المحرّم بعد التمكن من إتمامها صحيحة ، أو عدم الجواز وجوه ، بل أقوال.

__________________

(*) الظاهر جوازه ، والأحوط الإعادة بعد الإتمام.

٢٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

اختار الماتن (قدس سره) عدم الجواز ، نظراً إلى قصور دليل العدول عن الشمول لمثل المقام ، لاختصاصه بما إذا كانت الصلاة المعدول عنها صحيحة في حدّ نفسها مع قطع النظر عن العدول ، فيعدل عن صلاة صحيحة إلى مثلها ، ولا يعمّ ما إذا كان التصحيح مستنداً إلى العدول كما في المقام. فلا مناص من الحكم بالبطلان.

وهذا الكلام متين جدّاً بحسب الكبرى ، فيعتبر في جواز العدول المفروغية عن صحّة المعدول عنها لولا العدول ، ومن ثمّ لو شكّ في صلاة الفجر مثلاً بين الثنتين والثلاث أو الثنتين والأربع بعد الإكمال ليس له العدول منها إلى صلاة رباعية قضائية ثمّ البناء على الأكثر بلا إشكال. والسر أنّ دليل العدول لا يتكفّل التصحيح ، بل لا بدّ من إحراز الصحّة في مرتبة سابقة على العدول.

إلّا أنّ هذه الكبرى غير منطبقة على المقام ، والوجه فيه ما أشرنا إليه في بعض المباحث السابقة من أنّ مرجع التخيير بين القصر والتمام إلى إلغاء كلّ من الخصوصيتين وإيجاب القدر الجامع بينهما ، وأنّ له أن يسلّم على ركعتين أو أن يسلّم على الأربع ، فمتعلّق الوجوب ليس إلّا الجامع بين بشرط شي‌ء وبشرط لا ، وكلّ من خصوصيتي القصر والتمام خارجتان عن حريم الأمر ، كما هو الشأن في كلّ واجب تخييري ، من غير فرق بين التخيير العقلي والشرعي (١).

فالواجب في التخيير بين الخصال إنّما هو الجامع الانتزاعي المنطبق على كلّ من الأطراف ، فكلّ طرف مصداق لما هو الواجب ، لا أنّه بخصوصه متعلّق للوجوب ولو تخييراً ، وواضح أنّ اختيار المكلّف أحد الأطراف لا يوجب اتّصافه بالوجوب وتعلّق الأمر به بالخصوص ، بل الواقع باقٍ على حاله ولا يتغيّر ولا ينقلب عمّا هو عليه بسبب الأخذ والاختيار ، بل هو قبل الأخذ وبعده على حدّ سواء.

__________________

(١) شرح العروة ١٧ : ١٤٨.

٢٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى الجملة : مرجع الوجوب التخييري إلى إلغاء الخصوصيات وتعلّق الأمر بالجامع ، المستلزم لأن يكون أمر التطبيق بيد المكلّف ، ولا ينصرف الأمر من الجامع إلى الفرد لدى اختيار التطبيق على أحد الأطراف ، بل حاله قبل التطبيق وبعده سيّان من هذه الجهة.

وعليه فاختيار المسافر الصلاة قصراً ونيّته لها لا يستوجب اتّصافها بالوجوب بل حاله بعد الشروع فيها كحاله قبله في كون الواجب إنّما هو الجامع بينها وبين التمام ، والتخيير الثابت من ذي قبل بعينه ثابت فعلاً ، من غير فرق بين ما قبل عروض الشكّ وما بعده.

وليس هذا من التخيير بين الصحيح والفاسد كما عن صاحب الجواهر (قدس سره) (١) ، لما عرفت من أنّ معنى التخيير إلغاء الخصوصيات وتعلّق الأمر بالجامع. وهذا المعنى باقٍ فعلاً كما كان ثابتاً قبلاً.

وعليه فلا مانع من شمول الإطلاق في دليل البناء على الأكثر لمثل المقام لأنّ الموضوع لهذا الحكم ليس هو الصلاة الرباعية بخصوصها ، بل كلّ صلاة لم تكن ثنائية ولا ثلاثية بمقتضى التخصيص بهما الثابت من الخارج.

وهذا الموضوع بعينه منطبق على المقام ، لما عرفت من أنّ الواجب على المسافر في مواطن التخيير ليس هو الصلاة الثنائية وإن اختارها ونواها خارجاً ، بل الجامع بينها وبين الرباعية ، فيشمله إطلاق الدليل ، ويجب عليه البناء على الأكثر من غير حاجة إلى نيّة العدول ، بل هو عدول قهري ، لكونه محكوماً بوجوب البناء على الأكثر بحكم الشارع ، المستلزم لإتمام الصلاة تماماً.

ومن هنا قد يقوى في بادئ النظر وجوب العدول ، لكونه مأموراً بالتمام بعد حكم الشارع بوجوب البناء على الأكثر بمقتضى إطلاق الدليل كما عرفت.

__________________

(١) الجواهر ١٢ : ٣٠٨.

٢٦٧

[٢٠٦٢] مسألة ٢٦ : لو شكّ أحد الشكوك الصحيحة فبنى على ما هو وظيفته وأتمّ الصلاة ثمّ مات قبل الإتيان بصلاة الاحتياط فالظاهر وجوب قضاء أصل الصلاة عنه ، لكنّ الأحوط قضاء صلاة الاحتياط أوّلاً ثمّ قضاء أصل الصلاة ، بل لا يترك هذا الاحتياط (*) (١) ، نعم إذا مات قبل قضاء

______________________________________________________

لكنّ القول بالوجوب ضعيف ، لما أسلفناه من أنّ أدلّة الشكوك غير ناظرة إلى الوجوب التكليفي ، وإنّما هي مبيّنة لطريقة التصحيح من غير إلزام بالإتمام نعم يجب ذلك بناءً على القول بحرمة القطع ، للتمكّن من إتمام الصلاة حينئذ صحيحة ببركة الإطلاق في أدلّة البناء على الأكثر.

وكيف ما كان ، فالأقوى جواز العدول في المقام من غير حاجة إلى قيام دليل بالخصوص ، لعدم كونه عدولاً من صلاة إلى أُخرى مباينة معها ليدّعى توقّفه على إحراز الصحّة في الصلاة المعدول عنها مع قطع النظر عن العدول وإنّما هو عدول من أحد فردي الواجب إلى الآخر ، وجواز العدول في مثله مطابق للقاعدة كما عرفت بما لا مزيد عليه.

هذا كلّه حكم العدول إلى التمام بعد الشك ، وأمّا لو عدل أوّلاً ثمّ عرض الشكّ فلا ينبغي الإشكال في صحّة البناء على الأكثر كما أفاده في المتن ، اللهمّ إلّا أن يناقش في جواز العدول من القصر إلى التمام مطلقاً حتّى ولو لم يعرض شكّ كما عن بعضهم ، وإلّا فبناء على الجواز كما هو الصحيح على ما مرّ في محلّه (١) فلا ينبغي الإشكال في صحّة البناء.

(١) إن أُريد من الاحتياط في مفروض المسألة مجرّد إدراك الواقع الذي هو

__________________

(*) لا بأس بتركه.

(١) [بل سيأتي في شرح العروة ٢٠ : ٤٢١ ، نعم قد يستفاد مما تقدّم في المجلّد ١١ : ٢١٨].

٢٦٨

الأجزاء المنسيّة التي يجب قضاؤها كالتشهّد والسجدة الواحدة فالظاهر كفاية قضائها وعدم وجوب قضاء أصل الصلاة (*) وإن كان أحوط ، وكذا إذا مات قبل الإتيان بسجدة السهو الواجبة عليه فإنّه يجب قضاؤها دون أصل الصلاة.

______________________________________________________

حسن على كلّ حال فلا بأس به ، وأمّا إن أُريد به الاحتياط الوجوبي بحيث إنّه لا يترك كما عبّر (قدس سره) به فهو بحسب الصناعة غير ظاهر الوجه.

فإنّ الصلاة الأصلية إن كانت تامّة بحسب الواقع لم تكن ذمّة الميت مشغولة بشي‌ء حتّى يقضى عنه ، وإن كانت ناقصة فهي غير قابلة للتدارك بركعة الاحتياط لا من قبل الميّت لفرض العجز ، ولا من قبل الولي ، لوضوح أنّ ركعات الصلاة ارتباطية ، ولا دليل على جواز النيابة في أبعاض الواجب الارتباطي.

فلو مات على الركعتين في الصلاة الرباعية ، أو صام فمات أثناء النهار فهل ترى مشروعية قضاء الركعتين الأخيرتين أو صوم بقية النهار عنه؟

وعلى الجملة : فالاحتياط الوجوبي بقضاء ركعة الاحتياط في المقام ممّا لم يعرف له وجه أصلاً (١) ، نعم الظاهر وجوب قضاء أصل الصلاة عن الميت كما

__________________

(*) الظاهر عدم وجوب قضاء الأجزاء المنسية وسجدتي السهو عن الميّت ، نعم لا يبعد وجوب قضاء أصل الصلاة في نسيان السجدة ، والأحوط ذلك في نسيان التشهّد.

(١) لا يخفى أنّ اعتراض سيّدنا الأُستاذ (دام ظله) إنّما يتّجه بناءً على أن تكون ركعة الاحتياط جزءاً متمّماً على تقدير النقص ، وأمّا بناءً على كونها صلاة مستقلّة كما يميل إليه الماتن (قدس سره) فاحتياطه حينئذ في محلّه كما لا يخفى ، وقد عرضناه عليه فأفاد (دام ظله) في توضيح المقام : أنّ أمر صلاة الاحتياط مردّد بين أن تكون نافلة أو

٢٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ذكره في المتن ، للشكّ في خروجه عن عهدة التكليف المعلوم بعد احتمال النقص في صلاته واقعاً ، فهي واجبة عليه ظاهراً بمقتضى قاعدة الاشتغال ، وقد فاتت عنه هذه الوظيفة الظاهرية وجداناً.

وقد سبق في محلّه (١) أنّ موضوع الفوت المحكوم بوجوب القضاء أعمّ من الوظيفة الواقعية والظاهرية. فلا مناص من وجوب قضائها عنه.

هذا كلّه في قضاء ركعة الاحتياط ، وأمّا ما عداها من الأجزاء المنسية التي يجب قضاؤها كالسجدة الواحدة والتشهّد وسجدة السهو لو فرض موته قبل الإتيان بها.

فالأخير لا ينبغي الإشكال في عدم وجوب القضاء عنه ، لوضوح عدم كون سجدة السهو من الصلاة ولا من أجزائها في شي‌ء ، وإنّما هي واجب مستقل أُمر بها لإرغام الشيطان ، لا يقدح تركها في صحّة الصلاة حتّى عامداً وإن كان حينئذ آثماً فضلاً عن صورة العجز.

ومن المعلوم عدم نهوض دليل على قضاء كلّ واجب فات عن الميّت ، وإنّما يقضى ما فاته من صلاة أو صيام كما ورد في النصّ (٢) ، وقد عرفت أنّ السجدة المزبورة ليست من الصلاة في شي‌ء. وقد ظهر بما ذكرنا عدم وجوب قضاء أصل الصلاة أيضاً.

__________________

متمّمة سواء قلنا بأنّها على تقدير النقص جزء أو صلاة مستقلّة ، فانّ التتميم على كلا التقديرين مختصّ بما إذا أتى بها نفس المصلّي ، ولم يدلّ أيّ دليل على التتميم فيما إذا أتى بها شخص آخر. وإن شئت قلت : إنّ صلاة الاحتياط وإن كانت صلاة مستقلّة إلّا أنّها مع الصلاة الأصلية واجبة بوجوب واحد.

(١) شرح العروة ١٦ : ٨٢.

(٢) الوسائل ١٠ : ٣٣٠ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٥ وغيره.

٢٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا التشهّد المنسي فإن قلنا بعدم وجوب قضائه وأنّه لا يترتّب على نسيانه عدا سجدة السهو كما قوّيناه في محلّه (١) فقد ظهر حاله ممّا مرّ ، وإن قلنا بوجوب قضائه فحكمه [حكم] السجدة المنسيّة وستعرف.

وأمّا السجدة الواحدة المنسية فالظاهر عدم وجوب قضائها عنه ، فانّ المراد من قضائها بعد الصلاة معناه اللغوي أي الإتيان بها خارج الصلاة دون الاصطلاحي كما سبق في محلّه (٢) ، وعليه فهي واجبة بنفس الوجوب الضمني المتعلّق بالأجزاء ، فهي تلك السجدة الصلاتية بعينها ، غاية الأمر أنّ ظرفها ومحلّها قد تغيّر ، فاعتبر محلّها بعد السلام مع النسيان وقبله مع التذكّر ، وحينئذ يعود الكلام السابق من عدم الدليل على النيابة ومشروعية القضاء عن الغير في أبعاض الواجب الارتباطي.

ويمكن أن يقال : حيث إنّ الصلاة صدرت عن الميّت ناقصة لفقدانها للسجدة ولم تكن قابلة للتدارك فلا مناص من قضاء أصلها عنه ، وكذا الحال في التشهّد المنسي على القول باحتياجه إلى القضاء ، فانّ حكمه حكم السجدة المنسية في لزوم قضاء الأصل.

نعم ، بناءً على المختار من عدم الحاجة وكفاية سجدة السهو لم يجب القضاء عنه ، كما لا يجب قضاء سجدة السهو أيضاً على ما مرّت الإشارة إليه ، فلاحظ.

__________________

(١) في ص ٩٩.

(٢) في ص ٩٥.

٢٧١

فصل

في كيفية صلاة الاحتياط

وجملة من أحكامها مضافاً إلى ما تقدّم في المسائل السابقة.

[٢٠٦٣] مسألة ١ : يعتبر في صلاة الاحتياط جميع ما يعتبر في سائر الصلوات من الشرائط ، وبعد إحرازها ينوي ويكبّر للإحرام ويقرأ فاتحة الكتاب ويركع ويسجد سجدتين ويتشهّد ويسلّم ، وإن كانت ركعتين فيتشهّد ويسلّم بعد الركعة الثانية ، وليس فيها أذان ولا إقامة ولا سورة ولا قنوت ويجب فيها الإخفات في القراءة وإن كانت الصلاة جهرية حتّى في البسملة على الأحوط ، وإن كان الأقوى جواز الجهر بها بل استحبابه (١).

______________________________________________________

(١) يقع الكلام في كيفية صلاة الاحتياط تارة من حيث الشرائط وأُخرى من ناحية الإجزاء.

أمّا من حيث الشرائط : فلا إشكال في أنّه يعتبر فيها كلّ ما يعتبر في سائر الصلوات من الستر والاستقبال والطهارة من الحدث والخبث ونحو ذلك ، إذ هي بحسب الواقع إمّا جزء من الصلاة الأصلية أو نافلة مستقلّة ، وعلى أيّ تقدير فهي من الصلاة ، فيعتبر فيها كلّ ما يعتبر في طبيعي الصلاة.

وعليه فليس له أن يترك مراعاة الاستقبال مثلاً فيأتي بها إلى ناحية أُخرى مخالفة للصلاة الأصلية لدى تردّد القبلة بين الجهات الأربع ، وهذا في الجملة ممّا لا إشكال فيه.

٢٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

إنّما الكلام فيما لو قلنا حينئذ بكفاية الصلاة إلى جهة واحدة وعدم الحاجة إلى تكرارها إلى الجهات الأربع ، وأنّه يجتزي في ظرف الشكّ بالقبلة الاحتمالية كما هو المختار على ما سبق في محلّه (١) فهل يجوز حينئذ التوجّه في صلاة الاحتياط إلى جهة أُخرى مخالفة لما توجّه إليه في الصلاة الأصلية؟

أمّا بناءً على كونها جزءاً متمّماً فلا ينبغي الإشكال في عدم الجواز ، لوضوح عدم إمكان التفكيك بين المتمَّم والمتمِّم في مراعاة الشرط. فإنّه بمثابة الإتيان في هذه الحالة ببعض الصلاة إلى ناحية والبعض الآخر إلى ناحية أُخرى وهو كما ترى.

وأمّا بناءً على كونها صلاة مستقلّة فقد يتوهّم الجواز ، نظراً إلى أنّهما صلاتان مستقلّتان فيلحق كلّ صلاة حكمها من التخيير بين الجهات.

ولكنّه واضح الدفع ، بداهة حصول العلم الإجمالي حينئذ ببطلان إحدى الصلاتين من أجل ترك مراعاة القبلة في إحداهما ، فإنّ القبلة إن كانت في الناحية التي توجّه إليها في الصلاة الأصلية فصلاة الاحتياط فاقدة للاستقبال وإن كانت بالعكس فبالعكس. ومن المعلوم أنّ تدارك النقص المحتمل إنّما يتحقّق بصلاة احتياط موصوفة بالصحّة ، دون ما إذا كانت محكومة بالبطلان ولو من أجل العلم الإجمالي.

وأمّا النيّة فلا إشكال أيضاً في اعتبارها فيها بمعنييها من القصد إلى العمل ومن قصد التقرّب. أمّا الأوّل فللزوم القصد إلى عنوان العمل الذي به يمتاز عن غيره ، فيقصد بها الركعة المردّدة بحسب الواقع بين كونها تداركاً على تقدير ونافلة على التقدير الآخر كما هو واقع الاحتياط ، وإلّا فعنوان الاحتياط لم يرد في شي‌ء من الأخبار. وأمّا الثاني : فلكونها عبادة ، ولا عبادة إلّا مع قصد

__________________

(١) شرح العروة ١١ : ٤٣٨.

٢٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

التقرّب. هذا كلّه من حيث الشرائط.

وأمّا من ناحية الإجزاء : أمّا تكبيرة الإحرام فالمعروف والمشهور بل لعلّه المتسالم عليه بين الأصحاب اعتبارها فيها ، إذ لم ينسب الخلاف إلى أحد ، وإن كان ظاهر المحكي (١) عن القطب الراوندي وجود الخلاف في المسألة ، وإن لم يعرف المخالف بشخصه.

وكيف ما كان ، فربما يتوهّم عدم الاعتبار ، نظراً إلى خلوّ الأخبار عن التعرّض لها ، مضافاً إلى أنّها في معرض الجزئية للصلاة الأصلية فينافيه التكبير ، لاستلزامه زيادة الركن.

ويردّه : أنّ الأخبار وإن كانت خالية عن ذكر التكبير صريحاً إلّا أنّ ذلك يستفاد منها بوضوح ، لأجل الترديد فيها بين التتميم على تقدير والنفل على التقدير الآخر ، فلا بدّ من الإتيان بها على وجه تصلح لوقوعها نافلة. ومن المعلوم أنّ هذه الصلاحية موقوفة على اشتمالها على تكبيرة الافتتاح ، إذ لا صلاة من دون افتتاح ، فانّ أوّلها التكبير كما أنّ آخرها التسليم ، من غير فرق بين الفريضة والنافلة.

وأمّا حديث الزيادة فيدفعه : أوّلاً : منع صدق الزيادة في المقام ، لتقوّمها بالإتيان بشي‌ء بقصد الجزئية للعمل المزيد فيه ، المفقود فيما نحن فيه ، إذ لم يقصد بها الافتتاح للصلاة الأصلية ، ولم يؤت بها بعنوان الجزئية لها ، بل يقصد بها واقعها من الافتتاح لصلاة النافلة على تقدير التمام والذكر المطلق على تقدير النقص كما هو معنى الاحتياط في المقام.

وثانياً : سلّمنا صدق عنوان الزيادة لكنّها مغتفرة في خصوص المقام بعد قيام الدليل على الإتيان بها حسبما عرفت من استفادته من نفس نصوص الباب ، فغاية ما هناك ارتكاب التخصيص في عموم دليل قدح الزيادة ، كما هو

__________________

(١) حكاه في الحدائق ٩ : ٣٠٢.

٢٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الحال في السلام العمدي للصلاة الأصلية. فلا ينبغي التشكيك في لزوم الإتيان بتكبيرة الإحرام.

وأمّا فاتحة الكتاب فالمشهور تعيّن اختيارها ، بل ادّعي عليه الإجماع خلافاً للمحكي عن المفيد (١) والحلِّي (٢) من التخيير بينها وبين التسبيحات الأربع نظراً إلى قيامها مقام الركعة الثالثة أو الرابعة فيلحقها حكم المبدل منه.

وهو كما ترى ، لمنافاته مع التصريح بالفاتحة والأمر بها في غير واحد من النصوص (٣) ، الظاهر في التعيين. مضافاً إلى أنّها محتملة الاستقلال ، ولا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب.

وأمّا السورة فغير معتبرة لخلوّ النصوص ، بل غير مشروعة ، إذ المستفاد من نحو قوله (عليه السلام) في موثّق عمّار : «فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت» (٤) لزوم الإتيان بها على النحو الذي نقص ومماثلاً للناقص المحتمل بحيث يصلح أن يقع متمّماً. ومن المعلوم عدم مشروعية السورة في الأخيرتين ، وهذا من غير فرق بين كونها جزءاً أو صلاة مستقلّة كما لا يخفى.

ومنه تعرف عدم مشروعية القنوت أيضاً ، إذ ليس فيما يظنّ نقصه أعني الأخيرتين قنوت ، ولأجل أنّه عبادة توقيفية قد قرّر له محلّ معيّن وهو الثانية من الأولتين فتحتاج مشروعيته فيما عداه إلى دليل مفقود.

وأوضح حالاً الأذان والإقامة فإنّهما غير مشروعتين إلّا للصلوات اليومية لا لأبعاضها ولا لما عداها من الصلوات الواجبة كصلاة الآيات ونحوها فضلاً عن النوافل. فصلاة الاحتياط سواء أكانت جزءاً متمّماً أم نافلة أم صلاة

__________________

(١) المقنعة : ١٤٦.

(٢) السرائر ١ : ٢٥٤.

(٣) الوسائل ٨ : ٢١٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ١ ، ٢ وغيرهما.

(٤) الوسائل ٨ : ٢١٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ١.

٢٧٥

[٢٠٦٤] مسألة ٢ : حيث إنّ هذه الصلاة مردّدة بين كونها نافلة أو جزءاً أو بمنزلة الجزء فيراعي فيها جهة الاستقلال والجزئية ، فبملاحظة جهة الاستقلال يعتبر فيها النيّة وتكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة دون التسبيحات الأربعة ، وبلحاظ جهة الجزئية يجب المبادرة إليها بعد الفراغ من الصلاة وعدم الإتيان بالمنافيات بينها وبين الصلاة ، ولو أتى ببعض المنافيات فالأحوط إتيانها ثمّ إعادة الصلاة (*) (١).

______________________________________________________

مستقلّة واجبة لم يشرع لها الأذان ولا الإقامة ، لاختصاص دليل التشريع بالصلوات اليومية غير الشاملة لصلاة الاحتياط على كلّ تقدير.

وأمّا الإخفات في القراءة فالظاهر وجوبه وإن كانت الصلاة جهرية كما ذكر في المتن ، ويدلّ عليه قوله (عليه السلام) في موثّق عمّار : «فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت» ، فانّ المستفاد منه لزوم الإتيان بركعة الاحتياط على نحو ما ظنّ أنّه قد نقص ، بحيث يصلح لوقوعه متمّماً وتداركاً للناقص ، ولا يتحقّق ذلك إلّا لدى الموافقة معه في الكيفية. فلا مناص من مراعاة الإخفات كما كان ثابتاً في الأخيرتين.

وأمّا الإخفات في البسملة فحكمه حكم البسملة في الركعتين الأخيرتين لو اختار فيهما القراءة كما ظهر وجهه ممّا مرّ ، فإن قلنا هناك بتعيّن الإخفات كان كذلك في المقام أيضاً ، وإن قلنا بجواز الجهر فكذلك ، وحيث إنّ الأقوى جواز الجهر ثمّة ، بل استحبابه كما سبق في محلّه (١) فكذا فيما نحن فيه ، وإن كان الأحوط رعاية الإخفات كما ذكره في المتن خروجاً عن شبهة الخلاف.

(١) ذكر (قدس سره) أنّ هذه الصلاة حيث إنّها مردّدة بحسب الواقع بين أن

__________________

(*) والأظهر جواز الاكتفاء بإعادة الصلاة.

(١) شرح العروة ١٤ : ٤٨٤.

٢٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

تكون جزءاً متمّماً وأن تكون نافلة مستقلّة فلا بدّ وأن يراعى فيها كلتا الجهتين أعني جهة الاستقلال وجهة الجزئية.

فبلحاظ الاستقلال تعتبر فيها النيّة وتكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة كما مرّ الكلام حول ذلك كلّه مستقصى.

وبلحاظ الجزئية تجب المبادرة إليها بعد الصلاة من غير فصل مضرّ بالهيئة الاتصالية ، وأن لا يأتي بالمنافيات بينها وبين الصلاة الأصلية من حدث واستدبار ونحوهما ، ولو أتى بذلك فالأحوط إتيانها ثمّ إعادة الصلاة ، رعاية للقول بوجوبها مستقلا ، وإلّا فعلى القول بكونها جزءاً متمّماً يقتصر على الإعادة ، هذا.

ولا يخفى أنّ حكمه (قدس سره) بوجوب المبادرة بعد الفراغ إنّما هو من أجل اعتبار التوالي بين الأجزاء ، حذراً من الفصل الطويل المخلّ بالهيئة الاتصالية الذي هو بنفسه من أحد المنافيات ، وإلّا فلا دليل على وجوب المبادرة في حدّ نفسها مع قطع النظر عن استلزام تركها لارتكاب المنافي.

وعليه فقوله (قدس سره) بعد ذلك : وعدم الإتيان بالمنافيات ، ليس حكماً آخر مغايراً لوجوب المبادرة ، بل الأوّل من مصاديق الثاني ، فعطفه عليه من قبيل عطف العام على الخاص ، وحينئذ فالاحتياط المذكور بعد ذلك من الإتيان بصلاة الاحتياط ثمّ الإعادة لو ارتكب المنافي عائد إلى كليهما ، وليس مختصّاً بالأخير ليورد عليه بعدم الموجب للتفكيك كما لا يخفى.

وكيف ما كان ، فقد وقع الخلاف بينهم في أنّ صلاة الاحتياط هل هي صلاة مستقلّة غير مرتبطة بالصلاة الأصلية ، وكلّ منهما عمل مستقلّ لا مساس لأحدهما بالآخر ، غير أنّهما وجبا بوجوب واحد ، فانقلبت الصلاة الرباعية التي اشتغلت بها الذمّة قبل عروض الشكّ إلى صلاتين مستقلّتين وهما الصلاة البنائية وصلاة الاحتياط لا ارتباط بينهما إلّا من حيث وحدة التكليف المتعلّق بهما ، نظير نذر صوم يومين أو نذر صوم يوم والإتيان بصلاة جعفر (عليه السلام)

٢٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

في ذلك اليوم.

فكما أنّ صوم كلّ من اليومين أو الصلاة والصيام كلّ منهما عمل مستقلّ غير مرتبط أحدهما بالآخر وإن وجبا بوجوب واحد ناشئ من قبل النذر ، فكذا في المقام. ونتيجة ذلك جواز الفصل بينهما وعدم وجوب المبادرة كجواز الإتيان بسائر المنافيات. وهذا القول منسوب إلى ابن إدريس (١) وجماعة.

أو أنّها جزء متمّم من الصلاة الأصلية على تقدير النقص تتركّب الصلاة منهما كتركّبها من ركعاتها لولا عروض الشكّ ، كما أنّها نافلة على التقدير الآخر؟ ونتيجة ذلك وجوب المبادرة إليها وعدم جواز تخلّل المنافيات ، كما كان هو الحال بالنسبة إلى الركعات.

ثمّ إنّ أصحاب هذا القول قد اختلفوا ، فمنهم وهم المشهور ذهبوا إلى أنّ هذه الجزئية حقيقية واقعية ، وأنّ التكليف بأربع ركعات الثابت قبل طروء الشكّ قد انقلب واقعاً إلى التكليف بالصلاة البنائية المتعقّبة بركعة الاحتياط.

فتلك الركعة جزء حقيقي من الصلاة الأصلية على تقدير نقصها ، غاية الأمر أنّ ظرفها ومحلّها قد تغيّر وانقلب إلى ما بعد السلام ، وأنّ السلام كتكبيرة الإحرام يقع زائداً بحسب الواقع. فحال الركعة في المقام حال السجدة أو التشهّد المنسيّين اللّذَين تقدّم (٢) أنّ معنى قضائهما بعد السلام تبدّل محلّهما مع بقاء الأمر المتعلّق بهما على حاله.

ومنهم من ذهب إلى أنّ هذه الجزئية ظاهرية ، وأنّ الركعة المفصولة بمنزلة الجزء. فالانقلاب المزبور انقلاب ظاهري قرّره الشارع في مقام الأداء والتفريغ وإلّا فالتكليف المتعلّق بأربع ركعات التي اشتغلت بها الذمّة باقٍ على حاله

__________________

(١) السرائر ١ : ٢٥٦.

(٢) في ص ٩٥ ، ٢٧١.

٢٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

بحسب الواقع.

وقد بنى على هذا القول صاحب الكفاية (قدس سره) (١) عند تعرّضه للاستدلال على حجّية الاستصحاب بالأخبار ، وذكر أنّ البناء على الأكثر إنّما هو بلحاظ التشهّد والتسليم ، أمّا من حيث العدد فيبني على الأقل استناداً إلى الاستصحاب ، وأنّ أدلّة البناء على الأكثر لا تصادم حجّية الاستصحاب بل تعاضده ، غاية الأمر أنّها تستوجب التقييد في دليله بلزوم الإتيان بالركعة المشكوكة مفصولة ، لا موصولة كما كان يقتضيها دليل الاستصحاب لولا أدلّة البناء على الأكثر.

وهذان القولان لا ثمرة عملية بينهما ، للزوم المبادرة إلى الجزء أو ما هو بمنزلته ، وعدم جواز ارتكاب المنافي ، سواء أكان الانقلاب واقعيّاً أم ظاهريّاً وإنّما البحث عن ذلك علميّ محض ، بخلاف القول الأوّل كما عرفت.

وكيف ما كان ، فقد عرفت أنّ الأقوال في المسألة ثلاثة : الاستقلال ، والجزئية الواقعية ، والجزئية الظاهرية.

أمّا القول الأوّل : فهو مخالف لظواهر النصوص جدّاً ، لقوله (عليه السلام) في موثّق عمّار : «فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت» (٢) الظاهر في أنّ تلك الركعة متمّم لا أنّها عمل مستقل.

وأصرح منه قوله (عليه السلام) في صحيحة الحلبي الواردة في من شكّ بين الاثنتين والأربع : «... فان كنت إنّما صلّيت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع ...» إلخ (٣) ، ونحوها قوله (عليه السلام) في صحيحة ابن أبي يعفور : «... وإن كان

__________________

(١) كفاية الأُصول : ٣٩٦.

(٢) الوسائل ٨ : ٢١٢ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ٨ ح ١.

(٣) الوسائل ٨ : ٢١٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ١.

٢٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

صلّى ركعتين كانت هاتان تمام الأربع ، وإن تكلّم فليسجد سجدتي السهو» (١).

فإنّهما كما ترى صريحتان في أنّ ركعتي الاحتياط جزء حقيقي على تقدير النقص ، وأنّهما تمام الأربع وبهما تتحقّق الركعة الثالثة والرابعة واقعاً. ومعه كيف يمكن دعوى الاستقلال وعدم الارتباط بالصلاة الأصلية. فهذا القول ساقط جزماً.

فيدور الأمر بين القولين الآخرين ، والأظهر منهما هو القول الأوّل.

أمّا بناءً على حرمة قطع الصلاة كما عليه المشهور فظاهر ، لامتناع بقاء الأمر الواقعي المتعلّق بأربع ركعات قبل عروض الشكّ على حاله لو فرض النقص واقعاً ، إذ ليس له رفع اليد عن هذه الصلاة حسب الفرض ، بل المتعيّن عليه البناء على الأربع بمقتضى أدلّة البناء على الأكثر والتسليم على الركعة الثالثة الواقعية الذي هو بنفسه مصداق لقطع الفريضة كما لا يخفى ، فلا يتيسّر له امتثال الأمر الواقعي المتعلّق بأربع ركعات.

ومن المقرّر في محلّه أنّ كلّ تكليف لا يكون قابلاً للامتثال لا يكون قابلاً للجعل ، فلا مناص من الالتزام بالانقلاب الواقعي ، وأنّ ذاك التكليف قد تبدّل وانقلب في صقع الواقع إلى التكليف بالصلاة البنائية المقرونة بركعة الاحتياط لامتناع بقاء الحكم الواقعي حينئذ على حاله ، وجعل حكم ظاهري في قباله كما عرفت.

وأمّا بناءً على القول بجواز القطع كما لا يبعد فلأنّ التكليف الواقعي وإن كان حينئذ قابلاً للامتثال برفع اليد عن هذه الصلاة والإتيان بصلاة اخرى ذات أربع ركعات ، فهو قابل للجعل ، إلّا أنّ له إتمام هذه الصلاة بالبناء على الأكثر بمقتضى أدلّته والإتيان بركعة الاحتياط.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢١٩ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١١ ح ٢.

٢٨٠